-
كنيسة رهبانية. من خصب حياة رهبانيتهم الروحية،
ومن زخم ورع نضارتها النسكية، وإنجذاب المؤمنين
المسيحيين اليها وتكوكبهم حولها، تولّدت الكنيسة
المارونية، سنة 685، لملء فراغ مؤسسي طال أمده في
بطريركية انطاكية، أولى الكراسي الرسولية الخمس المنثورة
على شطآن البحر المتوسط ...، بالمقابل، تتولد سائر
الرهبانيات، عبر التاريخ الكنسي المحلي والعالمي، من خصب
حياة كنائسها.
-
كنيسة سيدة حرة مستقلة. إنطلقت الكنيسة
المارونية ببطريركيتها الإنطاكية، في جسم الكنيسة
الجامعة، وهي على علاقة شوتفة communion إيمانية وشركة
روحية، إستمرت ثابتة مدى الدهور، بخليفة هامة الرسل أسقف
روما، متحررة بذلك حقوقياً وهييرركياً وليتورجياً، من
السلطة الملكية البيزنطية ومن هيمنتها السياسية
monocratie، ومستقلة نظاميا وإداريا وإنتخابيا عن السلطة
الخليفية الإسلامية وعن طغيان شريعتها nomocratie...،
فيما عرفت، بالمقابل، سائر الكنائس تدخلات في شؤؤنها،
وإملاآت إستمرت بين مد وجزر، ما بين سلطتها الدينية وتلك
الزمنية المحلية
-
كنيسة مشروعية القرار الحر. قامت الكنيسة
المارونية، رغبة بالتملص من نظام هيمنة الملكية
البيزنطية (انظر -2-) ومن نظام سطوة الخلافة الإسلامية
(أنظر-9-)، الطامعين، كل وفق مسوغاته، بإنتزاع القرار
الحر عن الكنيسة المارونية. لم تنشاء المارونية من جراء
النزاعات الكريستولوجية العقيدية، ولا كانت حصيلة
تمسكها بهوية لغوية أو ليتورجية، أبت مراى تذويبها
القهري في الليتورجيات المسيطرة سلطويا: بيزنطية كانت
السيطرة في القرن الثامن، أم لاتينية لاحقة حتى بداية
العصور الحديثة. بل سوغت بقرارها الحر مشروعية تحرر
إستقلاليتها التنظيمية، المرافقة مع اصرارها العميق على
البقاء بحالة شركة إيمانية مع خليفة بطرس "إيماني إيمان
بطرس وإيمان بطرس إيماني" تقول الصلاة الشعبية المارونية
المتوارثة في صيغتها اللبنانية عن أعتق تقاليدها الأولى.
-
فكرة وطن الحرية. أستنبط الموارنة فكرة الوطن،
بركائزه الثلاثة، القيم والإنسان والأرض: أوّنوا قيم الحرية،
أنسنوا أرض لبنان وأرتبطوا بمكوناته المجتمعية، برباط
يحاكي "الزواج الماروني" محققين بذلك، لاول مرة في
المشرق، طروحات "الوجود الوطني" existence nationale
قاعدة اساسية واجبة "للحضور السياسي"، الفردي والمتحدي...،
بينما، بالمقابل، تسعى سائر الكنائس والمذاهب والأديان،
بفكرة هيمنات، دينية، امبراطورية الطابع، أو مملكية
المنحى، سلطانية الإتجاه، طغيانية السلوكات، او عشائرية
الإنتماء، وما شابهها
-
خبرة الله الشخصية على إسم قديسها القدوة. تحمل
الكنيسة المارونية اسم قدّيسها القدوة، مارون، كأنموزج
مسيحي حي معيوش، هو شاهِد "خبرة الله" فريدة، انها كنيسة
على شاكلة مؤسسة رهبانية،[ كما سوف تعرف مؤسسات الرهبنة
الباسيلية، الأنطونيانية، الأوغوسطينية، البندكتانية،
الفرنسيسكانية...]، لا كأنموزج لآهوتي علاّمة، شبيه
معاصره وصديقه وأسقفه، يوحنا الذهبي الفم)347-407)...،
ولا كفعل معاكسة عقيدية، ناقمة على الممارسات الكنيسة
الكاثوليكية، كما سوف تكون عليه حال بروتستنطية لوثر
(1485-1546)، او كفعل أعتناق معتقدات المعاكس المصلح
كالفين (1509-1564) وإتّباعه. بينما، بالمقابل، تُعْرَف
سائر كنائس العالم باسم لغات ثقافاتها وليتورجياتها،
وطقوس بلدانها، أو بنمط تنظيمها الحضاري: كنيسة قبطية،
كنيسة لاتينية، أرمنية، آشورية، يونانية، مالابارية...
