Pure Software code
 
www.puresoftwarecode.com

SOFTWARE Institute
Teach YourSelf
100 Software Programming Training Courses
For Free Download


CHRISTIANITY Institute
HUMANITIES Institute
more the 400 Subjects, All for Free Download.
Lebanon  
Humanities Institute
Great Famine of Mount Lebanon       
 
 
 

Menu, Great Famine 1915 (Arabic)

  Home: Humanities Institute,  من شواهد المجاعة الكبرى في جبل لبنان 1915
Home
المسيحية تاريخيا، من شواهد المجاعة الكبرى في جبل لبنان 1918-1915
 
 1- بمليون فرنك ذهبا، رهنت الرهبانية اللبنانية جميع ممتلكاتها لاطعام وكسوة ابناء الوطن

 طالت الحرب العالمية الأولى 1914، أربع سنوات حتى دبّت المجاعة باللبنانيين. فما كان من الأب العام أغناطيوس داغر التنوري 1957-1869 إلا أن أمر الرهبان بفتح أبواب الأديار ملاجئ للفقراء وتأمين الطعام والكسوة لأبناء الوطن المحاصرين من الجيش العثماني ومن الجراد والذين مات ثلثهم جوعا.
الأباتي اغناطيوس داغر التنوري رئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية 1913- 1929
يوما،
استدعى جمال باشا الاب العام، بتهمة تعاونه مع فرنسا وحمايته في الأديار أبناء السعد وسواهم من المطلوبين من الدولة التركية. وقد خلـّصه الله من هذه المحنة
.

في أيام راسته، رهنت الرهبانية جميع ممتلكاتها، بإستثناء الدير في بيروت، إلى الحكومة الفرنسية بواسطة حاكم جزيرة أرواد الجنرال "ألبير ترابو" بمليون فرنك ذهبا ليوزع على الفقراء والمحتاجين، ابان المجاعةالكبرى 1918-1915.
         نص السند الذي وقعه الأباتي أغناطيوس داغر التنوري:

" نحن الموقعين أدناه ألأب أغناطيوس داغر التنوري رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية العام نسأل الحكومة الفرنسية قرضا بقيمة مليون فرنك ذهب لكي يوزع على الفقراء والمحتاجين ونقدّم ضمانة لهذا القرض أملاك الرهبانية، وبما أنه يتعذّر علينا المخابرة رأسا مع الحكومة الإفرنسية في الشروط اللازمة لهذا القرض نكلّف جناب المسيو ترابو حاكم جزيرة أرواد الذي لنا فيه ملء الثقة أن ينوب عنا في هذا الأمر والضمانة المشار اليها في السند تقع على القيمة التي تصل ونعطي علما بها".

                               تحريرا في تشرين الثاني سنة 1916
                               ألأب أغناطيوس داغر التنوري، اب عام لبناني

 سنة 1927، قابل الأب اغناطيوس داغر، قداسة البابا بيوس الحادي عشر. فقال له البابا: "قد قيل لي عن فضيلتك الشيء الكثير والآن حين وقع نظري عليك تحقّقت أن كل ما سمعته عنك لم يكن فيه شيء من المبالغة".

الأباتي اغناطيوس داغر التنوري
 
  2- بالصورة الحية، اديرة للرهبانية اللبنانية المارونية تقدم الطعام زمن المجاعة
     
عدد من الفقراء في ساحة دير سيدة ميفوق ممّن كان يقوتهم الدير في المجاعة الجياع في ساحة دير معاد في الحرب العالمية الأولى الفقراء في ساحة دير القطـّارة في الحرب العالمية الأولى
. الفقراء أمام مدخل دير كفيفان فقراء أمام دير مار أنطونيوس حوب - تنورين إبان المجاعة جمهور وتلامذة دير سيدة مشموشة مع الأب الرئيس بولس أبي نادر الرشماوي
 
  3- مشانق شهداء 6 ايار، وقصة احذهم
كتب احدهم محللا،

هكذا كانت نهاية العثمانيين، جولات فرسان الحقد الأعمى من العثمانيين وورثتهم الشرعيين جماعة الاتحاد والترقي من غرب السلطنة على أبواب أوروبا إلى شرقها فالعراق وبلاد الشام، وسفر برلك، والقضاء على مئات الألوف من العرب في الصحراء، وتتويجا بماساة العثمانيين في السويس-مصر وهلاك نصف الجيش في سيناء من العطش ونقص التموين.
والى فراغ الشام من شبابها بهمة جمال باشا السفاح : من معركة الترعة، والى جريمة تجويع أهل الشام ومصادرة الأرزاق والمحاصيل لخدمة المعركة، فمحاكمات عاليه والمشانقها في بيروت ودمشق، وصولا لاعدام شفيق المؤيد العظم أشجع رجالات الشام.

وهنا لا بد ان نستذكر كيف ان العثماني قرر خراب الأمة العربية واعتبرها عبئ ملقى على عاتق السلطنة، وكيف طلعت باشا بالنيابة عن الاتحاد والترقي الداعي لتبني سياسة التتريك والمنهج الطوراني، وفي مداخلة له في مجلس المبعوثان، تماد بمداخلته إلى حد اتهام العرب بالعالة التي أسهمت في تخلف الدولة العثمانية، وذلك لاثارة شفيق بك المؤيد العظم حامل لواء الشام والعروبة وآمالها وأمانيها.
وامام هذه الواقعة العبثية، توجه شفيق بك المؤيد العظم نحو الخطيب وصفعه صفعة اوقعت الخطيب أرضا فما كان من شفيق المؤيد العظم ان وضع أسفل حذائه على وجه الخطيب وقال له: "إن راودتك نفسك وتحدثت عن العرب ثانيةً، فعليك أن تضع يداك على رأسك".

وحصل بعد زمن، أن نجح الاتحاد والترقي بانقلاب في تركيا العثمانية، وعين جمال باشا السفاح وزيراً للبحرية وأنور باشاً وزيراً للحربية وطلعت باشا وزيراً للداخلية، حتى بدأت لعبة تصفية الحسابات.
فقبض على  شفيق بك المؤيد العظم في دمشق وضم إلى قافلة الأحرار التي اعدمها جمال باشا السفاح وباشرافه ومتخفياً جباناً. وبالرغم من الماساة، استقبل شفيق المؤيد العظم المشنقة ببسمة وصمة واستخفاف.

وهكذا كان يوم السادس من أيار هو يوم الشهداء ... يوم مراجيح الأبطال... الذين أبوا إلاّ أن يروا العلم العربي يرفرف في سماء الوطن الحرّ المستقل... ودفعوا في سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس... وقدموا أرواحهم رخيصة على مذبح الحرية وفداءً للوطن:

  • من شهداء 15 آب 1915، الذين أعدموا في بيروت
    عبد الكريم الخليل ـ محمود المحمصاني ـ محمد المحمصاني ـ عبد القادر الخرسا ـ نور الدين القاضي ـ سليم أحمد عباس الهادي ـ محمود نجا عجم ـ محمد مسلم عابدين ـ نايف تللو ـ صالح حيدر ـ علي الأرمنازي.
  • من شهداء 6 أيار 1916، الذين أعدموا في دمشق
    شفيق بك المؤيد العظم ـ الشيخ عبد الحميد الزهراوي ـ الأمير عمر الجزائري ـ شكري العسلي ـ عبد الوهاب الأنكليزي ـ رفيق رزق سلوم ـ رشدي الشمعة.
  • من شهداء 6 أيار 1916، الذين أعدموا في بيروت
    بترو باولي ـ جرجي الحداد ـ سعيد عقل ـ عمر حمد ـ عبد الغني العريسي ـ الأمير عارف الشهابي ـ الشيخ أحمد طيارة ـ محمد الشنطي اليافي ـ توفيق البساط ـ سيف الدين الخطيب ـ علي محمد حاج النشاشيبي ـ محمود جلال البخاري ـ سليم الجزائري ـ أمين لطفي الحافظ.

وبعدها وصلت طلائع الجيش العربي بقيادة الشريف حسين وأولاده الأمراء الأجلاء، فتولى الأمير فيصل تنظيم عمليات المقاومة وتفجير القطارات المحملة بجيوش الرعاع المنهزمين الذاهبة بلا عودة بإتجاه الشمال والإغارة على المنهزمين الذين روعوا الوطن العربي بعد العز والمجد طيلة اربع قرون، وابتسم الشهيد شفيق بك المؤيد العظم في قبره أول مرة عندما لمح العلم العربي يرفرف فوق دار الحكومة
وتعانقت أصوات المآذن وأجراس الكنائس ... معلنة نشأة فجر جديد ... فجر الخلاص والحرية ... وتحرر الوطن العربي من نير الاحتلال العثماني البغيض ومن ربق العبودية. ليخطوا شعبنا طريق الحرية.

 
     
 
جمال باشا السفّاح اعدم المنادين بإستقلال لبنان   نصب تذكاري للشهداء، الذين اعدموا لانهم طالبوا بإستقلال لبنان
 
  4- رسالة وجع من جبران إلى ماري هاسكل    من جبران خليل جبران 


ماري الحبيبة

أبناء شعبي، أبناء جبل لبنان يموتون في مجاعة دبّرتها الحكومة التركيّة. قضى ثمانون ألف شخص حتى الآن. ويموت الآلاف كل يوم. الأشياء نفسها التي حدثت في أرمينيا تحدث في سورية. وبما أنّ جبل لبنان منطقة مسيحيّة، هي تعاني أشد معاناة.

يمكنك أن تتخيلي يا ماري ما أمرّ به الآن. لا أستطيع الأكل، ولا النوم، ولا الراحة. والسوريون جميعهم هنا يتعرضون للتعذيب بالطريقة نفسها. نحن نحاول أن نقوم بما في وسعنا. علينا أن ننقذ أولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة. آه ماري، كثيرٌ جداً ما نسمعه، كثير جداً.

صلّي لأجلنا يا ماري الحبيبة، ساعدينا من خلال تفكيرك فينا.

كل الحب من خليل الذي يعاني.
                              جبران خليل جبران

انسان قتلته المجاعة، فوقع مائة بين الركام على طريق
 
 5- يوميات امرأة تشهد، ميريام  بيز بو صعب.

1909 وبسبب المرض، عاد المهاجر الياس بو صعب وزوجته ميريام  بيز واطفاله الخمس من نيوزيلندا  إلى الديار في «الشوير» في جبل لبنان.
من يومها، كانت ميريام وبالانكليزية تخط اليوميات، من رحلة العودة والاحداث الاخرى وصولا الى فترة المجاعة  الاليمة بجحيمها من 1914 إلى 1918، هكذا:
  • حينما أصبح الغذاء شحيحاً جداً، جرّاء توقف تصدير الحرير والأوضاع الاقتصادية المأساوية، بالإضافة إلى غزو موجات من الجراد للمناطق الريفية عامَي 1917-1916.

  • الى تناول الأعشاب المغلية لفترات طويلة، واختراع وصفات أطعمة من أيّ خضار متوفرة، وتقاسم عشرات الأشخاص رغيفاً واحداً، واجتياح اليباس للبلاد

  • ناهيك لاكل الحيوانات النافقة، وانتشار الأمراض والأوبئة، والحرمان من لقمة تنقذ من الموت وتخبئتها لنهار آخر إذا ما تواجدت...

  صور قاسية بواقعيتها، ترويها ميريام:
  • «انا ميريام، لقد بعتُ كلّ الملابس التي أعطاني إيّاها الأصدقاء من أجل شراء الخبز، ولم أستحمّ منذ شهرين لأنّ سعر الصابون كان غالياً جداً، ولأنّ كلّ ما يتوفّر لنا من مال يجب تخصيصه من أجل شراء الخبز».

  • من مشاهداتي، «كان الإبن الأكبر في إحدى العائلات يتناول وجبة من اللحوم بينما كان والده يترجّاه لإعطائه القليل من تلك الوجبة. لقد بدا الوالد هزيلاً جداً، ولم يدرّ ذلك عطف الابن الذي ظلّ يرفض طلب والده...»

  • اما سؤالي،  «يا إلهي كم إنّ هذا الزمن صعب... فهل يمكن لمَن سيبقون على قيد الحياة بعد الحرب أن ينسوه؟»

  لم تسلم ميريام من تداعيات الحرب، ففي 28 تشرين الثاني 1918، توفيت جراء إصابتها بالحمّى الإسبانية عن 56 عاماً. هل هذه الشهادة الحية والاقعية لا التنظيرية ستُساعد الانسان على فهم التعامل مع الأزمات الكبرى، ويُنبّهه إلى ما يُمكن أن يُدمّر حياة هانئة، ويُزوّده بوصفات لإنقاذ حياة على حافة الغرق تعباً واستسلاماً.

 
  6- لجهالتنا او لغاية ما طمسنا الامهم ، ماسات المجاعة الكيرى
كتب احدهم  في المجاعة الكبرى
عندما استولى حزب الاتحاد والترقي على السلطة في الإمبراطورية العثمانية في مطلع القرن العشرين، كانت السلطنة تعاني من الضعف في سلطتها ومن تدخلات السفارات والقنصليات الأوروبية في سياستها الداخلية. فيما كانت هذه الدول تنتظر الاتفاق بينها على اقتسام أراضي الأمبراطورية.

حاول هذا الحزب فرض سياسة التتريك على العرب معتبرين أن ذلك وسيلة لإلغاء انقسام الاتنية العربية تفاديًا لمزيد من التفكك والضعف بعد خسارة الولايات الأوروبية والأفريقية. غير أن العرب رفضوا هذه السياسة وطالبوا باحترام قوميتهم العربية وخاصة أن لغتهم هي لغة القرآن الكريم.

