مارونيات   جبيل تدحر المماليك، حدث ماروني
 
معركة جبيل - "المثلث" الفيدار، جبيل، المدفون
   
  1. عام 1282، اجتاح المماليك الساحل اللبناني حتى طرابلس
    • حقائق تاريخية
      1. خيانة المقدم سالم
      2. المماليك وحصار عاصي الحدث
  2. عام 1293، جبيل تدحر المماليك، بمعركة "المثلث" الفيدار-جبيل-المدفون.
    • حوليّات الدويهي عن معركة جبيل
    • البطريرك أرميا الدملصاوي (من دملصا – جبيل)
    • تفاصيل المعركة
      1. توطئة
      2. قرار السلطان المملوكي
      3. خطة المواجهة
      4. المعركة
      5. المقدم نقولا
      6. الخلاصة
  3. مراجع وصور
 
 1- عام 1282، اجتاح المماليك الساحل اللبناني حتى طرابلس

في العام 1282، قام قائد المماليك (الظاهر بيبرس) باجتياح الساحل اللبناني، هذا الاجتياح كان هدفه الوصول الى طرابلس واقتحامها  فكيف تمكّن من اجتياح هذه المنطقة كلها؟

إن أزمة العام 1282 هامة جداً في تاريخ  لبنان لأنه يمكننا أن نفهم من خلالها أن ظاهرة الانحراف والخيانة والخروج عن الصف الواحد الموحد ليست بظاهرة جديدة، فهي ظاهرة قديمة في كل المجتمعات، يجب أن نفهمها على حقيقتها وببعدها التاريخي وبالتالي نأخذ المثل والاستنتاج منها حتى نعرف في المستقبل وفي المراحل الدقيقة التي تمر بها المنطقة

كيف يجب على المجتمع وبشكل موحد أن يأخذ القرارات حتى لا يسمح لهكذا ظواهر أن تكبر وأن تؤدي بنتائجها إلى مآسي كبرى للشعوب.

 

 

  1.1- حقائق تاريخية

 

   1.1.1- خيانة المقدم سالم :

 

دسّ حكام المماليك بعض العملاء في صفوف سكان جبل لبنان، فزرعوا بذور الانشقاق بين الاهالي، و قد أثر ذلك على وحدة وتعايش الاهالي.  و من النكسات التي ادت اليها، دخول الحاكم بزواش من بعلبك الى طرابلس و لكن سرعان ما رئب الصدع   و ازيل الانشقاق و طهرت الصفوف من الشوائب،  و تمّ ذلك على يد البطريرك الماروني انذاك.

و لكن الازمة لم تنطفىء فاستغلها الحكام و أرسلوا مزيد من المندسين الذين توافدوا الى وادي قنوبين ومحيطها وبعضهم بلباس رهبان فزرعوا بذور الفتنة من جديد، متسترين بالكرم و العطاء و السخاء. و لكن اهالي جبة بشري ثاروا عليهم وعينوا مقدما، تتبعهم و طهر المنطقة مجددا منهم. و بعد ان توفي المقدم، خلفه ابنه سالم، فاستدعى أعدادا من الأغراب و الهراطقة و العملاء وفك الارتباط مع سائر المقدمين الموارنة الذين كانوا يحاربون المماليك.

 

المقدم سالم الذي كان حاكماً لمنطقة جبة بشرى وإهدن، هدفه هو أن يتحول إلى أمير على  كل جبل لبنان المسيحي فوق كل المقدمين الآخرين. ولكن بما أنه لم يتمكن من خوض هذه المعركة سياسياً ولا عسكرياً، إستنجد بقوة خارجية.
فالمماليك الموجودين في البقاع والمحيطين بجبل لبنان كان هدفهم القضاء على الصليبيين في طرابلس وفي الوقت نفسه الإنتهاء من الكيان المستقل الحر الموجود في جبل لبنان. فاتفق السلطان المملوكي مع المقدم سالم على أن يفتح هذا الأخير له ممرات الجبال الوعرة في الشمال أمام جيوش المماليك كي تمر هذه الجيوش في منطقة الشمال وأن تنزل نحو الشواطئ وتحاصر الصليبيين.

