.
من
تواريخ المعاناة في القرن
الرابع
عشر حوالي سنة
1367، يورد
المؤرخ
البطريرك
الدويهي
إستشهاد
البطريرك
جبرائيل
حجولا حرقاً على أبواب
طرابلس خارج جامع طيلان في
الناحية
الجنوبيّة من
المدينة ، وكان السبب
الخارجي هجوم الفرنج من قبرص على الاسكندرية
سنة 1365
.
هذا
الاضطهاد
المتواصل
الذي
طاول الكرسي البطريركي وصل
الى
الذروة
بسبب
الوفد
الماروني الى الفاتيكان
واشتراكه في مجمع فلورنسا
سنة 1439
اذ هاجم مسلمون من عامة طرابلس مقر
البطريركية ، واضرموا النار فيه سنة
،1440 مما
اضطر
البطريرك يوحنا
الجاجي إلى
النزوح
من إيليج في
ميفوق ( التي سكنها البطاركة
منذ سنة 1278 إلى
وادي قنوبين
ليكون تحت
حماية يعقوب مقدم بشري. وقد
ورد صريحاً في تاريخ الازمنة :
"حوالي سنة 1430
ان السلطان
الاشرف سيف الدين برسباي
اقام يعقوب مقدماً على بشري، ولكن لم تأت
النصوص التاريخية على ذكر
اي مقدم قبل يعقوب او بعده عيّنه
الحكام
المسلمون
."وقد
استمرت
البطريركية بين أحضان الوادي
المقدس في الأديار المنحوتة في الصخر ما
يقارب
الأربعماية
سنة.
وذكر الدويهي ان يعقوب بن
ايوب تسلم
الحكم في جبة بشري سنة
1382 "تلك الاسرة من المقدمين التي حكمت جبة بشري
في ظلدولة المماليك البرجية بلقب
الكاشف اي المسؤول عن جمع الضرائب ،
وبحصانة حيال
تدخّل
الدولة المباشر
في الشؤون الداخلية لتلك
المنطقة . وقد
إستمرّت
مقدميّة بشرّي في سلالة يعقوب بن
أيوب عن طريق الذكور , ثم عن طريق
الإناث حتى قضي
عليها
أخيراً عام 1621
على يد فخر
الدين
المعني
الثاني
.
ابتداء
من سنة 1383 تحسنت احوال
المسيحيين وعادوا الى بناء الاديار والكنائس
التي تهدمت
بفعل الحروب الطويلة التي مرت
عليهم ، لكن العودة الى
الاستقلال والحرية التي
كانوا
يتمتعون بها
كانت ما تزال بعيدة
المنال.
وقد ذكر المؤرخ القلشقندي
المتوفي سنة 1418 في كتابه " صبح الأعشى في
صناعة الإنشاء ما نصّه
:
-
" وقد اصبحت جبة المنيطرة
وجبة بشري وجبة انفة من لواصق والي طرابلس
الّذي يعيّن حكامها
".
-
" ولم تذكر أية وثيقة عربية
أو غير عربية قبل هذا التاريخ المناطق
المارونية في عداد
المقاطعات التابعة للدولة الإسلامية ."
-
" ومع ذلك ظلّ الموارنة
يتمتعون باستقلال نسبي في ادارة شؤونهم
وتميّز هذا الاستقلال
خاصة بأمور أربع :
-
صيانة الارض
المارونية من تملك
الاجانب واقامتهم فيها (خاصة تجاه
الانشقاقات والبدع)
-
المهارة في الفنون
الحربية
والعسكرية،
-
رفض الموارنة اي
تثبيت لبطريركهم
واساقفتهم من جانب اي سلطة غير الكرسي
الرسولي
-
ادارة شؤونهم بموجب
نظام خاص."
اما
الدليل على استقلال
البنية الكنسية فهو عدم
ورود أي ذكر في التواريخ العربية أو
غيرها عن تثبيت
بطاركة
الموارنة من
قبل السلطات الاسلامية، كما
أن الموارنة ظلّوا على اتصال مستمر
مع
الفرنج
وملوكهم ، خاصة مع البابا
الذي كانوا يستمدون منه التثبيت ومعه كانوا
يتبادلون البعثات والوفود
طوال عهد الصليبيين وعهد المماليك
وغيرهمفي عهد
المماليك " أوكلت
البابوية إلى الرهبان الفرنسيسكان مهمة السهر على
شؤون الموارنة والإتصال بالبطريركية
في ميفوق من
بلاد البترون".
