المسيحية تاريخيا في الجزيرة العربية، في بيث قطرايي أي القطر البحري
المسيحية اي كنيسة المشرق
 
يسوع المسيح الله
 
 

   المسيحية في بيث قطرايي اي القطر البحري

على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية أو السواحل الغربية للخليج العربي قامت حضارة بحرية، اطلقت عليها مصادر كنيسة المشرق تسمية بيث قطرايي أي القطر البحري، وهي منطقة تمتد مساحتها الجغرافية من الكويت شمالاً وحتى أقصى ىسلطنة عمان جنوباً، وإلى مناطق أخرى داخل الجزيرة العربية.

فالحسن بر بهلول في معجمه الشهير يقول: القطريون والبحريون بالقرب من مجراة الأحساء والقطيف. والقطريون أهل سقطرة ونجران وأهل اليمامة.
أما توما المرجي فيقول: بيث قطرايي هي شبه جزيرة قطر الواقعة على الساحل الشرقي من شبه الجزيرة العربية بجانب جزيرة البحرين.
أما المطران أدي شير فيقول: بيث قطرايي التي في خليج العجم، وجميع النواحي الشمالية الشرقية من شبه جزيرة العرب. وأعظم هذه الجزر هي: ديرين ومشمهيغ أو سماهيج، وكانت هذه بين البحرين وعُمان. وعلى سواحل البحر تجاه هذه الجزر كانت بلاد حطا المسماة بيط أرداشير، وبلاد مازون، ومدينة هجر كانت داخل البحرين.
ويخبرنا التاريخ السعرتي أنه منذ سنة 225 م كان مطران على بيث قطرايي، وفي الشواطىء العربية شمالي البحرين.

وكان للحيرة عاصمة المناذرة دور كبير في نشر وترسيخ المسيحية في منطقة الساحل الشرقي للجزيرة العربية، وذلك لكونها مركزاً دينياً هاماً، بالإضافة إلى كونها مركزاُ مرموقاً للتجارة، وطريقاً للقوافل المنطلقة نحو آسيا الداخلية. فمن الحيرة انطلقت إرساليات مسيحية على الطريق التجاري نحو البحرين وعُمان وقطر وغيرها من البلدان الواقعة على الخليج العربي، وما هنالك من جزر قبالتها.
 

الطفل يسوع المسيح الله

 - كلمة جاثليق جمعها كلمة جثالقه، جاثليق يعني اسقف مشرف على عدد من الاساقفة او اسقف متقدم. جثالقة المشرق اي اساقفة مسؤولين تابعين لكنيسة المشرق. للشرح اكثر،  جاثليق: متقدم‌ الأساقفة او مسؤول عن عدد من الاساقفة ومعناه البطريق ومعناه الرئيس‌ الديني‌ الاعلي‌ عند الكلدان‌ النساطرة ‌في‌ ايام‌ الملوك‌ الساسانيين‌ و الخلفاء العباسيين‌ ويقال احيانا (يقابله‌ ‌في‌ وقتنا ‌هذا‌ "البطريرك‌" و"كاتوليكوس‌") .
 - كنيسة المشرق او  كنيسة النسطورية او كنيسة المشرق القدبمة او كنيسة الاشورية
 - بيث قطرايي أي القطر البحري، وهي منطقة تمتد مساحتها الجغرافية من الكويت شمالاً وحتى أقصى ىسلطنة عمان جنوباً

وقد عاش في بيث قطرايي الكثير من التجار النساطرة والرهبان، وكانوا يذكرون باسم حملة اللؤلؤ. وصار للؤلؤ أهمية وقيمة عالية في الأخبار التي ترجع لفترة فجر المسيحية لدى سكان البلاد. فقيمة اللؤلؤ الكبيرة عنهم والذي يرتبط بمنطقة الخليج الغنية بمصائده.
ففي رأي البعض لا بد أن لها علاقة بعبارة إنجيل متى (13 : 45 _ 46) " يشبه ملكوت السماوات تاجراً كان يبحث عن لؤلؤ ثمين، فلما وجد لؤلؤة ثمينة مضى وباع كل ما يملك واشتراها ".

وكان اللؤلؤ مهماً جداً في الكنائس الشرقية، أهمية كأس العشاء الرباني في الكنيسة الغربية. فإذا كانت الكأس المقدسة هذه التي استعملها المسيح في العشاء الأخير، فإن اللؤلؤ هو قطعة من عجين الخبزة الأصلية التي كسرها المسيح في العلية في العشاء ذاته. وعرف أن الجاثليق حزقيال (567 _ 581م) كان صياد لؤلؤ ماهر، ولعل ذلك مار رفعه إلى السدة البطريركية.