وفي المقابل وعد المماليك المقدم سالم إذا سمح لهم بمرور الجيوش المملوكية وبعد ان ينتصرواعلى الصليبيين أن ينصبّوه حاكماً مطلقاً على لبنان، أي في جبل لبنان آنذاك.  

 

 وزّع المقدم سالم مجموعاته العسكرية على بعض الممرات التي كانت عصية على الغزاة  والتي لم تستطع ولم تتمكن من اختراقها. وفي هذه العملية الخيانية، تمكنت القوات المملوكية ولأول مرة منذ على الأقل ستة أو سبعة قرون من اجتياز هذه الممرات ومن دخول جبة بشري وإهدن والتوجه نحو طرابلس.
لكن جيوش المماليك لم تتوجه فوراً نحو طرابلس، فلقد استوطنت في منطقة  الشمال ودخلت القرى والبلدات من حصرون وبزعون وبشرى وإهدن والحدث وكل هذه المناطق التي كانت محصنة وحرّة، حيث دمّروها وأحرقوها وارتكبوا فيها مجازر كبرى.

 

 أذاً استخدم المماليك المقدم سالم لدخول مناطق الشمال فاحتلوها وهجّروا أهاليها في العام 1283 وانسحبت قوات المردة الجراجمة من مناطق الشمال وتمركزت في مناطق جبيل

والبترون بانتظار العودة.

 

إن المردة الجراجمة بفقدانهم جبة بشري وإهدن، فقدوا مرتكزاً أساسياً من مرتكزات المقاومة ولكن بعد صمود ونضال طويلين تمكنوا من استعادة مناطق الشمال في العام 1287 وانقضوا بدفعات متتالية على جيوش المماليك المتواجدة في هذه المناطق وحول طرابلس وتمكنوا من استرجاع كل المناطق التي كانت محتلة.
ولكن الاحتلال المملوكي دمّر وقتها النظام الإقتصادي والإجتماعي وقضى على كل معالم الحضارة في منطقة الشمال. من هنا، حتى ولو كانت العودة بعد خمس او ست سنوات،فالخزان البشري من اللبنانيين في الشمال كان قد استضعف ودمّر تدميراً شبه تام.

 

 

 

    1.1.2- المماليك وحصار عاصي الحدث:
 

استفاد  السلطان المملوكي قلاوون، من الهدنة مع الصليبيين سنة 1283 وتوغل جيشه الى معاقل الموارنة في اعالي لبنان الشمالي، فاحتل القرى والبلدات التي تحيط بطرابلس والتي كانت تساعد المدينة دائما ضد المماليك حتى وصل الى بشري واهدن وحدث الجبة وخربها، فنزحت جماعات كبيرة من الاهالي الى الوديان العميقة والجبال العاصية والى جزيرة قبرص.

لم يتحرك الصليبيون لنجدة هؤلاء الموارنة الاقحاح الذين كانوا يدافعون عنهم ويتكبدون الخسائر في كل مرة كان المماليك يتقدمون باتجاه طرابلس لاحتلالها، الامر الذي ادى الى التنكيل بقرى

اهدن وبشري والحدث بعنف بالغ.

 

يقول البطريرك الدويهي: «… في شهر ايار سنة 1283،سارت عساكر المماليك الى فتح جبة بشري وصعدت الى وادي حيرونا شرقي طرابلس، وحاصرواقرية اهدن حصارا شديدا وملكوها بعد اربعين يوما في شهر حزيران، وسلبوا ما وجدوا،وضربوا القلعة التي في وسطها، والحصن الذي كان على رأس الجبل، ثم انتقلوا الى ميفوق ففتحوها في شهر تموز وقبضوا على اكابرها واحرقوهم في البيوت ودكّوها للأرض واكثروا من النهب والسلب.

وبعد ان اعملوا السيف بأهل حصرون وكفرسارون وذبحوهم في الكنيسة رجعوا في 22 اب الى حدث الجبة فهرب اهلها الى  مغارة عاصي الحدث.

 

إستمر حصار مغارة عاصي الحدث 7 سنوات تمكن من خلالها أهالي الحدث من الصمود في وجه المماليك الذين احتلوا البلدة ونكلوا باهلها واحرقوا منازلها ولم تسلم كنيسة مار دانيال من الخراب التي أصابها. تمكن أهالي الحدث من الصمود داخل المغارة وذلك بعد أن جرّوا اليها  قناة ماء من عين كوسا، حيث كانت تصل الى المغارة بطريقة سرّية. وكان الأهالي يؤمّنون المؤن من حبوب وطحين وزيوت ومواشي وذلك عبر التنقل بدهاليز تصل المغارة بالبلدة.

