فصل
1
سيرة أيوب
عَاشَ فِي أَرْضِ عَوْصَ
رَجُلٌ اسْمُهُ أَيُّوبُ، كَانَ صَالحاً كَامِلاً يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ
عَنِ الشَّرِّ. 2وَأَنْجَبَ أَيُّوبُ سَبْعَةَ أَبْنَاءٍ وَثَلاَثَ
بَنَاتٍ. 3وَبَلَغَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلافٍ مِنَ الْغَنَمِ،
وَثَلاَثَةَ آلافِ جَمَلٍ، وَخَمْسَ مِئَةِ زَوْجٍ مِنَ الْبَقَرِ،
وَخَمْسَ مِئَةِ أَتَانٍ. أَمَّا خَدَمُهُ فَكَانُوا كَثِيرِينَ جِدّاً.
وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ أَعْظَمَ أَبْنَاءِ الْمَشْرِقِ قَاطِبَةً.
4وَاعْتَادَ أَوْلاَدُهُ أَنْ يُقِيمُوا الْمَآدِبَ فِي بَيْتِ كُلٍّ
مِنْهُمْ بِدَوْرِهِ، وَيَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ الثَّلاَثَ إِلَيْهَا
لِيُشَارِكْنَ فِيهَا. 5وَحَالَمَا تَنْقَضِي أَيَّامُ الْوَلاَئِمِ كَانَ
أَيُّوبُ يَسْتَدْعِي أَبْنَاءَهُ وَيُقَدِّسُهُمْ، فَكَانَ يَنْهَضُ
مُبَكِّراً فِي الصَّبَاحِ وَيُقَرِّبُ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ
قَائِلاً: «لِئَلاَّ يَكُونَ بَنِيَّ قَدْ أَخْطَأُوا فِي قُلُوبِهِمْ
وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ». هَذَا مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ أَيُّوبُ دَائِماً.
الإذن للشيطان بتجربة أيوب
6وَحَدَثَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنْ
مَثَلَ بَنُو اللهِ أَمَامَ الرَّبِّ، فَانْدَسَّ الشَّيْطَانُ فِي
وَسَطِهِمْ. 7فَسَأَلَ الرَّبُّ الشَّيْطَانَ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟»
فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: «مِنَ الطَّوَافِ فِي الأَرْضِ وَالتَّجَوُّلِ
فِيهَا». 8فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ رَاقَبْتَ عَبْدِي
أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَهُوَ رَجُلٌ كَامِلٌ
صَالِحٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ». 9فَأَجَابَ
الشَّيْطَانُ: «أَمَجَّاناً يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ ؟ 10أَلَمْ تُسَيِّجْ
حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا يَمْلِكُ. لَقَدْ بَارَكْتَ
كُلَّ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ، فَمَلأَتْ مَوَاشِيهِ الأَرْضَ.
11وَلَكِنْ حَالَمَا تَمُدُّ يَدَكَ وَتَمَسُّ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ،
فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». 12فَقَالَ الرَّبُّ
لِلشَّيْطَانِ: «هَا أَنَا أُسَلِّمُكَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ. إِنَّمَا لاَ
تَمُدَّ يَدَكَ إِلَيْهِ لِتُؤْذِيَهُ». ثُمَّ انْصَرَفَ الشَّيْطَانُ مِنْ
حَضْرَةِ الرَّبِّ.
هلاك أبناء أيوب ودمار
ممتلكاته
13وَذَاتَ يَوْمٍ، فِيمَا
كَانَ أَبْنَاءُ أَيُّوبَ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْراً
فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ، 14أَقْبَلَ رَسُولٌ إِلَى أَيُّوبَ
وَقَالَ: «بَيْنَمَا كَانَتِ الْبَقَرُ تَحْرُثُ وَالأُتُنُ تَرْعَى إِلَى
جِوَارِهَا، 15هَاجَمَنَا غُزَاةُ السَّبَئِيِّينَ وَأَخَذُوهَا،
وَقَتَلُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَفْلَتُّ أَنَا وَحْدِي
لأُخْبِرَكَ». 16وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ آخَرُ قَائِلاً:
«لَقَدْ نَزَلَتْ صَاعِقَةٌ مِنَ السَّمَاءِ أَحْرَقَتِ الْغَنَمَ
وَالْغِلْمَانَ وَالْتَهَمَتْهُمْ، وَأَفْلَتُّ أَنَا وَحْدِي
لأُخْبِرَكَ». 17وَبَيْنَمَا هَذَا يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ ثَالِثٌ وَقَالَ:
«لَقَدْ غَزَتْنَا ثَلاَثُ فِرَقٍ مِنَ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَاسْتَوْلَوْا
عَلَى الْجِمَالِ، وَقَتَلُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَفْلَتُّ
أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ». 18وَإِذْ كَانَ هَذَا لاَ يَزَالُ يَتَكَلَّمُ
جَاءَ رَجُلٌ رَابِعٌ وَقَالَ: «بَيْنَمَا كَانَ أَبْنَاؤُكَ وَبَنَاتُكَ
يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْراً فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ،
19هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ مِنْ عَبْرِ الصَّحْرَاءِ، فَاجْتَاحَتْ
أَرْكَانَ الْبَيْتِ الأَرْبَعَةَ، فَانْهَارَ عَلَى الْغِلْمَانِ
وَمَاتُوا جَمِيعاً، وَأَفْلَتُّ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ». 20فَقَامَ
أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ وَأَكَبَّ عَلَى
الأَرْضِ سَاجِداً، 21وَقَالَ: «عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي
وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ،
فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكاً». 22فِي هَذَا كُلِّهِ لَمْ
يُخْطِىءْ أَيُّوبُ فِي حَقِّ اللهِ وَلَمْ يَعْزُ لَهُ حَمَاقَةً.
فصل
2
تجربة أيوب الثانية
ثُمَّ مَثَلَ بَنُو اللهِ
مَرَّةً أُخْرَى فِي حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَانْدَسَّ الشَّيْطَانُ أَيْضاً
فِي وَسَطِهِمْ، 2فَسَأَلَ الرَّبُّ الشَّيْطَانَ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟»
فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: «مِنَ الطَّوَافِ فِي الأَرْضِ وَالتَّجَوُّلِ
فِيهَا». 3فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ رَاقَبْتَ عَبْدِي
أَيُّوبَ فَإِنَّهُ لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَهُوَ رَجُلٌ كَامِلٌ
صَالِحٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ، وَحَتَّى الآنَ لاَ
يَزَالُ مُعْتَصِماً بِكَمَالِهِ، مَعَ أَنَّكَ أَثَرْتَنِي عَلَيْهِ
لأُهْلِكَهُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ». 4فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: «جِلْدٌ
بِجِلْدٍ، فَالإِنْسَانُ يَبْذُلُ كُلَّ مَا يَمْلِكُ فِدَاءَ نَفْسِهِ.
5وَلَكِنْ حَالَمَا تَمُدُّ يَدَكَ إِلَيْهِ وَتَمَسُّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ
فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». 6فَقَالَ الرَّبُّ
لِلشَّيْطَانِ: «هَا أَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنِ احْفَظْ
نَفْسَهُ».
أيوب يصاب بالقروح
7فَانْصَرَفَ الشَّيْطَانُ
مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَابْتَلَى أَيُّوبَ بِقُرُوحٍ انْتَشَرَتْ فِي
بَدَنِهِ كُلِّهِ، مِنْ قِمَّةِ الرَّأْسِ إِلَى أَخْمَصِ الْقَدَمِ،
8فَجَلَسَ أَيُّوبُ وَسَطَ الرَّمَادِ وَتَنَاوَلَ شَقْفَةً يَحُكُّ بِهَا
قُرُوحَهُ. 9فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: «أَمَا زِلْتَ مُعْتَصِماً
بِكَمَالِكَ؟ جَدِّفْ عَلَى اللهِ وَمُتْ». 10فَأَجَابَهَا: «أَنْتِ
تَتَكَلَّمِينَ كَالْجَاهِلاَتِ! أَنَقْبَلُ الْخَيْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ
وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟». فِي هَذَا كُلِّهِ لَمْ تَرْتَكِبْ شَفَتَا
أَيُّوبَ خَطَأً فِي حَقِّ اللهِ.
أصدقاء أيوب
11وَعِنْدَمَا سَمِعَ
أَصْحَابُ أَيُّوبَ الثَّلاَثَةُ بِمَا حَاقَ بِهِ مِنْ شَرٍّ، تَوَافَدُوا
إِلَيْهِ مِنْ مَقَرِّ إِقَامَتِهِمْ، وَهُمْ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ،
وَبِلْدَدُ الشُّوحِيُّ، وَصُوفَرُ النَّعْمَاتِيُّ، بَعْدَ أَنْ
تَوَاعَدُوا عَلَى الاجْتِمَاعِ عِنْدَهُ لِلرِّثَاءِ لَهُ
وَلِتَعْزِيَتِهِ. 12وَإِذْ رَأَوْهُ مِنْ بَعِيدٍ لَمْ يَعْرِفُوهُ
لِفَرْطِ مَا حَلَّ بِهِ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْبُكَاءِ،
وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ جُبَّتَهُ وَذَرَّوْا تُرَاباً فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ
نَحْوَ السَّمَاءِ، 13وَمَكَثُوا جَالِسِينَ مَعَهُ عَلَى الأَرْضِ
سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَالٍ، لَمْ يُكَلِّمْهُ فِيهَا أَحَدٌ
مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ لِشِدَّةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كَآبَةٍ.
فصل
3
أيوب يلعن يوم مولده
ثُمَّ تَكَلَّمَ أَيُّوبُ،
فَشَتَمَ الْيَوْمَ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ، 2وَقَالَ: 3«لَيْتَهُ بَادَ
الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَفَنِيَ اللَّيْلُ الَّذِي قِيلَ
فِيهِ: قَدْ حُبِلَ بِطِفْلٍ ذَكَرٍ. 4لِيَتَحَوَّلْ ذَلِكَ الْيَوْمُ
إِلَى ظَلاَمٍ. لاَ يَرْعَاهُ اللهُ مِنْ فَوْقُ، وَلاَ يُشْرِقُ عَلَيْهِ
نَهَارٌ. 5لِيَسْتَوْلِ عَلَيْهِ الظَّلامُ وَظِلُّ الْمَوْتِ.
لِيَكْتَنِفْهُ سَحَابٌ وَلْتُرَوِّعْهُ ظُلُمَاتُ النَّهَارِ. 6أَمَّا
ذَلِكَ اللَّيْلُ فَلْيَعْتَقِلْهُ الدُّجَى الْمُتَكَاثِفُ، وَلاَ
يَبْتَهِجْ مَعَ سَائِرِ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَلاَ يُحْصَ فِي عَدَدِ
الشُّهُورِ. 7لِيَكُنْ ذَلِكَ اللَّيْلُ عَاقِراً، لاَ يَتَرَدَّدُ فِيهِ
هُتَافٌ. 8لِيَلْعَنْهُ السَّحَرَةُ الْحَاذِقُونَ فِي إِيْقَاظِ
التِّنِّينِ! 9لِتُظْلِمْ كَوَاكِبُ شَفَقِهِ، وَلْيَرْتَقِبِ النُّورَ
مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ، وَلاَ يَرَ هُدُبَ الْفَجْرِ،
10لأَنَّهُ لَمْ
يُغْلِقْ رَحِمَ أُمِّي وَلَمْ يَسْتُرِ الشَّقَاءَ عَنْ عَيْنَيَّ.
أيوب يتساءل: لماذا لم أمت
11لِمَ لَمْ أَمُتْ فِي
الرَّحِمِ، وَلِمَ لَمْ أُسْلِمِ الرُّوحَ عِنْدَمَا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ
أُمِّي؟ 12لِمَاذَا وَجَدْتُ الرُّكَبَ لِتُعِينَنَي وَالثُّدِيَّ
لِتُرْضِعَنِي؟ 13وَإِلاَّ لَكُنْتُ مَازِلْتُ مُضْطَجِعاً سَاكِناً،
وَلَكُنْتُ نَائِماً مُسْتَرِيحاً 14مَعَ مُلُوكِ الأَرْضِ وَمُشِيرِيهَا،
الَّذِينَ بَنَوْا أَهْرَاماً لأَنْفُسِهِمْ. 15أَوْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ
الَّذِينَ كَنَزُوا ذَهَباً وَمَلأُوا بُيُوتَهُمْ فِضَّةً. 16أَوْ
لِمَاذَا لَمْ أُطْمَرْ فِي الأَرْضِ كَسِقْطٍ لَمْ يَرَ النُّورَ؟
17فَهُنَاكَ يَكُفُّ الأَشْرَارُ عَنْ إِثَارَةِ الْمَتَاعِبِ، وَهُنَاكَ
يَرْتَاحُ الْمُرْهَقُونَ. 18هُنَاكَ يَطْمَئِنُّ الأَسْرَى جَمِيعاً، إِذْ
لاَ يُلاَحِقُهُمْ صَوْتُ الْمُسَخِّرِ. 19هُنَاكَ يَكُونُ الصَّغِيرُ
كَالْكَبِيرِ، وَالْعَبْدُ مُتَحَرِّراً مِنْ سَيِّدِهِ.
صرخات أيوب المعذبة
20لِمَ يُوْهَبُ الشَّقِيُّ
نُوراً، وَذَوُو النُّفُوسِ الْمُرَّةِ حَيَاةً؟ 21 الَّذِينَ يَتُوقُونَ
إِلَى الْمَوْتِ فَلاَ يُقْبِلُ، وَيَنْقُبُونَ عَنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا
يَنْقُبُونَ عَنِ الْكُنُوزِ الْخَفِيَّةِ، 22 الَّذِينَ يَنْتَشُونَ
غِبْطَةً، وَيَسْتَبْشِرُونَ حِينَ يَعْثُرُونَ عَلَى ضَرِيحٍ! 23بَلْ
لِمَاذَا يُوْهَبُ نُورٌ وَحَيَاةٌ لِرَجُلٍ ضَلَّتْ بِهِ طَرِيقُهُ،
وَسَدَّ اللهُ حَوْلَهُ؟ 24اسْتَبْدَلْتُ طَعَامِي بِالأَنِينِ،
وَزَفْرَتِي تَنْسَكِبُ كَالْمِيَاهِ، 25لأَنَّهُ قَدْ غَشِيَنِي مَا
كُنْتُ أَخْشَاهُ، وَدَاهَمَنِي مَا كُنْتُ أَرْتَعِبُ مِنْهُ. 26فَلاَ
طُمَأْنِينَةَ لِي وَلاَ قَرَارَ وَلاَ رَاحَةَ، بَعْدَ أَنِ اجْتَاحَتْنِي
الْكُرُوبُ».