-
رسولية حية جذابة. إجتذب الموارنة الى إيمان
كنيستهم، أمراء ووجهاء وجماعات وأفراداً، من كل المذاهب
في المشرق [آل شهاب، آل ابي اللمع، آل الحرفوش، آل عساف...]،
وجذبوا صوب قطب فهمهم للحرية، مكونات المجتمع اللبناني
المقاوم...، بينما، بالمقابل، أمم الأرض وشعوبها،
تتحول، تدريجياً، الى دين ملوكها وحكّامها، وتحل طوع
بنان زعمائها وآمريها، سمعاً وطاعة ومصلحة
-
القلب المفتوح واليد الممدودة. جمعت الكنيسة
المارونية بنيها بأخلاقية الحرية وبأدوات السلام وحسب،
وواحدتهم "تحت جناحيها"، الكهنوتي والرهباني (متى
23/37)، في "شراكة ألإيمان"، بإقناعية القيم الإنجيلية
وحسب. إنها كنيسة رسالية لا جهادية، شهودية لا إشهادية،
إحترامية لا تكفيرية، بشروية لا شرعوية، التزامية لا
الزامية، تشاركية collegialeلا إملائية، شعبية لآ
فوقية ...، بينما رجال دين سائر الكنائس وألأديان،
بالمقابل، [راجع "القيادة في المؤسسة الدينية" المشرق
2006 ص. 49-69] لا يأنفون من ألإستعانة بالزند الزمني
المسلح، وبأدوات ممالك الأرض القهرية، الشرائعية و/أو
العسكرية، لتطييع أتباعها، أو لتطويع تبّاعا وأتباعا
جدداً، بقوة العصا و/أو الجزرة.
-
المتحد الديني الواحد الغير منقسم. شكل
الموارنة معاً، مدى التاريخ، كنيسة واحدة موحَّدة، غير
منقسمة ولا متفرّعة ولا منشقة، رغم ألإختلافات
والمنازعات والمآزم الداخلية، ورغم الإضطهادات
والمضايقات من الخارج، والعزلة تجاهه. يعتنق الموارنة
إيديولوجيا الحرية الكيانية، ويتبعون بموجبها،
إستراتيجيا السير معا بإتجاه واحد [وإن لم يحسنوا دوما
إدارة هذا السير الديموقراطي السوي]، في مشرق يستثيغ
التماثل الإستنساخي التسيير بصف واحد أحد تأحيدي صهري.
يخرج الماروني على كنيسته مفردا منفردا، ولا ينشق عنها
جماعة ومجموعة لإنشاء فرقة دينية مبتدعة ...، فيما،
بالمقابل، أصاب كنائس العالم، وأديانه ومذاهبه، مساوءى
المسارات التاريخية، المؤدية الى إنقسامات والى إنشقاقات
وفرق متعددة، والى إفتراقات كشيع وبدع متنوعة، بل والى
إنشطارات ثقافية سسياسية وجغرافية
-
المتحد الكنسي الإنطاكي المشرقي الما بعد إسلامي.
