Pure Software code
 
www.puresoftwarecode.com

SOFTWARE Institute
Teach YourSelf
100 Software Programming Training Courses
For Free Download


CHRISTIANITY Institute
HUMANITIES Institute
more the 400 Subjects, All for Free Download.
Lebanon  
Humanities Institute
Great Famine of Mount Lebanon       
 
 
 

Menu, Great Famine 1915-1918 (Arabic)

  Home: Humanities Institute, صور المجاعة الكبرى في جبل لبنان 1915-1918
Home
المسيحية تاريخيا، صور المجاعة الكبرى في جبل لبنان 1918-1915
 
  1- للتاريخ، المجاعة الكبرى في جبل لبنان 1918-1915
 انها مجاعة ثلث شعب جبل لبنان، اي المئتي ألف قتيل شهيدا جوعا. !نها جريمة العثماني بحق لبنان، وجريمة اللبناني  بابقاءه المأساة طي النسيان بحق اهله لحوالي المائة عام.
لكن المفرح ان محكمة التاريخ لا تنطق الا بالعدل، مفندة الحق من الجريمة:
  • الحق لكل جماعة بحياة اقتصادية طبيعية اقله في ظل اي نظام. فكيف اذا كان تعسفيا اواستعماريا فحقها المطالبة بالتحرر والاستقلال

  • جريمة السلطنة العثمانية، بحكمها بالنار والحديد بلدان وشعوب استعمرتهم لحوالي 400 عام، ان تستعبدها والى محاولتها بالقوة تتريكهم واسلمتهم، منهم لبنان.  

  • جريمة السلطنة العثمانية، ان الازمة التي اصابة رعيتها، هي مسؤولية الحكم والحاكم من يكن. فالمجاعة نفذت باشراف العثماني المحتل للبنان منذ 400 سنة وممثله جمال باشا السفاح الحاكم. اهو كان فشل بالادارة!
    كلا، فالنجاح في ادارة شر المجاعة، يواكد التصميم العثماني الغير محدود في ابادة مسيحي لبنان خصوصا جوعا، ثلث شعب جبل لبنان، 200 الف جريمة قتل ارتكبها تصميمهم المجرم .

  • جريمة السلطنة العثمانية، رفض دعوات التحرر والاستقلال للبنانيين، خصوصا المسيحيين الموارنة. فعمل العثمانيون المستحيل للجمهم، وصولا بابادتهم جوعا.

  • جريمة السلطنة العثمانية، تنفيذها جريمة المجاعة، فوزيرها أنور باشا قد تنبا بذلك، أثناء مروره بسورية في شباط/ فبراي عام 1916:  "ينبغي تنظيف الإمبراطورية العثمانية من الأرمن واللبنانيين الموارنة. قضينا على الأرمن بحد السيف، وسندمّر الموارنة من خلال المجاعة". صحيح ان هذه المقولة غير مؤاثقة، لكن التوثيق لا يبررهم من جريمة المجاعة التي نفذوها.

  • جريمة المانيا، انها شاركت السلطنة العثمانية، عن قصد اوغير قصد، في المجاعة. فالمانيا وبموافقة عثمانية 1916، اشترت معظم موارد بلاد الشام، سوريا ولبنان وفلسطين، وخصوصا الحبوب باسعار مرتفعة، في زمن الحرب الاولى.

  • جريمة المانيا المضاعفة، علمها بالمجاعة ومشاهدة اثارها الحية بشهادة قناصلها وسفرائها وبعض مسؤوليها العسكريين، فاستمرت بجشعها بالشراء اللامحدود للمواد الاولية والحبوب وباسعار مرتفعة.

  • جريمة النمسا مشابهة لجريمة المانيا في المضمون.

  • جريمة الجشع والاحتكار، فمع السعر المرتفع الذي دفعته المانيا بدل مشترياتها، استغل المحتكرون من تجار الظرف لجني الارباح والجشع والاحتكار، فارتفاعت الاسعار جنونيا وتدهور اقتصاد اهل البلد، كل هذا برعاية عثماتية مباشرة من الحاكم جمال باشا . وللمثل، التاجر المسيحي ميشال سرسق من بيروت الذي ورد الى الالمان 80 الف طن من القمح، وكان اكبر من ساهم في الاحتكار، بحيث  أصرَّ على بيع طحين اشتراه بـ 40 قرشاً بـ 250 قرشاً.

  • جريمة الحلفاء، الحصار البحري الذي فرضوه على لبنان ومحيطه، من البحر الابيض المتوسط لقطع الامدادات عن العثمانيين. ولشددة الحصار انعدمة حركة الاستيراد الى لبنان ومحيطه وتوقغت تحاويل اموال المغتربين الى لبنان. كل هذا،  والحلفاء على اطلاع باخبار واثار المجاعة في لبنان ومحيطه.

  • جريمة السلطنة العثماني الابادة جوعا، عن سابق تصور وتصميم، ولدرايته بالواقع الجغرافي لجبل لبنان الزراعي، إذ كانت اراضيه لا تؤمن الغذاء الا لاربعة اشهر فقط في السنة .

  • جريمة  السلطنة العثمانية، الحصار البري على جبل لبنان، باشراف العثماني العسكري جمال باشا، الذي خنق سكان منطقة جبل لبنان الغالبية من المسيحيين الموارنة المحميين من فرنسا. وادعائه بنظره الخوف من الموارنة بدعم حملة الحلفاء، لذا كان لزاما تجويعهم قبل ان يتسلحوا.  

  • جريمة السلطنة العثمانية، منع اللبنانيين من الوصول الى البحر لصيد السمك او لاخذ الملح وذلك بحجة الخوف من الاتصال بالعدو.

  • جريمة السلطنة العثمانية، فرض حظراً على نقل الغلال ومصادرة المحاصيل والأملاك الى الحيوانات التي كانت تستخدم في النقل وانتاج المحاصيل وغيره، لخدمة المجهود الحربي العثماني.

  •  جريمة السلطنة العثمانية، وصلت الى مصادرة ما كان ينقله المارة من مواد غذائية، عبر الجسور والطرقات.

  • جريمة السلطنة العثمانية، انها صادرت الاطباء من مناطق الولاية والجبل ونقلوهم لمداواة الجيش، وفقدت الادوية. فغدا اللبناني  بدون طبيب ودواء ومستشفى، فانتشرت الاوبئة وكثرت الامراض لا سيما الجدري والحمى والتيفوئيد والتيفوس والطاعون والملاريا، لدرجة قرى باكملها خلت من البشر.
    لكان السوال مطروح على التحقيق العلمي، هل هذه الامراض واقعية وطبيعية، او هي جريمة عثمانية كانت بنقل وبث الامراض الجرثومية في التجمعات البشرية ؟

  • جريمة السلطنة العثمانية، التضخم وانهيار عملتها الورقية سريعا بعد اصدارها سنة 1916، لانها كانت  دون التغطية الذهبية المناسبة. ناهيك، على ان السلطنة كانت  تستوفي بالذهب وتدفع بالعملة الورقية. اما قيمة الليرة الورقية جعلت بقيمة الليرة الذهبية.

  • جريمة السلطنة العثمانية، انها دمرت الاقتصاد بيدها، فالفساد الغير محدود والمجاعة والمصادرة والسخرة والتجنيد الاجباري وغيرها، كانوا من اهم عوامل التدمير. ومن باب المثل، انخفاض المساحات المزروعة في أرض السلطنة من 60 مليون دونم عام 1914 الى 20 مليون عام 1916.

  • جريمة السلطنة العثمانية، هروب الشباب من الأراضي الزراعية في الريف إلى الاغتراب هربًا من التجنيد الإجباري العثماني وعمل السخرة.

  • جريمة السلطنة العثمانية، انها هي كانت دائما المحرض والمومول والمنفذ لجميع الاحداث الجرمية من مصادرات، بالرغم انه احيانا استعانة بلبنانيين يخصونها لموازرتها في الجرائم. فهوية هولاء اللبنانية المسيحية المارونية لا تبرر عمالتهم للعثماني وما افتعلوه من جرائم. 

  • غزو الجراد اهو عامل طبيعي او جريمة عثمانية! ففي نيسان 1916، غزا الجراد جبل لبنان، واكل الاخضر واليابس، ومن اسرابه من ظلت حتى السنة التالية.
    لهذا على التحقيق العلمي ان يصوب الحقيقة؟ فشهر نيسان غريب على الجراد، وبقاء اسراب منه للسنة التالية امر اغرب! فهل الغزو هو  افتعال عثماني، عن سابق تصور وتصميم، نفذه العثماني بجلب بيض الجراد ونشره في جبل لبنان،  ففقس وتطور ودمر جبل لبنان؟ وللحفاظ على تواجده لزمن طويل، كرر العثماني عملية جلب ونشر بيض الجراد!