فصل
4
حديث أليفاز
فَأَجَابَ أَلِيفَازُ
التَّيْمَانِيُّ: 2«إِنْ جَازَفَ أَحَدٌ وَوَجَّهَ إِلَيْكَ كَلِمَةً
فَهَلْ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْكَ؟ وَلَكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ الامْتِنَاعَ
عَنِ الْكَلاَمِ؟ 3لَكَمْ أَرْشَدْتَ كَثِيرِينَ وَشَدَّدْتَ أَيَادِيَ
مُرْتَخِيَةً. 4وَلَكَمْ أَنْهَضَ كَلاَمُكَ الْعَاثِرَ، وَثَبَّتَّ
الرُّكَبَ الْمُصْطَكَّةَ! 5وَالآنَ إِذْ دَاهَمَكَ الْكَرْبُ اعْتَرَاكَ
السَّأَمُ، وَإِذْ مَسَّكَ سَاوَرَكَ الرُّعْبُ. 6أَلَيْسَتْ تَقْوَاكَ
هِيَ مُعْتَمَدُكَ، وَكَمَالُ طُرُقِكَ هُوَ رَجَاؤُكَ؟ 7اذْكُرْ. هَلْ
هَلَكَ أَحَدٌ وَهُوَ بَرِيءٌ، أَوْ أَيْنَ أُبِيدَ الصَّالِحُونَ؟ 8بَلْ
كَمَا شَاهَدْتَ فَإِنَّ الْحَارِثِينَ إِثْماً، وَالزَّارِعِينَ
شَقَاوَةً، هُمْ يَحْصُدُونَهُمَا، 9وَبِنَسَمَةِ اللهِ يَفْنَوْنَ
وَبِعَاصِفَةِ غَضَبِهِ يَهْلِكُونَ. 10قَدْ يَزْأَرُ الأَسَدُ
وَيُزَمْجِرُ اللَّيْثُ، وَلَكِنْ أَنْيَابُ الأَشْبَالِ تَهَشَّمَتْ.
11يَهْلِكُ اللَّيْثُ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الْفَرِيسَةِ، وَتَتَشَتَّتُ
أَشْبَالُ اللَّبُؤَةِ.
الإنسان فانٍ
12ذَاتَ مَرَّةٍ أُسِرَّ
إِلَيَّ بِكَلِمَةٍ، فَتَلَقَّفَتْ أُذُنِي مِنْهَا هَمْساً 13فَفِي
غَمْرَةِ الْهَوَاجِسِ، فِي رُؤَى اللَّيْلِ، عِنْدَمَا طَغَى السُّبَاتُ
عَلَى النَّاسِ، 14انْتَابَنِي رُعْبٌ وَرَعْدَةٌ أَرْجَفَا عِظَامِي،
15وَخَطَرَتْ رُوحٌ أَمَامَ وَجْهِي، فَاقْشَعَرَّ شَعْرُ جَسَدِي. 16ثُمَّ
وَقَفَتْ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَتَبَيَّنْ مَلاَمِحَهَا. تَمَاثَلَ لِي
شَكْلٌ مَا، فَرَانَ صَمْتٌ ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتاً مُنْخَفِضاً يَقُولُ:
17أَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ أَبَرَّ مِنَ اللهِ، أَمِ الرَّجُلُ
أَطْهَرَ مِنْ خَالِقِهِ؟ 18هَا إِنَّهُ لاَ يَأْتَمِنُ عَبِيدَهُ، وَإِلَى
مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً، 19فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الْمَخْلُوقُونَ
مِنْ طِينٍ، الَّذِينَ أَسَاسُهُمْ فِي التُّرَابِ، وَيُسْحَقُونَ مِثْلَ
الْعُثِّ؟ 20يَتَحَطَّمُونَ بَيْنَ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، وَيَبِيدُونَ إِلَى
الأَبَدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَبِهَ لَهُمْ أَحَدٌ. 21أَلاَ تُنْتَزَعُ
مِنهُمْ حِبَالُ خِيَامِهِمْ (أَيْ تَنْطَفِيءُ شُعَلُ حَيَاتِهِمْ)
فَيَمُوتُونَ مِنْ غَيْرِ حِكْمَةٍ؟
فصل
5
ولد الإنسان ليشقى
ادْعُ الآنَ، فَهَلْ مِنْ
مُجِيبٍ؟ وَإِلَى أَيِّ القِدِّيسِينَ تَلْتَفِتُ؟ 2الْغَيْظُ يَقْتُلُ
الأَحْمَقَ، وَالْغَيْرَةُ تُمِيتُ الأَبْلَهَ. 3لَقَدْ شَاهَدْتُ
الْغَبِيَّ يَتَأَصَّلُ، ثُمَّ لَمْ أَلْبَثْ أَنْ لَعَنْتُ مَسْكَنَهُ.
4أَبْنَاؤُهُ لاَ أَمْنَ لَهُمْ. يَتَحَطَّمُونَ عِنْدَ الْبَابِ وَلاَ
مُنْقِذَ. 5يَأْكُلُ الْجَائِعُ حَصِيدَهُمْ، وَيَلْتَهِمُهُ حَتَّى مِنْ
بَيْنِ الشَّوْكِ، وَيَمْتَصُّ الظَّامِيءُ ثَرْوَتَهُمْ. 6إِنَّ
الْبَلِيَّةَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ التُّرَابِ، وَالْمَشَقَّاتِ لاَ تَنْبُتُ
مِنَ الأَرْضِ، 7وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِمُعَانَاةِ
الْمَتَاعِبِ، كَمَا وُلِدَتِ الْجَوَارِحُ لِتُحَلِّقَ بِأَجْنِحَتِهَا.
الله يجري عظائم
8لَوْ كُنْتُ فِي مَكَانِكَ
لاَتَّجَهْتُ إِلَى اللهِ وَعَرَضْتُ أَمْرِي عَلَيْهِ. 9هُوَ صَانِعُ
عَجَائِبَ لاَ تُفْحَصُ وَعَظَائِمَ لاَ تُحْصَى. 10يُهْطِلُ الْغَيْثَ
عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، وَيُرْسِلُ الْمِيَاهَ إِلَى الْحُقُولِ. 11يُقِيمُ
الْمُتَوَاضِعِينَ فِي الْعُلَى، وَيَرْفَعُ النَّائِحِينَ إِلَى مَكَانِ
الطُّمَأْنِينَةِ. 12يُبْطِلُ تَدْبِيرَاتِ الْمُحْتَالِينَ فَيُخْفِقُونَ،
13أَوْ يُوْقِعُ الْحُكَمَاءَ فِي خِدْعَتِهِمْ، فَتَتَلاَشَى مَشُورَةُ
الْمَاكِرِينَ. 14يَكْتَنِفُهُمْ ظَلاَمٌ فِي النَّهَارِ، وَيَتَحَسَّسُونَ
طَرِيقَهُمْ فِي الظَّهِيرَةِ، كَمَنْ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ. 15يُنَجِّي
الْبَائِسِينَ مِنْ سَيْفِ فَمِهِمْ، وَمِنْ قَبْضَةِ الْقَوِيِّ
يُنْقِذُهُمْ، 16فَيُصْبِحُ لِلْمِسْكِينِ رَجَاءٌ، وَالظُّلْمُ يَسُدُّ
فَمَهُ.
وعد الله بالخلاص
17طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي
يُقَوِّمُهُ اللهُ ، فَلاَ تَرْفُضْ تَأْدِيبَ الْقَدِيرِ. 18لأَنَّ اللهَ
يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ، يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تُبْرِئَانِ. 19مِنْ سِتِّ
بَلاَيَا يُنَجِّيكَ، وَفِي سَبْعٍ لاَ يَقَعُ بِكَ أَذًى. 20يَفْدِيكَ
مِنَ الْمَوْتِ جُوعاً، وَفِي الْحَرْبِ مِنَ الْمَوْتِ بِحَدِّ السَّيْفِ.
21يَقِيكَ مِنْ لَذَعَاتِ اللِّسَانِ، فَلاَ تَخَافُ مِنَ الدَّمَارِ إِذَا
أَقْبَلَ. 22تَسْخَرُ مِنَ الدَّمَارِ وَالْمَجَاعَةِ، وَلاَ تَخْشَى
وُحُوشَ الأَرْضِ، 23لأَنَّ عَهْدَكَ مَعَ حِجَارَةِ الْحَقْلِ، وَوُحُوشُ
الصَّحْرَاءِ تُسَالِمُكَ. 24فَتُدْرِكُ أَنَّ خَيْمَتَكَ آمِنَةٌ،
وَتَتَعَهَّدُ حَظِيرَتَكَ فَلاَ تَفْقُدُ شَيْئاً. 25عِنْدَئِذٍ تَعْلَمُ
أَنَّ ذُرِّيَّتَكَ كَثِيرَةٌ، وَأَنَّ نَسْلَكَ كَعُشْبِ الأَرْضِ،
26وَتَدْخُلُ الْقَبْرَ فِي شَيْبَةٍ نَاضِجَةٍ، كَمَا يُرْفَعُ كُدْسُ
الْقَمْحِ فِي مَوْسِمِهِ. 27فَانْظُرْ. هَذَا مَا بَحَثْنَا عَنْهُ،
وَهُوَ حَقٌّ، فَاسْمَعْهُ وَاخْتَبِرْهُ بِنَفْسِكَ».
فصل
6
أيوب يطلب من الله كي يميته
فَأَجَابَ أَيُّوبُ: 2«لَوْ
أَمْكَنَ وَضْعُ حُزْنِي وَمُصِيبَتِي فِي مِيزَانٍ،3إِذَنْ لَكَانَا
أَثْقَلَ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ، لِهَذَا أَلْغُو بِكَلاَمِي. 4لأَنَّ
سِهَامَ الْقَدِيرِ نَاشِبَةٌ فِيَّ، وَرُوحِي تَشْرَبُ مِنْ سُمِّهَا،
وَأَهْوَالَ اللهِ مُتَأَلِّبَةٌ ضِدِّي. 5أَيَنْهَقُ الْحِمَارُ
الْوَحْشِيُّ عَلَى مَا لَدَيْهِ مِنْ عُشْبٍ، أَمْ يَخُورُ الثَّوْرُ
عَلَى مَا لَدَيْهِ مِنْ عَلَفٍ؟ 6أَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْكَلَ مَا لاَ طَعْمَ
لَهُ مِنْ غَيْرِ مِلْحٍ، أَمْ أَنَّ هُنَاكَ مَذَاقاً لِبَيَاضِ
الْبَيْضَةِ؟ 7لَقَدْ عَافَتْ نَفْسِي أَنْ تَمَسَّهُ لأَنَّ مِثْلَ هَذَا
الطَّعَامِ يُسْقِمُنِي.
8آهِ! لَيْتَ طِلْبَتِي
تُسْتَجَابُ وَيُحَقِّقُ اللهُ رَجَائِي، 9فَيَرْضَى اللهُ أَنْ
يَسْحَقَنِي وَيَمُدَّ يَدَهُ وَيَسْتَأْصِلَنِي، 10فَتَبْقَى لِي
تَعْزِيَةٌ وَبَهْجَةٌ أَنَّنِي فِي خِضَمِّ آلاَمِي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ
الْقُدُّوسِ. 11مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ؟ وَمَا هُوَ مَصِيرِي
حَتَّى أَتَصَبَّرَ؟ 12أَقُوَّةُ الْحِجَارَةِ قُوَّتِي؟ أَمْ لَحْمِي مِنْ
نُحَاسٍ؟ 13حَقّاً لَمْ تَعُدْ لَدَيَّ قُوَّةٌ لأُغِيثَ نَفْسِي، وَكُلُّ
عَوْنٍ قَدْ أُقْصِيَ عَنِّي.
أيوب يتهم أصدقاءه بعدم
الوفاء
14الإِنْسَانُ الْمَكْرُوبُ
يَحْتَاجُ إِلَى وَفَاءِ أَصْدِقَائِهِ، حَتَّى لَوْ تَخَلَّى عَنْ
خَشْيَةِ الْقَدِيرِ. 15قَدْ غَدَرَ بِي إِخْوَانِي كَسَيْلٍ انْقَطَعَ
مَاؤُهُ، وَكَمِيَاهِ الأَوْدِيَةِ الْعَابِرَةِ، 16الَّتِي عَكَّرَهَا
الْبَرَدُ حَيْثُ يَخْتَفِي فِيهَا الْجَلِيدُ، 17فَتَتَلاشَى فِي فَصْلِ
الْجَفَافِ، وَتَخْتَفِي مِنْ مَكَانِهَا عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ،
18فَتَحِيدُ الْقَوَافِلُ عَنْ طَرِيقِهَا وَتُوْغِلُ فِي التِّيهِ
فَتَهْلِكُ. 19بَحَثَتْ عَنْهَا قَوَافِلُ تَيْمَاءَ، وَقَوَافِلُ سَبَأَ
رَجَتِ الْعُثُورَ عَلَيْهَا. 20اعْتَرَتْهُمُ الْخَيْبَةُ لأَنَّهُمْ
أَمَّلُوا فِيهَا، وَعِنْدَمَا أَقْبَلُوا إِلَيْهَا اسْتَبَدَّ بِهِمِ
الْخَجَلُ. 21وَالآنَ قَدْ أَصْبَحْتُمْ مِثْلَهَا. أَبْصَرْتُمْ
بَلِيَّتِي فَفَزَعْتُمْ. 22هَلْ طَلَبْتُ مِنْكُمْ شَيْئاً، أَوْ
سَأَلْتُكُمْ أَنْ تَرْشُوا مِنْ مَالِكُمْ مِنْ أَجْلِي؟ 23هَلْ قُلْتُ:
أَنْقِذُونِي مِنْ قَبْضَةِ الْخَصْمِ، أَوِ افْدُونِي
مِنْ نِيرِ
الْعُتَاةِ؟
أيوب يطالب بإثبات ارتكابه
الخطيئة
24عَلِّمُونِي فَأَسْكُتَ،
وَأَفْهِمُونِي مَا ضَلَلْتُ فِيهِ. 25مَا أَشَدَّ وَقْعَ قَوْلِ الْحَقِّ،
وَلَكِنْ عَلَى مَاذَا يُبَرْهِنُ تَوْبِيخُكُمْ؟ 26أَتَبْغُونَ
مُقَارَعَةَ كَلاَمِي بالْحُجَّةِ، وَكَلِمَاتُ الْبَائِسِ تَذْهَبُ
أَدْرَاجَ الرِّيَاحِ؟ 27أَنْتُمْ تُلْقُونَ الْقُرْعَةَ حَتَّى عَلَى
الْيَتِيمِ، وَتُسَاوِمُونَ عَلَى الصَّدِيقِ. 28وَالآنَ تَلَطَّفُوا
بِالنَّظَرِ إِلَيَّ لأَنَّنِي لَنْ أَكْذِبَ عَلَيْكُمْ. 29ارْجِعُوا، لاَ
تَكُونُوا
حَائِرِينَ، فَإِنَّ
أَمَانَتِي مُعَرَّضَةٌ لِلاتِّهَامِ. 30أَفِي لِسَانِي ظُلْمٌ، أَمْ
مَذَاقِي لاَ يُمَيِّزُ مَا هُوَ فَاسِدٌ؟
فصل
7
أيوب لا يرى رجاء
أَلَيْسَتْ حَيَاةُ
الإِنْسَانِ جِهَاداً شَاقّاً عَلَى الأَرْضِ، وَأَيَّامُهُ كَأَيَّامِ
الأَجِيرِ؟ 2فَكَمَا يَتَشَوَّقُ الْعَبْدُ إِلَى الظِّلِّ، وَالأَجِيرُ
يَرْتَقِبُ أُجْرَتَهُ، 3هَكَذَا كُتِبَتْ عَلَيَّ أَشْهُرُ سُوءٍ،
وَلَيَالِي شَقَاءٍ قُدِّرَتْ لِي. 4إِذَا رَقَدْتُ أَتَسَاءَلُ: مَتَى
أَقُومُ؟ وَلَكِنَّ اللَّيْلَ طَوِيلٌ، وَأَشْبَعُ قَلَقاً إِلَى
الصَّبَاحِ. 5اكْتَسَى لَحْمِي بِالدُّودِ وَحَمْأَةِ التُّرَابِ،
وَجِلْدِي تَشَقَّقَ وَتَقَرَّحَ. 6أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنْ وَشِيعَةِ
النَّسَّاجِينَ، تَتَلاَشَى مِنْ غَيْرِ رَجَاءٍ!
