فصل
1
بدء الخليقة
1-
فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ،
2-
وَإِذْ كَانَتِ الأَرْضُ مُشَوَّشَةً
وَمُقْفِرَةً وَتَكْتَنِفُ الظُّلْمَةُ وَجْهَ الْمِيَاهِ، وَإِذْ كَانَ
رُوحُ اللهِ يُرَفْرِفُ عَلَى سَطْحِ الْمِيَاهِ،
اليوم الأول : النور
3-أَمَرَ
اللهُ : «لِيَكُنْ نُورٌ». فَصَارَ نُورٌ،
4-
وَرَأَى اللهُ النُّورَ
فَاسْتَحْسَنَهُ وَفَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّلامِ.
5-
وَسَمَّى اللهُ النُّورَ
نَهَاراً، أَمَّا الظَّلامُ فَسَمَّاهُ لَيْلاً. وَهَكَذَا جَاءَ مَسَاءٌ
أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ، فَكَانَ الْيَوْمَ الأَوَّلَ.
اليوم الثاني : الجلد
6-
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ :
«لِيَكُنْ جَلَدٌ يَحْجُزُ بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ».
7-
فَخَلَقَ اللهُ
الْجَلَدَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْمِلُهَا السُّحُبُ
وَالْمِيَاهِ الَّتِي تَغْمُرُ الأَرْضَ. وَهَكَذَا كَانَ.
8-
وَسَمَّى اللهُ
الْجَلَدَ سَمَاءً. ثُمَّ جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ
الْيَوْمَ الثَّانِي.
اليوم الثالث : الأرض الجافة
والخضروات
9-
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ :
«لِتَتَجَمَّعِ الْمِيَاهُ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَوْضِعٍ
وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَهَكَذَا كَانَ.
10-
وَسَمَّى اللهُ
الْيَابِسَةَ أَرْضاً وَالْمِيَاهَ الْمُجْتَمِعَةَ بِحَاراً. وَرَأَى
اللهُ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ.
11-
وَأَمَرَ اللهُ : «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ
عُشْباً وَبَقْلاً مُبْزِراً، وَشَجَراً مُثْمِراً فِيهِ بِزْرُهُ الَّذِي
يُنْتِجُ ثَمَراً كَجِنْسِهِ فِي الأَرْضِ». وَهَكَذَا كَانَ.
12-
فَأَنْبَتَتِ الأَرْضُ كُلَّ أَنْوَاعِ الأَعْشَابِ وَالْبُقُولِ الَّتِي
تَحْمِلُ بُزُوراً مِنْ جِنْسِهَا، وَالأَشْجَارَ الَّتِي تَحْمِلُ
أَثْمَاراً ذَاتَ بُذُورٍ مِنْ جِنْسِهَا. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ
فَاسْتَحْسَنَهُ.
13-
وَجَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ
الثَّالِثَ.
اليوم الرابع : القمر
والنجوم
14-
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ :
«لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُفَرِّقَ بَيْنَ النَّهَارِ
وَاللَّيْلِ، فَتَكُونَ عَلاَمَاتٍ لِتَحْدِيدِ أَزْمِنَةٍ وَأَيَّامٍ
وَسِنِينَ.
15-
وَتَكُونَ أَيْضاً أَنْوَاراً فِي جَلَدِ السَّمَاءِ
لِتُضِيءَ الأَرْضَ». وَهَكَذَا كَانَ.
16-
وَخَلَقَ اللهُ نُورَ يْنِ
عَظِيمَيْنِ، النُّورَ الأَكْبَرَ لِيُشْرِقَ فِي النَّهَارِ، وَالنُّورَ
الأَصْغَرَ لِيُضِيءَ فِي اللَّيْلِ، كَمَا خَلَقَ النُّجُومَ أَيْضاً.
17-
وَجَعَلَهَا اللهُ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُضِيءَ الأَرْضَ،
18-
لِتَتَحَكَّمَ بِالنَّهَارِ وَبِاللَّيْلِ وَلِتُفَرِّقَ بَيْنَ النُّورِ
وَالظَّلامِ. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ.
19-
وَجَاءَ مَسَاءٌ
أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ.
اليوم الخامس : الطيور
والأسماك
20-
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ :
«لِتَزْخَرِ الْمِيَاهُ بِشَتَّى الْحَيَوَانَاتِ الْحَيَّةِ وَلْتُحَلِّقِ
الطُّيُورُ فَوْقَ الأَرْضِ عَبْرَ فَضَاءِ السَّمَاءِ».
21-
وَهَكَذَا
خَلَقَ اللهُ الْحَيَوَانَاتِ الْمَائِيَّةَ الضَّخْمَةَ، وَالْكَائِنَاتِ
الْحَيَّةَ الَّتِي اكْتَظَّتْ بِهَا الْمِيَاهُ، كُلاً حَسَبَ
أَجْنَاسِهَا، وَأَيْضاً الطُّيُورَ وَفْقاً لأَنْوَاعِهَا. وَرَأَى اللهُ
ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ.
22-
وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلاً: «انْتِجِي،
وَتَكَاثَرِي وَامْلإِي مِيَاهَ الْبِحَارِ. وَلْتَتَكَاثَرِ الطُّيُورُ
فَوْقَ الأَرْضِ».
23-
ثُمَّ جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ
الْيَوْمَ الْخَامِسَ.
اليوم السادس : الحيوانات
والإنسان
24-
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ :
«لِتُخْرِجِ الأَرْضُ كَائِنَاتٍ حَيَّةً، كُلاً حَسَبَ جِنْسِهَا، مِنْ
بَهَائِمَ وَزَوَاحِفَ وَوُحُوشٍ وَفْقاً لأَنْوَاعِهَا». وَهَكَذَا كَانَ.
25-
فَخَلَقَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ، وَالْبَهَائِمَ وَالزَّوَاحِفَ، كُلاً
حَسَبَ نَوْعِهَا. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ.
26-
ثُمَّ قَالَ
اللهُ : «لِنَصْنَعِ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا، كَمِثَالِنَا،
فَيَتَسَلَّطَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ، وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ، وَعَلَى
الأَرْضِ، وَعَلَى كُلِّ زَاحِفٍ يَزْحَفُ عَلَيْهَا».
27-
فَخَلَقَ اللهُ
الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً
وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.
28-
وَبَارَكَهُمُ اللهُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَثْمِرُوا
وَتَكَاثَرُوا وَامْلَأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا. وَتَسَلَّطُوا عَلَى
سَمَكِ الْبَحْرِ، وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ
يَتَحَرَّكُ عَلَى الأَرْضِ».
29-
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي قَدْ
أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ أَصْنَافِ الْبُقُولِ الْمُبْزِرَةِ الْمُنْتَشِرَةِ
عَلَى كُلِّ سَطْحِ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ مُثْمِرٍ مُبْزِرٍ، لِتَكُونَ
لَكُمْ طَعَاماً.
30-
أَمَّا الْعُشْبُ الأَخْضَرُ فَقَدْ جَعَلْتُهُ
طَعَاماً لِكُلٍّ مِنْ وُحُوشِ الأَرْضِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ
وَالْحَيَوَانَاتِ الزَّاحِفَةِ، وَلِكُلِّ مَا فِيهِ نَسَمَةُ حَيَاةِ».
وَهَكَذَا كَانَ.
31-
وَرَأَى اللهُ مَا خَلَقَهُ
فَاسْتَحْسَنَهُ جِدّاً. ثُمَّ جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ
الْيَوْمَ السَّادِسَ.
فصل
2
اليوم السابع : يوم الراحة
1-
وَهَكَذَا اكْتَمَلَتِ
السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ بِكُلِّ مَا فِيهَا.
2-
وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ
أَتَمَّ اللهُ عَمَلَهُ الَّذِي قَامَ بِهِ، فَاسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ
جَمِيعِ مَا عَمِلَهُ.
3-
وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ،
لأَنَّهُ اسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْخَلْقِ
4-
هَذَا وَصْفٌ
مَبْدَئِيٌّ لِلسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَهَا الرَّبُّ
الإِلَهُ.
5-
وَلَمْ يَكُنْ قَدْ نَبَتَ بَعْدُ فِي الأَرْضِ شَجَرٌ بَرِّيٌّ
وَلاَ عُشْبٌ بَرِّيٌّ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلَهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ
أَرْسَلَ مَطَراً عَلَى الأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِنْسَانٌ
لِيَفْلَحَهَا،
6-
إلاَّ أَنَّ ضَبَاباً كَانَ يَتَصَاعَدُ مِنَ الأَرْضِ
فَيَسْقِي سَطْحَهَا كُلَّهُ.
7-
ثُمَّ جَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ مِنْ
تُرَابِ الأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ، فَصَارَ آدَمُ
نَفْساً حَيَّةً.
8-
وَأَقَامَ الرَّبُّ الإِلَهُ جَنَّةً فِي شَرْقِيِّ
عَدْنٍ وَوَضَعَ فِيهَا آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ.
9-
وَاستَنْبَتَ الرَّبُّ
الإِلَهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ بَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ، وَلَذِيذَةٍ
لِلأَكْلِ، وَغَرَسَ أَيْضاً شَجَرَةَ الْحَيَاةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ
الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ.
10-
وَكَانَ نَهْرٌ يَجْرِي فِي
عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْقَسِمَ مِنْ
هُنَاكَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَنْهُرٍ:
11-
الأَوَّلُ مِنْهَا يُدْعَى فِيشُونَ،
الَّذِي يَلْتَفُّ حَوْلَ كُلِّ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ يُوْجَدُ الذَّهَبُ.
12-
وَذَهَبُ تِلْكَ الأَرْضِ جَيِّدٌ، وَفِيهَا أَيْضاً الْمُقْلُ وَحَجَرُ
الْجَزْعِ.
13-
وَالنَّهْرُ الثَّانِي يُدْعَى جِيحُونَ الَّذِي يُحِيطُ
بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ.
14-
وَالنَّهْرُ الثَّالِثُ يُدْعَى حِدَّاقِلَ
وَهُوَ الْجَارِي فِي شَرْقِيِّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابِعُ هُوَ
الْفُرَاتُ.
الشجرة المحرمة
15-
وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلَهُ
آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَهَا وَيَعْتَنِيَ بِهَا.
16-
وَأَمَرَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلا: «كُلْ مَا تَشَاءُ
مِنْ جَمِيعِ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ،
17-
وَلَكِنْ إِيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ
مِنْ شَجَرَةِ مَعْرِفَةِ
الْخَيْرِ وَالشَّرِّ
لأَنَّكَ حِينَ تَأْكُلُ مِنْهَا حَتْماً تَمُوت».
خلق المرأة
18-
ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ
الإِلَهُ: «لَيْسَ مُسْتَحْسَناً أَنْ يَبْقَى آدَمُ وَحِيداً. سَأَصْنَعُ
لَهُ مُعِيناً مُشَابِهاً لَهُ».
19-
وَكَانَ الرَّبُّ الإِلَهُ قَدْ جَبَلَ
مِنَ التُّرَابِ كُلَّ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ الْفَضَاءِ
وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى بِأَيِّ أَسْمَاءٍ يَدْعُوهَا، فَصَارَ
كُلُّ اسْمٍ أَطْلَقَهُ آدَمُ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ اسْماً لَهُ.
20-
وَهَكَذَا أَطْلَقَ آدَمُ أَسْمَاءً عَلَى كُلِّ الطُّيُورِ
وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْبَهَائِمِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لِنَفْسِهِ
مُعِيناً مُشَابِهاً لَهُ.
21-
فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ فِي
نَوْمٍ عَمِيقٍ، ثُمَّ تَنَاوَلَ ضِلْعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَسَدَّ
مَكَانَهَا بِاللَّحْمِ،
22-
وَعَمِلَ مِنْ هَذِهِ الضِّلْعِ امْرَأَةً
أَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ.
23-
فَقَالَ آدَمُ: «هَذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ
عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. فَهِيَ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ
امْرِيءٍ أُخِذَتْ».
24-
لِهَذَا، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَتْرُكُ أَبَاهُ
وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَصِيرَانِ جَسَداً وَاحِداً.
25-
وَكَانَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ عُرْيَانَيْنِ، وَلَمْ يَعْتَرِهُمَا
الْخَجَلُ.
فصل
3
سقوط الإنسان
1-
وَكَانَتِ الْحَيَّةُ
أَمْكَرَ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي صَنَعَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ،
فَسَأَلَتِ الْمَرْأَةَ: «أَحَقّاً أَمَرَكُمَا اللهُ أَلاَّ تَأْكُلاَ
مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟»
2-
فَأَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: «يُمْكِنُنَا
أَنْ نَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ كُلِّهَا،
3-
مَاعَدَا ثَمَرَ
الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا، فَقَدْ قَالَ اللهُ : لاَ تَأْكُلاَ
مِنْهُ وَلاَ تَلْمُسَاهُ لِكَيْ لاَ تَمُوتَا».
4-
فَقَالَتِ الْحَيَّةُ
لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا،
5-
بَلْ إِنَّ اللهَ يَعْرِفُ أَنَّهُ حِينَ
تَأْكُلانِ مِنْ ثَمَرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا
فَتَصِيرَانِ مِثْلَهُ، قَادِرَيْنِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ
وَالشَّرِّ».
6-
وَعِنْدَمَا شَاهَدَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ
لَذِيذَةٌ لِلْمَأْكَلِ وَشَهِيَّةٌ لِلْعُيُونِ، وَمُثِيرَةٌ لِلنَّظَرِ
قَطَفَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، ثُمَّ أَعْطَتْ زَوْجَهَا أَيْضاً
فَأَكَلَ مَعَهَا،
7-
فَانْفَتَحَتْ لِلْحَالِ أَعْيُنُهُمَا، وَأَدْرَكَا
أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ، فَخَاطَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ مِنْ أَوْرَاقِ
التِّينِ.
8-
ثُمَّ سَمِعَ الزَّوْجَانِ
صَوْتَ الرَّبِّ الإِلَهِ مَاشِياً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ
النَّهَارِ، فَاخْتَبَآ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ الإِلَهِ بَيْنَ شَجَرِ
الْجَنَّةِ.
9-
فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟»
10-
فَأَجَابَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَاخْتَبَأْتُ خِشْيَةً
مِنْكَ لأَنِّي عُرْيَانٌ».
11-
فَسَأَلَهُ: «مَنْ قَالَ لَكَ إِنَّكَ
عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ
عَنْهَا؟»
12-
فَأَجَابَ آدَمُ: «إِنَّهَا الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا
رَفِيقَةً لِي. هِيَ الَّتِي أَطْعَمَتْنِي مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ،
فَأَكَلْتُ».
13-
فَسَأَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ الْمَرْأَةَ: «مَاذَا
فَعَلْتِ؟» فَأَجَابَتْ: «أَغْوَتْنِي الْحَيَّةُ فَأَكَلْتُ».
14-
فَقَالَ
الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا، مَلْعُونَةٌ
أَنْتِ مِنْ بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ
الْبَرِّيَّةِ، عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ، وَمِنَ التُّرَابِ تَأْكُلِينَ
طَوَالَ حَيَاتِكِ،
15-
وَأُثِيرُ عَدَاوَةً دَائِمَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ
الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ نَسْلَيْكُمَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ
وَأَنْتِ تَلْدَغِينَ عَقِبَهُ».
عقاب الإنسان
16-
ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ:
«أُكَثِّرُ تَكْثِيراً أَوْجَاعَ مَخَاضِكِ فَتُنْجِبِينَ بِالآلاَمِ
أَوْلاَداً، وَإِلَى زَوْجِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَتَسَلَّطُ
عَلَيْكِ».
17-
وَقَالَ لِآدَمَ: «لأَنَّكَ أَذْعَنْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ،
وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا، فَالأَرْضُ
مَلْعُونَةٌ بِسَبَبِكَ وَبِالْمَشَقَّةِ تَقْتَاتُ مِنْهَا طَوَالَ
عُمْرِكَ.
18-
شَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ، وَأَنْتَ تَأْكُلُ عُشْبَ
الْحَقْلِ.
19-
بِعَرَقِ جَبِينِكَ تَكْسَبُ عَيْشَكَ حَتَّى تَعُودَ إِلَى
الأَرْضِ، فَمِنْ تُرَابٍ أُخِذْتَ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».
طرد الإنسان من الجنة
20-
وَسَمَّى آدَمُ زَوْجَتَهُ
«حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ.
21-
وَكَسَا الرَّبُّ الإِلَهُ
آدَمَ وَزَوْجَتَهُ رِدَاءَيْنِ مِنْ جِلْدٍ صَنَعَهَا لَهُمَا.
22-
ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ
الإِلَهُ: «هَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا، يُمَيِّزُ بَيْنَ
الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَقَدْ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَتَنَاوَلُ مِنْ شَجَرَةِ
الْحَيَاةِ وَيَأْكُلُ، فَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ».
23-
فَأَخْرَجَهُ مِنْ
جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْ تُرَابِهَا.
24-
وَهَكَذَا طَرَدَ اللهُ الإِنْسَانَ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ، وَأَقَامَ
مَلائِكَةَ الْكَرُوبِيمِ وَسَيْفاً نَارِيّاً مُتَقَلِّباً شَرْقِيَّ
الْجَنَّةِ لِحِرَاسَةِ الطَّرِيقِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى «شَجَرَةِ
الْحَيَاةِ».