متصرفيّة جبل لبنان
1861 - 1918
متصرفية في الدولة العثمانية
 
 
خارطة متصرفية جبل لبنان
 
 
 
 
 
 
العاصمة بعبدا
التاريخ  
 - تاريخ الإنشاء 1861
 - تاريخ الحل 1918
المساحة
 - 1920 3,500 كم2 (1,351 ميل مربع)
السكان
  1920 628,000 
  • في الانقاذ، شكل اللبنانيون في بلاد الاغتراب عدة لجان وقاموا بالاتصالات مع المسؤوليين وجمعوا التبرعات وراحوا يرسلونها الى لبنان بواسطة الاسطول الفرنسي الذي كان ينقلها سراً الى الشاطئ اللبناني. ويذكر المؤرخ فيليب ان الاموال التي ارسلها المغتربون اللبنانيون في السنة الاولى للحرب بلغت 259 مليون دولار، لكن توزيعها لم يتم بطريقة سليمة.

  •  في الانقاذ، تحركت الجمعيات الخيرية الاميركية والفرنسية وارسلت المساعدات بواسطة السفار ة الاميركية والجامعة الاميركية في بيروت.

  • في الانقاذ، افراد وجماعة بادروا الى المساعدة المختلفة لصمود الشعب

  • في الانقاذ، اهتمت المؤسسات الدينية في لبنان لمواجهة الوضع، فوضعت املاك الاوقاف في خدمة المحتاجين. فالبطريركية المارونية مثلاً امرت برهن املاك الاديار لاطعام الجياع ودفن الموتى .  وللمثل، بمليون فرنك ذهبا، رهنت الرهبانية اللبنانية جميع ممتلكاتها لاطعام وكسوة ابناء الوطن.

  •  في الانقاذ، بعد اتهام جمال باشا في الصحافة الاوروبية بتجويع العرب واللبنانيين، اتى بقرار تأسيس نظام للاعاشة في المدن غايته تموين الجيش والموظفين، والسماح لبعض التجار بشراء القمح ونقله الى بيروت، فاقام بعض مراكز التوزيع الاعاشي في المدن والقرى الكبيرة. لكن نظام الاعاشة هذا وقع بيد المحتكرين من موظفين وتجار، وظل الشعب جائعا.

  • في الانقاذ، وبقرار فردي أن من صمد من سكان جبل لبنان هم من قرروا أن يتحدوا الجراد بأكلهم الجراد، فسلقوه وشووه وأكلوه فصمدوا! أليس حب الحياة أقوى من أي شيء ومن كل شيء؟

 
  2- صور من المجاعة الكبرى في جبل لبنان
 
     
جياع ينتظرون  لحظة موتهم في الجوع عائلات اختلط الموت فيها مع الحياة  افراد عائلة جياع، يحاربون للبقاء
الجوع اعاقه في الحقول، عائلات جياغ بعضهم ينازع واخر مات عائلة ضربتها المجاعة في جبل لبنان
باس المجاعة، ام واطفالها انسان قتلته المجاعة، فكان لحده الركام على  طريق اولاد جائعين يطلبون صدقة
يحضرون الضحايا للدفن الجماعي بعض من ايتام المجاعة الكبرى يتعاونون لدفن شهدا الجوع
 
  3- قصة يوسف مع الجوع، وعودت أمال بعد عشرين عامًا فدقت على الباب
كتبت احداهن ...،

 في الحرب العالمية الأولى وبعدما فقد جدي يوسف (مواليد 1908) والديه  واختفت شقيقته أمال (خمس سنوات) في المجاعة ولم يبق له إلا شقيق أصغر إسمه الياس (ثلاث سنوات).
 فهمس في أذنيه: “قدرنا يا حبيبي أن نموت مئة ألف مرة ونحن أحياء، قدرنا أن نفترق عن عائلتنا، أن تُفرقنا المجاعة، أن تُدمرنا، أن تسحقنا، أن تجعلنا يتامى مشردين مقهورين جوعانين لكنني الآن معك وسنبقى معا”. بكى الياس كثيرا وراحا معًا، يدا بيد، يبحثان عن سبل حياة في زمن الموت.

وبالرغم من تعلق جدي يوسف بمثله هذا: “يقود القدر من يتبعه ويجر من يقاومه”. كان هو شكل الإستثناء، فكبر كثيرا الى حدود المئة عام نكاية بالعثمانيين وظل يُخبر طوال قرن إلا أربع سنوات حكايته مع المجاعة… فماذا كان فيها؟

كبر يوسف قويا، عنيدا، قبضته مثل الحديد، لكنه بالكاد “فك الحرف”. لم يتعلم في المدارس لكن الحياة علمته الكثير. دخل بلدية بيروت وترأس العشرات فيها وأصبح قبل الظهر اللحام الشهير “أبو نقولا” في منطقة التباريس، بالقرب من كنيسة مارمارون، ورئيس قسم عمال التنظيفات في بلدية بيروت بعد الظهر. صنع أبو نقولا نفسه بنفسه، لكنه لم ينسَ أمرين: شقيقته أمال وفصول المجاعة. تزوج وأنجب أمال، طفلته الجميلة التي شبهها منذ ولدت بشقيقته وأعطاها إسمها، وراح يُخبر أولاده أخبار حرب ال 14 وكم نام وشقيقه على أمل أن تنضج طبخة البحص. وذات يوم ربيعي، بعد أكثر من عشرين عاما، دقّ باب البيت. فتحت أم نقولا فوجدت رجلا يحمل طفلا ويُرافقه طفلان. ألقى التحية. ردت. سألها عن رب البيت. نادت أبو نقولا. أتى. سأله عن هويته فأجاب بتأتأة: تيسير الحلاق، سوري من الشام، تزوجت أختك أمال وهؤلاء الأولاد أولاد أمال. كانت مفاجأة. سقط أبو نقولا أرضا. لم يستوعب. بكى. أمال، لا تزال حيّة.

أتت أمال. تعانقا كثيرا. وأخبرته ما حصل منذ كانت في سن الخامسة، في حرب المجاعة، تبحث عن لقمة الى أن أصبحت اليوم إم يوسف (سمت إبنها البكر على اسم شقيقها يوسف): “ضعت. بحثت كثيرا عن شعير، عن حبة قمح، عن قوت، وصرت أمشي وأمشي الى حين وجدت مجموعة أولاد يتحلقون حول بعضهم إنضممت إليهم وكانت هناك جمعية إنسانية أقلتنا كلنا الى سوريا وهناك سألت عن يوسف وعن الياس، بحثت عنكما، عبثا. نسيت جوعي وأنا أبحث وأبكي وحين أيقنت عجزي رميت بنفسي أرضا وصودف مرور إمرأة، إم تيسير، أخذتني الى بيتها وربتني وحين بلغت سن الثانية عشرة زوجتني إبنها. تحجبت. أنجبت. ولم أنسَ يوسف والياس. أردت أن أعود بعد انتهاء الحرب لكنني خفت، خفت منكما لأنني تزوجت من دين آخر، لكن حين نضجت أكثر أيقنت أنني لن أتمكن من متابعة حياتي من دون أن أطمئن إليكما. عدت. هذه بإيجاز قصتي”.

قصة أمال (أم يوسف) ويوسف (أبو أمال) إحدى القصص الكثيرة التي أنتجتها المجاعة الكبرى في جبل لبنان. في منطقة رشميا قصة مماثلة، نسخة طبق الأصل تقريبا، حيث كانت الصبايا ينتقلن من رشميا الى صيدا بحثا عن فرصة عمل في قطاف الليمون، وينمنَ تحت الأغصان أياما وليالي، وواحدة منهن هربت من الجوع في جبل لبنان الى سوريا، تركت شقيقتها نائمة تحت غصن ليمون وهربت، وهناك تزوجت شابًا من آل الأيوبي وحين انتهت الحرب عادت فعرفت أن شقيقتها لم تستطع أن تصمد أكثر وماتت من الجوع.

قصص حيّة نُقلت “من فم الى أذن” ووحده كتاب التاريخ لم يشر الى قصص المجاعة إلا عرضا لأن الفعلة عثمانيون والقتلى- الشهداء، شهداء المجاعة، بغالبيتهم مسيحيون ونحن بلاد “ما تهزا واقفة ع شوار”. لا، ليست طائفة هي من قتلت طائفة بل هم العثمانيون من نكلوا بالأرمن واللبنانيين في جبل لبنان وبينهم دروز ومسلمون. فهل مكتوب علينا أن نطمس الحقيقة كي نعيش معا؟ ومن قال إننا ننظر الى العثماني على أنه سني؟ ومن قال إن الأتراك، أتراك هذا العصر، لا يتحدثون هم قبلنا بما فعلته الدولة العثمانية التي خارت قواها وماتت؟

يُقال “إنكار الحقيقة يعني ارتكابها مرتين” ونسمع دائما “أن الحقيقة أغرب من الخيال”. للاسف ان تجاهلنا الإرادي للحقيقة، نكون قد شاركنا في تلك الجريمة  بحق ذاك إنسان، الذي تقوص ظهره وانتفخ بطنه وخرجت أضلعه من قفص صدره وعينيه من وجههه.  كل هذا تحت عيون “الحلفاء”!
ويبقى هناك مستتر، نفذ بعلمه او بدون علمه للعثمانيين جرم المجاعة. انها المانيا التي اشترت، مستوردة وباسعار مرتفعة، حميع موارد بلاد الشام ومنها الحنطة. فشحت الاسواق من مواردها وارتفعت الاسعار وخيم الاحتكار. هل كل هذا حصل، لان حاجات السوق المحلي لم تحتسب او لغاية اجرامية.