لمواجهة هذا المنحى، خطط العثمانيون للتخلص من القوميين العرب والأقليات المسيحية. وهذا ما أعلنه أنور باشا صراحة في عاليه بحضور جمال باشا خلال زيارته في نيسان 1916، عندما قال: "لن تستعيد الحكومة حريتها وشرفها إلاّ عندما تتطهر السلطة العثمانية من الأرمن واللبنانيين، قضينا على الأرمن بالسيف وسنقضي على الآخرين بالمجاعة"، وفق رسالة سفير فرنسا في القاهرة دو فرانس إلى رئيس حكومته بريان في 19 أيار 1916 الموجودة في وثائق وزارة الخارجية الفرنسية.

اندلاع الحرب العالمية في آخر تموز 1914 كان الفرصة المنتظرة للتخلص من الهيمنة الأجنبية وتنفيذ هذا المخطط. قررت السلطة بقيادة أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا التحالف مع المانيا ضد فرنسا وانكلترا وروسيا لأن المانيا ليس لديها سياسة استعمارية بعكس الدول الأخرى. بعد مفاوضات دامت أكثر من شهرين مع هذه الدول، أعلنت الحكومة الحرب على فرنسا وانكلترا وروسيا، وطردت قناصل وسفراء العدو ومن أراضيها.

كان جبل لبنان يتمتع باستقلال ذاتي حسب بروتوكول 1861 للمتصرفية بضمانة من الدول العظمى الاوروبية. وكانت السلطة العثمانية تعتبر المتصرفية أمرًا واقعًا ينتهك سيادتها وتترقب الفرصة الملائمة لإنهائه.

عُيّن جمال باشا قائدًا أعلى للجيش الرابع وحاكمًا عامًا للمنطقة التي تضم سوريا ولبنان وفلسطين. وكانت مهمته السيطرة على متصرفية لبنان ووضع حد للاستقلال الذاتي وكذلك قمع القوميين العرب وطرد الإنكليز من مصر. وقبل قدومه الى دمشق لإستلام مهامه، أمر قيادة جيشه باجتياح جبل لبنان، بالرغم من أنه لا يزال أرض عثمانية. في 22 تشرين التاني، بدأ الجيش العثماني بغزو المتصرفية من دون مقاومة، وسط استغراب السكان. ولكن هذا الجيش فقد أكثر من مئتي جندي بسبب العاصفة الثلجية التي ضربت الجبل. وانتشرت الفرقة على طريق ترشيش وضهور الشوير وبكفيا متوجهة نحو الساحل، ومعتدية على الأهالي المسالمين وعاملتهم كأنهم أعداء: لقد بدأت المجزرة.

احتلت القوات العثمانية المدارس والجامعات والدوائر التابعة للإرساليات الأجنبية مثل الجامعة اليسوعية ومدرسة الفرير التي حولت كنيستها الى جامع، ومدرسة الناصرة وغيرها من المؤسسات الدينية. وحولت بعض الأديرة الى ثكنات عسكرية مثل دير مار شعيا ودير بيت مري.

كما أنشأت المحكمة العرفية في عاليه التي قامت بتعذيب المطلوبين والحكم عليهم بالنفي والإعدام والسجن الى أن أصبحت مرادفًا للذعر. وبدأ البلد يعيش تحت نظام الرعب، حيث المواطن يتهم جاره لغايات شخصية والبريء يُحكم عليه من دون حضور محاميه. مسرحية عدالة حكمت على العديد من النخب بالنفي والحبس أو الموت البطيء والشنق. وكان أول الشهداء الخوري يوسف الحايك الذي أعدم في دمشق. وتبعه عشرات من الشرفاء من القوميين العرب والقوميين اللبنانيين. جرمهم أنهم طالبوا بالحرية والعدالة والكرامة حتى أن جمال باشا حكم بالقتل على أعز صديق له الشهيد عبد الكريم الخليل. ولم يتوقف القتل إلاّ عندما هدده الشريف حسين قائد الثورة العربية بتصفية فرقة بأسرها في المدينة المنورة، إذا تكررت الإعدامات.

في هذه الأجواء المرعبة، اتجه الطاغية جمال باشا السفاح الى الشق الثاني من مخططه وهو إبادة اللبنانيين بالمجاعة.

بدأ بمحاولات لترهيب الإكليروس من بطاركة وأساقفة لمنع أي مقاومة. نفى عددًا منهم، من جميع الطوائف والمذاهب، وعمل على إخضاع البطريرك الماروني الياس الحويك بالتهديد والإذلال وبالترغيب مستعملاً جميع الطرق وصولًا إلى اتهامه بالعمالة لفرنسا والخيانة ملوحاً بالشنق في اللقاء الأول بينهما في صوفر، لكن غبطته أجابه بهدوء: "عندما كانت دولتنا تتعامل مع فرنسا تعاملنا، وعندما قاطعت فرنسا قاطعنا"، وفي ذلك، إشارة مبطنة الى ميول جمال باشا الفرنكوفونية. وفي مرحلة لاحقة احتجزه في صوفر، وحاول تدريجياً نفيه لكن التدخلات الدبلوماسية حالت دون ذلك.

هذه السياسة العدائية تجاه المسيحيين، وبخاصة ضد البطريرك الماروني الذي كان زعيمهم المعنوي والفعلي أظهرها جمال باشا منذ أول لقاء في دمشق مع الوفد الممثل لغبطته عندما ألزم الإكليروس الماروني، أسوة بالمذاهب المسيحية الأخرى، بالحصول على فرمان من إسطنبول للقيام بمهامهم، وإلاّ منعهم منها، متجاهلًا احتجاج الوفد البطريركي الذي شدد على أنه منذ احتلال العثمانيين للمنطقة لم يسبق أن طلب الإكليروس الماروني هذا الفرمان. وإمعاناً في محاولة إذلال البطريرك، كان جمال باشا يلقّبه بالأفندي أي الموظف في الدولة. ووضعت السلطة يدها على مكاتب البريد وراقبت الصحف والتحويلات المصرفية للبنوك التي لم تغلق أبوابها. وأصدرت الليرة الورقية بدلًا من الذهبية للاحتفاظ بالذهب احتياطاً للحرب. وصادرت السلطات المواشي التي كان عددها حوالي 30000 رأس التي كان ثلثها يستخدم في الزراعة ووسائل النقل، ووضعها بتصرف القوى العسكرية. غير أن بعض النافذين أُعفوا من هذا الإجراء لقاء دفعهم الأموال للحصول على تصريح بالاحتفاظ بوسائل النقل لهم. اتخذ جمال باشا أيضًا قرارًا بوضع اليد على المحاصيل الزراعية كالقمح والحبوب لمصلحة الجيش وطلب نقلها الى المستودعات على أن يتم توزيع نسبة منها على الشعب.

لنلق نظرة سريعة على الوضع الاقتصادي في جبل لبنان.

كانت مساحة المتصرفية 3200 كلم مربع منها 400 كلم مربع صالحة للزراعة وتكفي لإطعام 60000 نسمة. عدد السكان 414800 نسمة (إحصاء 1913) مؤلفة من 329483 مسيحي و85232 مسلم من بينهم 47290 درزي. العائدات المالية للمتصرفية 220 مليون قرش موزعة كالآتي: 9% زراعة، 9% سياحة، 4.5% صناعة، 60% أموال من المغتربين، 20% من الحرير أي ما نسبته 80% من الخارج.

أما الغذاء الأساسي للبناني فكان الحبوب والقمح الذي كان استهلاكه 21000 طن سنوياً فيما الإنتاج المحلي لا يتعدى 1500 طن. ومن الواضح إذًا أن استيراد القمح والحبوب أمر إلزامي لتغطية النقص الكبير.

بعد تركيز سياسة الإرهاب والظلم ووضع اليد على الموارد الزراعية والحيوانية أمر جمال باشا بحصار بري شامل على جبل لبنان مانعاً استيراد المواد الغذائية بجميع أنواعها وكذلك السلع الاستهلاكية. وبقي القطار الذي كان يصل سهل البقاع بمحطة الحدت المصدر الوحيد لدخول الحبوب الى الجبل وبيروت ولكن تحت إشراف السلطات العثمانية. الحصة الكبيرة كانت للجيش والباقي كان يوزع على المناطق والتجار وشركاء المسؤولين الأتراك وفق أفضلية لا معايير لها سوى رضى الأتراك. فأصبح الاحتكار سيد السوق وأدى الى أنّ ارتفاع جنوني للأسعار، فازداد مثلًا سعر رطل القمح بنسب وصلت إلى عشرة أضعاف. وقد استفاد منه المحتكرون وجمعوا ثروات طائلة مالية وعقارية.

في المقابل، فرضت البحرية الفرنسية والانكليزية حصارًا على شواطىء لبنان ومنعوا وصول أو مغادرة أي مركب حتى للصيد. احتل الفرنسيون جزيرة أرواد مقابل طرطوس والقريبة من الشاطئ اللبناني. وأصبحت أرواد المتنفس الوحيد للبنان مع الخارج وجرى استحداث خط تواصل بين القوة الفرنسية في الجزيرة والبطريركية المارونية من خلال مراكب صغيرة كانت تنقل التحويلات النقدية لأهل المغتربين والمراسلات وقليل من الأدوية والأشخاص. كذلك إستمرت بعض الجمعيات الأميركية بنقل تحويلات المغتربين المالية الى أهلهم في الوطن بالرغم من اعتراض الانكليز الذين كانوا يعتبرون أن هذا التدفق الضئيل من المال يصب في مصلحة العدو التركي.

المصالح العليا أهم من حياة الناس بعيون سياسات هذه الدول. عند وصول خبر المجاعة الى المهاجرين في الولايات المتحدة، قام هؤلاء بجمع المساعدات الغذائية وأرسلوها الى بيروت على متن سفينتين. وعندما وصلتا الى ميناء الإسكندرية، احتجتزهما البحرية الانكليزية ومنعتهما من الإبحار الى بيروت حتى نهاية الحرب، بالرغم من موافقة الحكومة العثمانية على السماح للقنصلية الامريكية بتوزيع هذه المساعدات، علماً أنّ الدبلوماسية الأمريكية لم تغادر الأراضي العثمانية لأنها واشنطن لم تعلن الحرب على السلطنة.

هناك تساؤلات عن بعض تصرفات الدول العدوة للسلطنة والمفترض أن تكون صديقة للبنانيين وللشعوب المحتلة، وهناك تساؤلات عن بعض التصرفات مثل عدم إتلاف أوراق ووثائق القنصلية الفرنسية قبل ترك القنصلية بيد الأتراك. لماذا عندما داهمها الوالي توجه مباشرة الى المخبأ السري في جدران مكتب القنصل فرنسوا جورج بيكو، ووضع يده على هذه الأوراق التي استعملها لشنق ونفي وسجن أشراف الرجال بالمنطقة. كذلك لماذا ساهمت انكلترا بالمجاعة عند حجز المساعدات من أمريكا؟

تميل الذاكرة الشعبية اللبنانية إلى تحميل الجراد مسؤولية المجاعة التي ضربت جبل لبنان وحصدت حياة أكثر من ثلث شعبه. وفي هذا شيء من عدم الدقة.

في الواقع، غزا الجراد الجبل في 13 نيسان 1915 لمدة ثلاثة أشهر ثم غادر وعاد في الخريف لفترة قصيرة وأكل الأخضر متسببًا بزيادة مصائب الناس خاصة الفلاحين. لكنه لم يكن ليسبب المجاعة لولا وجود الحصارين البري والبحري، ولولا ارتفاع نسبة البطالة ونفاد المدخرات وغلاء أسعار السلع الغذائية تدريجياً ولكن باستمرار، ولولا تدنّي قيمة الليرة الورقية من 101 قرش الى 4 قروش ذهبية خلال هذه الفترة.

أمام هذا الواقع الإقتصادي الأليم وإرتفاع الأسعار بإستمرار، فقدت السلع الإستهلاكية والمواد الغذائية والمشتقات النفطية المستوردة من الخارج وصارت بأيدي المحتكرين شركاء الأتراك.

باع اللبناني تدريجياً حليه وثيابه وأثاث بيته وأبوابه وشبابيكه وأمتعته ثم مع استمرار المجاعة باع بيته وأرضه مقابل بضعة أكياس من الطحين. وعندما فقد اللبنانيون كل شيء، انتقلوا الى المدن الساحلية باحثين عن عمل ما يمنحهم قليلًا من المال ليعيشوا. لكن وضع الساحل لم يكن أفضل من الجبل بكثير. وكان الطحين مقطوعًا عن بيروت ولكن بتقطع بالرغم أنها ليست من ضمن جبل لبنان. الخبز كان يوزع بتقنين بمعدل كيلو ونصف للعائلة مرتين بالأسبوع، وكان ينقطع بالكامل في بعض المراحل. بدأ الجوع يضرب لبنان في صيف 1915 عندما أطبق الحصاران البري والبحري على لبنان. ووصل الى حدود المجاعة في 1916 التي بلغت ذروتها في العامين 1917 و1918. واستمرت حتى تشرين الثاني 1918 عندما دخلت القوات الانكليزية الى بيروت وعملت على تحريرها من الاحتلال العثماني بعد أربعة قرون من الطغيان والانحطاط الثقافي بالرغم من بعض محاولات الاصلاح الفاشلة. وكانت أعداد المشردين في البلاد تفوق الخيال: البلد مدفن أموات وأحياء يوشكون على الموت. أشكال بشرية مكونة من هيكل عظمي مغطى بالجلد بدون أظافر ولا شعر ولا أسنان تتنقل بصعوبة باحثةً عن أي شيء تأكله.

نساء بعن شرفهن لإطعام أولادهن وإبقائهم على قيد الحياة - (يا للمعاير، يا لمرضى العقول المنحطين، 200 الف انسان ضحية مجاعة هو حلال وفخر الشرف، امراة او نساء باعوا اجسادهم هو حرام وانتقاص الشرف، رجال اشتروا اجساد نساء وباعوا اجسادهم حلال وفخر الشرف). ازدادت السرقات والإحتيالات. كان الجائع مستعدًا لأن يقتل للحصول على رغيف. بالمقابل كان الأثرياء والمحتكرون يهنأون بحياة مترفة ومرفهة. يرمون نفاياتهم للجائعين فيتهافت عليها هؤلاء بحثًا عن قشر الليمون أو فضلة أي غذاء يأكلونه. حتى وصل البعض الى حد أكل القمامة والتفتيش على حبة قمح بين روث البهائم. ولكن بالرغم من كل المحاولات كانوا يموتون على الطرقات وفي الأحراج من الجوع أو من الأمراض الي انتشرت في البلاد لانقطاع الأدوية بسبب الحصار أيضاً. فقد اللبناني مناعته بسبب ضعف جسمه وأصيب بالكوليرا والحمى الصفرا والتيفوئيد وغيرها من الأوبئة.