 

إستعان المماليك بالخيل لمساعدتهم في إيجاد الطريقة للدخول الى المغارة. فعطّشوا الخيل ثلاثة أيام، واطلقوها فوق المغارة لأكتشاف مصادر المياه اليها،  ولم تمض ثلاثة أيام على تعطيش الخيل حتى إكتشفت مجرى للماء فجلبوا الحيوانات، وذبحوها على قنوات الماء، وإمتزج الماء بالدم، وتلوّثت كليّاً المياه. فأستسلم الأهالي بعد سبع سنوات من الحصار. منهم مَن مات داخل المغارة جوعاً وعطشاً، ومنهم مَن هرب الى خارج المغارة فقتله المماليك، ومنهم لا يتعد عدد أصابع اليد، تمكنوا من الهرب إلى جبيل.

 
   2- عام 1293، جبيل تدحر المماليك، بمعركة "المثلث" الفيدار-جبيل-المدفون.
  •    2.1- حوليّات الدويهي عن معركة جبيل
    ذكر الدويهي في حوليّاته عن سنة 1293 ما يلي:

    بهذه السّنة اجتمعت النوّاب جمال الدين اقوش الأفرم نائب دمشق وسيف الدين اسندمر نائب طرابلوس وشمس الدين سنقر المنصوري وجمعوا جيوش الشام الى مقاتلة الجرديّين واهل كسروان، فاجتمعوا مقدّمين الجبال وتوابعهم واحاطوا بالجيش من كلّ جهّة فهزموه وقتلوا نفرًا كثيرًا وغنموا بأمتعتهم؛ ويقول الدويهي انّ الواقعة كانت عند مدينة جبيل وانّ المقدّمين الذين نزلوا من الجبال كانوا ثلاثين في العدد وكان المشهورون فيهم خالد مقدّم مشمش وسنان واخوه سليمان مقدّمي ايليج وسعادة وسركيس مقدّمي لحفد وعنتر مقدّم العاقورة وبنيامين مقدّم حردين؛ فجعلوا ألفين مقاتل يكمنوا على نهر الفيدار وألفين غيرهم على نهر المدفون ثمّ انحدروا بثلاثين الف الى قتال الجيش فوقعوا بحمدان قائد الجيش على الطريق فقتلوه وهجموا على الجيش فاهلكوا اغالبه وغنموا امتعتهم واسلحتهم واخذوا اربعة آلاف رأس من خيلهم؛ وقدمت الأكراد لنجدتهم فوقعوا بيد المكمنين على الفيدار فلم يخلص منهم إلاّ القليل؛ وقتل من الإمارة التنّوخيّة نجم الدين محمّد وأخوه شهاب الدين أحمد ولدي جمال الدّين حجّي وغزت الجرديّة بلادهم فاحرقوا منها عين صوفر وشمليخ وعين زوينه وبحطوش وغيرها من بلاد الغرب؛ وقتل أيضًا من المقدّمين بنيامين صاحب حردين فدفنوه عند صاحب الأركان في جبيل..."
     
  • 2.2- البطريرك أرميا الدملصاوي (من دملصا – جبيل):

