الانتقال الى
لبنان
ولدت الكنيسة المارونية
في انطاكية ،ومن ثم كما ذكرنا انتقلت الى لبنان لأنه
كان الخيار في ان تعيش مضطهدة او ان تعيش بكرامة ،
ولما كان الجبل اللبناني قد اعتنق المسيحية مع
الساحل ولما كان هناك رهبان موارنة كانوا قد
سبقوا هجرة الرهبان، فنزحوا الى هذا البلد قاصدين
الحرية لأن كان لبنان ملاذا للمضطهدين.
الأبرشية الماروني كانت تضم فقط في ذاك
العهد اي في القرن الرابع، فنيقيا (لبنان) وسوريا
وفلسطين،كما كان لها طريقة تنهجها معينة مع المؤمنين
للتعبير عن تعلقها بالباري تعالى، وللقيام بالصلاة
الجمهورية،
دعيت "الليتروجيا الانطاكية السريانية"
دعيت بهذا الاسم لان اللغة الطقسية التي كان
يستعملهاالمؤمنون في صلواتهم واحتفالاتهم الدينية
كانت السريانية او الارامية، لن هذه اللغة استعملها
السيد المسيح ابان وجوده على الارض.
ظل الموارنة يستعملون اللغة السريانية
حتى القرون الاخيرة، واصبحت اللغة المحكية في بقع
محدودة من الاصقاع الشرقية مما جعلها من
اللغات الحية في ذاك العصر وتجدر الاشارة الى ان
الحضارة السريانيةلا تقل شأنا حضارة عن اللغة
اليونانية التي سيطرت في الجيل الخامس والسادس
واجتاحت الشرق وطمست الحضارة الارامية، الى ان اتى
العرب واجبروا سكان الساحل على التكلم بالعربية،
في العصر الحديث بدأ الموارنة ينقلون بعض
صلواتهم من السريانية الى العربية، قاوم البعض لغة
لوتريجيتهم
ولكن بدون جدوى لان اللغة العربية كانت
قد سيطرت على انحاء البلاد كافة، ولم يعد يفهم اللغة
السريانية الا الكهنة واناس قلة’ الا ان بقيت الطقوس
الكنسية في اغلبيتها باللغة السريانية-الارامية،
اليوم تقام الصلوات في الكنيسة المارونية باللغتين
العربية والسريانية وخاصة بعد ان حددت الحكومة
اللبنانية اللغة العربية هي الرسمية في لبنان،
هذا وان كانت اللغات التالية :
السريانية، العربية، العبرية، واللبنانية المحكية،
هي كلها لغات سامية ومن عائلة لغوية واحدة.
لبنان موطن الحرية
لبنان هو تلك
البقعة من الأصقاع الشرقية التي تبلغ مساحتها
10452كلم. يحده من الشرق والشمال سوريا، ومن الجنوب
فلسطين، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط. عاصمته
بيروت، وطبيعة ارضه هي اغلبها جبلية وتعلو قمة
القرنة السوداء اعى قمم لبنان 3088 مترا عن سطح
البحر.
ليس هنا لكي نتكلم عن جغرافية لبنان انما
لكي نميّزه بعض الشيء عن باقي الدول المحيطة
به.ويتميز ايضا عن سائر البلدان الاوسطية باعتباره
ارض فنيقية القديمة التي تفتقر الى الثروات الطبيعية
حيث لا بترول ولا مناجم ذهب ولا معادن اخرى، انما
غناه يقوم ابدا بالغنى الروحي والانساني وهو صورة
حية عن لبنان القديم،فكما كان قديما ارض الآلهة اذ
شيد على ارضه معابد الى ادونيس وعشتروت ولغيرهما،
كذلك اليوم اللبنانيون قد شيدوا المعابد بعد ان
اهتدوا الى الله من كنائس وغيرها في عبادة الخالق.
واذا كان التوراة العهد القديم قد ذكر اسم لبنان
اكثر من سبعين مرة وكان قد تغنى بجمال لبنان، فان
السيد المسيح نفسه لم يغادر فلسطين الا ليزور صور
وصيدا ومن ذاك الحين اصبح لبنان ولا يزال ارضا
مقدسة.
هذا وقد جاء في انجيل مرقس ان السيد
المسيح بعد عودته من نواحي صور وصيدا عاد قاصدا بحر
الجليل مرورا في المدن العشر اي التي سلكها السيد
المسيح، تمر حكما في منعطف لبنان الجنوبي شرق صيدا
حتى تبلغ بلدة النبطية وجوارها، ثم تعبر نهر
الليطاني عند الجسر المعروف حليا بالقعقعية حتى
تنتهي جنوب بلاد بشارة التي اخذت هذا الأسم من
احد حكامه بني عاملة وهوالامير حسام الدين
بشارة.
