أوّلا: حمل أوجاعنا (متّى
8/17)
1- شفاء أخ بطرس جوّاد
مشمش
"كنت مصابا بوجع في صدري ومعدتي من سنتين
وأكثر، حتّى إذا أردت أن أتلو السلام الملائكي، أتوقَّف مرّتين من ضيق نفسي، الذي
يشبه مرض الأزما. وقد عالجني الأطبّاء، فلم أستفد شيئا. وكنت لم أزل متعبا في الليل
والنهار، إلى أن صلّى عليّ الأب شربل. ففي الحال فارقني الألم، وما عدت شعرت به قطّ
في حياتي. وأنا كنت أشتغل شغلا يدويّا صعبا، ولم أزل أواصله وأنا الآن في سنّ
الستين"
2- إنقاذ ابنة من
الموت!
(لو 7/11-17)
"بينما كانت أختي مريم تجمع حشيشا من فوق صخر
عال يدعى شير الكنيسة، أي كنيسة إهمج، زلّت قدمها فهوت من أعلى الصخر الذي يبلغ
علوّه تقريبا عشرين مترا، وسقطت على الأرض لا تعي ولا تتحرّك ولا تتكلّم. وقد رُضّ
جسمها، وتشوّه وجهها، وأمسى باردا مصفرّا وسكن نبضها، فحملها الأهالي بقطعة بلاس
إلى البيت، وقد ظنّوها ميّته. وعندما عرفت بهذا الحادث، أسرعت في الحال، إلى محبسة
مار مارون عنّايا، وأنا في حال اضطراب، أفقدني الرشد تقريبا. وأخبرت الأب شربل
الحبيس بما جرى طالبا أن يتضرَّع إلى الله لأجلها، ويصلّي لي على الماء لأعود به
إليها. ولمّا رآني مضطربا هذا الإضطراب قال لي: إنّ أختك طيّبة وتُشفى. خذ هذا
الماء المبارك ورشّه عليها. وإذ رجعت إلى البيت، وجدتها على حالها غائبة عن
الإدراك، ورأيت الناس يضجّون حولها ويبكون لأعتقادهم أنّها ماتت. فنضحتُها بالماء
الذي باركه الأب شربل، فدبَّت الحرارة بحسمها، وفتحت عينيها وتكلَّمت. وبعد مضي
يومين نهضَت من الفراش معافاة وشفيَت تماما"
3- شفاء أخرس
(مر 7/32-37)
"لي أخ يدعى
أسعد حنّا سالم، مرض بعارض فجائي حصل منه عقل لسانه مدّة نحو شهرين. فكتب لي أهلي
إلى دير عنّايا، فأمرني الرئيس أن أذهب فأزوره. وكان ظنّ الناس في قرية قرطبا أنّ
مرضه جنون، وأشاروا عليّ بأخذه إلى دير قزحيّا، حيث يُقسَّم على المسكونين. أمّا
أنا فأتيت إلى المحبسة. ورجوت الأب شربل أن يصلّي على رأسه، ولكن بشرط أن تُخبِرني
إذا كان يشفى أو لا. فقال: أدخله على الكنيسة. فأدخلته إليها. وركعته على
درجة الخورس، فأتى الأب شربل بالإنجيل والبطرشيل في عنقه. فوضع الإنجيل على رأسه
وأخذ يتلو منه نحو 3 دقائق. ثم أخذ إبريقا من تنك فيه ماء مبارك، وبعض عظام من عظام
الشهداء وصبّ في كفّه وسقاه. وقال لي: لا تخف، سيُشفى. ثمّ خرجنا من
المحبسة، أنا وسابا طنّوس موسى وأخي الأخرس. فلمّا صرنا على مسافة عشر دقائق. صاح
أخي بصوت عال وقال: يا أخي. ثم أخذ ينادي رهبانا كانوا قادمين إلى المحبسة من بعيد
بأعلى صوته: يا أخ بطرس ميفوق. يا فلان. ثم أخذ يرتّل مُتهلِّلا كلّ ذلك النهار
حتّى وصل إلى بيته في قرطبا"
4- وأخرس
آخر
"عندي ولد راهب
في ميفوق يدعى الأخ بطرس كان يُسمّى قبل الرهبانية طنّوس. هذا وُلِد ولم ينطق لحد
عمر الثمان سنين مع أنّه كان يسمع. وكنّا في غمٍّ شديد بسبب أنّه أخرس، فأتيت إلى
محبسة مار بطرس، وطلبت من الأب شربل، أن يصلّي عليه [70]
فصلّى. فابتدأ من ذلك الوقت ينطق تدريجيّا، وهو الآن يتكلّم كباقي الناس"
5- مجنون إهمج
(مر 5/1-20)
"وكنت أسكن مع رجل إسمه جبرائيل يوسف سابا من
إهمج، فهذا لما تزوّج طرأ عليه عارض جنون "أدّى به إلى أسوأ الأعمال حتّى نغّص عيشة
والديه"
- "وقد حدث له هذا العارض بعد زواجه من ابنة من إهمج بالرغم من والديها-"
"وكان يمزِّق ثيابه ويسبّ ويشتم، ويخرج عاريا في الحقول. ذات يوم كان بعيدا عنّي
قليلا، رأيته عاريا من كلّ ثيابه، وبيده مسدّس قد صوّبه إلى صدره، وأطلقه عليه.
إلاّ أنّ الرصاصة زلّت، فأخطأته. فركضت أنا إلى بيته، فرأيته يكسّر حبّات مسبحة
امرأته ويسبّ دين الورديّة. وإذ كنت إشبينه، فقد نصحت ذويه أن يأخذوه إلى الأب
شربل. وكانوا يريدون أن يأخذوه إلى مغارة مار أنطونيوس قزحيّا، حيث جرت العادة بأخذ
المجانين، لحصولهم على الشفاء. وعملا بنصيحتي، أحضر جبرايل عاريا من كلّ ثوب.
وتعاونّا أنا وبعض ذويه عليه، واقتدناه مرغما إلى محبسة مار مارون. وبوصولنا أمام
كنيسة المحبسة، تمنّع عن الدخول، وعبثا حاولنا إدخاله إليها. فأمره الأب ليباوس أحد
الحبساء فلم يطع. فدخلت أنا وأخبرت الأب شربل بالواقع، فخرج إليه، وانتهره قائلا:
أدخل إلى الكنيسة. فدخل دون أقلّ ممانعة، لكنّه جلس بدون احتشام. فقال له
الحبيس: إركع منتصبا. فركع مكتوف اليدين مثل الملاك. فتلا الحبيس الإنجيل
على رأسه، وصلّى عليه، فشفي حالا.
وعند الصلاة نزلت دموع جبرايل، ونظر إلى أهله الحاضرين وقال: اعطوني ثيابي.
وخرج من الكنيسة صحيحا عاقلا. واليوم هو في أميركا"
6- إنقاذ أطفال من
الموت
"إنّ والدي نوحا ذهب مرّة لزيارة أخيه الأب شربل في محبسة
عنّايا فأعطاه كتاب مار أنطونيوس لكي يعلّقه في عنقي. فدرى ابراهيم حنّا ابراهيم من
قرية بقاعكفرا، وهو ابن عمّ والدي فطلبه من والدي ليعلّقه في عنق ولده نعمةالله.
وقصّة هذا الرجل هو أنّه كان كلّما ولد له ولد يموت بعمر سنة، وقد مات له ثلاثة
بنين. فخاف على ولده نعمةالله أن يموت بهذا العمر، فاستدرك وأخذ هذا الكتاب من
والدي لعلمه أنّه من الأب شربل، وعلّقه في عنق ولده نعمةالله فعاش الولد ونجا من
الموت وهو اليوم في أميركا. وبقي ابراهيم محافظا عليه، يعلّقه في أعناق أولاده
لينجوا من الموت، فنجوا"
7- إنّ ابنك
حيّ!
(يو 4/50)
"إنّ يوسف أنطون جبرايل، من كفربعال، كان مريضا والحمّى
عليه منذ عشرين يوم لا يعي. فركض جرجس بطرس الذي كان مكاري الدير، وهو ابن عم المريض، إلى المحبسة ليطلب صلاة الأب
شربل، والماء المبارك منه، وقبل أن يصل إليه رأى الأب شربل على الباب، فبادره هذا
بقوله: على مهلك، فإنك حالما ترجع إلى البيت ترى نسيبك المريض مرتاحا صاحيا
جالسا في فرشته. وهكذا كان. فتعجَّب المكاري كيف أنّ الأب شربل عرف قصده، قبل
أن يطلب منه شيئا، وكيف أيضا عرف بارتياح المريض"
8- إنّ ابنه
بخير!
"أتى مرّة، مارون أبي رميا من طورزيّا، عند
الأب شربل، في المحبسة، ليصلّي لإبنه المريض، ويعطيه ماء مباركا ليرشّه عليه. لأنّ
الولد كان في مرض شديد، وغائبا عن الوعي من جرّائه. فبعد أن قابل مارون المذكور،
الحبيس شربل، والتمس منه الصلاة عن إبنه واستلم الماء المبارك عاد مسرعا إلى بيته،
ولمّا شاهده الأب شربل مسرعا بلهفة وقلق، أشفق عليه وقال له:
أدعه وقُلْ له ليذهب على مهل لأنّ ابنه بخير. ولمّا وصل الرجل إلى بيته، وجد
ابنه واعيا وبحالة حسنة، بعد أن كان الطبيب، واكيم بك من جبيل، قد قطع الأمل من
شفائه"
9- عاقر
ترزق
"زرت
المحبسة التي كان يقطنها الأب شربل بقاعكفرا المعروف بحبيس عنّايا وذلك قبل وفاته
بنحو ثلاثة أشهر. وغاية زيارتي من حيث أنّ امرأتي ظريفة لم تكن تلد. وكنت أرجو أنّي
بزيارة هذه المحبسة يرزقني الله أولادا بصلاة الأب شربل الحبيس. وبوقته دفع إليّ
رفيقه، الأب مكاريوس، بركة من الحبيس الأب شربل. وبعد عودتي إلى بيتي في بسكنتا
بأربعة أشهر حملت امرأتي وولدت بنتا وبعدها 3 بنات وولدا ذكرا"
10- شفاء ابنة العويني
(مر 7/24-30)
"وبعد أن تركت خدمة الأب الياس، دخلت العالم، ورزقني الله
بنتا بلاها الله بداء "الفرحة" فما عاد أمكنها الرضاعة. فصلّى الأب شربل عليها
فشفيت وباشرت الرضاع"
11- من لمسني؟
(مر 5/30)
"كانت مريم، أرملة مخايل نعمة من إهمج، مصابة بنزيف دم منذ
أكثر من 3 أشهر، تعالجت منه عبثا، لدى الأطباء المرحومين، نجيب بك الخوري من إهمج،
وواكيم نخله من جبيل، وجرجي باز من جبيل، كلّفتني أن آخذ ريال مجيدي، إلى الأب شربل
تقدمة، ليرسل لها زنّارا مباركا. فأعطاني منديلا، أخذه عن صورة الورديّة التي كانت
في كنيسة المحبسة. وقال فلتتزنَّر به فتشفى. وأمّا الريال، فلم يستلمه منّي بيده بل
قال لي: حطّه على المذبح، حتّى يكون أتى الأب مكاريوس، ويستلمه. وقد بقيت في
المحبسة ،حتى وصل الأب مكاريوس، واستلم الريال. وأمّا المرأة، فعندما تزنَّرت
بالمنديل، وقف نزف دمها وشفيت حالا"
12- أخوه البكر
"أنا لم أعرف الأب شربل، عمّ أمّي شخصيّا، إذ
لم يكن يأتي إلى القرية، أيّام ترهُّبه، وإقامته في المحبسة. وأنا أيضا، لم أذهب
إليه في الرهبانيّة، ولكنّ جدّي حنّا زعرور مخلوف، شقيقه، وقد كنت أنا يتيمة، وربيت
عنده، كان يُخبِر عنه. فكان مثلا، في أيّام المرافع، يذكره قائلا، وهو يبكي: نحن
نأكل لحم، ومسكين خيّي لا يأكل لحم أبدا. وفي أيّام العنب كان يردِّد لنا بتأثُّر:
نحن هون ناكل العنب، وخيّي اللي عندو كرم، بيشتغل فيه، وعنبو بيتحَمَّل بالعدال،
وما بيمدّ يده إليه، وما بيدوقو. وكان يقول لنا أيضا" إن عيشتو في الدير كانت قلّة (حياة بؤس) بياكل فضلة الرهبان والكسر. وكان أحيانا يأتي لزيارته،
ويجلب له حسنات قدّاسات لراحة نفس والديه، فكان الأب شربل يجيبه، أعطها يا خيّي
للريّس. وما كان يمسكها بيده"
"إنّ جدّي حنّا كان دائما يفتكر بشقيقه الأب
شربل. وقد جلسنا يوما لتناول الطعام. ووضع أمامنا كبّة نيّة. وعندما رآها، اغرورقت
عيناه بالدموع. وقال: كيف بدّي آكل لحم، وهالقسّيس
لا يأكل منه؟ لفظ هذه العبارة وأصرّ على رفض تناول لقمة واحدة من الكبّة... ولمّا
شاخ، وأقعدته الشيخوخة، كان يبكي أغلب الأحيان، ويقول: إنّي قصّرت ما بقيت أقدر زور
خيّي بونا شربل!... ولمّا أشرف على الموت، إجتمع أهله حوله، وكنت أنا معهم، فالتفت
إلينا وقال: إنّي مرضت وسأموت، وقد رأيتكم كلّكم حولي فتعزّيت، وهالقسّيس عندما
يموت، من تُرى يجلس حوله؟ فأجبناه: إنّ المتعبِّد له، أي الله، لا يتركه"
"ومات يوم إيمان مار بولس، قبل 11 شهر من وفاة شربل"
"ودفن حذاء كنيسة القدّيس سابا في بقاعكفرا"
ثانيا: القدّاس الأخير
1- عرض له
عارض
"ذهبتُ في يوم أحد مع جملة أناس لحضور الذبيحة
الإلهيّة في محبسة مار مارون، وبدأ الأب شربل بتلاوتها، وما انتهى من كلام التقديس
على الخبز حتّى عرض له عارض... فنهض الأب مكاريوس رفيقه، ونزع عنه أثواب التقديس،
فجثا الأب شربل على مركعه في الكنيسة"
فاستراح. وبعدها نهض "وعندما وصل إلى "الشيلة" إلى رفع القربان بين يديه، تيبّس.
وإذ طال بقاء القربانة مرفوعة بين يديه أكثر من المعتاد، تقدّم رفيقه في المحبسة،
فلحظ وتأكّد أنّه متيبِّس. فأخذ القربانة برفق من بين يديه، ووضعها على الصينيّة،
وأجلسه بمعاونة الأخ بطرس خادم المحبسة على كرسي في جانب المذبح. وبعد نصف ساعة عاد
الأب شربل إلى حالته الأولى، ورجع إلى المذبح وأكمل الذبيحة الإلهيّة"
"بالرغم من مرضه"
2- لا
تذهبوا
"وأتيت في الأحد الثاني، مع بعض نسوة لسماع
القدّاس في كنيسة المحبسة. ولمّا دخلناها، وجدنا فيها الأب شربل ساجدا يصلّي.
فاستفسر لنا رجل عن الوقت الذي تقام فيه الذبيحة، لأنّ البرد كان شديدا، لا يمكننا
الإنتظار. فأجابنا: لا تذهبوا بدون أن تسمعوا القدّاس، فإنّ الأب شربل يحتفل في هذا
اليوم بالقدّاس قريبا فانتظروه. وبعد انتظارنا قليلا، لبس الأب شربل أثواب التقديس،
وبدأ بتلاوة الذبيحة الإلهيّة. وقبل أن يلفظ كلام التقديس عاوده ذاك العارض.
فنُزِعت عنه البدلة وبقي في الكنيسة. ولمّا عزمنا على الخروج والذهاب إلى بيوتنا،
قال لنا الأب مكاريوس: لا تذهبوا! إنّ الأب شربل حدث له وجع قلب، فمتى ارتاح يتمّ
القدّاس. ولمّا استراح نهض وبدأ بتكملة الذبيحة"
3- جميل هذا
الطفل
"وبعد أن تلا كلام التقديس"
"رأت راحيل
إبنة يوسف سابا، وهي فتاة صبيّة، طفلا جميلا مكان القربانة عندما رفعها الحبيس،
فصاحت بخالتها: "أنظري يا خالتي، كم هو جميل هذا الطفل
فأسكتتها خالتها واضعة يدها على فمها - أي فم راحيل- لئلاّ يحدث ضجّة في الكنيسة،
فيتكدَّر الحبساء"
4- يا أب
الحقّ
"وما بلغ إلى رفعة الكأس والقربان، حيث يتلو
الكاهن الصلاة التي أوّلها أبو دقوشتو حتّى عاوده العارض نفسه بشدّة. فاستمرّ بدون
حراك، مدّة بضع دقائق، والكأس والقربان مرفوعتان في العلاء"
"فلحظ الأب مكاريوس بغتة أنّ لونه قد تغيّر، واصفرّ وأنّ رجليه قد تسمّرتا في
موضعهما كأنّ العارض عاوده أيضا. فوضع الأب مكاريوس البطرشيل في عنقه، وتقدَّم
مرتجفا وقائلا له: إرخِ الكأس والجسد من يدك. وكان الأب شربل متمسِّكا بهما أشدّ
التمسّك، وهو جامد كالصخر بدون حراك. فكرّر القول عليه أولا وثانيا: إرخِ الكأس من
يدك يا بونا شربل. أعطني الجسد. أتركه لا تخف. وبالجهد الجهيد فتَّح أصابعه وأخذ
الكأس منه والقربان ووضعهما على المذبح، ثمّ رفع البدلة عنه وأجلسه على مركعه في
الكنيسة. نظرنا الأب مكاريوس بعد وقوع هذا الحادث فرأينا وجهه محمرّا كالدم وهو
يرتجف من الخوف""ثمّ
بعد أن استراح قليلا، عاد ليتمّم الذبيحة"
5- الحبيس يفسخ
الولد
و"بينما كان يكسر الخبز على المذبح قبل
التناول، شهقت (بكت بصوت عالٍ) راحيل. فسألتها خالتها- كفا، زوجة العويني: لماذا شهقتي!؟
فأجابت: ألا ترين الحبيس يفسخ الولد بيده"!؟
"فأسكتتها من جديد، وتابع الأب شربل قدّاسه كالعادة""حتّى
شعر برجفة، ووجع قلب، فنادى رفيقه، الأخ بطرس جوّاد مشمش، الأب مكاريوس المشمشاني
الحبيس، الذي تقدَّم إليه، ثمّ رفع البدلة عنه وأجلسه على مركعه في الكنيسة"
"فَسألَتْ امرأة أخي
الأب مكاريوس بعد أن طال جلوسه: هل يمكنه أن يعود إلى إتمام القدّاس؟ فأجابها: لا
أظنّ. وانصرفت هي"
وبعد أن استراح، ثالثة، جاء ليكمّل قدّاسه.
6- شَرِب
الدم
و"فاجأه المرض عند مناولة الدمّ، فمنعه.
هنا كمش الكأس بشدّة، وضمّه إلى حافّة شفتيه وأسنانه. وبقي في هذه الحالة حتّى أتى
رفيقه الأب مكاريوس، وصار يشدّ لكي يَنْزع منه الكأس. فانتزعه منه بصعوبة، وكان قد
شرب الدمّ"
7- أريد أن
أقدّس
"فنَزعوا عنه
ملابس التقديس، وحملوه إلى صومعته، وكان غائبا عن الحواس، ومع ذلك لم يزل يكرّر
كلمات القدّاس. أبو دقوشتو ثم: يا يسوع ومريم ومار يوسف"
و"وضعه رفيقه على بلاس شعر في المطبخ ليدفئه، حيث كان البرد شديدا، والثلج متراكما
بعلو متر ونيّف. فبقي في المطبخ"
"ولمّا غطّوه بلحاف، فكان يلقي اللحاف بعيدا"
"وكان لمّا يفيق بعض الأحيان، من غيبوبة، يقول: أريد أن أقدّس، أعدّوا لي لوازم
القدّاس. وكان يقول أيضا بالسريانيّة: شَبَح لموريو مِن شمايو شَبحوي
بمرومي"
"ويا ربّ ارحمني"
"ولم يزل يكرّر هذه الكلمات مدّة الستّة الأيّام الأخيرة من عمره"
1- لقمة خبز
مبلولة
"وأنا عُيِّنت
لخدمته، في مرضه الأخير، حتّى وفاته. جلَّ ما كان يأكل، من بعد الإلحاح، لقمة خبز
مبلولة أو قليل من شوربة الخضر بزيت. ورفض بتاتا الحليب واللبن واللحم. وفي مدّة
مرضه، لم يرفع عنه لا الإسكيم، ولا العباءة، ولا المسح، ولا الزنّار. وكان ملازما
حالة واحدة في تلك المدّة متمدّدا على بلاس، لا يتململ، ولا يصرخ. ولا يسمع منه
إلاّ كلمة: يا.. يا.. يا.. الله. وكانت شفتاه تتحرّكان متمتمة بكلمات
لم أفهمها. وعندما كان يُفهَم أنّه في حاجة، من حاجات الطبيعة
(الخروج أو
البول) كنتُ أُقدِّم
له الوعاء، وحالما أرفع عباءته، كان يضطرب ويرفع صوته ويده الصحيحة، مظهرا الإباء،
قائلا: لا..لا..لا.. فكنت أقول له: أنا أخوك، لا تخف. فيسكت. وأرتّب له قضاء
حاجته"
2- يبارك ...رغم
آلام مبرّحة
"وكانت يده تبارك كلّ من يدخل"
و"من يطلب دعاه، وكان صامتا ساكنا لا يسمع منه أنين ولا تململ، بل كان متقبّلا
مصابه بصبر عجيب"
مع ما "يقاسي من هذا المرض آلاما مبرّحة... متجلّدا مسلِّما كلّ التسليم للمشيئة
الإلهيّة ويستنجد بالقدّيسين بطرس وبولس"
"المبنيّة على إسمهما كنيسة المحبسة، إلى أن بلغت وطأة المرض منتهى الشدّة، فغاب عن
الهدى"
3- سمعان القيرواني
(لو 23/26)
"لمّا دُعيتُ لعيادته وتمريضه، وذلك قبل وقوع
الوفاة بيومين، لم يكن صاحيا بل غائبا عن الرشد. وكنت ألحظ منه بين آن وآخر، بعض
كلمات تحتوي على ذكر اسمي يسوع ومريم، واسم مار يوسف. وكان معي
بساعاته الأخيرة، حضرة الخوري مخايل أبي رميا الذي أنا استدعيته لمساعدته
الروحيّة"
"وأخذ بركته... وبقينا عنده أكثر ليل 24ك1سنة 1898. وبعد عودتي إلى بيتي عند الصباح
رجعت، أنا وسابا"
4- حبّه
الملتهب!