تحول البلد الى بيئة يسيطر عليها الموت وكانت عربات البلديات تقوم كل صباح بتجميع الجثث المنتشرة على الطرقات والمتوفين من الجوع خلال الليل في بيوتهم. فتنقلهم الى حفر جماعية وترميهم فيها وتغطيتهم بالكلس لمنع انتشار الأمراض بدل الصلاة على جثامينهم.

بعد أن امتلأت المدافن بالأعداد الهائلة من الضحايا، فقدت العادات الدينية والإجتماعية في بعض الأماكن. كيف يمكن وصف هكذا جريمة إنسانية وما أصاب الناس الجائعين من ألم وعذاب؟

استمرت هذه الحال حتى بعد استدعاء جمال باشا السفاح الى اسطنبول بطلب من الالمان الذين اختلفوا معه على طريقة إدارة الأعمال الحربية، إذ لم يستطع تسجيل أي انتصار كل هذه الفترة بل هزم في معركة اجتياح السويس وعاد منهزماً الى دمشق عندما هاجم الانكليز في بداية 1915. خلفه جمال باشا المسمى الصغير الذي كان رئيس أركان الجيش الرابع لتمييزه عن السفاح. لكن اسم الطاغية، وحتى ولو تغير الشخص، يبقى عنوان الرعب. تقدمت القوات الإنكليزية حتى طردت القوات العثمانية من بيروت والجبل. شاهدت منظرًا لا تصدقه الأعين وصف بأنه أشد مأساة من مناظر المجاعات في القرون الوسطى وتخطّى المفاهيم الإنسانية والمنطقية. هل يتخيل أحد أن اللبنانيين أكلوا مواطنين مثلهم؟ هذا حصل في طرابلس وغزير والدامور وغيرها من المناطق. ففي طرابلس اكتشفت بئر مليئة بعظام أولاد أجرى القضاء تحقيقات بينت أنهم أُكلوا. وفي الدامور أب أكل ابنته، وفي غزير وجدت جثث أولاد أيضاً بنفس الحالة. أحد أصدقاء جمال باشا السفاح قال له إن اللبنانيين جائعين، فأجابه الباشا: "لم يأكلوا بعضهم بعد".

في الحصيلة تقريبا 180000 انسان ضحية. وعند دخول الجيش الانكليزي طلب قائده إغاثة غذائية ملحة لـ 175000 شخص و835 قرية ولإيواء أكثر من 10000 يتيم وآلاف الفتيات على سبيل المثال: في البترون بقي 2000 نسمة من أصل 5000، عبدللي 150 من أصل 3000، في الزوق 7 من أصل 300.

لم تقتصر المجازر على اللبنانيين فقط، بل شملت الأشورين حوالي 300000 ضحية واليونانيين 200000 ضحية والأرمن حوالي مليون ونصف ضحية والعرب حوالي 100000 ألف ضحية.

نجا حوالي خمسين بالمئة من سكان الجبل من المجاعة والأمراض ومن عواقبها الصحية، ولكن آثارها تتابعت عبر موجات من الهجرة الكثيفة، بعد تحرير البلاد وفتح الموانئ أمام السفن.

نحن أبناء وأحفاد الناجين من هذه المجزرة. دفناها في ذاكرتنا رافضين التعمّق بها. الشعوب تفضل نسيان هذه الجرائم البشعة لأنها مؤلمة ولأنها تمسّ بكرامتها بسبب أن أجدادها عجزوا عن الدفاع عن أنفسهم وعن عائلاتهم. لكن واجبنا اليوم أن نتعمق في واقع ما حصل لأن الذين استشهدوا هم أجدادنا وأقاربنا وجيراننا. كيف لا نذكرهم بعد مئة سنة على مرور المجاعة؟ لم نبن نصبًا تذكاريًا لمئات الآلاف من ضحايا جريمة منظمة.

هل تعلّمنا؟ أم أن طبيعة الإنسان لا تتغير ونزعات السيطرة والأنانية والطمع مسيطرة عليه مما يؤدي الى الحروب والخراب؟

 
 7- المجاعة الى العلن، ارشيف الاباء اليسوعيين
 
   
من مخطوطات أرشيف الاباء اليسوعيين، 1914
 
بعض من الصفحات المنسية من تاريخ الآباء اليسوعيين واللبنانيين خلال المرحلة المأسوية، المجاعة الكبرى.
  7.1- حالات الطرد والمصادرة والنهب والتدمير
في 28 حزيران 1914، اندلعت الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها السلطنة العثمانية، فوضع ذلك حدًّا للاستقلالية، أي نظام المتصرّفية، التي كان جبل لبنان ينعم بها. وفي 5 حزيران 1915، استقال آخر متصرّف، وهو أوهانس كويومجيان باشا، من منصبه، منهيًا مرحلة من الاستقلالية امتدّت من العام 1861 إلى العام 1915.

يوم الأحد 8 تشرين الثاني 1914، أي بعد أيّام قليلة من بدء العام الدراسي، أمر قائد وعناصر الشرطة العثمانية رئيس جامعة القديس يوسف، الأب جيرار دو مارتنبريه (Gérard de Martimprey) اليسوعي، بـ"إخلاء دير [الآباء اليسوعيين] في غضون ساعتين وتسليمه المفاتيح". وكان هناك سبعون إكليريكيًّا وثلاثمئة تلميذ وستّون رجل دين، منهم من كان عجوزًا أو مقعدًا. توجّه الأب الرئيس في اليوم نفسه إلى والي بيروت في محاولة لتأجيل تنفيذ القرار لكنّ الوالي أجابه ببرودة: "أنا مستاء ممّا يحصل معكم لكن، ولحظّكم العسير، أنتم حلفاء أعدائنا التقليديين، ونحن في حالة حرب...".
 
  • في  مراسلةٍ داخليّة مؤرّخة في 9 نيسان 1914، يشدّد رئيس الإرساليّة اليسوعيّة على ضرورة تخفيف تناول اللّحوم واستبدالها بالخضار تماشيًا مع غلاء المعيشة ومع بذل الذات (mortification) كما على ضرورة حصر النفقات بما هو ضروريٌّ فقط.
  •  
  • مع امر اخلاء الدير، بعث الأب ماك كورت (Mc Court) اليسوعي، بصفته يسوعيًّا أميركيًّا والرئيس القانوني المؤقّت لجامعة القديس يوسف ، برسالة مؤثّرة وشديدة اللهجة للقنصل العام للولايات المتّحدة، وظهر فيها يأسه الكلّي حيال الاعتداء العثماني. أعلم الأب ماك كورت السلطات الأميركية بأنّ العثمانيين طردوا اليسوعيين من ديرهم في جامعة القديس يوسف وأبلغها نتائج هذا القرار:

    "إثر طردنا من ديرنا في جامعة القديس يوسف، وهو ملك للإرسالية والكرسي الرسولي، بتنا غير قادرين على الحفاظ على الممتلكات الثمينة، ومنها المكتبة ومعدّات الطباعة وأدوات الفيزياء والمتاحف وأثاث الكنيسة...
    وأعتقد أنّه من واجبي أن أعلمكم بذلك وأن أرجو إليكم أن تعلموا بذلك كلّ من يهمّه الأمر حيثما يكون ذلك مناسبًا لكي يتحمّل كلٌّ مسؤولية أفعاله".
  • بعد الاخلاء، وفي وثيقةٍ أخرى، يُخبر أحدُ الآباء كيف تَرَكَ العثمانيّون أبوابَ الجامعة مفتوحةً وغادروها عمدًا من دون إبقاء أيّ حراسةٍ أمامها. ويروي نقلاً عن أحد الجيران، كيف كان يُشاهد ليلاً إنارةً داخل الجامعة، حيث كان اللّصوص يسرحون دونما رادع.
     
  •  إحدى الوثائق تكشف، أنّ رئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت السيّد بليس (Bliss) فتح أبوابها لاستقبال الآباء اليسوعيّين المطرودين من أديرتهم. تضامنُ الأميركيّين حينها امتدّ أيضًا لإقامة مستشفى ميداني داخل حرم الجامعة لإسعاف الجرحى اللّبنانيّين، على ما تبيّن من نصّ رسالةٍ بقلم أمينة مؤسّسة الصليب الأحمر الأميركي الآنسة مارغاريت ماك غيلفري (Margaret McGilvary) تعود لكانون الثاني 1915.
  • في رسالةٍ من كاهنٌ من دير اليسوعيّين في بكفيّا، يصف حجمَ الخراب الّذي لحق بالأحراج المحيطة بالدير: 60 شجرة صنوبر وسنديان وعفص يفوق عمرها سبعين سنة تمّ قطعُها وإرسالها لاحتياجات سكّة الحديد ومطابخ الجنود العثمانيّين. وللغاية ذاتها، قُطعَت أشجار دلب وكستناء برّي وجوز. يختمُ كاتب الرسالة بالقول إنّ الأشجار المقطوعة تجاوز وزنها ثلاثين طنًا(!)
     
  • هكذا، استولى العثمانيون على المسشفيات والمؤسّسات التعليمية التي تديرها الإرساليات الأجنبية، فأُرغم أكثر من أربعمئة راهب وراهبة فرنسييين على ترك جبل لبنان وبيروت،  ، متوجّهين إلى اليونان على متن عدد من السفن، من دون أن يحملوا معهم أيًّا من ممتلكاتهم.  وكانت هذه الرسالة :

    "نحن على متن سفينة صغيرة تتّسع لخمسين شخصًا، وإذ بها تحمل نحو خمسمئة راهب وراهبة من الرهبانيات كافّة، ومنها اليسوعية والمريمية واللعازارية والدومنيكان والكبوشيين والفرنسيسكانيين... كانت الرحلة مروّعة والتكلفة أيضًا... لم تكد السفينة تبحر من مرفأ بيروت حتّى صدحت الأفواه والقلوب كلّها بالسلام الملائكي. كانت مريم قد أنقذت أولادها من همجية الأتراك والألمان".
     
  • وفي 22 شباط 1916، سلّم الرئيس الإقليمي للرهبانية اليسوعية، الأب كلود شانتور (Claude Chanteur) اليسوعي، نسخة عن جردة ممتلكات اليسوعيين في لبنان إلى الأباتي سيرافيم لاجييه (Séraphin Lagier) ليسلّم الوثيقة بدوره إلى وزارة الخارجية الفرنسية. فكانت وثيقة مخطوطة تفصّل "ممتلكات اليسوعيين" التي أوكلت إلى عائلتي تابت وصفير، وهما عائلتان تعيشان بالقرب من الدير الأم للرهبانية اليسوعية في بيروت. شملت اللائحة أمتعة الآباء ومصابيح وكؤوس قربان وكتبًا وسجادات وثيابًا كهنوتية وأزياء رسمية وشراشف... وكلّها أشياء تدخل في صلب "إرث" الإرسالية اليسوعية أُخفيت عند الجيران لأنّ منازلهم كانت أقلّ عرضة للتفتيش العثماني.
 كان اليسوعيون قد وصلوا إلى حالة مزرية للغاية في آب 1916. فقد احتلّ الهلال الأحمر العثماني و"الدفاع المدني" جامعة القديس يوسف، وأخذوا أغراض المنامة والأثاث. أُقفلت كنيسة القديس يوسف اليسوعية، وقيل إنّ إحدى الكنائس حُوّلت إلى مسجد، في حين أُرسل قسم كبير من مخطوطات المكتبة الشرقية إلى إسطنبول.

احتلّت كلّية الطب العثمانية في دمشق مبنى كلّية الطب، حيث حُوّلت الكنيسة إلى مسجد. كما سُرقت آلات المطبعة الشرقية ومعدّاتها، وصودرت المؤن كافّة التي كانت مخبّأة في بيروت. تخبرنا الرسائل أيضًا بأنّ مهندسًا زراعيًّا ألمانيًّا، وهو حليف العثمانيين، باع بالمزاد العلني وبنصف ثمن كلّ ما كان موجودًا في بكفيا وتعنايل وكسارة. تجدر الإشارة إلى أنّ الآباء اليسوعيين (الفرنسيين) تركوا ملكهم في تعنايل تحت وطأة التهديد وتوجّهوا إلى كسارة التي كانت تابعة إداريًّا لجبل لبنان.  

على سبيل المثال، تعرّض دير تعنايل إلى النهب والتخريب والحرق. بعد هجر ممتلكات تعنايل، استفاد الأتراك، إذ قطعوا أشجار الدردار فيها كافّة، علمًا بأنّ الطلب كان مرتفعًا على خشب الدردار لتصنيع عجلات حاملات مدافع الجيش العثماني.

أمّا في كسارة، فقد دُمّر المرصد والأقبية بالكامل، ولم تعد المكتبة موجودة. وكذلك في غازير وبكفيا حيث تعرّضت الأديرة إلى أضرار كبيرة، حتّى إنّ العثمانيين أخذوا الأبواب والنوافذ. وفي حمص وحلب، "اختفى كلّ شيء إلاّ جدران الأديرة".

الأمر نفسه حصل في مدرسة مار يوسف عينطورة للآباء اللعازاريين: "كنيستنا، كنيستنا الجميلة، حوّلت إلى مطبخ، وأشعلت المواقد على الطريقة العربية على المذابح. وفي ذلك همجية غير مبرّرة، إذ إنّ المدرسة تضمّ مطبخًا رائعًا قادرًا على إطعام ستّمئة شخص. يختبئ زملائي في الجبل حيث يتضوّرون جوعًا".
 