 
   
من الجوع مات، على درج عائلة جائعة، ام تدفن اطفالها
 

فيا زمن، زمن المجاعة الكبرى لقد حصدت ثلث شعب جبل لبنان، والثلث لا يقل بحسب غالبية الوثائق عن مئتي ألف قتيل، شهيد ماتوا من الجوع!

جدي كاد يموت من الجوع ومن يكاد يموت من الجوع يُقدّر الحياة أكثر ونعمة أن ينام المرء بلا زقزقة في البطن. نقلب أكثر في مشاهد المجاعة ونقرأ من “الرغيف”، من الرواية التي قلبنا صفحاتها بنهم ونحن صغار، للروائي توفيق يوسف عواد بعض أحداث الحرب العالمية الأولى ومشاهد المجاعة التي عاشها وأرخها في كتابه واصفا مشاهد الجوع والبحث عن اللقمة والموت على الطرقات وفي الحقول والبحث عن بقايا الشعير في روث البقر. كل هذه التفاصيل أخبرنا بها أيضا جدي. وكل من عاش تلك الحقبة لم ينس. كلهم عاشوا القهر والعذاب والجوع ورؤية الأحباء يتهاوون والأطفال يبحثون في أثداء أمهاتهم عن نقطة حليب عبثا.

يا الله كم هي التفاصيل قاسية. فلماذا فعل العثمانيون وشركائهم ما فعلوا؟ ماذا كانت تفعل أمنا الحنون يومها؟ لماذا لم تتحرك فرنسا؟
ثمة من يقول ويصرّ على أن فرنسا تصل دائما متأخرة. يبدو أنها لا تصل متأخرة فقط بل متأخرة جدا، فالمجاعة استمرت أربع سنوات لم يذق فيها كثيرون طعم خبز القمح أو الذرة أو الشعير. أربع سنوات بيعت فيها الأراضي الكثيرة وحتى الأعراض مقابل كيلوغرام واحد من القمح. العثمانيون كانوا أشرارًا. الأتراك (نُذكر) لا.  ماذا عن فرنسا؟ قيل إنها، كما كل الحلفاء، ساهموا بإقفال الطريق بإحكام كي لا يتسرب السلاح الى العثمانيين.

وأتى الجراد. وتصحرت الأرض في آذار عام 1914 في عشرين يوما. حصارٌ عثماني. حصار الحلفاء. وجرادٌ يغزو بلا هوادة حاجبا حتى الشمس، والجراد لمن لا يعرف قادر كل سرب منه، بطول كيلومتر واحد، على التهام نحو مئة ألف طن من النباتات الخضراء يوميا وهو ما يكفي لغذاء نصف مليون إنسان مدة سنة!
فهل تتصورون هذا؟ هل تتصورون ما حصل؟ تأكل الجرادة الواحدة بين غرام ونصف الى ثلاثة غرامات من النباتات الخضراء والكيلومتر المربع الواحد احتوى على خمسين مليون جرادة تقريبا! ولكم أن تتصوروا، في مخيلتكم، ما حدث…
لكم أن تتذكروا أيضا وأيضا أن من صمد من سكان جبل لبنان هم من قرروا أن ينتقموا من الجراد بأكل الجراد، سلقوه وشووه وأكلوه فصمدوا! أليس حب الحياة أقوى من أي شيء ومن كل شيء؟

 
 
جياع، احياء يتناوبون دفن الاموات
 
   4- بالصور، اديرة للرهبنة المارونية، تحتضن جياعا
 
     
عدد من الفقراء في ساحة دير سيدة ميفوق ممّن كان يقوتهم الدير في المجاعة الجياع في ساحة دير معاد في الحرب العالمية الأولى الفقراء في ساحة دير القطـّارة في الحرب العالمية الأولى
الفقراء أمام  مدخل دير كفيفان فقراء أمام دير مار أنطونيوس حوب - تنورين إبان المجاعة جمهور وتلامذة دير سيدة مشموشة مع الأب الرئيس بولس أبي نادر الرشماوي
 
البطريرك الماروني و...

          نص سند رهن الرهبانية اللبنانية المارونية ارزاقها لفرنسا، الذي وقعه الأباتي أغناطيوس داغر التنوري:

" نحن الموقعين أدناه ألأب أغناطيوس داغر التنوري رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية العام نسأل الحكومة الفرنسية قرضا بقيمة مليون فرنك ذهب لكي يوزع على الفقراء والمحتاجين ونقدّم ضمانة لهذا  القرض أملاك الرهبانية، وبما أنه يتعذّر علينا المخابرة رأسا مع الحكومة الإفرنسية في الشروط اللازمة لهذا القرض نكلّف جناب المسيو ترابو حاكم جزيرة أرواد الذي لنا فيه ملء الثقة أن ينوب عنا في هذا الأمر والضمانة المشار اليها في السند تقع على القيمة التي تصل ونعطي علما بها".

                                                             تحريرا في تشرين الثاني سنة 1916

الأباتي اغناطيوس داغر التنوري
 وغيره، ثمة كهنة باعوا الصلبان المذهبة لإطعام الشعب الجائع. الكنيسة لا تترك شعبها. الكنيسة كانت تقف الى جانب الشعب دائما في اللحظات الصعبة.
 
  5- اليسوعيون والحرب العالمية الأولى
 
   
من مخطوطات أرشيف الاباء اليسوعيين، 1914
 

واتى كشف اليسوعيون عن ارشيفهم ابان الحرب العالمية الأولى 1914- 1918”، فكانت الشهادة: صور وبيانات ورسائل وثّقت مرحلة مجاعة البشر.
رسالة تقول: “صودر كل شيء من أحصنة وبهائم وجمال ابتداء من 11 آب 1914 حتى أن السكك الحديد صودرت وحصر استخدامها بالنقل العسكري العثماني ونظرا الى عدم توفر الفحم الحجري استخدم خشب التوت وأشجار الغابات اللبنانية وقودا للقاطرات”.
رسائل رسائل وكل رسالة تتحدث عمّا يُفترض ألا يغيب في مجاهل النسيان.

 
     
من الارشيف، الجوع اعاقه عائلة ... اطفال جياع يطلبون الصدقة
جياع هاجروا قراهم في الطريق الى الطعام استراحات في العراء في الطريق الى الطعام كبار واولاد واطفال يهربون عبر الوديان من قراهم سعيا وراء الطعام
 
 
عائلة جائعة تحتضر
 
  6- جمعية خيرية توزع الخبز على الفقراء في البترون
 
 
جمعية خيرية توزع الخبز على الفقراء في البترون شمال لبنان عام 1916 خلال المجاعة الكبرى
 
  7- وماذا بعد؟

لم ننته بعد، فللمجاعة شهود كثر، ففي سجلات كنيسة  رعية مار جرجس في المتين، نقرا عن شهر أيلول عام 1916:
أنا الخوري لويس قد انتقل عن يدي الى رحمته تعالى المرحومة غاتا أرملة أسعد ساسين منصف أبو نادر وكانت وفاتها في 6 أيلول 1916.
وقد انتقل الى رحمته تعالى المرحوم يوسف شديد الصباغ بعد قبوله الأسرار المقدسة وكانت وفاته في 12 أيلول 1916.
قد انتقلت الى رحمته تعالى المرحومة عدلا ابنة كنعان الصباغ بعد قبولها الأسرار المقدسة في 12 أيلول 1916.
قد انتقل الى رحمته تعالى المرحوم ملحم ابراهيم ناصر كليب بعد قبوله الأسرار المقدسة في 14 أيلول 1916.
قد انتقلت الى رحمته تعالى المرحومة حسناء حرمة نعمه عازار من طائفة الروم الكاثوليك وكانت وفاتها في 18 أيلول 1916.
قد انتقلت الى رحمته تعالى المرحومة كفا ارملة وازن كليب في 20 أيلول 1916.
أنا الخوري لويس قد انتقلت عن يدي الى رحمته تعالى المرحومة سعدى حرمة جبرائيل الجبيلي في 20 أيلول 1916.
قد انتقل الى رحمته تعالى المرحوم جرجس أسعد كليب في 23 أيلول 1916.
قد انتقلت الى رحمته تعالى المرحومة ليلة ابنة يعقوب خيرالله وكانت وفاتها في 27 أيلول 1916.
قد انتقل الى رحمته تعالى المرحوم جرجس يزبك حجيبان وكانت وفاته في 26 أيلول 1916.
قد انتقلت الى رحمته تعالى المرحومة وردة حرمة يعقوب خيرالله أبي خيرالله وكانت وفاتها في 28 أيلول 1916.
قد انتقل الى رحمته تعالى المرحوم عيد مخول عازار وكانت وفاته في 29 أيلول 1916.