قبل دخول النصرانية الى لبنان، كانت
فينيقية تحت عبء الوثنية، فارسلت الديانة المسيحية
اشعتها الى كافة انحائها،
ابتداء من المدن الساحلية لأن المراقيء
الفنيقية كانت صور وصيدا وبيروت وجبيل وطرابلس،كما
ان الساحل الفنيقي الذي يربط فلسطين وانطاكية وآسيا
الصغرى هو الممر الوحيد الآمن في ذاك الزمان،وكان
يترتب على القديس بطرس ، هامة الرسل ، في انتقاله
غير مرة من اوروشليم الى انطاكية ، وكان عليه اجتياز
الساحل الفنيقي ولا شك انه مر في بيروت التي كانت
انذاك اعظم المدن الفنبقبة شأنا،وتحتفل الكنائس
الشرقي مجتمعة في 25 نيسان بعيده كما تحتفل
الكنسية الرومانية في 27 نيسان بعيده ايضا، ومما
يذكر ان القديس بطرس اقام اسقفا على طرابلس يدعى
مارون.
هذا في القرن الاول للمسيح، اما في القرن
الثاني والثالث، فقد اخذت النصرانية في الامتداد في
لبنان، لاننا نرى جماعة مسيحية وليس فقط افراد وعلى
سبيل المثال، نروي خبر استشهاد الطبيب اللبناني
طليليوس الذي ابى ان يكفر بدينه وفي اليوم العشرين
من شهر ايار اواخر القرن الثالث امر الحاكم الروماني
بقطع رأسه، بعد ان اذاقه العذاب، واخوه كان شماسا
يدعى يوحنا وابيه كان ظابطا في الجيش، ولوجود شماسا
في تلك الحقبة يوضح لنا وجود جماعات مسيحيةفي لبنان
لان الشمامسة هذه الرتبة الكنسية لم تكن الا في
الكنائس المحلية المنظمة. وهناك ادلة كثيرة كأستشهاد
الفتاة أكويلينا في مدينة جبيل وكثير غيرها مما حدا
بالعائلات والأسر الشريفة نفسها صارت تدين
بالتصرانية.
من النصوص التي ذكرناها، يتضح مليا ان
الديانة المسحية انتشرت في الساحل الفنيقي ـ
اللبناني على يد الرسل اولا،
وان عدد المسيحيين، رجالا ونساء واولادا
اخذ يزداد انتشارا منذئذ، بقدر ذلك كانت الوثنية
تتقلص رويدا رويدا،من لبنان والبلدان المجاورة،ان
المسيحية ولدت في فلسطين اولا،ثم انتقلت الى
لبنان ومنها امتدت الى اقطار المسكونة
الاربعة، ومن يتلبع درس الاثار في لبنان يرى مدينة
صور كانت تحتوي على كنيسة تحتوي على بازليك في القرن
الرابع للمسيح، وان مدينة حبيل بنيت في الاجيال
الاولى للمسيحية، وقد اخذ البناؤون عواميد هيكل وثني
واسسوا عليه الكنيسة الفصل السادس: الموارنة في
لبنان
لقد قيل بحق ،"لبنان والمارونية تؤمان"،.
ولا يمكن ان نتصور الواحد دون الآخر،لا شك ان لبنان
وجد ارضا وشعبا، قبل الموارنة باجيال واجيال، ولكن
لبنان الحديث، ارضا وشعبا، ما كان لو لم تكن
المارونية (اكتفى التنويه بالحرية الذي كان ينعم
بها لبنان)
رأينا ان الديانة المسيحية كانت قد
انتشرت على الساحل اللبناني غداة قيامة المسيح من
القبر،واصبح هذا الساحل يتنصر رويدا رويدا،وكان
المعمدون فيه تابعين الى ابرشية انطاكية، اما الجبل
اللبناني، فكان اعلاه انذاك قليل السكان كثير
الغابات، والوسوط مأهولة انما كان اقل عددا من
الساحل، وقد ظل وثنيا، وظل ساكنوه يعبدون ادونيس
وعشتروت وغيرهما من الآلهة، وخاصة في افقا وفقرا حيث
اثار الوثنين ومعالمها الشهيرة تشهد حتى يومنا هذا
عل حيطان هياكلها، وكما ان للماروني ان يتسلق
هذه الجبال محولا الأصنام ومحولا معابد الوثني الى
دور عبادة الخالق الحي.كان تجاوب اهل الجبل مع
التبشير سهلا جدا من جراء الروح العظيمة التي كان
يتحلى بها الرهبان،كما فعل مؤسس المارونية ، القديس
مارون، يوم صعد الى جبل قوروش، وحول هيكلها الوثني
الى بيت صلاة للفادي.