  7.2- المشانق والتحقير
كذلك، يظهر أرشيف الآباء اليسوعيين أنّ عددًا من الوجهاء أُعدموا شنقًا نظرًا لمشاعرهم المحبّة لفرنسا. ففي بيروت على سبيل المثال، أُعدم جوزف بشارة الهاني وفيليب وفريد الخازن شنقًا أمام عامة الشعب، فقابلوا الموت "بشجاعة متمّمين واجباتهم الدينية المسيحية، بعد أن اقتبلوا الأسرار على يد أحد الكهنة المارونيين". والأمر نفسه ينطبق على أحمد طبّارة الذي كان مالكًا إحدى الصحف.

وفي دمشق، أُعدم عبد الوهاب الإنكليزي وميشال باشا مطران، إذ اعتُبرا خائنين للأمّة العثمانية، فتمّ جرّهما على متن عربة، بعد أن جُلدا بالسياط وغطّاهما التفل والنفايات. هذا ونُفي كافّة المترجمين الرسميين المعتمدين لدى القنصليات في حلب ودمشق وطرابلس، ومنهم إسبر شقير المعتمد لدى السفارة الإنكليزية في بيروت، وعزيز فياني المعتمد لدى السفارة الروسية في بيروت.

في 22 اذار اقتيد كاهن سن الفيل في لبنان الاب يوسف الحايك .
وفي 21 آب تم شنق احد عشر معتقلا من جميع الطوائف فكانت الدفعة الاولى من شهداء الاستقلال وقد صدرت احكام  اخرى بالاعدام غيابيا
 وفي 6 ايار 1916 اقتيد واحد وعشرون اخرون الى حبال المشانق بتهمة العمل ضد وحدة السلطنة . واعقب ذلك نفي حوالي ثلاثمئة عائلة من سوريا وفلسطين ولبنان الى اسية التركية.ثم نفذّت احكام باعدام الاخوين فيليب وفريد الخازن ويوسف الهاني  
 سنة 1916 واندلعت الثورة العربية على اثر اعدامات بيروت ودمشق في حزيران 1916. وبين هذين التاريخين كان لبنان يحتضر جوعا بعدما كان قد رزح تحت عبء الارهاب

"تعرّض البطاركة الموارنة المقيمون في الديمان والبطريرك السوري للاستجواب والإهانة مرّات عدّة أمام المحكمة العرفية. ونُفي الأسقف الماروني المونسينيور شبلي، وأصدرت المحكمة العرفية في عاليه حكمًا بإعدامه. هذا وقضى أسقف الجزيرة السوري و34 كاهنًا كاثوليكيًّا في مجزرة ارتُكبت في العام 1915...".
 
من الارشيف، بعض الاباء اليسوعيين
 7.3- المجاعة والمآسي والأوبئة
تظهر يوميات اليسوعيين خلال الحرب (1914-1918) أنّ الخبز كان نادرًا، وغالبًا ما كان غير متوفر البتّة. أكّد البطريرك الماروني الياس الحويك في مذكّراته، أنّ لبنان "فقد خلال الحرب العالمية الأولى أكثر من ثلث سكّانه نتيجة المجاعة التي تعمّد العدو إحداثها".
اما الواقع، كانت الحسابات السياسية العثمانية تهدف إلى إضعاف المسيحيين بشكل عام واللبنانيين بشكل خاص عبر تجويعهم عوضًا عن ارتكاب المجازر بحقّهم كما حصل في أرمينيا. ومن ذلك:
  • وفي 26 تشرين الأول 1916، صدر قانون جديد يتضمّن دعوة عامة للخدمة العسكرية، حتّى للذين سدّدوا "بدل العسكرية"، ما سمح باستخدام القوّة لتجنيد الأشخاص الذين بلغوا سنّ الخدمة العسكرية لمحاربة الحلفاء.
     
  • تحوّلت بيروت إلى مدينة "المشرفين على الموت". ووحدهم الأميركيون القاطنون في بيروت، نظّموا بعض الأعمال لإغاثة المتضوّرين جوعًا، لكن سرعان ما منعهم الأتراك من ذلك، خوفًا من تعلّق الشعب بالغربيين.
  • وفي مقطع من رسالة الأب كاتان (Cattin) اليسوعي بتاريخ 18 أيلول 1916، ورد: "نعاني من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص المال. هذا وشُنق الأب ميزاريي (Mezarey)، وهو أمين سرّ المونسينيور دوماني".
     
  • ويروي السيد سارلوت (Sarloutte)، رئيس مدرسة عينطورة اللعازارية، المأساة نفسها في رسالة بتاريخ 7 أيلول 1916: "لا تزال المجاعة الممنهجة تفعل فعلها. يبيع الأتراك رطل الطحين باثني عشر فرنكًا لكن إن قرّر أحد شراءه، يستشعر الأتراك توفر المال على الفور فيطلبون ثلاثين فرنكًا... احتلّ ضبّاط أتراك المدرسة التي باتت مكان سكن ثلاثمئة طفل أرمني قتل الأتراك ذويهم في المجازر وحُوّلوا إلى أتراك بالقوّة".
     
  • ومن الحقائق الفريدة المحزنة والرائعة أحيانًا، ما وثقه اليسوعيون في رسائل الى السفراء وقناصل الدول الصديقة مثل اميركا وفرنسا، واخرى بين  الآباء مع بعضهم واديرتهم. فكانوا سجلا تاريخيا دونوا فيه للاجيال مرحلة دراماتيكية من العنف والمخاطر تكبّدها اللبنانيون:
    • منها ما تروي بعض الاحداث اليومية التي تعرض لها اليسوعين من اعمال الطرد والتهويل والتهديد، الى سرقة الاديرة والمدارس والجامعة وكلياتها، الى تخريب معمل تعنايل وحرقه، الى نهب معمل النبيذ في كسارة، وغيرها من الاحداث الاليمة ... ويطلبون المساعدة لانقاذ ما يمكن انقاذه.

    • اخرى، تسلط الضوء على الصعوبات الحياتية التي عاشها اللبنانيون خلال الحرب العالمية الاولى، “كان الخبز نادرا، لا بل غير متوفر في معظم الاحيان”.

    • وباخرى تقول “صودر كل شيء، من أحصنة وبهائم وجمال، ابتداء من 11 آب 1914، حتى ان السكك الحديد صودرت، وحصر استخدامها بالنقل العسكري العثماني. ونظرا الى عدم توفر الفحم الحجري، استخدم خشب التوت واشجار الغابات اللبنانية كوقود للقاطرات”.

    • واتى في رسالة اخرى ” كان الناس يموتون جوعا على الطرقات في بيروت. وفي ايار 1916، بلغ العجز في تربية دودة القز 85%، و 50% في المصارف، في حين ارتفعت الفائدة على الدين الى 40 و50 وحتى 100%”.

    • ويشير احد الآباء في مذكراته الى ان ” الخبز يصنع بمياه البحر في بيروت”.

    • ويروي آخر ان ” الذين الذين لا يملكون اي موارد او ثروات او مؤن، يموتون جوعا لا محالة. وفي بداية صيف العام 1916 كان 40 ألف شخص على الاقل الى 60 الفاً قد قضوا من الجوع”.

    • ويذكر رئيس جامعة القديس يوسف الاب جيرار دومارتنبريه، كيف امره “قائد وعناصر الشرطة العثمانية، في 8 تشرين الثاني 1914، اي بعد ايام قليلة من من بدء العام الدراسي، باخلاء دير الاباء اليسوعيين في غضون ساعتين وتسليمه المفاتيح، وكان هناك 70 اكليريكيا و300 تلميذ و60 رجل دين، منهم من كان عجوزا ومقعدا. وتوجهت في اليوم نفسه الى والي بيروت في محاولة لتأجيل تنفيذ القرار، فأجابني ببرودة: “انا مستاء مما يحصل معكم، لكن ولحظكم العسير، انتم حلفاء اعدائنا التقليديين، ونحن في حالة حرب”.

    • ومن ضمن الرسائل وثيقة لافت من الديبلوماسي الفرنسي جورج بيكو يعلن فيها، قبيل انتهاء الحرب، ان “العلم الفرنسي سيرفرف قريبا على بيروت”.

    • ناهيك عن الرسائل، صور نادرة بالابيض والاسود تظهر مجموعات من الاطفال والمسنين والايتام والنساء والرجال الذين لجأوا الى اديرة اليسوعيين في تلك السنوات، واخرى تبين مشاهد التشرد والتهجير، وواحدة نادرة لحشرة الجراد التي اكلت الاخضر واليابس وتسببت بالمجاعة في تلك الحقبة.

  وهذا خير مثال لشعار اليسوعيين النبيل، "المحبّة والخدمة".
 
 8- ذاكرة الحرب العظمى، المجاعة أم حبل المشنقة؟
من يتذكّر حادثة المجاعة الكبرى؟
هل من لبناني يستطيع أن يحدّد لنا بدقّة عدد ضحايا المجاعة بين عامي 1915 و1918؟
أكان ينبغي أن ننتظر ليندا شاتكوفسكي شيلشر لندرك أنّ هذه الكارثة حصدت مئتي ألف قتيل في جبل لبنان في عهد المتصرفيّة؟

اندرك أنّ ذكرى هذا الجوع المُهلِك قد حُجِب، رغم أنّ جزءاً من الرأي العام ما زال يُحمِّل جمال باشا مسؤولية المصائب كلها.
لمَ هذا الصمت المتحيّز حيال الناس الذين ماتوا جوعاً، فيما تحيي البلاد كل عام، في 6 أيار/ مايو، ذكرى الشهداء الذين انتهى بهم المطاف على حبل المشنقة؟

لعل ما صاغه جمال باشا في مذكّراته من تبرئة نفس من الاتهامات الموجّهة ضدّه. وتجنبه الكلام في المجاعة وفي قتلاها المئتي ألف في جبل لبنان، لانها بمفهومه محض خيال. فخدر دجله اللبنانيين المسيحيين، فحجب الناس من اذهانهم هذه الحقبة لشعورهم
 بالخجل والذنب منها،
  8.1- بين الأربعين والمئتي الف
ليس جمال باشا الوحيد الذي غَفَلَ عن ذكر ضحايا شهداء المجاعة. بل يبدو أنّ لبنان حذا حذوه مع نهاية العشرينيات، لاسباب ما .
هل للدبلوماسية اطار الزم  البطريرك الماروني إلياس الحويّك بعدم تخطيه في مذكّرته الى مؤتمر السلام في تشرين الأول/ أكتوبر 1919، بحجّة المجاعة المدمّرة دافع عن جبل لبنان موسّع؛ فإذ ضمت أراضي البقاع الخصبة من شأنه تأمين الحاجات الغذائية للبلاد وحمايتها من البؤس.
وهل جمال باشا تلطى وراء البطريرك لستر جريمة المجاعة، حين قال البطريرك: أنّ جبل لبنان فَقَدَ خلال سنيّ الحرب «أكثر من ثلث سكّانه» إثر مجاعة «نظّمها العدو».

وبتعداد ضحايا المجاعة القاتلة، نادراً ما لقِيتْ نسبة الثلث التي قدّمها البطريرك الحويّك معارضة صادرة عن قناعة قوية، وقد تأرجحت الأرقام بحسب المؤلفين ما بين مئة ألف ومئة وثمانين ألف قتيل.
الى ان كان حديثا، دراسة لليندا شاتكوفسكي شيلشر، موسّعة شملت مصادر ألمانية ونمساويّة، توصّلت فيها الى  خلاصة مفادها أنّه من أصل خمسمئة ألف شخص قضوا بسبب الجوع وسوء التغذية في سورية الطبيعية، بينما في المناطق الشمالية من جبل لبنان تعُد مئتي ألف ضحية. إنّه عددٌ ضخم بالنسبة إلى مساحة جغرافيّة صغيرة جداً، مُقارَنة بـ «مجاعة البطاطس» التي اجتاحت ايرلندا في القرن التاسع عشر.
وفي ما يتعلق بمسألة معرفة ما إذا كانت هذه المجاعة مدبّرة من قبل العثمانيين كما اعتقد البعض أو ادعى، ترُدّ هذه الكاتبة بالنفي. وتعتبر ليندا شاتكوفسكي شيلشر أنّ ثمة عوامل عدّة أدّت إلى هذا الوضع المأساوي، من بينها الحصار البحري الذي فرضته أساطيل الحلفاء على البحر الأبيض المتوسط والحصار الغذائي في جبل لبنان الذي فرضه جمال باشا.

وغاب عن البال، ان الحكم العثماني كان المسؤول عن شعب جبل لبنان، اي المتصرفية.  وبتصرفه لم يبرر تاثيره المدمر الذي بلغته المجاعة نتيجة:

  • فرض حصارٍ غذائي على منطقة معيّنة، لا تؤمّن لها تضاريسها الجبلية في الأحوال العاديّة سوى مؤنة بضعة أشهر في السنة. اليس هذا كان حكماً بالموت البطيء على شعبٍ، كنت يا عثماني نتحمّل مسؤوليته. انهً لدليلً على الامبالاة والإهمال الجنائيين
  • واقامة مراكز عسكريّة على حدود جبل لبنان لمنع وصول المواد الغذائيّة ومصادرة السلع المخصصة لهذه المنطقة. كل هذا هو لسوال، لماذا اتخذ جمال باشا هذا التدبير؟ لا شك انهلغاية جرمية.
  • ومصادرت العثمانيون القمح والمواشي من البيوت
  • وبتلطي بحصار الحلفاء البحري غاب عن بال هولاء أن "القمح يصل إلى الجبل عن طريق البر من البقاع وسوريا وليس من طريق البحر، وإذا كان الحصار البحري هو السبب فلماذا صادروا القمح من البيوت ومنعوا إدخاله إلى الجبل؟".
 صحيح ان دراسة ليندا شانكوفسكي، كانت مسهبة عن العلاقات العربيّة التركيّة وصوبت تقريبا تعداد ضحايا شعب جبل لبنان، لكن المستغرب أنّها لم تذكرٍ أبداً الحصار الذي فرضه جمال. بل ركزة ان المجاعة هي نتيجة الحصار البحري الذي فرضه الحلفاء.
ويبقى الجدال مفتوحاً. وطُرِح السؤال ليس بشكل العبارات التالية: مَن المسؤول عن المجاعة، الحلفاء الذين من خلال حصارهم البحري منعوا وصول سفينتي أغذية تم استئجارهما في الأميركيتين، أو جمال باشا الذي فرض عزلة على جبل لبنان؟
فتحديد المسؤوليّة الجزئيّة لأحد الأطراف من شأنه عدم التخفيف من مسؤولية الطرف الآخر وحسب، إنما والأكثر من ذلك، عدم تحميله أي مسؤولية.