تعبتم من أخبار الموت؟ اثنتا عشرة حالة وفاة في شهر واحد، واحد فقط، في رعية واحدة، واحدة فقط، قد تعطي صورة لمن لم ينتبه بعد الى “المجاعة الكبرى” في جبل لبنان.
ليس قليلا أبدا أن يموت ثلث شعب وكأن شيئا ما كان. واللبنانيون لا يريدون لا تعويضًا ولا اعترافاً. اللبنانيون ليس لهم، على أنفسهم، إلا أن يتذكروا وهذا يكفي.
ألم تسمعوا بمقولة: إن التاريخ يكرر نفسه لأن الحمقى لم يصغوا إليه جيدا في المرة الأولى؟

 
  8.1- بمفتاحٍ صدئ، اقفل لبنان على جريمة المجاعة ورماه في البحر

حفظنا من دروس التاريخ واقعة مؤلمة: جرت الحرب العالمية الأولى وأتى الجراد وبلع الأخضر واليابس وهلك سكان جبل لبنان جوعا. انتهى الدرس. نقطة على السطر.
مئة عام ونحن نختمُ هذا الدرس بسرعة، في صفحتين، في سطرين مُلخصين، في كلمتين إلا: حرب وجراد… وما تمّ قد تمّ!
قرنٌ مضى والمجاعة الكبرى في جبل لبنان مجرد سراب، خبريات عتيقة، خبريات كهول أداروا ظهورهم في قرنٍ ومضوا الى رحابٍ لا جوع فيها.

هو زمنٌ مات فيه من مات، جوّع فمات، شُنق حتى مات، قُهر فطق ومات… تعددت الأسباب والنتيجة: قتلٌ مقصود!
هو زمنُ السلطنة العثمانية والحلفاء وجمال باشا وأوهانس باشا والمتصرفية والجندرمة والوالي والآستانة. هو زمنُ المذلة. هو زمنُ البطش العثماني في كل الإتجاهات.
هو زمن المجاعة الكبرى التي حصدت ثلث شعب جبل لبنان، والثلث لا يقل بحسب غالبية الوثائق عن مئتي ألف قتيل، شهيد ماتوا من الجوع

صحيح أن السياسة ليست وحدها المسؤولة عن محو القيم الأخلاقيّة، بل إنّ التاجر والمُرابي وصاحب الاحتكار عرفوا جيدًا كيف يستفيدون بجمع الثروات من المجاعة الكبرى، مجاعة الحبيب والاخ والقريب.

يُقال إن البطنَ الملآن لا يفهم بالجوع! بطونكم ملآنة؟ حطموا ولو لمرة الجوامد واصغوا لحقيقة ساطعة مثل الشمس أقفلنا عليها بمفتاحٍ صدئ ورميناه مئة عام في البحر!
للاسف ان انساننا اليوم مهوس، فان نجح يقول فعلت وفعلت وفعلت وحين يخسر يقول: هو القدر!

 
 8.2- المجاعة الكبرى، هي ابادة
بشجاعة، كان لاحدهم كلام الكلام:

كان يسكن جبل لبنان شعب تقدّر الإحصاءات الأقرب إلى الواقع بالوسائل المتاحة في ذاك العصر، معدّل عديده ما بين 420 و 450 ألف نسمة. مـرّ بحقبة سُمّيت بنظام المتصرفيّة، امتدّت من 1861 حتّى 1914، أي نصف قرن، سمحت له بالخلود إلى بعض الراحة الأمنيّة والازدهار الاقتصادي، حقبة كان قد سبقها قرون ثلاث ونيف من عهد الإمارة اتسمت بالمضايقات السياسيّة، والأعباء الضريبيّة التي لم تكن تُطاق، والحروب المتتالية، والمآسي التي تُوّجت بأحداث 1840 – 1860، وانتهت بمجازر رهيبة، شكـّل المسيحيون وقودها، كالعادة، في لعبة أمم أوروبيّة، وإجرام عثماني واضح، وارتهان لبناني قاتل.

ونشبت الحرب العالميّة الأولى، وسقطت الاتفاقات الدوليّة والمعاهدات، فتحوّل جبل لبنان إلى ساحة مفتوحة، واللبنانيون لقمة سائغة دون سلاح، ودون حماية أجنبية، مما سمح للأتراك احتلال الجبل، وكان لهم ذلك بمثابة نزهة، وقد عاثوا في البيوت والقرى والبلدات نهبًا وخرابًا. ومثالاً على ذلك، أمر الأتراك الآباء اليسوعيين بالخروج من ديرهم في بكفيا، ولم يكتفوا بسلب الدير ونهبه، بل حوّلوا الكنيسة إلى اسطبل لخيولهم. وهكذا فعلوا في مدرسة عينطورة الذائعة الشهرة آنذاك، وفي غيرها من المؤسسات التربوية والاستشفائية. ثمّ كان حصار الجبل، فضربوا طوقًا عسكريًّا قاسيًا يهدف إلى منع وصول القوافل المحملة قمحًا وزروعًا غذائية، من شعير وذرة وأرز إلى الاهالي. ففي الحادي عشر من آذار 1915 (وكانت الحرب في بدايتها) أصدر جمال باشا أمرًا مشدّدًا بوجوب إبعاد المؤن والأغلال والحاصلات والعربات والحيوانات وسائر مسببات النقل الموجودة في القرى الساحلية إلى القرى الداخلية البعيدة (أي خارج جبل لبنان). وأكّد جمال باشا على مأموري الحكومة أن يلبّوا الأمر بالعجلة الممكنة، وأشار إليهم أن يحرقوا ما يتبقى من الحبوب في المخازن، فيما لو تسنّى للأعداء أن ينزلوا على الشواطئ لأجل احتلالها. ابتدأت أسعار الحنطة بالارتفاع، وكان قبل ذلك قد تصاعدت أثمان باقي الحبوب (عدس، حمص، فاصوليا، شعير وذرة…) وكلّ حاجيات المعيشة (الكاز، الأرز، السكر…). أمّا أرباب الحكومة البيروتيّة الذين كانوا يدأبون طبقًا لرغائب جمال باشا لإيجاد الطرق المضرّة بصوالح الجبل، فإنّهم أخذوا الحيطة لمنع الأغلال من دخول لبنان. وإذا تسنّى لأحدنا جلب شيء من الحبوب بطريقة أو بأخرى، كانت المفارز العسكريّة المشتتة في سائر جهات لبنان تضع يدها عليه، مدّعية أنّها بشديد الحاجة إلى الحبوب لأجل إطعام الجيش الذي يحارب عن الوطن والدولة. كان ناتج الجبل السنوي من القمح يكفي لمدة شهرين أو ثلاث على الأكثر، والباقي يتزودونه من سهل البقاع وسهول حوران.

لقد درس العثمانيون الوضع جيّدًا: تعدّدت الوسائل والإبادة واحدة. القتل بالحديد والنار للشعب الأرمني، والشعب الأشوري، ومحو للهوية الأرمنيّة والأشوريّة، والموت بالمجاعة للشعب اللبناني. ثلاث عمليّات إبادة في زمن واحد. وما الضير في ذلك عند الاتراك؟

انطلاقًا من هذا المخطط الإجرامي الهادف إبادة شعب بأكمله، توالت عوامل أخرى ساهمت في حسن تطبيقه ونجاحه، منها بشريّة، ومنها طبيعيّة.
  • فالعامل البشري  الاول كان ما ذكر من البداية، في الشر العثماني وحصاره لابادة المسيحيين الموارنة في جبل لبنان ...

  • العامل البشري الثاني كان حصارًا من نوع آخر أقامه الاسطول الإنكليزي على امتداد شواطئ فلسطين ولبنان وسوريا، بحجّة منع وصول الامدادات العسكريّة، من سلاح وعتاد وجنود، إلى الجيش التركي، بهدف إضعاف حملته التي شنّها الجيش الرابع بقيادة جمال باشا لاستعادة قناة السويس من الإنكليز. هذا ما ارتدّ سلبًا على المساعدات الغذائية التي كانت حكومة الولايات المتحدة الاميركيّة، وملك اسبانيا الكاثوليكي، ينويان إرسالها إلى الاهالي المحاصرين، وذلك على طلب ضاغط من قداسة البابا في الفاتيكان، والـdiaspora اللبنانية في الاغتراب. رفض الإنكليز أي تساهل، بحجّة أنّ أيّ مساعدات سيستولي عليها الأتراك، ولن يحصل اللبنانيون منها شيئا. هكذا شدّ خناق الحصار بـرًّا وبحرًا.
     

  • العامل البشري الثالث تشكّل، كالعادة أيضًا، من اللبنانيين أنفسهم، أو قل بعضهم، وهل من عجب في ذلك؟ قامت مجموعة صغيرة من المتمولين بالتواطؤ والتضامن مع الوالي العثماني وبعض مساعديه، من مدنيين وضباط أتراك، بشراء وتكديس كميات من القمح، واحتكار بيعها، مضاعفين سعرها مع مرور سني الحرب، من عشرة إلى خمسين إلى مائة ضعف، لا يقبلون عملة إلاّ الذهب الرنّان، بعد أن تدهور سعر صرف الليرة التركيّة الورقيّة. ولمّا تبخّر المال، تحوّل الأهالي إلى الاقتراض، فلم يجدوا أمامهم غير المرابين، حيتان يبتلعون الحجر والبشر مقابل حفنة من الليرات، يرهنون البيوت والأراضي والحقول، ويحجزون النساء والفتيات مقابل إطالة العمر بضعة أسابيع. ولكنّ الأنكى من كلّ ذلك، وما يثير الغضب، أنّ ما من أحد من هؤلاء المجرمين نال عقابه بعد انتهاء الحرب، بل على العكس، أمضوا بقيّة حياتهم يتنعمون بهذا المال الحرام، والاملاك المغتصبة، دون حساب ولا عقاب.