صلاة أيوب
7فَاذْكُرْ يَااللهُ أَنَّ
حَيَاتِي لَيْسَتْ سِوَى نَسَمَةٍ، وَأَنَّ عَيْنَيَّ لَنْ تَعُودَا
تَرَيَانِ الْخَيْرَ. 8إِنَّ عَيْنَ مَنْ يَرَانِي الآنَ لَنْ تُبْصِرَنِي
فِيمَا بَعْدُ، وَعِنْدَمَا تَلْتَفِتُ عَيْنَاكَ إِلَيَّ لاَ تَجِدُنِي
بَعْدُ. 9كَمَا يَضْمَحِلُّ السَّحَابُ وَيَزُولُ، هَكَذَا الْمُنْحَدِرُ
إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ، 10لاَ يَرْجِعُ بَعْدُ إِلَى مَنْزِلِهِ،
وَمَكَانُهُ لاَ يَعْرِفُهُ بَعْدُ. 11لِذَلِكَ لَنْ أُلْجِمَ فَمِي،
وَسَأَتَكَلَّمُ مِنْ عُمْقِ عَذَابِ رُوحِي، وَأَشْكُو فِي مَرَارَةِ
نَفْسِي. 12أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ، حَتَّى أَقَمْتَ عَلَيَّ
حَارِساً؟ 13إِنْ قُلْتُ: إِنَّ فِرَاشِي يُعَزِّينِي وَمَرْقَدِي يُزِيلُ
كُرْبَتِي، 14فَأَنْتَ تُرَوِّعُنِي بِالأَحْلاَمِ وَتُرْهِبُنِي
بِالرُّؤَى. 15لِذَلِكَ فَضَّلْتُ الاخْتِنَاقَ وَالْمَوْتَ عَلَى جَسَدِي
هَذَا. 16كَرِهْتُ حَيَاتِي، فَلَنْ أَحْيَا إِلَى الأَبَدِ، فَكُفَّ
عَنِّي لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ. 17مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى
تَعْتَبِرَهُ وَتُعِيرَهُ كُلَّ اهْتِمَامٍ؟ 18تَفْتَقِدُهُ فِي كُلِّ
صَبَاحٍ وَتَمْتَحِنُهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ؟ 19حَتَّى مَتَى لاَ تُحَوِّلُ
وَجْهَكَ عَنِّي، وَتَكُفُّ رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ 20إِنْ أَخْطَأْتُ
فَمَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَارَقِيبَ النَّاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي هَدَفاً
لَكَ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي حِمْلاً عَلَى نَفْسِي؟ 21لِمَاذَا لاَ
تَصْفَحُ عَنْ إِثْمِي وَتُزِيلُ ذَنْبِي، لأَنَّنِي الآنَ أَرْقُدُ
فِي التُّرَابِ،
وَعِنْدَمَا تَبْحَثُ عَنِّي أَكُونُ قَدْ فَنِيتُ».
فصل
8
بلدد يتهم أيوب بالرياء
فَأَجَابَ بِلْدَدُ
الشُّوحِيُّ:
2«إِلَى مَتَى تَظَلُّ
تَلْغُو بِهَذِهِ الأَقْوَالِ، فَتَخْرُجُ مِنْ فَمِكَ كَرِيحٍ شَدِيدَةٍ؟
3أَيُحَرِّفُ اللهُ الْقَضَاءَ، أَمْ يَعْكِسُ الْقَدِيرُ مَا هُوَ حَقٌّ؟
4إِنْ كَانَ أَبْنَاؤُكَ أَخْطَأُوا فَقَدْ أَوْقَعَ بِهِمْ جَزَاءَ
مَعَاصِيهِمْ. 5فَإِنْ أَسْرَعْتَ وَطَلَبْتَ وَجْهَ اللهِ وَتَضَرَّعْتَ
إِلَى الْقَدِيرِ، 6وَإِنْ كُنْتَ نَقِيّاً صَالِحاً، فَإِنَّهُ حَتْماً
يَلْتَفِتُ إِلَيْكَ وَيُكَافِئُكَ بِمَسْكَنِ بِرٍّ. 7وَإِنْ تَكُنْ
أُولاَكَ مُتَوَاضِعَةً، فَإِنَّ آخِرَتَكَ تَكُونُ عَظِيمَةً جِدّاً.
8اسْأَلِ الأَجْيَالَ
الْغَابِرَةَ، وَتَأَمَّلْ مَا اخْتَبَرَهُ الآبَاءُ، 9فَإِنَّنَا قَدْ
وُلِدْنَا بِالأَمْسِ الْقَرِيبِ، وَلاَ نَعْرِفُ شَيْئاً، لأَنَّ
أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ. 10أَلاَ يُعْلِمُونَكَ وَيُخْبِرُونَكَ
وَيَبُثُّونَكَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ قَائِلِينَ: 11أَيَنْمُو الْبَرْدِيُّ
حَيْثُ لاَ مُسْتَنْقَعَ، أَمْ تَنْبُتُ الْحَلْفَاءُ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ؟
12إِنَّهَا تَيْبَسُ قَبْلَ سَائِرِ الْعُشْبِ، وَهِيَ فِي نَضَارَتِهَا
لَمْ تُقْطَعْ. 13هَكَذَا يَكُونُ مَصِيرُ كُلِّ مَنْ يَنْسَى اللهَ ،
وَهَكَذَا يَخِيبُ رَجَاءُ الْفَاجِرِ. 14يَنْهَارُ مَا يَعْتَمِدُ
عَلَيْهِ، وَيُصْبِحُ مِثْلَ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ. 15يَتَّكِيءُ عَلَيْهِ
فَيَنْهَدِمُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ فَلاَ يَثْبُتُ. 16يَزْدَهِرُ كَشَجَرَةٍ
أَمَامَ الشَّمْسِ، تَنْتَشِرُ أَغْصَانُهَا فَوْقَ بُسْتَانِهَا.
17تَتَشَابَكُ أُصُولُهُ حَوْلَ كَوْمَةِ الْحِجَارَةِ، وَتَلْتَفُّ حَوْلَ
الصُّخُورِ. 18وَلَكِنْ حَالَمَا يُسْتَأْصَلُ مِنْ مَوْضِعِهِ يُنْكِرُهُ
مَكَانُهُ قَائِلاً: «مَا رَأَيْتُكَ قَطُّ!» 19هَكَذَا تَكُونُ بَهْجَةُ
طَرِيقِهِ. وَلَكِنْ مِنَ التُّرَابِ يَأْتِي آخَرُونَ وَيأْخُذُونَ
مَكَانَهُ.
20إِنَّ اللهَ لاَ يَنْبِذُ
الإِنْسَانَ الْكَامِلَ وَلاَ يَمُدُّ يَدَ الْعَوْنِ لِفَاعِلِي الشَّرِّ.
21يَمْلأُ فَمَكَ ضَحِكاً وَشَفَتَيْكَ هُتَافاً، 22عِنْدَئِذٍ يَرْتَدِي
مُبْغِضُوكَ الْخِزْيَ، وَبَيْتُ الأَشْرَارِ يَنْهَارُ».
فصل
9
أيوب يدافع عن عدالة الله
فَقَالَ أَيُّوبُ: 2«قَدْ
عَلِمْتُ يَقِيناً أَنَّ الأَمْرَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ كَيْفَ يَتَبَرَّرُ
الإِنْسَانُ أَمَامَ اللهِ؟ 3إِنْ شَاءَ الْمَرْءُ أَنْ يَتَحَاجَّ مَعَهُ،
فَإِنَّهُ يَعْجِزُ عَنِ الإِجَابَةِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ. 4هُوَ
حَكِيمُ الْقَلْبِ وَعَظِيمُ الْقُوَّةِ، فَمَنْ تَصَلَّبَ أَمَامَهُ
وَسَلِمَ؟ 5هُوَ الَّذِي يُزَحْزِحُ الْجِبَالَ، فَلاَ تَدْرِي حِينَ
يَقْلِبُهَا فِي غَضَبِهِ. 6هُوَ الَّذِي يُزَعْزِعُ الأَرْضَ مِنْ
مُسْتَقَرِّهَا فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا. 7هُوَ الَّذِي يُصْدِرُ
أَمْرَهُ إِلَى الشَّمْسِ فَلاَ تُشْرِقُ، وَيَخْتِمُ عَلَى النُّجُومِ.
8يَبْسُطُ وَحْدَهُ السَّمَاوَاتِ، وَيَمْشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ.
9هُوَ الَّذِي صَنَعَ النَّعْشَ وَالْجَبَّارَ وَالثُّرَيَّا وَمَخَادِعَ
الْجَنُوبِ، 10صَانِعُ عَظَائِمَ لاَ تُسْتَقْصَى وَعَجَائِبَ لاَ تُحْصَى.
11اللهُ يَمُرُّ بِي فَلاَ
أَرَاهُ وَيَجْتَازُ فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ. 12إِذَا خَطَفَ مَنْ يَرُدُّهُ،
أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟
أيوب يدعي البراءة
13لاَ يَرُدُّ اللهُ
غَضَبَهُ؛ تَخْضَعُ لَهُ كِبْرِيَاءُ الأَشْرَار 14فَكَيْفَ إِذاً
يُمْكِنُنِي أَنْ أُجِيبَهُ، وَأَتَخَيَّرَ كَلِمَاتِي فِي مُخَاطَبَتِهِ؟
15لأَنِّي عَلَى الرَّغْمِ مِنْ بَرَاءَتِي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُجِيبَهُ،
إِنَّمَا أَسْتَرْحِمُ دَيَّانِي. 16حَتَّى لَوْ دَعَوْتُ وَاسْتَجَابَ
لِي، فَإِنِّي لاَ أُصَدِّقُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَمَعَ لِي. 17يَسْحَقُنِي
بِالْعَاصِفَةِ وَيُكْثِرُ جُرُوحِي مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ. 18لاَ يَدَعُنِي
أَلْتَقِطُ أَنْفَاسِي بَلْ يُشْبِعُنِي مَرَائِرَ. 19إِنْ كَانَتِ
الْقَضِيَّةُ قَضِيَّةَ قَُوَّةٍ، فَهُوَ يَقُولُ مُتَحَدِّياً: هَأَنَذَا.
وَإِنْ كَانَتِ الْقَضِيَّةُ قَضِيَّةَ الْقَضَاءِ، فَمَنْ يُحَاكِمُهُ؟
20إِنْ ظَنَنْتُ نَفْسِي بَرِيئاً، فَإِنَّ فَمِي يَحْكُمُ عَلَيَّ، وَإِنْ
كُنْتُ كَامِلاً فَإِنَّهُ يُجَرِّمُنِي.
21أَنَا كَامِلٌ، لِذَا لاَ
أُبَالِي بِنَفْسِي، أَمَّا حَيَاتِي فَقَدْ كَرِهْتُهَا. 22وَلَكِنَّ
الأَمْرَ سِيَّانِ، لِذَلِكَ قُلْتُ: إِنَّهُ يُفْنِي الْكَامِلَ
والشِّرِّيرَ عَلَى حَدٍّ سَواءٍ! 23عِنْدَمَا تُؤَدِّي ضَرَبَاتُ
السَّوْطِ إِلَى الْمَوْتِ الْمُفَاجِيءِ يَسْخَرُ مِنْ بُؤْسِ
الأَبْرِيَاءِ 24فَقَدْ عَهِدَ بِالأَرْضِ إِلَى يَدِ الشِّرِّيرِ،
وَأَعْمَى عُيُونَ قُضَاتِهَا. إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْفَاعِلُ، إِذاً
مَنْ هُوَ؟
أيوب يحتج على الله
25أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنْ
عَدَّاءٍ، تَفِرُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُصِيبَ خَيْراً 26تَمُرُّ كَسُفُنِ
الْبَرْدِيِّ، وَكَنَسْرٍ يَنْقَضُّ عَلَى صَيْدِهِ. 27إِنْ قُلْتُ:
أَنْسَى ضِيقَتِي، وَأُطْلِقُ أَسَارِيرِي، وَأَبْتَسِمُ وَأُبْدِي
بِشْراً، 28فَإِنِّي أَظَلُّ أَخْشَى أَوْجَاعِي، عَالِماً أَنَّكَ لَنْ
تُبْرِئَنِي. 29أَنَا مُسْتَذْنَبٌ، فَلِمَاذَا أُجَاهِدُ عَبَثاً؟
30وَحَتَّى لَوِ اغْتَسَلْتُ بِالثَّلْجِ وَنَظَّفْتُ يَدَيَّ
بِالإِشْنَانِ، 31فَإِنَّكَ تَطْرَحُنِي فِي مُسْتَنْقَعٍ نَتِنٍ حَتَّى
تَكْرَهَنِي ثِيَابِي 32لأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَاناً مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ،
وَنَمْثُلَ مَعاً لِلْمُحَاكَمَةِ. 33وَلَيْسَ مِنْ حَكَمٍ بَيْنَنَا
يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا. 34لِيَكُفَّ عَنِّي عَصَاهُ فَلاَ
يُرَوِّعَنِي رُعْبُهُ، 35عِنْدَئِذٍ أَتَكَلَّمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ
أَخْشَاهُ، لأَنَّ نَفْسِي بَرِيئَةٌ مِمَّا أُتَّهَمُ بِهِ.