 لكن مع العوامل المستجدة، تردّي الوضعٍ تفاقم يوماً بعد يوم. فاصبح الهدف ليس في  تحديد المسؤوليات بقدر ما هو متابعة وتسجيل تداعيات هذه الكارثة البشريّة وصداها على مستوى الخطابات والعقليّات في فترة ما بعد الحرب.

لكن تبقى الحقيقة هي هي:
"ان ما قام به العثمانيون كان هدفه إبادة المسيحيين في الجبل، تماماً كالإبادات التي ارتكبوها بحق السريان والآشوريين والأرمن. لهذا يستحق هؤلاء الضحايا الشهداء منا تكريم ذكراهم"
 
 8.2-  في الاسباب ...؟
ناسف لاننا اناس نشرع ما هو لا حلال تحت الطاولة، اما ما هو حلال فوق الطاولة ففيه نظر.
فنقول ونروج ان الطبقة الشعبيّة في أذهانها أمنية واحدة: نسيان هذه ا
المجاعة، او القول: التضامن مفقود في معظم الأحيان، وثمة ذكرياتٌ سيّئة في الذاكرة البشريّة لا بدّ من القضاء عليها.
او نتسلح بالفروقات الصغيرة لنبني الخلافات وتعميقها.
فالمجاعة نتيجة فرض، وما يفرض على الانسان هو براء من نتيجته وليفهم الجميع:
  •  ان الانسان بولدته يكون فقط بارادة الله الذي سمح بذلك. فلا ممشروعية لا لقوة هذا الانسان او ذاك، فلا الطاغية ولا المستعمر ولا الرئيس ولا الزعيم ولا مسؤول اي طائفة او ما شابه او اختلف، له الحق بابادة وقتل حتى تعذيب اي انسان.
    وعلى الانسان ان يحترم الانسان الاخر، من كان قريبا او بعيد، حتى ولو اختلف فكرهما. فلا لهذا الحق بالاعنداء على ذاك والعكس صحيح. كما من واجب الانسان ان يحترم القوانيين، التي عليها ان تكون عادلة ومنصفة له وللغير، لانها مولجة بادارة حياته وحياة الاخرين.
    سيقال انه كلام طوباوي. لكن ليعلم الجميع انه عندما تختل الحقوق وتحصل المظالم من اي جهة اتت، للانسان ليس الحق فقط بل من واجبه، لانه يعيش في جماعة، الدفاع الملزم عن نفسه وعن هذه المجموعة ضمن اطار الاخلاق، فما اريده لنفسي حق لنفس الاخرين. 
    لكن خلاف ذاك الحق، لا قوة بمقدورها لن تصنفني بحلال اوغير حلال. لانها هي نفسها غير حلال، لان ما ساتخذه من قرار هو من حقي. فالحقوق هي من حقيقة الحق 
     
  • في المجاعة ولا للبكاء، العثماني تسلط على لبنان اكثر من 400 سنة، صحيح احيانا ان خبثه كان مستترا، لكن دائما وابدا كان مجرما سفاحا. كان يجب على المقاومة او ما شابه ان لا تعرف الخنوع. فالسفاح الاول في اي جماعة هو ابنها العميل، فاذا رفض هذا العميل اصلاح نفسه، سيكون مستقبلا الشر الذي سيبيد الجماعة كلها. لذا وبحق على الجماعة او المقاومة ان تاخذ الحذر منه حتى لو ابادته، بغض النظر ما سيقوله رجل الدين هذا او شريعته او غيرها. لان الظرف استثنائي والدفاع عن الجماعة امر مقدس.
    صحيح للمراجع الدينية دور مهم في ابلاغ الرعية بالمخاطر المحيطة، لانهم على اطلاع وتواصل مستمر مع اهل الشان. لكن للاسف كانت هذه المراجع تتواطى مع القيادات من اهل البيت والحكام ، لغاية ما او لضعف او لتحليل اعتباطي. فموائدهم دائما غنية بهدايا اهل الشان.
     ما للجراد الذي غزا لبنان، كيف ولماذا وما تبعه فهو قد حصل، افلم يكن ضروري ان يعلم من يجهل، بضرورة تحدي الجراد هذا وذاك باكل الجراد، سلقا او شويا، لكانوا صمدوا.
    بمصادرة القمح والمواشي من البيوت، لم تحصل المصادرة الا عبر او بواسطة عملاء لبنانيين للعثماني، كان الحق يخول اصحاب الملك بمنع هولاء حتى القتل بالسلاح الابيض، ولا جريمة هنا تحتسب. وبهذا لكانت نشات مقاومة ارهبة اولا العميل اللبناني والسفاح العثماني
    المواشي، لماذا اصحاب الملك لم يذبحوا مواشيهم بجملتها، ووزعوها في ما بينهم في الجماعة، وقددوها كما كانت عادتهم في حفظ اللحوم. لكانوا صمدوا
    حيوانات النقل من حمير وما شابه، كان على اصحاب الملك بسبب التكرروالخسائر بنتيجتها ان يطلقونها في الاحراش او يذبحونها ويقددوها لكلابهم وهررتهم
    مصادرة خشب الاحراش وخشب شجر التوت، لا شك ان القطع والنقل كان من باب السخرة، اما المشرفون المباشرون كانوا لبنانيين عملاء للعثمانيين. بضربة فاس لاردوهم قتلى وحاميتهم العثمانية. اما هذا الواقع، فبدل ان ينفذ الانسان الاوامر فليرفضها باي طريقة. فلا جريمة لحق الدفاع عن النفس او الجماعة .
     
  • للاسف للتبرير والحجج، يقال: كان من شأن استعادة الازدهار والأمن أن تحجب بعض الامور التي لا يمكن الاعتراف بها، وكان التضامن مفقوداً في معظم الأحيان.
    فميئتي الف ضحية يشرية بجريمة جوع من العثمانببن او غيرهم هو حرام بنظر المسلم. بينما على المسيحي ان يجاري المسلم بزواجه من اربعة، وان يتكفل المسيحي تربية اولاد المسلم من حسابه، وان يعتدي المسلم على حقوق المسيحي لانه ديموغرافيا اصبح تعداده اكبر. نقول للشريك الاخر اننا نعيش في بلد تعددي، فحقوقي هي من حقوقك والعكس صحيح، فاذا كان تعدادك الواقعي مليون فان تعدادك القانوني هو 250 الف، ان رضيت او رفضت. فالحرام عليك هو حرام عليا والحلال عليك هو حلال عليا. والحل امامك اما الانفصال، او ان تبيدني او ان ترحل حيث تريد. ومن جديد اعلمك انني مستعد دائما ان تكون شريكي وبالحق.   
    ذكرياتٌ سيّئة، قصص قديمة للقرية اللبنانيّة:
    • كيف أنّ الجار استفاد من ضيق حال جاره ليشتري منه قطعة أرضٍ بأبخس الأسعار. السوال هل برضاك بعت او لا؟ لماذا امام جشع جارك برضاك استسلمت، فشاركت جارك جشعه فتعدى على اخرين؟ لماذا جاريت جارك الجشع، اانت مثله، لماذا لم تادب جارك الجشع وبالقوة لبكون عبرة في الجماعة.
      قصة هذه الشائعةٍ كسابقتها، عن رفض البعض إعطاء لقمة الخبز الأخيرة إلى الصديق الذي يموت من الجوع، من أجل الاحتفاظ بها لأفراد أسرته. لماذا لم تتصرف يومها؟

    • كلام او عتب قيل: في المناطق الريفيّة والقبليّة، بحسب قانون الصمت طمس وقائع معيّنة؛ ما كنا سنهزأ بالفتيات اللواتي اضطررن إلى ترك منازلهنّ بحثاً عن عملٍ خارج النطاق العائلي، أو النساء اللواتي قدّمن ربما خدماتٍ جنسيّة مقابل بقائهنّ على قيد الحياة. الم يكن افضل ان يبكام القائل اولا واخرا، هل جريمة المجاعة كانت صنيعة هولاء الفتيات، هل الجريمة ان يكافح الانسان للبقاء على الحياة؟ اين كانت جماعة القوالين هؤلاء، لم تحتضن هؤلاء الفتياةت وتسترهم؟ فما قاموا به هو حلال كليا، فالافضل لك الشرائع ان تصمت لانه لا حق لهم للادانة، ففي زمن البطون الخاوية كانت بطون غالبية حماة الشرائع منتفيخة من الطعام

    • للهروب الى الامام، يرمي الانسان بعض الالفظ الرنانة، كدافع من الحب الخالص، سنتجنّب الحديث عمن يخصوننا في محيطنا، أو من قضوا معدمين، أو من تسوّل للبقاء على قيد الحياة. كان هؤلاء برضاهم تم ذلك.
      وللاضافة تتمة،
      ان استذكار شهداء المجاعة ولو متاخرا من واجبنا، ان قبل هذا او ذاك، دولة او شريك، دجالين اومحتكرين. فالمجاعة كانت جريمة سطرها التاريخ، فحقيقتها تنجلي يوم بعد يوم، فمن ارتكبها ومن كان ضحيتها انتقل لعند ربه، حيث هناك حصاد ما زرعوا. صحيح ان قسما كبيرا من الناجيين من المجاعة كانوا من اصحاب الجشع والاحتكار. اما كيف غدوا مع استتباب السلام، فالامر يخصهم، فالله ادرى ما في النفوس.

    انسان، شكل من اثار المجاعة
  • الدولة اللبنانيّة، الذاكرة الوطنيّة، صمت السلطات، المناطق الشماليّة، شاتكوفسكي شيلشر، اكثريّتهم الساحقة من المسيحيين، الكارثة لم تلحق الأذى بالنسبة نفسها بمكوّنات المجتمع كافة في البلاد. جميعها تركيبات مفردية للتعمية والتعتيم على جوهر تتابع الاحداث، ولاختباء الباحثين والمحللين والراويين والمستفيدين في زواريب جريمة المجاعة.
    فغالبية المئتي ألف ضحية المجاعة هم من الابرياء فقراء ومتوسطي الحال، اطفالا ونساءا ورجالا، شهامتهم كانت براءة اخلاقهم التي جردتهم حتى من مشروعية الدفاع عن الحياة. باسم الاخلاق جاروا سلطنة سفاحة قهرتهم وعملاء لبنانيين جشعيين ومحتكرين.
    بالرغم من الوضوح بالمعطيات يوارب بعض البحاثة لمقارنة احداث باحداث وانسان بانسا. في وقت ان جوهر المسيحية هي المحبة فيما جوهر الاسلام واليهودية هي شريعة السن بالسن والعين بالعين. فلا المقارنات بين الجماعات الاثنية ومجتماعاتها ومعايرها تودي الى نتيجة، لان مفاهيم الحياة وحريتها مختلفة كثيرا ومتناقدة جدا.
    الحقيقة الوحيدة هو ان جمال باشا فرض حصارا غذائيا اجرامي ومصادرات وضرائب غير محدودة على المنطقة المسيحية من جبل لبنان ، عكس المناطق الاخرى من درزية او شيعية او سنية.
    فكاتب شيعي ،شيخ يقول: ان قريته جبشيت، عرفت موت بعض الأشخاص نتيجة سوء التغذية. في حين روى كاتب ماروني عن مقبرة جماعيّة في زغرتا، قرية مارونيّة، حيث دُفن ثلاثة آلاف وثمانمئة شخص ممن ماتوا جوعاً
    ناهيك عن صراع غبي بين المسيحية
    البروتستانتية الحديثة في لبنان، المدعومة من الانكليز والولايات المتحدة الاميركية، التي فشلت لصعوبة تبشير المسلمين فاتحولت للتبشير في المنطقة المارونية فصدتها الكنيسة المارونية. هذا الغباء المسيحي استثمره داعمي البروتستانتية بمكائد استغلها العثمانيين لمضاعفة حقدهم على المناطق المسيحية.
     