  • هل تغيـّر شيء؟
    أمّا العامل الرابع الذي ساهم بدرجة كبيرة في إرساء المجاعة، فقد أتى من الطبيعة، وكأنّ لعنة من السماء هبطت، وكأنّه لم تكـفِ إذية البشر وضلالهم وفساد أخلاقهم وعدم الخوف من ربّهم. جحافل لامتناهية من الجراد غطّت السماء، وحجبت نور الشمس لأيّام، افترشت الحقول والمزارع والغابات، واحتلّت البيوت وغرف النوم، ولو استطاعت ابتلاع البشر لفعلت. وما يثير العجب أنّ الجراد اختار جبل لبنان دون سواه، وحاد عن سهول القمح في البقاع وحوران. ورغم ذلك، لم يغثنا القمح، فحصار العثمانيين لم يتزحزح، ولم يخف قيد أنملة، والجوع يحصد الآلاف وهم يتفرّجون. محظوظون كانوا عثمانيو ذاك الزمان. أتتهم مساعدة تنفيذ مخطط إبادة اللبنانيين من حيث لا ينتظرون وبسخاء مما سيمكنهم لاحقًا، إذا ما انقلبت الامور لغير صالحهم، أن يتنصلوا من جريمتهم الكبرى، خصوصًا إذا التقى بعض اللبنانيين من أبناء وأحفاد من ماتوا جوعًا، يرفضون فكرة الإبادة، لأنّ الذي حصل لا يتناسب مع المفهوم القانوني للإبادة، ذلك أنّ مبادئ حقوق الانسان، وحريّة الشعوب، والعدالة والمساواة والمحاكمات الدوليّة مطبقة بحذافيرها بنظرهم، أو ليست تهمة الأتراك بالإبادة مغالاة؟ لكن لهذه النظرة نقاش آخر.

ولسوء حظّ جبلنا المسكين، لم يكن اعتداء العساكر التركية المتفرقة في سائر جهاته أخفّ وطأة من مضار ذلك الجراد الفتاك، فما سلم من أشجار، وما نجا من حقوله وبساتينه من أذى الجراد، وقع في أيدي أولئك الجنود السفلة الذين أخذوا يطوفون في الكروم والبساتين والأحراش، بيدهم المناجل والفؤوس، يقطعون الأشجار الحرجيّة، وأغراس العنب والتين والزيتون، وكلّ شيء مثمر، فكانت مضار الجراد شبيهة لفتاكات العساكر…!

سارعت الكنيسة ورجال الدين والرهبانيات للمساعدة، ففتحت الأديرة، ورهنت الأراضي، وبيعت الصلبان الذهبية لشراء القمح، وتوزيع وجبات غذائيّة يوميّة للأهالي. وهاج لبنانيو الاغتراب، من مصر إلى فرنسا إلى القارّة الأميركيّة، فتأسّست الجمعيّات، وعُقدت المؤتمرات، ونُظّمت الحملات الصحفية تهدف كلّها إلى إيقاظ الوعي لدى المغتربين، واستثارة مشاعرهم، وأُنشأت مجموعات ضغط سياسية للتأثير على القرارات الدوليّة.

من أشهر هؤلاء،
  • في فرنسا، خيرالله خيرالله أحد مؤسّسي “الجمعيّة اللبنانيّة” مع شكري غانم وجورج سمنه وندره مطران الذين عملوا على إقناع وزير الحرب الفرنسي آنذاك لإنشاء فيلق أسماه “جيش المشرق” ومركزه جزيرة قبرص.
  • وفي مصر، أسّست “جمعيّة الاتحاد اللبناني” من اسكندر عمون، ويوسف السودا، انطوان الجميّل، حيدر معلوف، جبرائيل تقلا، داود بركات، حبيب غانم، محمد تلحوق، خليل ابي اللمع، بولس مسعد، حبيب يزبك، جرجس حنان، سليم بو عز الدين، سليم البستاني، وسامي جريديني .
  • وفي الولايات المتحدة حيث تجنـّد العديد من المغتربين كأيوب تابت (الذي سيُنتخب سنة 1943 رئيسًا للجمهورية اللبنانية ولم يدم عهده سوى أربعة أشهر فقط لا غير)، والذي أسّس، في أيار 1917، “لجنة تحرير سوريا ولبنان”، وكان من مؤسسيها ثلاث من عظمائنا الخالدين: أمين الريحاني كنائب رئيس، وجبران خليل جبران، كمسؤول عن المراسلات الانكليزية، ومخايل نعيمة للغة العربيّة، وبالرغم من الجهود المضنية التي قاموا بها كانوا كمن يحارب من خلال المنظار.
فلا اللبنانيين بتعاستهم وجوعهم وأمراضهم الوبائية كان بإمكانهم إظهار أي تجاوب، ولا فرنسا كان بمقدورها القيام بأي محاولة عسكرية للمساعدة، ولا الحكام العثمانيين آنذاك، رؤساء “جمعيّة الاتحاد والترقي” الباشوات أنور وطلعت وجمال، كانوا بوارد أي تجاوب سياسي أو انساني ولو بذرّة، وكيف ذلك، والحسّ الإنساني نقيض علّة وجودهم وتكوينهم النفسي والاجتماعي، ولا الألمان، وهنا العائق الأصعب، كانوا بوارد الإصغاء إلى أي مطلب يتعلّق بمسيحيي المشرق ومساعدتهم.

ماذا حصل، إذًا؟ اتفق الجميع، وبنصيحة فرنسية، أنّ الوسيلة الأسلم تكون بإرسال المال الناتج من تبرعات لبنانيو الاغتراب إلى السلطات الكنسيّة في جبل لبنان، تحصر مركزيًّا في بكركي، حيث يتولّى غبطة البطريرك الياس الحويك بتوزيعها وشراء القمح، حتّى من تركيا. وكان بطريركنا الجليل هذا قد باع صليبه الذهبي، وطلب من الدولة الفرنسيّة قرضًا بمليون فرنك فرنسي يرهن لهم مقابل ذلك أملاك الكنيسة والأديار. لم يقبل الفرنسيون، حرصًا على سلامة البطريرك، فيما لو اكتشف الأتراك هذا الاتفاق لكانوا أرسلوا بضع عشرات الآلاف من الفرنكات كهبة، وأخذوا على عاتقهم إيصال التبرعات من جزيرة أرواد، حيث كان مركز التسليم، إلى شواطئ كسروان. وكان المطران يوسف دريان، مطران الموارنة في مصر، من خلال علاقاته الدولية، وحيث كانت الجالية اللبنانية السورية كبيرة وفاعلة وغنية، يتسلّم المال من أنـّى أتى، ويسـيّر عمليات الإعانة.

مع توالي الأشهر والسنين كانت أعداد الموتى تتزايد بالآلاف، والجثث تتراكم على الطرقات حتّى أقفلت المدافن أبوابها، مما ساهم في ازدياد الأمراض والاوبئة.

وهذه شهادة من المقاطع من كتاب الخوري أنطوان يمين “لبنان في الحرب العمومية 1914-1918″ صدر عن المطبعة الأدبية في بيروت، سنة 1921، والمؤلّف عاش المجاعة حيث قضى عدد من أقربائه.
و لتخطى السكوت، فما علينا إلا الكلام والبوح بالحقيقة:
  •  … وفي إبّان ذلك الغلاء الفاحش تعدّدت الحوادث المفجعة التي ترتجف لذكراها الصخور الصماء، ولم نكن لنصدقها لولا أنّنا رأينا بعضها بأمّ أعيننا، وسمعنا بعضها من فم الشتات.

  • … شاهد الكثيرون في حي رأس بيروت، بالقرب من مدرسة الصنائع، ولدين يلتقطان حبّ السمسم من بين أكياس الوسخ، بينما كانت جماعة غيرهما حائمين حول كتلة من عظام الحيوانات المائتة، يمتصونها بنهم الوحوش.

  •  … ونحن بأم عيننا شاهدنا في بيت شباب الولد المسمى نصري… (سأغفل اسم الأب والعائلة) يلتقط الحبّ من فم النمل، بالقرب من كنيسة سيدة الأخوية، وقد شاهد معنا هذا الحادث المعلّم أمين نفاع، من القرية المذكورة، وما زال المعلّم أمين يذكرنا بذلك كلما التقينا.

  • … شاهدنا وشاهد الكثيرون مرارًا متعدّدة جماعة الفقراء أمام مطحنة الطويل ومطحنة البراج في بيروت، ينقبون في براز الخيل والبغال والحمير لالتقاط بعض الحبوب التي كانوا يتناولونها، حاسبين ذلك أفخر طعام لهم.  وكم من مرّة التقينا بالبعض يتزاحمون على قشور الفاكهة وحسك السمك.