فصل
4
تقدمات قايين وهابيل
1-
وَعَاشَرَ آدَمُ حَوَّاءَ
زَوْجَتَهُ فَحَبِلَتْ، وَوَلَدَتْ قَايِينَ إِذْ قَالَتْ: «اقْتَنَيْتُ
رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ».
2-
ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ
هَابِيلَ، وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِياً لِلْغَنَمِ. أَمَّا قَايِينُ فَقَدْ
عَمِلَ فِي فَلاَحَةِ الأَرْضِ.
3-
وَحَدَثَ بَعْدَ مُرُورِ أَيَّامٍ أَنْ
قَدَّمَ قَايِينُ مِنْ ثِمَارِ الأَرْضِ قُرْبَاناً لِلرَّبِّ،
4-
وَقَدَّمَ
هَابِيلُ أَيْضاً مِنْ خَيْرَةِ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَأَسْمَنِهَا.
فَتَقَبَّلَ الرَّبُّ قُرْبَانَ هَابِيلَ وَرَضِيَ عَنْهُ.
5-
لَكِنَّهُ لَمْ
يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ قَايِينَ وَلَمْ يَرْضَ عَنْهُ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ
جِدّاً وَتَجَهَّمَ وَجْهُهُ كَمَداً.
6-
فَسَأَلَ الرَّبُّ قَايِينَ:
«لِمَاذَا اغْتَظْتَ؟ لِمَاذَا تَجَهَّمَ وَجْهُكَ؟
7-
لَوْ أَحْسَنْتَ فِي
تَصَرُّفِكَ أَلاَ يُشْرِقُ وَجْهُكَ فَرَحاً؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنِ
التَّصَرُّفَ، فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيئَةٌ تَنْتَظِرُكَ، تَتَشَوَّقُ أَنْ
تَتَسَلَّطَ عَلَيْكَ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ فِيهَا»
8-
وَعَادَ قَايِينُ
يَتَظَاهَرُ بِالْوُدِّ لأَخِيهِ هَابِيلَ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا مَعاً فِي
الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ هَجَمَ عَلَى أَخِيهِ هَابِيلَ وَقَتَلَهُ.
9-
وَسَأَلَ الرَّبُّ قَايِينَ: «أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟» فَأَجَابَ: «لاَ
أَعْرِفُ. هَلْ أَنَا حَارِسٌ لأَخِي؟»
10-
فَقَالَ الرَّبُّ لَهُ: «مَاذَا
فَعَلْتَ؟ إِنَّ صَوْتَ دَمِ أَخِيكَ يَصْرُخُ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ.
11-
فَمُنْذُ الآنَ، تَحِلُّ عَلَيْكَ لَعْنَةُ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ
فَاهَا وَابْتَلَعَتْ دَمَ أَخِيكَ الَّذِي سَفَكَتْهُ يَدُكَ.
12-
عِنْدَمَا
تَفْلَحُهَا لَنْ تُعْطِيَكَ خَيْرَهَا، وَتَكُونُ شَرِيداً وَطَرِيداً فِي
الأَرْضِ».
13-
فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: «عُقُوبَتِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ
تُحْتَمَلَ.
14-
هَا أَنْتَ الْيَوْمَ قَدْ طَرَدْتَنِي عَنْ وَجْهِ
الأَرْضِ، وَمِنْ أَمَامِ حَضْرَتِكَ أَخْتَفِي، وَأَكُونُ شَرِيداً
طَرِيداً فِي الأَرْضِ، وَيَقْتُلُنِي كُلُّ مَنْ يَجِدُنِي».
15-
فَقَالَ
الرَّبُّ لَهُ: «سَأُعَاقِبُ كُلَّ مَنْ يَقْتُلُكَ بِسَبْعَةِ أَضْعَافِ
الْعُقُوبَةِ الَّتِي عَاقَبْتُكَ بِهَا». وَوَسَمَ الرَّبُّ قَايِينَ
بِعَلاَمَةٍ تَحْظُرُ عَلَى مَنْ يَلْقَاهُ اغْتِيَالَهُ.
16-
وَهَكَذَا
خَرَجَ قَايِينُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ
شَرْقِيَّ عَدْنٍ.
أبناء قايين
17-
وَعَاشَرَ قَايِينُ
زَوْجَتَهُ فَحَبِلَتْ وَأَنْجَبَتِ ابْناً دَعَاهُ «حَنُوكَ». وَكَانَ
قَايِينُ آنَئِذٍ يَبْنِي مَدِينَةً فَسَمَّاهَا «حَنُوكَ» عَلَى اسْمِ
ابْنِهِ.
18-
ثُمَّ وَلَدَ حَنُوكُ عِيرَادَ، وَوَلَدَ عِيرَادُ
مَحُويَائِيلَ، وَوَلَدَ مَحُويَائِيلُ مَتُوشَائِيلَ، وَوَلَدَ
مَتُوشَائِيلُ لاَمَكَ.
19-
وَتَزَوَّجَ لاَمَكُ امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ
الْوَاحِدَةِ عَادَةُ، وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ.
20-
وَوَلَدَتْ عَادَةُ
كُلاً مِنْ «يَابَالَ» أَوَّلِ رُعَاةِ الْمَوَاشِي وَسَاكِنِي الْخِيَامِ.
21-
وَأَخِيهِ يُوبَالَ أَوَّلِ الْعَازِفِينَ بِالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ.
22-
وَوَلَدَتْ صِلَّةُ «تُوبَالَ قَايِينَ» أَوَّلَ صَانِعِي آلاَتِ
النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ. كَمَا وَلَدَتْ «نَعْمَةَ» أُخْتَ تُوبَالَ
قَايِينَ.
23-
وَقَالَ لاَمَكُ لِزَوْجَتَيْهِ: «يَاعَادَةُ وَصِلَّةُ،
اسْمَعَا قَوْلِي، يَازَوْجَتَيْ لاَمَكَ أَصْغِيَا لِكَلاَمِي: إِنِّي
قَتَلْتُ رَجُلاً جَرَحَنِي وَشَابّاً كَسَرَنِي.
24-
فَإِنْ كَانَ
يُنْتَقَمُ
لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِلاَمَكَ سَبْعَةً
وَسَبْعِينَ ضِعْفاً».
مولد شيث
25-
وَعَاشَرَ آدَمُ زَوْجَتَهُ
حَوَّاءَ مَرَّةً أُخْرَى فَأَنْجَبَتْ لَهُ ابْناً أَسْمَتْهُ «شِيثاً»
إِذْ قَالَتْ: «قَدْ عَوَّضَنِي اللهُ نَسْلاً آخَرَ عِوَضاً عَنْ هَابِيلَ
الَّذِي قَتَلَهُ قَايِينُ».
26-
وَوُلِدَ لِشِيثٍ أَيْضاً ابْنٌ
سَمَّاهُ أَنُوشَ وَعَنْدَئِذٍ ابْتَدَأَ النَّاسُ يَدْعُونَ بِاسْمِ
الرَّبِّ.
فصل
5
ذرية آدم
1-
هَذَا سِجِلٌّ بِمَوَالِيدِ
آدَمَ. يَوْمَ خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ، صَنَعَهُ اللهُ عَلَى مِثَالِهِ.
2-
وَقَدْ خَلَقَهُ ذَكَراً وَأُنْثَى. وَيَوْمَ خَلَقَهُ، بَارَكَهُ
وَسَمَّاهُ آدَمَ.
3-
كَانَ عُمْرُ آدَمَ مِئَةً وَثَلاَثِينَ سَنَةً
عِنْدَمَا أَنْجَبَ وَلَداً كَشَبَهِهِ وَمِثَالِهِ، وَسَمَّاهُ شِيثاً.
4-
وَعَاشَ آدَمُ بَعْدَ مَوْلِدِ شِيثٍ ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوُلِدَ
لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
5-
وَمَاتَ آدَمُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ
مِئَةٍ وَثَلاَثُونَ سَنَةً.
6-
كَانَ عُمْرُ شِيثٍ مِئَةً
وَخَمْسَ سَنَوَاتٍ عِنْدَمَا أَنْجَبَ أَنُوشَ.
7-
وَعَاشَ شِيثٌ بَعْدَ
ذَلِكَ ثَمَانِيَ مِئَةٍ وَسَبْعَ سَنَوَاتٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ
وَبَنَاتٌ.
8-
وَمَاتَ شِيثٌ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَاثْنَتَا
عَشَرَةَ سَنَةً.
9-
وَكَانَ عُمْرُ أَنُوشَ
تِسْعِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ قِينَانَ.
10-
وَعَاشَ أَنُوشُ بَعْدَ
ذَلِكَ ثَمَانِي مِئَةٍ وَخَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا
بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
11-
وَمَاتَ أَنُوشُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ
وَخَمْسُ سَنَوَاتٍ.
12-
وَكَانَ عُمْرُ قِينَانَ
سَبْعِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ مَهْلَلْئِيلَ.
13-
وَعَاشَ قِينَانُ
بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِي مِئَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا
بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
14-
وَمَاتَ قِينَانُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ
مِئَةٍ وَعَشْرُ سَنَوَاتٍ.
15-
وَكَانَ عُمْرُ
مَهْلَلْئِيلَ خَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ يَارَدَ،
16-
وَعَاشَ مَهْلَلْئِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِي مِئَةٍ وَثَلاثِينَ
سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
17-
وَمَاتَ مَهْلَلْئِيلُ
وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانِي مِئَةٍ وَخَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً.
18-
وَكَانَ عُمْرُ يَارَدَ
مِئَةً وَاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ أَخْنُوخَ.
19-
وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِي مِئَةِ سَنَةٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا
بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
20-
وَمَاتَ يَارَدُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ
وَاثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً.
21-
وَكَانَ عُمْرُ أَخْنُوخَ
خَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ مَتُوشَالَحَ.
22-
ثُمَّ عَاشَ
أَخْنُوخُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ سَارَ فِيهَا مَعَ اللهِ.
وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
23-
وَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ أَخْنُوخَ
ثَلاَثَ مِئَةٍ وَخَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً.
24-
وَسَارَ
أَخْنُوخُ مَعَ
اللهِ، ثُمَّ تَوَارَى مِنَ الْوُجُودِ، لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ إِلَيْهِ.
متوشالح ونوح
25-
وَكَانَ عُمْرُ مَتُوشَالَحَ
مِئَةً وَسَبْعاً وَثَمَانِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ لاَمَكَ.
26-
وَعَاشَ مَتُوشَالَحُ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعَ مِئَةٍ
وَاثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ/
27-
وَمَاتَ مَتُوشَالَحُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَتِسْعٌ
وَسِتُّونَ سَنَةً.
28-
كَانَ عُمْرُ لاَمَكَ مِئَةً
وَاثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ ابْناً،
29-
سَمَّاهُ نُوحاً قَائِلاً: «هَذَا يُعَزِّينَا عَنْ أَعْمَالِنَا
وَمَشَقَّةِ أَيْدِينَا فِي الأَرْضِ الَّتِي لَعَنَهَا الرَّبُّ».
30-
وَعَاشَ لاَمَكُ خَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْساً وَتِسْعِينَ سَنَةً بَعْدَ
وِلاَدَةِ نُوحٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وبَنَاتٌ
31-
وَمَاتَ لاَمَكُ
وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سَبْعُ مِئَةٍ وَسَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً.
32-
كَانَ عُمْرُ نُوحٍ خَمْسَ
مِئَةِ سَنَةٍ عِنْدَمَا أَنْجَبَ سَاماً وَحَاماً وَيَافَثَ.
فصل
6
حقبة الجبابرة
1-
وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ
النَّاسُ يَتَكَاثَرُونَ عَلَى سَطْحِ الأَرْضِ وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ،
2-
انْجَذَبَتْ أَنْظَارُ أَبْنَاءِ اللهِ إِلَى بَنَاتِ النَّاسِ فَرَأَوْا
أَنَّهُنَّ جَمِيلاتٌ فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ مِنْهُنَّ زَوْجَاتٍ
حَسَبَ مَا طَابَ لَهُمْ.
3-
فَقَالَ الرَّبُّ: «لَنْ يَمْكُثَ رُوحِي
مُجَاهِداً فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. هُوَ بَشَرِيٌّ زَائِغٌ،
لِذَلِكَ لَنْ تَطُولَ أَيَّامُهُ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً
فَقَطْ».
4-
وَفِي تِلْكَ الْحِقَبِ، كَانَ فِي الأَرْضِ جَبَابِرَةٌ،
وَبَعْدَ أَنْ دَخَلَ أَبْنَاءُ اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَلَدْنَ
لَهُمْ أَبْنَاءً، صَارَ هَؤُلاَءِ الأَبْنَاءُ أَنْفُسُهُمُ
الْجَبَابِرَةَ الْمَشْهُورِينَ مُنْذُ الْقِدَمِ.
عقاب الله للبشرية
5-
وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ
شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ
فِكْرِ قَلْبِهِ يَتَّسِمُ دَائِماً بِالإِثْمِ، 6فَمَلأَ قَلبَهُ الأَسَفُ
وَالْحُزْنُ لأَنَّهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ.
6-
وَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو
الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ مَعَ سَائِرِ
النَّاسِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالزَّوَاحِفِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي
حَزِنْتُ أَنِّي خَلَقْتُهُ».
7-
أَمَّا نُوحُ فَقَدْ حَظِيَ بِرِضَى الرَّبِ.
نوح يصنع فُلكاً
9-
وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ
نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ صَالِحاً كَامِلاً فِي زَمَانِهِ، وَسَارَ نُوحٌ مَعَ
اللهِ.
10-
وَأَنْجَبَ نُوحٌ ثَلاَثَةَ أَبْنَاءٍ هُمْ سَامٌ وَحَامٌ
وَيَافَثُ.
11-
وَإِذْ سَادَ الشَّرُّ الأَرْضَ أَمَامَ اللهِ وَعَمَّهَا
الظُّلْمُ،
12-
نَظَرَ اللهُ وَإِذَا بِهَا فَاسِدَةٌ لأَنَّ كُلَّ بَشَرٍ
عَلَى الأَرْضِ قَدْ سَلَكَ فِي طَرِيقِ الإِثْمِ.
13-
فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ:
«قَدْ أَزِفَتْ نِهَايَةُ الْبَشَرِ جَمِيعاً أَمَامِي، لأَنَّهُمْ
مَلَأُوا الأَرْضَ ظُلْماً. لِذَلِكَ سَأُبِيدُهُمْ مَعَ الأَرْضِ.
14-
ابْنِ
لَكَ فُلْكاً مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ، وَاجْعَلْ فِيهِ غُرَفاً تَطْلِيهَا
بِالزِّفْتِ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ.
15-
اصْنَعْهُ عَلَى هَذَا
الْمِثَالِ: لِيَكُنْ طُولُهُ ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ (نَحْوَ مِئَةٍ
وَخَمْسَةٍ وَثَلاَثِينَ مِتْراً)، وَعَرْضُهُ خَمْسِينَ ذِرَاعاً (نَحْوَ
اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِتْراً وَنِصْفِ الْمِتْرِ) وَارْتِفَاعُهُ
ثَلاَثِينَ ذِرَاعاً (نَحْوَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ مِتْراً وَنِصْفِ
الْمِتْرِ).
16-
وَاجْعَلْ لَهُ نَافِذَةً عَلَى انْخِفَاضِ ذِرَاعٍ (نَحْوَ
خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنْتِمِتْراً) مِنَ السَّقْفِ، وَبَاباً تُقِيمُهُ
فِي جَانِبِهِ. وَلْيَكُنْ لِلْفُلْكِ طَوَابِقُ سُفْلِيَّةٌ
وَمُتَوَسِّطَةٌ وَعُلْوِيَّةٌ.
17-
فَهَا أَنَا أُغْرِقُ الأَرْضَ
بِطُوفَانٍ مِنَ الْمِيَاهِ لأُبِيدَ كُلَّ كَائِنٍ حَيٍّ فِيهَا مِمَّنْ
تَحْتَ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا عَلَى الأَرْضِ لاَبُدَّ أَنْ يَمُوتَ.
18-
وَلَكِنِّي سَأُقِيمُ مَعَكَ عَهْداً، فَتَدْخُلُ أَنْتَ مَعَ بَنِيكَ
وَامْرَأَتِكَ وَنِسَاءِ بَنِيكَ إِلَى الْفُلْكِ.
19-
وَتَأْخُذُ مَعَكَ فِي
الْفُلْكِ زَوْجَيْنِ، ذَكَراً وَأُنْثَى، مِنْ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ ذِي
جَسَدٍ، لاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ.
20-
تُدْخِلُ مَعَكَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ
صَنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَالزَّوَاحِفِ عَلَى
الأَرْضِ، حِفَاظاً عَلَى اسْتِمْرَارِ بَقَائِهَا.
21-
وَتَدَّخِرُ لِنَفْسِكَ مِنْ
كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَتَخْزُنُهُ عِنْدَكَ لِيَكُونَ لَكَ وَلَهَا
غِذَاءً».
22-
وَفَعَلَ نُوحٌ تَمَاماً
بِمُقْتَضَى كُلِّ مَا أَمَرَ الرَّبُّ بِهِ.
فصل
7
الأمر بملء الفلك
1-
وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ:
«هَيَّا ادْخُلْ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ جَمِيعاً إِلَى الْفُلْكِ
لأَنِّي وَجَدْتُكَ وَحْدَكَ صَالِحاً أَمَامِي فِي هَذَا الْجِيلِ.