  • من احصائيات المجاعة، قيل إنّ التجمّع المسيحي في البترون قد تراجع من خمسة آلاف شخص إلى ألفي شخص،
    في حين أنّ عدد سكان حصرايل، وهي قرية مارونية، لم يكن يتجاوز في نهاية الحرب الستين شخصاً، إذ إنّها خسرت مئة وعشرين شخصاً نتيجة المجاعة،
    ومن هول الكارثة، يخبرنا شاهد عيان كيف اجتاح المساكين (المسيحيون) من قرى الجبل مدينته طرابلس، وكيف كانوا يموتون جوعاً فيُنقلون جثثاً هامدة من على حافة الطرقات
     
  • مرّة أخرى، عانت المناطق جبل لبنان كلها والمجاورة من المجاعة، لكن ثمة فرقاً بين عدم الأكل حتى الشبع كل يوم والمعاناة من سوء التغذية، وبين الموت جوعاً بالعشرات وتكبّد خسارة مئتي ألف شخص في جبل لبنان من اصل 496 ألف انسان

  8.3- في التصوّرات ...
للاسف في التحليل، ما فاتنا اننا نخلط الابوات بالسماوات للارضاء والمسايرة. فتغيب الحقيقة الساطعة، ويصار التلهي بالقشور. وكانسان مسيحي هو دوري ان احترم الاخر، مهما كان . اما كيف الاخر يتصرف فهو شانه ونموه.
الجوهر هنا، هل كان هناك مجاعة في جبل لبنان وخصوصا المناطق المسيحية؟
هل حاصر الحلفاء من البحر؟
هل العثمانيين ممثلين بجمال باشا حاصروا البر حتى الخنق التام، وصادروا الاطباء والشباب باسم المجهود الحربي سخرتا وتجنيدا اجباريا، وصادروا الغلال وحيوانات النقل وقسم من الحيوانات الاليفة والخشب حت التوت منه؟
هل المانيا والنمسا اشترتا، برضى ورعاية العثمانيين، غالبية موارد بلاد الشام حتى القمح وباسعار مرتفعة، عبر تجار جشعين ومحتكرين ؟
هل الجراد غزا لبنان 1915،ودمره؟
هل اصاب جبل لبنان 1916 الجفاف؟
هل عدد من الامراض فتكت بلبنان وخصوصا جبل لبنان المسيحي
هل المجاعة ابادة 200 الف انسان اي ثلث الشعي، اقل او اكثر في جبل لبنان المسيحي من اصل 500 الف انسان في جبل لبنان؟
هل هاجر ثلث شعب جبل لبنان، اقل او اكثر، بالغالبية مسيحيين؟
وغيرها، تحت نظر وحكم ومسؤولية العثماني،مهما تذرع وتحجج.
 بالعودة الى الطوائف هذه الجريمة الماسات وقعت. فالمبالات ولا مبالات، وصم الاذان وعدمه، امر يخصكم ايجابا او سلبا والحقيقة هي للتاريخ. فمن يريد ان يبني او يدمر هذا يخصه.
وللمتابعة الاستعراضية كان هذا: 
  • شكّلت المجاعة موضوعاً رئيسياً في الخطاب الماروني بشكلٍ خاص في أعقاب الحرب العظمى، الى ان غيبها النسيان لغاية ...
  • لم تمنح الطوائف الأخرى مسألة المجاعة «الأولويّة» نفسها
     
  • منذ عام 1860، اتُهِمَت السلطات التركية بتجويع اللبنانيين من أجل إخضاعهم. كذلك، لم تتوانَ صحف الحلفاء، لاسيما الفرنسية منها، عن التشديد على مسؤولية جمال باشا عن ذلك، مما دفع هذا الأخير إلى مطالبة السلطات الدينيّة المارونيّة برسائل إنكار رسميّة. وقد استدعى جمال أحد الأساقفة وسأله إن كان يُعتبَر مسؤولاً عن غزوات الجراد عام 1915 أو عن الجفاف عام 1916 لتتهمه الصحافة الفرنسيّة بتجويع المسيحيين.
    وتبلور السؤال مبكرا: هل ينبع الحصار من رغبة جمال باشا المتعمّدة في تجويع المسيحيين
    ؟
  • صحافة الحلفاء نشرت كلامٍا غير موثوق لأنور باشا أثناء مروره بسورية في شباط/ فبراير عام 1916 ومفاده: «ينبغي تنظيف الإمبراطورية من الأرمن واللبنانيين. قضينا على الأرمن بحد السيف، وسندمّر اللبنانيين من خلال المجاعة»
     
  • كتب جبران خليل جبران، من الولايات المتحدة، إلى ماري هاسكل : «أبناء شعبي، أبناء جبل لبنان، يموتون من خلال مجاعة دبّرتها الحكومة التركيّة. قضى 80 ألف شخص حتى الآن. ويموت الآلاف كل يوم. الأشياء نفسها التي حدثت في أرمينيا تحدث في سورية. وبما أنّ جبل لبنان منطقة مسيحيّة، فهي تعاني أشد معاناة»
  • كلام البطريرك الحويّك في مؤتمر السلام في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1919 أنّ المجاعة كانت «مدبّرة من قبل العدو»
  • إدمون ربّاط بقول: «إنّ مجاعة منشودة، منفَّذة بشكلٍ منهجي، عزلَت بيروت ولبنان، المنطقتين اللتين تحوم الشبهات حولهما أكثر من غيرهما، عن باقي سورية، فأهلكت ثلث السكان وهجّرت قرى بأكملها»
  • جورج أنطونيوس، عن تورط جمال باشا ذي النوايا الخبيثة، بالقول: «هنا يكمن دافع متعمّد ألا وهو الثأر...»
  • ناهيك، عن الانتاجٌ الأدبي الضخم المهم للكتّاب المسيحيون، غداة الحرب وفي مرحلة لاحقة، المتمثل في المجاعة، من مقالات صحافية، ودراسات منفردة، وروايات، وحكايات من السيرة الذاتية، والمراثي، والعروض المسرحيّة، وما إلى هناك.
     
  • سليم علي سلام، وجيهٌ سني من بيروت،  تكلم عن جو الرعب الذي كان سائداً في عهد جمال باشا، وعن ضحايا شهداء المجاعة وعن مئات المعدمين الذين اجتاحوا شوارع هذه المدينة وهم يصرخون «جوعان»
  • شخصيّة بيروتيّة أخرى، كانت شاهد عيان على الأحداث، شاركت متأخرة بمعاناة الجائعين، وإن كانت تعتقد أنّ هذه المجاعة مدبّرة، نقلت إلينا الذكريات المثيرة للشفقة عن مرورها في الجبل اللبناني. وأسهبت في حديثٍ مطوّل عن عمليات الإعدام التي حصلت علانية.
     
  • كذلك من المثير للاهتمام التوقف عند تاريخ جبل عامل، فهي منطقة شيعيّة متاخمة لجبل لبنان كما ذُكِر آنفاً.
  • معظم كتّاب منطقة جبل عامل الشيعية المتاخمة لجبل لبنان، تطرقوا إلى الويلات التي سببتها المجاعة العامة، وكل المشكلة هي من مخلّفاتها والاضرار الجانبيةً ناجمةً عنها
  • فالشيخ علي الزين من جبل عامل، اسهب في الحديث عن جو التآمر، والوشاية، والرعب في عهد جمال باشا، ولم يأتي أبداً على ذكر المجاعة في كتابه.لكن اعترف في حديثٍ لاحق بأنّ بعض الأشخاص في قريته جبشيت ماتوا جوعاً.
  • فالشيخ سليمان ضاهر من جبل عامل، اعطى الأحداث حجمها، وأسف على ضحايا المجاعة، وحمّل السلطات التركية مسؤولية هذا البؤس لأنّها منعت التداول الحر للمواد الغذائيّة
خلاصة:
الكتّاب المسيحيين وحدهم، وإن لم يكونوا دائماً في الخندق السياسي نفسه، هم الذين اتهموا العثمانيين بالتخطيط لهذه المجاعة،
اما الكتّاب من الطوائف الأخر بشكلٍ عام، هم الذين سعوا منذ البداية إلى تبرئة الأتراك أو التخفيف من مسؤوليتهم.
 فلم يلقَ موضوع المجاعة صدى، في المجتمع المسلم وخارج نطاق جبل لبنان
 
   
المجاعة الكبرى، شكرا لإبراهيم كنعان نعوم على هذا التوثيق بالصورة  تصوير وتوثيق  إبراهيم كنعان نعوم، بيروت، 1918-1915من مجموعة السيدة ليلى كنعان عيسى الخوري
للشهادة صورتين من المجاعة الكبرى. التقطهما إبراهيم كنعان نعوم المدير المسؤول عن المساعدات الحكومية في جبل لبنان. عنه قالت عائلته: "لقد خاطر بحياته رغم تهديد السلطات العثمانية، للحفاظ على لقطات من هذه المأساة". 
 
  8.4- تشويه بحسب الاختيار ...
ومع لبنان بحدوده الجديدة المعلنة عام 1920. لم تشكّل هذه المجاعة «المستهدفة»، التي قضت بشكلٍ خاص على المسيحيين، موضوعاً موحداً بين الطوائف جميعها، كما الإعدامات العلنية التي حصدت شهداء من المسيحيين والمسلمين. فانحصرت ذكرى «المئتي ألف»، في أحسن الأحوال، على الصعيد الشخصي.

للاسف للمراوغة، صحيح لبنان عام 1920 اوسع جغرافياً، وشمل مناطق يحظى المسلمون فيها بالاكثرية. فكان على هؤلاء المسيحيين الذين سعوا لهكذا لبنان، تقديم بعض التنازلات والتضحيات كاخراج كارثة المجاعة من الذاكرة الجماعية لتبقى مسألة شخصيّة، اي التعتيم على ذكرى «المئتي ألف ضحية المجاعة»، لكي يحيوا إلى جانب شركائهم الجدد المسلمين. فكانت ذكرى النضال المشترك تتجسّد من خلال الاحتفال بذكرى الشهداء.
احبانا الخيال يحلق عاليا، صحيح ان تصور المسلمين ، وهو حقهم، مختلف عن المسيحيين بالنسبة لأحداث جريمة المجاعة
. فياتي السوال، لماذا مع دراية المسلمين بكل الاحداث، لم يجاهد للعثماني لكي لا يهزم فلا يخرج من لبنان؟ اين كان المسلم يوم اعلان لبنان 1920 لماذا لم يجابهه ويرفضه؟ اين كان نضاله وحركته ليكون في مكان اخر غير لبنان؟ اليس المسلم اللبناني لا علاقة له بكارثة المجاعة ومسؤولية الحكم كانت للعثمانيين؟

للاسف على المسيحي ان يداري شعور الاخر، المسلم. بينما على المسلم ان ان يفعل ما يحلوا له. 200 الف انسان ضحية جريمة المجاعة، ذكرى مسيحية، يجب طمسها تجنب للانزلاقات.
اما المسلم، رجل دينه اي شيخه يتقاضى راتبه من الدولة اللبنانية من جيب المسيحي فحلال،
اما المسلم، بزواجه حسب الشرعه باربع زوجات، حلال حتى لو اختلت الديموغرافية، لان اسلامه اساسه الغاء الاخر،
اما المسلم، بزواجه المتعدد ينجب الاولاد بكميات، ولتربيتهم يكون المسيحي وجيبه مصدر قوتهم وحياتهم، هذا حلال،
اما المسلم بشرعه يحرض على ان السلطة هي حلاله اينما وجد. لذا اقول امامك سبيل واحد هو الغاء الاخر المختلف، فتفضل ان كانت لك الجراء على ذلك. 1400 سنة حاول الاسلام الالغاء ولم يصل الى نتيجة.
وغيرها من الامور الشبيهة.
اما في المسيحية هناك طفيليين كثر للتقوقع والانغلاك المسلم، باعوا ويبيعون وسيبيعون مجتمعهم المسيحي،
وصحيح انهم استوفوا اثمان باهظة من تجاراتهم المنحطة لحساب المسلم. لكن لغاية الساعة فشلوا.
هل الخبث هو مرادف للحلال ولكرم الاخلاق. اليس احترام الشعور المتبادل والسواسية في الحق هي من كرم الاخلاق. فيا شركاء لنحافظ على كرم الاخلاق سويا.


فهكذا مع
المئتي ألف ضحية انسان من جريمة المجاعة، يحق للمتالم ان يعبر عن واقع الحقيقة دون ان يشعر احد بالاهانة. فالأب أنطون يمّين في أعماله الأدبية، سمى المحتكرين، والانتهازيين، والمتعاونين.  فكان ان اشار الى بعضهم ينتمي إلى العائلات السُنيّة المرموقة في بيروت واخرين إلى مسيحيي العاصمة ومسيحيي الجبل، الذين باتوا الآن من أصحاب الجاه والسمعة الحسنة والذين كانوا ينتمون إلى الطبقة الراقية في عهد الانتداب.

في حين اخرون ولقضية ما في انفسهم، يجادلون قائلين: أما كان من الأجدى تجنّب الشقاق المدني المتمثل في فتح جراح الماضي من خلال إهانة البعض للبعض الآخر، ومحاكماته علنيّة وإدانته أمام الصحافة؟ خطاب المجاعة خطابٌ تقسيمي في حين كنا نبحث عن موضوعٍ توحيدي.لذا كان لا بدّ من رمي مسألة المجاعة في غياب النسيان لتجنب افتعال أحداث تسبب الانشقاق.


صحيح
استقطب عيد الشهداء، المسلمين والمسيحيين، الذين أعدمهم العثماني، الاهتمام وشكّل عِماد البناء اللبناني الجديد، وروح الجماعة بتوحّد الشعب.
هذا لا يعني ان ذكرى المئتي ألف شهيد سيكون خطاب تقسيميا ووحدة زائفة ووهمية، كما يشتهي البعض لغاية في نفوسهم.
فالميئتي الف شهيد ولو لم يذكروا فانهم:
كانوا مصيبة السلطنة العثمانية ودمارها واضمحلالها
،
كانوا النور في عتمتة السفاحيين والمجرميي،
كانوا اشراقة لبنان الكبير وانطلاقته ووحدته.
 فالتهويل والطمس والنسيان افعال مورسة سابقا، كانت نتائجها صفر. فالمئتي الف شهيد من جريمة المجاعة الكبرى، حقيقة وقعة الغائها مستحيل. فلتكن شهادة حية برسم الاجيال من مسيحيين ومسلميين لتجنب تكرارهكذا ماساة.
 
   9- من جحيم الابادة

للتاريخ ومحكمته العدل، فجبل لبنان او المتصرفية كان ريفا بغالبيته، سكنته خليقة انسانية بسيطة امية، عمادها المسيحية ايمانا، زرعت المنحدرات بين الصخور منبتا لغذائها.
حاول العثماني لاكثر من 400 سنة، اخضاعها وتتريكها، ففشل في عز جباروته. الى ان كانت الحرب العالمية الاولى ومرض سلطنته العثمانية، فكان لاجرامه ابتكار سياسة الغاء كل من يختلف عنه عرقيا.
فاباد العثماني بالسيف الارمن في الانضول في تركيا، ونكل بالسريان والاشوريين قتلا في بلاد الشام والعراق، وبحجة حصار الحلفاء للشاطى اللبناني في الحرب العلمية الاول فحاصر الداخل ومنغ دخول الحنطة الى الجبل فكانت جريمة المجاعة.  