فصل
10
أيوب يعترف بأن الله هو
الخالق
قَدْ كَرِهْتُ حَيَاتِي،
لِهَذَا أُطْلِقُ الْعَنَانَ لِشَكْوَايَ، وَأَتَحَدَّثُ عَنْ أَشْجَانِي
فِي مَرَارَةِ نَفْسِي، 2قَائِلاًَ لِلهِ: لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي
لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي؟ 3أَيَحْلُو لَكَ أَنْ تَجُورَ وَتَنْبِذَ عَمَلَ
يَدِكَ، وَتُحَبِّذَ مَشُورَةَ الأَشْرَارِ؟ 4أَلَكَ عَيْنَا بَشَرٍ، أَمْ
كَنَظَرِ الإِنْسَانِ تَنْظُرُ؟ 5هَلْ أَيَّامُكَ مِثْلُ أَيَّامِ
الإِنْسَانِ، أَمْ سِنُوكَ فِي قِصَرِ سِنِيِ الْبَشَرِ، 6حَتَّى تَبْحَثَ
عَنْ إِثْمِي وَتُنَقِّبَ عَنْ خَطَايَايَ؟ 7فَأَنْتَ عَالِمٌ أَنِّي
لَسْتُ مُذْنِباً، وَأَنَّهُ لاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ.
8قَدْ كَوَّنَتْنِي يَدَاكَ
وَصَنَعَتَانِي بِجُمْلَتِي، وَالآنَ الْتَفَتَّ إِلَيَّ لِتَسْحَقَنِي!
9اذْكُرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي مِنْ طِينٍ، أَتُرْجِعُنِي بَعْدُ إِلَى
التُّرَابِ؟ 10أَلَمْ تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ وَتُخَثِّرْنِي كَالْجُبْنِ؟
11كَسَوْتَنِي جِلْداً وَلَحْماً، فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ.
12مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي.
13كَتَمْتَ هَذِهِ الأُمُورَ فِي قَلْبِكَ، إِلاَّ أَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ
هَذَا قَصْدُكَ.
أيوب يحتج مرة أخرى على الله
14إِنْ أَخْطَأْتُ فَأَنْتَ
تُرَاقِبُنِي، وَلاَ تُبْرِئُنِي مِنْ إِثْمِي. 15إِنْ أَذْنَبْتُ فَوَيْلٌ
لِي. وَإِنْ كُنْتُ بَارّاً لاَ أَرْفَعُ رَأْسِي، لأَنِّي مُمْتَلِيءٌ
هَوَاناً وَنَاظِرٌ مَذَلَّتِي، 16وَإِنْ شَمَخْتُ بِرَأْسِي تَقْتَنِصُنِي
كَالأَسَدِ، ثُمَّ تَعُودُ فَتَصُولُ عَلَيَّ. 17تُجَدِّدُ شُهُودَكَ
ضِدِّي، وَتُضْرِمُ غَضَبَكَ عَلَيَّ، وَتُؤَلِّبُ جُيُوشاً تَتَنَاوَبُ
ضِدِّي.
18لِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي
مِنَ الرَّحِمِ؟ أَلَمْ يَكُنْ خَيْراً لَوْ أَسْلَمْتُ الرُّوحَ وَلَمْ
تَرَنِي عَيْنٌ؟ 19فَأَكُونُ كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ فَأُنْقَلُ مِنَ
الرَّحِمِ إِلَى الْقَبْرِ. 20أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً؟ كُفَّ
عَنِّي لَعَلِّي أَتَمَتَّعُ بِبَعْضِ الْبَهْجَةِ، 21قَبْلَ أَنْ أَمْضِيَ
إِلَى حَيْثُ لاَ أَعُودُ، إِلَى أَرْضِ الظُّلْمَةِ وَظِلِّ الْمَوْتِ،
22إِلَى أَرْضِ الظُّلْمَةِ الْمُتَكَاثِفَةِ وَالْفَوْضَى، حَيْثُ
الإِشْرَاقُ فِيهَا كَاللَّيْلِ الْبَهِيمِ».
فصل
11
صوفر يتهم أيوب بالذنب
فَأَجَابَ صُوفَرُ
النَّعْمَاتِيُّ: 2«هَلْ يُتْرَكُ هَذَا الْكَلاَمُ الْمُفَرِّطُ مِنْ
غَيْرِ جَوَابٍ، أَمْ يَتَبَرَّأُ الرَّجُلُ الْمِهْذَارُ؟ 3أَيُفْحِمُ
لَغْوُكَ النَّاسَ، أَمْ تَهَكُّمُكَ يَحُولُ دُونَ تَسْفِيهِكَ؟ 4إِذْ
تَدَّعِي قَائِلاً: مَذْهَبِي صَالِحٌ، وَأَنَا بَارٌّ فِي عَيْنَيِ
الرَّبِّ. 5وَلَكِنْ لَيْتَ اللهَ يَتَكَلَّمُ وَيَفْتَحُ شَفَتَيْهِ
لِيَرُدَّ عَلَيْكَ، 6وَيَكْشِفَ لَكَ أَسْرَارَ حِكْمَتِهِ،
فَلِلْحِكْمَةِ الصَّالِحَةِ وَجْهَانِ، فَتُدْرِكَ آنَئِذٍ أَنَّ اللهَ
عَاقَبَكَ عَلَى إِثْمِكَ بِأَقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ.
علم الله وعظمته
7أَلَعَلَّكَ تُدْرِكُ
أَعْمَاقَ اللهِ، أَمْ تَبْلُغُ أَقْصَى قُوَّةِ الْقَدِيرِ؟ 8هُوَ أَسْمَى
مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ وَهُوَ أَبْعَدُ
غَوْراً مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَعْلَمُ؟ 9هُوَ أَطْوَلُ مِنَ
الأَرْضِ وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ. 10فَإِنِ اجْتَازَ وَاعْتَقَلَكَ
وَحَاكَمَكَ فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ 11لأَنَّهُ عَالِمٌ بِالْمُنَافِقِينَ. إِنْ
رَأَى الإِثْمَ، أَفَلاَ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ؟ 12يُصْبِحُ الأَحْمَقُ
حَكِيماً عِنْدَمَا يَلِدُ حِمَارُ الْوَحْشِ إِنْسَاناً.
حض أيوب على التوبة
13إِنْ هَيَّأْتَ قَلْبَكَ
وَبَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدَيْكَ، 14وَإِنْ نَبَذْتَ الإِثْمَ الَّذِي
تَلَطَّخَتْ بِهِ كَفَّاكَ، فَلَمْ يَعُدِ الْجَوْرُ يُقِيمُ فِي
خَيْمَتِكَ. 15حِينَئِذٍ تَرْفَعُ وَجْهَكَ بِكَرَامَةٍ، وَتَكُونُ
رَاسِخاً مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، 16فَتَنْسَى مَا قَاسَيْتَ مِنْ مَشَقَّةٍ،
وَلاَ تَذْكُرُهَا إِلاَّ كَمِيَاهٍ عَبَرَتْ. 17وَتُصْبِحُ حَيَاتُكَ
أَكْثَرَ إِشْرَاقاً مِنْ نُورِ الظَّهِيرَةِ، وَيَتَحَوَّلُ ظَلاَمُهَا
إِلَى صَبَاحٍ، 18وَتَطْمَئِنُّ لأَنَّ هُنَاكَ رَجَاءً، وَتَتَلَفَّتُ
حَوْلَكَ وَتَرْقُدُ آمِناً. 19تَسْتَكِينُ إِذْ لَيْسَ مِنْ مُرَوِّعٍ،
وَكَثِيرُونَ يَتَرَجَّوْنَ رِضَاكَ 20أَمَّا عُيُونُ الأَشْرَارِ
فَيُصِيبُهَا التَّلَفُ، وَمَنَافِذُ الْهَرَبِ تَخْتَفِي مِنْ
أَمَامِهِمْ، وَلاَ أَمَلَ لَهُمْ إِلاَّ فِي الْمَوْتِ».
فصل
12
أيوب يستنكر اتهامات صوفر
فَقَالَ أَيُّوبُ: 2«صَحِيحٌ
إِنَّكُمْ شَعْبٌ تَمُوتُ مَعَكُمُ الْحِكْمَةُ! 3إِلاَّ أَنِّي ذُو فَهْمٍ
مِثْلَكُمْ، وَلَسْتُ دُونَكُمْ مَعْرِفَةً، وَمَنْ هُوَ غَيْرُ مُلِمٍّ
بِهَذِهِ الأُمُورِ؟ 4لَقَدْ أَصْبَحْتُ مَثَارَ هُزْءٍ لأَصْدِقَائِي،
أَنَا الَّذِي دَعَا اللهَ فَاسْتَجَابَ لِي. أَنَا الرَّجُلُ الْبَارُّ
الْكَامِلُ قَدْ أَصْبَحْتُ مَثَارَ سُخْرِيَةٍ! 5يُضْمِرُ الْمُطْمَئِنُّ
شَرّاً لِلْبَائِسِ الَّذِي تَزِلُّ بِهِ الْقَدَمُ، 6بَيْنَمَا يَسُودُ
السَّلاَمُ عَلَى اللُّصُوصِ، وَتُهَيْمِنُ الطُّمأْنِينَةُ عَلَى
الَّذِينَ يَعْبُدُونَ أَصْنَاماً يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ.
أيوب يصف قوة الله
7وَلَكِنِ اسْأَلِ
البَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ، 8أَوْ
خَاطِبِ الأَرْضَ فَتُعَرِّفَكَ وَسَمَكَ الْبَحْرِ فَيُنْبِئَكَ، 9أَيٌّ
مِنْهَا لاَ يَعْلَمُ أَنَّ يَدَ الرَّبِّ قَدْ صَنَعَتْ هَذَا؟ 10فَفِي
يَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ بَشَرٍ. 11أَلَيْسَتِ الأُذُنُ
تَمْتَحِنُ الْكَلاَمَ كَمَا يَتَذَوَّقُ اللِّسَانُ الطَّعَامَ؟
12الْحِكْمَةُ تُلاَزِمُ الشَّيْخُوخَةَ، وفِي طُولِ الأَيَّامِ فَهْمٌ.
حكمة الله وقدرته
13الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّةُ
لِلهِ، وَلَهُ الْمَشُورَةُ وَالْفَهْمُ. 14وَمَا يَهْدِمُهُ لاَ يُبْنَى،
وَالْمَرْءُ الَّذِي يَأْسِرُهُ اللهُ لاَ يُحَرِّرُهُ إِنْسَانٌ. 15إِنْ
حَبَسَ الْمِيَاهَ تَجِفُّ الأَرْضُ، وَإِنْ أَطْلَقَهَا تُغْرِقُهَا.
16لَهُ الْعِزَّةُ وَالْحِكْمَةُ. فِي يَدِهِ الْمُضِلُّ وَالْمُضَلُّ.
17يَأْسِرُ الْمُشِيرِينَ، وَيُحَمِّقُ فِطْنَةَ الْقُضَاةِ، 18يَفُكُّ
مَنَاطِقَ الْمُلُوكِ وَيَشُدُّ أَحْقَاءَهُمْ بِوِثَاقٍ، 19يَأْسِرُ
الْكَهَنَةَ وَيُطِيحُ بِالأَقْوِيَاءِ، 20يَحْرِمُ الأُمَنَاءَ مِنَ
الْكَلاَمِ وَيُبْطِلُ فِطْنَةَ الشُّيُوخِ، 21يُصِيبُ الشُّرَفَاءَ
بِالْهَوَانِ، وَيُرْخِي مِنْطَقَةَ الْقَوِيِّ، 22يَكْشِفُ الأَغْوَارَ
فِي الظَّلاَمِ، وَيُبْرِزُ الظُّلُمَاتِ الْمُتَكَاثِفَةَ إِلَى النُّورِ،
23يُعَظِّمُ الأُمَمَ ثُمَّ يُبِيدُهَا، وَيُوَسِّعُ تُخُومَهَا ثُمَّ
يُشَتِّتُهَا، 24يَنْزِعُ الْفَهْمَ مِنْ عُقُولِ رُؤَسَاءِ شَعْبِ
الأَرْضِ، ثُمَّ يُضِلُّهُمْ فِي قَفْرٍ بِلاَ طَرِيقٍ، 25فَيَتَحَسَّسُونَ
سَبِيلَهُمْ فِي الظَّلاَمِ وَلَيْسَ نُورٌ، وَيُرَنِّحُهُمْ كَالسُّكَارَى.
فصل
13
نفور أيوب من أصدقائه
هَذَا جَمِيعُهُ شَهِدَتْهُ
عَيْنَايَ وَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَفَهِمَتْهُ، 2وَأَنَا أَعْرِفُ مَا
تَعْرِفُونَهُ أَيْضاً، إِذْ لَسْتُ أَقَلَّ مِنْكُمْ فِطْنَةً.
3وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُخَاطِبَ الْقَدِيرَ، وَأَوَدُّ أَنْ أُحَاجَّ
اللهَ . 4أَمَّا أَنْتُمْ فَمُنَافِقُونَ، وَكُلُّكُمْ أَطِبَّاءُ
جَهَلَةٌ. 5لَيْتَكُمْ تَلْتَزِمُونَ الصَّمْتَ، فَيُحْسَبَ لَكُمْ ذَلِكَ
حِكْمَةً. 6أَنْصِتُوا الآنَ إِلَى حُجَّتِي وَاصْغَوْا إِلَى دَعْوَى
شَفَتَيَّ 7أَلإِرْضَاءِ اللهِ تَنْطِقُونَ بِالْكَذِبِ، وَهَلْ مِنْ
أَجْلِهِ تَتَفَوَّهُونَ بِالْبُهْتَانِ؟ 8أَتُحَابُونَ اللهَ أَمْ
تُدَافِعُونَ عَنْهُ؟ 9لَوْ فَحَصَكُمْ هَلْ يَجِدُ فِيكُمْ صَلاَحاً؟ أَمْ
تَخْدَعُونَهُ كَمَا تَخْدَعُونَ الْبَشَرَ؟ 10إِنَّهُ حَتْماً
يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمْ أَحَداً خُفْيَةً. 11أَوَلاَ يُرْهِبُكُمْ
جَلاَلُهُ وَيَطْغَى عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ؟ 12أَقْوَالُكُمْ أَمْثَالُ
رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ.