2-
خُذْ
مَعَكَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ سَبْعَةَ
ذُكُورٍ وَسَبْعَ إِنَاثٍ، وَزَوْجَيْنِ ذَكَراً وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ
نَوْعٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الأُخْرَى غَيْرِ الطَّاهِرَةِ.
3-
وَخُذْ
مَعَكَ أَيْضاً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الطُّيُورِ سَبْعَةَ ذُكُورٍ
وَسَبْعَ إِنَاثٍ لاسْتِبْقَاءِ نَسْلِهَا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ.
4-
فَإِنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ
أَيَّامٍ أُمْطِرُ عَلَى
الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، لَيْلاً وَنَهَاراً، فَأَمْحُو عَنْ وَجْهِ
الأَرْضِ كُلَّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ».
5-
وَفَعَلَ نُوحٌ بِمُوْجِبِ كُلِّ مَا
أَمَرَهُ الرَّبُّ بِهِ.
6-
وَكَانَ عُمْرُ نُوحٍ سِتَّ
مِئَةِ سَنَةٍ عِنْدَمَا حَدَثَ طُوفَانُ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ.
7-
فَدَخَلَ نُوحٌ إِلَى الْفُلْكِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَبْنَائِهِ
وَزَوْجَاتِهِمْ (لِيَنْجُوا) مِنْ مِيَاهِ الطُّوفَانِ.
8-
وَكَذَلِكَ
الْحَيَوَانَاتُ الطَّاهِرَةُ وَغَيْرُ الطَّاهِرَةِ، وَالطُّيُورُ
وَالزَّوَاحِفُ،
9-
دَخَلَتْ مَعَ نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ زَوْجَيْنِ
زَوْجَيْنِ، ذَكَراً وَأُنْثَى، كَمَا أَمَرَ اللهُ نُوحاً.
الطوفان
10-
وَمَا إِنِ انْقَضَتِ
الأَيَّامُ السَّبْعَةُ حَتَّى فَاضَتِ الْمِيَاهُ عَلَى الأَرْضِ
11-
فَفِي
سَنَةِ سِتِّ مَئَةٍ مِنْ عُمْرِ نُوحٍ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي
الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ، تَفَجَّرَتِ الْمِيَاهُ مِنَ
اللُّجَجِ الْعَمِيقَةِ فِي بَاطِنِ الأَرْضِ، وَهَطَلَتْ أَمْطَارُ
السَّمَاءِ الْغَزِيرَةُ،
12-
وَاسْتَمَرَّ هَذَا الطُّوفَانُ عَلَى الأَرْضِ
لَيْلاً وَنَهَاراً مُدَّةَ أَرْبَعِينَ يَوْماً.
13-
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
الَّذِي بَدَأَ فِيهِ الطُّوفَانُ دَخَلَ نُوحٌ وَزَوْجَتُهُ وَأَبْنَاؤُهُ
سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ وَزَوْجَاتُهُمُ الثَّلاَثُ إِلَى الْفُلْكِ.
14-
وَدَخَلَ مَعَهُمْ أَيْضاً مِنَ الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ
وَالزَّوَاحِفِ وَالطُّيُورِ وَذَوَاتِ الأَجْنِحَةِ كُلٍّ حَسَبَ
أَصْنَافِهَا؛
15-
مِنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ أَقْبَلَتْ إِلَى
الْفُلْكِ، وَدَخَلَتْ مَعَ نُوحٍ زَوْجَيْنِ زَوْجَيْنِ
16-
ذَكَراً
وَأُنْثَى دَخَلَتْ، مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. ثُمَّ
أَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ بَابَ الْفُلْكِ.
17-
وَدَامَ الطُّوفَانُ
أَرْبَعِينَ يَوْماً عَلَى الأَرْضِ، وَطَغَتِ الْمِيَاهُ وَرَفَعَتِ
الْفُلْكَ فَوْقَ الأَرْضِ،
18-
وَتَكَاثَرَتِ الْمِيَاهُ عَلَى الأَرْضِ
وَطَغَتْ جِدّاً، فَكَانَ الْفُلْكُ يَطْفُو فَوْقَ الْمِيَاهِ.
19-
وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ جِدّاً فَوْقَ الأَرْضِ حَتَّى أَغْرَقَتْ
جَمِيعَ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ كُلِّهَا.
20-
وَبَلَغَ ارْتِفَاعُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعاً (نَحْوَ سَبْعَةِ
أَمْتَارٍ) عَنْ أَعْلَى الْجِبَالِ،
21-
فَمَاتَ كُلُّ كَائِنٍ حَيٍّ
يَتَحَرَّكُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ طُيُورٍ وَبَهَائِمَ وَوُحُوشٍ
وَزَوَاحِفَ وَكُلِّ بَشَرٍ
22-
مَاتَ كُلُّ مَا يَحْيَا وَيَتَنَفَّسُ عَلَى
الْيَابِسَةِ.
23-
وَبَادَ مِنْ عَلَى سَطْحِ الأَرْضِ كُلُّ كَائِنٍ حَيٍّ
سَوَاءٌ مِنَ النَّاسِ أَمِ الْبَهَائِمِ أَمِ الزَّوَاحِفِ أَمِ
الطُّيُورِ، كُلِّهَا أُبِيدَتْ مِنَ الأَرْضِ، وَلَمْ يَبْقَ سِوَى نُوحٍ
وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ.
24-
وَظَلَّتِ الْمِيَاهُ طَامِيَةً عَلَى
الأَرْضِ مُدَّةَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْماً.
فصل
8
تناقص المياه
1-
ثُمَّ افْتَقَدَ اللهُ
نُوحاً وَمَا مَعَهُ فِي الْفُلْكِ مِنْ وُحُوشٍ وبَهَائِمَ، فَأَرْسَلَ
رِيحاً عَلَى الأَرْضِ فَتَقَلَّصَتِ الْمِيَاهُ
2-
وَانْسَدَّتْ يَنَابِيعُ
اللُّجَجِ وَمَيَازِيبُ السَّمَاءِ، وَاحْتَبَسَ الْمَطَرُ.
3-
وَتَرَاجَعَتِ
الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ تَدْرِيجِيّاً. وَبَعْدَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ
يَوْماً نَقَصَتِ الْمِيَاهُ.
4-
وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ عَلَى جِبَالِ
أَرَارَاطَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ
لِلطُّوفَانِ.
5-
وَظَلَّتِ الْمِيَاهُ تَتَنَاقَصُ تَدْرِيجِيّاً حَتَّى
الشَّهْرِ الْعَاشِرِ. وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ
الْعَاشِرِ بَدَتْ قِمَمُ الْجِبَالِ.
إرسال الغراب والحمامة
6-
وَبَعْدَ أَرْبَعِينَ
يَوْماً أُخْرَى فَتَحَ نُوحٌ النَّافِذَةَ الَّتِي كَانَ قَدْ عَمِلَهَا
فِي الْفُلْكِ.
7-
وَأَطْلَقَ غُرَاباً، فَخَرَجَ وَظَلَّ يَحُومُ
مُتَرَدِّداً إِلَى الْفُلْكِ حَتَّى جَفَّتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ.
8-
ثُمَّ أَطْلَقَ نُوحٌ حَمَامَةً مِنَ الْفُلْكِ لِيَرَى إِنْ كَانَتِ
الْمِيَاهُ قَدْ تَقَلَّصَتْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ،
9-
وَلَكِنَّ
الْحَمَامَةَ لَمْ تَجِدْ مَوْضِعاً تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ رِجْلُهَا
فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فِي الْفُلْكِ، لأَنَّ الْمِيَاهَ كَانَتْ مَازَالَتْ
تَغْمُرُ سَطْحَ الأَرْضِ، فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا، وَأَدْخَلَهَا
عِنْدَهُ إِلَى الْفُلْكِ.
10-
وَانْتَظَرَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخْرَى ثُمَّ
عَادَ فَأَطْلَقَ الْحَمَامَةَ مِنَ الْفُلْكِ،
11-
فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ
عِنْدَ الْمَسَاءِ تَحْمِلُ فِي مِنْقَارِهَا وَرَقَةَ زَيْتُونٍ
خَضْرَاءَ، فَأَدْرَكَ نُوحٌ أَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ تَنَاقَصَتْ عَنِ
الأَرْضِ.
12-
فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخْرَى ثُمَّ أَطْلَقَ
الْحَمَامَةَ فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ.
ظهور الأرض
13-
وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ
مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَالسِّتِّ مِئَةٍ
مِنْ عُمْرِ نُوحٍ، جَفَّتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ، فَرَفَعَ نُوحٌ
سَقْفَ الْفُلْكِ وَتَطَلَّعَ حَوْلَهُ، فَرَأَى أَنَّ سَطْحَ الأَرْضِ
قَدْ أَخَذَ فِي الْجَفَافِ.
14-
وَلَكِنَّ الأَرْضَ لَمْ تَجِفَّ تَمَاماً
إِلاَّ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي.
الخروج من الفلك
15-
وَخَاطَبَ اللهُ نُوحاً
قَائِلا:
16-
«اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوكَ
وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ،
17-
وَأَخْرِجْ كُلَّ مَا مَعَكَ مِنَ
الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ، مِنْ طُيُورٍ وَبَهَائِمَ وَكُلِّ مَا يَزْحَفُ
عَلَى الأَرْضِ لِتَتَوَالَدَ وَتَتَكَاثَرَ عَلَى الأَرْضِ».
18-
وَخَرَجَ
نُوحٌ وَبَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ وَزَوْجَاتُ بَنِيهِ مَعَهُ.
19-
وَكَذَلِكَ
خَرَجَتْ مَعَهُ كُلُّ الْحَيَوَانَاتِ، وَالزَّوَاحِفِ وَالطُّيُورِ،
وَكُلُّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، كُلٌّ مِنْهَا كَجِنْسِهَا.
بناء مذبح للرب
20-
وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحاً
لِلرَّبِّ ثُمَّ اخْتَارَ بَعْضاً مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ
الطَّاهِرَةِ وَقَرَّبَهَا مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ.
21-
فَتَقَبَّلَهَا الرَّبُّ بِرِضًى، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «لَنْ أَلْعَنَ
الأَرْضَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ أَهْوَاءَ
قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرَةٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ وَلَنْ أُقْدِمَ عَلَى
إِهْلاَكِ كُلِّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ.
22-
وَتَكُونُ كُلُّ أَيَّامِ
الأَرْضِ مَوَاسِمَ زَرْعٍ وَحَصَادٍ وَبَرْدٍ وَحَرٍّ وَصَيْفٍ وَشِتَاءٍ
وَنَهَارٍ وَلَيْلٍ، لَنْ تَبْطُلَ أَبَداً».
فصل
9
الله يبارك نوحاً
1-
وَبَارَكَ اللهُ نُوحاً
وَأَبْنَاءَهُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَتَكَاثَرُوا وَامْلَأُوا
الأَرْضَ،
2-
لِتَطْغَ الْخَشْيَةُ مِنْكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ
حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، وَعَلَى كُلِّ مَا
يَتَحَرَّكُ عَلَى الأَرْضِ، وَعَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهَا
كُلَّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ خَاضِعَةً لَكُمْ.
3-
وَلْيَكُنْ كُلُّ حَيٍّ
مُتَحَرِّكٍ طَعَاماً لَكُمْ، فَتَأْكُلُونَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا
تَأْكُلُونَ الْبُقُولَ الْخَضْرَاءَ الَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ.
4-
وَلَكِنْ
لاَ تَأْكُلُوا لَحْماً بِدَمِهِ.
5-
وَأُطَالِبُ أَنَا بِدَمِكُمْ
لأَنْفُسِكُمْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أُطَالِبُ بِهِ، وَمِنْ يَدِ
الإِنْسَانِ أَيْضاً أُطَالِبُ الأَخَ بِنَفْسِ أَخِيهِ الإِنْسَانِ.
6-
فَسَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِسَفْكِ دَمِهِ لأَنَّ
اللهَ خَلَقَ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ.
7-
أَمَّا أَنْتُمْ فَأَثْمِرُوا
وَتَكَاثَرُوا وَتَوَالَدُوا فِي الأَرْضِ».
عهد الله مع نوح
8-
وَخَاطَبَ الرَّبُّ نُوحاً
وَأَبْنَاءَهُ مَعَهُ قَائِلاً:
9-
«هَا أَنَا أُبْرِمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ
وَمَعْ ذُرِّيَّتِكُمْ،
10-
وَمَعْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ
الَّتِي مَعَكُمْ، مِنْ طُيُورٍ وَبَهَائِمَ، وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانَاتِ
الأَرْضِ الَّتِي خَرَجَتْ مَعَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ، مَعْ كُلِّ
الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ عَلَى الأَرْضِ.
11-
أُبْرِمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ
بِأَنْ لاَ يُبِيدَ الطُّوفَانُ كُلَّ ذِي جَسَدٍ ثَانِيَةً، وَأَنْ لاَ
يَكُونَ هُنَاكَ طُوفَانٌ لِيَقْضِيَ عَلَى الْحَيَاةِ فِي الأَرْضِ».
12-
وَقَالَ الرَّبُّ: «وَهَذِهِ هِيَ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الأَبَدِيِّ
الَّذِي أُقِيمُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ
الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ:
13-
أَضَعُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ
عَلاَمَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ.
14-
فَيَكُونُ عِنْدَمَا
أُخَيِّمُ بِالسَّحَابِ فَوْقَ الأَرْضِ، وَتَظْهَرُ الْقَوْسُ،
15-
أَنِّي
أَذْكُرُ مِيثَاقِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ
الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ مِنْ ذَوَاتِ الْجَسَدِ، فَلاَ تَتَحَوَّلُ
الْمِيَاهُ إِلَى طُوفَانٍ يُبِيدُ كُلَّ حَيَاةٍ.
16-
وَتَكُونُ الْقَوْسُ
فِي السَّحَابِ، فَأُبْصِرُهَا، وَأَذْكُرُ الْمِيثَاقَ الأَبَدِيَّ
الْمُبْرَمَ بَيْنِي وَبَيْنَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ عَلَى
الأَرْضِ».
17-
وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هَذِهِ هِيَ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ
الَّذِي أَبْرَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ حَيٍّ عَلَى الأَرْضِ».
أبناء نوح
18-
أَمَّا أَبْنَاءُ نُوحٍ
الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ مِنَ الْفُلْكِ فَكَانُوا: سَاماً وَحَاماً
وَيَافَثَ. وَحَامٌ هُوَ أَبُو الْكَنْعَانِيِّينَ.
19-
هَؤُلاَءِ كَانُوا
أَبْنَاءَ نُوحٍ الثَّلاثَةَ الَّذِينَ تَفَرَّعَتْ مِنْهُمْ شُعُوبُ
الأَرْضِ كُلِّهَا.
لعن كنعان ومباركة سام
20-
وَاشْتَغَلَ نُوحٌ
بِالْفَلاحَةِ وَغَرَسَ كَرْماً،
21-
وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ
وَتَعَرَّى دَاخِلَ خَيْمَتِهِ،
22-
فَشَاهَدَ حَامٌ أَبُو
الْكَنْعَانِيِّينَ عُرْيَ أَبِيهِ، فَخَرَجَ وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ
اللَّذَيْنِ كَانَا خَارِجاً.
23-
فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ رِدَاءً
وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا الْقَهْقَرَى إِلَى دَاخِلِ
الْخَيْمَةِ، وَسَتَرَا عُرْيَ أَبِيهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدِيرَا
بِوَجْهَيْهِمَا نَحْوَهُ فَيُبْصِرَا عُرْيَهُ.
24-
وَعِنْدَمَا أَفَاقَ
نُوحٌ مِنْ سُكْرِهِ وَعَلِمَ مَا فَعَلَهُ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ
25-
قَالَ: «لِيَكُنْ كَنْعَانُ مَلْعُوناً، وَلْيَكُنْ عَبْدَ الْعَبِيدِ
لإِخْوَتِهِ».
26-
ثُمَّ قَالَ: «تَبَارَكَ اللهُ إِلَهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ
كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ.
27-
لِيُوْسِعِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي
خِيَامِ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ».
28-
وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ
الطُّوفَانِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً،
29-
ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ مِنَ
الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
فصل
10
سلالات أبناء نوح
1-
هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ
سَامٍ وَحَامٍ وَيَافَثَ أَبْنَاءِ نُوحٍ، وَمَنْ وُلِدَ لَهُمْ مِنْ
بَعْدِ الطُّوفَانِ.
أبناء يافث
2-
أَبْنَاءُ يَافَثَ: جُومَرُ
وَمَاجُوجُ وَمَادَايُ وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشَكُ وَتِيرَاسُ.
3-
وَأَبْنَاءُ جُومَرَ:
أَشْكَنَازُ وَرِيفَاثُ وَتُوجَرْمَةُ.
4-
وَأَبْنَاءُ يَاوَانَ:
أَلِيشَةُ وَتَرْشِيشُ وَكِتِّيمُ وَدُودَانِيمُ.
5-
وَتَفَرَّعَ مِنْ هَؤُلاَءِ
سُكَّانُ الْجَزَائِرِ وَتَفَرَّقُوا فِي مَنَاطِقِهِمْ حَسَبَ
قَبَائِلِهِمْ وَأُمَمِهِمْ، وَلُغَاتِهِمْ.
أبناء حام
6-
وَأَبْنَاءُ حَامٍ: كُوشُ
وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ.