    ابتداءاً من سنة 1280 ابتدأت نهاية الحكم الصليبي وابتدأ حكم المماليك الذي مارس اشهرالإجراءات التعسفية والتمييز. في سنة 1282 احتل المماليك جبة بشري وخربوا وأحرقوا وهدموا إهدن وبشري والحدث وقد قاد الدفاع البطريرك دانيال الحدشيتي بنفسه وأوقف جيوش المماليك امام اهدن أربعين يوما ولم يتمكنوا منه إلا بعد ان أمسكوه بالحيلة والخيانة وقضوا عليه في أسره. ( بعد البطريرك دانيال الحدشيتي تسلم البطريرك لوقا البهراني الذي انتخب سنة1282 في دير سيدة إيليج. في زمن هذا البطريرك لوقا، الروايات متضاربة: هذا لوقا حاول فصل المارونية عن روما الكثلكة والعودة بها الى السريانية الارثودكسية اليعقوبية وتحالف مع المماليك لاخضاع الموارنة الذي يرفضون مشروعه، فدخل واحتل المماليك قسم من ارض الموارنة قتلا وتشريدا. فانتخب بطريرك ثاني للكنيسية المارونية على مذهب روما والكثلكة وهو ارميا الدملصاوي )
    في هذه الظروف القاسية والخطيرة اجتمع الأساقفة والكهنة والمقدمين في دير سيدة الدوير الفيدار واشترك في هذا الاجتماع أمير جبيل "غويدو جبلات" وانتخبوا أرميا الثاني الدملصاوي بطريركا وأرسلوه إلى روما ليطلع البابا "مرتين الرابع" وملوك الغرب على الحالة في جبل لبنان.
    وبما ان السفن في جبيل كانت على إربة الابحار نحو أوروبا اضطر البطريرك إلى مغادرة دير سيدة الدوير على عجل في الليل ليسافر بحراً إلى روما. وصل إلى روما بثياب فقيرة حقيرة فأدمع البابا مرتين الرابع لما رآه بهذه الحالة فنزع غفارته وألبسه إياها اذ ظن ان اللصوص سلبوه ثيابه وسأله: "من اعتدى عليك وعرّاك من ثيابك؟" فأخذ البطريرك الإنجيل الذي كان معه وأجاب: "هذا الذي سلبني راحتي وأمرني بالقدوم مسرعاً إليك". فتعجب البابا والحاضرون من تواضعه وقداسته. كان هذا الإنجيل الشهير "انجيل رابولا" الذي رافق البطاركة الموارنة في ترحالهم. هو تراث سرياني نسخه سنة 586 الراهب ربولا في دير مار يوحنا بيت زغبا الذي يقع ما بين انطاكيه وحلب.

    على الهامش الأيسر تجاه صورة ابن ارملة نائين في انجيل "رابولا" كتب البطريرك الماروني ارميا الدملصاوي الكتابة السريانية التي ترجمتها ما يلي:

     "في سنة ألف وخمسماية وتسعين لليونان  الموافقة لسنة 1279 في اليوم التاسع من شهر شباط أتيت انا الحقير أرميا من قرية دملصا المباركة، إلى دير القديسة سيدتنا مريم بميفوق في وادي إيليج من بلاد البترون، لدى سيدي بطرس بطريرك الموارنة ورُسمت بيديه المقدستين مطراناً على دير كفتون ذلك المبني على شاطئ النهر.
    وبقيت هناك أربع سنوات بأيام الرهبان سكان الدير وهم الراهب يشوع ورفيقه إيليا والراهب داود والباقون وعددهم اثنان وثلاثون.
    وبعد أربع سنوات طلبني ملك جبيل والأساقفة والخوارنة والكهنة وألقوا القرعة فأصابيتني وصيّروني بطريركاً بدير حالات المقدس. وبعد ذلك أرسلوني إلى روما المدينة العظمى وتركت اخانا المطران تاودوروس ليدبر الرعية ويسهر عليها".


    عرف البطريرك ارميا الدملصاوي بالراعي الصالح وبتشدده في المحافظة على التقاليد الدينية والوطنية أرسى الوحدة المارونية الدرزية في جبل لبنان. قاد وتابع من دير سيدة الدوير في الفيدار معركة جبيل ضد المماليك الذين حاولوا اجتياح المدينة سنة ١٢٩٣ وهزموا بين نهري الفيدار والمدفون.

    توفي البطريرك أرميا الدملصاوي سنة ١٢٩٧ وخلفه البطريرك شمعون أو سمعان الخامس، الذي أقام في إيليج وفي عهده بدأت أفظع حملة تنكيل قام بها المماليك ضد الموارنة وبشكل لم يعرفه التاريخ الماروني من قبل.

     المؤرخ "جاك دو فيترى" المعاصر للبطريرك ارميا الدملصاوي قال عن سكان جبل لبنان:
    "انهم أناس يعيشون فوق هضاب لبنان، في منطقة فينيقيا، على مقربة من مدينة جبيل وعددهم لا يستهان به وانهم مدربون وبارعون في استعمال القوس والسهم في الحروب واسمهم الموارنة".
     