و"بحبّه
الملتهب"
كان يردّد كلّ مدّة وجودي عنده: أبو دقوشتو. واسم يسوع ومريم ومار بطرس. ولم يكن
يكتفي بالكلمة الأولى من باعوت مار يعقوب، بل يقوله كلّه أو أكثره، مرّات
متوالية. وأنا كنت أقرأ له صلوات المنازعين، ومنحته الحلّة مرّات، كلّما خال لي
أنّه على وشك الفراق"
5- خمرٌ ممزوجة بمرٍّ
(مر15/23)
"وإن طال مرض الحبيس فإمّا أن يعاد إلى الدير،
وإمّا أن ينقطع عن أكل اللحم، ويقتبل الموت نظير حبيس حقيقيّ"
"وأخذ المرض يشتدّ، واستدعي له الدكتور نجيب بك الخوري، فأمر أن يعطى له شيء من مرق
اللحم، لتتقوّى قواه المنحطّة. فلمّا شمَّ رائحة المرق تأفَّف وتململ، ولم يشأ أن
يتناول المرق بادئ ذي بدء. ولمّا أبلغوه أمر الرئيس، الأب أنطونيوس المشمشاني، أذعن
وأخذ قليلا"
6- ويقرآن له الكتب
الروحيّة
"ثم طلب بأن يُسرع إليه الأب مكاريوس رفيقه
بالمحبسة، فطلب إليه أن يمنحه الحلّة الأخيرة"
"فاقتبل الأسرار الإلهيّة، بمنتهى الورع والخشوع، من يد رفيقه الأب مكاريوس،
والخوري مخايل أبي رميا الإهمجي، اللذين كانا يتناوبان في خدمته، ويقرآن له الكتب
الروحيّة"
"فإذا كان الحبيس مريضا فليوجِّه إليه أخوه كلام التعزية لإزالة ضجره. وليكن كلامه
مفيدا لشفاء أوجاع النفس وازدياد الحبّ الإلهي"
7- البركة
الأخيرة
"ولمّا بدأ بالنزاع ذهبتُ من الدير إلى
المحبسة، فرأيته ممدَّدا على فرشة خارج غرفته وحوله جمهور من الرهبان والعالميّين.
فكنّا نسمعه يقول دائما: يا يسوع يا مريم، ولمّا لم يعد يطاوعه لسانه على
النطق الكامل، كان يلفظ إسميهما متقطِّعا، فتقدّمت وجلست بجانبه"
"وطلب الأخ بطرس جوّاد المشمشاني بركته، فرفع يده ليباركه، والتفت نحوه، وبقيت يده
مرتفعة، وتوقَّف عن رسم إشارة الصليب. فكرَّر الأخ الطلب، ولم ينل مطلوبه مدّة نحو
ثلاث دقائق"
"فأخذ ينظر إليّ ويضع يده على رأسه، فتعجّب كلّ منّا لإشارته هذه ولم يفهم أحد
مغزاها"
"فخال لي أنّ السبب، هو ارتفاع إسكيم الأخ بطرس عن رأسه قليلا، بنوع أنّ شيئا من
شعر رأسه الأشقر كان ظاهرا. فهمستُ بإذن الأخ ليغطّي رأسه بالإسكيم، كما يجب"
"وأرخيت قلنسوتي على وجهي حتّى غطّت عينيّ، لأنّها كانت مرتفعة قليلا، فتبسَّم
عندئذ ببسمة خفيفة وباركني. فانذهل كلّنا من هذا الأمر، فإنّه لم يكن يريد أن يرى
راهبا رافعا قلنسوته عن وجهه ولو قليلا"
"وعندما كان في حالة الإحتضار، كنت في قربه فألقى يده عليّ وهو غائب عن حواسه. وإذ
عاد إليه رشده، انتفض مرتعبا، وأبعد يده عنّي، كأنّ حيّة لمسته"
8- وأغمي عليه من شدّة
البكاء
(متّى 26/75)
"ولمّا أوشكت روحه أن تفارق جسده صرخت بالأب مكاريوس: إرفع
يدك وامنحه الحلّة. فما استطاع رفعها من كثرة البكاء على فقده، فخرج خارجا وبدأ
يشهق باكيا"
"وأبى التقدّم إليه، وظلّ واقفا بعيدا، وأغمي عليه من شدّة البكاء"
"وما عاد استطاع أن يقوم بوظيفة التكهين. لذلك نبت عنه بواجب المحبّة نحو المنازع،
وكنت حينئذ مغتبطا، للحظ الفريد الذي حصلت عليه، بخدمة نزاع هذا القدّيس"
لذا كانت "آخر حلّة منّي أنا الحقير"
9- في يديك
أستودع روحي
(لو
23/46)
"وكان حاضرا في
ساعة نزاعه الأخير، الخوري مخايل أبي رميا، ووكيل الدير الأب مارون
مشمشاني، وسابا طنوس موسى. فقال له الوكيل: هل تريد أن ندعو لك الطبيب من جبيل؟
فأومأ برأسه أن: لا. ثم فتح فمه وأطبقه، ومال رأسه منحنيّا وسلَّم روحه
الطاهرة بهدوء وسلام"
"وهو يقول: يا رب في يديك أستودع روحي"
"وكانت ميتة فاضلة ذات وقار نتيجة حياة صالحة"
بعد أن "بقي بين حيّ وميّت مدّة ستّة أيّام"
10- سكتة
دماغيّة
"وكانت وفاته، وسببها، حسب معرفتي، سكته
دماغيّة، وصادف وقتئذ وفاة البطرك يوحنّا الحاج"
"في 24 كانون الأوّل
سنة 1898، ليلة عيد الميلاد الشريف.
وكان له من العمر نحو 65
(66) سنة"
و"بعد وفاته تلوت مع الخوري مخايل طلبة العذراء، وساعدنا بتلاوتها الأب مكاريوس
والأخ بطرس رفيقه في المحبسة. ثم توجّهت إلى بيتي يرافقني الخوري مخايل، بعد أن
وجّهنا رسولا للدير يخبرهم بالمصاب"
11- رأي الدكتور أنطوان
عيسى
"- إنّ القدّيس شربل كان يشكو من ألم حاد في
البطن نتيجة مغص كلويّ؟ يدفعه إلى الإستفراغ.
"- إنّ القدّيس كان يعمل كثيرا في الحقل ولا يشرب طوال
النهار، ممّا يسبّب له ترسُّب في المجاري البوليّة، ويؤدّي إلى المغص الكلويّ. وعدم
العلاج يؤدّي أحيانا إلى ارتفاع في الضغط، وألم في الرأس، يؤدّي غالبا إلى نزيف في
الدماغ... في 30/10/2004"
رابعا: نحو
القبر
1- إقتسموا ثيابي
(يو 19/24)
و"أردنا أن نَنْزع عنه ثيابه ونلبسه غيرها.
فاعترض الأب مخايل مشمش
الذي كان معنا وقال: دَعْ يا أخي حتّى يأتي الرئيس، لئلاّ يقولوا: الذين نزعوا
ثيابه أخذوا تركته. فقلت له: والَووو!! هيدا حبيس أيش معه! ونزعنا عباءته، فظهر
تحتها مسحه: بلاس من شعر، يجلّل يديه وصدره، حتّى فخذيه. ولكنّه وصله بخرقة عباءة
من مرفقيه حتّى ساعديه لئلاّ يراه أحد"
"ووجدنا المسح عليه لاصقا بجلده. وعند نزعه كان يتناثر ويتمزَّق من شدّة العرق،
وطول الزمان
وعلى ما ظهر لي أنّه لم يَنْزعه عن جسمه مرّة في حياته"
"وورثه عنه الأب مكاريوس رفيقه، وأورثه للأخ بطرس جوّاد المشمشاني"
"ورأينا إسكيمه الذي ما رفعه عن رأسه، وقت مرضه مربوطا بخيط شعر على عنقه. والشقفة
البيضاء التي تكون تحت العباءة، متدليّة على الظهر لتحفظ الإسكيم على الرأس كانت
مفقودة، إذ رثّت من كثرة العرق وطول الزمان. وعوضا عنها، كان متّخذا رقعة عباءة
مثنّاة، محشوّة بشيء سميك ثقيل، فقلنا: هذه دراهم الحبيس!! وفتحناها لنرى ما يوجد
طيّها، فرأينا حجارة رقيقة وضعها الحبيس، ليحفظ بثقلها إسكيمه على رأسه، ويتأذّى من
وخزها في قيامه ورقاده. فتأثّرنا جدّا. ورأينا جسمه هزيلا كما كان"
"وبه آثار عقر بمحلّ الزنّار الحديدي الذي كان يلبسه أيّام حياته"
"وهو بعرض 3 أصابع"
"وانتزع الأخ بطرس جوّاد مشمش سلسلة كان يحملها الأب شربل في عنقه، ويحمل بها صليبه
وقونة"
2- الليلة
الأخيرة
و"أغمضوا عيني
الحبيس وأطبقوا فمه ووضعوا يديه على صدره وأمسكوه بهما الصليب المقدّس رفيق حياته
وجهاده. وكانوا يردِّدون: "مات القدّيس. هنيئا له. الله يرزقنا ميتة مثل ميتته.
الله يرحمنا بشفاعته"
و"نقلوا جثمان الحبيس إلى كنيسة المحبسة، ووضعوه ممدّدا على الحضيض، أمام المذبح
فوق بلاس من شعر الماعز. وقد أداروا وجهه إلى الغرب نحو الشعب"
و"بات الأب شربل
ليلة عيد الميلاد سنة 1898 في الكنيسة حسب عادته التقويّة... وما حاد عن عادته،
إلاّ أنّه في تلك الليلة الأخيرة كان راقدا رقاد الموت، ونفسه كانت مستيقظة باليقظة
الأبديّة... وكان يسهر على الجثمان، رفيقه الأب مكاريوس والأخ بطرس جوّاد مشمش
والأخ فرنسيس قرطبا، وجمهور من رهبان دير مار مارون، الذين حالما عرفوا بوفاة الأب
شربل، أسرعوا إلى كنيسة المحبسة يقبّلون يديه، وقد صرفوا هزيعا من الليل راكعين
قربه يصلّون"
"وقد حضرت أنا حالا بعد وفاته مع جمهور الدير"
"وكان يقول
الساهر للآخر: "إذا كنا نحن تضايقنا هنا من ليلة واحدة في هذا الشتاء القاسي، فكيف
استطاع أن يعيش في هذه المحبسة 23 سنة؟! هنيئا له! إنّه يلاقي الآن أمام الله أجر
استشهاده العجيب المتواصل"
3- ميلاد
1898
"إنّ الثلوج
المتراكمة كانت قد سدّت الطرق، وتراكمت مترا ومترين في بعض الأماكن، وكان الرهبان
محتارين يقولون: "هل يمكننا غدا أن ننقل جثمان الأب شربل إلى مقبرة الدير، في هذا
الطقس الشديد القساوة والكثير الثلج؟ وهل يمكننا أن ننعي الأب شربل إلى الجوار في
هذه الحالة؟
"فكأنّ ملائكة
الله، الذين سبق فبشّروا في تلك الليلة رعاة بيت لحم بميلاد مخلّص العالم، هم
أنفسهم بشّروا في القرى المجاورة لعنّايا بأن قد ولد في السماء الأب شربل"
و"بكّر سكّان دير مار مارون والشركاء، وسكّان القرى المجاورة، فرأوا الثلج يتساقط.
فظنّوا أنّهم لن يستطيعوا الوصول إلى المحبسة، والمشاركة بنقل جثمان الأب شربل إلى
دير مارون. واعتقدوا أنّ من في المحبسة سيضطرون إلى دفن الأب شربل في صحن كنيسة
المحبسة نفسها. وقد تدثّر بعض الشركاء بالثياب الشتويّة، ولفّوا رؤوسهم بكوفيّات لم
تترك ظاهرا من الرؤوس إلاّ العيون. وانتعلوا الجزمات التي تبلغ الركب. وحمل كلّ
واحد منهم رفشا لجرف الثلج بجرأة نادرة، ليصلوا إلى قدّيسهم ليحملوه وينقلوه إلى
الدير. وعند الساعة الثامنة تجمّع قسم من الشبّان في المحبسة... وعند التاسعة جيء
بمحمل وهو عبارة عن 3 ألواح تسمّرَت على خشبات بارزة من الجانبين لتكون محامل على
أكتاف الحاملين وفرش عليها بلاس"
"فقد نقل الجثمان من المحبسة إلى الدير في بلاس"
"وجاء الأب مكاريوس الحبيس والرهبان والإخوة وحملوا الجثمان ووضعوه على المحمل.
وحمله الأب مكاريوس والدموع تذرف من عينيه. وحمل معه الرهبان والشبّان على
أكتافهم"
"وحملت جثّته مع غيري. وأذكر من الذين حملوا خالي شحادة"
"وكنتُ ممّن حملوا الجثّة من المحبسة حتّى الدير"
"وهمّوا بالإنحدار من المحبسة إلى دير مار مارون على طريق وعرة كان الشبّان قد
فتحوها، وتساقط الثلج يهدّد بسدّها مجدّدا. وكان الجمهور متخوّفا من سقوط المحمل،
بجثمان الأب شربل، على الطريق من صعوبة السير عليها ومن تساقط الثلوج. فقال لهم
الأب مكاريوس الحبيس: أمشوا على خيرة الله! لا تخافوا فالأب شربل يُسهِّل لنا
الطريق"
4- نقله إلى
الدير
"فلمّا حملناه وخطونا به خارج المحبسة، نحو الدير، انقشعت
الغيوم أمامنا، وظهرت الشمس. بينما كان وراءنا الثلج متساقطا"
"وسار الحاملون بالمحمل وهم لا يشعرون بتعب ولا بمشقّة كأنّ الطريق مفروش بريش
النعام وكان الجمهور يقول: أعجوبة من عجائب الأب شربل"
و"كانت هيئة جثمانه بعد موته طبيعيّة، وقد نقلناه، إلى الدير، وهناك وضعناه في
الكنيسة"
"على نعش"
"حسب عادة الرهبان. وكان الرئيس غائبا"
5- صلاة
الجنّاز
"والساعة الثالثة زواليّة"
"أقيم الجنّاز في الدير"
"ولم يكن سوى الرهبان والشركاء بسبب الثلوج المتراكمة"
"ومتاولة من حجولا وجوارها، وسيماء الحزن والكآبة على وجوههم مكبّرين المصاب
بوفاته. هؤلاء حضروا تبرّكا واحتراما"
"فكانوا يركعون أمامه، ويقبِّلون يديه، ويأخذون من ثيابه، وشعر لحيته، نتفا،
ليحملوها أو يضعوها في بيوتهم كبركة. فكانت الحفلة بسيطة، لكنّها مؤثّرة جدّا. وكان
الحاضرون يردّدون كلمة الكتاب المقدّس: "كريم لدى الربّ موت أصفيائه" و"لم يؤبَّن الأب شربل، فكأن الأب شربل
أراد أن يموت "على السكت" إتماما لحياته المليئة بالتواضع"
6-
المقبرة
"محلّ المقبرة شرقيّ الكنيسة. وهي بطول 6 أمتار
وعرض3. طولها من الشمال إلى الجنوب، وعرضها من الغرب إلى الشرق. وجدارها الغربيّ
ملقى على جدار الكنيسة الشرقيّ. وعلوّها من جهة الجنوب 130سم قرب حائط الكنيسة.
ومتر واحد عند جدارها الشرقيّ على الزاوية. والجدار الشرقيّ علوّه نحو 70 سم، ويقلّ
عن ذلك كلّما امتدّ نحو الشمال. تعلو الأرض عليه من الشرق إلى فوق، والحائط الشمالي
علوّه 60سم، وعلى السطح تراب. وهي مقسومة مقبرتين، مفصولة الواحدة عن الأخرى بحائط
حجريّ من الشرق إلى الغرب، وسطحها تراب. ولكلّ واحدة من المقبرتين، باب في الحائط
الشرقيّ، مطمور بالتراب. وإنّ المقبرة الجنوبيّة، هي التي دفن فيها الأب شربل"
7-
الدفن
"أراد قسم من
الرهبان أن يدفن لوحده في محلّ خصوصيّ، لأنّ المقبرة العموميّة كانت طافحة بالماء،
لا يجوز دفنه فيها لأنّه قدّيس"
"وألحّوا لنضعه في تابوت حفظا لذخائره"
"والقسم الثاني، وفيه وكيل الدير، أبوا إلاّ أن يدفن في المقبرة العموميّة"
"إذ أن ذلك يخالف نصّ القانون"
"وقال الوكيل: إذا كان قدّيس فهو يحفظ ذاته"
"وانحدرنا إلى
المقبرة بقدر درجتين من الخارج. عندها حفرنا أمام بابها، لأنّ الأرض خارج الباب
مسلّطة على المقبرة تنحدر نحوها انحدارا قويّا، والبلاطة المسدود بها الباب غير
محكمة الزوايا، ومن الباب ينحدر الداخل إلى المقبرة بدرجة"
"وأنا ساعدت في فتحها، ودخلت إليها، فغرقت في الوحل والماء، والدلف من سطحها"
و"تتسرب إليها المياه من كلّ جهة"
"فأرضها أوطى بكثير من سطح الأرض الخارجي التي حولها، ولا يزال مغمورا بالوحل
والمياه أكثر أشهر السنة"
و"كان يدخل الواحد بعد خروج الآخر"
"وكان الإفريز"
"داخليّ (داخل المقبرة) يعلو نحو ربع ذراع عن الأرض"
"خاليا من العظام والجماجم، فكلّ هذه الرفات"
"عظام كثيرة، كلّها بالية"
"نقلت وجمعت لزاوية في المدفن"
"فوضعنا لوحين فوق الحجارة"
"وقطعة من بساط شعر ماعز"
- "وقد فُعِل ذلك للأب شربل، لما كان من علوّ مكانته الروحيّة، في قلوب الجميع.
وخوفا من أن تغمره المياه، والأوحال نظرا لعلوّ الأرض حول المقبرة"-
"ووضعنا جثّة الأب شربل ملفوفا بعباءته"
"كعادة الرهبان"
و"لم يكن يخطر ببالنا أنّه لا يبلى. وكان عندئذ فكّه الأسفل مربوطا بمنديل إلى
رأسه، ليظلّ فمه منطبقا. فنَزع أحد العلمانيّين المنديل، وبقي فمه مفتوحا. ونحن
قلنا التراب للتراب"
"وجميع الذين كانوا حاضرين دفنه، قالوا: هنيئا له فهو قدّيس راح على السماء
بثيابه"
8- نسينا
الرفش
"لمّا خرجوا من المقبرة وضعوا البلاطة على
الباب وطمروها بالتراب والثلج، وتلا آباء الدير الصلاة الأخيرة... وقال أحدهم: آخ!