7-
وَأَبْنَاءُ كُوشَ: سَبَا،
وَحَوِيلَةُ، وَسَبْتَةُ وَرَعْمَةُ وَسَبْتَكَا. وَأَبْنَاءُ رَعْمَةَ:
شَبَا وَدَدَانُ.
8-
وَأَنْجَبَ كُوْشُ نِمْرُودَ الَّذِي مَا لَبِثَ أَنْ
أَصْبَحَ عَاتِياً فِي الأَرْضِ.
9-
كَانَ صَيَّاداً عَاتِياً أَمَامَ
الرَّبِّ، لِذَلِكَ يُقَالُ: «كَنِمْرُودَ جَبَّارُّ صَيْدٍ أَمَامَ
الرَّبِّ».
10-
وَقَدْ تَكَوَّنَتْ مَمْلَكَتُهُ أَوَّلَ الأَمْرِ مِنْ
بَابِلَ وَأَرَكَ وَأَكَّدَ وَكَلْنَةَ فِي أَرْضِ شِنْعَارَ.
11-
وَمِنْ
تِلْكَ الأَرْضِ خَرَجَ أَشُّورُ وَبَنَى مُدُنَ نِينَوَى وَرَحُبُوتَ
عَيْرَ وَكَالَحَ،
12-
وَرَسَنَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ نِينَوَى وَكَالَحَ.
وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْكَبِيرَةُ.
13-
وَمِنْ مِصْرَايِمَ تَحَدَّرَتْ
هَذِهِ الْقَبَائِلُ: اللُّودِيُّونَ وَالْعَنَامِيُّونَ، وَاللهَابِيُّونَ
وَالنَّفْتُوحِيُّونَ
14-
وَالْفَتْرُوسِيُّونَ وَالْكَسْلُوحِيُّونَ.
وَمِنْهُمْ تَحَدَّرَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَالْكَفْتُورِيُّونَ.
15-
وَأَنْجَبَ كَنْعَانُ صِيدُونَ ابْنَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ حِثّاً،
16-
وَمِنْهُ تَحَدَّرَتْ قَبَائِلُ الْيَبُوسِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ
وَالْجِرْجَاشِيِّينَ،
17-
وَالْحِوِّيِّينَ وَالْعَرْقِيِّينَ
وَالسِّينِيِّينَ،
18-
وَالأَرْوَادِيِّينَ وَالصَّمَارِيِّينَ
وَالْحَمَاتِيِّينَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ انْتَشَرَتِ الْقَبَائِلُ
الْكَنْعَانِيَّةُ
19-
فِي الأَرَاضِي الْوَاقِعَةِ بَيْنَ صِيدُونَ
وَغَزَّةَ مُرُوراً بِجَرَارَ، وَبَيْنَ صِيدُونَ وَلاَشَعَ مُرُوراً
بِسَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدْمَةَ وَصَبُويِيمَ.
20-
كَانَ هَؤُلاَءِ هُمُ
الْمُنْحَدِرُونَ مِنْ حَامٍ بِحَسَبِ قَبَائِلِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ
وَبُلْدَانِهِمْ وَشُعُوبِهِمْ.
أبناء سام
21-
وَأَنْجَبَ سَامٌ، أَخُو
يَافَثَ الأَكْبَرُ، أَبْنَاءً. وَمِنْهُ تَحَدَّرَ جَمِيعُ بَنِي عَابِرَ.
22-
أَمَّا أَبْنَاءُ سَامٍ فَهُمْ: عِيلاَمُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ
وَلُودُ وَأَرَامُ
23-
وَأَبْنَاءُ أَرَامَ: عُوصُ، وَحُولُ، وَجَاثَرُ
وَمَاشُ.
24-
وَأَنْجَبَ أَرْفَكْشَادُ شَالَحَ، وَوَلَدَ شَالَحُ عَابِرَ.
25-
وَوُلِدَ لِعَابِرَ ابْنَانِ: اسْمُ أَحَدِهِمَا فَالَجُ (وَمَعْنَاهُ
انْقِسَامٌ) لأَنَّ أَهْلَ الأَرْضِ انْقَسَمُوا فِي أَيَّامِهِ. وَاسْمُ
أَخِيهِ يَقْطَانُ.
26-
وَأَنْجَبَ يَقْطَانُ أَلْمُودَادَ وَشَالَفَ
وَحَضَرْمَوْتَ وَيَارَحَ،
27-
وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقْلَةَ،
28-
وَعُوبَالَ وَأَبِيمَايِلَ وَشَبَا،
29-
وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ
وَيُوبَابَ. وَهَؤُلاَءِ جَمِيعُهُمْ أَبْنَاءُ يَقْطَانَ.
30-
وَقَدِ
اسْتَوْطَنُوا فِي الأَرَاضِي الْوَاقِعَةِ بَيْنَ مِيشَا وَالتِّلالِ
الشَّرْقِيَّةِ مِنْ جَبَلِ سَفَارَ.
31-
هَؤُلاَءِ هُمُ الْمُنْحَدِرُونَ
مِنْ سَامٍ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ
وَشُعُوبِهِمْ.
32-
هَذِهِ هِيَ الْقَبَائِلُ
الْمُنْحَدِرَةُ مِنْ أَبْنَاءِ نُوحٍ حَسَبَ شُعُوبِهِمْ، وَمِنْهُمُ
انْتَشَرَتِ الأُمَمُ فِي الأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ.
فصل
11
برج بابل
1-
وَكَانَ أَهْلُ الأَرْضِ
جَمِيعاً يَتَكَلَّمُونَ أَوَّلاً بِلِسَانٍ وَاحِدٍ وَلُغَةٍ وَاحِدَةٍ.
2-
وَإِذِ ارْتَحَلُوا شَرْقاً وَجَدُوا سَهْلاً فِي أَرْضِ شِنْعَارَ
فَاسْتَوْطَنُوا هُنَاكَ.
3-
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هَيَّا نَصْنَعُ
طُوباً مَشْوِيّاً أَحْسَنَ شَيٍّ». فَاسْتَبْدَلُوا الْحِجَارَةَ
بِالطُّوبِ، وَالطِّينَ بِالزِّفْتِ.
4-
ثُمَّ قَالُوا: «هَيَّا نُشَيِّدْ
لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً يَبْلُغُ رَأْسُهُ السَّمَاءَ،
فَنُخَلِّدَ لَنَا اسْماً لِئَلاَّ نَتَشَتَّتَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ
كُلِّهَا».
5-
وَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَشْهَدَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ
اللَّذَيْنِ شَرَعَ بَنُو الْبَشَرِ فِي بِنَائِهِمَا.
6-
فَقَالَ الرَّبُّ:
«إِنْ كَانُوا، كَشَعْبٍ وَاحِدٍ يَنْطِقُونَ بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ، قَدْ
عَمِلُوا هَذَا مُنْذُ أَوَّلِ الأَمْرِ، فَلَنْ يَمْتَنِعَ إِذاً
عَلَيْهِمْ أَيُّ شَيْءٍ عَزَمُوا عَلَى فِعْلِهِ.
7-
هَيَّا نَنْزِلْ
إِلَيْهِمْ وَنُبَلْبِلْ لِسَانَهُمْ، حَتَّى لاَ يَفْهَمَ بَعْضُهُمْ
كَلامَ بَعْضٍ».
8-
وَهَكَذَا شَتَّتَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى
سَطْحِ الأَرْضِ كُلِّهَا، فَكَفُّوا عَنْ بِنَاءِ الْمَدِينَةِ،
9-
لِذَلِكَ
سُمِّيَتِ الْمَدِينَةُ «بَابِلَ» لأَنَّ الرَّبَّ بَلْبَلَ لِسَانَ أَهْلِ
كُلِّ الأَرْضِ، وَبِالتَّالِي شَتَّتَهُمْ مِنْ هُنَاكَ فِي أَرْجَاءِ
الأَرْضِ كُلِّهَا.
ذرية سام
10-
وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ
سَامٍ. لَمَّا كَانَ سَامٌ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ وَلَدَ أَرْفَكْشَادَ
بَعْدَ الطُّوفَانِ بِسَنَتَيْنِ.
11-
وَعَاشَ سَامٌ بَعْدَ
ذَلِكَ خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
12-
وَعِنْدَمَا بَلَغَ أَرْفَكْشَادُ خَمْساً وَثَلاَثِينَ سَنَةً مِنَ
الْعُمْرِ وَلَدَ شَالَحَ.
13-
وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مِئَةٍ
وَثَلاَثَ سَنَوَاتٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
14-
وَكَانَ
شَالَحُ فِي الثَّلاَثِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وَلَدَ عَابِرَ.
15-
وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثَ سَنَوَاتٍ، وُلِدَ لَهُ
فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
16-
وَكَانَ عُمْرُ عَابِرَ أَرْبَعاً
وَثَلاَثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ فَالَجَ.
17-
وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ
وَبَنَاتٌ.
18-
وَكَانَ عُمْرُ فَالَجَ ثَلاَثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ
رَعُوَ.
19-
وَعَاشَ فَالَجُ بَعْدَ ذَلِكَ مِئَتَيْنِ وَتِسْعَ سِنِينَ
وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
20-
وَكَانَ عُمْرُ رَعُوَ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ سَرُوجَ.
21-
وَعَاشَ
رَعُو بَعْدَ ذَلِكَ مِئَتَيْنِ وَسَبْعَ سِنِينَ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا
بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
22-
وَكَانَ عُمْرُ سَرُوجَ ثَلاَثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا
وَلَدَ نَاحُورَ.
23-
وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ مِئَتَيْ سَنَةٍ، وُلِدَ
لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ.
24-
وَكَانَ عُمْرُ نَاحُورَ تِسْعاً
وَعِشْرِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ تَارَحَ.
25-
وَعَاشَ نَاحُورُ بَعْدَ
ذَلِكَ مِئَةً وَتِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ
وَبَنَاتٌ.
26-
وَعِنْدَمَا بَلَغَ تَارَحُ السَّبْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ
أَنْجَبَ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ.
نسب أبرام
27-
وَهَذَا هُوَ سِجِلُّ
مَوَالِيدِ تَارَحَ: وَلَدَ تَارَحُ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ.
وَوَلَدَ هَارَانُ لُوطاً.
28-
وَمَاتَ هَارَانُ قَبْلَ تَارَ حَ أَبِيهِ فِي
أَرْضِ مَوْلِدِهِ فِي أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ.
29-
وَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ
أَبْرَامَ وَنَاحُورَ. وَكَانَ اسْمُ زَوْجَةِ أَبْرَامَ سَارَايَ، وَاسْمُ
زَوْجَةِ نَاحُورَ مِلْكَةَ بِنْتَ هَارَانَ الَّذِي أَنْجَبَ مِلْكَةَ
وَيِسْكَةَ.
30-
وَكَانَتْ سَارَايُ عَاقِراً لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ.
31-
وَأَخَذَ تَارَحُ ابْنَهُ أَبْرَامَ وَحَفِيدَهُ لُوطاً بْنَ هَارَانَ،
وَسَارَايَ كَنَّتَهُ زَوْجَةَ ابْنِهِ أَبْرَامَ، وَارْتَحَلَ بِهِمْ مِنْ
أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ.
32-
لَكِنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى حَارَانَ وَاسْتَقَرُّوا فِيهَا. وَهُنَاكَ
مَاتَ تَارَحُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ مِئَتَانِ وَخَمْسُ سِنِينَ.
فصل
12
دعوة أبرام
1-
وَقَالَ الرَّبُّ
لأَبْرَامَ: «اتْرُكْ أَرْضَكَ وَعَشِيرَتَكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ وَاذْهَبْ
إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ،
2-
فَأَجْعَلَ مِنْكَ أُمَّةً كَبِيرَةً
وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً (لِكَثِيرِينَ).
3-
وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَأَلْعَنُ لاعِنِيكَ، وَتَتَبَارَكُ فِيكَ
جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ».
4-
فَارْتَحَلَ أَبْرَامُ كَمَا أَمَرَهُ
الرَّبُّ، وَرَافَقَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ فِي الْخَامِسَةِ
وَالسَّبْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا غَادَرَ حَارَانَ.
5-
وَأَخَذَ
أَبْرَامُ سَارَايَ زَوْجَتَهُ وَلُوطاً ابْنَ أَخِيهِ وَكُلَّ مَا
جَمَعَاهُ مِنْ مُقْتَنَيَاتٍ وَكُلَّ مَا امْتَلَكَاهُ مِنْ نُفُوسٍ فِي
حَارَانَ، وَانْطَلَقُوا جَمِيعاً إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَنْ
وَصَلُوهَا.
6-
فَشَرَعَ أَبْرَامُ
يَتَنَقَّلُ فِي الأَرْضِ إِلَى أَنْ بَلَغَ مَوْضِعَ شَكِيمَ إِلَى سَهْلِ
مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ آنَئِذٍ يَقْطُنُونَ تِلْكَ الأَرْضَ.
7-
وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «سَأُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ
لِذُرِّيَّتِكَ». فَبَنَى أَبْرَامُ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ الَّذِي
ظَهَرَ لَهُ.
8-
وَانْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ
إِيلٍ حَيْثُ نَصَبَ خِيَامَهُ مَا بَيْنَ بَيْتِ إِيلٍ غَرْباً وَعَايَ
شَرْقاً وَشَيَّدَ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِهِ.
9-
ثُمَّ
تَابَعَ أَبْرَامُ ارْتِحَالَهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ.
أبرام في ديار مصر
10-
وَعَمَّتْ تِلْكَ الْبِلاَدَ
مَجَاعَةٌ، فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ فِيهَا
لأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً فِي الأَرْضِ.
11-
وَمَا إِنِ
اقْتَرَبَ مِنْ تُخُومِ مِصْرَ حَتَّى قَالَ لِزَوْجَتِهِ سَارَايَ: «أَنَا
أَعْرِفُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ،
12-
فَمَا إِنْ يَرَاكِ
الْمِصْرِيُّونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذِهِ هِيَ زَوْجَتُهُ
فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَحْيُونَكِ.
13-
لِذَلِكَ قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي،
فَيُحْسِنُوا مُعَامَلَتِي مِنْ أَجْلِكِ وَتَنْجُوَ حَيَاتِي بِفَضْلِكِ».
14-
وَلَمَّا اقْتَرَبَ
أَبْرَامُ مِنْ مِصْرَ اسْتَرْعَى جَمَالُ سَارَايَ أَنْظَارَ
الْمِصْرِيِّينَ،
15-
وَشَاهَدَهَا أَيْضاً
رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ فَأَشَادُوا بِهَا أَمَامَهُ. فَأُخِذَتِ الْمَرْأَةُ
إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ.
16-
فَأَحْسَنَ إِلَى أَبْرَامَ بِسَبَبِهَا وَأَجْزَلَ لَهُ الْعَطَاءَ مِنَ
الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ وَالأُتُنِ
وَالْجِمَالِ.
17-
وَلَكِنَّ الرَّبَّ ابْتَلَى فِرْعَوْنَ وَأَهْلَهُ
بِبَلاَيَا عَظِيمَةٍ بِسَبَبِ سَارَايَ زَوْجَةِ أَبْرَامَ.
18-
فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ أَبْرَامَ وَسَأَلَهُ: «مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟
لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا زَوْجَتُكَ؟
19-
وَلِمَاذَا ادَّعَيْتَ
أَنَّهَا أُخْتُكَ حَتَّى أَخَذْتُهَا لِتَكُونَ زَوْجَةً لِي؟ وَالآنَ هَا
هِيَ زَوْجَتُكَ، خُذْهَا وَامْضِ فِي طَرِيقِكَ».
20-
وَأَوْصَى فِرْعَوْنُ
رِجَالَهُ بِأَبْرَامَ، فَشَيَّعُوهُ وَامْرَأَتَهُ وَكُلَّ مَا كَانَ
يَمْلِكُ.
فصل
13
عودة أبرام من مصر
1-
وَغَادَرَ أَبْرَامُ مِصْرَ
وَتَوَجَّهَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ وَلُوطٌ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ، نَحْوَ
مِنْطَقَةِ النَّقَبِ
2-
وَكَانَ أَبْرَامُ يَمْلِكُ ثَرْوَةً طَائِلَةً مِنَ
الْمَوَاشِي وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ.
3-
وَظَلَّ يَنْتَقِلُ فِي مِنْطَقَةِ
النَّقَبِ مُتَّجِهاً إِلَى بَيْتِ إِيلٍ، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ
قَدْ نَصَبَ فِيهِ خِيَامَهُ أَوَّلاً بَيْنَ بَيْتِ إِيلٍ وَعَايَ.
4-
حَيْثُ كَانَ قَدْ شَيَّدَ الْمَذْبَحَ أَوَّلاً، وَدَعَا هُنَاكَ
أَبْرَامُ بِاسْمِ الرَّبِّ.
افتراق أبرام ولوط
5-
وَكَانَ لِلُوطٍ
الْمُرَافِقِ لأَبْرَامَ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَخِيَامٌ أَيْضاً.
6-
فَضَاقَتْ
بِهِمَا الأَرْضُ لِكَثْرَةِ أَمْلاَكِهِمَا فَلَمْ يَقْدِرَا أَنْ
يَسْكُنَا مَعاً.
7-
وَنَشَبَ نِزَاعٌ بَيْنَ رُعَاةِ مَوَاشِي أَبْرَامَ
وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطٍ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ
الْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ يُقِيمُونَ فِي الأَرْضِ.