  • … وأخبرنا جمهور من أهالي معلقة الدامور أنّ المدعو خطار … كان قاطنًا الدامور وهو من سلفايا، مديرية الشحار، قضاء الشوف، كان يأكل لشدّة جوعه جثث الآدميين. وأفادنا أحدهم أنّ ثلاثة من ضواحي المتين أدّى بهم الجوع الفضاح إلى أكل جثث الآدميين، ثمّ أنّ عددًا وافرًا كان يأكل الحشيش، وكلّ ما تصل اليه يدهم من ورق الحور وورق العنب وورق التين…

بما ان حساب عدد الموتى قبل الوصول إلى حساب المجرمين. من الطبيعي أن تتفاوت الأرقام، وكلّ كلام مخالف لا يتبع أصول المنطق والواقع، سنسرد ما جاء وتقرّر:

المؤرخ الكبير فيليب حتّي الذي قدّر عدد سكان جبل لبنان آنذاك بـ 450.000 يقول إنّ في السنين الأولى للحرب مات ما لا يقلّ عن 110.000 لبناني من الجوع. وأوردت الصحيفة اللبنانية اليومية “لسان الحال”، في عددها المؤرخ في 15 آذار 1918، أنّ حوالي 40% من سكان جبل لبنان قضوا جوعًا، ما يوازي بنظرهم مائة وخمسون ألفًا. إحصاءات الصليب الاحمر الأميركي الذي عمل أثناء الحرب وبعدها يقدّر العدد بـ 250.000. أمّا الآباء الفرنسيّون، وأشهرهم Martinprey وSarloutte وRemy الذين أجروا إحصاء يُعتبر الأدقّ فيقدّرون أنّ العدد أقلّه 180.000 من الأموات والباقي 210.000 أحياء. أمّا الدكتور جوزيف زياده الذي دار من قرية إلى أخرى يجري إحصاء لعدد الموتى فكتب: “يمكننا التأكيد دون أي نسبة خطأ تذكر أنّ عدد موتى الجوع في جبل لبنان يتخطى الـ 200.000.”

بعد كل تلك المعطيات نجد البعض ينزعجون من استعمال مفردة إبادة التي بنظرهم لا تنطبق على الشروط الدقيقة في القانون الدولي بتعريف “الإبادة”.

لكن هلا سألنا أنفسنا، وهذا أقلّ الإيمان، ماذا ضرب ذاكرتنا الفردية والجماعية، وأعمى أبصارنا، وأطفأ مشاعرنا، وحط ّ من كرامتنا، وأخمد إباءنا، وقلّل احترامنا لآبائنا وأجدادنا، بالمعنى البيولوجي للكلمة، وليس المجازي أو التاريخي. هناك ثلاث عوامل من الضروري الاطلاع عليها:
  • العامل النفسي: لقد شكّلت تلك الإبادة الحدّ الأقصى لما يمكن شعب تحمله طوال تاريخه من مآسي وكوارث ونكبات ومجازر ومذابح، إلى آخر المصائب التي ضربت المسيحيين في جبل لبنان طوال تاريخهم، منذ عهد المماليك، وحادثة البطريرك حجولا، وصلبه في طرابلس، إلى عهد العثمانيين، ونهاية المعنيين، وبطش الجزّار، وهروب بشير الشهابي، ومذابح 1860. ولم يكن أجدادنا قد نسوا وطأتها بعد حتّى أتتهم ولأولادهم مجاعة الحرب العالمية الأولى التي فاقت بإجرامها كل ما سبقها. مع دخول الفرنسيين وطردهم العثمانيين وحلولهم مكانهم، شعر المسيحيون أنّ شيئًا جوهريًّا قد تبدّل، وأنّ صفحة جديدة فتحت في وجودهم. ففضلوا طيّ صفحة الماضي الذي لم يعد يحتمل بأكمله، وهذا ما حصل، ولكن بطريقة خاطئة.

  • العامل الاجتماعي: الجوع كحدث اجتماعي ثقافي في حضارتنا اللبنانية والعربية هو مدعاة خجل وللبعض ربّما خزي وعار. عيب أن يجوع أحدنا أو أقله حرام. الجائع يثير الشفقة والدونية. والجوع بمعنيه المادي والمجازي مرفوض اجتماعيًا، فإذا كنت تمدح شخصًا تقول: “عينو شبعانه”، والمذلة هي أن تصفه بـ “العين الفارغة” أو “النفسية الجوعانه”. فكيف الحال إذا كان أهل وأولاد وعائلات ماتت من الجوع، وأُبيدت في المجاعة؟ موضوع في غاية الإزعاج والحرج، فإذا سمحت الظروف عدم ذكر هذا الحدث فلن نتوانى عن ذلك، والوقت كفيل بطمره.

  • العامل السياسي: بعد قرون من نظام سياسي اجتماعي محصور بجبل لبنان، حصل بين ليلة وضحاها انفتاح اجتماعي، وانفلاش جغرافي، وتبديل سياسي جوهري. كان في جبل لبنان مكوّنان رئيسيّان: المسيحيّون والدروز. ومع التوسّع الذي حصل على طلب من الموارنة وإصرار بطريركهم، دخل مكـوّن ثالث، معظمه في ذاك الوقت من السنة. حاول المسيحيّون التقدّم بشكوى للدول العظمى التي ربحت الحرب بالطبع (لأنّه الحقّ دائمًا على الخسران) ضدّ الدولة التركية، بجرم الإبادة، ومحاكمة المسؤولين، كما حصل مع المانيا، لكن سهى عن بالهم أنّ السلطنة العثمانية كانت مركز الخلافة، وهي ترمز دينيًّا ومذهبيًّا إلى مكوّن وشريك جديد من غير المستحب أن نبدأ تعاوننا معه و “العيش المشترك” بموضوع يحمل في طياته اختلاف في وجهات النظر. التوافق أولوية الأولويات، لذا وُجب طـيّ هذا الموضوع، واستبداله بحدث أكثر توافقية المتمثل بالشهداء الذين أعدمهم جمال باشا السفاح. أربعون شهيدا يمثلون الصورة الجديدة للبنان الكبير، مقابل مائتي ألف شهيد ينتمون إلى لبنان الصغير، لأولئك ساحة تحمل اسمهم، يتوسطها نصب يرمز إلى المكونين الجديدين، وعيد وطني سنوي للذكرى، ولهؤلاء صمت مطبق، على أمل أن يتحوّل مع الوقت إلى محو من الذاكرة أو في أحسن الاحوال إلى قصّة غرباء جرت أحداثها في إحدى أصقاع الارض.

لكن للاسف، حساب الحقل لن يطابق حساب البيدر، وذكرى الابادة خرج من ظلمة السكون ...

فغريزة البقاء التي أيقظتها فينا خطورة الأحداث التي تجري في لبنان والمنطقة، منذ أربعة عقود، والتي ابتدأت بحرب لبنان سنة 1975 والله أعلم متى ستنتهي، جعلت الذين قرّروا البقاء في لبنان، أن يعوا لواقعهم، ويتذكروا جذورهم، ويتنبهوا لغدهم. وهذا تصرّف إنساني لا شعوري ينتج من الشعور بالخطر الداهم والحياتي، والعودة إلى الجذور.

والمثابرة لإحياء ذكرى شهدائنا، اسوة بشعوب اخرى شقيقة ابادها الحقد العثماني، بالشجاعة والجرأة للمطالبة بالعدالة والحقّ، بالتعاو والإخلاص للبنان.

يـا ربّ، ساعدنا ...

 
  9- بين العثمانيين والحلفاء، المجاعة في جبل لبنان
 
  9.1- طينتي حلال، كتب شيخ كريم ...
ظل لبنان كسائر الأقطار العربية نحو خمسة قرون متوالية تحت سلطان الدولة العثمانية.
خلال هذه الأجيال، بينما كانت مواكب الحضارة تتزاحم في بلدان الغرب حثيثة الخطى في سبيل المدنية والتقدم، على صعيد العلوم والفنون وعجائب الإختراع والإكتشافات. كانت الأقطار العربية الخاضعة لولي الأمر العثماني يخيم عليها غطاء من التراخي والقعود .

كان العهد العثماني بالنسبة للتطور التاريخي عهد إنحطاط إقتصادي وإجتماعي وثقافي وسياسي، وكان نسيجاً من المظالم والخيانات والمجازر والحروب ما بين الباشوات والأمراء والعائلات الحاكمة المحلية .

إن تاريخ الباشوات حافل بالمآسي، وقد دفع الإسلام ثمن هذه النقائص من حاضره ومستقبله، دفعه في الداخل والخارج، فبعد سبعة قرون من هلاك الخليفة العباسي، كان هناك خليفة قزم من آل عثمان يطرد من منصبه بكل إحتقار، وتراقصت جيوش الإحتلال فوق الأرض الذليلة .

صحيح أن سيل الهزائم التي أوقعها بنا التتار والصليبيون قد وقف، وعادت كفتنا إلى الرجحان، وتصدت العسكرية التركية لأعداء ما ينطفئ لحقدهم ضرام، وصحيح أن الأتراك قمعوا هذا الغرور، ومشوا إلى أصحابه يؤدبونهم، غير أن الأتراك مع أنهم قاموا بدور عظيم  سرعان ما قلدوا العباسيين وغيرهم في الإستبداد السياسي، والإستعلاء الجنسي في القرن الأخير من حياتهم، وهكذا رأينا القدرة على القيادة التي تبرز في الرجال الأوائل، تتلاشى في الأعقاب الوارثين .