نسينا الرفش في المقبرة. فأجابه واحد من العلمانيّين: لا بأس فقد تعوَّد رفاق الأب
شربل في الحقل... أن يتركوا له في آخر النهار الرفوش والفؤوس والصند والنير ليحملها
كلّها إلى الدير"
9- الجنّازات والقداديس
والورديّات المفروضة
"إذا
توفّي الراهب في دير فليكتب رئيسه إلى الرئيس العام وإلى بقيّة رؤساء الأديرة
ويخبرهم بوفاته من غير إمهال لتتقدّم عنه القداديس والصلوات كالعادة، وهي هذه: في
الدير الذي يرقد فيه فليعملوا على نفسه الجنّاز كالعادة والقدّاس الكبير وكلّ كاهن
فليقدّم عنه ثلاثة قداديس، وغير الكاهن فليتلُ عنه ثلاثة مسابح. ثمّ فليقدّس أيضاً
عن نفسه قدّاساً كبيراً في يوم الأربعين وفي يوم سنة وفاته. أمّا في بقيّة الأديرة، فكلّ كاهن يقدّس
عن نفسه قدّاساً واحداً، والغير الكاهن يتلو مسبحة واحدة"
"أمرني رئيس دير حوب أن أقدّس لراحة نفسه"
"ورئيس دير الجديدة، حسب ما هو مفروض في قانون الرهبان"
"وأيضاً:10 قدّاسات
عن نفس الأب شربل بقاعكفرا"
10- بكاء
مرّا
"بكاه الأب مكاريوس بأحرّ الدمع لأنّه فقد
بفقده أبا رحيما، وأخا شفوقا ورفيقا، وخادما له مطيعا يأنس بقربه ويستوحش ببعده،
فيؤلمه غياب ذلك الملاك السماويّ عن عينيه، ويذكره فيشتدّ حنينه إليه، ولكثرة حزنه
عليه ظهر له في الحلم أنّه بحالة سعيدة في السماء"
"وكان هذا الأب الفاضل يقول: أنا لست مستحقّا أن أكون في هذه المحبسة التي عاش فيها
الأب شربل القدّيس"
ويخبر عيد: "ورأيت والدتي مرّة تبكي بكاء مرّا. فسألتها عن السبب، فأجابت: مات عمّي
بونا شربل، وقد توفّي في قطاعة الميلاد، أيّام البرد والثلوج"
"وكم كان تأثّري عظيما عندما بلغني نعيه... وقد ذرفتُ دموعا غزيرة فترة غير
قصيرة"
11- هنيئا لك يا بونا
شربل
"وأذكر حادثا شهدته، وهو عندما ورد نعي الأب
شربل، على الأب نعمةالله القدّوم الكفري، وكان نائبا عاما للرهبانيّة، وكان مشهورا
بعلمه وفضائله. وكان يومئذ مقيما في دير كفيفان، قال لرئيس الدير، ومدير مدرستها
أمامي، إذ كنت بقربهم وأسمع حديثهم: هنيئا لك يا بونا شربل، قد عرفت أن تكتسب
السماء"
خامسا: نور
القيامة
1- النور
العجيب
"ومن بعد دفنه، منذ الليلة الأولى، كنّا نشاهد المقبرة من
بيوتنا المقابلة الدير، على مسافة عشر دقائق من الجنوب، ضوءا لامعا، يختلف عن
الأضواء العاديّة، يشبه ضوء الكهرباء، يظهر ويختفي، ولو مهما بقينا ننظر إليه، يبقى
على وتيرة واحدة"
"فقال البعض بادئ الأمر، قد يكون ذلك برقا"
"وكنّا
نشاهد قبّة الدير، وحائط الكنيسة الشرقيّ، المحاذي للمقبرة، كلّه، أحسن ممّا نراه
في النهار. وكنّا نأتي إلى الدير، ونخبر الرهبان، فلا يصدّقوننا"
"وما كان يعير الشركاء أحد
التفاتا"
و"لمّا أخبروا الرئيس لم يصدّق. وقال لهم عندما تشاهدون النور فليحضر أحدكم
ويخبرني، أم اعطوني علامة. فأعطوه علامة بإطلاق النار عند مشاهدة النور. فكان
الرئيس عند طلق البنادق يخرج خارج الدير مع رهبانه، وقليل منهم من شاهد شيئا"
و"ذهب الرئيس إلى بيتنا المقابل للدير من الجهة الجنوبيّة، ورأى بنفسه، وهو القس
أنطونيوس المشماني"
و"قد شاهده أيضا الشركاء: طنّوس شحادة
والياس أبي سليمان ومغامس من كفون"
"وبقينا نرى هذا المشهد العجيب، كلّما سهرنا عند جيراننا
المقابل بيتهم للمقبرة. وكان جميع الساهرين هناك يرونه"
و"أنا رأيته ثلاث مرّات"
"وقد تكاثرت هذه الاشاعة، وتكرّرت، على قولهم –أي الشركاء- هذه المشاهد ليليّا مدّة
شهر ونصف"
"وكانوا يقولون أن الضوء كان يظهر أولا عاديّا، ولكنّه كان
[10] يكبر ويتّسع
كلّما علا"
"ولمّا نمى الخبر إلى الجوار،
تسارع الكثيرون من قرية مشمش، وإهمج، وكفربعال، ومن قرى الشيعيّين مثل حجولا، وراس
قسطا، ومزرعة العين وخلافها، ليشاهدوا النور، وكانوا يرونه ويؤكّدون للرهبان
ولسواهم الرؤيا"
"وقد رأت رجا
الأنوار من مشمش نفسها، بما أنّ بيتها كان على قمّة مطلّة على دير مار مارون
عنّايا"
2- رزنامة عنّايا
"والرئيس كان غائبا عن الدير مدّة مرض الحبيس ووفاته"
"وما مرّ أسبوع على وفاته حتّى عاد إلى الدير... وركع على الوحل عند القسم الجنوبيّ
من المقبرة حيث دفن الأب شربل... وأخذ يصلّي... فجثا الرهبان وراءه، لمّا علموا
بقدومه... ولمّا انتصب على قدميه... قال: خسرنا في الأب شربل الحربة التي كانت تردّ
الصواعق عن الرهبانيّة، وعن الطائفة وعن لبنان... وأخذ رزنامة الدير... وكتب:"
"إنّه في اليوم الرابع والعشرين من كانون الأوّل، سنة 1898، توفّي لرحمته تعالى،
الأب شربل بقاعكفرا
الحبيس، بداء الفالج، وتزوّد
بواجبات الموتى، ودفن في مقبرة الدير، وله من العمر 68 سنة، بزمان رئاسة القس
أنطونيوس مشمشاني.
وما سيجريه بعد موته، يكفي عن الإسهاب بحسن سيرته، وبالأخصّ حفظ نذوره، حتّى
نقول: إنّ طاعته ملائكيّة لا بشريّة"
3- وبعض الرهبان لم
يروا
"لم أرَ شيئا ولم أعرف سوى أنّي سمعت أنّ بعض الشركاء
كانوا يشاهدون الضوء عليها بعد موته"
و"أنا لم أرَ بعيني، إنّما عرفت من شركاء الدير، المقابلة بيوتهم للدير، أنّهم
شاهدوا نورا لامعا على المدفن مرار عديدة"
و"سمعت من الشركاء والجيران أنّهم شاهدوا نورا فوق المقبرة مرارا عديدة" و"سمعت من شركاء الدير، وأهل المزارع المقابلة للدير، أنّه
كان يظهر في الليل شهب نار خارجا من المقبرة. أمّا أنا فلم أر شيئا بذاتي"
و"إنّ شركاء الدير، حالا بعد الدفن أخذوا يرون نورا لامعا فوق القبر ويخبرون
الرهبان. [130] وظلّ حديث النور يتكاثر"
"وسمعت أنّه شوهد نور على المقبرة مرارا، والشاهدون هم من شركاء الدير ومن الرهبان
والمتاولة"
"وقد رفع من القبر حيث ظهر ضوء على قبره رآه عديدون من الشركاء وغيرهم"
"وبعد مدّة، حضرت إلى الدير، حيث كنت غبت مدّة عنه، فزرت
قبره. وكان الناس يتوافدون لزيارته، لأنّهم كانوا يعتقدونه قدّيسا في حياته. وكانت
هذه الوفود تأتي من القرى المجاورة في بدء الأمر. وكان قد شاع في الجوار، أنّ نورا
ينبعث من قبره. وكان الجيران يشاهدون النور"
4- بهرني الأب
شربل
"وفي إحدى الليالي، في آخر السهرة، أمر الرئيس، الأب
أنطونيوس المشمشاني، الأخ بطرس مشمش،
بأن يستقي له ماء للشرب من العين، والواقعة خارج الدير، فوق المقبرة فأخذ جرّة
صغيرة وقنديلا وخرج. وأبطأ أكثر من ثلث ساعة، مع أن المسافة كلّها لا يقتضي لها
أكثر من خمس دقائق. فلمّا أبطأ كثيرا فتحوا اليوان الشرقيّ، المطلّ على العين،
ونادوه. فأجاب من قرب المقبرة: قد ظهر لي الأب شربل على شبه كوكب، وما عدت أقدر أن
أرجع، وقد انطفأ الضو الذي كان معي فحملوا إليه فانوسا، فرأوه جالسا على باب
المقبرة، وثيابه ملطّخة بالوحل والجرّة في يده سليمة، وهو يرتجف. وقصّ عليهم
بحضوري، أنّه كان نازلا من العين، طلع عليه من باب المقبرة شهب نار بهيئة كوكب
مختلف الألوان فبهره، وسقط على الأرض"
5- الأب شربل
حمار
"أخبرني طنّوس
شحادة من إهمج، شريك الدير وأجيره
يخدم عمّالات (بقر
الفلاحة) الدير إنّه كان مصابا
بألم في زلاعيمه وخاصرته وكتفيه"
"وتعالج مدّة نحو
سبع سنوات منّي ومن سواي، فلم ينجح به علاج. فمرّ عليه، ذات يوم، جمهور من الزوّار
القادمين من قرطبا، لزيارة ضريح الأب شربل، إستشفاء من أمراضهم. فضحك طنّوس
المذكور، هازئا من ذلك. فأجابه الأخ الياس المهريني ومن معه للزراعة:
لا تقل هكذا. فكرّر كلامه الأوّل أي: يا قليلي العقل أي متى صار شربل قدّيس؟!"
و"لمّا تكاثر القادمون الطالبون شفاعته. قال له البعض صلِّ
للأب شربل يشفيك. فقال لهم: أأطلب الشفاء من هذا المجدوب؟ لا أعتقد بقداسته! بل
أطلب من حمارتنا، ولا أطلب منه! فقامت إليه امرأته تشتمه بقولها له: يا كافر"
"وبعدما رجعنا من
الحقل وعشَّيت
البقرات، تخايل إليّ أنّي أرى شبحا أمامي، فاقتربت منه، فإذا هو الحبيس
وفي عنقه بطرشيل"
"بوجه عابس، وبيده عكاز"
"فقال لي: ماذا
كنت تقول عنّي في الحقل اليوم؟ ووضع يده على عنقي. فأجبته مضطربا: لم أقل شيئا،
بل كنت أمزح، لكن دخيلك اشفيني"
"وارتميت عليه صارخا: يا أبانا
دخلك، فلطمني"
"بعكازه"
"حيثما كنت أشعر بالضيقة والوجع. فأحسست بألم من ضربته"
"في خاصرتي، وفي صدري، وبين كتفي ثلاث وخزات قائلا: الأب شربل حمار، عند كلّ
وخزة، وتوارى عنّي. وبالحال فارقتني أوجاعي كلّها"
"وها أنا لا أشعر
بشيء"
6- محمود حماده
أو أبو سبتا
"وحدث أن حضر –
في 8شباط عشيّة عيد مار مارون شفيع الدير-
مدير الناحية، ناحية المنيطرة، في طورزيّا الشيخ محمود حماده –شيعيّ- بو
سبتا من علمات ومعه بعض أنفار، وغايته البحث عن بعض الأشقياء، الفارّين من وجه
الحكومة"
"من حجولا، وكان بين هؤلاء الأنفار نفر مسيحيّ كاتب للمديريّة معهم يدعى عبدالله
معوّض"
"فظنّ أنّهم مختبئون بالاحراج المجاورة للدير، فربطوا خيولهم بجوار بيتي، وتوجّهوا
لناحية الدير ليلا"
"ولمّا وصلوا إلى الشعب
وكانت ليلة ممطرة مظلمة. فما عاد أمكنهم مواصلة السير إلى حجولا، فرجعوا إلى جهة
الدير. ولمّا أطلّوا عليه من بعيد"
"رأوا نورا يبدو أوّلا ضئيلا، ثمّ يشعّ ويلمع شبه الكوكب قرب باب الدير شرقيّ
كنيسته
ليلا"
"كأنّه مُشعِلا حائط الدير الشرقيّ"
"يتلألأ، مرتفعا على شكل دائرة ثم يغيب"
"فظنّ أوّلا أنّ الأشقياء مختبئون هناك"
و"تلك علامات منهم، يتخابرون بها،
فتوسَّم خيرا بالقبض على الأشقياء بالدير. وعند وصوله للدير، إختفى النور... وكان
قد طوّق الدير بأنفاره" "فأسرعوا إلى حيث شاهدوا النور، فلم يجدوا
شيئا. فقرعوا باب الدير"
"فجاوبتهم أنا: البوّابة مقفلة، والساعة متأخّرة، والرهبان نيام. ليس وقت ضيافة.
فقالوا: إفتح لنا، ومتى عرفتنا لا تشارعنا"
و"لمّا فُتِح لهم، سألوا وفتّشوا، فلم يجدوا سوى سكان الدير"
"وسمعنا قرعا على بوّابة الدير في
ساعة متأخّرة من الليل، فأتينا لنرى ما الداعي إلى ذلك، فرأينا بو سبتا -مدير
الناحية المتوالي الشيخ محمود حماده المعروف عند العامة بهذه الكنية- ومعه خمسة
أنفار. وهم في غرفة وكيل الرئيس الأب مارون مشمش وكنت أنا مع الشركاء.
"وسمعت المدير يسأل: لماذا لم تفتحوا لنا
حالا؟
-أجابوا: لأنّا كنّا
نياما.
-قال: كيف أنتم نيام؟ وأنا مع أنفاري شاهدت
النور من الجهة الشرقيّة، قرب البوّابة مرّات يظهر ويغيب، دلالة على أنّه يوجد في
الدير من كان مستيقظا.
-فقالوا: عندنا، حيث رأيت النور، مقبرة مدفون فيها حبيس هو
الأب شربل. والشركاء وغيرهم رأوا نورا فوق المقبرة في بعض الليالي"
"-فأجابه الشيخ محمود: والله! بأوّل فرصة تصحّ لي سأخبر
غبطة البطريرك بهذه المسألة"
"وأنشرها في الجرائد، فإنّي أنا
قد عرفت، بموت مطارين وبطاركة، ومررت بقبور كثيرين، وما شاهدت مثل هذا المشهد الذي
بهر أعيننا"
"وقد عمل محضرا بما شاهد، وأرسله إلى غبطة السيد البطريرك الياس الحويك. وتحقّق أنّ
النور لم يكن منبعثا عن قنديل أو نار أشعلت بل كان صادرا من قبر الأب شربل"
1- مغامرة في
عيد مار مارون سنة 1899
"وفي اليوم التالي، لمجيء محمود حماده إلينا، نزلت أنا
والأخ الياس المهريني، وسابا العويني، ومكاري الدير. وكان الرئيس في
جبيل.
وفتحنا القبر"
"فوجدناه مليئا بالماء، إلى مستوى اللوح"
"المرتكز على حجرين"
"الذي كان عليه جثمان"
"الأب شربل"
"وأرض القبر من تراب، وكانت متوحّلة جدّا"
"ووجدنا الجثمان ملفوفا بمشلح رهبانيّ. وكان المشلح ثوبا مهترئا، ومغطّى بالدود من
عند العنق حتّى الرجلين"
"فشكرت الله تعالى على نعمه، على عبده الأب شربل، لأنّ الدود موجود عليه ولم يمسّ
جثمانه"
فهو "كراهب نائم على ظهره، جامع يديه على صدره وهو صحيح سالم"
"ولكنّ الدلف كان يسقط على وجهه"
"من سقف المقبرة"
"ومن شلال مزراب الكنيسة"
"ومزراب سطح الدير"
"فأثّر على لحيته وأنفه وشفتيه، بأن اقتلع قسما من الشعر وثغر اللحم"
"ولكنّ عينه اليمنى مبيضّة قليلا"
و"خائرة نوعا عن الأخرى"
"وأُتلِفت"
"فأخذ سابا العويني خشبة، وقحط بها الدود عن مشلح الأب شربل، وأمسكه اثنان واحد
بيديه وواحد برجليه، وهزّوه ليروا إذا كان مخلّعا. فوجدوا أنّه لا يزال متماسكا
سالما كأنّه حيّ. فأرجعناه كما كان، وأقفلنا الحجارة. ثم إنّ وكيل الدير، أرسل
يُخبر الرئيس بما حدث، كما أنّ المدير الشيعي كان أخبره بالنور الذي شاهده ورجاله
في الدير ليلا"
"وأُرجِّح أنّا فتحناه في الليل"
2- محاولات
خطف
"وعندما تكاثرت الإشاعات عن النور الذي يخرج من المقبرة،
وأخذ الزوّار يتقاطرون من قرى عديدة مع مرضاهم، ومنهم من كان يهجم على باب المقبرة
ليفتحها، ويأخذ بركة من جثمان القدّيس. وكان الزوّار يتقاطرون من جهات مختلفة
عديدة. وتوصّلوا إلى أن فتحوا المقبرة بالقوّة، وعاينوا الجثّة، وكانوا يأخذون منها
من شعر لحيته، أو من أظافر يديه، أو من ثيابه، أو من تراب المقبرة شيئا على سبيل
البركة. فطلب الرهبان من الرئيس، أن يفتحوا القبر. فأجابهم إلى طلبهم، وفتح
القبر"
3- أمام
الرئيس
"وبعد ذلك فتح الرهبان المقبرة، فوجدوا جثّة الأب شربل غير
بالية. وأنا الذي حفر لفتح باب المقبرة، مع بعض الشركاء، فنظرنا بعيوننا الأب شربل
غير بال، وثيابه محفوظة، مع أنّ العفونة على أثوابه ووجهه، وكلّ جثمانه، كانت تكسوه
كثوب ثان بسبب الدلف والماء والرطوبة. فرآه جميع الرهبان والشركاء الحاضرين،
وتعجّبنا"
"وقال لنا الرئيس: أمسكوا الجثّة بإصبع الرجل، فإذا انقطع
أتركوه. فدخلت أنا مع الذين دخلوا، وكان منهم الأخ جبرايل المشمشاني
وسابا طنّوس موسى والأخ بطرس ميفوق
والأخ جبرايل ميفوق
وكثيرون غيرهم لا أتذكرهم"
"فحين دخولي منحنيا، نظرا لضيق الباب، وغاصت رجلاي في الوحل، نحو قيراطين
ولم يكن على الإفريز لا وحل ولا ماء، فوجدت جثمان الأب شربل كما وضعناه يوم دفنه،
ووجدت ثيابه ناشفة. فكشفت عن صدره وباقي جسمه، فرأيت العفونة تغطّيه بلون أزرق،
وكان باطن قدميه في حياته المكلكل لكثرة الشغل، وقلّة العناية قد سقط وأنتثر من
موضعه، وبقي محلّهما بغاية النعومة والطراوة كأرجل الأطفال. فطلب الأخ الياس
المهريني الإذن من الرئيس للدخول بعدي، فالتقط الجلدتين المنتثرتين من عقبي رجليه.
وكان جسمه وعضلاته كلّها طريئة مرنة كما كان في حياته. وأتذكّر جيّدا أنّ الباهم
والسبابة في يده التي رفعتها ليراها الرئيس، لم يكن عليها عفونة البتّة، بخلاف
بقيّة الجسم. فأمر الرئيس بخروجنا من المقبرة، وإقفالها"
4-
استَغْرَبْتُ
"ووجدنا الرفش الذي نسيناه في المقبرة، وقت الدفن مهترئة
عصاه. وعرفنا جثّة الأب شربل هي هي ذاتها، سليمة بلا أدنى فساد بثيابه وجثّته.
وأذكر جيّدا أنّ سرواله كان ناشفا، لا ماء عليه، بل بقع دم من الجثّة"
"واستَغْرَبْتُ واستَغْرَبَ جميع من كان معي كيف أنّ الجثّة والثياب لم تبلَ في تلك
الأوحال مع أنّ عصا الرفش، وهي من خشب قد اهترأت!"
"من كثرة الماء والرطوبة"
5- شفاء
العويني
"كنت مصابا بوجع في ظهري أثر سقوط صاعقة في بيتي منذ
سنتين. وقد تعالجت بكلّ الوسائط ولم ينفعني علاج. وبقيت محدودبا قليلا والوجع لا
يفارقني، وإذا مشيت بضع ساعات، كنت أضطر إلى راحة يومين. فعندما سمعت بأمر غبطته
بفتح المقبرة، بادرت إليها آملا بالشفاء، نظرا لشدّة ثقتي بقداسته. فمسحت يدي على
ظهره وصدره، وفركت ظهري بما علّق عليها من جثمانه الطاهر، قائلا له "هالخطرة خطرتك"
أي الآن وقتك، أنت متّ على يدي، ولم أطلب منك شيئا، فالآن اشفني. رافقت الرهبان إلى
إهمج، لحضور جنّاز داود يوسف سعد، ماشيا ذهابا وإيابا نحو ساعتين. فعند رجوعي إلى
البيت قالت لي إمرأتي: أراك مرتاحا غير تعب كعادتك، هل شفاك الأب شربل؟ فانتبهت كمن
صحا من غفلة، وتفقّدت موضع الألم من جسمي وإحديدابي، وأقوم وأقعد، وأميل ذات اليمين
والشمال، فلم يكن بي شيء ممّا كان من الوجع"
6- حدل
السقف
"عادوا إلى الرئيس يلحّون عليه ليسمح لهم أن يرفعوا الجثّة
من المياه ويدفنوها في حنية الكنيسة، في محلّ ناشف، ليقيها من الرطوبة والفساد،
فأبى ذلك عليهم. وأرسل فعرض الكيفيّة لغبطة السيّد البطريرك، ملتمسا منه الإفادة
عمّا يجب فعله. وقد عرض له أيضا ما كان من أمر الأنوار وخلافها. وأنّه ما عاد
يستطيع أن يردّ الزوّار عن المقبرة. فردّ أمر غبطته بوجوب إبقاء الجثّة في مكانها،
ورفع المياه من حولها، وبرفعها عن الحضيض، وبأخذ الإحتياطات اللازمة، لمنع تسرّب
المياه إلى المقبرة. ففتحت المقبرة، ودخل الرهبان، ولم أكن معهم، ورفعوا المياه،
ووضعوا الجثّة على لوحين فوق جحشين من خشب، وترّبوا سقف المقبرة، وحدلوها منعا
للدلف. وأنا في المرّة الأولى، قد رأيت الجثّة بعيني غير بالية، إلاّ تحت إبطه،
فالجلد منقور قليلا، لا أعلم ما إذا كان ذلك من الجرذان أم من الرطوبة"
7- ماذا
أعمل؟
وكتب رئيس دير عنّايا إلى البطرك: "أعرض أنه في 24 من ك1
هذه السنة الماضية توفّى ولدكم الأب شربل بقاعكفرا الحبيس هنا بمحبسة ديركم عنّايا.