8-
فَقَالَ
أَبْرَامُ لِلُوطٍ: «لاَ يَكُنْ نِزَاعٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَلاَ بَيْنَ
رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ.
9-
أَلَيْسَتِ الأَرْضُ
كُلُّهَا أَمَامَكَ؟ فَاعْتَزِلْ عَنِّي. إِنِ اتَّجَهْتَ شِمَالاً،
أَتَّجِهْ أَنَا يَمِيناً، وَإِنْ تَحَوَّلْتَ يَمِيناً، أَتَحَوَّلْ أَنَا
شِمَالاً».
لوط يختار سدوم
10-
وَتَلَفَّتَ لُوطٌ حَوْلَهُ
فَشَاهَدَ السُّهُولَ الْمُحِيطَةَ بِنَهْرِ الأُرْدُنِّ وَإِذَا بِهَا
رَيَّانَةٌ كُلُّهَا، قَبْلَمَا دَمَّرَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ،
وَكَأَنَّهَا جَنَّةُ الرَّبِّ كَأَرْضِ مِصْرَ الْمُمْتَدَّةِ إِلَى
صُوغَرَ.
11-
فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ حَوْضَ
الأُرْدُنِّ كُلَّهُ وَارْتَحَلَ شَرْقاً. وَهَكَذَا اعْتَزَلَ أَحَدُهُمَا
عَنِ الآخَرِ.
12-
وَسَكَنَ أَبْرَامُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَقَامَ لُوطٌ
فِي مُدُنِ السَّهْلِ حَيْثُ نَصَبَ خِيَامَهُ بِجُوَارِ سَدُومَ.
13-
وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ مُتَوَرِّطِينَ فِي الشَّرِّ وَخَاطِئِينَ جِدّاً
لَدَى الرَّبِّ.
14-
وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ
بَعْدَ أَنِ اعْتَزَلَ عَنْهُ لُوطٌ: «ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَتَلَفَّتْ
حَوْلَكَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، شِمَالاً وَجَنُوباً،
شَرْقاً وَغَرْباً،
15-
فَإِنَّ هَذِهِ الأَرْضَ الَّتِي
تَرَاهَا، سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ إِلَى الأَبَدِ.
16-
وَسَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَحَدٌ
أَنْ يُحْصِيَ تُرَابَ الأَرْضِ يَقْدِرُ آنَئِذٍ أَنْ يُحْصِيَ نَسْلَكَ
17-
قُمْ وَامْشِ فِي طُولِ الأَرْضِ وَعَرْضِهَا لأَنِّي لَكَ أُعْطِيهَا».
18-
فَنَقَلَ أَبْرَامُ خِيَامَهُ ونَصَبَهَا فِي سَهْلِ مَمْرَا فِي
حَبْرُونَ. وَهُنَاكَ شَيَّدَ لِلرَّبِّ مَذْبَحاً.
فصل
14
حرب الملوك
1-
وَحَدَثَ فِي زَمَانِ
أَمْرَافَلَ مَلِكِ شِنْعَارَ وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلاسَارَ
وَكَدَرْلَعَوْمَرَ مَلِكِ عِيلاَمَ وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ،
2-
أَنَّ
حَرْباً نَشَبَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَارَعَ مَلِكِ سَدُومَ وَبِرْشَاعَ
مَلِكِ عَمُورَةَ وَشِنْآبَ مَلِكِ أَدْمَةَ وَشِمْئِيبَرَ مَلِكِ
صَبُويِيمَ، وَمَلِكِ بَالَعَ الْمَعْرُوفَةِ بِصُوغَرَ.
3-
هَؤُلاَءِ
جَمِيعُهُمُ احْتَشَدُوا فِي وَادِي السِّدِّيمِ وَهُوَ بَحْرُ الْمِلْحِ
(الْبَحْرُ الْمَيِّتُ)
4-
وَكَانَ كَدَرْلَعَوْمَرُ قَدِ اسْتَعْبَدَهُمْ
طَوَالَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ
تَمَرَّدُوا عَلَيْهِ.
5-
وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ اجْتَمَعَ
كَدَرْلَعَوْمَرُ وَحُلَفَاؤُهُ الْمُلُوكُ وَقَهَرُوا الرَّفَائِيِّينَ
فِي عَشْتَارُوثَ قَرْنَايِمَ، وَالزُّوزِيِّينَ فِي هَامَ،
وَالإِيمِيِّينَ فِي سَهْلِ قِرْيَتَايِمَ،
6-
وَالْحُورِيِّينَ فِي
جَبَلِهِمْ سَعِيرَ حَتَّى بُطْمَةِ فَارَانَ عَلَى حُدُودِ الصَّحْرَاءِ.
7-
ثُمَّ اسْتَدَارُوا حَتَّى أَقْبَلُوا عَلَى عَيْنِ مِشْفَاطَ، الَّتِي
هِيَ قَادَشُ، فَهَزَمُوا بِلاَدَ الْعَمَالِقَةِ كُلَّهَا
وَالأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي حَصُّونَ تَامَارَ.
8-
فَخَرجَ مَلِكُ سَدُومَ
وَمَلِكُ عَمُورَةَ وَمَلِكُ أَدْمَةَ وَمَلِكُ صَبُويِيمَ وَمَلِكُ
بَالَعَ، الَّتِي هِيَ صُوغَرُ، فِي عُمْقِ السِّدِّيمِ وَخَاضُوا حَرْباً
9-
مَعْ كَدَرْلَعَوْمَرَ
مَلِكِ عِيلاَمَ وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ وَأَمْرَافَلَ مَلِكِ
شِنْعَارَ وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلاسَارَ، فَكَانُوا أَرْبَعَةَ مُلوكٍ
ضِدَّ خَمْسَةٍ.
10-
وَكَانَ وَادِي السِّدِّيمِ
مَلِيئاً بِآبَارِ الزِّفْتِ، فَانْدَحَرَ مَلِكَا سَدُومَ وَعَمُورَةَ
وَسَقَطَا بَيْنَهَا، أَمَّا الْبَاقُونَ فَهَرَبُوا إِلَى الْجِبَالِ.
11-
فَغَنِمَ الْمُنْتَصِرُونَ
جَمِيعَ مَا فِي سَدُومَ وَعَمُورَةَ مِنْ مُمْتَلَكَاتٍ وَمُؤَنٍ
وَمَضَوْا.
12-
وَأَسَرُوا لُوطاً ابْنَ
أَخِي أَبْرَامَ الْمُقِيمَ فِي سَدُومَ، وَنَهَبُوا أَمْلاكَهُ ثُمَّ
ذَهَبُوا.
إنقاذ لوط من الأسر
13-
وَجَاءَ أَحَدُ النَّاجِينَ
إِلَى أَبْرَامَ الْعِبْرَانِيِّ الَّذِي كَانَ مَازَالَ مُقِيماً عِنْدَ
بَلُّوطَاتِ مَمْرَا أَخِي أَشْكُولَ وَعَانِرَ حُلَفَاءِ أَبْرَامَ
وَأَبْلَغَهُ بِمَا جَرَى.
14-
فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ
ابْنَ أَخِيهِ قَدْ أُسِرَ، جَرَّدَ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ
مِنْ غِلْمَانِهِ الْمُدَرَّبِينَ الْمَوْلُودِينَ فِي بَيْتِهِ
وَتَعَقَّبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ دَانَ
15-
وَفِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ قَسَّمَ
رِجَالَهُ، وَهَاجَمَهُمْ وَقَهَرَهُمْ، ثُمَّ طَارَدَهُمْ حَتَّى حُوبَةَ
شَمَالِيَّ دِمَشْقَ.
16-
وَاسْتَرَدَّ كُلَّ الْغَنَائِمِ، وَاسْتَرْجَعَ
ابْنَ أَخِيهِ لُوطاً وَأَمْلاَكَهُ، وَالنِّسَاءَ أَيْضاً وَسِوَاهُمْ
مِنَ الأَسْرَى.
ملكي صادق يبارك إبراهيم
17-
وَجَاءَ مَلِكُ سَدُومَ
لِلِقَاءِ أَبْرَامَ فِي وَادِي شَوَى الْمَعْرُوفِ بِوَادِي الْمَلِكِ،
بَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنْ كَسْرَةِ كَدَرْلَعَوْمَرَ وَالْمُلُوكِ
حُلَفَائِهِ.
18-
وَكَذَلِكَ حَمَلَ إِلَيْهِ مَلْكِي صَادِقُ مَلِكُ
شَالِيمَ، الَّذِي كَانَ كَاهِناً لِلهِ الْعَلِيِّ، خُبْزاً وَخَمْراً،
19-
وَبَارَكَهُ قَائِلاً: «لِتَكُنْ عَلَيْكَ يَاأَبْرَامُ بَرَكَةُ اللهِ
الْعَلِيِّ، مَالِكِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.
20-
وَتَبَارَكَ اللهُ
الْعَلِيُّ الَّذِي دَفَعَ أَعْدَاءَكَ إِلَى يَدَيْكَ». فَأَعْطَاهُ
أَبْرَامُ عُشْرَ الْغَنَائِمِ كُلِّهَا.
21-
وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ
لأَبْرَامَ: «أَعْطِنِي الأَسْرَى الْمَعْتُوقِينَ أَمَّا الْغَنَائِمُ
فَاحْتَفِظْ بِهَا لِنَفْسِكَ».
22-
فَأَجَابَهُ أَبْرَامُ: «لَقَدْ
أَقْسَمْتُ بِالرَّبِّ الإِلَهِ الْعَلِيِّ، مَالِكِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ،
23-
وَعَاهَدْتُهُ أَلاَّ آخُذَ شَيْئاً مِمَّا هُوَ لَكَ،
وَلَوْ كَانَ خَيْطاً أَوْ شَرِيطَ حِذَاءٍ، لِئَلاَّ تَقُولَ: أَنَا
أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ
24-
لَنْ آخُذَ غَيْرَ مَا أَكَلَهُ الْغِلْمَانُ.
أَمَّا نَصِيبُ الرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعِي: عَانِرَ وَأَشْكُولَ
وَمَمْرَا، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ».
فصل
15
عهد الله مع أبرام
1-
وَبَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ
قَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ فِي الرُّؤْيَا: «لاَ تَخَفْ يَاأَبْرَامُ.
أَنَا تُرْسٌ لَكَ. وَأَجْرُكَ عَظِيمٌ جِدّاً».
2-
فَقَالَ أَبْرَامُ:
«أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ أَيُّ خَيْرٍ فِي مَا تُعْطِينِي وَأَنَا
مِنْ غَيْرِ عَقِبٍ وَوَارِثُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟»
3-
وَقَالَ أَبْرَامُ أَيْضاً: «إِنَّكَ لَمْ تُعْطِنِي نَسْلاً، وَهَا هُوَ
عَبْدٌ مَوْلُودٌ فِي بَيْتِي يَكُونُ وَارِثِي»
4-
فَأَجَابَهُ الرَّبُّ:
«لَنْ يَكُونَ هَذَا لَكَ وَرِيثاً، بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ
يَكُونُ وَرِيثَكَ».
5-
وَأَخْرَ جَهُ الرَّبُّ إِلَى الْخَارِجِ وَقَالَ:
«انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ ذَلِكَ».
ثُمَّ قَالَ لَهُ: «هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ».
6-
فَآمَنَ بِالرَّبِّ
فَحَسَبَهُ لَهُ بِرّاً،
7-
وَقَالَ لَهُ: «أَنَا هُوَ الرَّبُّ الَّذِي
أَتَي بِكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لأُعْطِيَكَ هَذِهِ الأَرْضَ
مِيرَاثاً».
8-
فَسَأَلَ: «كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي أَرِثُهَا؟»
9-
فَأَجَابَهُ
الرَّبُّ: «خُذْ لِي عِجْلَةً وَعَنْزَةً وَكَبْشاً، عُمْرُ كُلٍّ مِنْهَا
ثَلاَثُ سَنَوَاتٍ، وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً».
10-
فَأَخَذَ هَذِهِ كُلَّهَا
وَشَقَّ الْبَهَائِمَ مِنَ الْوَسَطِ إِلَى شَطْرَيْنِ، وَجَعَلَ كُلَّ
شَطْرٍ مِنْهَا مُقَابِلَ الشَّطْرِ الآخَرِ. أَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ
يَشْطُرْهُ.
11-
وَعِنْدَمَا أَخَذَتِ الطُّيُورُ الْجَارِحَةُ تَنْقَضُّ
عَلَى الْجُثَثِ زَجَرَهَا أَبْرَامُ.
12-
وَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ
إِلَى الْمَغِيبِ غَرِقَ أَبْرَامُ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ، وَإِذَا بِظُلْمَةٍ
مُخِيفَةٍ وَمُتَكَاثِفَةٍ تَكْتَنِفُهُ.
13-
فَقَالَ لَهُ
الرَّبُّ: «تَيَقَّنْ أَنَّ نَسْلَكَ سَيَتَغَرَّبُ فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ
لَهُمْ، فَيَسْتَعْبِدُهُمْ أَهْلُهَا وَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ
سَنَةٍ.
14-
وَلَكِنَّنِي سَأَدِينُ تِلْكَ الأُمَّةَ الَّتِي
اسْتَعْبَدَتْهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْوَالٍ
طَائِلَةٍ.
15-
أَمَّا أَنْتَ فَسَتَمُوتُ بِسَلاَمٍ وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ
صَالِحَةٍ.
16-
أَمَّا هُمْ فَسَيَرْجِعُونَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَجْيَالٍ
إِلَى هُنَا، لأَنَّ إِثْمَ الأَمُورِيِّينَ لَمْ يَكْتَمِلْ بَعْدُ».
17-
وَعِنْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَخَيَّمَ الظَّلاَمُ (ظَهَرَ) تَنُّورُ
دُخَانٍ وَمِشْعَلُ نَارٍ يَجْتَازُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ.
الوعد بأرض
18-
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَقَدَ
اللهُ مِيثَاقاً مَعْ أَبْرَامَ قَائِلاً: «سَأُعْطِي نَسْلَكَ هَذِهِ
الأَرْضَ مِنْ وَادِي الْعَرِيشِ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ
الْفُرَاتِ.
19-
أَرْضَ الْقَيْنِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ،
وَالْقَدْمُونِيِّينَ
20-
وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ
وَالرَّفَائِيِّينَ
21-
وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ
وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ».
فصل
16
زواج أبرام من هاجر
1-
وَأَمَّا سَارَايُ زَوْجَةُ
أَبْرَامَ فَقَدْ كَانَتْ عَاقِراً، وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ
تُدْعَى هَاجَرَ.
2-
فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ
حَرَمَنِي مِنَ الْوِلاَدَةِ، فَادْخُلْ عَلَيْهَا لَعَلَّنِي أُرْزَقُ
مِنْهَا بَنِينَ». فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِكَلاَمِ زَوْجَتِهِ.
3-
وَهَكَذَا
بَعْدَ إِقَامَةِ عَشْرِ سَنَوَاتٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، أَخَذَتْ
سَارَايُ جَارِيَتَهَا الْمِصْرِيَّةَ هَاجَرَ وَأَعْطَتْهَا لِرَجُلِهَا
أَبْرَامَ لِتَكُونَ زَوْجَةً لَهُ.
إذلال هاجر وهربها
4-
فَعَاشَرَ هَاجَرَ
فَحَبِلَتْ مِنْهُ. وَلَمَّا أَدْرَكَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ هَانَتْ
مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا،
5-
فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «لِيَقَعْ
ظُلْمِي عَلَيْكَ، فَأَنَا قَدْ زَوَّجْتُكَ مِنْ جَارِيَتِي وَحِينَ
أَدْرَ كَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ هِنْتُ فِي عَيْنَيْهَا. لِيَقْضِ الرَّبُّ
بَيْنِي وَبَيْنَكَ».
6-
فَأَجَابَهَا أَبْرَامُ: «هَا هِيَ جَارِيَتُكِ
تَحْتَ تَصَرُّفِكِ، فَافْعَلِي بِهَا مَا يَحْلُو لَكِ». فَأَذَلَّتْهَا
سَارَايُ حَتَّى هَرَبَتْ مِنْهَا.
ملاك الرب وهاجر
7-
فَوَجَدَهَا مَلاَكُ
الرَّبِّ بِالْقُرْبِ مِنْ عَيْنِ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ
إِلَى شُورٍ.
8-
فَقَالَ: «يَاهَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ
جِئْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟». فَأَجَابَتْ: «إِنَّنِي هَارِبَةٌ
مِنْ وَجْهِ سَيِّدَتِي سَارَايَ».
9-
فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ:
«عُودِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي لَهَا».
10-
وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ
الرَّبِّ: «لأُكَثِّرَنَّ نَسْلَكِ فَلاَ يَعُودُ يُحْصَى»،
11-
وَأَضَافَ
مَلاَكُ الرَّبِّ: «هُوَذَا أَنْتِ حَامِلٌ، وَسَتَلِدِينَ ابْناً
تَدْعِينَهُ إِسْمَاعِيلَ (وَمَعْنَاهُ: اللهُ يَسْمَعُ) لأَنَّ الرَّبَّ
قَدْ سَمِعَ صَوْتَ شَقَائِكِ.
12-
وَيَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يُعَادِي
الْجَمِيعَ وَالْجَمِيعُ يُعَادُونَهُ، وَيَعِيشُ مُسْتَوْحِشاً
مُتَحَدِّياً كُلَّ إِخْوَتِهِ».