أيوب يدافع عن أمانته
13اسْكُتُوا عَنِّي
فَأَتَكَلَّمَ، وَلْيَحُلَّ بِي مَا يَحُلُّ! 14لِمَاذَا أَنْهَشُ لَحْمِي
بِأَسْنَانَِي وَأَضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟ 15فَهَا هُوَ حَتْماً يَقْضِي
عَلَيَّ وَلاَ أَمَلَ لِي. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَبْسُطُ حُجَّتِي
لأُزَكِّيَ طَرِيقِي أَمَامَهُ. 16لأَنَّ هَذَا سَبِيلُ خَلاَصِي، إِذْ لاَ
يَمْثُلُ الْفَاجِرُ فِي حَضْرَتِهِ. 17أَرْهِفُوا السَّمْعَ لأَقْوَالِي،
وَلْتَحْتَفِظْ مَسَامِعُكُمْ بِكَلِمَاتِي، 18فَهَا أَنَا قَدْ أَحْسَنْتُ
إِعْدَادَ الدَّعْوَى، وَلاَبُدَّ أَنْ أَتَبَرَّرَ. 19مَنِ الَّذِي
يُحَاجُّنِي؟ عِنْدَئِذٍ أَصْمُتُ وَأَمُوتُ!
20أَمْرَيْنِ أَطْلُبُ
إِلَيْكَ أَنْ لاَ تَفْعَلَهُمَا بِي، فَحِينَئِذٍ لاَ أَخْتَفِي مِنْ
حَضْرَتِكَ: 21ارْفَعْ يَدَيْكَ عَنِّي وَلاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ
تُفْزِعُنِي، 22ثُمَّ ادْعُ فَأُلَبِّيَ، أَوْدَعْنِي أَتَكَلَّمُ وَأَنْتَ
تُجِيبُنِي. 23كَمْ هِيَ آثَامِي وَخَطَايَايَ؟ أَطْلِعْنِي عَلَى ذَنْبِي
وَمَعْصِيَتِي. 24لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتُعَامِلُنِي مِثْلَ
عَدُوٍّ لَكَ؟ 25أَتُفْزِعُ وَرَقَةً مُتَطَايِرَةً وَتُطَارِدُ قَشّاً
يَابِساً؟ 26فَأَنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ أُمُوراً مُرَّةً، وَأَوْرَثْتَنِي
آثَامَ صِبَايَ. 27أَدْخَلْتَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ، وَرَاقَبْتَ
جَمِيعَ سُبُلِي، إِذْ خَطَّطْتَ عَلاَمَاتٍ عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيَّ،
28فَأَنَا كَشَجَرَةٍ نَخَرَهَا السُّوسُ وَكَثَوْبٍ أَكَلَهُ الْعُثُّ.
فصل
14
ضعف الإنسان
الإِنْسَانُ مَوْلُودُ
الْمَرْأَةِ. قَصِيرُ الْعُمْرِ وَمُفْعَمٌ بِالشَّقَاءِ، 2يَتَفَتَّحُ
كَالزَّهْرِ ثُمَّ يَنْتَثِرُ، وَيَتَوَارَى كَالشَّبَحِ فَلاَ يَبْقَى
لَهُ أَثَرٌ. 3أَعَلَى مِثْلِ هَذَا فَتَحْتَ عَيْنَيْكَ وَأَحْضَرْتَنِي
لأَتَحَاجَّ مَعَكَ؟ 4مَنْ يَسْتَوْلِدُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ؟ لاَ
أَحَدٌ! 5فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهُ مَحْدُودَةً، وَعَدَدُ أَشْهُرِهِ
مَكْتُوباً لَدَيْكَ، وَعَيَّنْتَ أَجَلَهُ فَلاَ يَتَجَاوَزُهُ، 6فَأَشِحْ
بِوَجْهِكَ عَنْهُ وَدَعْهُ يَسْتَرِيحُ مُسْتَمْتِعاً، رَيْثَمَا
يَنْتَهِي يَوْمُهُ، كَالأَجِيرِ.
لا حياة بعد الموت
7لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ
أَمَلاً، إِذَا قُطِعَتْ أَنْ تُفْرِخَ مِنْ جَدِيدٍ وَلاَ تَفْنَى
بَرَاعِمُهَا. 8حَتَّى لَوْ شَاخَتْ أُصُولُهَا فِي الأَرْضِ وَمَاتَ
جِذْعُهَا فِي التُّرَابِ، 9فَإِنَّهَا حَالَما تَسْتَرْوِحُ الْمَاءَ
تُفْرِخُ، وَتُنْبِتُ فُرُوعاً كَالْغِرْسِ. 10أَمَّا الإِنْسَانُ
فَإِنَّهُ يَمُوتُ وَيَبْلَى، يَلْفِظُ آخِرَ أَنْفَاسِهِ، فَأَيْنَ هُوَ؟
11كَمَا تَنْفَدُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبُحَيْرَةِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ،
12هَكَذا يَرْقُدُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَقُومُ، وَلاَ يَسْتَيْقِظُ مِنْ
نَوْمِهِ إِلَى أنْ تَزُولَ السَّمَوَاتُ.
13لَيْتَكَ تُوَارِينِي فِي
عَالَمِ الأَمْوَاتِ، وَتُخْفِينِي إِلَى أَنْ يَعْبُرَ عَنِّي غَضَبُكَ،
وَتُحَدِّدُ لِي أَجَلاً فَتَذْكُرَنِي. 14إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟
إِذَنْ لَصَبِرْتُ كُلَّ أَيَّامِ مُكَابَدَتِي، رَيْثَمَا يَأْتِي زَمَنُ
إِعْفَائِي. 15أَنْتَ تَدْعُو وَأَنَا أُجِيبُكَ. أَنْتَ تَتُوقُ إِلَى
عَمَلِ يَدَيْكَ، 16حِينَئِذٍ تُحْصِي خَطَوَاتِي حَقّاً، وَلَكِنَّكَ لاَ
تُرَاقِبُ خَطِيئَتِي، 17فَتَخْتِمُ مَعْصِيَتِي فِي صُرَّةٍ، وَتَسْتُرُ
ذَنْبِي.
18وَكَمَا يَتَفَتَّتُ
الْجَبَلُ السَّاقِطُ، وَيَتَزَحْزَحُ الصَّخْرُ مِنْ مَوْضِعِهِ،
19وَكَمَا تُبْلِي الْمِيَاهُ الْحِجَارَةَ، وَتَجْرُفُ سُيُولُهَا تُرَابَ
الأَرْضِ، هَكَذَا تُبِيدُ أَنْتَ رَجَاءَ الإِنْسَانِ. 20تَقْهَرُهُ
دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَتَلاَشَى، وَتُغَيِّرُ مِنْ مَلاَمِحِهِ
وَتَطْرُدُهُ. 21يُكْرَمُ أَبْنَاؤُهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ
يُذَلُّونَ وَلاَ يُدْرِكُ ذَلِكَ. 22لاَ يَشْعُرُ بِغَيْرِ آلاَمِ
بَدَنِهِ، وَلاَ يَنُوحُ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ».
فصل
15
اليفاز: أيوب يحكم على نفسه
فَقَالَ أَلِيفَازُ
التَّيْمَانِيُّ: 2«أَلَعَلَّ الْحَكِيمَ يُجِيبُ عَنْ مَعْرِفَةٍ
بَاطِلَةٍ وَيَنْفُخُ بَطْنَهُ بِرِيحٍ شَرْقِيَّةٍ، 3فَيَحْتَجَّ
بِكَلاَمٍ أَجْوَفَ وَبِأَقْوَالٍ خَرْقَاءَ؟ 4أَمَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ
تَطْرَحُ جَانِباً مَخَافَةَ اللهِ وَتَنْقُضُ عِبَادَتَهُ. 5كَلاَمُكَ
يُقِرُّ بِإِثْمِكَ، وَأَنْتَ تُؤْثِرُ أُسْلُوبَ الْمُنَافِقِينَ. 6فَمُكَ
يَدِينُكَ، لاَ أَنَا، شَفَتَاكَ تَشْهَدَانِ عَلَيْكَ.
7أَلَعَلَّكَ وُلِدْتَ
أَوَّلَ النَّاسِ، أَوْ كُوِّنْتَ قَبْلَ التِّلاَلِ؟ 8هَلْ تَنَصَّتَّ فِي
مَجْلِسِ اللهِ، فَقَصَرْتَ الْحِكْمَةَ عَلَى نَفْسِكَ؟ 9أَيُّ شَيْءٍ
تَعْرِفُهُ وَنَحْنُ نَجْهَلُهُ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ تَفْهَمُهُ وَنَحْنُ لاَ
نَمْلِكُ إِدْرَاكَهُ؟ 10رُبَّ شَيْخٍ وَأَشْيَبَ بَيْنَنَا أَكْبَرُ
سِنّاً مِنْ أَبِيكَ. 11أَيَسِيرَةٌ عَلَيْكَ تَعْزِيَاتُ اللهِ؟ حَتَّى
هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي خُوطِبْتَ بِهَا بِرِفْقٍ؟
12لِمَاذَا يَسْتَهْوِيكَ
قَلْبُكَ وَتَتَوَهَّجُ عَيْنَاكَ، 13حَتَّى تَنْفُثَ غَضَبَكَ ضِدَّ
اللهِ، وَيَصْدُرَ عَنْ فَمِكَ مِثْلُ هَذِهِ الأَقْوَالِ؟ 14مَنْ هُوَ
الإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُوَ أَوْ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى
يَتَبَرَّرَ؟ 15فَإِنْ كَانَ اللهُ لاَ يَأْتَمِنُ قِدِّيسِيهِ،
وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرَ طَاهِرَةٍ لَدَيْهِ، 16فَكَمْ بِالأَحْرَى يَكُونُ
الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ مَكْرُوهاً وَفَاسِداً!
مصير الشرير
17دَعْنِي أُبَيِّنُ لَكَ،
وَاسْمَعْ لِي لأُحَدِّثَكَ بِمَا رَأَيْتُهُ، 18وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ
حُكَمَاءُ عَنْ آبَائِهِمْ وَلَمْ يَكْتُمُوهُ، 19الَّذِينَ لَهُمْ
وَحْدَهُمْ وُهِبَتِ الأَرْضُ وَلَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ.
20يَتَلَوَّى الشِّرِّيرُ أَلَماً كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَمَعْدُودَةٌ
هِيَ سِنُو الْجَائِرِ. 21يَضِجُّ صَوْتٌ مُرْعِبٌ فِي أُذُنَيْهِ، وَفِي
أَوَانِ السَّلاَمِ يُفَاجِئُهُ الْمُخَرِّبُ. 22لاَ يَأْمُلُ الرُّجُوعَ
مِنَ الظُّلُمَاتِ، وَمَصِيرُهُ الْهَلاَكُ بِالسَّيْفِ. 23يَهِيمُ بَحْثاً
عَنْ لُقْمَةِ الْعَيْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَ الظُّلْمَةِ آتٍ
وَشِيكاً. 24يُرْهِبُهُ الضِّيقُ وَالضَّنْكُ، وَيَطْغَيَانِ عَلَيْهِ
كَمَلِكٍ مُتَأَهِّبٍ لِلْحَرْبِ. 25لأَنَّهُ هَزَّ قَبْضَتَهُ
مُتَحَدِّياً اللهَ ، وَعَلَى الْقَدِيرِ يَتَجَبَّرُ، 26وَأَغَارَ
عَلَيْهِ بِعِنَادٍ مُتَصَلِّفٍ، بِمَجَانٍّ غَلِيظَةٍ مَتِينَةٍ. 27وَمَعَ
أَنَّهُ كَسَا وَجْهَهُ سَمْناً، وَغَشَّى الشَّحْمُ كُلْيَتَيْهِ.
28فَإِنَّهُ يُقِيمُ فِي مُدُنٍ خَرِبَةٍ وَبُيُوتٍ مَهْجُورَةٍ عَتِيدَةٍ
أَنْ تُصْبِحَ رُكَاماً. 29يَفْقِدُ غِنَاهُ، وَتَتَبَخَّرُ ثَرْوَتُهُ،
وَلاَ يَثْبُتُ لَهُ فِي الأَرْضِ مُقْتَنًى. 30تَكْتَنِفُهُ دَائِماً
الظُّلْمَةُ، وتُيَبِّسُ النَّارُ أَغْصَانَهُ، وَتُزِيلُهُ نَفْخَةٌ مِنْ
فَمِ الرَّبِّ. 31لاَ يَخْدَعَنَّ نَفْسَهُ بِاتِّكَالِهِ عَلَى السُّوءِ،
لأَنَّ السُّوءَ يَكُونُ جَزَاءَهُ. 32يَسْتَوْفِيهِ كَامِلاً قَبْلَ
يَوْمِهِ،
وَتَكُونُ (حَيَاتُهُ)
كَسُعُفٍ يَابِسَةٍ. 33وَكَكَرْمَةٍ تَسَاقَطَتْ عَنَاقِيدُ حِصْرِمِهَا،
وَتَنَاثَرَ زَهْرُهَا كَالزَّيْتُونِ، 34لأَنَّ جَمَاعَةَ الْفُجَّارِ
عَقِيمُونَ، وَالنَّارُ تَلْتَهِمُ خِيَامَ الْمُرْتَشِينَ. 35حَبِلُوا
شَقَاوَةً وَأَنْجَبُوا إِثْماً، وَوَلَدَتْ بُطُونُهُمْ غِشّاً».
