القديسان تلاسيوس وليمْناوس

Saints Tlasios et Limnaos 
   

 

 

 

 
 
 

 تذكار القديسين تلاسيوس وليمْناوس


 

1- من الحياة الرهبانية الى الحياة الكنسية

       " تلّما " هي بلدة من عندنا، تلقّت فيما مضى بذور الكفر المرقيوني. أما اليوم فزرعت فيها بشارة الانجيل. جنوبي هذه البلدة، تلّة معتدلة الانحدار، بنى عليها تلاسيوس العجيب خلوة للنسّاك. انه، وهو الغني بخيرات وفيرة، والبسيط في سلوكه، فاق معاصريه، لطفًا واتزانًا. لا أقول ذلك معوّلاً على ما سمعته عنه، بل بناء على خبرتي الخاصة. لأني التقيت هذا الشخص، وأفادني، مرات عديدة، لطف مصاحبته.

 

2- وليمناوس، الذي يمتدحه الجميع اليوم، كان واحدًا من جوقة تلاسيوس. وقد نُشِّىءَ بأسمى حكمة. وانه في بادىء الأمر ولما يزل يافعًا، وهو يعرف ما أكثر عثرات اللسان، فرض عليه الصمت، ولبث لا يكلّم أحدًا، ما كان له الى ذلك سبيل. وبعد أن أخذ ما يكفيه من دروس الشيخ الالهي. وبدا وكأنه صورةٌ لفضيلته، ذهب الى مارون العظيم، الذي ذكرناه سابقًا. قصد اليه، فإذا بيعقوب الالهي عنده. افاد كثيرًا من اقامته هذه، ثم استهوته رغبة العيش ناسكًا، فصعد جبلاً آخر يطل على قرية" تارغالا ". (Targala).

 

3- نمط الحياة

مكث في الجبل  حتى اليوم، لا بيت  ولا خيمة ولا كوخ، بل حائط من الحجارة الناشفة، غير المتلاصقة بالطين. في هذه التصوينة باب صغير، مسدود دائمًا بالطين، لا يفتحه أبدًا للزائرين. لكنه يفتحه لي عندما أصل، فيسرع الناس من كل صوب، عندما يعلمون بقدومي، آملين أن يدخلوا معي . لأنهم إذا أتوا وحدهم، كان يكلمهم من نافذة صغيرة ويعطيهم بركته، وهي مصدر صحة لمعظمهم. فكان، بالواقع، يوقف الأمراض، ويطد الشياطين، بشفاعة مخلصنا، مقتديًا بقوة الرسل العجائبية.

4- الأشفية

لم يحقّق فقط أشفية فورية للقاصدين اليه، بل طالما شفى نفسه. أصابه، ذات مرة، مغص حادّ، والذين اختبروه يعرفون ما يُحدث من أوجاع مؤلمة، كما يعرف ذلك كل الذين شاهدوا غيرهم يتألم. فهم يتململون، وكأنهم أصيبوا بالكلب، يتقلبون، يمدّون أرجلهم، ثم يردونها تحتهم، يجلسون، ينهضون، يمشون، وهم يحاولون أن يجدوا سبيلاً الى تسكين الألم، أو انهم يجلسون على حافة الحمّام، فيدخلون اليه مرات متعددة، لقضاء حاجتهم. ولكن لا ضرورة الى التشديد على وصف ما يعرفه الجميع جيدًا. وفيما ليمناوس يكافح هذا الوجع، وهو فريسة للآلام المبرحة، لم يجد عونًا له في الطب، ولم يقوَ على المكوث ممددًا، ولم يستطع دواء أو طعام أن يريحه، بل جلس على لوحة ملقاة على الأرض، وعالج نفسه بالصلوات، وبإشارات الصليب، ولطّف آلامه، بما في الاسم الإلهي من سحر. 

5- وحدث غير مرة، أنه، وهو ينتقل في العتمة، داس عقبة أفعى نائمة، فعضّته في طرف رجله، وغرزت فيه أنيابها، فانحنى ليضع يده عليها فيحميها. لكن الحيوان أمسك يده في نفقه، فمدّ يده اليسرى لمساعدة اليمنى، فأثار غضب الحيوان عليها. وعندما أروت الحية غليلها – بعد أن عضّته أكثر من اثنتي عشرة مرة – هربت ودخلت وكرها، تاركة ليمناوس فريسة لآلام مبرحة. لكنه، رغم ذلك، رفض ما يقدّمه له الطب من خدمات، وعالج جراحه بأدوية الايمان فقط: إشارة الصليب، والصلاة، والابتهال الى الله.

 

6- صبره

 

أظن أن إله الكون سمح للحيوان بأن يثور على جسده الطاهر، ليكشف للجميع، ما في هذه النفس الإلهية من صبر، فعامله كما عامل أيوب الشجاعن لأنه سمح بأن يغرق هذا أيضًا تحت الأمواج المتلاحقة، ليظهر للجميع، حكمة الربان الإلهي. فكيف بنا نعرف إذًا كرم الواحد وصبر الآخر، لو لم تسمح له الظروف بأن يوجّه اليهم كل الضربات، على أنواعها؟ فهذا لعمري، كافٍ ليبيّن صبر الانسان.

 

7- محبّته للنّاس

 

اليك مثلاً آخر على انسانيته. جمع عددًا من الذين فقدوا الصبر، فانقلبوا يتسولون، فبنى لهم ملاجىء هنا وهناك، نحو الشرق ونحو الغرب، ودعاهم ليقيموا فيها، ويسبّحوا الله. وحثّ زوّاره على تقديم ما هو ضروري لمعيشتهم. واحتبس بينهم، وراح يحث كل واحد بمفرده، على الترانيم الليتورجية. ويمكن أن نسمعهم يسبّحون للرب بدون انقطاع. ولم يتوقف عن ممارسة هذا العمل الانساني لأمثاله، وما زال، هو ويعقوب العظيم ، يجاهدان جهاد النسّاك، وقد قضيا فيه، حتى الآن، ثمانية وثلاثين عامًا.

 
 
 

www.puresoftwarecode.com