13-
فَدَعَتِ اسْمَ الرَّبِّ الَّذِي
خَاطَبَهَا: «أَنْتَ اللهُ الَّذِي رَآنِي» لأَنَّهَا قَالَتْ: «أَحَقّاً
رَأَيْتُ هُنَا (خَلْفَ) الَّذِي يَرَانِي؟»
14-
لِذَلِكَ سُمِّيَتِ
الْبِئْرُ «بِئْرَ لَحَيْ رُئِي» (وَمَعْنَاهُ بِئْرُ الْحَيِّ الَّذِي
يَرَانِي) وَهِيَ وَاقِعَةٌ بَيْنَ قَادَشَ وَبَارَدَ.
مولد إسماعيل
15-
ثُمَّ وَلَدَتْ هَاجَرُ
لأَبْرَامَ ابْناً، فَدَعَا أَبْرَامُ ابْنَهُ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ لَهُ
هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ.
16-
وَكَانَ أَبْرَامُ فِي
السَّادِسَةِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وَلَدَتْ لَهُ
هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ.
فصل
17
العهد والختان
1-
وَعِنْدَمَا كَانَ أَبْرَامُ
فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، ظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ
قَائِلاً: «أَنَا هُوَ اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً،
2-
فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَ نَسْلَكَ جِدّاً».
3-
فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ، فَخَاطَبَهُ اللهُ قَائِلاً:
4-
«هَا
أَنَا أَقْطَعُ لَكَ عَهْدِي، فَتَكُونُ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ.
5-
وَلَنْ
يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدَ الآنَ أَبْرَامَ (وَمَعْنَاهُ الأَبُ الرَّفِيعُ)
بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ (وَمَعْنَاهُ أَبٌ لِجُمْهُورٍ) لأَنِّي
أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ؛
6-
وَأُصَيِّرُكَ مُثْمِراً
جِدّاً، وَأَجْعَلُ أُمَماً تَتَفَرَّعُ مِنْكَ، وَيَخْرُجُ مِنْ نَسْلِكَ
مُلُوكٌ.
7-
وَأُقِيمُ عَهْدِي الأَبَدِيَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ
نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، فَأَكُونُ إِلَهاً لَكَ
وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ.
8-
وَأَهَبُكَ
أَنْتَ
وَذُرِّيَّتَكَ مِنْ بَعْدِكَ جَمِيعَ أَرْضِ كَنْعَانَ، الَّتِي نَزَلْتَ
فِيهَا غَرِيباً، مُلْكاً أَبَدِيّاً. وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً».
9-
وَقَالَ الرَّبُّ
لإِبْرَاهِيمَ: «أَمَّا أَنْتَ فَاحْفَظْ عَهْدِي، أَنْتَ وَذُرِّيَّتُكَ
مِنْ بَعْدِكَ مَدَى أَجْيَالِهِمْ.
10-
هَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي بَيْنِي
وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ الَّذِي عَلَيْكُمْ أَنْ
تَحْفَظُوهُ: أَنْ يُخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْكُمْ
11-
تَخْتِنُونَ رَأْسَ
قُلْفَةِ غُرْلَتِكُمْ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ الْعَهْدِ الَّذِي بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ
12-
تَخْتِنُونَ عَلَى مَدَى أَجْيَالِكُمْ كُلَّ ذَكَرٍ
فِيكُمُ ابْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلُودُ مِنْ
ذُرِّيَّتِكَ أَمْ كَانَ ابْناً لِغَرِيبٍ مُشْتَرًى بِمَالِكَ مِمَّنْ
لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ.
13-
فَعَلَى كُلِّ وَلِيدٍ سَوَاءٌ وُلِدَ فِي
بَيْتِكَ أَمِ اشْتُرِيَ بِمَالٍ أَنْ يُخْتَنَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي
لَحْمِكُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً.
14-
أَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي
لَمْ يُخْتَنْ، يُسْتَأْصَلُ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ لأَنَّهُ نَكَثَ
عَهْدِي».
وعد الله لسارة
15-
وَقَال الرَّبُّ
لإِبْرَاهِيمَ: «أَمَّا سَارَايُ زَوْجَتُكَ فَلاَ تَدْعُوهَا سَارَايَ
بَعْدَ الآنَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُهَا سَارَةَ (وَمَعْنَاهُ أَمِيرةٌ).
16-
وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ ابْناً مِنْهَا. سَأُبَارِكُهَا
وَأَجْعَلُهَا أُمّاً لِشُعُوبٍ، وَمِنْهَا يَتَحَدَّرُ مُلُوكُ أُمَمٍ».
17-
فَانْطَرَحَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ قَائِلاً فِي
نَفْسِهِ: «أَيُوْلَدُ ابْنٌ لِمَنْ بَلَغَ الْمِئَةَ مِنْ عُمْرِهِ؟
وَهَلْ تُنْجِبُ سَارَةُ وَهِيَ فِي التِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهَا؟ »
18-
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلهِ:
«لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَحْيَا فِي رِعَايَتِكَ».
19-
فَأَجَابَ
الرَّبُّ: «إِنَّ سَارَةَ زَوْجَتَكَ هِيَ الَّتِي تَلِدُ لَكَ ابْناً
وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحقَ (وَمَعْنَاهُ يَضْحَكُ). وَأُقِيمُ عَهْدِي
مَعَهُ وَمَعَ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَهْداً أَبَدِيّاً.
20-
أَمَّا
إِسْمَاعِيلُ، فَقَدِ اسْتَجَبْتُ لِطِلْبَتِكَ مِنْ أَجْلِهِ.
سَأُبَارِكُهُ حَقّاً، وَأَجْعَلُهُ مُثْمِراً، وَأُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَهُ
جِدّاً فَيَكُونُ أَباً لاثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً، وَيُصْبِحُ أُمَّةً
كَبِيرَةً.
21-
غَيْرَ أَنَّ عَهْدِي أُبْرِمُهُ مَعَ إِسْحقَ الَّذِي
تُنْجِبُهُ لَكَ سَارَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ
الْقَادِمَةِ».
22-
وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ مُحَادَثَتِهِ فَارَقَ اللهُ
إِبْرَاهِيمَ.
تنفيذ عهد الختان
23-
وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
بِعَيْنِهِ أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ وَجَمِيعَ الْمَوْلُودِينَ
فِي بَيْتِهِ وَكُلَّ مَنِ اشْتُرِيَ بِمَالٍ، كُلَّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ
بَيْتِهِ وَخَتَنَ لَحْمَ غُرْلَتِهِمْ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ.
24-
وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا
خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ،
25-
أَمَّا إِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ فَقَدْ كَانَ
ابْنَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ.
26-
وَهَكَذَا خُتِنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ فِي الْيَوْمِ
نَفْسِهِ.
27-
وَكَذَلِكَ خُتِنَ مَعَهُ كُلُّ رِجَالِ بَيْتِهِ
الْمَوْلُودِينَ فِيهِ وَالْمُبْتَاعِينَ بِمَالٍ مِنَ الْغَرِيبِ.
فصل
18
الزائرون الثلاثة
1-
ثُمَّ ظَهَرَ الرَّبُّ
لإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَقْتَ
اشْتِدَادِ حَرِّ النَّهَارِ،
2-
فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَإِذَا بِهِ يَرَى
ثَلاَثَةَ رِجَالٍ مَاثِلِينَ لَدَيْهِ. فَأَسْرَعَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ
بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ.
3-
وَقَالَ: «يَاسَيِّدِي، إِنْ
كُنْتُ قَدْ حَظِيْتُ بِرِضَاكَ فَلاَ تَعْبُرْ عَنْ عَبْدِكَ.
4-
بَلْ
دَعْنِي أُقَدِّمُ لَكُمْ بَعْضَ مَاءٍ تَغْسِلُونَ بِهِ أَرْجُلَكُمْ
وَتَتَّكِئُونَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ،
5-
ثُمَّ آتِي لَكُمْ بِلُقْمَةِ خُبْزٍ
تُسْنِدُونَ بِهَا قُلُوبَكُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تُوَاصِلُونَ
مَسِيرَتَكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ مِلْتُمْ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمْ».
فَأَجَابُوهُ: «حَسَناً، لِيَكُنْ كَمَا قُلْتَ».
6-
فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ
إِلَى دَاخِلِ الْخَيْمَةِ إِلَى زَوْجَتِهِ سَارَةَ وَقَالَ: «هَيَّا
أَسْرِعِي وَاعْجِنِي ثَلاَثَ كَيْلاَتٍ مِنْ أَفْضَلِ الدَّقِيقِ
وَاخْبِزِيهَا».
7-
ثُمَّ أَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ نَحْوَ قَطِيعِهِ وَاخْتَارَ
عِجْلاً رَخْصاً طَيِّباً وَأَعْطَاهُ لِغُلامٍ كَيْ يُجَهِّزَهُ.
8-
ثُمَّ
أَخَذَ زُبْداً وَلَبَناً وَالْعِجْلَ الَّذِي طَبَخَهُ، وَمَدَّهَا
أَمَامَهُمْ، وَبَقِيَ وَاقِفاً فِي خِدْمَتِهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
وَهُمْ يَأْكُلُونَ.
تكرار الوعد لسارة
9-
ثُمَّ سَأَلُوهُ: «أَيْنَ
زَوْجَتُكَ؟» فَأَجَابَ: «هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ».
10-
فَقَالَ: «إِنيِّ
أَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ
فَتَكُونُ سَارَةُ آنَئِذٍ قَدْ وَلَدَتْ لَكَ ابْناً». وَكَانَتْ سَارَةُ
وَرَاءَهُ، عِنْدَ بَابِ الْخَيْمَةِ، فَسَمِعَتْ حَدِيثَهُ.
11-
وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عَجُوزَيْنِ طَاعِنَيْنِ جِدّاً فِي السِّنِّ
وَقَدْ تَجَاوَزَتْ سَارَةُ سِنَّ الْيَأْسِ.
12-
فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي
نَفْسِهَا قَائِلَةً: «أَبَعْدَ أَنْ فَنِيَ عُمْرِي وَأَصْبَحَ زَوْجِي
شَيْخاً يَكُونُ لِي هَذَا التَّنَعُّمُ؟»
13-
فَقَالَ الرَّبُّ
لإِبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَحَقّاً أَلِدُ
ابْناً وَقَدْ بَلَغْتُ سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ؟
14-
أَيَتَعَذَّرُ عَلَى
الرَّبِّ شَيْءٌ؟ سَأَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ
السَّنَةِ الْقَادِمَةِ فَتَكُونُ سَارَةُ قَدْ أَنْجَبَتِ ابْناً».
15-
فَخَافَتْ سَارَةُ وَأَنْكَرَتْ قَائِلَةً: «لَمْ أَضْحَكْ». فَقَالَ:
«لاَ، بَلْ ضَحِكْتِ».
تصميم الله على دمار سدوم
وعمورة
16-
ثُمَّ نَهَضَ الرِّجَالُ
وَتَطَلَّعُوا نَحْوَ سَدُومَ. فَمَشَى إِبْرَاهِيمُ مَعَهُمْ
لِيُوَدِّعَهُمْ.
17-
فَقَالَ الرَّبُّ: «أَأَكْتُمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا
أَنَا فَاعِلُهُ؟
18-
وَإِبْرَاهِيمُ لاَبُدَّ أَنْ يُصْبِحَ أُمَّةً
كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَبِهِ تَتَبَارَكُ شُعُوبُ الأَرْضِ جَمِيعاً،
19-
لأَنَّنِي قَدِ اخْتَرْتُهُ لِيُوْصِيَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ
بَعْدِهِ كَيْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، عَامِلِينَ الْبِرَّ
وَالْعَدْلَ، حَتَّى يُنْجِزَ الرَّبُّ مَا وَعَدَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ».
20-
وَقَالَ الرَّبُّ: «لأَنَّ الشَّكْوَى ضِدَّ مَظَالِمِ سَدُومَ
وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَتْ وَخَطِيئَتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّاً
21-
أَنْزِلُ لأَرَى إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ مُطَابِقَةً لِلشَّكْوَى
ضِدَّهُمْ وَإِلاَّ فَأَعْلَمُ».
22-
وَانْطَلَقَ الرَّجُلاَنِ مِنْ هُنَاكَ
نَحْوَ سَدُومَ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيمُ مَاثِلاً أَمَامَ الرَّبِّ.
شفاعة إبراهيم
23-
فَاقْتَرَبَ إِبْرَاهِيمُ
وَقَالَ: «أَتُهْلِكُ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ؟
24-
لَوْ وُجِدَ فِي
الْمَدِينَةِ خَمْسُونَ بَارّاً، فَهَلْ تُدَمِّرُهَا وَلاَ تَصْفَحُ
عَنْهَا مِنْ أَجْلِ الْخَمْسِينَ بَارّاً الَّذِينَ فِيهَا؟
25-
تَنَزَّهْتَ
عَنْ أَنْ تُهْلِكَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ
كَالأَثِيمِ؛ حَاشَا لَكَ. أَدَيَّانُ الأَرْضِ كُلِّهَا لاَ يُجْرِي
عَدْلاً؟»
26-
فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ
بَارّاً فَإِنَّنِي أَصْفَحُ عَنِ الْمَكَانِ كُلِّهِ مِنْ أَجْلِهِمْ».
27-
فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ: «هَا أَنَا قَدْ أَخَذْتُ فِي مُخَاطَبَةِ
الْمَوْلَى، مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ سِوَى تُرَابٍ وَرَمَادٍ.
28-
مَاذَا لَوْ
نَقَصَ الْخَمْسُونَ بَارّاً خَمْسَةً؟ أَفَتُهْلِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا
مِنْ أَجْلِ الْخَمْسَةِ؟» فَأَجَابَهُ: «إِنْ وَجَدْتُ خَمْسَةً
وَأَرْبَعِينَ بَارّاً لاَ أُهْلِكُهَا».
29-
فَخَاطَبَهُ إِبْرَاهِيمُ
ثَانِيَةً: «وَمَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ أَرْبَعُونَ بَارّاً فَقَطْ؟».
فَأَجَابَهُ: «لاَ أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الأَرْبَعِينَ».
30-
وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ: «لاَ يَغْضَبِ الْمَوْلَى، بَلْ دَعْنِي أَتَكَلَّمُ. مَاذَا
لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ ثَلاَثُونَ بَارّاً؟». فَأَجَابَهُ: «لاَ أُهْلِكُهَا
إِنْ وَجَدْتُ ثَلاَثِينَ».
31-
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «هَا أَنَا قَدِ
اسْتَرْسَلْتُ فِي الْكَلاَمِ أَمَامَ الْمَوْلَى، فَمَاذَا لَوْ وَجَدْتَ
هُنَاكَ عِشْرِينَ بَارّاً؟» فَقَالَ: «لاَ أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ
الْعِشْرِينَ».
32-
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لاَ يَغْضَبِ الْمَوْلَى،
فَأَتَكَلَّمَ مَرَّةً أُخْرَى: مَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ عَشَرَةٌ؟».
فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «لاَ أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْعَشَرَةِ».
33-
وَعِنْدَمَا فَرَغَ الرَّبُّ مِنْ مُحَادَثَةِ إِبْرَاهِيمَ مَضَى،
وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ
فصل
19
لوط يستضيف الملاكين
1-
وَأَقْبَلَ الْمَلاَكَانِ
عَلَى سَدُومَ عِنْدَ الْمَسَاءِ. وَكَانَ لُوطٌ جَالِساً عِنْدَ بَابِ
سَدُومَ، فَمَا إِنْ رَآهُمَا حَتَّى نَهَضَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ
بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ،
2-
وَقَالَ: «يَاسَيِّدَيَّ، انْزِلاَ فِي بَيْتِ
عَبْدِكُمَا لِتَقْضِيَا لَيْلَتَكُمَا، وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، وَفِي
الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ تَمْضِيَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». لَكِنَّهُمَا
قَالاَ: «لاَ، بَلْ نَمْكُثُ اللَّيْلَةَ فِي السَّاحَةِ».
3-
فَأَصَرَّ
عَلَيْهِمَا جِدّاً حَتَّى قَبِلاَ الذَّهَابَ مَعَهُ وَالنُّزُولَ فِي
بَيْتِهِ. فَأَعَدَّ لَهُمَا مَأْدُبَةً وَخَبَزَ فَطِيراً فَأَكَلاَ.
فساد أهل سدوم
4-
وَقَبْلَ أَنْ يَرْقُدَا،
حَاصَرَ رِجَالُ مَدِينَةِ سَدُومَ مِنْ أَحْدَاثٍ وَشُيُوخٍ، الْبَيْتَ،
5-
وَنَادُوا لُوطاً: «أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ اسْتَضَفْتَهُمَا
اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنُضَاجِعَهُمَا».
6-
فَخَرَجَ
إِلَيْهِمْ لُوطٌ بَعْدَ أَنْ أَغْلَقَ الْبَابَ خَلْفَهُ،
7-
وَقَالَ: «لاَ
تَرْتَكِبُوا شَرّاً يَاإِخْوَتِي.
8-
هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ عَذْرَاوَانِ
أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا مَا يَحْلُو لَكُمْ، أَمَّا
هَذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ تُسِيئوا إِلَيْهِمَا لأَنَّهُمَا لَجَآ إِلَى
حِمَى مَنْزِلِي».