وامام منصّة الذاكرة، صور تعيد إحياء سياسة مجزرة التجويع الممنهجة التي فرضها العثمانيون على لبنانيي المتصرّفية:
  • جثث نتنة منتشرة في زوايا القرى وعلى أعتاب المنازل.

  • هياكل عظميّة يكسوها الجلد ولا يبرز منها إلا تلك العيون الجاحظة وسط جمجمة لا يبحث العقل الذي فيها إلا عن طعام يبدّد خوف الموت أو يؤخّر مجيئه لأيّام.

  • ثمّة من تُطعم أولادها الهررة والكلاب، ولو استطاعت إشباعهم من لحمها الحي ودمها لما تردّدت.

  • كم يحكى عمّن وصل بهم الجوع إلى نهش الأطفال

  • الى جائعات هجرن قراهن بعدما فُرض عليهن البغاء مقابل الرغيف.

الا أن الجوع الذي اختبره اللبنانيون في الحرب العالمية الأولى على أيدي العثمانيين، ليس مجرّد وثائق ومخطوطات، ولا فيلم يحاكي الحنين وأخبار البطولة والوطنيّة، ولا غيره. إنها إبادة أطاحت بثلث سكّان المتصرّفية، أي ما يعادل نحو 200 ألف لبناني، وربّما أكثر.
انها جريمة إنسانيّة، عذّبت وهجّرت وجوّعت وسرقت وقتلت أجدادنا:
  • فحرّكت اللبنانيين في دول الإغتراب، فابكت جبران خليل جبران الذي قال باجدادنا الضحايا: "
    ماتوا صامتين لأن آذان البشريّة قد أغلقت دون صراخهم،
    ماتوا لأنهم لم يحبوا أعداءهم كالجبناء ولم يكرهوا محبّيهم،
    ماتوا لأنهم لم يكونوا مجرمين،
    ماتوا لأنهم لم يظلموا الظالمين،
    ماتوا لأنهم كانوا مسالمين،
    ماتوا جوعاً في الأرض التي تدرّ عسلا.
    ماتوا لأن الثعبان الجهنمي التهم كل ما في حقولهم من المواشي وما في أحراجهم من الأقوات".
     

  • وعن وثائق وزارة الخارجيّة الفرنسيّة يذكرالمؤرخ  الدكتور عصام خليفة، إحصاء قام به الصليب الأحمر الأميركي "يقدّر فيه عدد ضحايا الجوع في جبل لبنان، 1918-1915،  بـ250 ألف نسمة من أصل (400 ألف وهو العدد الإجمالي للسكان - 80% مسيحيين اقله)". رقم يستحقّ التوقّف عنده .
    ويضيف انه عام 1913، كان داود باشا قد وضع إحصاء حدّد عدد سكّان متصرّفية جبل لبنان بـ414800 نسمة،
    أما ترابو مسؤول المخابرات الفرنسيّة في أرواد فيقول أن عدد ضحايا الجوع بلغ 110 آلاف في كسروان وجبيل والبترون والمتن، اي رقم محصور بأربع مناطق فقط.
    اما جريدة الـEgyptian Gazette تقول 200 ألف،
    وترجّح جريدة تشتلر الألمانية 200 ألف بين سوريا ولبنان .
    ونظرا إلى الترجيحات يقول خليفة إن "ثلث الشعب اللبناني قضى بسبب المجاعة وانتشار الأمراض،
    اما وصفا لما حصل، فيقول: "إن كلمة إبادة كبيرة جداً، ما حصل هو حصار وتجويع وإخضاع بسبب تخوّف العثمانيين من إنزال قد يقوم به الحلفاء في جبل لبنان، انه كحرب إستباقيّة". ويضياف كمؤرخ "أن المجاعة والامراض، شملت المسيحيّين والمسلمين ".
     

  • اما أستاذ التاريخ الدكتور فاروق حبلص، "يرفض اتهام العثمانيين بسياسة التجويع. لان الحلفاء هم من حاصر لبنانً، بينما لو كان هدف العثمانيين تجويع اللبنانيين لما أرسل جمال باشا كميّات من القمح إلى البطريرك الماروني خلال تلك الفترة ووزع بطاقات الإعاشة للتخفيف من الأزمة".
    ولدى الإستفسار عن صحّة ذلك مقابل مصادرة القمح والمواشي وغيرها من العثمانيين وسياسات التضييق قال: "أخطأت السلطنة العثمانية نعم، ولكن لا يجوز أن نلقي بكل الأمور على كاهلها، لا يجوز تضخيم الأمور، كما لا يمكن الحكم على حوادث وقعت منذ 100 عام بمعايير اليوم، لأن البشريّة تطوّرت كثيراً على صعيد مفاهيم الحريّة والديموقراطيّة والإنسانيّة".
     

  • ولكن الدكتور أنطوان البستاني وفي كتابه "تاريخ المجاعة الكبرى في جبل لبنان (1915 – 1918) إبادة مرّت بصمت"،
     يصف الحوادث بأنها "إبادة من الدرجة الأولى حصلت نتيجة إرادة مسبقة وتمت ترجمتها بحصار برّي فرضه العثمانيون على كامل جبل لبنان لمنع إدخال القمح من البقاع وسوريا،
     وكما قاموا بمصادرة القمح من البيوت لإطعام جيوشهم، حتى باع الأهالي بيوتهم ورهنوها مقابل كيس من القمح وباعت النساء أجسادهن -
    (يا للمعاير، يا لمرضى العقول المنحطين، 200 الف انسان ضحية مجاعة هو حلال وفخر الشرف، امراة او نساء باعوا اجسادهم هو حرام وانتقاص الشرف، رجال اشتروا اجساد نساء وباعوا اجسادهم حلال وفخر الشرف)،
    ما حصل كان رهيباً حرّك اللبنانيين في مصر وبلدان الإنتشار، ما جعل الملك الإسباني والولايات المتحدة يتحرّكان للضغط على السلطنة من دون جدوى".
    حتى انه انتقد من يقولون أن حصار الحلفاء البحري هو السبب، مشيراً إلى أن "القمح يصل إلى الجبل عن طريق البر من البقاع وسوريا وليس من طريق البحر، وإذا كان الحصار البحري هو السبب فلماذا صادروا القمح من البيوت ومنعوا إدخاله إلى الجبل؟".
    والحقيقة يقول: "ان ما قام به العثمانيون كان هدفه إبادة المسيحيين في الجبل، تماماً كالإبادات التي ارتكبوها بحق السريان والآشوريين والأرمن. لهذا يستحق هؤلاء الضحايا الشهداء منا تكريم ذكراهم".

 
  10- برسالة خلد المجاعة، التي قضت على ثلث سكّان جبل لبنان وهجرة ثلثه الاخر
 
  10.1- رسالة شاهد، نجى من مجاعة جبل لبنان، 1915-1918
جزءٌ من رسالةٍ لعبدو فرنسيس سام باسيل، من قرية درعون كسروان في جبل لبنان، مرسلة الى اقاربه في المهجر. من ارشيف المهندس سام افرام باسيل، اما صاحب الرسالة فهو جده.    
 

"لو جئنا نذكر لكم كلَّ شيء أصابنا، لَعجزَ اللسان عن ذلك. ومهما سمعتم في الجرائد ونحن كتبنا لكم. لا يمكن ان تسمعوا ربع قيراط من أربعة وعشرين، من الذي اصابنا من بهدلة واهانة ووجع وجوع وعري ومنظرنا وحده كان كافياً للحزن والتأسف. فنحن اليوم قد خلقنا خلقةً جديدة على الأرض لأننا قمنا من بين الأموات، ونشكر الله على هذه النعمة العظيمة اذ ابقانا احياء، لأننا كل مساء كنا نودّع بعضنا بعضاً، ولا نعلم من يصبح ميتاً ومن يصبح في حالةٍ حزينة. نسأل الله ان لا يعيد هذه الأيام على احد في ما بعد".

مئة سنة على حبر الرسالة تلك، فبها انتعش الخيال بصور وجوه القرويين وأجسادهم العظميّة. فاندحرت نظرايات التشكيك والرفض التي حاكها المغرضون لغايات في انفسهم وتبنها جماعة متفلسفين جهال فجار، وكما يقال حبل الكذب قصير. للاسف الحقد ولد جريمة المجاعة والجريمة ابادة من افتعلها.

 
  10.2- المجاعة قضت فعليّاً على ثلث سكّان جبل لبنان

فالرفض لا يعنينا، وصاحبه كما يقال:"صفر على الشمال". صحيح بتغيب ذكرى الماسات مئة عام، جريمة المجاعة، قد اقترفنا اهانة، لكن اليوم احيائها، يحي ذاكرة كلّ لبناني عموماً، وكلّ ماروني خصوصاً، حول هذه المأساة التي لا يمكن نسيانها لأنها اساس لبنان وأساس وجودنا اليوم".  
فالصور القديمة والشهادات من حقبة المأساة، ايام المجاعة، تنطق بحقيقة المجاعة، وليس مبالغاً بتفاصيلها. فجريمة المجاعة قضت فعليّأً على حوالي 200 ألف شخص من أهالي جبل لبنان، بمن فيهم مواطنون موارنة. ما يعادل ثلث سكّان جبل لبنان آنذاك. فيما مسؤولية المجاعة ائتلافية، بين الدولتين العثمانية والألمانيّة وعدد من اللبنانيين الذين اعتمدوا سياسة احتكار المواد الغذائيّة وضاعفوا أسعارها، مما جعل وقع المجاعة أكثر ايلاماً. 

 
  10.3- والثلث هاجروا، انهم المتحدرون من اصل لبناني

مع استنزاف أرواح اليشر، كان لمجاعة جبل لبنان اثر في تعاظم مظاهر هجرة اللبنانيين نحو بقاع الأرض هرباً من الموت والمستقبل الضبابي. وبلغ متوسط اعداد المهاجرين سنوياً 6929 شخصاً في الحقبة الممتدة بين عامي 1900 و 1913، فيما وصل المجموع العام للمهاجرين الى 97000 شخص. "بحث اجراه الجيش اللبناني ونشر في مجلة الجيش"
اما بين عامي 1919 و 1938، فبلغ متوسط المهاجرين اللبنانيين 4400 مهاجر سنويّاً .
ووصل المجموع الكلي الى 88000 شخص، مما يعني أن اعداد المهاجرين الذين تركوا لبنان بين عامي 1900 و1938 وصل الى 185000 مهاجر قديم.
 أسس المهاجرون أسراً في بلاد الاغتراب وصاروا يعرفون اليوم باسم المتحدرين من اصل لبناني. 

 فتراكم الماسي العثمانية بلوغا لجريمة المجاعة كانت السبب والمسرع في الهروب اي الهجرة لمن رغب. لكن مع الحصار البحري المفروض على الشواطئ لم يستطع المهاجرون السفر سريعاً، ولكنهم بادروا الى ذلك بعد انتهاء الحرب.
ويقول احدهم: "اليس لافتا ان ما حصل من مئة عام وما يحصل اليوم في الشرق هو استعادة وترداد للهدف والمخطط نفسه" .

وبعد هذا، فماسات المجاعة وماساة الهجرة هما جوهرتا وجودنا اليوم، وذكراهما شهادتنا، فلذين ماتوا لم يرحلوا، والذين هاجروا واحفادهم هم نحن ونحن هم. فما من سبيل الا التضامن والوحدة كي لا تعاد تلك المأساة.
بالرغم من ثقل الماساة وطمرها. فلنفرح اليوم نحن الاحفاد اننا قد خلقنا خلقةً جديدة على الأرض.

 
  11- في تجارة القمح ...
  • حزيران 1916 وباشراف جمال باشا، اشترت المانيا القمح وياسعار مرتفعة، مباشرة من المزارعين بواسطة تجار من حلب وبيروت وحوران. فكان من حلب 60 ألف طن من الدقيق، ومن التاجر ميشال سرسق في بيروت 80 ألف طناً، ومن أسرة عينتابي المقدسية 10 آلاف طن.
  • وفي تشرين الثاني 1916  وباشراف جمال باشا، تكرّرت عملية شراء القمح مرّة ثانية وياسعار مرتفعة، وبواسطة تجار من بيروت وطرابلس وحلب والقدس، كمية 235 ألف طن من القمح.
  •  التاجر المسيحي ميشال سرسق من بيروت كان اكبر من ساهم في الاحتكار، بحيث أصرَّ على بيع طحين اشتراه بـ 40 قرشاً بـ 250 قرشاً.
  • في تقرير للقنصل الألماني في بيروت عن كبار المتورّطين في تجارة المضاربة على القمح والحبوب، يسمي ميشال سرسق على صفقاته باحتكار القمح والحبوب، وبمعاونته زوجته صاحبة مكانة رفيعة لدى الدوائر العليا في الإدارة، والى المدعو نجيب أصفر الذي يصفه بأنَّه كان يسعى وراء الأعمال التجارية المربحة.
  •  ثمة اكثر من تقرير يشير الى ان آل سرسق كانوا من كبار محتكري الحبوب في سوريا .

     
  • يخبر القنصل الألماني في بيروت، أنَّه بدلاً من أن تؤدي إجراءات الحكومة العثمانية لتوفير الحبوب بأسعار معتدلة، قام المشرفون على الهيئة التي أسّستها السلطات العثمانية باستغلال مراكزهم، فقاموا بإخفاء كميات كبيرة من الحبوب وبيع القنطار منها ما بين 5 إلى 7 أضعاف سعر شرائه. ويضيف أنَّ الأرباح كان يتقاسمها التجار المشرفون مع كبار الموظفين العثمانيين في لبنان.
  • ويصف القنصل الفساد المستشري بأنَّه يبعث على الاشمئزاز، ويمسّ بالحياة العامّة في البلاد. الى حد قول القنصل: “أنّ لبنان يحتاج على وجه السرعة للفت انتباه الحكومة المركزية (العثمانية) إلى وجوب تعيين حاكم حكيم ونزيه على لبنان خلفاً لمنيف بك”.
     