فصل
16
أيوب يتهم أصدقاءه بالفظاظة
فَقَالَ أَيُّوبُ: 2«قَدْ
سَمِعْتُ كَثِيراً مِثْلَ هَذَا الْكَلاَمِ وَأَنْتُمْ كُلُّكُمْ
مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ. 3أَمَا لِهَذَا اللَّغْوِ مِنْ نِهَايَةٍ؟ وَمَا
الَّذِي يُثِيرُكَ حَتَّى تَرُدَّ عَلَيَّ؟ 4فِي وُسْعِي أَنْ أَتَكَلَّمَ
مِثْلَكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانِي، وَأُلْقِيَ عَلَيْكُمْ أَقْوَالَ
مَلاَمَةٍ، وَأَهُزَّ رَأْسِي فِي وُجُوهِكُمْ، 5بَلْ كُنْتُ أُشَجِّعُكُمْ
بِنَصَائِحِي، وَأُشَدِّدُكُمْ بِتَعْزِيَاتِي.
أيوب يدّعي أن غضب الله عليه
6إِنْ تَكَلَّمْتُ لاَ
تُمْحَى كَآبَتِي، وَإِنْ صَمَتُّ، فَمَاذَا يُخَفِّفُ الصَّمْتُ عَنِّي؟
7إِنَّ اللهَ قَدْ مَزَّقَنِي حَقّاً وَأَهْلَكَ كُلَّ قَوْمِي. 8لَقَدْ
كَبَّلْتَنِي فَصَارَ ذَلِكَ شَاهِداً عَلَيَّ، وَقَامَ هُزَالِي
لِيَشْهَدَ ضِدِّي. 9مَزَّقَنِي غَضَبُهُ، وَاضْطَهَدَنِي. حَرَّقَ عَلَيَّ
أَسْنَانَهُ. طَعَنَنِي عَدُوِّي بِنَظَرَاتِهِ الْحَادَّةِ. 10فَغَرَ
النَّاسُ أَفْوَاهَهُمْ عَلَيَّ، لَطَمُونِي تَعْيِيراً عَلَى خَدِّي،
وَتَضَافَرُوا عَلَيَّ جَمِيعاً. 11أَسْلَمَنِي اللهُ إِلَى الظَّالِمِ،
وَطَرَحَنِي فِي يَدِ الأَشْرَارِ. 12كُنْتُ مُطْمَئِنّاً مُسْتَقِرّاً،
فَزَعْزَعَنِي الرَّبُّ وَقَبَضَ عَلَيَّ مِنْ عُنُقِي، وَحَطَّمَنِي
وَنَصَبَنِي لَهُ هَدَفاً. 13حَاصَرَنِي رُمَاتُهُ وَشَقَّ كُلْيَتَيَّ
مِنْ غَيْرِ رَحْمَةٍ، أَهْرَقَ مَرَارَتِي عَلَى الأَرْضِ. 14اقْتَحَمَنِي
مَرَّةً تِلْوَ مَرَّةٍ، وَهَاجَمَنِي كَجَبَّارٍ. 15خِطْتُ مِسْحاً عَلَى
جِلْدِي، وَمَرَّغْتُ عِزِّي فِي التُّرَابِ. 16احْمَرَّ وَجْهِي مِنَ
الْبُكَاءِ، وَغَشِيَتْ ظِلاَلُ الْمَوْتِ أَهْدَابِي، 17مَعَ أَنَّنِي
لَمْ أَقْتَرِفْ ظُلْماً، وَصَلاَتِي مُخْلِصَةٌ.
الله شاهد من السماء
18يَاأَرْضُ لاَ تَسْتُرِي
دَمِي، وَلاَ يَكُنْ لِصُرَاخِي قَرَارٌ. 19هُوَذَا الآنَ شَاهِدِي فِي
السَّمَاءِ، وَكَفِيلِي فِي الأَعَالِي 20أَمَّا أَصْحَابِي فَهُمُ
السَّاخِرُونَ بِي، لِذَلِكَ تَفِيضُ دُمُوعِي أَمَامَ اللهِ، 21لَكَمْ
أَحْتَاجُ لِمَنْ يُدَافِعُ عَنِّي أَمَامَ اللهِ، كَمَا يُدَافِعُ
إِنْسَانٌ عَنْ صَدِيقِهِ. 22إِذْ مَا إِنْ تَنْقَضِي سَنَوَاتُ عُمْرِي
الْقَلِيلَةُ حَتَّى أَمْضِيَ فِي طَرِيقٍ لاَ أَعُودُ مِنْهَا.
فصل
17
تَلِفَتْ رُوحِي
وَانْطَفَأَتْ أَيَّامِي، وَالْقَبْرُ مُعَدٌّ لِي. 2الْمُسْتَهْزِئُونَ
يُحَاصِرُونَنِي، الَّذِينَ تَشْهَدُ عَيْنِي مُشَاجَرَاتِهِمْ.
هل هناك رجاء؟
3كُنْ لِي ضَامِناً عِنْدَ
نَفْسِكَ، إِذْ مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَفِيلِي؟ 4فَأَنْتَ حَجَبْتَ
الْفِطْنَةَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، لِذَلِكَ لَنْ تُظْفِرَهُمْ، 5وَلْتَتْلَفْ
عُيُونُ أَبْنَاءِ مَنْ يَشِي بِأَصْحَابِهِ طَمَعاً فِي أَمْلاَكِهِمْ.
6لَقَدْ جَعَلَنِي أُمْثُولَةً لِلأُمَمِ، وَصَارَ وَجْهِي مَبْصَقَةً.
7كَلَّتْ عَيْنَايَ حُزْناً وَأَصْبَحَتْ أَعْضَائِي كَالظِّلِّ، 8فَزِعَ
الْمُسْتَقِيمُونَ مِنْ هَذَا، وَثَارَ الْبَرِيءُ عَلَى الْفَاجِرِ،
9أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَمَسَّكُ بِطَرِيقِهِ، وَيَزْدَادُ الطَّاهِرُ
الْيَدَيْنِ قُوَّةً.
10وَلَكِنِ ارْجِعُوا
جَمِيعُكُمْ، تَعَالَوْا كُلُّكُمْ، فَلاَ أَجِدُ فِيكُمْ حَكِيماً. 11قَدْ
عَبَرَتْ أَيَّامِي، وَتَمَزَّقَتْ مَآرِبِي الَّتِي هِيَ رَغَبَاتُ
قَلْبِي. 12يَجْعَلُونَ اللَّيْلَ نَهَاراً، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ
الظُّلْمَةِ يَقُولُونَ: «إِنَّ النُّورَ قَرِيبٌ!» 13إِذَا رَجَوْتُ أَنْ
تَكوُنَ الْهَاوِيَةُ مَقَرّاً لِي، وَمَهَّدْتُ فِي الظَّلاَمِ فِرَاشِي،
14وَإِنْ قُلْتُ لِلْقَبْرِ أَنْتَ أَبِي، وَلِلدُّودِ أَنْتَ أُمِّي أَوْ
أُخْتِي، 15فَأَيْنَ إِذاً آمَالِي؟ وَمَنْ يُعَايِنُ رَجَائِي؟ 16أَلاَ
تَنْحَدِرُ إِلَى مَغَالِيقِ الْهَاوِيَةِ، وَنَسْتَقِرُّ مَعاً فِي
التُّرَابِ؟»
فصل
18
بلدد يوبخ أيوب
فَقَالَ بِلْدَدُ
الشُّوحِيُّ: 2«مَتَى تَكُفُّ عَنْ تَرْدِيدِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟
تَعَقَّلْ ثُمَّ نَتَكَلَّمُ. 3لِمَاذَا تَعْتَبِرُنَا كَالْبَهِيمَةِ
وَحَمْقَى فِي عَيْنَيْكَ؟ 4يَامَنْ تُمَزِّقُ نَفْسَكَ إِرْباً غَيْظاً،
هَلْ تُهْجَرُ الأَرْضُ مِنْ أَجْلِكَ أَمْ تَتَزَحْزَحُ الصَّخْرَةُ مِنْ
مَوْضِعِهَا؟
بؤس الشرير
5أَجَلْ! إِنَّ نُورَ
الأَشْرَارِ يَنْطَفِيءُ وَلَهِيبَ نَارِهِمْ لاَ يُضِيءُ. 6يَتَحَوَّلُ
النُّورُ إِلَى ظُلْمَةٍ فِي خَيْمَتِهِ، وَيَنْطَفِيءُ سِرَاجُهُ
عَلَيْهِ. 7تَقْصُرُ خَطَوَاتُهُ الْقَوِيَّةُ وَتَصْرَعُهُ
تَدْبِيرَاتُهُ، 8لأَنَّ قَدَمَيْهِ تُوْقِعَانِهِ فِي الشَّرَكِ
وَتَطْرَحَانِهِ فِي حُفْرَةٍ، 9يَقْبِضُ الْفَخُّ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَالشَّرَكُ يَشُدُّ عَلَيْهِ، 10حِبَالَتُهُ مَطْمُورَةٌ فِي الطَّرِيقِ،
وَالْمِصْيَدَةُ كَامِنَةٌ فِي سَبِيلِهِ، 11تُرْعِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ
حَوْلِهِ وَتُزَاحِمُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، 12قُوَّتُهُ يَلْتَهِمُهَا
الْجُوعُ النَّهِمُ، وَالْكَوَارِثُ مُتَأَهِّبَةٌ تَتَرَصَّدُ كَبْوَتَهُ.
13يَفْتَرِسُ الدَّاءُ جِلْدَهُ وَيَلْتَهِمُ الْمَرَضُ الأَكَّالُ
أَعْضَاءَهُ. 14يُؤْخَذُ مِنْ خَيْمَتِهِ رُكْنِ اعْتِمَادِهِ، وَيُسَاقُ
أَمَامَ مَلِكِ الأَهْوَالِ. 15يُقِيمُ فِي خَيْمَتِهِ غَرِيبٌ وَيُذَرُّ
كِبْرِيتٌ عَلَى مَرْبِضِهِ. 16تَجِفُّ أُصُولُهُ تَحْتَهُ، وَتَتَبَعْثَرُ
فُرُوعُهُ مِنْ فَوْقِهِ. 17يَبِيدُ ذِكْرُهُ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ يَبْقَى
لَهُ اسْمٌ فِيهَا. 18يُطْرَدُ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ، وَيُنْفَى
مِنَ الْمَسْكُونَةِ. 19لاَ يَكُونُ لَهُ نَسْلٌ، وَلاَ عَقِبٌ بَيْنَ
شَعْبِهِ، وَلاَ حَيٌّ فِي أَمَاكِنِ سُكْنَاهُ. 20يَرْتَعِبُ مِنْ
مَصِيرِهِ أَهْلُ الْغَرْبِ، وَيَسْتَوْلِي الْفَزَعُ عَلَى أَبْنَاءِ
الشَّرْقِ. 21حَقّاً تِلْكَ هِيَ مَسَاكِنُ الأَشْرَارِ، وَهَذَا هُوَ
مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ اللهَ!»
فصل
19
أيوب يتوجع من التقريع
فَأَجَابَ أَيُّوبُ:
2«حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلاَمِ
الْمُوْجِعِ؟ 3فَهَذِهِ عَشَرُ مَرَّاتٍ انْهَلْتُمْ عَلَيَّ تَعْيِيراً،
وَلَمْ تَخْجَلُوا مِنَ التَّنْدِيدِ بِي! 4فَإِنْ كُنْتُ حَقّاً قَدْ
ضَلَلْتُ فَإِنَّ أَخْطَائِي هِيَ مِنْ شَأْنِي وَحْدِي. 5وَإِنْ كُنْتُمْ
حَقّاً تَسْتَكْبِرُونَ عَلَيَّ وَتَتَّخِذُونَ مِنْ عَارِي بُرْهَاناً
ضِدِّي، 6فَاعْلَمُوا إِذاً أَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَنِي فِي
الْخَطَأِ وَلَفَّ أُحْبُولَتَهُ حَوْلِي. 7هَا إِنِّي أَسْتَغِيثُ مِنَ
الظُّلْمِ وَلاَ مُجِيبَ، وَأَهْتِفُ عَالِياً وَلاَ مِنْ مُنْصِفٍ.
بلايا أيوب
8قَدْ سَيَّجَ عَلَى
طَرِيقِي فَلاَ أَعْبُرُ، وَخَيَّمَ عَلَى سُبُلِي بِالظُّلُمَاتِ.
9جَرَّدَنِي مِنْ مَجْدِي وَنَزَعَ تَاجِي عَنْ رَأْسِي. 10هَدَمَنِي مِنْ
كُلِّ جِهَةٍ، فَتَلاَشَيْتُ، وَاسْتَأْصَلَ مِثْلَ غِرْسٍ رَجَائِي.
11أَضْرَمَ عَلَيَّ غَضَبَهُ وَحَسِبَنِي مِنْ أَعْدَائِهِ. 12زَحَفَتْ
قُوَّاتُهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِيُمَهِّدُوا طَرِيقَ حِصَارٍ ضِدِّي،
وَعَسْكَرُوا حَوْلَ خَيْمَتِي.
تخلي الأهل والأصدقاء عنه
13أَبْعَدَ عَنِّي
إِخْوَتِي، فَاعْتَزَلَ عَنِّي مَعَارِفِي. 14خَذَلَنِي ذَوُو قَرَابَتِي
وَنَسِيَنِي أَصْدِقَائِي. 15وَحَسِبَنِي ضُيُوفِي وَإِمَائِي غَرِيباً،
أَصْبَحْتُ فِي أَعْيُنِهِمْ أَجْنَبِيّاً. 16أَدْعُو خَادِمِي فَلاَ
يُجِيبُ، مَعَ أَنِّي تَوَسَّلْتُ إِلَيْهِ. 17عَافَتْ زَوْجَتِي رَائِحَةَ
أَنْفَاسِي الْخَبِيثَةَ، وَكَرِهَنِي إخْوَتِي فَابْتَعَدُوا عَنِّي.
18حَتَّى الصِّبْيَانُ يَزْدَرُونَنِي. إذَا قُمْتُ يَسْخَرُونَ مِنِّي.
19مَقَتَنِي أَصْدِقَائِي الْحَمِيمُونَ، وَالَّذِينَ أَحْبَبْتُهُمُ
انْقَلَبُوا عَلَيَّ. 20لَصِقَتْ عِظَامِي بِجِلْدِي وَلَحْمِي، وَنَجَوْتُ
بِجِلْدِ أَسْنَانِي! 21ارْفُقُوا بِي يَاأَصْدِقَائِي، لأَنَّ يَدَ
الرَّبِّ قَدْ حَطَّمَتْنِي. 22لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا
يُطَارِدُنِي اللهُ ؟ أَلاَ تَشْبَعُونَ أَبَداً مِنْ لَحْمِي؟
23مَنْ لِي بِأَنْ تُدَوَّنَ
أَقْوَالِي! يَالَيْتَهَا تُسَجَّلُ فِي كِتَابٍ! 24يَالَيْتَهَا تُنْقَشُ
بِقَلَمِ حَدِيدٍ وَبِرَصَاصٍ عَلَى صَخْرٍ إِلَى الأَبَدِ!