وما برح مدفنه يضيء ليلة ليلة أو ليلة بعد ليلة. وكثيرون الذين نظروا هذا النور
المنبعث على شبه منارة بحربة فإذا أضاء لهذه الجهة أظلمت تلك. فالجوار والرهبان،
وإن يكن ربّما لهذا النور علّة طبيعيّة، فنظرا لصلاح حياة المتوفّي، وعمله في حياته
بعض عجايب، لم يرتابوا بأنّه صادر عن مبدأ إلهيّ، لاسيّما بعد الكشف على الجّثة منذ
أربعة أيّام، ووجودها سليمة من كلّ عطب، مع أنّ غيرها من الجثث بلي. ولمّا كان
المحلّ رطبا، رأيت أن أجعله في تابوت مطلّى بالزفت. وإذا أذنتم غبطتكم أن يوضع في
مخبأ في حايط الكنيسة لا رطوبة فيه، فيكون أوفق لحفظ جثّته. وفي كلّ الأحوال الأمر
لغبطتكم"
1- إخراج
الجثّة
"وبعد حين أمرنا بفتحها ثانية"
إذ "صدر أمر غبطته برفع الجثّة من المقبرة
ووضعها بمحلّ منفرد لا يزورها أحد البتّة. ففتحت المقبرة، وأخرجت من موضعها، بحضور
القس مارون المشمشاني، وكيل الدير والقس أنطون المشمشاني، والقس يوسف المشمشاني
والحبيس الأب مكاريوس رفيقه في المحبسة، والأخ بطرس المشمشاني، والأخ الياس
المشمشاني
والقس يوسف الإهمجي. ثمّ وضعت في صحن الكنيسة على الحضيض، ريثما يعدّ لها محلّ خاص
خفيّ عن العيون. فطلبنا أن نَنْزع عن الجثّة الأثواب، التي كانت عليها منذ الوفاة،
وأن نمسح العفونة عن الجثّة، فرفض القس مارون الوكيل، وتُركت الجثّة في الكنيسة إلى
الصباح"
2-
نور حول الجثّة
"وفي الليل زار
الأخ الياس المهريني حسب عادته القربان نصف الليل، وبعد تلاوة المسبحة الورديّة
وصلوات الزيارة، جاء إليّ مسرعا، وأيقظني قائلا، وهو يرتجف: نظرت شيئا غريبا لم أره
في حياتي قطّ، قم وانظر. ألا وهو نور يتدفّق من باب بيت القربان، ويطوف حول جثّة
الأب شربل، ثمّ يتعالى إلى الثريّا، ويعود إلى بيت القربان. فهرولت معه إلى الكنيسة
فلم أرَ شيئا. فأخذت في الجدال معه، فأخذ يؤكّد لي، ويدلّني بإصبعه، كمن يرى شيئا
عيانيّا ماثلا أمامه، على أنّي ما شاهدت شيئا فتصوّرته واهما"
3- الماء سابحا
تحت الجثّة
"جاء باكرا القس مارون يتلو الذبيحة الإلهيّة، فتضايق جدّا
من الرائحة المنبعثة من العفونة. ولمّا وصلت إلى الدير، قابلني جمهور الدير قائلا:
اليوم طرد الأب شربل وكيل الدير، ولم يدعه يقدّس في الكنيسة فدخلنا إلى الكنيسة،
فوجدنا الماء سابحا تحت الجثّة، غير جارية، ورائحة العفونة منتشرة بقوّة. فحملنا
الجثّة من الكنيسة إلى ممشى الدير، ووضعناها على بساط شعر، ونزعنا منها الأثواب،
ومسحنا العفونة عنها بملحفة خام للدير، حفظتها عندي في البيت، وكانت رائحتها في
بادئ الأمر عفنة، وما عتَّمَت أن استحالت إلى رائحة ذكيّة. وقد حفظتها ككَنْز ثمين،
وكان كثيرون يطلبون قطعة منها، على سبيل البركة، فأعطيهم. وبعد شهر سرقت من بيتي،
فأسفت كثيرا لفقدها"
4- حالة
الجثّة
"وجدنا الجثّة سليمة في جميع الأعضاء، من قمّة الرأس، إلى
موطئ القدم، ليّنة"
"طريّة ناعمة مرنة"
"كأنّ روحه باقية فيها"
وكان "شعر حاجبيه، وشعر رأسه"
وشعر لحيته محفوظا مع بعض الشيب، وشعر صدره أيضا"
"وعلى اليدين آثار عفن أبيض ناصع شبه القطن، وعلى وجهه أيضا"
"لونها مسودّ، غائرة البطن. بها آثار عقر بمحلّ الزنّار الحديدي"
"إنّما لا جرح بها، بل أثر"
"وعندما مسحنا العفونة عن الجثّة"
"ظهر الوجه واليدان كأنّ صاحبها حيّ راقد"
"ولا أثر للفساد عليها، وإنّما كان ينبعث منها بعض الرائحة الكريهة"
"وقد نزعنا الأثواب... ولم نحتج في نزعها إلى تمزيقها، لأن أعضاءه كانت مرنة تطوي
كأعضاء الحيّ"
"وغسلنا عنها الوحل. فوجدنا جثمان الأب شربل سليما تماما وبلونه الطبيعيّ. وركبتاه
كانتا مكلكلتين كركب الجمال. ولمّا أزيل الوحل عنها انسلخ الكلكال وظهرت ركبتاه
لحما طريا"
"وألبسناه غيرها"
"بعد أن وضعناه على السطح كلّ النهار عاريا، كي ينشف من الرطوبة"
"فلم أرَ، جثثا غير بالية، إلاّ جثّة الأب شربل. وكلّنا ننسب عدم فسادها لقداسته"
5- خرج دم وماء (يو
19/34)
"وُضِعت جثّة شربل على السطح لتجفّ قبل وضعها في "المنبش"،
تقدّم سابا طنّوس موسى وكانت الجثّة معرّاة جميعها، فوخز الخاصرة بريشة فصاده،
فحالاً خرج الدمّ منها ناشبا. فأخذ سابا في الحال حنجورا كبيرا وملأه من الدمّ"
"حفظه معه. وكان كلّما وصلت يده إلى شيء من آثاره يأخذه"
"وكان الدمّ أحمر قانيا. فوبّخ الرهبان سابا المذكور، وأسرعوا فأخذوا قطنا ونشفوا
الدمّ، وسدّوا الجرح، فانقطع الدمّ"
6- رواية
العويني
"عرفت أنّ الرهبان عزموا على إخراج الجثّة، ووضعها في
الشمس على سطح الدير، أو إرجاعها إلى المقبرة. وسبب ذلك أنّ الماء، كان ينضح من
الجثّة والروائح كانت تتصاعد منها كريهة. فجئت إلى الدير، بعد مدّة قصيرة، لا
أتذكّرها تماما، وكان جمهور الدير كلّه حاضرا، وبطرس سابا الخوري من إهمج، وكان
يتعاطى الطبّ القديم، فأنزلت الجثّة من محلّها، وحُمِلت إلى سطح الدير، وفرش تحتها
حصير، وعرّيت من الأثواب كلّها، معرّضة للشمس وللهواء. فقلت للرهبان متأثِّرا:
لماذا تعرِّضون الجثّة هكذا؟ أكتبوا لغبطة البطرك ليأمر بما يراه مناسبا لأنّ رأي
الطبيب بطرس سابا، بوضع الجثّة في الشمس، ودهنها بالسبيرتو لا لزوم له، لأن ليس في
الجثّة فساد. فأنتم ترون كل عضو بها سليما، حتّى أعضاء التناسل. وأخذت أقلب الجثّة
أمامهم، فلم يكن فيها أدنى فساد. ولما قلبتها إلى أحد الجانبين، خرج
الدم"
"طريا"
"من خاصرته شبه الفصادة، فأخذت حنجورا،
ووضعته على المحلّ المنبجس منه الدم، وملأته ورجعت به إلى بيتي"
"هذا كلّ ما أخذته"
"وبقي عندي نحو
سنة. وكنت كلّما أعطيت علاجا لمريض، أغمس شريطة أو [12] قشّة في هذا الحنجور،
وأحرِّك بها العلاج معتقدا أنّه أحسن دواء للشفاء"
"لإعتقادي الراسخ بقداسة الأب
شربل. وبأنّه لا بدّ من الشفاء بشفاعته. وكثيرون منهم يعودون إليّ شاكرين لشفائهم،
وأنا في سرّي كنت عالما من شفاهم" "وكان
القس يوسف الإهمجي شقيقي مريضا، وقد إستعصى شفاء مرضه على الأطبّاء الماهرين، فطلب
إليّ هذا الحنجور مؤمّلا الشفاء بواسطته، فأعطيته إيّاه، ولم يرجعه إليّ"
ولكنّ الأب يوسف "أجاب: قد يكون
صحيحا، ولكنّي لا أتذكّر"
1- في
الشمس
"وقبل أن نضع الجثمان في "المنبش" أصعدناه من مدفنه إلى
سطح الكنيسة، ووضعناه هناك في تابوت معرّض للشمس، لأنّه عندما أخرجناه من قبره كان
كلّه مرطّبا، فاعتقدنا أن الشمس تنشّفه. وكان في ذلك اليوم شمس حادّة. وعند المساء
نشّف قليلا فغيّرنا له الثياب"
ثمّ "وضعناه أوقاتا عديدة متقطّعة على سطح الدير في الشمس، ولكن هذا لم يجدِ في
تجفيف الجثمان بل بقي يرشح"
و"أنا نظرت الجثّة، مرّة على سطح الدير معرّضة، وكنت ساعتئذ ولدا أرعى بقر الدير في
الحقل المقابل للدير، ولا أعلم لماذا وُضِع ذاك النهار على السطح، ولحداثتي لم
أهتمّ بهذا الأمر"
2- خوفا من أن يسرقه
المعجبون
"وقد أُلبس الجثمان فوق الثياب الرهبانيّة كتّونة بيضاء"
"ووضعوه بتابوت خشب بسيط دون غطاء، في محلّ صغير، واقع في أعلى جدار الكنيسة
الشماليّ، بين العقد والحائط الخارجيّ عند رأس الدرج، المعدّ لوضع الفحم الضروريّ
لخدمة القدّاس، وللألبسة الكنسيّة القديمة. ويسمّي الرهبان هذا المحلّ "منبشا"
"وسدّ المدخل بحجر وطين"
"حيث لا يستطع أن يصل إليها زائر أو ناظر"
"خوفا من أن يسرقه المعجبون بفضائله وقداسة حياته"
"وبقيت الجثّة في
"المنبش" أكثر من نصف سنة. وكان الناس يأتون أفواجا من جهات عديدة، ومن قرطبا
لزيارة الأب شربل، وكانوا يلقّبونه بالقدّيس. وما كان يسمح لهم الرهبان، أن يزوروا
جثّته في المنبش"
و"لا أعلم ما إذا كانت إجازة
السيد البطريرك خطيّة أو شفهيّة، إذ لا شيء من ذلك بأوراق الدير عندي. وكان القصد
أن لا تخلط جثّته مع بقيّة الجثث فتبقى معروفة"
3- شفاء طفل
أخرس
(مر
7/31-44)
"وجاء مرّة ولد أخرس مع أبيه، من جهات الفتوح، وكانت جثّة
الأب شربل موضوعة في المدرج، فأصعد الرهبان الوالد مع ولده إلى حيث الجثّة، إجابة
لإلحاحه الشديد. ولمّا انتهى إليه، جثا وصلّى ولمس يد القدّيس مع إبنه وقبّلاها.
ورجعا وفيما هما منحدران على الدرج المعتمّ، صرخ الولد الأخرس خائفا: أبي، دخلك
هدّيني. فصرخ الوالد قائلا: الشكر لك يا قدّيس شربل"
4- ما عاد بان
نور
"ولمّا رفعت جثّة الأب شربل من المدفن، لم يعد يظهر ذاك
النور على القبر"
"وما بان"
"البتّة"
"وبقيت الجثّة في "المنبش" نحو سنتين، إلى أن نقلت إلى حيث هي الآن بأمر غبطته، في
غرفة منفردة، قرب بوّابة الدير، ولم أكن هناك عندما نقلت"
5- رشح خارج "المنبش"
و"وُضِعَت في أعلى "المنبش"، وسدّ الباب عليها بالطين.
وكان يخرج منها دم وماء بغزارة"
"ويسيل على الدرج وينتشر في الكنيسة بشدّة فتضايق الرهبان"
"وما كان ينبعث منها رائحة، إلاّ بعد خروجها. وقد استلمها بعدي الأب يوسف
الكفوري"
1- على سطح
الدير
و"بعد وصولي بيومين سلّمني الرئيس جثمان الأب شربل، ففتحت
التابوت الذي لم يكن محكم القفل، فوجدت الأب شربل بأثوابه الرهبانيّة، وأذكر أنّها
كانت رثّة. فشعرت برائحة غير كريهة وغير مقبولة، ووجدت الجثّة محفوظة سليمة كأنّها
جثّة راهب ميّت من ساعة، إذ أنّ شعر لحيته وشاربيه وحاجبيه ورأسه محفوظا، ولا تشويه
فيه إلاّ إحدى عينيه، فقد كان فيها بعض التشويه. وأمّا باقي الجسم، فلم يكن فيه
أدنى تشويه، ولا فساد وكان ليّنا على المفاصل، وفي الجلد ومواضع اللحم، ولونه أسمر
إعتيادي. وبعد ثلاثة ايّام أنزلته من المدرج ووضعته في أوضة شماليّة غربيّة. ومن
هنالك، كنت في الليل أحمل الجثّة، مع الأخ إيجيديوس التنّوري، وأضعها على سطح الدير
عريانة، قصد تعريضها للهواء، ليجفّ الدمّ الذي كان يرشح بغزارة من [14] ظهره
وخاصرتيه: وهذا الدمّ كان غزيرا جدّا. فأنا كنت أضع تحت الجثّة وألفّها بشرشفين
أبيضين، فكلّ يوم أغيّرهما فأراهما مبلّلين بالماء والدمّ كثيرا، وعليهما ظاهرة بقع
الدمّ الذي كان أكثر من الماء. وندر أن يبقى الشرشفان يومين بلا تغيير. وكنت أرى
الجثّة ترشح عرقا لزجا من كلّ مساماتها. وبقيت أعرِّض الجثّة للهواء في الليل نحو
أربعة أشهر"
"والهواء الشرقي الناشف الذي كان يجفّف الأرض، وأحيانا يؤثّر في الأشجار الحيّة، لم
تؤثّر في الجثّة، بل بقيت على حالتها"
"وكان يعثر بها بعض الرهبان فيرتعبون"
و"كنت أفعل ذلك برأي نفسي، لأنّ الرئيس كان متغيّبا بين الصرود والسواحل، في أملاك
الدير. ولمّا رأيت نضح الدمّ من صدره بكثرة، لم يوقفها التعريض المتواصل للهواء
الناشف، على سطح الدير، مدّة تقرب من أربعة أشهر، من أواخر الربيع إلى أواخر الصيف،
فكّرت في نزع إمعاء هذه الجثّة، لعلّي أتوصّل إلى إيقاف نضح الدمّ، الذي كان يشغلني
يوميّا، لتغيير شرشفين. والحجّة أنّ مقبرة الدير تتسرّب إليها المياه لاسيّما في
الشتاء، وحيث أنّ الأب شربل دفن فيها إبّان الشتاء. وكانت الجثّة غائصة في المياه،
فظننت أنّ المعدة وسائر الأحشاء مُتشرِّبة ماء، فاعتقدت أنّه إذا رفعت ينقطع
الرشح"
2- لإعادة دفن الجثّة!
"أوّل ما أُخرِج جثمان الأب شربل من المقبرة، كان يرشح ماء
محمرّا كغسالة اللحم، وبغزارة. ثمّ كانت تلك المادّة برشحها تفسد. وكان الرهبان
يريدون بأيّة واسطة أن يوقفوا ذلك، لا أعلم لماذا؟! فلهذا سألوا بطرس سابا أحد
الأطبّاء القدماء أن يرى الجثّة، فرآها ووصف لها الوضع في الشمس لتجفّ. فوضعوها
مدّة، وأنا أيضا دهنتها بالسبيرتو الذي وصفه الطبيب المذكور. ثمّ أعيدت الجثّة إلى
محلّها أي تابوت قديم، غير الحالي، وكان بلا طبقة مكشوفا في حجرة أرضيّة. وظلّ يرشح
الجثمان، وزاد رشحا"
"وكان الزوّار يتقاطرون بكثرة، وبعضهم يشكون من رائحة غير
طبيعيّة، تنبعث منها. وكنت أشعر بهذه الرائحة، وكنت أحيانا أرشّ في أرض الغرفة،
وعلى التابوت بعض روائح عطريّة، وكلّ الكميّة العطريّة التي رششتها، لا تتجاوز 3
حناجير"
"وارتأى الأب الياس المشمشاني
إعادة دفن الجثّة فخالفه باقي الرهبان"
"حينئذ استشرت الرئيس الأب مخايل التنّوري، فارتأى إرجاعها إلى المقبرة. فقلتُ له: لا يليق بسمعتنا إرجاعها إلى
المقبرة، بعدما اشتهر أمر إخراجها منها، والعجائب التي يصنعها. وعندي أن ترفع
الأحشاء منها، لعلّها تجفّ، فلا يعود فيها دمّ ولا رائحة. وأظنّ أنّه قال لي: إفعل
ما بدى لك"
3- العمليّة
الجراحيّة!
"فشاورت سابا طنّوس موسى، المقيم في جوار الدير، فقال لي:
لا أتجاسر على مسّ جثمان الأب شربل، لأنّه كان يصنع عجائب في حياته، فأخشى أن
يضربني بموت أولادي. فقلت له: نحن لا نقصد بِنَزع إمعائه إهانته، ولكن إيقاف هذا
الدمّ فأطاعني"
"وتعاهدنا أن لا
نبوح بهذا السرّ لأحد"
"فدخلت برفقة سابا بالنهار، ولا
أذكر الساعة، وشقّ بسكينة بطن الجثّة من جهة الخاصرة تحت الأضلاع، ومدّ يده، وأخرج
الأمعاء: الكرش والمصارين، فإذا بهما ككرش ومصارين خروف مذبوح في تلك الساعة، لأنّي
رأيت بهما الفرث التي توجد عادة في إمعاء الحيوانات بعد ذبحها. ولكن لا أثر للفساد
أو للدود فيها. ورائحتها كرائحة النضح الذي ينضح من الجثّة، ولا أذكر أنّي شعرت
برائحة كريهة. فوضعت تلك الأمعاء بصفيحة كاز إعتياديّة، ولم يخرج دمّ من الشقّ الذي
فتحناه من الجثّة، ولا أتذكّر إذا كان نزف من هذه الأمعاء دمّ وماء"
و"وجدنا القلب،
والرئتين، والكبد، والمرارة سليمة"
"كالمعلاق الذي يرى سليما، في جوف
خروف، عندما يذبح حالا. الماء الملوّن بالدم، ينقِّط منه بكثرة"
"وحملناه
إلى رمّة كنيسة بلا سقف تسمّى مار جرجس. وهنا حفرنا في الزاوية ودفناه"
"وكان ليلا، وقلت في ذاتي: إذا
أخذت الجثّة إلى روميه لتثبيتها، يكون بقي عندنا شيء منها"
"وطمرتُ التنكة مغطّاة. وبعد حين لا أذكر مقداره، كلَّفتُ"
"الأخ إيجيديوس التنّوري"
"الذي كان برفقتي أن يكشف عن تلك الأمعاء. فكشف وقال لي: إنّه وجد التنكة فارغة.
ولا أذكر إذا كان فعل ذلك وحده. ولكنّ الجثّة بقيت على حالها تنضح دمّا وتعرق مادّة
لزجة، مدّة وجودي في الدير، التي كانت سنتين وثمانية أشهر. وقد أخبرت الرئيس، عندما
جاء، بما فعلت"
و"ذهب سابا وحده فيما بعد وحفر وأخذ الأحشاء"
"وهذا ما أخبر به، أمامنا، الأخ طانيوس القاضي، أن سابا وضع الأحشاء في دست وغلاها،
وصار يوزِّع منها بركات لمرضاه كما يبان أيضا من سؤال اللجنة. و"الشائع أنّك كنت
تستخدم دمّ
هذه الجثّة بالعلاجات التي تصفها لمرضاك. وأنّهم كانوا يشفون بتلك الواسطة. فيجب أن
تكون الكميّة التي أخذتها كبيرة"
والحرقة بقيت في قلبه: "أتذكّر جيّدا أنّي نزعت القلب
والقصبة السوداء، ورأيت القلب أحمر يقطر دما ممزوجا بالماء. ولا رائحة له البتّة
ومن ذلك الوقت وعملي أمام عيني، دائما: قد لمت ذاتي كيف أنّي لم أحتفظ بذلك القلب
في بيتي كَنْزا ثمينا، وأنا طلبت منه بإلحاح أن يسمح لي بالقلب، أو بقسم ممّا
نزعناه، فلم يسمح"
4- طرد الجراد
(لو
5/4-7)
"وأثناء رئاسة الأب مخايل التنّوري
على دير عنّايا، حلّ الجراد بأرض الدير بغتة من كلّ الجهات، وذلك قبل الغروب
بساعتين. ورغم مكافحة الرهبان والشركاء، غطّى الزروع والأشجار. فاستدعى الرئيس الأب
مكاريوس حبيس الدير ورفيق الأب شربل. وقال له: إنّ الأب شربل طرد الجراد من جوار
الدير بحياته. أمّا أنت فعليك أن تأخذ وعاء، وتغسل به يده، وتذهب وترش بغسالتها على
زروع الدير والتوت والأغراس قدر مكنتك. فائتمر الأب مكاريوس، وعمل بإشارة الرئيس.
وفي الصباح، قام الجراد فارّا محلّقا عن أملاك الدير. واستلفت روعنا عن حادث مع أحد
شركاء الدير سابا زهره، فهذا الشريك، لمّا كان الحبيس يرشّ الماء بين الزروع، قصد
أن يرشّ بقطعة من الأرض من زرع الشريك المذكور، فمنعه عن دخولها قائلا: أنا أحميها،
فلا تعطلّها بالدوس. فعند آخر تحليق الجراد بالفلا، سقطت شرذمة منه على تلك القطعة،
والتهمتها عن آخرها. ولم يجده لا القواس، ولا حرق البلاّن أو القندول حولها نفعا.