  • يقول المؤرخون أن التجار إستغلوا الأحداث لإشباع جشعهم، فكانوا يأثرون أنفسهم بالطحين والخبز، ليخبئوه ويبيعوه بعدها بأثمان باهظة.
  •  صحيح ان السلطات العثمانية الفت لجنة باسم “لجنة القمح” اعطتها مبلغ 14 الف ليرة لاطعام الشعب اللبناني. لكن المسؤولين اخذوا المال وزادوا الاسعار. حتى ان القمح المعطى للبطريرك لم يوزع على الفقراء. وقد استفاد منه الخوري اسطفان خيرالله من غبالة (كسروان) ومشايخ الصلح في ريفون والحدث والسيد ريشا من جونية
  • منذ 8 حزيران 1916، يقال:"بدأ مركز بعبدا يوزع القمح بسعر 7 قروش للكيلو (في السوق كان يزيد سعره على 70 قرشا  وتقرر اعطاء الموظفين واسرهم بمعدل 250 غرام للشخص يومياً . كما تقرر بيع كميات غير محددة من الزيت والسمن والسكر والبطاطا . لكن نظام الاعاشة هذا وقع بيد المحتكرين من موظفين وتجار، فجرى خلط القمح بالتراب والزوان ,واخفي قسم منه لبيعه باسعار غالية حتى فشل نظام الاعاشة وظل الشعب يرزح تحت كابوس الجوع ."
     
  •  24 ايار 1917 سعر رطل الخبز 20 قرشا . وان موسم الحبوب سيّء والمجاعة مستمرة . ونقل الحبوب من الداخل الى الساحل كان صعبا  لسوء المواصلات وبسبب الاحتكار من قبل تجار مسلمين ومسيحيين.
     
  • لائحة الاسعار في الحرب العالمية الاولى،
    في السنة الاولى بلغ ثمن الاقيتين من الحنطة 16 قرشاً ذهباً.
    وفي السنة الثانية ارتفع الى العشرين قرشاً ذهباً و50 ورقاً .
    وفي السنة الثالثة ارتفع السعر الى 34 ق. ذهباً و135 ورقاً
    في السنة الرابعة بلغت 60 ق. ذهباً و250 او 300 ورقاً وفي بعض الاماكن الى اكثر من ذلك .

     
  • الاعتناء بغذاء سكان لبنان كان منوطا بوالي بيروت واصبح بعدئذ من صلاحيات المتصرف الجديد. وان جمال باشا وعزمي باشا يتاجران بالحرير ويدفعان العملة الورقية ويقبضان ذهبا في سويسرا .
  • 1918 الدولة العثمانية، قد ارهقت الاهالي بالضرائب المتصاعدة. فتم استيفاء ضريبة الاملاك مع ضميمة بلغت 50 بالمئة وضريبة الارض والعشر 25 بالمئة وفرض على كل شخص اعطاء ربع ما عنده من غنم وبقر وجمال وسمن وزيت
 
  12- مختارات بالصدفة
  • في خريف 1916 ارسل المنسنيور بولس عقل رسالتين الى المطران يوسف دريان في القاهرة. فيهما وصف هول ماساة المناطق اللبنانية. فالحكومة العثمانية لا تسمح الا باعطاء اقة قمح للشخص كل شهر. اضافة لعيّنة لما يحصل في بعض المناطق اللبنانية:
    • في عشقوت 300 شخص ماتوا من الجوع ومئة هاجروا الى طرابلس وعكار
    • في رعشين وبقعاتا ووطى الجوز ووادي الدلبة والمزرعة و شحتول والبوار و معراب ، لم يبق الا القليل من السكان وهؤلاء في حال انهيار
    • في بعلبك الاكثرية ماتوا من الجوع  والتعب
    • في دلبتا يموت كل يوم بين 10 الى 15 شخصا
    • في غزير يموت كل يوم بين 15 الى 20 شخصا
    • منطقة البترون تكاد تكون مقفرة لولا وجود 200 شخص في تنورين
    • من عمشيت الى المزار ومن جبيل الى حاقل ، لا نجد الا 20 او 30 شخصا  يكادون ان يكونوا لحما على عظم 
    • جاج واهمج وترتج وميفوق تكاد تكون مقفرة مع العلم ان اهمج كانت كثيرة السكان
    • قد تزايدت المجاعة بين بيروت وطرابلس
  • كان لشكري غانم  اتصالات فحواها:
    • الح على قداسة البابا والرئيس ويلسن من اجل التدخل في جبل لبنان للحيلولة دون تفاقم المجاعة واستمرار الوف الضحايا من جرائها.
    • حثّ المنظمات الانسانية للاسراع في تقديم العون والمساعدة للبنانيين
    • في 24 كانون الثاني 1917 قدم  شكري غا نم وجورج سمنة  مذكرة باسم السوريين واللبنانيين في باريس الى رئيس الوزراء وزير الخارجية طرحوا فيها ضرورة التحرر من النير العثماني بمساعدة فرنسا
    • وفي رسالة اخرى الى رئيس الوزراء الفرنسي حدد شكري غانم هدف اللجنة المركزية بتحقيق الاستقلال الذاتي لسوريا تحت وصاية فرنسية
  • ناشط لبناني حكمته بالاعدام غيابيا محكمة عاليه العرفية. يشرح سعيه لتحقيق الاستقلال الناجز:
    •  ان بعضا من اخواننا السوريين والعرب، ممن لم يقفوا على تاريخ الحركة اللبنانية، يأخذون علينا فكرتنا الانفصالية كأنهم لا يعلمون ان لبنان اذا كان استطاع خدمة الفكرة العربية وهو على شيء من الاستقلال، فأنه على خدمتها اذا استقلّ أقدر .
      ثم اي ضرر من ذلك ؟ ما دامت الحركتان تنتهيان عند غرض واحد هو الاستقلال. 
    • وفي مناسبة اخرى يقول: هذه خطتنا: ” لقد نبذنا المملكة العثمانية لأنها قضت على حريتنا وحاربناها لأنها  استعبدتنا . وهذه جراحنا لم تزل دامية وأرضنا لم تزل مبللة بدماء شهدائنا وهؤلاء ذوونا قد عضّهم الجوع بنابه فهم يموتون في ارذل الآلام .
      ما نطلبه وقد طلبته لنا فرنسا هو ان نحكم انفسنا بانفسنا وهذا ما دعوته الحكم الوطني وهو الذي حافظ عليه اجدادنا عدة اجيال واهرقوا في سبيله دماءهم وجادوا بحياتهم حبا به .
      اننا نطلب هذا الحكم بكماله لنستطيع ان نحافظ على وطنيتنا بكل معنى الكلمة وليتسنى لنا ان نحسب انفسنا امة مستقلة تحت حماية فرنسا العادلة 
       ” نحن نطلب ان تعود حدود جبلنا الى ما كانت عليه قديما . نحن لا نشاء ان نظلم احدا بل نرغب ان نستولي على اراضينا التي لنا والتي يعرفها كل واحد من اثار دماء آبائنا المهرقة في سبيل المحافظة عليها .
      هذه هي الاراضي التي نطلبها باسم العدالة والحق والتقليد والتاريخ. ونطلبها بكل جرأة وحرية لانها لنا واذا كان بانتصار الحلفاء تنتصر الشعوب المظلومة فنحن من هؤلاء الشعوب.
      وبما ان بلادنا هي مفتاح الشرق فمنها سيبتدىء نشر التمدّن والعمران والحرية في الشرق.
      ام لا يرضى الحلفاء ابدا ان تظل سوريا وارمينيا ترزحان وتبادان تحت اغلال البرابرة الظلمة وعفهم الجائر
  • عصر جبران قلبه المتوجّع على لبنانه الحزين الذي كان يغرق في حرب عالمية اولى بدأت بالخيول التي جرّت مدافع العثمانيين ولم تنته الا بالبواخر التي جرّت اللبنانيين الى ما خلف البحار.

    زمانها، كان جبران يستعد لطباعة " دمعة وابتسامة" وهو كتاب جمع مقالاته باللغة العربية ( 56 مقالاً ) نشرت في جريدة " المهاجر" لصاحبها أمين الغريّب  قبل ان تغلق مكاتبها وتتوقف عن الصدور عام 1909 .كانت مقالاته ذات نفحة انسانية وضمّت تأملات حول الحياة ، والمحبة، والوضع في لبنان وسوريا ، وقد أخذت شكل القصيدة المنثورة ، الأسلوب الذي كان غير معروف في ذلك الوقت في الأدب العربي .

    يومها، كان " الإنسان" في جبران قلقٌاً على الوضع المضطرب في لبنان لأن السلطات العثمانية استولت على كل موارد البلد ، وصادرت الماشية ، وقمعت المعارضين، وانتشرت المجاعة، وعلّق جمال باشا السفّاح مشانق الوطنيين اللبنانيين والسوريين في الساحات العامة. وشعر جبران بذنب عن " اولئك الذين يموتون بصمت" ، فلم يتردد بقبول منصب امين سرّ لجنة مساعدة المنكوبين في سوريا وجبل لبنان . وشارك بمساهمة اللجنة السورية – اللبنانية في بوسطن ونيويورك في إرسال باخرة مساعدات غذائية الى مواطنيه.

     وبعد عامين من بداية الحرب الأولى، ومع أنه يكره السياسة وهو القائل " لست سياسياً ولا أريد أن أكون كذلك "، ناضل جبران من أجل تحرير لبنان وسوريا من الإحتلال العثماني من خلال تسلّمه منصب أمين سرّ المراسلات باالغة الإنكليزية  في نيويورك الى جانب صديقه الأديب الكبير مخائيل نعيمة الذي تسلّم منصب أمين سرّ المراسلات باللغة العربية في اللجنة المركزية لتحرير لبنان وسوريا. وبدأ العمل السياسي من خلال ما يسمّى ب "لوبي" ضاغط ساعد، الى حد ما، على تأجيج الرأي العام الأميركي والعربي وتشجيعه على المضي في الحرب العالمية الأولى لضرب العثمانيين ،هذه الحرب التي لم تنتج الا مزيداً من ترحال اللبنانيين الى ما وراء البحار.
     

  • قال يوسف السودا: "لم اكن في حياتي متعصبا ايها الاخوان . اما في وطنيتي ، اما في استقلال بلادي ، فاني متعصب واود منكم  ان تكونوا متعصّبين"
  • داود بركات من لبنان (يحشوش، كسروان) ورئيس تحرير جريدة الاهرام يقول:" أن المصلحة الوحيدة للقوي الخارجية, ومعها أصدقاء الداخل, هي نشر عدم الإستقرار الدائم الآيل الي حين حدوث فوضي عامة, ثم حروب تدمر فيها حضارات, وما أعظمها, وتنهب خلالها وبعدها خيرات وما أكثرها.
     
  • حقيقة متكررة، نظرية ابن خلدون في نشوء الأمم وتطورها. بمراحلها الثلاث:
    1. الفكرة ثم الشوكة والعصبية التي ينبثق عنها قاعدة من الجند الأوفياء يقدمون النصر فتتوسع رقعة أراضي الأمة وتزداد ثروتها.
    2. يعظم المال فينتشر الترف والبذخ فيضعف الجيش وينتشر الفساد بين قادته وتسوء أحوال الأمة.
    3. تضعف الأمة وتنهار وتتقلص أراضيها ويتم اجتياحها وتنقرض ويضيع ملكها ومجدها .
 
 
 www.puresoftwarecode.com  :    HUMANITIES Institute  ART Institute & Others
 SOFTWARE Institute  CHRISTIANITY Institute    
   "Free, 100 Software Programming Training Courses"       Le HANDICAP c'est quoi ?   (in French)  Basilica Architecture, in the Shape of a Cross
 VISUAL STUDIO 2010 in English  Holy BIBLE in 22 Languages and Studies ...  Drugs and Treatment in English, french, Arabic  Old Traditional Lebanese houses
 VISUAL STUDIO .NET, Windows & ASP in English  220 Holy Christian ICONS  Classification of Wastes from the Source in Arabic  5 DRAWING Courses & 3 Galleries
 VISUAL STUDIO 6.0 in English  Catholic Syrian MARONITE Church    Meteora, Christianity Monasteries - En, Ar, Fr
 Microsoft ACCESS in English  HOLY MASS of  Maronite Church - Audio in Arabic  Christianity in the Arabian Peninsula in Arabic  Monasteries of Mount Athos & Pilgrimage
 PHP & MySQL in English  VIRGIN MARY, Mother of JESUS CHRIST GOD  Summary of the Lebanese history in Arabic  Carved Rock Churches, in Lalibela, Ethiopia
 SOFTWARE GAMES in English  SAINTS of the Church  LEBANON EVENTS 1840 & 1860, in Arabic  
 WEB DESIGN in English  Saint SHARBEL - Sharbelogy in 10 languages, Books  Great FAMINE in LEBANON 1916,  in Arabic  my PRODUCTS, and Statistiques ...
 JAVA SCRIPT in English  Catholic RADIO in Arabic, Sawt el Rab  Great FAMINE and Germny Role 1916,  in Arabic  
 FLASH - ANIMATION in English  Читать - БИБЛИЯ и Шарбэль cвятой, in Russe  Armenian Genocide 1915  in Arabic  4 Different STUDIES
 PLAY, 5 GAMES  Apparitions of  Virgin Mary - Ar   Sayfo or Assyrian Genocide 1915 in Arabic  SOLAR Energy & Gas Studies
     Christianity in Turkey in Arabic  WELCOME to LEBANON
 SAADEH BEJJANE Architecture      YAHCHOUCH, my Lebanese Village
 CARLOS SLIM HELU Site.  new design    Prononce English and French and Arabic Letters  ZOUEIN, my Family - History & Trees
       Chucri Simon Zouein, Computer engineer
     
echkzouein@gmail.com
© pure software code - Since 2003