1- على مرتفع
وثني
لن أطمس قصّة تالالايوس، فهي أمر عجب. لم أعرفه مما
نقله الناس اليّ، بل اينته
بنفسي، وهو أمر مدهش.
على بعد عشرين غلوة من غابالا، وهي مدينة صغيرة
فاتنة، توقف في تلّة عليها معبد للشياطين، وقد شرّفه
الوثنيون، في الماضي، بذبائح عديدة. فأقام فيه كوخًا
صغيرًا. يقال أن الوثنيين كانوا يكرمون دائمًا هذه
الكائنات الشريرة، ليكفّ غضبهم عن البشر. كانت الشياطين
تؤذي، فعلاً، عددًا كبيرًا من الأشخاص، من المارة، أو من
أهل الجوار. والأذى يتعدّى البشر، الى الحمير والبغال
والثيران والنعاج. وقصدها الأضرار، ى بالحيوانات، بل بالبشر من
خلالها. فعندما رأته مقبلاً، حاولت أن تؤثّر فيه، لكنها عجزت
عن ذلك. فايمانه كان حصنًا له، والنعمة كانت
تناصره.فاغتاظت الشياطين غيظًا جنونيًّا، وصبّت جام غضبها
على الأشجار النابتة في هذا المكان. وكان على هذه التلّة، كثير
من شجرة التين والزيتون، في أوج حيويتها. ويقال أن أكثر من
خمسماية من بينها اقتلعت دفعة واحدة. هذه الحادثة سمعتها
على لسان اللاحين من الناحية، كانوا في الماضي، في أسر
ظلمات الكفر، وهم الآن مدينون لتعاليم تالالايوس وقواته
العجائبيّة، بما وفّرت لهم معرفتهم اللّه من
نور.
2-
هجوم الشياطين
لكن الشياطين البائسة، بتصرفاتها هذه، عجزت عن
تخويف بطل الحكمة، فلجأت الى غير ذلك من المكر. حاولت أن
تذعره في الليل، مثلاً، وتبلبل أفكاره، وهي تولول، وتحدث
لمعانًا كانه نور. ولما كان تالالايوس يسخر من جميع هذه
الأساليب، تركته وهربت.
3-
تقشفه
صنع منصتين مستديرتين، قطرالواحدة منها ذراعان. ثم
جمعها بألواح متباعدة غير متلاصقة، وثبّتها وشدّها بدُسُر
خشبية، ومسامير، وجلس في الداخل. وفي آخر الأمر علّق
الأسطوانة في الجو، بعد أن رزّ في الأرض ثلاثة أوتاد
كبيرة. وجمعها في أعلاها، بعوارض أخرى. وعلّق أسطوانته وسط هذا
الجهاز، ودلاّها. علو الاسطوانة ذراعان، وعرضها ذراع
واحدة. وقد مكث فيها جالسًا، أو قل معلّقًا، منذ عشر
سنوات، حتى اليوم. وبسبب ضخامته أعجزه، ولو جالسًا، أن
تستقيم عنقه، فظلَّ دائمًا، ملتويًا على ذاته، ووجهه لاصق
بركبتيه.
4-
فطنته
عندما ذهبت لأراه، وجدته يقطف ثمرة الأناجيل الالهية.
فسألته عن سبب هذا النمط الجديد من الحياة، فأجابني
باليونانية- لأنه من قيليقية- "يكتنفني عدد جم من الخطايا.
ولأنني أؤمن بما يتوعدنا من عذابات، فقد فكرت بهذا النوع
من الحياة، واستنبطت عذابات تتناسب وقواي الجسدية، كي أخفّف بعض
الشيء، مما ينتظرني من عذابات. لأن هذه، هي بالواقع، آلم،
لا بكنيتها وحسب، بل وبطبيعتها، لأنها ليست اختيارية. فإذا
كان ما يحصل ضد ارادتنا يزعجنا جدًا، فإن ما أردناه، ولو
كان على قسط وافر من الصفاء، يهون احتماله، لأنه عناء
رضيناه ولم يفرض علينا. واستنتج: " فإذا توصلت إذًا، بفضل هذه
المتاعب الخفيفة، الى التقليل مما ينتظرني، يكون ما أحصل
عليه من ربح، على هذه الفانية، عظيمًا". ولدى سماعي قولته،
تهللت اعجابًا بفطنته، لا لأنه كان يجاهد خارج حدود
الميدان القانوني، ويستنبط من أنواع الجهاد ما يبتكره، بل
لأنه كان يعرف لماذا يتصرف هذا التصرف، ويلقنه
الآخرين.
5- بلاد
تجمّلت
زعم الجيران أن أعمالاً عديدة خارقة حصلت على صلاته .
ولم تطل عنايته البشر فقط، بل طالت أيضًا الجمال والحمير
والبغال. لهذا، فإن هذه البلاد، التي كانت فيما مضى تدين
بالكفر، قد رجعت عن ضلال الأجداد، وقبلت بهاء النور
الالهي. وبالتعاون معهم، هدم هيكل الشياطين، وشيد مزارًا كبيرًا
للشهداء الظافرين، مقابلاً رفاتهم الالهية، بالآلهة
الكذبة.
فليبلغ تالالايوس غاية جهاده ظافرًا، بشفاعة هؤلاء
الشهداء، وقدرنا نحن، بعون هؤلاء القديسين، وعونه، ان
نضطرم حبًا، لما تلهمنا الحكمة من
جهاد. |