أنمى الموارنة حبة خردل "إيمانهم البطرسي"، في
إثر أبيهم الناسك مارون (345-410) ورهبانه وعابداته،
وأنضجوا شهادة خيارهم الخلقيدوني (517)، وأوثقوا
إرتباطهم الكنسي بخليفة هامة الرسل الروماني (685).
فشكلوا بذلك االمتحد الكنسي الإنطاكي المشرقي، الوحيد،
الذي قام تاريخيا، بعد بروز الإسلام، (دين الهجرة 622)،
وبعد تمدد فتوحاته العسكرية على ضفاف البحر المتوسط، بِ
63 سنة. أحترم الموارنة المسلمين وما تعرضوا لنبي
الإسلام قط. رفضوا دوما التبعية، وتمنعوا بإستمرار عن
الحصول على "وثيقة، فرمان، سند، مستند..." شرعية
إنتخابهم بطريركهم، ومشروعية إطلاق متحدهم الكنسي، من
غير ذواتهم [ أنظر أعلاه ملمح -2-] ... فيما، بالمقابل،
قامت سائر الكنائس الرسولية والبطريركية، وإكتمل
بناؤها، قبل ذاك التاريخ. وما لبث أن إصطدمت مجتمعات
وإمبراطوريات أتباعها بجهاد المسلمين الفتحوي المقدسن
sacralisé سقطت أربع أخماس كراسي بطريركياتهم [عدى كرسي
روما] تحت سنابك خيل الفتوحات الإسلامية. وفيما بعد
أخضعت شرعية انتخاب بطاركتهم لموافقة ولإعتراف الخليفة-
السلطان تحت طائلة البطلان والملاحقة...ثم راحت نخبهم
الفكرية تستنطق صحةَ رسالة نبي الإسلام السماوية.
-
معطوبية اللاسلطان
fragilité de l’impouvoir. لم تعرف الكنيسة
المارونية يومًا، مجد المُلك الدنيوي في تاريخها الطويل.
حتى ولا "مُجيد gloriole صبيحة أحد الشعانين، تسير فيه،
زاهية، على ظهر جحش إبن أتان (يو21/14). إن أقصى ما
بلغته الكنيسة المارونية، هو بعض من الإستقلالية الذاتية
الملجومة، وكثير من السيادة المتحدية الطليقة، إنشتلت
على حرية عبادة إيمانية، تمت لها في وعورة جبل لبنان
القاسية، بل وبفضل تلك الوعورة، الى حدٍ كبير. ومؤشر ذلك
إرتحال بطاركة الكنيسة المارونية، قسرا وإضطرارا،
وتنقلهم ما بين 24 ديرا، أسموه على إسم السيدة، مقرا
بطريركيا، خلال 1300 سنة، قبالة اقل من ثلاثة مقرات لكل
من بطاركة الكنائس الإنطاكية، والبابلية والأورشليمية
والإسكندرية،... وقبالة، مقرين إثنين لبابوات روما خلال
الفي سنة...، بينما، بالمقابل، تمتَّعت سائر الكنائس،
شرقا وغرباً، بمجد الممالك الدنيوية وتنعمت بعظمتها
وغناها وسلطانها (متى 4/8)، ولو لفترة زمنية، وبعضها
إستقر في الحضن الزمني وإرتاح الى الزند المدني، او جمع
بين العرشين معاً.
-
روحانية قضية الحرية.
تنهد الكنيسة المارونية للتحرر، بتوتر مستدام، عبر عيشها
سر ترقب إنبلاج نور الصباح العظيم. لشدة قسوة ضيقاتها
وغلاظة مضايقاتها، بدت صلاتها الطقوسية ممهورة بصورة
المسيح السيد المحرر، ومسكونة بالتوق الى لقياه، في
الحرية، وبحرية "الهواء الطلق"...، بينما، بالمقابل،
تعيش كنائس العالم، بإرتياح شبه مستقر ومستمر، إما
تداعيات سر التجسد والملك، إما إمتدادات سر المجد
والبهاء.