9-
فَقَالُوا: «تَنَحَّ بَعِيداً»، وَأَضَافُوا: «لَقَدْ
جَاءَ هَذَا الإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ بَيْنَنَا، وَهَا هُوَ يَتَحَكَّمُ
فِينَا. الآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرّاً أَكْثَرَ مِنْهُمَا». وَتَدَافَعُوا
حَوْلَ لُوطٍ وَتَقَدَّمُوا لِيُحَطِّمُوا الْبَابَ.
10-
غَيْرَ أَنَّ
الرَّجُلَيْنِ مَدَّا أَيْدِيَهُمَا وَاجْتَذَبَا لُوطاً إِلَى دَاخِلِ
الْبَيْتِ، وَأَغْلَقَا الْبَابَ.
11-
ثُمَّ ضَرَبَا الرِّجَالَ، صَغِيرَهُمْ
وَكَبِيرَهُمْ، الْوَاقِفِينَ أَمَامَ بَابِ الْبَيْتِ بِالْعَمَى،
فَعَجَزُوا عَنِ الْعُثُورِ عَلَى الْبَابِ.
إنقاذ لوط وعائلته
12-
وَقَالَ الرَّجُلاَنِ
لِلُوطٍ: «أَلَكَ أَقْرِبَاءُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ؟ أَصْهَارٌ
وَأَبْنَاءٌ وَبَنَاتٌ أَوْ أَيُّ شَخْصٍ آخَرَ يَمُتُّ إِلَيْكَ بِصِلَةٍ؟
أَخْرِجْهُمْ مِنْ هُنَا،
13-
لأَنَّنَا عَازِمَانِ عَلَى تَدْمِيرِ هَذَا
الْمَكَانِ، إِذْ أَنَّ صُرَاخَ الشَّكْوَى مِنْ شَرِّهِ قَدْ تَعَاظَمَ
أَمَامَ الرَّبِّ، فَأَرْسَلَنَا الرَّبُّ لِنُدَمِّرَهُ».
14-
فَمَضَى لُوطٌ
وَخَاطَبَ أَصْهَارَهُ أَزْوَاجَ بَنَاتِهِ، قَائِلاً: «هَيَّا. قُومُوا
وَاخْرُجُوا مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، لأَنَّ الرَّبَّ سَيُدَمِّرُ هَذِهِ
الْمَدِينَةَ». فَبَدَا كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ.
15-
وَمَا إِنْ
أَطَلَّ الْفَجْرُ حَتَّى طَفِقَ الْمَلاَكَانِ يَلِحَّانِ عَلَى لُوطٍ
قَائِلَيْنِ: «هَيَّا انْهَضْ وَخُذْ زَوْجَتَكَ وَابْنَتَيْكَ اللَّتَيْنِ
هُنَا، لِئَلاَّ تَهْلِكَ بِإِثْمِ الْمَدِينَةِ».
16-
وَإِذْ تَوَانَى
لُوطٌ، أَمْسَكَ الرَّجُلاَنِ بِيَدِهِ وَأَيْدِي زَوْجَتِهِ وَابْنَتَيْهِ
وَقَادَاهُمْ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ، لأَنَّ الرَّبَّ أَشْفَقَ
عَلَيْهِمْ.
لجوء لوط وعائلته إلى صوغر
17-
وَمَا إِنْ أَخْرَجَاهُمْ
بَعِيداً حَتَى قَالَ أَحَدُ الْمَلاَكَيْنِ: «اُنْجُ بِحَيَاتِكَ. لاَ
تَلْتَفِتْ وَرَاءَكَ وَلاَ تَتَوَقَّفْ فِي كُلِّ مِنْطَقَةِ السَّهْلِ.
اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ».
18-
فَقَالَ لُوطٌ: «لَيْسَ
هَكَذَا يَاسَيِّدُ.
19-
هَا عَبْدُكَ قَدْ حَظِيَ بِرِضَاكَ، وَهَا أَنْتَ
قَدْ عَظَّمْتَ لُطْفَكَ إِذْ أَنْقَذْتَ حَيَاتِي، وَأَنَا لاَ
أَسْتَطِيعُ اللُّجُوءَ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ يُدْرِكَنِي مَكْرُوهٌ
فَأَمُوتَ.
20-
هَا هِيَ الْمَدِينَةُ قَرِيبَةٌ يَسْهُلُ الْهَرَبُ
إِلَيْهَا. إِنَّهَا مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ، فَدَعْنِي أَلْجَأُ إِلَيْهَا.
أَلَيْسَتْ هِيَ مَدِينَةً صَغِيرَةً جِدّاً فَأَنْجُو فِيهَا بِحَيَاتِي؟»
21-
فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: «إِنِّي قَدْ قَبِلْتُ طِلْبَتَكَ بِشَأْنِ
هَذَا الأَمْرِ، وَلَنْ أُدَمِّرَ هَذِهِ الْمَدِينِةَ الَّتِي ذَكَرْتَهَا
22-
أَسْرِعْ، وَاهْرُبْ إِلَيْهَا، لأَنَّنِي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ
شَيْئاً إِلَى أَنْ تَبْلُغَهَا». لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُ تِلْكَ
الْمَدِينَةِ صُوغَرَ (وَمَعْنَاهَا صَغِيرَ ةٌ).
إهلام سدوم وعمورة
23-
وَمَا إِنْ أَشْرَقَتِ
الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى كَانَ لُوطٌ قَدْ دَخَلَ إِلَى صُوغَرَ،
24-
فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتاً وَنَاراً،
مِنْ عِنْدِهِ مِنَ السَّمَاءِ.
25-
وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ
وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا، وَالسَّهْلَ الْمُحِيطَ بِهَا وَكُلَّ
مَزْرُوعَاتِ الأَرْضِ.
26-
وَتَلَفَّتَتْ زَوْجَةُ لُوطٍ السَّائِرَةُ
خَلْفَهُ وَرَاءَهَا، فَتَحَوَّلَتْ إِلَى عَمُودٍ مِنَ الْمِلْحِ.
27-
وَمَضَى إِبْرَاهِيمُ
مُبَكِّراً فِي الصَّبَاحِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ
الرَّبِّ.
28-
وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَلِسَائِرِ أَرْضِ
السَّهْلِ، فَأَبْصَرَ الدُّخَانَ يَتَصَاعَدُ مِنْهَا كَالأَتُونِ.
29-
وَهَكَذَا عِنْدَمَا دَمَّرَ اللهُ مُدُنَ السَّهْلِ ذَكَرَ
إِبْرَاهِيمَ، فَأَخْرَجَ لُوطاً قُبَيْلَ وُقُوعِ الْكَارِثَةِ حِينَ
قَلَبَ الْمُدُنَ الَّتِي قَطَنَ فِيهَا لُوطٌ.
خطيئة ابنتي لوط
30-
وَغَادَرَ لُوطٌ
وَابْنَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ صُوغَرَ، وَاسْتَقَرُّوا فِي الْجَبَلِ
لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَلَجَأَ هُوَ وَابْنَتَاهُ
إِلَى كَهْفٍ هُنَاكَ.
31-
فَقَالَتْ الابْنَةُ الْبِكْرُ لأُخْتِهَا
الصَّغِيرَةِ: «إِنَّ أَبَانَا قَدْ شَاخَ وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ حَوْلَنَا
رَجُلٌ يَتَزَوَّجُنَا كَعَادَةِ كُلِّ النَّاسِ.
32-
فَتَعَالَيْ نَسْقِيهِ
خَمْراً وَنَضْطَجِعُ مَعَهُ فَلاَ تَنْقَطِعُ ذُرِّيَّةُ أَبِينَا».
33-
فَسَقَتَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبَاهُمَا خَمْراً، وَأَقْبَلَتْ
الابْنَةُ الْكُبْرَى وَضَاجَعَتْ أَبَاهَا فَلَمْ يَعْلَمْ
بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا.
34-
وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَتْ
الابْنَةُ الْبِكْرُ لأُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ
مَعَ أَبِي لَيْلَةَ أَمْسِ، فَتَعَالَيْ نَسْقِيهِ اللَّيْلَةَ أَيْضاً
خَمْراً ثُمَّ ادْخُلِي وَاضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا
نَسْلاً».
35-
فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضاً
وَأَقْبَلَتْ الابْنَةُ الصَّغِيرَةُ وَضَاجَعَتْ أَبَاهَا. فَلَمْ
يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا.
36-
وَهَكَذَا حَمَلَتْ
الابْنَتَانِ كِلْتَاهُمَا مِنْ أَبِيهِمَا.
37-
فَوَلَدَتِ الْكُبْرَى
ابْناً دَعَتْهُ مُوآبَ (وَمَعْنَاهُ مِنَ الأَبِ)، وَهُوَ أَبُو
الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ،
38-
أَمَّا الصُّغْرَى فَوَلَدَتِ ابْناً
وَدَعَتْهُ «بَنْ عَمِّي) (وَمَعْنَاهُ ابْنُ قَوْمِي) وَهُوَ أَبُو بَنِي
عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ.
فصل
20
إبراهيم وسارة وأبيمالك
1-
وَارْتَحَلَ إِبْرَاهِيمُ
مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْضِ النَّقَبِ، وَأَقَامَ بَيْنَ قَادَشَ وَشُورَ،
وَتَغَرَّبَ فِي جَرَارَ.
2-
وَهُنَاكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ سَارَةَ
زَوْجَتِهِ: «هِيَ أُخْتِي». فَأَرْسَلَ أَبِيمَالِكُ مَلِكُ جَرَارَ
وَأَحْضَرَ سَارَةَ إِلَيْهِ.
3-
وَلِكَنَّ اللهَ تَجَلَّى لأَبِيمَالِكَ فِي
حُلْمٍ فِي اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ سَتَمُوتُ بِسَبَبِ
الْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذْتَهَا، فَإِنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ».
4-
وَلَمْ
يَكُنْ أَبِيمَالِكُ قَدْ مَسَّهَا بَعْدُ، فَقَالَ لِلرَّبِّ: «أَتُمِيتُ
أُمَّةً بَرِيئَةً؟
5-
أَلَمْ يَقُلْ لِي إِنَّهَا أُخْتِي وَهِيَ نَفْسُهَا
ادَّعَتْ أَنَّهُ أَخُوهَا؟ مَا فَعَلْتُ هَذَا إِلاَّ بِسَلاَمَةِ قَلْبِي
وَطَهَارَةِ يَدَيَّ».
6-
فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «أَنَا أَيْضاً عَلِمْتُ
أَنَّكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبِكَ قَدْ فَعَلْتَ هَذَا، وَأَنَا أَيْضاً
مَنَعْتُكَ مِنْ أَنْ تُخْطِيءَ إِلَيَّ وَلَمْ أَدَعْكَ تَمَسُّهَا.
7-
وَالآنَ، رُدَّ لِلرَّجُلِ زَوْجَتَهُ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، فَيُصَلِّيَ
مِنْ أَجْلِكَ فَتَحْيَا. وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهَا فَإِنَّك وَكُلَّ مَنْ
لَكَ حَتْماً تَمُوتُونَ».
اعتذار أبيمالك لإبراهيم
8-
فَبَكَّرَ أَبِيمَالِكُ فِي
الصَّبَاحِ وَاسْتَدْعَى جَمِيعَ عَبِيدِهِ، وَأَطْلَعَهُمْ عَلَى
جَلِيَّةِ الأَمْرِ، فَاعْتَرَ اهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ.
9-
ثُمَّ دَعَا
أَبِيمَالِكُ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا فَعَلْتَ بِنَا؟ أَيُّ
خَطَأٍ ارْتَكَبْتُهُ فِي حَقِّكَ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
مَمْلَكَتِي هَذَا الذَّنْبَ الْعَظِيمَ؟ لَقَدِ اقْتَرَفْتَ فِي حَقِّي
أُمُوراً مَا كَانَ يَجِبُ أَنْ تَقْتَرِفَهَا».
10-
وَسَأَلَ أَبِيمَالِكُ
إِبْرَاهِيمَ: «مَاذَا بَدَا لَكَ حَتَّى ارْتَكَبْتَ هَذَا الْفِعْلَ؟»
11-
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لَقَدْ فَعَلْتُ هَذَا لأَنَّنِي ظَنَنْتُ
أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِأَسْرِهِ خَوْفُ اللهِ فَخَشِيتُ
أَنْ تَقْتُلُونِي مِنْ أَجْلِ زَوْجَتِي.
12-
وَهِيَ بِالْحَقِيقَةِ
أُخْتِي، ابْنَةُ أَبِي، غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ابْنَةَ أُمِّي
فَاتَّخَذْتُهَا زَوْجَةً لِي.
13-
وَعِنْدَمَا دَعَانِي اللهُ لأَتَغَرَّبَ
بَعِيداً عَنْ بَيْتِ أَبِي قُلْتُ لَهَا: حَيْثُمَا نَذْهَبُ قُولِي
إِنِّي أَخُوكِ فَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي تَصْنَعِينَهُ لِي».
14-
فَأَخَذَ أَبِيمَالِكُ
غَنَماً وَبَقَراً وَعَبِيداً وَإِمَاءً وَقَدَّمَهَا لإِبْرَاهِيمَ،
وَأَرْجَعَ إِلَيْهِ سَارَةَ زَوْجَتَهُ.
15-
وَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «هَا
هِيَ أَرْضِي أَمَامَكَ فَأَقِمْ حَيْثُ طَابَ لَكَ».
16-
وَقَالَ لِسَارَةَ:
«هَا قَدْ وَهَبْتُ أَخَاكِ أَلْفَ قِطْعَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، تَبْرِئَةً
لَكِ مِنْ كُلِّ إِسَاءَةٍ أَمَامَ الَّذِينَ مَعَكِ، فَأَنْتِ بَرِيئَةٌ
أَمَامَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَهَكَذَا
تَكُونِينَ قَدْ
أُنْصِفْتِ».
17-
فَابْتَهَلَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى اللهِ، فَشَفَى
أَبِيمَالِكَ وَزَوْجَتَهُ وَجَوَارِيَهُ فَوَلَدْنَ.
18-
لأَنَّ الرَّبَّ
كَانَ قَدْ أَصَابَ نِسَاءَ بَيْتِ أَبِيمَالِكَ بِالْعُقْمِ مِنْ أَجْلِ
سَارَ ةَ زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ.
فصل
21
مولد إسحق
1-
وَافْتَقَدَ الرَّبُّ
سَارَةَ كَمَا قَالَ، وَأَنْجَزَ لَهَا مَا وَعَدَ بِهِ.
2-
فَحَبِلَتْ
سَارَةُ وَوَلَدَتْ لإِبْرَاهِيمَ فِي شَيْخُوخَتِهِ ابْناً، فِي الْوَقْتِ
الَّذِي عَيَّنَهُ اللهُ لَهُ.
3-
فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ الَّذِي
أَنْجَبَتْهُ لَهُ سَارَةُ «إِسْحقَ».
4-
وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ
الثَّامِنِ بِمُوجِبِ أَمْرِ اللهِ.
5-
وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ بَلَغَ
الْمِئَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وُلِدَ لَهُ إِسْحقُ.
6-
وَقَالَتْ
سَارَةُ «لَقَدْ أَضْحَكَنِي الرَّبُّ. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ هَذَا الأَمْرَ
يَضْحَكُ مَعِي».
7-
وَأَضَافَتْ أَيْضاً: «مَنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ
لإِبْرَاهِيمَ إِنَّ سَارَةَ سَتُرْضِعُ بَنِينَ؟ فَهَا أَنَا قَدْ
أَنْجَبْتُ لَهُ ابْناً فِي شَيْخُوخَتِهِ».
8-
وَكَبُرَ إِسْحقُ وَفُطِمَ.
فَأَقَامَ إِبْرَاهِيمُ فِي يَوْمِ فِطَامِهِ مَأْدُبَةً عَظِيمَةً.
طرد هاجر وإسماعيل
9-
وَرَأَتْ سَارَةُ أَنَّ
ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَسْخَرُ
مِنِ ابْنِهَا إِسْحقَ،
10-
فَقَالَتْ لإِبْرَ اهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ
الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، فَإِنَّ ابْنَ الْجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ
ابْنِي إِسْحقَ».
11-
فَقَبُحَ هَذَا الْقَوْلُ فِي نَفْسِ إِبْرَ اهِيمَ
مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ.
12-
فَقَال اللهُ لَهُ: «لاَ يَسُوءُ فِي نَفْسِكَ
أَمْرُ الصَّبِيِّ أَوْ أَمْرُ جَارِيَتِكَ، وَاسْمَعْ لِكَلاَمِ سَارَةَ
فِي كُلِّ مَا تُشِيرُ بِهِ عَلَيْكَ لأَنَّهُ بِإِسْحقَ يُدْعَى لَكَ
نَسْلٌ.
13-
وَسَأُقِيمُ مِنِ ابْنِ الْجَارِيَةِ أُمَّةً أَيْضاً لأَنَّهُ
مِنْ ذُرِّيَّتِكَ».
14-
فَنَهَضَ إِبْرَاهِيمُ فِي
الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ وَأَخَذَ خُبْزاً وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَدَفَعَهُمَا
إِلَى هَاجَرَ، وَوَضَعَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهَا، ثُمَّ صَرَفَهَا مَعَ
الصَّبِيِّ. فَهَامَتْ عَلَى وَجْهِهَا فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ.