  • 2.3- تفاصيل المعركة:

    1. توطئة
      الهجوم الثاني الكبير الذي حصل على ساحل جبل لبنان والذي يمكننا أن نعتبره أكبر انتصارٍ عسكري استراتيجي لسكان جبل لبنان على جحافل وجيوش همجية محتلة، هذه المعركة الكبرى التي لا نراها في كتب التاريخ في المدارس والجامعات ولا في أية كتب تربية رسمية في لبنان أو في منطقة الشرق. هذه المعركة الاستراتجية التي جرت في أصعب الظروف وقعت في العام 1293 وعرفت بمعركة "المثلث" الفيدار-جبيل-المدفون.
    2. قرار السلطان المملوكي
      هذه المعركة بدأت عندما قرر السلطان محمد بن الناصر بن قلوون المملوكي أن يتخلص ويخضع نهائياً جبل لبنان. جمع هذا السلطان نائب الشام جمال الدين اقوش الأفرم ونائب طرابلس وسيف الدين اسندمر والنائب شمس الدين سنقر المنصوري التابعين مباشرة للسلطنة المملوكية واستدعى الأمراء وكل القبائل والعشائر الموالية لهم والمستوطنة في لبنان وأمرهم بجمع جيوشهم , كانت هذه الجيوش توازي نحو مئة ألف عسكري وقتذاك أي العام 1293.
      وأمرهم بالتوجه نحو عمق  وقلب جبل لبنان وسحق مناطق جبيل وكسروان, وقال لهمكما جاء في مقطع من كتاب "أخبار الأعيان": "كل من نهب امرأة كانت له جارية وكل من احتل أرضاً أو قرية اقتطعها..."

      توجهت هذه الجيوش المملوكية بمحورين، محور تقدم من بيروت إلى جبيل قوامه 60 ألف مقاتل ومحور تقدم من طرابلس إلى جبيل أيضاً من 40 ألف مقاتل. هدفهم احتلال مدينة جبيل ومن ثم
      تطويق وعزل الجبل باستيلائهم على كل السواحل وبالتالي منع الإتصال بين عمق الجبل والخارج وبالتالي إسقاط هذا الجبل من خلال الحصار.
    3. خطة المواجهة
      استنفر المقدمون وعددهم ثلاثون واشهرهم خالد مقدّم مشمش وسنان واخوه سليمان مقدّمي ايليج وسعادة وسركيس مقدّمي لحفد وعنتر مقدّم العاقورة وبنيامين مقدّم حردين (دون المقدم سالم الخائن) وهم القادة في السلم و الحرب و جمعوا رجالهم الثلاثين الف وتجمعوا في إهمج ومشمش ولحفد وميفوق ونظموا صفوفهم ووضعوا الخطة التالية:

      وضع قوة في منطقة المدفون تتوجه من قلعة "سمار جبيل"، ووضع قوة أخرى في منطقة الفيدار، والجزء الأكبر من القوة  يتمركز على الهضاب فوق مدينة جبيل، كانت مهمة المقاتلين
      المتحصنين في تلال الفيدار نصب كمين و قطع طريق الامداد عن القادمين من الجنوب,
      والمقاتلين المتحصنين فوق جبيل الانقضاض على الجيش المملوكي في المدينة, والمقاتلين  في وادي المدفون نصب كمين و قطع طريق الامداد عن القادمين من طرابلس والانقضاض على المنسحبين.
    4. المعركة
      عندما توجه الجيش المملوكي من الجنوب نحو جبيل، قطع أمام الكمين الموجود في الفيدار ووصل إلى مدينة جبيل فلم تعترضه القوة الموجودة في الفيدار, وكان المقدمين  طلبوا مسبقاً من أهالي
      جبيل أن ينسحبوا من المدينة وأن يتركوها بكل ما فيها من مقومات وغنى ومحاصيل وأن يصعدوا إلى المراكب البحرية.

      وصل الجيش المملوكي إلى جبيل، فرأى السكان في البحر وكان ذلك وقت غروب الشمس، فظنّ المماليك أن سكان مدينة جبيل هربوا خوفاً وتركوا كل شيء في المدينة, فدخلوا إلى البيوت وانصرفوا
      الى النهب والحرق والسرقة واللهو والاحتفال فتضعضع الوضع التنظيمي داخل الجيش المملوكي الذي كان  منتشيا بالنصر السهل والمغانم.