ويقول التاريخ السعرتي: إن المطران حزقيال نال حظوة في عين الملك خسرو الأول أنوشروان وحصل على مواجهة من الملك وحتى على صداقته، بسبب رفعته وقابليته ومهنته كطبيب، ولمعرفته الجيدة للغة الفارسية، فأرسله وهو للا يزل أسقفاً على الزوابي مع بعض الغطاسين للحصول على اللؤلؤ من البحرين. وقد جلب معه لؤلؤة نادرة عجيبة وثمينة جداً، فما كان من الملك إلا ورفع حزقيال وألحقه بخدمته، ثم أوصى بانتخابه جاثليقاً للكنيسة الشرقية، وهو الجاثليق التاسع والعشرون.

وبسبب التجارة وصيد اللؤلؤ في منطقة بيث قطرايي التي تشمل في جغرافية كنيسة المشرق قطر والبحرين وعُمان، انتشرت المسيحية في هذه البلاد.
فإبراهيم الكشكري من القرن السادس قال عن نفسه: لقد كنت تاجراً مع أولئك الذين تاجروا وسافروا في البحر.
والراهب بر سهدي من القرن السابع كان قبل ترهبه يذهب في البحر بصحبة التجار إلى الهند. وفي إحدى سفراته سرق القراصنة السفن، واستنجد هو بالله أن أنقذهم لينخرط في سلك الرهبنة.

وعلى أثر الجدالات الدينية التي دارت بين المسيحيين، ثبتت الحيرة على المذهب الشرقي (النسطوري) أسوة بكنيسة فارس كلها. ولذلك فالإرساليات الداعية للمسيحية والمنطلقة من الحيرة وغيرها إلى بلدان الخليج العربي وجزره وغيرها من مناطق الجزيرة العربية، نشرت العقيد الشرقية في تلك البلدان.

وقد انتشرت المسيحية أيضاً بين القبائل الرحالة في منطقة البحرين، وكان أشهر من اعتنقها من عرب الخليج هم قبائل من تغلب وبكر بن وائل وعبد القيس.
ووصلتنا من أشعار العصر الجاهلي أمثال لبيد الذي ذكر عن رحلته من اليمامة إلى هجر، ويخبرنا كيف أنه سمع ضرب نواقيس الكنائس. هذا إلى جانب الأسماء المسيحية التي وصلتنا مثل عبد المسيح وعبد مريم.

وفي بداية القرن الخامس غدا للمسيحيين النساطرة مركز محترم في منطقة الخليج.
ولقد عثر على دير عظيم في
جزيرة خرك (خرج) الواقعة على بعد 55 كم شمال غرب بوشير، يضم كنيسة فخمة واسعة أبعادها 30×15م، وبنايات للإدارة وغرف للرهبان، ومساحة الدير 8000م2. ويقدر عدد الرهبان الذين كانوا يقيمون في الدير بما يقرب المائة.

واشتهرت البحرين بصيد السمك، وكانت مدينة عدولي (أدوليس) في هجر بالبحرين مشهورة ببناء السفن البحرية الضخمة. ويقول الشاعر طرفة بن العبد:
  كــــــــــــــــــأن حدوج المالكية غدوة     خلايا سفين بالنواصف من ددِ
عدولية أو من ســـفين ابن يامن يجور    بـــــــها الملاح طوراً ويهتدي
وما ابن يامن (بنيامين) هذا إلا رجل مسيحي من البحرين، اشتهر بصناعة السفن. ويظهر أن السفينة العدولية قد عمت شهرتها، حيث ذكرها الكثير من الشعراء.

وفي القرن الرابع الميلادي أنشأ عبد يشوع الناسك في جنوبي قطر ديراً باسم مار توما، زاره نحو سنة 390 م مار يونان الناسك أحد تلاميذ مار أوجين، فوجده آهلاً بمئتي راهب. فأقام فيه ثمة مدة يقضي الصلوات مع الرهبان بالكلدانية.

ويقول المطران أدي شير: وكان يوجد عدة أديرة في بيث قطرايي وفي أطراف الحيرة، كما يبان من رسائل الجاثليق إيشوعياب الحديابي، ومن كتاب ياقوت الحموي (معجم البلدان).