بين عامي 1914-1918 كانت الدولة العثمانية في إرتعاشة الإحتضار، والحرب العالمية الأولى تزداد كوارثها، والشعب اللبناني على آخر رمق، والدماء تسيل على الأرض، والدول تتطاحن، والمدافع تقذف كراتها، والمطامع تفعل فعلها، والنفوس تتألم، والجوع ضارب أطنابه في ربوعنا، واليأس مستول على القلوب، والناس في جزع ورعب، والموت الذريع يفتك بالسكان. إذ ذاك كان ملكَ مشاعر الناس هو تأمين الإعاشة، حتى تضاءلت لديهم سائر همومهم  .

ومما لا شك فيه أن لبنان عانى من ويلات الحرب العالمية الأولى وأهوالها الكثير. إذ سُدت طريق البحر، فقلت البضائع وخلت الأسواق من ضروريات الحياة، وإرتفعت الأسعار إرتفاعاً جنونياً، وبرز شبح المجاعة المخيف في شتاء 1916 وتفاقم خطره في السنتين التاليتين، فكان البأس والضرر شاغل الناس وعنوان الأيام، وطالت معظم مناطق بلاد الشام بدرجات مختلفة، وكان أشدها وقعاً في مقاطعات جبل لبنان .

ومع غياب الأرقام الرسمية الموثوقة حول تلك المأساة البشرية رافق تضخيم الأرقام إعطاء المجاعة وجهاً طائفياً وحيد الجانب، وأغفل كثير من الأهداف البعيدة لإستراتجية الحصار الفرنسي – البريطاني المشترك على شرق البحر المتوسط، فقد كان الفرنسيون والإنكليز يخططون للسيطرة على المشرق العربي منذ عقود طويلة، وأثناء الحرب وضعت تلك المخططات موضع التطبيق العملي .

إن الحصار البحري وإغلاق المنافذ كان جزءاً من مخطط عام يقضي بتأليب الرأي العام داخل الولايات العثمانية ضد السلطنة من طريق التجويع والإفقار، وساعدتها في ذلك السياسة العثمانية والألمانية والمتحالفة معها لتأمين حاجياتها وأمنها العسكري من طريق المصادرة، وفرض السخرة، وإعدام المشتبه بهم، وفرض التجنيد الإجباري، وفرض رقابة صارمة على الإنتاج الزراعي .

نتيجة لذلك وجد اللبنانيون أنفسهم خاضعين لحصار مزدوج ومطبق، حصار داخلي مباشر فرضه الجيش العثماني ولاحقاً مع حليفه الألماني من جهة، وحصار أوسع مدى لا يراه اللبنانيون لأنه يطاولهم مع محاصريهم، فعاشوا حصاراً أليماً، ودفعوا الثمن مضاعفاً من أرواحهم وأموالهم وأرزاقهم .

وبقدر ما كان الحصار الخارجي يضيق الخناق على العثمانيين كان هؤلاء يضيقون الخناق بدورهم على اللبنانيين. فكانت سياسة التجويع جزءاً من مخطط أوروبي مدروس لتفكيك السلطنة وإحتلال ما تبقى من ولاياتها العربية وتصوير هذا الإحتلال كعامل إنقاذ لسكان بلاد الشام من الإستبداد العثماني .

عن أهوال المجاعة وآثارها وما خلفته من مآس في جبل لبنان كتبت مراجع عديدة، وروى شهود عيان ما حدث إبان تلك المحنة التي عصفت باللبنانيين، وأنزلت بهم من المصائب والكوارث ما يجعل الولدان شيباً .

فقد أمسك الأغنياء على ما في أيديهم من المال فخف الشغل، وكسدت الحرف وأقفلت أبواب البحر فانقطع الغوث من المهاجرين وخنق السوري واللبناني معاً، وطغى الجراد في أول سنة من الحرب، فأوقع الخراب واستنزف ما بقي في يد اللبناني من أسباب الحياة .

ولما فرغت يد اللبناني من وسائل أخذ يبيع كل ما عنده كي يشتري بثمنه خبزاً، فباع أولاً أرضه ومقتناه، ثم بيته وأثاثه، باع ذلك بأبخس الأثمان، فما كانت قيمته عشرين ألفاً ذهباً بيع بعشرين ليرة ورقاً .

على أن السعيد الموفق من وجد لأرضه مشترياً أو مسترهناً، وهو يرضى بأن يستدين المئة بمئتين بل بثلاث بل بخمس بل بألف إلى سنة واحدة .

المعمرون في برجا يروون حكايات تلك السنين العجاف، ويُجمعون على أن قريتهم لم تتأثر كثيراً بالمجاعة الكبرى التي فتكت بلبنان وشملت معظم قراه:

  • لم تخلُ برجا من القمح الذي كان يوفره لها ثلة من التجار الذين كانوا يحملونه على دوابهم عبر الأودية والهضاب من صيدا وفلسطين ويبيعونه في برجا، وكان من أبرزهم أحمد الحاج محمد الزعرت وشقيقه خضر .

  • ولم تتوان النسوة عن تحمل مشاق تهريب الحنطة عبر السواقي من صيدا، فقليلاً ما تعرّض الأتراك لهن، أضف إلى ذلك ما كانت تختزنه برجا من الحبوب وبالأخص الحنطة التي انتشرت زراعتها في الحقول وحتى بين الصخور .
     

  • وتؤكد المصادر التاريخية أيضاً على تقديم السلطات العثمانية في بيروت ودمشق وغيرهما من بلاد الشام لوجبة عشاء يومية مجانية للجائعين طوال عدة أشهر في زمن المجاعة، ودلت بعض الوثائق على أنها كانت تقدم يومياً لثلث سكان معظم المدن بما فيها دمشق وحلب وبيروت .

  • ولم يقتصر الأمر على المدن إذ أمر اسماعيل حقي بك متصرف لواء جبل لبنان بتوزيع إعاشات القمح في كل شهر على سكان إقليم الخروب .
    وقد جعل مركز التوزيع الذي كان يجري بموجب بطاقات شخصية يصدق عليها مشايخ الصلح في القرى، في وادي الزينة. ثم أمر بفتح الأفران في كل من شحيم وبرجا لتوزيع الخبز على الناس بإشراف مأمورين عينهم من خارج المنطقة
    وقد إلتزم توزيع الإعاشات الشيخ كامل الخطيب رئيس بلدية برجا آنذاك وتأمينها دورياً لمواطنيه خلال تلك الأزمة .

  •  ” ما جاع أحد في برجا ”. هذا ما حدّث به الأجداد، وهذا ما يؤكده المعمرون. ولكن المآساة ألجأت الناس إلى سياسة التقشف الصارمة، سلقوا الحشائش وتبلوها، وخبزوا أواقي الحنطة والذرة كفاف يومهم، وشاعت بينهم طبخة المدردرة بشعير.

  • هذا التقشف عند السواد الأعظم من الناس، قابله إحتكار الغلال عند بعض الأغنياء وبيعهم المؤن بأفحش الأسعار ومبادلتها بالأراضي، الأمر الذي صيّر بعض الأفراد ملاكين كباراً .
     

  • وقد ساعد أهالي برجا في تحمل المعاناة تجارتهم الرابحة في أنحاء بلاد الشام، إذ كانوا يحملون منتوج الأنوال البرجاوية الذي كان رائجاً ومرغوباً يبيعونه في الأسواق والقرى والنجوع، ومن ثم يعودون بالمال والمؤن التي تقيهم شر الجوع والخوف.

  • وفي الطريق إلى برجا عبر الساحل كان الناس الذين خارت قواهم من شدة ما عانوا من سوء المعيشة والجوع، فانطرحوا على جوانب الشوارع يستنجدون بكلمات تفتت الأكباد. ويردد كبار السن في قريتنا عبارات كانت تدور على ألسنة هؤلاء الجياع : جيعان .. جيعان .. بدي آكل .
     

  • في هذه الأثناء إنتشرت الأمراض والأوبئة بشكل مخيف، كان الذباب ينقل حمى التيفوئيد، وكان القمل يحمل حمى التيفوس، وقد ذكر لنا أن القمل إنتشر في بيوت متعددة لبحارة العين.
    وكان أشد المصائب أسراب الجراد التي غزت البلاد في نيسان سنة 1915، ظل الجراد يحجب نور الشمس أياماً عديدة فلم يُبقِ من الأخضر شيئاً .
    وطفق البرجاويون في كرومهم وممتلكاتهم يلهجون بالدعاء إلى الله أن يبعث طير السمرمر على أسراب الجراد، وهو المشهور بعدائه له حيث إن سرباً من هذا الطائر يبيد من الجراد الصغير ما يفوق عدده، وما رددوه:
    يا سْمُرْمُر قوم قوم                       الجراد تلاّ الكروم
    حتى إذا أوى الناس إلى بيوتهم سدوا كل المنافذ عليهم خوفاً من أن يقتحمها الجراد .
     