أما بقيّة الأملاك فلم يلحقها أذى مطلقا. بل أكل الأعشاب البريّة حتّى قشور الأشجار
البريّة. فكان حلول الجراد لمنفعة الملك لا لضرره"
5- شفاء من شلل كلّي
(متّى
9/1-8)
"مرضت، على أثر ولادتي عبلا إبنتي البكر، بمرض
في يديّ ورجليّ وسائر جسمي. فأمسيت، من جراء هذا المرض، يابسة مثل قطّوع الحطب، لا
أتمكّن من تحريك يديّ ورجليّ. وبقيت على هذه الحالة أكثر من نصف سنة. وكنت أشعر في
تلك المدّة بآلام وأوجاع مبرّحة. وكانت تخدمني في مرضي حماتي جليلة. وأذكر أنّه
عندما كانت طفلتي تصرخ، وليس من يقدّمها لي لأرضعها، كنت أنحني عليها، وأتناولها
بفمي، وأصعدها إلى صدري فترضع، إذ كنت عاجزة تمام العجز عن تناولها بيديّ.
"ومرّة وقعت الطفلة عن صدري فلصقَتْ بكانون
الجمر الذي كان على جانبي. تأثَّرتُ جدّا وأجهدت نفسي لأقوم وأخلّصها، فكنت كمن
يشعر في حلمه أنّه يريد أن يمشي وهو نائم لا يتحرّك. فإنّي حاولت مرّتين وثلاث أن
أتحرّك، لأنّي كنت أرى ابنتي الوحيدة على وشك أن تحترق، فلم أستطع حراكا. لذلك صرخت
بأعلى صوتي. فجاء رجل يدعى فارس لحّود كان على السطح يحدل في الشتاء وانتشلها. فليس
مرضي مرضا عصبيّا يشفى بالتأثّرات الوهميّة، لأنّ لا تأثير يمكنه أن يهيّج أعصابي
وعواطفي الوالديّة، ويستفزّني إلى الحركة ونسيان أوجاعي، مثل وقوع طفلتي في كانون
موقدة النار، والإضطرار لسرعة إنقاذها، ومع ذلك لم أتحرّك قليلا. وعدم مقدرتي أثّر
في صحتي وزاد في مرضي. ولم يكن الشلل والوجع في يديّ ورجليّ فقط، بل في كلّ جسمي،
وفي فكّي الأسفل، لذا ما كنت أقدر أن أذوق طعاما، سوى الحليب مدّة ثلاثة أشهر. وقد
استعملت علاجات كثيرة من أطبّاء متعدّدين فلم أستفد شيئا. فاستسلمت أخيرا للحزن
والبكاء، ويئست من الشفاء.
"وفي ذات يوم دخلت إليّ امرأة شيعيّة من قرية
فرحِت تطلب صدقة، فسألتني: ما بكِ؟ فأخبرتها باكية عن مرضي فقالت لي: بالقرب منّا
يوجد قدّيس، يصنع عجائب، إسمه القدّيس شربل، في دير مار مارون عنّايا، فاذهبي
وزوريه تشفي من مرضك هذا. وكان في قريتنا في ذلك الحين، الأب روكس مشمشاني،
فاستدعيته وسألته ما إذ كان صحيحا حديث هذه المرأة الشيعيّة؟ فأجابني: نعم صحيح.
وشجّعني على المجيء إلى زيارة القدّيس شربل. فمن ساعتي صمّمت النيّة على زيارة ضريح
القدّيس ونذرت له. وبعد قليل أخبرت زوجي بنذري وبعزمي على الزيارة. فأسرع وأتاني
بمكاري، نقلني على بغل لدير عنّايا. فجئت برفقة خالتي وردة، وتضايقت من سفري
وتألّمت كثيرا. وكان المكاري يسند من جهة، وخالتي ومعها امرأة أخرى تسنداني من جهة
ثانية، كلّ الطريق. وما كنت في مرضي هذا أقدر أن ألبس ثيابي أو أُغيِّرها بذاتي،
ولا أن آكل، بل تقوم بكلّ ذلك حماتي.
"وعندما وصلت إلى هذا الدير، أنزلوني عن البغل
عند المقبرة، وكنت أبكي من وجعي وتعبي وحالتي، لأنّ ركوبي على البغل من قريتي يحشوش
إلى هنا، مسافة خمس ساعات في تلك الحالة، هدّ جسمي هدّا، وهيّج أوجاعي. فكنت أصلّي
وأطلب من القدّيس بحرارة أن يشفيني ويرجعني ماشية. وأُدخِلتُ إلى المقبرة، حيث كان
قبلا جثمان القدّيس. وجاء الرئيس حضرة الأب ميخائيل التنّوري، فتأثّر جدّا لحالتي،
وشجّعني قائلا: قوّي إيمانك، إنّك ستشفين في هذا النهار. وأحضر لي ماء من غسالة يد
القدّيس، وخرقا عليها دمّ ناضح من جسمه. فدُهِن بالماء والخرق جسمي، ويداي ورجلاي
بواسطة خالتي وردة والإمرأة التي معي [82] كريمة بنت عازار كرم من يحشوش. وكانت
أعضائي، بعد التيبّس الذي حصل فيها، ارتخت بحيث ما عدت أقدر أن أطبّق كفّي. وكان
جسمي مرتخيا كأنّ به شلل، ولاسيما على المفاصل والمخالع. فحالما دُهِن لي كما ذكرت
وأنا في المقبرة شعرت أنّ يدي اليمنى اشتدّت، وصرت أستطيع أن أضمّ أصابعي وأتوكّأ
على يدي، ويدي الشمال التي كانت أشدّ ارتخاء وشللا وألما، كنت أشعر كأنّ الألم
يتجرّد منها، وصرت أتمكّن من التوكّؤ عليها قليلا. وكنت أحسّ في المقبرة أنّ جسمي
كلّه يشتدّ، وتيقّنت أنّي أُشفى بشفاعة الأب شربل، وخرجت من المقبرة وحدي. وبعد
قليل ركبت راجعة دون أن أتناول أكلا وشربا، وكنت لا أزال صائمة من يحشوش، إذ نذرت
أنّي لا آكل ولا أشرب حتّى يشفيني. وكان أكلي وشربي الصلاة والبكاء. وكان الرئيس
يزيدني أملا بتنشيطه وتقويته إيماني. ولمّا ركبت لم أحتج أن يسندني أحد كما حدث في
مجيئي، وكنت أشعر أنّ يدي الشمال تنمّل فقط. ولمّا وصلنا في الطريق إلى قرية سنّور،
لم أعد أشعر بألم أو أدنى وجع. وفجأة تأكّدت أنّي شفيت، فحركّت يدي ورجلي كعادتي.
ومن عظم فرحي، نزلت عن البغل، ومشيت وحدي قسما من الطريق، نحو ربع ساعة، ووصلت إلى
بيتي في النهار عينه، بريئة من مرضي تماما بفضل وشفاعة القدّيس شربل. وفي اليوم
ذاته ساعة وصولي إلى يحشوش غسلت لإبنتي. ومن ذلك الحين، أصلّي للقدّيس شربل
يوميّا"
6- فأر في
التابوت
"وقال لي بعض الرهبان أنّ يده الشمال متنثرة وبعض رجله
بفعل الفأر، إذ إنّ جهة التابوت المقابلة ليده، موضوع عليها تنك عوض الشريط، ممّا
يدلّ على أنّ الفأر، دخل إلى التابوت من الشريط الممزّق"
7- بقي
الرشح
"وأجرى له الأب يوسف العمليّة، فما استفاد شيئا، لأنّ
الجثّة بقيت على حالها، من النضح كما هي الآن"
"فلا رائحة في الجثّة، بل في ما ينضح منها. فكلّ ذلك بعد مضي 8 أشهر عليها، يدلّ
دلالة كافية أنّ أمر هذه الجثّة غريب عجيب، جعلنا وجعل العموم يعتقدون كلّ الإعتقاد
بقداسة الأب شربل، وأتى بالزوّار من كلّ ناحية لطلب شفاعته. ولو عرفت أنّ الدمّ
والرشح لا ينقطع بنَزع الأحشاء، لما فعلت ذلك، بل قلت هذه الجثّة أمرها غريب عجيب،
ولا علم من أين يأتي هذا الرشح والرائحة! وما عاد فيها إلاّ الجلد والعظم؟!"
و"كنت أشعر برائحة قويّة قبل أن أغيّر أثواب الجثّة المبلّلة والملطّخة بالدم، وبعد
تغييرها وإبدالها، بأثواب نظيفة، كانت الرائحة تقلّ، وتبقى قويّة على الأثواب
المنتزعة عن الجثّة.
"هنا جاء محامي الإيمان بكتّونة بيضاء، موضوعة على جثمان
الأب شربل، وبقيت أسبوعا، ونزعت عنه
أمس عند فحصها، والكشف عليها. فشمّ الشاهد رائحتها، وقال هذه الرائحة
القويّة ذاتها، التي كنت أبذل جهدي لأزالتها، والبقع الموجودة على هذه الكتّونة
الحمراء اللون مع إصفرار قليل، هي كهذه، ولا فرق إلاّ في البلل، كان أكثر"
والنتيجة ما استفاد "بتاتا، بتاتا. لأنّ الدمّ والنضح
والرائحة بقوا على الحالة القديمة قبل عملي هذا، ولا يزال حتّى الآن هذا الدمّ يرشح
من الخاصرة، لكنّه كان أغزر ممّا هو الآن"
8- نزع
الدماغ
"في الفحص الطبّي وُجِدت الجمجمة مفتوحة عند القذال، وقد
قطع العظم بآلة حادة ولم يوجد أثر للنخاع فيها. وأعتقد أنّ ذلك قد جرى من أحد
الزوّار على سبيل البركة لاغير، في مدّة السنتين والثمانية أشهر التي استلمت فيها
جثمان الأب شربل. ولولا شدّة حرصي في المحافظة عليه، لكان الزوّار تنازعوه قطعا
قطعا للبركة، خصوصا عندما اشتهرت عجائبه، ورشح الدمّ والماء منه. ولاسيّما أعجوبة
مخلّع طبرجا. وأكثر الزوّار كانوا يعرفونه حيّا، ويعرفونه يجترح العجائب معهم في
حياته، فلذلك كانوا يحاولون أن يحصلوا على تذكار منه، ليلجأوا إليه بواسطتها كلّما
نزلت بهم ملمّة. ويلوح لي أنّ سابا طنّوس أبي موسى المذكور، ربّما يكون فعل ذلك
لشدّة اعتقاده بقداسة الأب شربل ليستعمل تلك القطعة في أدوية للحصول على الشفاء
لمرضاه، لكونه كان ولا يزال أكثر الناس ثقة وإيمانا بقداسته ومقدرته على العجائب"
و"لا أبني ظنّي على شيء سوى أنّ سابا كان شديد التمسّك بالأب شربل. كثير الإحترام
لفضائله لكونه كان يعرفه معرفة حقيقيّة ويعتقد بمقدرته على صنع العجائب. وكان في
حياة الأب شربل يأخذ الماء المبارك منه، ويمزج بذلك الماء الأدوية التي يعطيها
لمرضاه. وكان المرضى يستفيدون كثيرا. وسابا ينسب شفاءهم إلى الماء المبارك من الأب
شربل. وكان سابا بعد موت الأب شربل، كلّ ما ركَّب دواء لمريض يصلّي له مرّة أبانا
والسلام لشفاء مريضه بشفاعته. وكان أيضا يكلِّفني أن أمسح له جثمان الأب شربل ببعض
خرق، ويأخذها لبيته. فلهذا ظننت أنّ سابا ربّما يكون، بعد أن غادرت دير مار مارون،
قد نزع النخاع من الجمجمة"
أو "قلّة دين من الأطبّاء، فنَزعوا دماغه خلسة"
9- ترميم العين
ورأس الأنف
"وضعت قليلا من الجفصين أو مادة أخرى نظيره في عينه
الشمال، وعلى أعلى أنفه، لأنّه لمّا كان في القبر كان الماء ينزل عليه من سقف
المقبرة خاصة على عينه وأنفه، فأوجد فيهما تشويها قليلا من كثرة التكرار. فبالمادّة
الجفصينيّة أرجعتهما إلى شبه حالتهما الأولى. ولم يكن فيهما أثر للبلاء. وبقي
الجثمان من حين استلامي إيّاه، على أثر اخراجه من القبر إلى حين تركي إيّاه، على
حالة واحدة من حيث ليونة الجلد قبل تجويفه وبعده. ولم أشعر بفرق على الإطلاق وهذا
كان عندنا السرّ الغريب"
10- قلّة
فطنة
"إنّ الرهبان لم يضعوا الجثّة إلاّ في محلاّت تعجّل في
فسادها، إن في المقبرة، وإن في الحجرة الأرضيّة. وأنا، مع أنّي أعتبر نفسي من الذين
يفهمون، قد شوّهت الجثّة، بما أجريته فيها، بقلّة فطنة وسذاجة، إن بوضعي لها في
الليل مدّة أربعة أشهر على السطح معرّضة للهواء، وإن بنَزعي الأحشاء منها"
11- مكرسح طبرجا
(مر
2/1-12)
"رأيت مخلّع طبرجا، يوم أتوا به إلى ضريح القديس شربل،
محمولا على مركوب، ومحزّما ومسنّدا بمخدّات. فأنزلوه على بوّابة الدير، وهو لا يقدر
[96] أن يحرّك لا يده ولا رجله. وكنت حاضرا لمّا وضعوه في البوّابة. ثم حملوه إلى
الغرفة الموضوع بها ضمن الدير للجهة الشماليّة الغربيّة. واسمه بشارة أنطون القزّي.
وعلى ما فهمت من رفاقه أنّه من صغره مصاب بهذا المرض. وبعد أن بقي مدّة وجيزة،
أنزلوه إلى البوّابة حيث وُضِع أوّلا. فبدأ يحرّك يديه ورجليه بسهولة يمدّها
ويردّها، على مرأى منّي، ثم ذهبوا إلى قريته. ففي الربيع التالي، رأيته قادما إلى
الدير ماشيا فسألته: أنت الذي تدعى بشارة القزّي الذي أتيت في الصيف الماضي إلى هذا
الدير، فأجاب: نعم أنا هو، قد شفيت من مرضي، وأنا آتٍ الآن لزيارة الشكر للأب شربل،
وأنا لولاه ما مشيت كلّ حياتي. وكلّ سنة يأتي مرّتين في الصيف وفي الربيع، جامعا
بعض نذورات للأب شربل يؤدّيها ويعود دون أن يأكل، إماتة. وسألته لماذا لا تأكل في
الدير؟ فأجابني: أنا هكذا ناذر"
"وإذ كنت في الدير متولِّيا خدمة الزوّار، جاء إليّ بشارة القزّي من طبرجا، حاملا
قفّة على ظهره فيها نذورات، من حبوب وشرانق وخلافه. سلّمني إيّاها قائلا: هذه
جمعتها صدقات للدير، إقرارا بفضل القدّيس شربل عليّ، عرفانا بجميله"
"وكان الرئيس كلّ سنة يقول له: يا ابني خذ ما جمعته من النذور لك، لأنّك فقير"
"وقد طلب أن يزور البيت الذي ولد وتربّى فيه الأب شربل.
فسألناه عن السبب. فأخبرنا أنّه كان مكرسحا وشفاه الأب شربل، وأنّه يطوف كلّ سنة في
قرى لبنان، ويخبر بفضل القدّيس، ويجمع الصدقات ليقدّمها له. فاحتفلنا به، لاسيّما
والدتي. وظلّ يتردّد على بقاعكفرا، لهذه الغاية، نحو ثلاث سنوات"
عاشرا:
المَنْزول
1- النساء
خارجا
"حملت عاطفة الإيمان المؤمنين على الحجّ إلى دير عنّايا،
مشيا على الأقدام، من مسافات تزيد عن الخمسين كلم. وبين الزائرين: النساء والأطفال
والمرضى والفقراء، الذين ما كان بوسعهم أن ينتقلوا على ظهور الدواب، بل على أرجلهم
لفقرهم. ومنهم من كان يسير إلى عنّايا حفاة، ليرحمهم الله، ويمنّ عليهم بشفاء مريض
لهم، أو من داء مستعص، أو من عاهة مزمنة كالعرج أو الصمم أو الشلل. وكان الزوّار
يبلغون إلى دير عنّايا، بعد مسيرة يومين أو ثلاثة منهوكي القوى، ولا يجدون مأوى
يأويهم، والدير في برّيّة. وقد حُرّم دخول النساء إليه، حتّى إلى الكنيسة. ولم يكن
فيه محلّ لقبول الغرباء، إلاّ قبو مظلم على يمين الداخل إلى الدير من بوّابته
الوحيدة الواقعة في الطابق الأسفل. وكان القبو يدعى المنْزول أو المضافة. فكان
الزوّار ينْزلون في تلك المضافة، فيدخل الذكور إلى كنيسة الدير، والإناث كنّ يبقين
في المنْزول، وكنّ يسمعن القدّاس بوقوفهنّ عند نافذة الكنيسة، الواقع في حائطها
الجنوبيّ، إسوة بما كانت تعمل نساء الشركاء في عنّايا"
2- إلحاح
الزوّار
"كان الزوّار من الذكور يلحّون ليروا جثمان الأب شربل
ويتبرّكوا بلمسه، فكان الرهبان يجيبونهم: مستحيل! بما أن الجثمان مدفون في
"المنبش". والبطرك منع عليهم تعريضه إلى أنظار المؤمنين خوفا من إداء العبادة. فكان
الزوّار الذكور يجثون عند الدرجة الأولى من سلّم "المنبش" أو الكنيسة بقرب حائطها
الشماليّ الداخليّ، ويصلّون ويتضرعون. أمّا الإناث فكنّ يركعن خارج الدير بقرب حائط
الكنيسة الشماليّ، وهنالك تحت قبّة الفلك، كنّ يبكين ويبتهلن ويصلين ويقبّلن
الحائط، ويجمعن من تراب الأرض ويأخذنه بركة لهنّ ولمرضاهنّ يحملنه إلى بيوتهنّ"
"وأشفق الرهبان على الزوّار، وكان القس يوسف الكفوري، ذو
الهيأة الأشدّ خشونة، والمنظر المخيف، في طليعة المشفقين عليهم. فصار يسمح لبعضهم
من الذكور بالدخول إلى "المنبش" ويريهم جثمان الأب شربل في تابوته الحقير... فكان
الزائر الذي يرى الأب شربل في تابوته سليم الجثمان يتعزّى ويعود من زيارته سعيدا،
ويروي للناس أنّه رأى الأب شربل، فإذا به كأنّه حيّ نائم! فشقّ على النساء أن يحرمن
من مرأى جثمان الأب شربل، فكنّ يطلبن من الرهبان بدموع غزيرة، ليمكّنوهنّ من ذلك"
3- المنْزول يصبح
معبدا
"مرّت سنتان على هذه الحالة وعدد الزوّار يتكاثر، وإلحاحهم
للسماح لهم بمشاهدة جثمان الأب شربل يشتدّ. فاقترح الأب يوسف الكفوري، في مجمع
ديريّ، أن يتحوّل المنْزول إلى معبد صغير لتمكين النساء من سماع القدّاس فيه وأن
يوضع جثمان الأب شربل فيه ضمن خزانة مقفلة تكون واجهتها من الزجاج، فيتمكّن الزّوار
من مشاهدته. وهو يكون مسؤولا لمنع أي تكريم ممنوع من الكنيسة. وعرض القرار للأب
العام فطلب موافقة البطرك... وتحوّل المنْزول إلى معبد صغير لسماع القدّاس أيّام
الآحاد والأعياد"
"وأنزلنا الجثّة من موضعها إلى حجرة أرضيّة خارجيّة، على
يمين الداخل في بوّابة الدير الشرقيّة. وقد اضطررنا أن نضع في تلك الحجرة مذبحا
نقّالا، في أيّار 1901، بأمر الرؤساء، لإقامة الذبيحة الإلهيّة عليه للنساء
الزائرات ونساء الشركاء"
و"هذا مذبح نقّال، مخصوص بنساء شركاء الدير، ونساء الزوّار"
"حتّى يسمع أمثالي القدّاس"
"والنساء، في أيّأم البرد، لا يقدرن أن يسمعن القدّاس من الشبّاك الخارجي للكنيسة.
ولا يستطعن الدخول إلى الكنيسة بسبب الحرم"
4- وصف
الجثّة
"وبعد سنتين من وفاة الأب شربل، جئت لزيارته
أنا وخالتي وردة، ومعنا نساء أخريات من القرية. ففتحوا لنا التابوت، ومددت يدي،
ومسكت بها يده، فكانت طريئة مثل الحشيش، وكان جثمانه صحيحا سالما، ولحيته على
حالها، ووجهه مورّدا، ورقبته عرقانة، وقد وضعت يدي، ومررتها على رقبته وشعره"
"فما يرشح من
الجثمان الطاهر، هو تقريبا على نسق واحد بالفصول الأربعة. وأنا كنت أرى الثياب التي
عليه مرطّبة أشبه بثياب الحيّ العرقان، ولا تخلو رائحته من العفن والنتن"
"وفي كلّ مدّة يغيّرون له ثيابه
ويغسلونها"
"كما يغسلون ثياب الأحياء"
"وكنت أنزع عنها الأثواب بأوقات غير معيّنة، أحيانا كلّ أسبوع، وأحيانا كلّ
أسبوعين، أو شهر. وفي الصيف، أضطر لتغيير الأثواب أكثر، إذ أن النضح تنبعث منه
الرائحة عن الأثواب بشدّة. وقد لحظت أنّ النضح، هو في صورة دائمة صيفا وشتاء"
"والذي أعرفه أنّها لا تزال في مكانها إلى اليوم سليمة تنضح عرقا. يزورها الناس،
ويعتقدون كما اعتقدنا أنّها محفوظة بأعجوبة، لأنّ الأب شربل كان قدّيسا"
"هذا الإعتقاد ليس اعتقاد الموارنة فقط بل الشيعيّين المجاورين والاسلام"
5- الجثمان
واقفا
"وأعدّ الأب يوسف الكفوري خزانة واجهتها من زجاج ونقل
إليها جثمان الأب شربل فوضعه فيها. وأوقفه على قدميه ضمن الخزانة"
"يسنده عكّازان تحت إبطيه. وكان دائما يرشح السائل، وأنا أغيّر كلّ مدّة ثيابه.