وبعد أن أضحت بيث قطرايي كرسياً ميطرابوليطياً، كان هذا الكرسي يدبر أكثر من خمس أسقفيات هي:
  1. جزيرة ديرين
  2. مشمهيغ
  3. مازون
  4. حطا
  5. نجران.
  6. وربما اليمامة وسوقطرى أيضاً.
 وجاء في كتاب الأخبار البيعية والذي يعتبر الجزء الأول المفقود من التاريخ السعرتي: الكرسي العاشر مطران قطريه في البحر، صار لأسقف نجران واليمامة.

وكان للبحرين وساحل قطر والهجر (الأحساء) أساقفة نساطرة. وكانت هجر أيام الاحتلال الفارسي مركزاً لحاكم المنطقة، الذي عاش في حصن المشقر، الذي يقع على تل اسمه عطالة.

وكان في مدينة الخط (حطا أو بطن أردشير) كنائس وأسقفيات،
وكان في قطر (قاطرايا) أبرشية نسطورية.

وفي مجمع مار إسحق المنعقد سنة 410م دعيت هذه الأبرشية بـ الجزر، وصنفت ضمن الكراسي البعيدة، بسبب بعدها عن الرقعة الأصلية والقديمة والطبيعية ذات التماس الجغرافي المتداخل لكنيسة المشرق.
 وفي القرن السابع كان كرسي بيث قطرايي المطرابوليطي يتألف من خمسة كراسي أسقفية هي:
  1. أسقفية ديرين: تقع مقابل القطيف، وشكلت أشبه بميناء لمنطقة البحرين. وبينها وبين الساحل مسيرة يوم وليلة لسفر البحر. ويجلب إليها المسك من الهند.
    ومن خلال رسالة بعثها الجاثليق إيشوعياب الأول الأرزني (582 _ 595) إلى أسقفها يعقوب، نجد أنها كانت تدعى أيضاً داري: إلى الكاهن الفاضل والمكرم الأسقف المختار مار يعقوب أسقف جزيرة داري قرب تلوان على مقربة من روحايثبا أي (الكثيرة الرياح) ".
    وتتضمن رسالة الجاثليق أجوبة على أسئلة الأسقف عن طريقة التعليم، وتدور حول مسائل أدبية وطقسية، كما تتناول حياة الاكليروس، وتقديس الأحد، وتجنب الربا، وموضوع التوبة والاعتراف، وموضوع الزواج من امرأة عاقر.
    وقد حضر العديد من أساقفة هذا الكرسي مجامع كنيسة المشرق نذكر منهم:

    • الأسقف صصر حضر مجمع الجاثليق داديشوع سنة 424م
    •  الأسقف يزجرد حضر مجمع الجاثليق آقاق سنة 486م
    •  الأسقف بريخيشوع حضر مجمع الجاثليق بابي سنة 497م
    •  الأسقف مرقس حضر مجمع الجاثليق آبا الكبير سنة 544م
    •  الأسقف يوحنا حضر مجمع الجاثليق يوسف سنة 554م
    •  الأسقف عبدا حضر مجمع الجاثليق غريغور سنة 605 م
    • الأسقف إيشوعياب حضر مجمع الجاثليق كوركيس الأول سنة 676م
    •  الأسقف دانيال حضر مجمع الجاثليق طيمثاوس الأول سنة 790م.
  2. أسقفية مشمهيغ أو سماهيج: جزيرة في وسط البحر بين عُمان والبحرين، وهذه الجزيرة تدعى بالفارسية ماش ماهي. وقيل أنها قرية على جانب البحرين ومن جواثا.
    وفي مجمع الجاثليق إسحق سنة 410 م كان ثمة نزاع على كرسي مطرانية مشمهيغ. ويقول المطران أدي شير أن سماهيج هي من كبرى الجزر قبالة الساحل العربي بين البحرين وعُمان، وفيها كرسي أسقفي تابع لميطرابوليطية بيث قطرايي
    ونجد توقيع الأسقف إيليا على قرارات مجمع الجاثليق إسحق سنة 410، ويبدو أنه لم يحضر المجمع، لكنه وافق على قراراته فيما بعد
     