الإِيمان بالفادي الحي
25أَمَّا أَنَا فَإِنِّي
مُوْقِنٌ أَنَّ فَادِيَّ حَيٌّ، وَأَنَّهُ لاَبُدَّ فِي النِّهَايَةِ أَنْ
يَقُومَ عَلَى الأَرْضِ. 26وَبَعْدَ أَنْ يَفْنَى جِلْدِي، فَإِنِّي
بِذَاتِي أُعَايِنُ اللهَ . 27الَّذِي أُشَاهِدُهُ لِنَفْسِي فَتَنْظُرُهُ
عَيْنَايَ وَلَيْسَ عَيْنَا آخَرَ، قَدْ فَنِيَتْ كُلْيَتَايَ شَوْقاً فِي
دَاخِلِي. 28وَإِنْ قُلْتُمْ مَاذَا نَعْمَلُ لِنَضْطَهِدَهُ، لأَنَّ
مَصْدَرَ الْمَتَاعِبِ كَامِنٌ فِيهِ؟ 29فَاخْشَوْا عَلَى أَنْفُسِكُمْ
مِنَ السَّيْفِ، لأَنَّ الْغَيْظَ يَجْلِبُ عِقَابَ السَّيْفِ،
وَتَعْلَمُونَ آنَئِذٍ أَنَّ هُنَاكَ قَضَاءً».
فصل
20
حديث صوفر عن الشرير
فَأَجَابَ صُوفَرُ
النَّعْمَاتِيُّ: 2«إِنَّ خَوَاطِرِي، مِنْ جَرَّاءِ كَلاَمِكَ،
تَحْفِزُنِي لِلْكَلاَمِ وَتُثِيرُنِي لِلرَّدِّ عَلَيْكَ. 3سَمِعْتُ
تَوْبِيخاً يُعَيِّرُنِي، وَأَجَابَنِي رُوحٌ مِنْ فِطْنَتِي.
4أَمَا عَلِمْتَ هَذَا
مُنْذُ الْقِدَمِ، مُنْذُ أَنْ خُلِقَ الإِنْسَانُ عَلَى الأَرْضِ، 5أَنَّ
طَرَبَ الشِّرِّيرِ إِلَى حِينٍ، وَأَنَّ فَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى
لَحْظَةٍ؟ 6مَهْمَا بَلَغَتْ كِبْرِيَاؤُهُ السَّمَاوَاتِ وَمَسَّتْ
هَامَتُهُ الْغَمَامَ، 7فَإِنَّهُ سَيَبِيدُ كَبِرَازِهِ، فَيَتَسَاءَلُ
الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ، مُنْدَهِشِينَ: أَيْنَ هُوَ؟ 8يَتَلاَشَى
كَحُلْمٍ وَلاَ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ، وَيَضْمَحِلُّ كَرُؤْيَا اللَّيْلِ،
9وَالْعَيْنُ الَّتِي أَبْصَرَتْهُ لاَ تَعُودُ تَرَاهُ ثَانِيَةً، وَلاَ
يُعَايِنُهُ مَكَانُهُ فِيمَا بَعْدُ. 10يَسْتَجْدِي أَوْلاَدُهُ مِنَ
الْفُقَرَاءِ، وَتَرُدُّ يَدَاهُ ثَرْوَتَهُ المَسْلُوبَةَ. 11(لاَ
تُجْدِيهِ) حَيَوِيَّةُ عِظَامِهِ لأَنَّهَا تُدْفَنُ فِي عِزِّ قُوَّتِهِ،
12يَتَذَوَّقُ الشَّرَّ فَيَحْلُو فِي فَمِهِ، فَيُبْقِيهِ تَحْتَ
لِسَانِهِ، 13وَيَمْقُتُ أَنْ يَقْذِفَهُ، بَلْ يَدَّخِرُهُ فِي فَمِهِ!
14فَيَتَحَوَّلُ طَعَامُهُ فِي أَمْعَائِهِ إِلَى مَرَارَةٍ كَالسُّمُومِ.
15وَيَتَقَيَّأُ مَا ابْتَلَعَهُ مِنْ أَمْوَالٍ، وَيَسْتَخْرِجُهَا اللهُ
مِنْ جَوْفِهِ. 16لَقَدْ رَضَعَ سَمَّ الصِّلِّ، فَقَتَلَهُ لِسَانُ
الأَفْعَى. 17لَنْ تَكْتَحِلَ عَيْنَاهُ بِمَرْأَى الأَنْهَارِ
الْجَارِيَةِ، وَلاَ بِالْجَدَاوِلِ الْفَيَّاضَةِ بِالْعَسَلِ
وَالزُّبْدِ. 18يَرُدُّ ثِمَارَ تَعَبِهِ وَلاَ يَبْلَعُهُ وَلاَ
يَسْتَمْتِعُ بِكَسْبِ تِجَارَتِهِ. 19لأَنَّهُ هَضَمَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ
وَخَذَلَهُمْ وَسَلَبَ بُيُوتاً لَمْ يَبْنِهَا.
ميراث الشرير
20وَإِذْ لاَ يَعْرِفُ
طَمَعُهُ قَنَاعَةً، فَإِنَّهُ لَنْ يَدَّخِرَ شَيْئاً يَسْتَمْتِعُ بِهِ.
21لَمْ يُبْقِ نَهَمُهُ عَلَى شَيْءٍ، لِذَلِكَ لَنْ يَدُومَ خَيْرُهُ.
22فِي وَفْرَةِ سِعَتِهِ يُصِيبُهُ الضَّنْكُ، وَتَحُلُّ بِهِ أَقْسَى
الْكَوَارِثِ. 23وَعِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ يَنْفُثُ عَلَيْهِ اللهُ
غَضَبَهُ الْحَارِقَ وَيُمْطِرُهُ عَلَيْهِ طَعَاماً لَهُ. 24إِنْ فَرَّ
مِنْ آلَةِ حَرْبٍ مِنْ حَدِيدٍ، تَخْتَرِقْهُ قَوْسُ النُّحَاسِ.
25اخْتَرَقَتْهُ عَمِيقاً وَخَرَجَتْ مِنْ جَسَدِهِ، وَنَفَذَ حَدُّهَا
اللاَّمِعُ مِنْ مَرَارَتِهِ، وَحَلَّ بِهِ رُعْبٌ. 26كُلُّ ظُلْمَةٍ
تَتَرَبَّصُ بِذَخَائِرِهِ، وَتَأْكُلُهُ نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ،
وَتَلْتَهِمُ مَا بَقِيَ مِنْ خَيْمَتِهِ. 27تَفْضَحُ السَّمَاوَاتُ
إِثْمَهُ، وَتَتَمَرَّدُ الأَرْضُ عَلَيْهِ، 28تَفْنَى مُدَّخَرَاتُ
بَيْتِهِ وَتحْتَرِقُ فِي يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ. 29هَذَا هُوَ الْمَصِيرُ
الَّذِي يُعِدُّهُ اللهُ للأَشْرَارِ، وَالْمِيرَاثُ الَّذِي كَتَبَهُ
اللهُ لَهُمْ».
فصل
21
نجاح الشرير
فَقَالَ أَيُّوبُ:
2«اسْتَمِعُوا سَمْعاً إِلَى أَقْوَالِي، وَلْتَكُنْ لِي هَذِهِ تَعْزِيَةً
مِنْكُمْ. 3احْتَمِلُونِي فَأَتَكَلَّمَ، ثُمَّ اسْخَرُوا مِنِّي. 4هَلْ
شَكْوَايَ هِيَ ضِدُّ إِنْسَانٍ؟ وَإِنْ كَانَتْ، فَلِمَاذَا لاَ أَكُونُ
ضَيِّقَ الْخُلُقِ؟ 5تَفَرَّسُوا فِيَّ وَانْدَهِشُوا، وَضَعُوا
أَيْدِيَكُمْ عَلَى أَفْوَاهِكُمْ.
6عِنْدَمَا أُفَكِّرُ فِي
الأَمْرِ أَرْتَاعُ، وَتَعْتَرِي جَسَدِي رِعْدَةٌ. 7لِمَاذَا يَحْيَا
الأَشْرَارُ وَيَطْعَنُونَ فِي السِّنِّ وَيَزْدَادُونَ قُوَّةً؟
8ذُرِّيَّتُهُمْ تَتَأَصَّلُ أَمَامَهُمْ، وَنَسْلُهُمْ يَتَكَاثَرُونَ فِي
أَثْنَاءِ حَيَاتِهِمْ. 9بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ مِنَ الْمَخَاوِفِ، وَعَصَا
اللهِ لاَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ. 10ثَوْرُهُمْ يُلْقِحُ وَلاَ يُخْفِقُ،
وَبَقَرَتُهُمْ تَلِدُ وَلاَ تُسْقِطُ. 11يُسْرِحُونَ صِبْيَانَهُمْ
كَسِرْبٍ، وَأَطْفَالُهُمْ يَرْقُصُونَ. 12يُغَنُّونَ بِالدُّفِّ
وَالْعُودِ وَيَطْرَبُونَ لِصَوْتِ الْمِزْمَارِ، 13يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ
فِي الرَّغْدِ، ثُمَّ فِي لَحْظَةٍ يَهْبِطُونَ إِلَى الْهَاوِيَةِ.
14يَقُولُونَ لِلرَّبِّ: فَارِقْنَا فَإِنَّنَا لاَ نَعْبَأُ بِمَعْرِفَةِ
طُرُقِكَ. 15مَنْ هُوَ الْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ؟ وَأَيُّ كَسْبٍ
نَجْنِيهِ إِنْ صَلَّيْنَا إِلَيْهِ؟
16وَلَكِنَّ فَلاَحَهُمْ
لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ، لِذَلِكَ تَظَلُّ مَشُورَةُ الأَشْرَارِ بَعِيدَةً
عَنِّي.
موت الشرير
17كَمْ مَرَّةٍ يَنْطَفِيءُ
مِصْبَاحُ الأَشْرَارِ؟ وَكَمْ مَرَّةٍ تَتَوَالَى عَلَيْهِمِ
النَّكَبَاتُ، إِذْ يَقْسِمُ اللهُ لَهُمْ نَصِيباً فِي غَضَبِهِ؟
18يُصْبِحُونَ كَالتِّبْنِ فِي وَجْهِ الرِّيحِ، وَكَالْعُصَافَةِ الَّتِي
تُطَوِّحُ بِهَا الزَّوْبَعَةُ. 19أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ
يَدَّخِرُ إِثْمَ الشِّرِّيرِ لأَبْنَائِهِ، لاَ! إِنَّهُ يُنْزِلُ
الْعِقَابَ بِالأَثِيمِ نَفْسِهِ، فَيَعْلَمُ. 20فَلْيَشْهَدْ هَلاَكَهُ
بِعَيْنَيْهِ، وَلْيَجْرَعْ غُصَصَ غَضَبِ الْقَدِيرِ. 21إِذْ مَا
بُغْيَتُهُ مِنْ بَيْتِهِ بَعْدَ فَنَائِهِ، وَقَدْ بُتِرَ عَدَدُ شُهُورِ
حَيَاتِهِ؟
22أَهُنَاكَ مَنْ يُلَقِّنُ
اللهَ عِلْماً، وَهُوَ الَّذِي يَدِينُ الْمُتَشَامِخِينَ؟ 23قَدْ يَمُوتُ
الْمَرْءُ فِي وَفْرَةِ رَغْدِهِ، وَهُوَ يَنْعَمُ بِالدِّعَةِ
وَالطُّمَأْنِينَةِ، 24وَالْعَافِيَةُ تَكْسُو جَنْبَيْهِ، وَمُخُّ
عِظَامِهِ طَرِيءٌ. 25وَقَدْ يَمُوتُ آخَرُ بِمَرَارَةِ نَفْسٍ وَلَمْ
يَذُقْ خَيْراً 26غَيْرَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يُوَارِيهُمَا التُّرَابُ
وَيَغْشَاهُمَا الدُّودُ.
أيوب يخالف أصدقاءه
27انْظُرُوا، أَنَا
مُطَّلِعٌ عَلَى أَفْكَارِكُمْ وَمَا تَتَّهِمُونَنِي بِهِ جَوْراً،
28لأَنَّكُمْ تَقُولُونَ: أَيْنَ هُوَ مَنْزِلُ الرَّجُلِ الْعَظِيمِ،
وَأَيْنَ هِيَ خِيَامُ الأَشْرَارِ الْمُقِيمِينَ فِيهَا؟ 29هَلاَّ
سَأَلْتُمْ عَابِرِي السَّبِيلِ؟ أَلاَ تَكْتَرِثُونَ لِشَهَادَتِهِمْ؟
30إِنَّ الشِّرِّيرَ قَدْ أَفْلَتَ مِن يَوْمِ الْبَوَارِ، وَنَجَا مِنَ
الْعِقَابِ فِي يَوْمِ الْغَضَبِ. 31فَمَنْ يُوَاجِهُهُ بِسُوءِ
أَعْمَالِهِ، وَمَنْ يَدِينُهُ عَلَى رَدَاءَةِ تَصَرُّفَاتِهِ؟
32عِنْدَمَا يُوَارَى فِي قَبْرِهِ يَقُومُ حَارِسٌ عَلَى ضَرِيحِهِ.
33تَطِيبُ لَهُ تُرْبَةُ الْوَادِي، وَيَمْشِي خَلْفَهُ جُمْهُورٌ غَفِيرٌ،
وَالَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَهُ لاَ يُحْصَى لَهُمْ عَدَدٌ. 34فَكَيْفَ،
بَعْدَ هَذَا، تُعَزُّونَنِي بِلَغْوِ الْكَلاَمِ؟ لَمْ يَبْقَ مِنْ
أَجْوِبَتِكُمْ إِلاَّ كُلُّ مَا هُوَ بَاطِلٌ».