وكانت تتألّف عندئذ من ملابس الراهب العادي مع بطرشيل على عنقه. وكان القسم الأعلى
من الخزانة [174] من الزجاج المغطّى بخشب يفتح ويغلق على طريقة الأباجور"
"وذهبت لأراه ميّتا، فأخذت إلى غرفته في دير مار مارون
عنّايا، وأدخلت إلى الغرفة الموجود فيها التابوت. رأيت تابوتا من خشب أيضا مسندا
إلى حائط في الغرفة، وجثمان الأب شربل منتصبا على قدميه في التابوت. وكلّ جسمه لا
يزال كأنّه حيّ، إلاّ أنّ عينيه كانت مغمّضتين، ووجدت عليه قميصا أبيض على طول
قامته مبلّلا بالعرق العبيط. أخذت يده لأقبّلها، فإذا هي ليِّنة أكثر من يدي.
وحرّكت أصابعه فتحرّكت كأنّه حيّ. وجلده ليّن، ولونه إعتياديّ طبيعيّ، تعلوه صفرة
الموت فقط"
"وكان فرح المؤمنين البسطاء، بإيقاف الجثمان على قدميه،
عظيما. إذ كانوا يتمثّلونه حيّا واقفا بينهم، بعكس الرهبان فما كان جميعهم راضين عن
ذلك الموقف، لأنّه إن دلّ على شيء فعلى فكرة صبيانيّة تعرّض جثمان الأب شربل
للاحتقار"
6- شفاء طفلة وإقامة طفل
من الموت
(يو
11/1-44)
"عندي إبنة، إسمها أستير، أصابها، في سنّ الثالثة من
عمرها، مرض الأطفال، يدعى فرحة أو هزّة حيط. وكانت تغيب عن رشدها. فأخذتها لسابا
الطبيب الدجّال
فعالجها دون فائدة. ولمّا طال أمرها، وخفت عليها من كثرة النوبات، نذرتها للقدّيس
شربل فشفيت، وانقطعت عنها نوبات الفرحة. ثم رزقت غلاما على رأسها فعاش سنة ومات في
17 نيسان حوالي 1901. ثم رزقت بعده غلاما آخر، ولمّا أكمل السنة، مرض كأخيه في
الميعاد نفسه 17 نيسان. وبقي مريضا أكثر من ثمانية أيّام، بمرض أخيه ذاته يغيب عن
الوعي، وبما أنّه طفل ما كنّا نفهم مرضه ولكنّه كان منقطعا عن الرضاعة. وقد انتشر
فيه المرض تدريجيّا. ففي الأيّام الأولى كان يستفيق قليلا ويرضع قليلا. ثم تضايق
للغاية وانقطع عن الرضاعة وغاب. ولمّا قطعت الأمل من شفائه، وبانت أشارات أنّه
سيموت كأخيه، وضاقت حيلتي، حملته إلى القدّيس شربل. قلت آخذه إلى القدّيس شربل الذي
كنت أسمع قدّاسه في محبسة مار بطرس، وكان قدّاسه يليّن قلبي ويؤثّر فيّ
ويخشّعني. حملت الصبيّ وحدي ومشيت. وما أردت أن يحمله أحد عنّي حتّى الله يشفق
على تعبي ويخلّيه لي. وأنا في الطريق لاقتني امرأة شفقت عليّ وحملته عنّي. ونحن في
الطريق صادفنا امرأة ثانية، كشفت الولد وقالت: إلى أين تأخذوه؟! لا تتعبي نفسك!
فالطفل ميت!"
و"أخذت تصيح وتبكي إذ رأت طفلها على يديها ميّت، لا يبدي حراكا. فنظرنا إليه وأخذنا
نقرصه بقوّة ونحركه ليبدي علامة حياة فما أبدى ولا علامة. وهمّت أمّه باكية أن تعود
به، إذ قالت ما الفائدة من الذهاب للزيارة وقد مات. فشحّعناها وجئنا بها لإتمام
الزيارة [93] لعلّ الأب شربل يشفيه"
وكنّا في فرشع، وهي مزرعة تابعة مشمش تبعد نحو ساعة عن الدير. فقلت لحاملة ابني:
على نيّة الله، نذهب إلى الأب شربل. وصلنا إلى الدير، فدعيت إبن عمّي الأب الياس
إهمجي"
"فانحدرت إلى الحجرة الموضوع فيها جثمان الأب شربل فرأيت إبنة عمّي المذكورة راكعة
قرب التابوت تبكي، ومعها امرأتان واقفتان عند الباب. وعلى درجة المذبح الموجود في
الحجرة، يوجد طفل ملفوف بثيابه"
"فقال: أنت مجنونة؟! كيف أتيتِ بهذه الجنازة إلى هنا؟! فتأثّرت منه، ولم أجاوب"
"فقالت لي المرأتان: جاءت إبنة عمّك بطفلها المريض لتزوّره للأب شربل، وتطلب شفاءه
بشفاعته. فدخلت الحجرة فرأيت الطفل مطبقا فمه ميّتا. فقلَّبته مرارا وفتحت فمه،
فَفُتِح. ولم أجد ولا شعرت أنّ فيه حياة"
"وقلت لرفيقتي: إطرحي الولد على الأرض مثل ما يوضع الميّت، أي وجهه إلى البحر ووجهه
إلى الشرق، في قرب تابوت القدّيس على درجة المذبح، وفكري: إذا كان الأب شربل قدّيس
يقيمه"
"حيئذ فتحت التابوت، وغسلت يد الأب شربل بماء، وفتحت فم الولد بملعقة البخّور،
وسكبت منه في فم الطفل، أوّلا، وثانيا، وفي المرّة الثالثة، ابتلع الطفل الماء،
وعادت إليه روحه. فشهقت والدته ومن معها"
"وأمسكوه شمعة بيده، ثم ناولني إيّاه، أرضعته فرضع. وأخذت أبكي من الفرح، وعدت إلى
بيتي مسرورة، بعد أن أتيت حزينة باكية، أدغدغ الولد، أنا والإمرأة التي حملته معي
وما أحسّ. وهو الآن شاب بملء الحياة والعافية"
7- يدٌ
خفيّة
"كان رجل الله الأب ابراهيم الحاقلاني، يحدل
سطح غرفته الواقعة للجهة الجنوبيّة، في دير عنّايا. هبّت عاصفة شديدة عندما وصل إلى
حافّة السطح دون أن يدري، فسقط مع المحدلة إلى أسفل، من علو نحو 40 م. عرف إخوته
الرهبان بالأمر فهبّوا إلى نجدته. إنّما أخذهم العجب الشديد إذ وجدوه راكضا نحو
بوّابة الدير، دون أن يلحقه أذى. ولمّا سألوه منذهلين كيف تمَّ معه ذلك؟! قال: لمّا
هويتُ مع المحدلة صرختُ حالا: يا بونا شربل دخلك! فشعرت كأنّ يدا تَحملني وتضعني
على الأرض، بعد أن أبعدَتْ المحدلة عنّي!"
1- نقل
الجثمان
"لمّا كنت
أسمع عن قداسة الأب شربل، وأرى من تقاطر الزوّار، ولاعتقادي الخاص بقداسته، صنعت له
تابوتا لائقا من خشب الجوز، الموضوع فيه حاليّا"
"وأنا حمّلته على البغل من بيروت"
"في أوائل خريف 1909"
"وطلبت من الرهبان أن يضعوه في مكان لائق"
"ونقل الجثمان إلى غرفة أكبر من السابقة واقعة جنوبيّ الأولى"
"هي حجرة أرضيّة على زاوية الدير الشرقيّة الجنوبيّة، على يسار الداخل من البوّابة،
لا يوجد غيرها. أرضها مدقوقة حجريّة. وهي معقودة بالحجارة أيضا"
"وكان الجثمان في تابوت شبيه بخزانة... فوُضِع في زاوية أفقيّا وكان هذا التابوت
مقفلا"
"وكانت هذه الغرفة قرب بوّابة الدير لجهة الجنوب، وقد حضر نقل الجثمان جمهور من
الجوار ومن الشركاء. ولم تدوّن أي كتابة على قبر الأب شربل عند دفنه أو بعد نقله.
وما أدلي به في جوابي هذا هو معرفتي الخاصة، إذ كنت حاضرا يوم نقل الجثمان إلى
الكابلاّ. وألبسناه كتّونة، ولكنّ جثمان الأب شربل، كان يرشح سائلا خاصا [99] كان
يبلّل الكتّونة وسائر ملابسه، فنضطّر إلى تغييرها كلّ بضعة أيّام. والناس كانوا
يتوافدون لزيارته، فيلثمون يده ويتباركون منه التماسا للشفاء من أمراضهم، واستجلابا
لبركات الله عليهم بشفاعته"
2- شفاء
كلوة
"لقد شعرت، بعد الحرب العالميّة الأولى، بألم
شديد في خاصرتي. فدخلت المستشفى الأميركي في بيروت، حيث مكثت أربعين يوما، أجري لي
أثناءها عمليّة جراحيّة استخرج فيها من كلوتي اليسرى بحصة، فخرجت معافى. وبعد سنة،
عدت أشعر بذات الألم في ذات الموضع. فأتت أمّي وشقيقتي غالية، إلى دير مار مارون
عنّايا. وهناك زارتا ضريح الأب شربل، وصلّيتا بحرارة ملتمسين لي الشفاء. وقد طلبت
والدتي من أحد الرهبان، أن يعطيها طوقا يمسّ جثمان الأب شربل، لكي أضعه في عنقي
التماسا للعافية. فأجابها الراهب أنّه سيعطيها ما هو أثمن من الطوق. وأعطاها قطعة
قماش كانت تحت عنق الأب شربل، وغسل يد الأب شربل بعد أن أخرجها من التابوت، برفعها
قليلا ووضع ماء الغسل، في قنّينة صغيرة، سلّمها إلى والدتي. وعند رجوع والدتي
بالماء المبارك وبالقطعة القماش، وضعت القماش في عنقي وشربت من الماء. وبعد ليلتين
رأيت في الثالثة، أنّي قد انتقلت إلى بيت الأب شربل حيث رأيت [185] في الحلم راهبا،
لم يكلّمني ولا كلمة. وفي النهار، أخرجت بحصة بحجم حبّة اللوبياء الكبيرة. وبعدئذ
ارتحت من وجعي، ولم أعد اشعر به حتّى الآن"
3- عاقر
تلد
"وعند مجيء والدتي، إلى دير مار مارون عنّايا،
التقاها أحد مواطنيها، نعمة يوسف نعمة، الذي كان متزوّجا بابنة عمّه، منذ 27 سنة
دون أن يرزق ولدا. فأعطى والدتي نصف ليرة، كتقدمة للدير، على أن تأتيه ببركة من
الأب شربل، عسى أن يرزقه وزوجته ولدا. وقد حملت والدتي، لنعمة وزوجته حنة، بركة مثل
التي حملتها إلي. ولم يمضِ بعد ذلك سنة حـتّى رزقا ولدا ذكرا، هو وحيدهما، واسمه
طانيوس"
4- زيارة
القبر
"إن زوّاره عديدون ومن جميع الجهات والأمم والشعوب.
والتجاؤهم إليه كالتجائهم إلى القدّيسين، لاعتقادهم بقداسته وصلاحه. وبعض أصحاب
الطروش يخصّونه بشيء من مواليد ونتاج ماعزهم وحيواناتهم، ويأتون بها أمام قبره وما
وقف منها كان للدير، وما عاد للقطيع ذهب به صاحبه لأنّه له"
و"إنّ كثيرين من الطوائف المسيحيّة والغير المسيحيّة
يتقاطرون لزيارته للاستشفاء من مرضهم"
"وكثيرون عندما يطلّون فوق الدير عند البيدر، كانوا يدبّون على الأربعة، أي على
الأيدي والأرجل"
ثاني عشر: شفى جميع
المرضى
(متّى
8/16)
1- شفاء الأخ يوسف
ميفوق
"إن الأخ يوسف ميفوقي
علق بزلعومه عظم وهو يأكل. فتألّم منه كثيرا نحو أسبوع. فاستدعينا نجيب بك الخوري،
فأخذ يحاول إخراج العظم، فلم يجد له أثرا، ومع ذلك لم يزل الأخ يتألمّ. إلى أن
جاءني ليلة ما وصرخ قائلا: دخيلك! كدت أموت من الوجع! فقلت له: يا أخي ماذا تريد أن
أعمل لك؟ خذ كبّاية زيت وأضئها عند نعش الأب شربل لعلّه يشفيك. ففي الحال أخذ
الكبّاية وأضاءها عند التابوت وراح يصلّي راكعا مسندا يديه عليه. فعندها تنخّم فخرج
العظم من زلعومه فأراني إيّاه، وحفظته معي مدّة، وطوله طول الإبرة، رفيع شبه
الخيط"
2- شفاء أب الياس
إهمج
"حدث مرّة أن شعرت بألم شديد جدّا، وأنا جالس،
في جنبي الأيمن بغتة في الليل آلمني كثيرا. ولم أستطع المشي بدون عصا، فنظرت إلى محلّ الألم، فوجدت اللحم نافرا
من موضعه كما لو كان دقّ في جنبي مسمار. فقمت على مهل، أجرّ ذاتي على العكاز جرّا.
وذهبت إلى ضريح الأب شربل، وكان عندئذ جثمانه في الكابلاّ الصغيرة. فغسلت يده
بالماء، ودهنت موضع الألم فشفي حالا، وعدت إلى غرفتي بدون عكّاز"
3- شفاء من حمّى
التيفوئيد
(مر 1/
29-31)
"ولمّا رجعت من عنّايا إلى قزحيّا، وجدت أحد
الأخوة الأخ برتلماوس أيطو
مريضا بحمّى التيفوئيد مشرفا على الموت، فأخبرته عن الأب شربل، وأعطيته قطعة من
قلنسوته، كانت على رأسه في المقبرة أخذتها على سبيل البركة فوضعها على رأسه بأمانة،
وصلّى. وفي اليوم الثاني شفي"
4- شفاء من
الكرساح
"وأنا شخصيّا قد أصبت بمرض العصبي في ركبتي.
وقد وصلت تقريبا إلى حدّ الكرساح. وتعالجت لدى الأطبّاء، أذكر منهم الدكتور العنيسي
من جاج، والدكتور نجم من لحفد، دون أيّة نتيجة. فالتجأت إلى شفاعة الأب شربل، وأخذت
ماء مباركا على ضريحه، وقماشا لمس جثمانه، وشربت الماء ومسست ركبتيّ بالقماش،
فشفاني الله"
5- شفاء سابا العويني
"كنت
شعرت بألم شديد في معدتي بشهر آب من سنة
1925 فتعالجت عند
الدكتور جرجي شكرالله، ولم ينفعني علاجه الأوّل، ولا الثاني، ولا الثالث. وأشار
عليّ أن أنزل وإيّاه إلى بيروت، لأجل التصوير الداخليّ. وكان ظنّه كظنّي، أنّ المرض سرطانا، فأجبته غدا نفكّر
بالمسألة. وغادرته، وانفردت لوحدي أناجي الأب شربل، وأسأله الشفاء، ونذرت له نذرا
طفيفا أي قرشين. وفيما أنا نائم، حلمت أن الأب شربل حضر عليّ، وحرق رقعة من أثوابه،
وأذاب رمادها بالماء وسقاني إيّاه. فأفقت من نومي متألمّا كثيرا وكان الصبح قريبا.
فغادرت فرشتي، فصادفت أخي مهتمّا لتقديم الذبيحة. فقلت في نفسي أحضرها، وأذهب
لزيارة ضريح الأب شربل، وما قدرت أن أحضر الذبيحة كلّها من شدّة الألم. فهرولت
ماشيا لزيارة الضريح. ولما شاهدتني زوجتي وأولادي وابنة أخي، لحقوا بي فأدركوني قرب
القبر. فهناك بعد أن صلّيت، ووفيت نذري، أخذت من الأخ المولّج بخدمة الجثّة، قطعة
من أثواب الأب شربل، وأحرقتها على طبقة علبة تنك، معدّة لخزن البرشان، وأذبت رمادها
بالماء، على شبه ما تراءى لي بالحلم، وشربت الماء. وعدت إلى بيتي شاعرا بخفّة
الألم، وعرّجت بطريقي على بيت ابنتي، مريم زوجة طانيوس بطرس موسى ابن أخي لأرتاح،
فعرضت عليّ الطعام- وكنت من 17 يوما لا أستطيع قبول الطعام إلا نادرا- فقلت لها لا
بأس أحضري، فقدّمت لي خبزا وطعاما، كوسى محشي. فأكلت رغيفا كاملا مع محشايتين.
وتابعت طريقي لبيتي، والألم يخفّ رويدا رويدا حتّى المساء. فأكلت أكلا صحيحا، ولم
أعد أشعر بالألم"
6- شفاء أب يوسف
إهمج
"أنا كنت مصابا بمرض في زلاعيمي، مدّة ثلاث سنوات ونيّف،
وقد استعملت علاجات من الدكتور جرجي شكرالله، ونجيب بك الخوري وجبرائيل الطويلي،
فكنت أحصل على بعض الراحة، وكان الوجع يعاودني، إلى أن أخذت خرقة من بدلة الأب
شربل، ووضعتها في عنقي. وقد مضى عليّ ثلاث سنوات ولم أشعر بوجع قطّ. والخرقة لم تزل
حتّى الآن في عنقي"
7- شفاء من مرض عينين
(يو
9)
"أصابني وجع شديد في عيني، ورافقه احمرار فيهما، إلى أن
صارتا مثل بركة دمّ. وعندما أفيق من النوم، كان العمص
في جفني يقبضها، فلا أستطيع أن أفتح جفني، إلاّ بالغسيل بالماء وأمّا نظري فبقي
سليما. وكان الوجع والعمص يخفّان عنّي في شهور الشتاء. والألم، من أوّل الربيع إلى
أواخر الخريف، كان يعاودني بشدّة، وبقيت على هذه الحال ثلاث سنوات. وكان يعالجني
سابا طنّوس موسى، واستشرت نجيب بك الخوري الطبيب القانونيّ، فلم أستفد شيئا. فنذرت
هذه السنة للقدّيس شربل إذا شفاني أقدّم له نصف ليرة سوريّة. وكلّ سنة أشتغل يوما
مجّانا في رزق الدير، وأعطي شهادتي للجنة، بشفائه لي. ثمّ أتيت [69] فزرته وغسلت
عيني بماء غسالة يده، وأخذت الماء معي، وظللت نحو عشرة أيّام، أغسل عينيّ. فالعمص
حالا زال، والوجع فارقني تماما، بعد عشرة أيّام. وقد مضى عليّ أكثر من شهر ونصف
(سنة 1926) وما عدت شعرت بألم، ولكن لا يزال في عينيّ أثر الإحمرار"
8- شفاء
مشلول
"ولي ابن خال يدعى جرجس ريشا، من إهمج، كان مصابا بشلل
نصفيّ، وما عاد استطاع المشي، رغم وسائط الأطبّاء العديدة، مدّة سبعة أشهر. فطلب
قطعة من أثواب الأب شربل، ووضعها على وسطه، فشعر حالا بتحسّن، وشفي تدريجيّا، والآن
هو بملء العافية"
9- شفاء أخ بطرس جوّاد
مشمش
"حصل لي
تيبّس وتشنّج في كتفيّ، حتّى لم أعد أستطيع أن أحرّك يديّ. فذهبت إلى ضريح رجل الله
الأب شربل، وفتحت تابوته، وتناولت رقعة صغيرة أمررتها على يده الطاهرة، ثمّ على
كتفيّ، فزال عنّي الألم تماما"
10- شفاء امرأة يوسف
الخوري من عمشيت
"إن امرأة يوسف الخوري عمشيت، أصيبت بمرض عاصٍ، سبّب
تشنّجا ويبوسة في أعضائها. فأخذوها إلى بيروت مرّتين أو ثلاثة، وألّفوا لجنة أطبّاء
بدون جدوى. زرتها مرّة فأخبرتني بعدم جدوى الأطبّاء في مداواة مرضها. فقلت لها: أنا
أرسل لك خرقة من كتّونة الأب شربل، ولي الأمل بشفائك. ففعلت وكانت هذه الخرقة
الدواء الشافي كما قالت لي هي مع أهلها"
1- مِسْحُ شربل وماء
مصلّى عليه
"أمّا أنا فقد أخذتُ المسح الشعريّ الذي كان يلبسه في
المحبسة [42] ووزَّعت منه بركات حدث بواسطتها عدّة حوادث من شفاء أمراض مختلفة"
"وعندنا ماء مصلّى عليه منه في
حياته، لا نزال نتبرّك منه حتّى اليوم، وهو محفوظ ككَنْز ثمين في بقاعكفرا"
2- إهمال وذكر
!
"لا يوجد من ثيابه الرثّة التي كان يلبسها، أو من البلاس
الذي كان ينام عليه شيء. هذه كانت كلّ آثاره وثروته في الدنيا. وأمّا قلاّيته في
الدير، التي يذكر بعض الرهبان الشيوخ، أنّها كانت مخصّصة له، فهي مهجورة يوضع فيها
الحطب والأغراض القديمة، وحالة الإصطبل أنظف منها. وأظنّ إذا دخلتم إليها، تسخرون
منّا لقلّة اكتراثنا بذكر القدّيس شربل. وصومعته في المحبسة لا أظنّها أحسن حالة من
هذه"
"ولا ذكر لا في الدير ولا في المحبسة، ولا اسم، ولا حفظ من
ثيابه. ولا أحد يعرف أنّه كان مقيما في الدير، أو في المحبسة، إلاّ الرهبان الذين
عاصروه وسمعوا به. أمّا في هذه الأمكنة، فلا اسم له وجثمانه المحفوظ هنا، لا يعرفه
إلاّ الذين عرفوه حيّا وميّتا"
"ولولا الشيعيّون، لربّما ما كان تنبّه الرهبان بالكفاية.