وقد ذكر المؤرخ الأب
طوبيا العنيسي أن البطريرك
بطرس الحدثي هو أول بطريرك
ماروني تسلّم رسالة من رومية بلقب "بطريرك إنطاكية"
وذلك عام 1469 , وقد كانوا
يلقبونهم في الأصل "يطريرك
الموارنة".هاتين
الخطوتين نحو الموارنة كان سببهما المباشر سقوط
القسطنطينية بيد العثمانيّن سنة 1453
وفقدان الأمل بأي وحدة أو
إستيعاب للكنائس الأورثوذكيّة أو
الملكيّة.
في عهد المماليك , وهم من
الأتراك والشركس السنّة ,
لم تكن بلاد الشام منفتحة
تجارياً الا على دولة البندقية . من نتائج هذه
العلاقات الجيدة ، السماح بانشاء مركزين
للرهبنة الفرنسيسكانية في
القدس وبيروت باسم ارسالية الاراضي
المقدسة.
إن
الأخ غريفون
الفرنسيسكاني
هو
أولمستشار مقيم لدى البطريرك
الماروني من
قبل البابوية سنة 1450 , وقدساهم بالنهضة العلمية
والثقافية مع إرسال ثلاثة من
أبناء
الموارنة
للتعلم
الى إيطاليا
بعد ان ادخلهم
في الرهبنة
الفرنسيسكانية
سنة
1470
وأول هؤلاء
التلامذة جبرائيل بن
بطرس بن غوريا من لحفد المعروف
بالقلاعي والذي اصبح اسقفا لقبرص ، وهو
عندما عاد من روما سنة 1493
واستقر في دير قنوبين , حيث يذكر
المؤرخ كمال الصليبي انه كتب زجلياته التاريخّية
المشهورة بعنوان "مديحة على جبل
لبنان" (مؤلفة من 280
رباعية عامية على الوزن المعروف بالقرّادة ) عن
الطائفة المارونية " كشعب مختار ,
اصطفاه الله , وألجأه الى
مناعة جبل لبنان , حيث أوكل اليه
المحافظة على الإيمان الصحيح وكرامة المسيحية في
الشرق".
عن الوضع
اللغوي يذكر الدويهي :" ومن
اخبار هذا الجيل (الخامس عشر)
استراحت جبل لبنان وعمرت الكنائس والمدارس... فهملوا
الخط الاصطرانجالي المربع
وتمسكوا بالسرياني المدوّر.
وكانت الناس تقصد السكنى في جبل لبنان من
بلدان بعيدة".
هذا ما جعل البابا لاوون
العاشر في براءته الى
البطريرك الماروني بطرس
الحدثي سنة 1515 يصف الموارنة أنهم " مصانين في
وسط الكفر والبدع كالوردة
بين الاشواك"، "لا من
حيث سلامة الايمان فحسب ولكن من حيث ان بلادهم
جنة أو جزيرة خضراء وافرة الخصب والهناء
وسط بحر من العذابات
والخراب."
في خلاصة
المرحلة المملوكية التي
استمرت حوالي القرنين نجد المسيحيين والموارنة
خاصة يرزحون تحت حكم الاقطاعيات العربية
التي شلًت استقلالهم وجزًأت
مناطقهم الى إمارات يرأسها شيوخ
وامراء عرب وتركمان واكراد لكن المقاومة على الصعيد
القومي والثقافي واللغوي
تواصلت رغم الانكماش
الجغرافي وصعوبة التواصل مع الغرب حيث تراجعت اللغة
الوطنية السريانية امام العربية.
لكن المسيحيين ومنعاً
للذوبان الثقافي واللغوي نقلوا قيمهم الفكرية
والدينية الى اللغات المسيحية المستمرة ،
فبعد ان لجأوا الى
اللاتينية انتقلوا الى الايطالية وهي لغة
مسيحيي قبرص وتجار البندقية.
وفي الخلاصة
السياسية لفترة المماليك
فان المسيحيين والموارنة خاصّة ورغم
فقدانهم استقلالهم والخطر على هويتهم,
استمروا في حياة مجتمعية
انما مرتبطة بإرادة اقطاعييهم العرب ،
فالمقدمون والمشايخ الموارنة كان يعينهم
الاقطاعيون المسلمون .
فالاقطاعية المارونية لم تعد تستمد
قوتها من شعبها كما في عهد
المردة الاستقلالي
الغابر بل من السلطة الاقطاعية العربية . و
كونها معينة من قبل المحتل
لم تدع فرصة تمر والا واثبتت
ارتباطها بالحكام المسلميين ، وقد طبعت هذه الظاهرة
تاريخ لبنان الوسيط بطابع
عميق.