المارونية بطبيعتها،رسالة تبشير،اخذها
على عاتقه كل راهب تتلمذ على يد القديس مارون،او
انخرط في المدرسة الرهبانية التي انشأها انذاك،في
القرن الخامس الراهب الماروني ابراهيم القورشي
(لقد سمي نهر ابراهيم تيمنا بابراهيم القورشي بعد
ان كان اسمه نهر ادونيس ) الذي تطلع الى لبنان
بلد الحرية الذي كانت تهيمن عليه الوثنية واخذ على
عاتقه ان ينصرن الجبل جاعلا اياه القاعدة المسيحية
في الشرق الاوسط للأجيال الطالعة.
من يقف عند منبع نهر العاصي، في منطقة
الهرمل( البقاع الشرقي) على اقدام البناء المحفور في
الصخرة الشامخة والمعروف بدير مار مارون، ويلتفت الى
صوب جبل لبنان، تبدوا له طريقان، يسلكهما
المارة،طريق اول يتسلل في مضيق يصل منبع نهر العاصي
بجبل جرود العاقورة،في اعلى منطقة جبيل،وطريق ثانٍ
يسلل ايضا في مضيق يصل الى منبع النهر المذكور بجبل
الارز ووادي قاديشا،فالماروني الاول الذي ودع مسقط
رأسه شمالي سوريا متوجها الى الجبل اللبناني، كان
ينظر الى الحرية التي يتمتع بها هذا الجبل.
كان الراهب
ابراهيم القورشي لا شك انه سار غلى ضفاف نهر العاصي
و سلك الطريق المؤدي
من مصب هذا النهر حتى عاليته، ومن هناك
تسلق الجبل حتى وصل الى العاقورة،منطقة المنيطرة،
بينما زميله القديس سمعان احد تلامذة مار مارون
ايضا، لحق به بنفس الطريق المؤدي الى نبع العاصي ثم
توجه بدوره غبر المضيق الثاني المؤدي الى جبل الارز.
واودية الجبة اي مقاطعة اهدن والحدث،وعلى يد ابراهيم
القورشي ورفيقه سمعان ورفاقهم وجدت المارونية
في الجبل الفنيقي الوطن الذي ينعم بالحرية،لذلك
دعيَّ ابراهيم الناسك الماروني القورشي، رسول
لبنان.
بعد ان قضى القورشي بضع سنوات في
لبنان،يعمد ويعلم النصرانية، عيّن خليقة له احد
رفاقه
الكهنة، وعاد الى ديره في ابرشية قوروش.
فانتشر صيته وذاعت شهرته، كراهب ورسول مثالي، ولذلك
انتخب اسقفا على حرّان الغارقة انذاك بالكفر
والوثنية، وبعد ان ساسها احسن سياسة رقد بالرب سنة
422 للمسيح
وفي منطقتي، العاقورة والجبة اللتين هما
مهد المارونية، كشفت الأثار عن كنيستين
مارونيتين، واحدة
في يانوح والثانية في اهدن،على اسم مارماما، ومع
توالي الأيام التحق موارنة الجبل بمسيحيي الساحل
وكانت مدينة البترون هي اول المدن المارونية
التي سيطر عليها رهبان مار مارون، ومنها كان
الأنتشار الى بقية المدن والدساكر، ومن هنا كانت
الاهمية الى دير ماريوحنا مارون في كفرحي، من حيث
الامتداد الماروني الى بلاد جبيل وكسروان،حتى جنوب
لبنان، وهكذا انتقلت الماروني من ضفاف نهر العاصي
الى لبنان الجبل ومن ثم الساحل منذ اؤائل القرن
الخامس، يعيشون الانجيل كما علمهم اياه تلامذة مار
مارون ،
اذا جاء التعبير،يمكننا القول ان
الموارنة سكان لبنان الأصليين الذين تنصرنوا على يد
الرهبان يتضح جليا، تعلق الموارنة بهذا الجبل
وصمودهم فيه وتضحيتهم بالغالي والرخيص للحفاظ عليه،
واستشهادهم في سبيله عبر العصور ليبقى كما كان اصلا
بلدهم والمعقل الحصين لعقيدتهم وروحانياتهم. |