وجلّهم بسطاء، وهم وأنا في أوّلهم مقصّرون، في حقّ الأب شربل بتأخيرنا إلى اليوم في
الفحص عن فضائل الأب شربل السامية، وعجائبه المشهورة. ومن دلائل تقصيرنا، أنّا لم
نحفظ شيئا من ثيابه، ولا غير ذلك"
3-
بركات
"أكثر السنين كنت أرى الجثّة وهي لا تزال إلى اليوم سليمة،
غير أن الزوّار شوّهوا قسما من اليدين والأظافر، إذ كانوا يَنْزعون منها بركة
يحملونها معهم. وشعر رأسه ولحيته لم يبقَ منه إلاّ القليل، إذ أخذه الزوّار أيضا"
و"لمّا رأيت الأب شربل مرّة ما، وقد قلَّ الشعر كثيرا، في رأسه وفي لحيته، سألت ما
السبب، فقيل لي: ما كان يزوره واحد، إلاّ وينتف قليلا من شعره، ليأخذه بركة"
"وكلّ ما أعرفه أنّي طلبت من الرهبان بركة من هذا القدّيس،
لمزيد احترامي له، فأعطوني قطعة قماش من الثوب الذي يمسّ جسمه في التابوت، وعليه
بعض بقع من المصل الراشح. والزوّار الذين يطلبون بركة، يعطون قطعا من هذا الثوب،
الذي يضطر الرهبان لتغييره كلّ أسبوع على الأقلّ"
"والزوّار كانوا يحصلون، بعد الإلحاح الشديد، على رقاقيع يلمسون بها جسمه"
4-
الزوّار
"جاء الزوّار الرسوليّون
فلمّا رأوا الجثّة، تعجّبوا وقالوا: إنّهم لم يروا مثلها قطّ. وركعوا عند التابوت
وصلّوا"
والزوّار "يجثون عند تابوته ويصلّون، ويطلبون بإلحاح بركة فأعطيهم رقعة ألبس بها
جثمان الأب شربل، أو قليل من الماء من غسالة يده، أو من بخّور الكنيسة"
و"لم يَنْزع أحد من الجثّة شيئا. ولا أنا أعطيت أحدا شيئا، إنّما بعض الرهبان
الزوّار، كانوا حين زيارتهم يَنْزعون بعض شعر رأسه، فأعارضهم، وأقفل التابوت"
و"ما كان الرهبان يعطون الزوّار، إلاّ بعض رقاع من الأثواب الموضوعة على جثمانه،
وذلك بعد الإلحاح"
و"كانوا أحيانا يتضايقون من الزوّار، إذ أنّّ الإهتمام بهم، وبضيافتهم في هذا الدير
المنفرد، كان يكلّفهم اهتماما خاصا ونفقات"
1- من
هو
"الدكتور
شكرالله صديق قديم لي. وكان مصابا بعلّة قلبيّة. ومن نحو عشرين سنة، قضى فصل الصيف
في بيتي، في العوينة، فاستفاد صحّة ونشاطا. فامتلك منّي محلاّ بنى فيه بيتا
للاصطياف سنويّا. وبتلك المناسبة تعرّف برهبان الدير، وكان يعالج مرضاهم. وأجرى
فحصا دقيقا. ومن جملة قوله لي: إنّ هذه الحالة ليست طبيعيّة، بل هي إلهيّة"
"حصل على شهادة
الدكتوراه في الكيمياء والصيدلة عام 1891؛ وباشر بدرس الطبّ عام 1907"
2- دهشتُ!
"أنا لمّا رأيته، لأوّل مرّة، دهشت، حيث لم يمرّ أمامي،
كطبيب، حادث كهذا، ولا سمعت بمثله قطّ، ولا قرأت في كتب الطبّ عن حادث مثله. كذلك
فحصت من ذاتي مندفعا بعامل الرغبة العلميّة، لعلّي أهتدي إلى سرّ حالة هذه الجثّة.
وجدت إذ فحصت كلّ الجثّة أنّه غير بال، وأنّ بعضا من عضلاته بقيت على حالها
الطريّة. وقسما من مفاصله ليّنة تطوي، وأنّ قسما من شعر رأسه ولحيته لم يزل موجودا،
رغما عمّا نزع منه، ممّن كان يأتيه زائرا قصد البركة. أمّا باقي أعضائه، فإنّي لم
أرى مفقودا منها سوى عينيه التي تعطّلت بسبب المياه، التي كانت تتساقط حينما كان في
المقبرة. وهذا التعطيل، هو بالأحرى تشويه. ولمّا فحصت البطن ألفيته كباقي بطون
الجثث، لم أرى فيه تشويها ظاهرا، ولا شعرت بأنّه فتح. غير أنّه جفّ قليلا من مرور
الزمن عليه"
3- البلازما أو
مصل القروح
(لو
22/44)
"والأغرب من كلّ ذلك، الأمر الذي حيّر عقلي، وهو أنّي نظرت
بعيني بُقَحا على ثيابه البيضاء، هي متسبّبة عن مادّة لزجة نضحت من مسام جسمه،
لونها وسماكتها، لون وسماكة المصل الطبيعي، الذي ينضح من الأجسام الحيّة التي
تعتريها القروح. وهذه المادّة نفسها، بعد خروجها من المسام، رائحتها كرائحة المواد
المصليّة، التي تَنْزف من الجسم بداع مرضي كداعي الأمراض التي تعتريه"
"ولم تكن تتصاعد منها رائحة كريهة، بل رائحة عفونة. وكانت
الجثّة طريئة كأنّها ساعة موت الأب شربل. وكانت ترشح عرقا، فكنّا نمسح فوطا على
الجثّة، ونبقيها معنا بركة. وأنا ملأت حنجورا من العفونة والعرق [39] وبقي الناس،
عندما عرفوا أنّه معي حنجور، فيه بركة من جثّة الأب شربل، يأخذونه ويستشفون به عند
حلول مرض ما"
"وأنا عندما استلمت الجثّة مدّة، كنت أرى النضح وأشمّ الرائحة، وكنت أمسح الماء
والدمّ منها"
4- لغز الجثة!
"سأله محامي الإيمان: هل يمكن لأسباب طبيعيّة، كشدّة
البرد، وكثرة الماء. أو لأسباب سابقة للموت، كانقطاع الناس عن أكل اللحوم، والإقلال
من الأكل، وإماتة الجسد، والاقتصار على البقول من الطعام، أن يسبّب شيئا من ذلك في
الجثّة بعد الموت؟
"أجاب: ما اختبرت بذاتي،
ولا قرأت، أنّ هذه العلل توجد في الجثّة مثل هذه العوارض. فإنّي بعدما فحصت هذه
الجثّة، سألت أطبّاء قادرين في بيروت، وفي أوروبا، إذ سافرت مرّات. وما أحد استطاع
أن يفيدني شيئا، فهذه الحادثة فريدة، لم يقع مثلها، تحت يد طبيب ما، ولم يقدر أحد
أن يفيدني عمّا إذا كانت حادثة نظيرها قُيِّدت في التاريخ الطبّيّ. وإنّي لم أزل
أُنَقِّب للوصول إلى معرفة حادثة، جرت في العالم، تشير إلى وجود جثّة حفظت حالتها
كهذه"
5-
مستحيل!
"وسأله أيضا: أتعتقد أنّ حالة هذه الجثّة
طبيعيّة، أو فائقة الطبيعة؟ أو لا تظنّ أنّ أحد الرهبان الماهرين، قد توصّل إلى
اكتشاف دواء يحفظ هذه الجثّة؟
"فأجاب: إعتقادي الشخصيّ المبنيّ على الدرس والاختبار، بعد
أن فحصتها مرّة ومرّتين كلّ سنة، منذ 17 سنة تقريبا (سنة 1909) هو أنّ هذه الجثّة
محفوظة بقوّة فائقة الطبيعة. وأمّا أنّ أحد الرهبان قد يكون اكتشف دواء لحفظها على
هذا الشكل [6] فأجيب أوّلا: إنّه لو صحّ ذلك لاستحقّ ذلك المكتشف هذا الاكتشاف
الغريب، إعجاب العالم العلميّ وإكرامه. ويكون فاق العالم باستور، داهية الطبّ. لأنّ
علماء الطبّ يبذلون قصارى الجهد، لكي يكتشفوا دواء يحفظ الجثث، ولم يتوصّلوا إلى ما
يحفظها سليمة بلا رائحة كريهة أكثر من أسبوعين. وأمّا الرشح الحاصل في هذه الجثّة،
فما خطر على بال أحد من العلماء في الطبّ أن يفكّر فيه. فضلا عن أنّ مثل هذا
الاكتشاف، يستحيل مع وجود الرشح. من المعلوم، أنّ في الرجل الحيّ السليم مقدارا من
الدمّ معدّله خمس ليترات. ومعلوم أيضا أنّ من هذه الكميّة، لا يوجد مصل، أعني مادّة
قابلة الارتشاح، إلاّ ثلاث ليترات، بمعدّل الستين في المئة. وأمّا الأربعين
الباقية، فهي ما بين أملاح وكريات دمّ، وموادّ جامدة. فإذا قيل، إنّ ما ترشحه
الجثّة هو المصل الطبيعيّ الذي بقي في الجسم بعد موته، وإذا تعدّل أنّ مسامّ الجسم
تفرز غرامين أو غرام كلّ يوم، فتكون كمّيّة المصل المفروز، فاقت كمّيّة المصل
المحفوظ في جسمه، وقت مماته. كما يجب أن تنتهي بعد مرور ثماني سنوات من موته، هذا
إذا اعتبرنا أنّ المصل الراشح يحفظ جميعه، ولا يتبخّر منه قدر ما يكون محفوظا.
فالذي لاحظته على الجثّة، من هذا المصل الراشح يوميّا لا يقلّ عن غرام. وأنا أقول
إنّ المصل الذي يرشح يوميّا من جثّة الأب شربل يستحيل أن يكون غراما واحدا فقط،
لأنّ الكميّة التي نراها على جثّته، لو كانت غراما واحدا، لما كانت ظهرت بهذه
الغزارة.
"وأجيب ثانية: أنتم أدرى منّي بمقدار تهذيب الرهبان
الطبّيّ الفنّيّ، وخصوصا رهبان هذا الدير، الذين يصرفون نهارهم في الحقل، لا يعرفون
غير الصلاة والشغل اليدويّ. وأنا أعتقد أنّ بساطة الرهبان، وقلّة إكتراثهم، وعدم
إعتنائهم بحثمان الأب شربل، كان كافيا وحده لجعله يبلى، لو لم يكن هناك قوّة فائقة
الطبيعة.
"وقلت أيضا إنّي في الحرب شاهدت أناسا ماتوا جوعا، بعد أن
صرفوا أيّاما طويلة دون أن يقتاتوا بشيء. وكانت أجوافهم فارغة يابسة، ولم يمضِ على
موتهم سبع ساعات، حتّى دبّ الفساد فيهم. كذلك من المرضى في الحمّى، الذين يعيشون
قدر 25 يوما على الماء فقط، والماء يفرزه الجسم، ومع ذلك بعد موتهم تفسد أجسامهم
بعد بضع ساعات. والبرد يساعد على الفساد مع المياه والرطوبة والهواء. والتعرّض
للحرارة كذلك. فجميع هذه العوامل، لا تكون سببا لعدم الفساد بل سببا له. وجميع هذه
العوامل إجتمعت على جثمان الأب شربل. ولو فرضنا أنّ الرهبان اهتدوا إلى طريقة
التحنيط المصريّة القديمة، من أين لهم أن يجعلوا هذه الجثّة ترشح مصلا. وأقول بكلمة
واحدة، إنّ جثمان الأب شربل محفوظ بقدرة إلهيّة، وإنّي مستعدّ أن أدفع جائزة عشرة
آلاف فرنك -وهو مبلغ كبير بالنسبة لاقتداري- لمن يستطيع أن يحفظ جثّة في حالة كحال
هذه الجثّة"
6- غير ممكن
طبيّا!
"وسأله محامي
الإيمان: ألا يمكن أن يتسبّب هذا الرشح من حقن مصليّة تحقن بها
الجثّة؟
"فأجاب: هذا أمر لا يمكن وقوعه طبيّا. لأنّ هذا المصل يكون
في جسم الإنسان، ولا يمكن تركيبه في الصيدليّات. فأنا قد درست الصيدلة قبل الطبّ،
ومارستها مدّة من الزمن، ومعي شهاداتي القانونيّة من مدرسة ليون. فمن هو الإنسان
الذي يعطي دمه مدّة 27 سنة، ليحقن بمصل هذا الدمّ حثمان الأب شربل. زيادة على ذلك،
فإنّ عمليّة فرز المصل عن الدمّ لا يمكن أن يقوم بها غير إختصاصيّين، عندهم جميع
الأدوات اللازمة، لتحضير هذا العمل. فلو تمّ ذلك، ما كان يمكن أن يبقى سرّا. ومَن
مِن الرهبان الذين تعرفون بساطتهم، يستطيع لو حصل على هذا المصل، أن يستعمله.
ولنحسب أنّ كلّ ذلك توفّر، فإنّه يستحيل حقن الجثث، بعد مرور 27 سنة
على الوفاة، بل يستحيل بعد شهر، لأنّ العروق والأوردة التي تمرّ بها الحقنة، تتصلّب
بعد الوفاة بقليل، ويستحيل أن ترشح، لو أدخلت في طريقة من الطرق، لأنّ المسامّ
مسدودة"
7- يؤخِّر الفساد
فقط!
"وسأله أيضا: هل تجويف الجثّة بنَزع القلب
والمعلاق فقط ينتج عنه مثل هذه الحالة أو ماذا ينتج عنه؟
"أجاب: نزع القلب والمعلاق، لا ينتج عنه شيء من هذا. إنّ
نزع الأمعاء التي يبتدئ فيها الفساد، يؤخّر الفساد إلى حين"
1- الكلس
الحرّاق!
"استدعي، الدكتور نجيب بك الخوري، ليفحص هذه الجثّة، قبل
سنة 1910. ففحصها وأمر أن يوضع تحت القدمين إذ كانت موضوعة في خزانة، منتصبة على
القدمين، كلس حرّاق، قصد امتصاص الدمّ الراشح والمادّة الناضحة وتجفيف الجثّة، ففعل
الرهبان. وبعد حين عاد هذا الطبيب الذي لم يكن وقتئذ مارونيّا إلاّ بالاسم، فوجد
الجثّة على حالها. فأمر بأن يرفع الكلس من تحت القدمين، وقال: وضعت الكلس لإعتقادي
أنّه يُفسِد الجثّة، ولكن أرى هذه الجثّة محفوظة، بقوّة لا تصل إليها المعارف
الطبيعيّة العلميّة. ولا شكّ أنّ لقداسة الأب شربل يدا في ذلك"
2- غير موجودة في قانون
الطبّ
"وعام 1910 عيّنت رئيسا لدير مار مارون عنّايا، وكان جثمان
الأب شربل في زاوية الكنيسة في تابوته. وإذ كان رشح السائل لا ينقطع، إستدعيت
الدكتور جورج شكرالله، الذي كان صديقا لي، وجارا لبيت والديّ. والدكتور نجيب بك
الخوري من إهمج، والدكتور واكيم نخلة من جبيل، ودكتور أرمني آخر وجميعهم قد توفّاهم
الله. إستدعيت هؤلاء الأطباء إلى دير مار مارون عنّايا، وعند حضورهم نقلوا الجثمان
إلى غرفة من غرف الدير قرب الكنيسة. ووضع على شرشف فوق طاولة، وفحصه كلّ منهم على
حدة. وكان في الغرفة مع الأطباء، سابا وأنا. ثمّ فتح الأطبّاء جثمان الأب شربل من
كعب الصدر إلى الصرّة ليروا سبب رشح السائل، وبعد أن دقّقوا في داخله عادوا فألبسوه
ثيابه. وخرجوا وقد سمعتهم يتحدّثون عن المادة التي ترشح من جسمه. فقال الدكتور
شكرالله: إنّي أقدّم مبلغ خمسين ليرا عثمانية، لمن يبيّن لي ما هي هذه المادّة التي
ترشح؟ وما هو سبب رشحها؟ فأجابه الدكتور نجيب بك الخوري: أنا لا أعلم. وكذلك أجاب
الطبيب الأرمني"
ومن سؤالي لهم "كان جوابهم أن هذه الحالة غير طبيعيّة، لا نستطيع أن نعطي عنها
جوابا فنّيّا. وأحدهم جرجي شكرالله قال: لا تسألنا عن أشياء سماويّة غير موجودة في
قانون الطبّ الأرضيّ"
3- الدكتور الياس
العنيسي
"شاهدت في دير مار مارون عنّايا جثّة الأب
شربل. فعند اقترابي من الصندوق الموضوعة فيه شممت رائحة جسميّة لا يمكن التعبير
عنها، فهي نظير كلّ رائحة منبعثة من الأجسام الحيّة. وبعد نظري إلى الجثّة والتأمّل
مليّا وإمعان النظر بها وجدت مادّة خارجة من مسامّ الجسد، الأمر المستغرب والغير
الممكن تعليله طبيعيّا في جسم بلا حراك من سنين عديدة. وراجعت الكشف على الجثّة
مرارا عديدة بأوقات مختلفة ولم تزل هي هي. تحريرا في 16/10/1926"
4- فحوصات سنة
1927
"ثمّ خرج الطالب وجميع الشهود، وبقيت هيئة القضاة مع
الطبيب وفحصت الجثّة. فوجد أنّ لونها في مجموع الجثمان أحمر مصفرّ، والجلد يابس في
القسم الأكبر، غير أنّه طريّ في بعض أقسامه كاليد والظهر. العضلات ممتصّة،
وامتصاصها يظهر جليّا تحت الجلد الذي يغطّيها. والجلد، فإن يكن قاسيا، فإنّه ينضح
مادة لزجة، لونها كلون المصل الجامد، ورائحتها كرائحة المصل المايل إلى الفساد،
كأنّ هذه المادّة تفسد بعد خروجها من المسام الغير المنظورة، ولا يزال موجودا في
الصدر واللحية والرأس، وفي اليدين أيضا، وفي كافّة الأقسام التي ينبت فيها شعر،
كميّة من الشعر غير قليلة، والشعر الذي كان وقت حياته. وهذا الشعر متمسِّك في جسمه،
متمكِّن كما في جسم الحيّ. والعنق تظهر أقسامه من عظام وغضروف وجلد، كما في الأجسام
الميّتة، قبل أن يدبّ فيها فساد. والعينان والأنف متشوِّهة قليلا، بفعل سقوط الدلف
من سقف المقبرة، حيثما كان محفوظا بها. والعظام محفوظة جيّدا حتّى الأظافر، كما في
الأجسام الحيّة. ويظهر جليّا من تحريك البعض من أعضائه، أنّ المفاصل لا تزال تتحرّك
وتطوي، متى حرّكت وطويت. والصدر والظهر لا يزالان بهيئتهما كما يكونان بعيد الموت.
والبطن ضامر، ويوجد شقّ مستطيل من أسفل الضلوع حتّى الفخذ الشمالي، بطول 20سم
وعرض10سم. وهو شقّ فُتح اصطناعيّا بيد بشريّة. وعلى البطن محلّ الزنّار، يوجد أثر
لزنّار حديديّ اللون، وظاهر بأكثر من لون الجثّة، ربّما يدلّ على أنّ الأب شربل كان
يتمنطق في حياته بزنّار من حديد. وأعضاء التناسل لا تزال ظاهرة. ويوجد أثر تكلكل
على الركبتين، يدلّ على أنّه كان يركع كثيرا عليهما. ويوجد في أخمص الرجلين، وفي
اليدين خصوصا اليسرى، وهي الأقسام المعرّضة للنظر واللمس تخديش وتنسير في الجلد،
يظنّ أنّها منتثرة بيد بشريّة. واللحم الظاهر تحت التنسير أبيض ضارب إلى الحمرة
الفاتحة. وفوق القذال في أسفل الجمجمة ثقب طوله 4 سم بعرض 1سم مقصوص بالسكين. وكلّ
تشويه بالجثّة هو فعل يد بشريّة، ما عدا العينين والأنف، فتشويههما بسبب وكف
المياه، بعد تكبير الشقّ الذي أجراه
الدكتور جورج شكرالله في البطن من الشمال إلى اليمين، ومن الوسط إلى جهة الرأس في
الصدر، فُتِح الجوف فوجد أثر قليل لأحشائه، أمّا الأمعاء والكرش والمعلاق فهي
منتزعة لا وجود لها. أمّا النسيج الجلدي وما تحته، فلا يزال مرنا طريّا، محفوظة
طبقاته الطبيعيّة. وفتح هذا النسيج أمام اللجنة، فشاهدت طبقاته سليمة كأنّها طبقات
نسيج حيوان ذبح من يومين، ولم يفسد"
سادس عشر: حتّى العام
خمسين
1- دفن
الجثمان
"سنة 1927 وضع جثمان الأب شربل في القبر، بأمر من الكرسيّ
الرسولّي، إذ كنت حاضرا إذ ذاك، لأنّي كنت أحد رهبان الدير"
"وقد تمّ ذلك ضمن الجدار الداخليّ للدير، في الطابق السفليّ، في جانب البوّابة
للجهة القبليّة"
"في قنٍّ للدجاج سابقا، بعد أن طيّنت حيطان السرداب الأربعة الداخليّة بمجبول الكلس
والرمل، تغشّت بورقة من الترابة الإفرنجيّة، وغطّيت أرضه بقشرة من الترابة نفسها
وبيّضت الحيطان والسقف بالكلس، وصار السرداب قبرا جديدا"
"وبقي هناك من سنة 1927 إلى نيسان 1950. وكتب على القبر في الحائط هذه العبارة فقط:
هذا ضريح الأب شربل"
2- رشح من
الحائط
"وفي شهر شباط سنة 1950، رأى بعض الزوّار،
رطوبة في أسفل الجدار الذي ضمّنه التابوت، فنبّهوا رئيس الدير. فخاف رئيس الدير
والرهبان أن يكون تسرّب إلى القبر ماء من المطر، أو من السطح، فيضرّ الجثمان. لذلك
أتى الرئيس ليلا وسرّا، وبرفقته راهبان وشابّان من خدم الدير. فرفعوا حجرين أو
ثلاثة وفتحوا القبر، فوجدوه ناشفا من كلّ جهاته، وفتحوا التابوت الذي كان مبطّنا
بالزنك. فوجدوا الجثمان والأثواب كلّها مبلّلة بالماء. ووجدوا التابوت مهترئا،
والماء هو عرق الجثمان، وقد تجمّع في التابوت، وأكل الزنك فانثقب واندلق الماء إلى
الخارج، فرشح من الحائط، وشاهده الناس. ثمّ قفّلوا القبر، بعد أن كانوا مسحوا
شربل بقطعة قماش أبيض فانطبعت صورته عليه. وقد كنت يومئذ رئيسا عاما. فلمت
الرئيس على عمله هذا، دون إجازة من السلطة. فاعتذر قائلا: لإنّه لم يكن له قصد إلاّ
معرفة من أين يأتي الماء؟ [55] خوفا من أن يأتي من الخارج، فيفسد الجثمان"
3- رواية عمانوئيل جرجس
عمانوئيل
"صدر أمر من قدس الأب العام يومها، أن يفتح
باب للكنيسة ويُسمح للنساء بالمرور عبره إليها - لأنّه كان محرّما على النساء
الدخول من قبل- طلب إليّ الأب الرئيس بطرس أبي يونس أن أقوم بأعمال الحفريّات
تجهيزا لإنفاذ الأمر وكان ذلك في بدايات شهر شباط سنة 1950.