  • بعد إن إنتهت الحرب عام 1918 قامت الإرساليات الأميركية في صيدا بعملية إحصاء للأضرار المادية والخسارة في الأرواح، إذ تهدم 2500 مسكن في 182 قرية (في جبل لبنان)، أما الخسارة في الأرواح فقاربت مئة ألف نسمة (بشرية) من أصل 450000 (انسان مسيحي ماروني)

  9.2- وجهة نظر، الحلال المبتور ...
للاسف لهذا الشيخ الجليل، تراه حينا مغوارا في الحقيقة واحيانا خائفا مرتعبا بتصنيفه المستعمرين. كانه هناك مستعمر حلال واخر حرام، وفقا للاهواء  
فيا ايها  الشيخ، ايا كان المستعمر هو مجرم. ومن احتضن او اذرا اي مستعمر، عن معرفة او غير معرفة وحتى كان ابا او اما او اخا هو مجرم. فالماني والنمساوي اشتروا غالبية موارد  بلاد الشام وباسعار مرتفعة، بتفويض من العثماني. فشحت موارد اهل البيت وارتفعت الاسعار وخيم شبح الاحتكار. اليس عمل الحلفاء جريمة وعمل الالمان والنمساوين جريمة وعمل العثمانيين جريمة. اما العثماني لانه اخاك في الدين نبخره اما الاخرين فانجاس.
اليست الحقيقة نورها ساطع والجريمة في ظلمة الظلمات.

فيا شيخنا، هل من العقل والشرائع كما يقال: فاذا كان الشيطان يحاربك ويخنقك، فهل للخلاص منه يكون بالاستعانة بشيطان اخر؟  الن يتشارك الشيطانان للقضاء عليك.
فاذا كان الشيطان الخارجي يضيق الخناق عليك، فلمحاربته قام الشيطان العثماني فخنقق. فيكفي حججا وتبريرا، لنقلها صراحة ان الغباء العثماني كان اداة التدمير الزاتية، وغرور التتريك والاسلام هما سلاحا اجرامه وغروره.
لن اتكلم بلغة المحبة والسماح، لان المجرم يرفضها. فسياسة القتل تجر القتل وسياسة الدم تجر الدم. فمن لعبها لعب في الفراغ.

فيا شبخنا، تطالعنا بالتناقضات، لماذا،  اكنت زمنه وجيها من وجهاء العثمانيين المدلل. وللتاريخ رغبت ان توصفهم بالملائكة. في حين كان قلمك قد ادانهم. فجريمة المجاعة كان قد لبسها الحلفاء والالمان والنمساويين والعثمانيين، فهم مجرمون.
ثم تصف لنا كرم العثمانيين وتفانيهم بخدمة الائعاشة، في حين قيل: ان جيشهم في مصر، وزع وجبة طعام كاملة على الجنود في الخطوط الامامية،  ونصف وجبة طعام للجنود في الخطوط الخلفية.

صحيح ايها الشيخ، انت والعثماني شريكان في الاسلام، لكن تتريكه اهم من اسلامه. فلولا كان  شره  محصورا بالمسيحي في جبل لبنان، لكان حصنكم من المجاعة والامراض. بل الواقع ان شره تصاعدي.
فالمجاعة هي من تخطيط العثماني وصناعة الالماني والنمساوي. فالجراد وشهر نيسان نقيدان علميا! مما يرجح افتعال العثماني نقل بيض الجراد الى لبنان، ففقص ، وكان ما كان. اما عن الامراض فاعتقد انها صناعة عثمانية، فيقال ان جامعة الطب العسكرية في اسطنبول، كانت منذ زمن تجري ابحاث بما يخص ما يسمى اليوم بالحرب الجرثومية   

اما عن برجا فتخبرنا انها لم تعرف المجاعة بل التقشف الشديد، في حين محيط طرقات برجا، غصا بالجائعين   
    
واخيرا طالعنا شيخنا باحصاء للأضرار المادية والخسارة في الأرواح. اما الاسف والرحمة ليس على التعداد، بل على شيخنا الذي بارادته يعيش في مجتمع متعدد وان يكتب بصدق للتاريخ ان الخسارة في الارواح هي لبشر كانوا ولدوا بسماح من الله الذي يكبر له، واكثر يا شيخنا فلقمة عيشك وحياتك من شركتهم، فخيارك احترامهم او ابادتهم او ارحل عنهم.
اكان ربع شعب جبل لبنان او ثلثه ضحايا اجرام المجاعة، من واجبنا ان نستذكر، ان حق اي مكون من شعب لبنان هو من حق المكون الاخر والعكس صحيح، والوحدة الداخلية هي حصن الجميع.
 
  10- من ذاكرة الحرب العظمى، حبل المشنقة؟

كتبٌ قليلة كُتبت عن المجاعة الكبرى. كُتِبَ أكثر عن تعليق المشانق. “التجويع” جريمة والشنق جريمة.
وغدا، في السادس من أيار، سنتذكر زملاء الكلمة الذين قضوا على مذبح القلم والحبر غير الرماديين، ممن أعدموا قوافل بأمرٍ من جمال باشا السفاح.
سنتذكر الشقيقين أنطوان وسليم زريق اللذين أعدما بالرصاص في 14 أيلول والشقيقين فيليب وفريد الخازن، صاحبي صحيفة “الأرز” في جونية، اللذين استشهدا في 5 حزيران 1916، وسنتذكر عبد الكريم الخليل وسعيد فاضل عقل والشيخ أحمد حسن طبارة وعمر حمد وعبد الغني العريسي وباترو باولي وجرجي حداد والأمير عارف الشهابي، وسنتذكر أول شهيد للصحافة اللبنانية محمد المحمصاني.

لن ننسى أن 29 مسلما و13 مسيحيا بينهم 14 صحافيا ساروا جنبا الى جنب بخطى ثابتة الى أعواد مشانق العثمانيين.
ولن ننسى طبعا أن جرائم الغدر تتالت أيضا بعد العثمانيين فقتل إدوار صعب الذي رفع شعار “أندره فونتين”: “أن لبنان يشبه لعبة صينية عندما ترميها تدور وتدور في كل الإتجاهات ثم تجلس”.
ولن ننسى أكيد نسيب المتني وكامل مروة ولا سليم اللوزي الذي عاث فيه القتلة كل أنواع الحقد فوجد مهشم الجمجمة مسلوخ اليد اليمنى التي كتب فيها أجمل ما كتب عن الحرية والحق والعدالة. رموا عليه الأسيد ورموه في أحراج بلدة عرمون ...

 
     
نصب تذكاري للشهداء، الذين اعدموا لانهم طالبوا بإستقلال لبنان جمال باشا السفّاح اعدم المنادين بإستقلال لبنان جمال باشا السفّاح مع بعض من معاونيه
 
مدينة بيروت، 1860   مدينة بيروت، 1915
 
 
 www.puresoftwarecode.com  :    HUMANITIES Institute  ART Institute & Others
 SOFTWARE Institute  CHRISTIANITY Institute    
   "Free, 100 Software Programming Training Courses"       Le HANDICAP c'est quoi ?   (in French)  Basilica Architecture, in the Shape of a Cross
 VISUAL STUDIO 2010 in English  Holy BIBLE in 22 Languages and Studies ...  Drugs and Treatment in English, french, Arabic  Old Traditional Lebanese houses
 VISUAL STUDIO .NET, Windows & ASP in English  220 Holy Christian ICONS  Classification of Wastes from the Source in Arabic  5 DRAWING Courses & 3 Galleries
 VISUAL STUDIO 6.0 in English  Catholic Syrian MARONITE Church    Meteora, Christianity Monasteries - En, Ar, Fr
 Microsoft ACCESS in English  HOLY MASS of  Maronite Church - Audio in Arabic  Christianity in the Arabian Peninsula in Arabic  Monasteries of Mount Athos & Pilgrimage
 PHP & MySQL in English  VIRGIN MARY, Mother of JESUS CHRIST GOD  Summary of the Lebanese history in Arabic  Carved Rock Churches, in Lalibela, Ethiopia
 SOFTWARE GAMES in English  SAINTS of the Church  LEBANON EVENTS 1840 & 1860, in Arabic  
 WEB DESIGN in English  Saint SHARBEL - Sharbelogy in 10 languages, Books  Great FAMINE in LEBANON 1916,  in Arabic  my PRODUCTS, and Statistiques ...
 JAVA SCRIPT in English  Catholic RADIO in Arabic, Sawt el Rab  Great FAMINE and Germny Role 1916,  in Arabic  
 FLASH - ANIMATION in English  Читать - БИБЛИЯ и Шарбэль cвятой, in Russe  Armenian Genocide 1915  in Arabic  4 Different STUDIES
 PLAY, 5 GAMES  Apparitions of  Virgin Mary - Ar   Sayfo or Assyrian Genocide 1915 in Arabic  SOLAR Energy & Gas Studies
     Christianity in Turkey in Arabic  WELCOME to LEBANON
 SAADEH BEJJANE Architecture      YAHCHOUCH, my Lebanese Village
 CARLOS SLIM HELU Site.  new design    Prononce English and French and Arabic Letters  ZOUEIN, my Family - History & Trees
       Chucri Simon Zouein, Computer engineer
     
echkzouein@gmail.com
© pure software code - Since 2003