  3. أسقفية مازون أو مازونا: تقع على ساحل البحر بين البحرين وعُمان، وكان مسيحيو عُمان يطلق عليهم مازونايي.
    وكان في عُمان الكثير من المسيحيين خاصة عند السواحل، وكان للعاصمة صحار التي كانت مركزاً للتجارة وصنع المنسوجات علاقة مع ميشان (البصرة)، وقد وردتنا أسماء أساقفة من أمثال:
    يوحنان الذي حضر مجمع الجاثليق داديشوع سنة 424 م الذي أنعقد في مركبثا دطيايي أي (مركبة العرب) ويعتقد أنها الحيرة.
    وصموئيل الذي حضر مجمع الجاثليق حزقيال سنة 576م.
    واسطيفانوس حضر مجمع الجاثليق كوركيس الأول سنة 676 م
     

  4. أسقفية هجر: هجر قصبة بلاد البحرين بينه وبين سرين سبعة أيام.
    وقيل ناحية البحرين كلها هجر كما قال صفي الدين البغدادي. وقد كتب رسول الإسلام إلى أهل هجر، وكان يحكمها المنذر بن ساوى المسيحي.
    ويقول المطران أدي شير: هجر مدينة كانت داخل البحرين، وكانت أسقفية تابعة لكرسي بيث قطرايي الميطرابوليطي. وقد حضر أسقفها بوسي مجمع الجاثليق كوركيس الأول سنة 676م.
     

  5. أسقفية حطا أو الخُط أو بيط أرداشير: يقول ياقوت الحموي: الخُط أرض تنسب إليها الرماح الخطية، وهو خط عُمان. وذلك السيف كله يسمى الخُط، ومن قرى الخُط القطيف والعقير وقطر. وجميع هذا في سيف البحرين وعُمان، وهي مواضع كانت تجلب إليها الرماح القنا من الهند، فتقوم فيه وتباع إلى العرب
    ويتحدث الحموي عن قطر قائلاً: قرية في أعراض البحرين على سيف الخط بين عمان والعقير قرية يقال لها قطر
     أما المطران أدي شير فيقول: حطا كرسي أسقفي كان يدار من قبل كرسي بيث قطرايي المطرابوليطي. وقد حضر أسقفها شاهين مجمع الجاثليق كوركيس الأول سنة 676 م.
     

  6. أسقفيات نجران واليمامة وسوقطرى:
    يقول الأب ألبير أبونا: وفي اليمامة الواقعة في الجنوب الشرقي من نجد والحجاز، كان للمسيحيين أنصار عديدون في قبيلة بني حنيفة القوية. أما في حضرموت وتوابعها أي منطقة المهرة وجزيرة سقطرى، فنجد آثاراً مسيحية قبل مجيء الإسلام، ونعرف أسماء ست أبرشيات على الساحل الشرقي من الجزيرة العربية وفي عُمان وجزيرة سقطرى.
    ويتحدث المؤرخ قوزما (520_525م): يوجد جماعات مسيحية في سقطرى، يقتبل أكليروسها الدرجات الكهنوتية من بلاد فارس. وقد استمرت المسيحية في هذه الجزيرة زمناً طويلاً، وقد رسم البطريرك سبريشوع الثالث (1064 _ 1072م) مطراناً لها.
    ويذكر الرحالة ماركو بولو أن أهالي جزيرة سقطرى هم مسيحيون، وعندهم مطران يدير شؤونهم، وهو يخضع لرئيس الأساقفة الذي يقيم في بغداد، ومنها يعطي أوامره إلى مطران هذه الجزيرة، وهو عندهم مثل بابا روما.
    ويبدو أنه في القرن السابع عشر كان في سقطرى جماعات مسيحية كثيرة.
    وجاء في كتاب المجدل لعمرو بنى متى: في زمن الجاثليق يهبالاها المتوفي سنة 1593، كان ضمن من حضر رسامته جاثليقاً في المدائن، قرياقوس أسقف اسقطرى.

ويقول الأب ألبير أبونا: لقد كان النشاط الوثاب، والرغبة العارمة في نشر بشرى الإنجيل، يعتمران قلوب أبناء هذه الكنيسة، التي ازدهرت على الساحل الغربي للخليج العربي. وما سهل وصول المسيحية إلى بلاد الهند، وجود مسيحية منظمة على كلا الساحلين الشرقي والغربي للخليج، منذ نهاية القرن الرابع، لا سيما في مطلع القرن الخامس في جزر البحرين وفي قطر وعُمان وغيرها وفي بلاد فارس وغيرها. 

 
 
©   pure software code 2016