      في بداية المساء، تجمعّت قوات المقدمين الموجودة على الهضاب فوق جبيل وتوجهت مباشرة إلى المدينة وشقت صفوف الجيش المملوكي الذي كان مربكاً ومفككاً كلياً ووصلت إلى القيادة وضربتها,
      ووثب مقدم مشمش على قائد الجيش المملوكي حمدان و ارداه قتيلا،  فتقهقر الجيش المملوكي في جميع أنحاء المدينة وقُضِيَ على ثلاثة أرباعه وغنموا بامتعتهم واسلحتهم واخذوا اربعة آلاف
      رأس من خيلهم؛  وعندما قدمت الأكراد لنجدتهم وقعوا بيد المكمنين على هضاب وضفاف نهر الفيدار فلم يخلص منهم إلاّ القليل.

      قتل من الإمارة التنّوخيّة نجم الدين محمّد وأخوه شهاب الدين أحمد ولدي جمال الدّين حجّي وغزت الجرديّة بلادهم فاحرقوا منها عين صوفر وشمليخ وعين زوينه وبحطوش وغيرها من بلاد الغرب؛
      وقتل أيضًا من المقدّمين بنيامين صاحب حردين فدفنوه عند صاحب الأركان في جبيل..."

       الفلول المملوكية الأخرى التي انسحبت صوب الشمال وقعت في مكمن جسر المدفون وقضي عليها, ومن يومها أصبح وادي المدفون يعرف بهذا الاسم لكثرة ما دفن فيه من قتلى المماليك. بعد أن كان
      يعرف بوادي حربا أي وادي الحرب في اللغة السريانية، وكان اسم وادي حربا أخذ من المعركة التي جرت نحو ٦٩٣  بين الموارنة المتحصنين في قلعة سمار جبيل والجيش البيزنطي.

      وعندما توجه الجيش المملوكي الثاني الذي أتى من طرابلس ليلاقي الجيش الأول في منطقة جبيل صباح يوم المعركة وصل إلى المدفون ورأى نتائج وخسائر المعركة الكبيرة والمذهلة. تراجع إلى طرابلس
      ولم يكمل مسيرته نحو جبيل.
    5. المقدم نقولا
      يقول ابن القلاعي في مديحة جبل لبنان أن صبيّا يدعى نقولا، كان سائرًا على ضفاف نهر رشعين لما كانت المعركة ما بين المقدمين والمماليك في مدينة جبيل، التقي هذا الفتى بمجموعة
      من المماليك وكان هو وحده فقتل عشرين منهم واكمل سيره الى جبيل حيث كانت المعركة قد انتهت.
      فعين البطريرك الفتى نقولا هذا مقدما لمنطقة جبة بشري والزاوية بدل الخائن سالم الذي سمح لليعاقبة والمندسين ان ينشروا الفساد في الجبة والزاوية.
    6. الخلاصة
      بظرف ثماني أو تسع ساعات أي بمعنى ما يسمونها حرب البرق Guerre éclair تمكن مقاتلو المقدمين  والمردة الجراجمة من القضاء على جيش نظامي كبير يتألف من  اكثر من 100 ألف جندي.

      وهكذا انتصر مقدّمي جبيل والمردة، بعد ان صدّوا المماليك ومنعوهم من الدّخول إلى بلاد جبيل الممتدّة بين نهري المدفون وابراهيم، فأضحت تلك المنطقة بامتدادها حتّى جرود بعلبك، ملجأ للذين نجوا من حملة المماليك، وبقيت ملجأ لهم وخصوصا منطقة العاقورة وجوارها إلى أن قوّض العثمانيّون أركان الدّولة المملوكية في معركة مرج دابق سنة  1516
 
  3- مراجع وصور
3.1- المراجع:
 
    كتاب "التعددية في لبنان" تأليف د. وليد فارس
    كتاب تاريخ وروايات تاريخية لبلدة حدث الجبّه عظمة وتُراث، مدعومة  بالصور والمعلومات من مؤرخه الأستاذ جورج أنطون الشدراوي
 
  3.2- صور تتكلم:
   
   
   
   
       Chucri Simon Zouein, Computer engineer
     
echkzouein@gmail.com
www.puresoftwarecode.com
© pure software code - Since 2003