... سألت الرئيس ما رأيكم إن حفرت لأعاين ما
يوجد تحت القدّيس؟
... فأجابني: إفعل ما يحلو لك. [18]
بدأت بإخراج الحجارة... ونحن أساسا بدأنا
المشروع بحجّة التحقّق ممّا إذا كانت الرطوبة قد ألحقت الضرر بقبر القدّيس
وجثمانه؟... نزلت والقنديل في يدي، فوجدت الماء يرشح من التابوت وقد استحال منه
بِرْكَة... طلبت إليه أن يأتي بوعاء
العماد من [19] الكنيسة مع بعض الرقع من القماش... فعدت لأنزع غطاء التابوت
بنفسي... وبان لي إنسان!! أجل إنسان!! رجل ميت... يد طبيعيّة ليّنة، فتجرأت
وقبّلتها...[20] وكانت اليدان ترشحان ماء وكأنّي به إنسانا حيّا يعرق، أنا أمسح
عرقه وهو يزيد عرقا وتصبّبا... [21] وقطعت من لحمه ما يقارب العشرين سم بعرض خمس..
طمعت فاقتطعت خزعة أخرى أقصر من السابقة ووضعتها في جيبي... وانتزعت من فمه نيبين
وسنّا...[22] وفي اليوم التالي لذهابنا إلى بيروت
هرع الناس إلى عنّايا بشكل جنونيّ، لم نعرف كيف عرف هؤلاء بما جرى"
و"بالآلاف، لزيارة جثمان الأب شربل، وجرت عجائب وأشفية كثيرة بشفاعة الأب شربل
ذكرتها الجرائد وتسجّلت في سجلاّت الدير. ومن يدخل الدير اليوم يرى قرب البوّابة
غرفة مليئة بالعكّازات التي تركها العرج الذين نالوا الشفاء بشفاعة الأب شربل دلالة على شفائهم عرفانا
بالجميل"
4- فتح
القبر
"عندئذ قدّمت عريضة إلى السيد البطريرك أن يعيّن لجنة
للكشف على الجثمان. فتعيّنت لجنة من الدكاترة: يوسف الحتّي وشكري ميلان وتيوفيل
مارون. وفي 22 نيسان من السنة ذاتها 1950، حضرت اللجنة وهيئة الرئاسة العامّة أي
الرئيس العام والمدبّرين، والمطران عقل النائب البطريركي، واحتشدت جماهير غفيرة،
دون أن نعلم كيف تسرّب إليها الخبر. وكان محامي الإيمان الخوري منصور عوّاد حاضرا
ففُتِح القبر"
"وكنت أنا حاضرا"
"وأخذوا التابوت إلى الكنيسة، وفتحه الأطبّاء أمام من ذكرناهم، فوجدوا الأثواب
كلّها، والفراش الذي كان موضوعا عليه الجثمان، والمخدّة، وبدلة التقديس كانت كلّها
مبلّلة. وبعضها مهترئ، وهي كلّها محفوظة في دير مار مارون. وقد تحقّق الأطبّاء بأنّ
الماء الذي بلّل الجثمان، وكلّ ما في التابوت لم يكن من الخارج، بل كان مصدره جثمان
الأب شربل. فقطعوا قطعة صغيرة من الجثمان يصير فحصها في المختبر الطبّيّ. ووضعوا
محضرا دقيقا بكلّ ما شاهدوا وعاينوا. ولا أذكر إذا كان التقرير قد وضع عن هذا الكشف
أم عند الكشف الثاني الذي صار في شهر آب سنة 1950"
5- معاينة الجثمان وإقفال
القبر
"وبعد الكشف على الجثمان ألبسوه أثوابا جديدة،
وحلّة تقديس غير التي كانت عليه. وأرجعوه إلى ذات التابوت، وإلى القبر، وسدّوه
بالحجارة والإسمنت، بعد أن كانوا ختموا التابوت بالشمع الأحمر، ووضعوا الأثواب التي
كانت عليه عند محامي الإيمان كوديعة، مع قسم من التراب الذي كان مجبولا بالسائل
الذي كانت تفرزه الجثّة. وفي شهر آب 1950 أعادوا فتح القبر، والكشف على الجثمان
أمام لجنة إكليركيّة، مؤلّفة من المطران بولس عقل، ومحامي الإيمان الخوري منصور
عوّاد، والخوري (المطران) عبدالله نجيم ومنّي أنا رئيسا عاما، ومن مجلس المدبّرين
وجمهور من الكهنة والرهبان، وأمام لجنة الأطبّاء المؤلّفة من الأطبّاء السابقين في
اللجنة السابقة ومعهم الدكتور مرشد خاطر عميد كلّية الطبّ في دمشق، ودكتور أرمني
جاء خصّيصا من مصر ليشهد هذا الكشف، ومن الدكتور الياس خوري الذي كان وزير الصحّة
آنذاك، وغيرهم من الأطبّاء. وكان حاضرا أيضا، على ما أذكر، قائمقام كسروان توفيق
حيدر، ومرافق رئيس الجمهوريّة سابقا منصور لحّود [58] وعقيلة رئيس الجمهوريّة
السابق السيّدة لور خوري وغيرهم. وبعد أن أقسم أعضاء اللجنة اليمين في معبد الدير،
فتحوا القبر أمام هذا الجمهور، وأخرج التابوت، ودخل الأطبّاء القبر يتقدّمهم
الدكتور مرشد خاطر، وفحصوا الجدران، فتحقّقوا من أنّها ناشفة، ولا سبيل لدخول
المياه إلى القبر منها. إنّما وجدوا رشح سائل، بلون الخمر، تحت التابوت من جهة
الرجلين. ففتحوا التابوت، فوجدوا ثياب الأب شربل، والبدلة التي يتّشحها، والفراش
الذي كان تحته مع الوسادات كلّها مبلّلة بالسائل الذي كان ينضحه جثمانه، وعلى
إسكيمه نوع من العفن. أمّا الجسم فكان لا يزال، كما وضعوه، على سلامته. وبعد أن قطع
الدكتور تيوفيل مارون قطعة صغيرة من صدر الجثمان ووضعها في حنجور زجاج، كان يشاهد
عليها من جهة القطع قطرات سائل العرق الدمويّ، وشاهد ذلك كلّ أعضاء اللجنة وجمهور
من الحاضرين. وعلى أثر ذلك ألبس الجثمان أثوابا وبدلة جديدة. وضع تحته فراش ووسادات
جديدة أيضا. وختم التابوت، وأعيد إلى القبر الذي سدّ كما كان. وقد نظِّم محضر دقيق
بكلّ ما تقدّم، وقّعه الأطبّاء واللجنة الإكليركيّة. وقد وضعت، نسخة عن هذا التقرير
في التابوت، والثانية استلمها محامي الإيمان. وإنيّ أتذكّر الأن أنّنا عندما فتحنا
القبر في 23 نيسان سنة 1950، وجدنا أنّ الظرف المعدني الذي كان وُضع فيه التقرير عن
حالة الجثمان عند دفنه سنة 1927 كان مهترئا، وعندما لُمِس، تفتّت. أمّا التقرير
نفسه، فكان لا يزال سالما، ما عدا بعد أطرافه التي كانت ملوّثة، ومصبوغة بلون
كستنائيّ نتيجة وصول العرق إليها"
6-
عرض الجثمان وزيارات
"عندما كان ينقل الجثمان، كان يتمّ ذلك خفية
بأمر السلطات الكنسيّة. وعندما نقل للمرّة الأخيرة، وسمح بعرضه"
"طلبت أن يسمح لي بتقبيل يديه، لأنّي كنت خدمته مدّة سنتين، فلم يأذن لي سيادة
المطران عبدالله نجيم، المفوّض البطريركيّ المطلق الصلاحيّة آنذاك قائلا: إنّ
التابوت مقفل ولا يمكن فتحه. وكان غطاء التابوت من الزجاج"
"وزاره بطرك السريان الكاثوليك ومطارين
والمطران نجيم وعقل وباقي مطارين الطائفة المارونيّة. والبطرك أنطون عريضة واحتفل
بالذبيحة الإلهيّة في محبسة مار بطرس وبولس نهار عيدهما"
"وتتوافد الجماهير عديدة من كلّ طبقات المجتمع
كبارا وصغارا أمّيّين ومتعلّمين مسيحيّين وغير مسيحيّين من لبنان والدول العربيّة
ومن أوروبا وأميركا [249] وكافّة أطراف المعمور، إلى زيارة ضريحه. وقسم كبير من
الزوّار هم من المرضى بأمراض متنوّعة، ومن المصابين بعاهات ومشاكل، ويحتاجون إلى
العون والمساعدة الإلهيّة. ومن جملة الزوّار الكردينالان تبّوني واغاجانيان وفريق
كبير من إكليروسهما... وبشارة الخوري ووزراء ونواب ورجال دولة"
"ومن كلّ المذاهب المسيحيّة وغير المسيحيّة.
ولا تزال الوفود تتوارد إلى زيارته وخصوصا في أيّام الأحاد والأعياد مدفوعة
باعتقادها بقداسة الأب شربل، وفعليّة شفاعته بالنسبة للأشفية العديدة التي أجراها
الله على يده. ولا أعتقد أنّ هنالك دعايات بشريّة دفعت الناس وتدفعهم لهذه
الزيارة"
سابع عشر: صورة
شربل
1- شهادة الأخ
الياس نوهرا إدّه
"نهار
الإثنين في 8 أيّار سنة 1950، يوم عيد مار يوحنّا الإنجيليّ، شفيع جمعيّتنا، توجّهت
بأمر رئيس مدرسة الرسل جونيه، المختصّة بجمعيّة المرسلين الأب (المطران) يوسف مرعي،
إلى زيارة دير مار مارون عنّايا، برفقة الأب بطرس شلهوب، والأب ساسين زيدان، وجمهور
الإخوة الناذرين والمبتدئين والطلبة من أبناء جمعيّتنا المرسلين اللبنانيّين مع
الخدم، وعددهم 40 شخصا، وكنّا في أوتوبيس المدرسة. فوصلنا إلى دير مار مارون عنّايا
الساعة الثانية عشرة. فزرنا الكنيسة وضريح القدّيس شربل وزرنا الدير. وكان الحشد
كبيرا، وعدد المرضى والمبتلين [6] بعاهات كثيرة كبيرا أيضا، والصلوات في الكنيسة
متواصلة، والجماهير فيها في زحمة تشارك في الصلوات بإيمان وحرارة. ونحن زيّحنا
مار مارون، ثمّ القربان المقدّس. وبعد ذلك صعد قسم منّا
إلى محبسة مار بطرس... |
وأحببت
أخذ صورة شمسيّة لبعض الإخوة الذين كانوا برفقتي: المبتدئ يوسف أنطون من عبرين...
وإلى يمينه الطالب حنّا غصن من دار بعشتار وورائه شجرة ملاصقة للمحبسة، وإلى يمينه
فتى كان في زيارة المحبسة قال لنا أنّه من حوقا يدعى يوسف شلّيطا طنّوس... وإلى
يمينه الأخ بولس يزبك من قرطبا وقد جلس أمامه الأب الياس أبي رميا إهمج، وكيل
المحبسة. وقد التقطت لهؤلاء الأشخاص صورة شمسيّة بآلة تصوير ماركة "كوداك بروني"...
وفي 9 أيّار ظهّرنا الصور... ظهر أمام الفتى الذي هو من حوقا، صورة راهب جليل قد
برز، في جلال، رأسه ووجهه ولحيته البيضاء، وإسكيمه على رأسه، ويده اليمنى منظورة
الأصابع وهي مسودّة كأنّها مومياء. والراهب شفّاف الجسم، مرتدٍ بعباءة راهب سوداء
كسائر الرهبان اللبنانيّين، تظهر من ورائه، من خلال جسمه الحجارة والأعشاب التي على
الأرض، كأنّ الراهب أمامها من زجاج. وظهر جنب الفتى من حوقا من أسفل لحية الراهب
إلى قرب ركبته. وقامة الراهب منظورة جيّدا وهو راكع، وأقرب إلى آلة التصوير من
الشابّين الواقفين وراءه... وظهر على إسكيمه بياض الصدريّة التي يرتديها الفتى
الحوقاوي، كأنّ الإسكيم أيضا هو شفّاف" |
 |
|
2- شهادة يوسف
شلّيطا طنّوس
"زرت
محبسة شربل في 8 أيّار سنة 1950، فإذا بزوّار من رهبنة الكريم يقولون لي: إذا أردت
تتصوّر معنا؟ فأجبتهم: لا مانع، ووقفت مكتّفا. فإذا براهب يخلق فورا أمامي، ويقول
لي: "أنا بدّي اتصوّر معكم وأقعد قدّامك" فأخذ الأخ الياس نوهرا إدّه صورة ،
فحالا توارى الراهب. وعند تظهير الصورة، ظهر راهب فيها لم ينظره غيري، قال عنه
عارفوه أنّه القدّيس شربل. تحريرا في 15 ت2 1973"
3- شهادة معارف
الأب شربل
وقد
قدّم محامي الإيمان، الخوري منصور عوّاد، هذه الصورة لكلّ من:
أليشاع نكد، وهو إبن وردة بنت حنّا شقيق الأب
شربل، والأخ جرجس نعمة لحفد، والأب الياس مشمش، والأب يوسف إهمج، والأخ بطرس خليفة
ميفوق، والأخ بولس يونان مشمش، والأب أنطونيوس نعمة، والخوري يوسف سعد خوري من
مشمش، والجميع عرفوا القدّيس شربل في حياته، وأكّدوا، بعد حلف اليمين، أنّ هذه هي
صورة الأب شربل، وتمثّله متألّما ومنازعا في آخر حياته، ويده تشبه يد جثمان القدّيس
شربل
والسيّدة نهاد الشامي تقول: إنّ هذه الصورة هي صورة الأب شربل
4- الأبّاتي اغناطيوس
التنّوري
"أخذنا
صورة الأب شربل مكبّرة، وجمعنا نحوا من 30 صورة من آباء الرهبانيّة القدماء،
وجعلناها بين تلك المجموعة من صور الآباء. وقمنا أمام التنّوري نرجوه أن يفيدنا عن
إسم كلّ أب من أصحاب تلك الصور. وتلك حيلة لنرى إن كان يعرف صورة الأب شربل... إلى
أن وصل إلى صورة الأب شربل، فأخذها بيده وبدأ يتأمّلها. يبعدها حينا عنه ويحدّق
النظر فيها. وحينا يقرّبها ويحدّق النظر فيها أيضا. ولم يلبث طويلا وهو يبعدها
ويدنيها حتّى هطلت الدموع من عينيه غزيرة. وبدأ يُقبِّل تلك الصورة حتّى بلّلها
بدموعه الغزيرة. ونحن على يقين تامّ أنّها الصورة العجائبيّة التي ظهرت بعدسة
المصوّر.
فسألناه: أتكون هذه
الصورة يا أبانا، لأحد أقربائك، أو لأحد أعزّائك، حتّى تأثَّرتَ من رؤيتها هذا
التأثُّر البليغ؟ قال وهو يشهق (يبكي) كالطفل: لا، هذه صورة الأب شربل. من أين
جلبتموها؟ الأب شربل لم تؤخَذ له صورة في حياته!"
ثامن عشر: أفيض
روحي
(أع
2/17)
1- شفاء معاق
ومشلولة
"عندما فُتِح القبر في 22 نيسان 1950، رأيت،
ونحن في الممشى، شابا من ميفوق يدعى أميل بطرس، يُشاهَد يتوكّأ على عكّازين، بسبب
عاهة في ركبته. فقلت له أن يطلب شفاعة الأب شربل. وبينا كنّا في الكنيسة لفحص
الجثمان، وإذا بنا نسمع صفيقا وهرجا في الخارج. وعند تقصّي السبب، عرفنا أنّ الشاب
المذكور قد شُفي من عاهته. وقد عرفت أيضا أنّ رجلا من بمريم لا أذكر اسمه [59]
يشتغل في التلفون، مرّ يوم الكشف على الجثمان بدير مار مارون عنّايا. وإذ لم يتمكّن
من الدخول إلى القبر، مسح برنيطته بالحائط تبرّكا، ورجع إلى بلدته بمريم. وكانت له
ابنة شقيق مشلولة، أي لا تستطيع المشي. فعلم أهلها أنّه كان في دير مار مارون
عنّايا، فسألوه إذا كان يحمل بركة ما من هناك، فأخبرهم أنّه لم يستطع الدخول،
واكتفى بمسح برنيطته بالحائط، وأعطاهم البرنيطة، ليلمسوا بها الفتاة المشلولة.
وعندما مسحوها بالبرنيطة برئت وقامت تمشي"
2- تفطّرت قلوبهم
(أع
2/37)
"وكانت الجماهير قبل الكشف، وبنوع أخصّ بعد الكشف، تتوافد
لزيارة الضريح من كلّ الطبقات، ومن كلّ المذاهب من العلماء والبسطاء، من الحاكمين
والمحكومين لزيارته قصد الاستشفاء من أمراض وعاهات مستعصية. والأعجوبة الكبرى أنّ
كثيرين، ممّن كانوا من عشرات السنين ابتعدوا عن قبول الأسرار، وخصوصا سرّ التوبة،
كانوا لدى زيارتهم الضريح، يستوليهم الخشوع والتوبة، ويقتربون من الاعتراف بالدموع.
وكثيرون لا يزالون ثابتين على توبتهم حتّى الآن"
3- شفاء مقعد
(مر
2/1-20) ومَنْزوفة (مر 5/25-34)
"أعجوبة مع جندي من زحلة مصاب بالقلب وبعدها
كسرت بعض خرزات من ظهره، فقبع في سريره، وشفاه الأب شربل، بعد أن اعترف بخطاياه
وتناول القربان المقدّس... وشفاء إمرأة أخ الأب لطّوف العنداري من نزيف أصابها
لمدّة سنتين وشارفت على الموت... فشفيت بشفاعة الأب شربل"
4- شفاء من داء
المفاصل
"إن نعمة يوسف ابراهيم، من شركاء دير مار مارون،
وكان عمره نحو 5 سنوات، أُصيب عام 1941 بداء المفاصل. وقد عرضه والداه على
الأطبّاء، فقالوا: إنّ شفاءه من هذا الداء، يقتضي وقتا طويلا. فالتجأت والدته إلى
شفاعة الأب شربل، وطلبت أن تعطى بركة عن ضريحه. فأعطيتها قماشا من أثره، وماء مسّه
قماش كان على الأب شربل. فأخذت هذه البركة، ومسحت مفاصل الولد بالقماش المبلول
بالماء المبارك. وحالا ابتدأ الولد يحرّك مفاصله. وفي اليوم الثاني أصبح معافى. وقد
رأيت هذ الطفل قبل شفائه وبعده"
5- وراء الربّ يسوع
(متّى
20/29...)
"لقد ذهبت أنا بنفسي إلى جبل جبيل. كان المشهد
رائعا: عشرات الأتوكارات، ومئات السيّارات تقلّ الجمع الغفير. هذا ممّا يجعلني
أفكّر بتلك الجموع التي كانت تتدافع، منذ الفي سنة، وراء الربّ يسوع... إنّ لمشهد
يترك في النفس انطباع إيمان عميق! فأنا أعتقد أنّ ثمّة معجزات اهتداء تضاهي معجزات
الشفاء"
6- يسوع حيّ
(لو
24/6)
قد سُجّل إلى الآن، في سجلاّت دير عنّايا، ما
يزيد عن ال5000 أعجوبة شفاء، وبينها علامات دائمة مثل السيّدة نهاد الشامي، والسيّد
ريمون ناضر... ما عدا عشرات آلاف المعجزات، ولم تسجّل، التي حدثت في لبنان وخارجه.
والنقطة المهمّة في عمل الروح أيضا هي التوبة، فيعتبر مزار القدّيس شربل من
المزارات العالميّة التي تدفع بالخاطئ نحو التوبة والمصالحة مع الله، وإراحة
الضمير... فلا يزال يسوع حيّا يشفي جراحات البشريّة المتألمّة، ويغفر لها خطاياها،
التي تسبّب لها الموت المحتّم، ويعطيها الحياة الأبديّة.
|