فصل
22
أليفاز يتهم أيوب مرة أخرى
فَأَجَابَ أَلِيفَازُ
التَّيْمَانِيُّ: 2«أَيَنْفَعُ الإِنْسَانُ اللهَ ؟ إِنَّمَا الْحَكِيمُ
يَنْفَعُ نَفْسَهُ! 3هَلْ بِرُّكَ مَدْعَاةٌ لِمَسَرَّةِ الْقَدِيرِ؟
وَأَيُّ كَسْبٍ لَهُ إِنْ كُنْتَ زَكِيّاً؟ 4أَمِنْ أَجْلِ تَقْوَاكَ
يُوَبِّخُكَ وَيَدْخُلُ فِي مُحَاكَمَةٍ مَعَكَ؟ 5أَوَ لَيْسَ إِثْمُكَ
عَظِيماً؟ أَوَ لَيْسَتْ خَطَايَاكَ لاَ مُتَنَاهِيَةً؟ 6لَقَدِ
ارْتَهَنْتَ أَخَاكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَجَرَّدْتَ الْعُرَاةَ مِنْ
ثِيَابِهِمْ. 7لَمْ تَسْقِ الْمُعْيِيَ مَاءً، وَمَنَعْتَ عَنِ الْجَائِعِ
طَعَامَكَ. 8صَاحِبُ الْقُوَّةِ اسْتَحْوَذَ عَلَى الأَرْضِ، وَذُو
الْحُظْوَةِ أَقَامَ فِيهَا. 9أَرْسَلْتَ الأَرَامِلَ فَارِغَاتٍ
وَحَطَّمْتَ أَذْرُعَ الْيَتَامَى، 10لِذَلِكَ أَحْدَقَتْ بِكَ الْفِخَاخُ
وَطَغَى عَلَيْكَ رُعْبٌ مُفَاجِيءٌ. 11اظْلَمَّ نُورُكَ فَلَمْ تَعُدْ
تُبْصِرُ، وَغَمَرَكَ فَيَضَانُ مَاءٍ.
طريق الشرير
12أَلَيْسَ اللهُ فِي
أَعَالِي السَّمَاوَاتِ، يُعَايِنُ النُّجُومَ مَهْمَا تَسَامَتْ؟ 13وَمَعَ
هَذَا فَأَنْتَ تَقُولُ: مَاذَا يَعْلَمُ اللهُ ؟ أَمِنْ خَلْفِ الضَّبَابِ
يَدِينُ؟ 14إِنَّ الْغُيُومَ الْمُتَكَاثِفَةَ تُغَلِّفُهُ فَلاَ يَرَى،
وَعَلَى قُبَّةِ السَّمَاءِ يَخْطُو. 15هَلْ تَظَلُّ مُلْتَزِماً
بِالسَّيْرِ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكَهَا الأَشْرَارُ؟ 16الَّذِينَ
قُرِضُوا قَبْلَ أَوَانِهِمْ، وَجُرِفُوا مِنْ أَسَاسِهِمْ، 17قَائِلِينَ
لِلهِ: فَارِقْنَا. وَمَاذَا فِي وُسْعِ اللهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ؟
18مَعَ أَنَّ اللهَ غَمَرَ بُيُوتَهُمْ بِالْخَيْرَاتِ، فَلْتَبْعُدْ
عَنِّي مَشُورَةُ الأَشْرَارِ. 19يَشْهَدُ الصِّدِّيقُونَ (عِقَابَ
الأَشْرَارِ) وَيَفْرَحُونَ، وَالأَبْرِيَاءُ يَسْتَهْزِئُونَ قَائِلِينَ:
20قَدْ بَادَ مُقَاوِمُونَا، وَمَا تَبَقَّى مِنْهُمُ الْتَهَمَتْهُ
النِّيرَانُ.
أليفاز يحض أيوب على التوبة
21اسْتَسْلِمْ إِلَى اللهِ،
وَتَصَالَحْ مَعَهُ فَيُصِيبَكَ خَيْرٌ. 22تَقَبَّلِ الشَّرِيعَةَ مِنْ
فَمِهِ، وَأَوْدِعْ كَلاَمَهُ فِي قَلْبِكَ. 23إِنْ رَجَعْتَ إِلَى
الْقَدِيرِ وَاتَّضَعْتَ، وَإِنْ طَرَحْتَ الإِثْمَ بَعِيداً عَنْ
خِيَامِكَ، 24وَوَضَعْتَ ذَهَبَكَ فِي التُّرَابِ، وَتِبْرَ أُوفِيرَ
بَيْنَ حَصَى الْوَادِي، 25وَإِنْ أَصْبَحَ الْقَدِيرُ ذَهَبَكَ
وَفِضَّتَكَ الثَّمِينَةَ، 26عِنْدَئِذٍ تَتَلَذَّذُ نَفْسُكَ
بِالْقَدِيرِ، وَيَرْتَفِعُ وَجْهُكَ نَحْوَ اللهِ. 27تُصَلِّي إِلَيْهِ
فَيَسْتَجِيبُ، وَتُوْفِي نُذُورَكَ، 28وَيَتَحَقَّقُ لَكَ مَا تَعْزِمُ
عَلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ، وَيُضِيءُ نُورٌ عَلَى سُبُلِكَ 29حَقّاً إِنَّ
اللهَ يُذِلُّ الْمُتَكَبِّرِينَ وَيُنْقِذُ
الْمُتَوَاضِعِينَ،
30وَيُنَجِّي حَتَّى الْمُذْنِبَ بِفَضْلِ طَهَارَةِ قَلْبِكَ».
فصل
23
أيوب يطلب المثول أمام الله
للمحاكمة
عِنْدَئِذٍ أَجَابَ
أَيُّوبُ: 2«إِنَّ شَكْوَايَ الْيَوْمَ مُرَّةٌ، وَلَكِنَّ الْيَدَ الَّتِي
عَلَيَّ أَثْقَلُ مِنْ أَنِينِي. 3أَيْنَ لِي أَنْ أَجِدَهُ فَأَمْثُلَ
أَمَامَ كُرْسِيِّهِ، 4وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ قَضِيَّتِي وَأَمْلأَ فَمِي
حُجَجاً، 5فَأَطَّلِعَ عَلَى جَوَابِهِ وَأَفْهَمَ مَا يَقُولُهُ لِي؟
6أَيُخَاصِمُنِي بِعَظَمَةِ قُوَّتِهِ؟ لا! بَلْ يَلْتَفِتُ مُتَرَئِّفاً
عَلَيَّ. 7هُنَاكَ يُمْكِنُ لِلْمُسْتَقِيمِ أَنْ يُحَاجَّهُ، وَأُبْرِيءُ
سَاحَتِي إِلَى الأَبَدِ مِنْ قَاضِيَّ. 8وَلَكِنْ هَا أَنَا أَتَّجِهُ
شَرْقاً فَلاَ أَجِدُهُ، وَإِنْ قَصَدْتُ غَرْباً لاَ أَشْعُرُ بِهِ،
9أَطْلُبُهُ عَنْ شِمَالِي فَلاَ أَرَاهُ وَأَلْتَفِتُ إِلَى يَمِينِي
فَلاَ أُبْصِرُهُ.
10وَلَكِنَّهُ يَعْرِفُ
الطَّرِيقَ الَّذِي أَسْلُكُهُ، وَإِذَا امْتَحَنَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ
11اقْتَفَتْ قَدَمَايَ إِثْرَ خُطَاهُ، وَسَلَكْتُ بِحِرْصٍ فِي سُبُلِهِ
وَلَمْ أَحِدْ. 12لَمْ أَتَعَدَّ عَلَى وَصَايَاهُ، وَذَخَرْتُ فِي قَلْبِي
كَلِمَاتِهِ. 13وَلَكِنَّهُ مُتَفَرِّدٌ وَحْدَهُ فَمَنْ يَرُدُّهُ؟
يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، 14لأَنَّهُ يُتَمِّمُ مَا رَسَمَهُ لِي، وَمَازَالَ
لَدَيْهِ وَفْرَةٌ مِنْهَا. 15لِذَلِكَ أَرْتَعِبُ فِي حَضْرَتِهِ،
وَعِنْدَمَا أَتَأَمَّلُ، يُخَامِرُنِي الْخَوْفُ مِنْهُ. 16فَقَدْ
أَضْعَفَ اللهُ قَلْبِي، وَرَوَّعَنِي الْقَدِيرُ. 17وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ
تَسْكُنْنِي الظُّلْمَةُ، وَلاَ الدُّجَى غَشَّى وَجْهِي.
فصل
24
أعمال الشرير
لِمَاذَا إِذاً لَمْ
يُحَدِّدِ الْقَدِيرُ أَزْمِنَةَ الْمُحَاكَمَةِ، وَلِمَاذَا لاَ يَرَى
مُتَّقُوهُ يَوْمَهُ؟ 2يَنْقُلُ النَّاسُ التُّخُومَ، وَيَغْتَصِبُونَ
الْقُطْعَانَ وَيَرْعَوْنَهَا. 3يَأْخُذُونَ حِمَارَ الأَيْتَامِ
وَيَرْتَهِنُونَ ثَوْرَ الأَرْمَلَةِ. 4يَصُدُّونَ الْمَسَاكِينَ عَنِ
الطَّرِيقِ، فَيَخْتَبِيءُ فُقُرَاءُ الأَرْضِ جَمِيعاً. 5انْظُرُوا فَهَا
هُمْ يَخْرُجُونَ إِلَى عَمَلِهِمْ كَالْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ فِي
الصَّحْرَاءِ يَطْلُبُونَ فِي الْقَفْرِ صَيْداً، لِيَكُونَ طَعَاماً
لأَبْنَائِهِمْ، 6يَجْمَعُونَ عَلَفَهُمْ مِنَ الْحَقْلِ وَيَقْطُفُونَ
كَرْمَ الشِّرِّيرِ. 7يَرْقُدُونَ اللَّيْلَ كُلَّهُ عُرَاةً مِنْ غَيْرِ
كَسْوَةٍ تَقِيهِمْ غَائِلَةَ الْبَرْدِ. 8يَبْتَلُّونَ مِنْ مَطَرِ
الْجِبَالِ، وَيَرْكَنُونَ إِلَى الصَّخْرِ لاِفْتِقَارِهِمْ إِلَى
الْمَأْوَى.
9يَخْطِفُونَ الْيَتَامَى
عَنِ الثُّدِيِّ، وَيَرْتَهِنُونَ طِفْلَ الْمِسْكِينِ، 10يَطُوفُونَ
عُرَاةً بِلاَ كِسَاءٍ، جِيَاعاً حَامِلِينَ الْحُزَمَ. 11يَعْصِرُونَ
الزَّيْتَ بَيْنَ أَتْلاَمِ زَيْتُونِ الأَشْرَارِ، وَيَدُوسُونَ مَعَاصِرَ
الْخَمْرِ وَهُمْ عِطَاشٌ. 12يَرْتَفِعُ مِنَ الْمُدُنِ أَنِينُ
الْمُشْرِفِينَ عَلَى الْمَوْتِ، وَتَسْتَغِيثُ نُفُوسُ الْجَرْحَى،
وَاللهُ لاَ يَصْغَي إِلَى دُعَائِهِمْ.
فناء الشرير
13هُنَاكَ مَنْ كَانَ بَيْنَ
الْمُتَمَرِّدِيِنَ عَلَى النُّورِ، فَلَمْ يَعْرِفُوا طُرُقَهَ، وَلَمْ
يَمْكُثُوا فِي سُبُلِهِ.
14عِنْدَ مَطْلَعِ النُّورِ
يَنْهَضُ الْقَاتِلُ وَيُهْلِكُ الْبَائِسَ وَالْمُحْتَاجَ، وَفِي
اللَّيْلِ يَغْدُو لِصّاً. 15يَنْتَظِرُ الزَّانِي حُلُولَ الْعَتَمَةِ
فَيَتَقَنَّعُ قَائِلاً: لَنْ تُبْصِرَنِي عَيْنٌ. 16يَنْقُبُونَ البُيُوتَ
لَيْلاً، وَفِي النَّهَارِ يُغْلِقُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلاَ
يَعْرِفُونَ النُّورَ، 17لأَنَّ الصَّبَاحَ عِنْدَهُمْ كَظِلِّ الْمَوْتِ،
وَأَهْوَالُ الظُّلْمَةِ هِيَ رِفْقَتُهُمْ. 18يَنْجَرِفُونَ لِخِفَّتِهِمْ
عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ، وَنَصِيبُهُمْ مَلْعُونٌ فِي الأَرْضِ، وَلاَ
أَحَدَ يَتَوَجَّهُ نَحْوَ كُرُومِهِمْ. 19وَكَمَا أَنَّ الْقَحْطَ
وَالْقَيْظَ يَذْهَبَانِ بِمِيَاهِ الثَّلْجِ، كَذَلِكَ تَذْهَبُ
الْهَاوِيَةُ بِالْخَاطِيءِ، 20تَنْسَاهُ الرَّحِمُ وَيَسْتَطِيبُهُ
الدُّودُ، وَلاَ أَحَدَ يَذْكُرُ الأَشْرَارَ فِيمَا بَعْدُ، فَيَكُونُونَ
كَشَجَرَةٍ مُقْتَلَعَةٍ. 21يُسِيئُونَ إِلَى الْعَاقِرِ الَّتِي لَمْ
تَلِدْ، وَلاَ يُحْسِنُونَ إِلَى الأَرْمَلَةِ. 22اللهُ فِي جَلاَلِهِ
يُدَمِّرُ الْقَوِيَّ وَيُمِيتُهُ. 23يَمْنَحُهُمْ طُمَأْنِينَةً تَرْكَنُ
إِلَيْهَا قُلُوبُهُمْ إِلَى حِينٍ، لَكِنَّ عَيْنَيْهِ تُرَاقِبانِ
طُرُقَهُمْ. 24تَشَامَخُوا لِلَحْظَةٍ ثُمَّ تَلاَشَوْا، انْحَطُّوا
وَجُمِعُوا كَالأَشْيَاءِ الأُخْرَى، بَلْ حُصِدُوا كَرُؤُوسِ
السَّنَابِلِ؛ 25وَإلاَّ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُكَذِّبَنِي وَيَجْعَلَ
كَلاَمِي كَالْعَدَمِ؟»
فصل
25
لا يتبرر أحد أمام الله
فَقَالَ بِلْدَدُ
الشُّوحِيُّ: 2«لِلهِ السُّلْطَانُ وَالْهَيْبَةُ، يَصْنَعُ السَّلاَمَ فِي
أَعَالِيهِ. 3هَلْ مِنْ إِحْصَاءٍ لأَجْنَادِهِ، وَعَلَى مَنْ لاَ يُشْرِقُ
نُورُهُ؟ 4فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ، وَكَيْفَ
يَزْكُو مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ؟ 5فَإِنْ
كَانَ الْقَمَرُ لاَ يُضِيءُ، وَالْكَوَاكِبُ غَيْرَ نَقِيَّةٍ فِي
عَيْنَيْهِ، 6فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ وَابْنُ آدَمَ
الدُّودُ؟»
|