15-
وَعِنْدَمَا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الصَّبِيَّ
تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ،
16-
وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ، عَلَى
بُعْدِ نَحْوِ مِئَةِ مِتْرٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: «لاَ أَشْهَدُ مَوْتَ
الصَّبِيِّ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ.
ملاك الله يخاطب هاجر
17-
وَسَمِعَ اللهُ بُكَاءَ
الصَّبِيِّ، فَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ
لَهَا: «مَا الَّذِي يُزْعِجُكِ يَاهَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ
قَدْ سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلْقًى.
18-
قُومِي
وَاحْمِلِي الصَّبِيَّ، وَتَشَبَّثِي بِهِ لأَنَّنِي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً
عَظِيمَةً».
19-
ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ،
فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ وَسَقَتِ الصَّبِيَّ.
20-
وَكَانَ اللهُ
مَعَ الصَّبِيِّ فَكَبُرَ، وَسَكَنَ فِي صَحْرَ اءِ فَارَانَ، وَبَرَعَ فِي
رَمْيِ الْقَوْسِ.
21-
وَاتَّخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ مِصْرَ.
الميثاق بين إبراهيم
وأبيمالك
22-
وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ
خَاطَبَ أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ قَائِدُ جَيْشِهِ إِبْرَاهِيمَ
قَائِلَيْنِ: «إِنَّ اللهَ مَعَكَ فِي كُلِّ مَا تَقُومُ بِهِ،
23-
فَاحْلِفْ
لِي الآنَ بِاللهِ أَنْ لاَ تَغْدُرَ بِي وَلاَ بِنَسْلِي وَذُرِّيَّتِي،
بَلْ تُحْسِنَ إِلَيَّ وَإِلَى شَعْبِي الَّذِي تَغَرَّبْتَ بَيْنَهُ،
كَمَا أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ».
24-
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «أَنَا أَحْلِفُ».
25-
وَعَاتَبَ إِبْرَاهِيمُ أَبِيمَالِكَ مِنْ أَجْلِ الْبِئْرِ الَّتِي
اغْتَصَبَهَا عَبِيدُ أَبِيمَالِكَ،
26-
فَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «لَسْتُ
أَعْلَمُ مَنِ ارْتَكَبَ هَذَا الأَمْرَ، وَأَنْتَ لَمْ تُخْبِرْنِي بِهِ،
وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْهُ سِوَى الْيَوْمِ».
27-
ثُمَّ أَعْطَى إِبْرَاهِيمُ
أَبِيمَالِكَ غَنَماً وَبَقَراً وَعَقَدَ كِلاَهُمَا مِيثَاقاً.
28-
وَفَرَزَ إِبْرَاهِيمُ
سَبْعَ نِعَاجٍ مِنَ الْغَنَمِ وَحْدَهَا.
29-
فَقَالَ أَبِيمَالِكُ
لإِبْرَاهِيمَ: «مَاذَا تَقْصِدُ بِهَذِهِ النِّعَاجِ السَّبْعِ الَّتِي
فَرَزْتَهَا جَانِباً؟»
30-
فَأَجَابَ: «هِيَ سَبْعُ نِعَاجٍ أُقَدِّمُهَا
لَكَ بِيَدِي شَهَادَةً لِي أَنَّنِي حَفَرْتُ هَذِهِ الْبِئْرَ».
31-
لِذَلِكَ دَعَا ذَلِكَ الْمَكَانَ بِئْرَ سَبْعٍ (وَمَعْنَاهْ بِئْرُ
الْحَلْفِ) لأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِيمَالِكَ كِلاَهُمَا حَلَفَا هُنَاكَ.
32-
وَهَكَذَا أَبْرَمَا
مِيثَاقاً فِي بِئْرِ سَبْعٍ، ثُمَّ نَهَضَ أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ
رَئِيسُ جَيْشِهِ وَرَجَعَا إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ.
33-
وَغَرَسَ
إِبْرَاهِيمُ شَجَرَ أَثْلٍ فِي بِئْرِ سَبْعٍ، وَدَعَا هُنَاكَ بِاسْمِ
الرَّبِّ الإِلَهِ السَّرْمَدِيِّ
34-
وَمَكَثَ إِبْرَاهِيمُ فِي بِلاَدِ
الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَتْرَةً طَوِيلَةً.
فصل
22
الله يمتحن إبراهيم
1-
وَبَعْدَ هَذَا امْتَحَنَ
اللهُ إِبْرَاهِيمَ، فَنَادَاهُ: «يَاإِبْرَاهِيمُ» فَأَجَابَهُ:
«لَبَّيْكَ».
2-
فَقَالَ لَهُ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، إِسْحقَ الَّذِي
تُحِبُّهُ، وَانْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَقَدِّمْهُ مُحْرَقَةً
عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَهْدِيكَ إِلَيْهِ».
3-
فَاسْتَيْقَظَ
إِبْرَاهِيمُ مُبَكِّراً فِي الصَّبَاحِ التَّالِي، وَأَسْرَجَ حِمَارَهُ،
وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ، وَابْنَهُ إِسْحقَ. وَجَهَّزَ
حَطَباً لِمُحْرَقَةٍ، وَانْطَلَقَ مَاضِياً إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي
قَالَ لَهُ اللهُ عَنْهُ.
4-
وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَطَلَّعَ
إِبْرَاهِيمُ فَشَاهَدَ الْمَكَانَ مِنْ بَعِيدٍ،
5-
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ
لِغُلاَمَيْهِ: «امْكُثَا هُنَا مَعَ الْحِمَارِ، رَيْثَمَا أَصْعَدُ أَنَا
وَالصَّبِيُّ إِلَى هُنَاكَ لَنَتَعَبَّدَ لِلهِ ثُمَّ نَعُودَ
إِلَيْكُمَا».
6-
فَحَمَّلَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحقَ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ،
وَأَخَذَ هُوَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ وَذَهَبَا كِلاَهُمَا
مَعاً.
7-
وَقَالَ إِسْحقُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ: «يَاأَبِي». فَأَجَابَهُ:
«نَعَمْ يَابُنَيَّ». فَسَأَلَهُ: «هَا هِيَ النَّارُ وَالْحَطَبُ،
وَلَكِنْ أَيْنَ خَرُوفُ الْمُحْرَقَةِ؟».
8-
فَرَدَّ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ:
«إِنَّ اللهَ يُدَبِّرُ لِنَفْسِهِ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَاابْنِي».
وَتَابَعَا مَسِيرَهُمَا مَعاً.
إسحق هو المحرقة
9-
وَلَمَّا بَلَغَا
الْمَوْضِعَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ اللهُ شَيَّدَ إِبْرَاهِيمُ
مَذْبَحاً هُنَاكَ، وَنَضَّدَ الْحَطَبَ، ثُمَّ أَوْثَقَ إِسْحقَ ابْنَهُ
وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ.
10-
وَمَدَّ إِبْرَاهِيمُ
يَدَهُ وَتَنَاوَلَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ.
11-
فَنَادَاهُ مَلاَكُ
الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «إِبْرَاهِيمُ، إِبْرَاهِيمُ»
فَأَجَابَ: «نَعَمْ».
12-
فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الصَّبِيِّ
وَلاَ تُوْقِعْ بِهِ ضُرّاً لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَخَافُ اللهَ وَلَمْ
تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي».
13-
وَإِذْ تَطَلَّعَ إِبْرَاهِيمُ
حَوْلَهُ رَأَى خَلْفَهُ كَبْشاً قَدْ عَلِقَ بِفُرُوعِ أَشْجَارِ
الْغَابَةِ، فَذَهَبَ وَأَحْضَرَهُ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضاً عَنِ
ابْنِهِ.
14-
وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «يَهْوَهْ
يِرْأَه» (وَمَعْنَاهُ: الرَّبُّ يُدَبِّرُ). وَلِذَلِكَ يُقَالُ حَتَّى
الْيَوْمِ «فِي جَبَلِ الرَّبِّ الإِلَهِ يُرَى».
15-
وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ
إِبْرَاهِيمَ مِنَ السَّمَاءِ مَرَّةً ثَانِيَةً:
16-
وَقَالَ: «هَا أَنَا
أُقْسِمُ بِذَاتِي يَقُولُ الرَّبُّ: لأَنَّكَ صَنَعْتَ هَذَا الأَمْرَ،
وَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي،
17-
لأُبَارِكَنَّكَ
وَأُكَثِّرَنَّ ذُرِّيَّتَكَ فَتَكُونُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَرَمْلِ
شَاطِيءِ الْبَحْرِ، وَتَرِثُ ذُرِّيَّتُكَ مُدُنَ أَعْدَائِهَا.
18-
وَبِذُرِّيَّتِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، لأَنَّكَ
أَطَعْتَنِي».
19-
ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى غُلاَمَيْهِ، وَعَادُوا
جَمِيعاً إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ حَيْثُ أَقَامَ إِبْرَاهِيمُ.
ذرية ناحور
20-
وَقِيلَ لإِبْرَاهِيمَ
بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ: «هُوَذَا مِلْكَةُ أَيْضاً قَدْ وَلَدَتْ بَنِينَ
لأَخِيكَ نَاحُورَ.
21-
عُوصاً الْبِكْرَ، وَأَخَاهُ
بُوزاً وَقُمُوئِيلَ أَبَا أَرَامَ،
22-
وَكَاسَدَ وَحَزْواً
وَفِلْدَاشَ وَيِدْلاَفَ وَبَتُوئِيلَ».
23-
وَأَنْجَبَ بَتُوئِيلُ رِفْقَةَ. هَؤُلاَءِ
الثَّمَانِيَةُ أَنْجَبَتْهُمْ مِلْكَةُ لِنَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ.
24-
كَذَلِكَ أَنْجَبَتْ لَهُ سُرِّيَّتُهُ الْمَدْعُوَّةُ رُؤُومَةَ طَابَحَ
وَجَاحَمَ وَتَاحَشَ وَمَعْكَةَ.
فصل
23
موت سارة ودفنها
1-
وَعَاشَتْ سَارَةُ مِئَةً
وَسَبْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً.
2-
ثُمَّ مَاتَتْ سَارَةُ فِي قَرْيَةِ
أَرْبَعَ، أَيْ حَبْرُونَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ
لِيَنْدُبَ سَارَةَ وَيَبْكِيَ عَلَيْهَا.
3-
وَنَهَضَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ
أَمَامِ الْجُثْمَانِ وَقَالَ لِلْحِثِّيِّينَ:
4-
«أَنَا غَرِيبٌ وَنَزِيلٌ
بَيْنَكُمْ، فَمَلِّكُونِي مَعَكُمْ مَدْفَناً أُوَارِي فِيهِ مَيْتِي مِنْ
أَمَامِي».
5-
فَأَجَابُوهُ قَائِلِينَ:
6-
«أَصْغِ لَنَا يَاسَيِّدِي. أَنْتَ
رَئِيسٌ مِنَ اللهِ فِي وَسَطِنَا، فَادْفِنْ مَيْتَكَ فِي أَفْضَلِ
قُبُورِنَا، فَلاَ أَحَدَ مِنَّا يَمْنَعُ قَبْرَهُ عَنْكَ لِتَدْفِنَ
مَيْتَكَ».
7-
فَنَهَضَ إِبْرَاهِيمُ وَانْحَنَى أَمَامَ الْحِثِّيِّينَ
أَهْلِ الْبِلاَدِ،
8-
وَقَالَ: «إِنْ طَابَتْ نُفُوسُكُمْ أَنْ أَدْفِنَ
مَيْتِي مِنْ أَمَامِي، فَاسْمَعُوا لِي وَالْتَمِسُوا لأَجْلِي مِنْ
عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ،
9-
أَنْ يَبِيعَنِي مَغَارَةَ الْمَكْفِيلَةِ
الَّتِي فِي طَرَفِ حَقْلِهِ، فَأَشْتَرِيَهَا مِنْهُ لِقَاءَ ثَمَنٍ
كَامِلٍ، وَأَمْتَلِكَهَا لِتَكُونَ مَدْفَناً لِي فِي وَسَطِكُمْ».
10-
وَكَانَ عِفْرُونُ جَالِساً بَيْنَ الْحِثِّيِّينَ، فَقَالَ فِي
مَسَامِعِ الْحِثِّيِّينَ، أَمَامَ كُلِّ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسِ
مَدِينَتِهِ:
11-
«لاَ يَاسَيِّدِي، بَلْ أَصْغِ إِلَيَّ، هُوَذَا الْحَقْلُ
الَّذِي لِي وَالْمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ أَهَبُهُمَا لَكَ عَلَى مَشْهَدٍ
مِنْ بَنِي شَعْبِي فَخُذْهُمَا وَادْفِنْ مَيْتَكَ».
12-
فَانْحَنَى
إِبْرَاهِيمُ أَمَامَ أَهْلِ الْبِلاَدِ مَرَّةً ثَانِيَةً،
13-
وَقَالَ
لِعِفْرُونَ فِي مَسَامِعِ شَعْبِ الأَرْضِ: «إِنْ كُنْتَ تَشَاءُ
فَاسْمَعْ لِي. أَنَا أَدْفَعُ ثَمَنَ الْحَقْلِ. فَاقْبَلْ ذَلِكَ مِنِّي
فَأَقُومَ بِدَفْنِ مَيْتِي هُنَاكَ».
14-
فَأَجَابَ عِفْرُونُ إِبْرَاهِيمَ:
15-
«أَصْغِ لِي يَاسَيِّدِي، إِنَّ الأَرْضَ تُسَاوِي أَرْبَعَ مِئَةِ
شَاقِلٍ (حَوَالِي خَمْسَةِ كِيلُو جْرَامَاتٍ مِنَ الْفِضَّةِ)، وَهُوَ
(ثَمَنٌ) لاَ قِيمَةَ لَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَادْفِنْ مَيْتَكَ».
16-
فَقَبِلَ إِبْرَاهِيمُ عَرْضَ عِفْرُونَ، وَوَزَنَ لَهُ الْفِضَّةَ
الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مَسَامِعِ الْحِثِّيِّينَ. أَرْبَعَ مِئَةِ شَاقِلٍ
رَائِجَةً بَيْنَ التُّجَّارِ.
17-
وَبِمُقْتَضَى ذَلِكَ
أَصْبَحَ حَقْلُ عِفْرُونَ الَّذِي فِي الْمَكْفِيلَةِ مُقَابِلَ مَمْرَا،
وَالْمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ، وَجَمِيعُ الأَشْجَارِ الْقَائِمَةِ فِي
كُلِّ الْحُدُودِ الْمُحِيطَةِ بِهِ،
18-
مُلْكاً لإِبْرَاهِيمَ، بِمَشْهَدٍ
مِنَ الْحِثِّيِّينَ وَسَائِرِ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسِ مَدِينَتِهِ.
19-
وَبَعْدَ ذَلِكَ دَفَنَ إِبْرَاهِيمُ زَوْجَتَهُ سَارَةَ فِي مَغَارَ ةِ
الْمَكْفِيلَةِ، مُقَابِلَ مَمْرَا. وَهِيَ حَبْرُونُ فِي أَرْضِ
كَنْعَانَ.
20-
فَامْتَلَكَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْحِثِّيِّينَ الْحَقْلَ
وَالْمَغَارَةَ الَّتِي فِيهِ لِيَكُونَا مَدْفَناً لَهُ.
فصل
24
البحث عن زوجة لإسحق
1-
وَشَاخَ إِبْرَاهِيمُ
وَتَقَدَّمَ بِهِ الْعُمْرُ. وَبَارَكَ الرَّبُّ إِبْرَاهِيمَ فِي كُلِّ
شَيْءٍ.
2-
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِرَئِيسِ عَبِيدِهِ، الْمُتَوَلِّي جَمِيعَ
شُؤُونِ بَيْتِهِ: «ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي،
3-
فَأَسْتَحْلِفَكَ
بِالرَّبِّ إِلَهِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَنْ لاَ تَأْخُذَ لابْنِي
زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِيْنَ أَنَا مُقِيمٌ فِي
وَسَطِهِمْ.
4-
بَلْ تَمْضِي إِلَى بَلَدِي وَإِلَى عَشِيرَتِي، وَتَأْخُذُ
زَوْجَةً لابْنِي إِسْحقَ».
5-
فَقَالَ لَهُ الْعَبْدُ: «هَبْ أَنَّ
الْمَرْأَةَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَتْبَعَنِي إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ، فَهَلْ
أَرْجِعُ بِابْنِكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي ارْتَحَلْتَ عَنْهَا؟».
6-
فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ: «إِيَّاكَ أَنْ تَرْجِعَ بِابْنِي إِلَى هُنَاكَ،
7-
فَالرَّبُّ إِلَهُ السَّمَاءِ الَّذِي أَخَذَنِي مِنْ بَيْتِ أَبِي وَمِنْ
أَرْضِ قَوْمِي، وَخَاطَبَنِي وَأَقْسَمَ لِي قَائِلاً: لِذُرِّيَّتِكَ
أَهَبُ هَذِهِ الأَرْضَ، هُوَ يُرْسِلُ مَلاَكَهُ أَمَامَكَ لِتَأْخُذَ
زَوْجَةً لابْنِي مِنْ هُنَاكَ.
8-
إِنْ أَبَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَتْبَعَكَ،
تَكُونُ آنَئِذٍ فِي حِلٍّ مِنْ حَلْفِي هَذَا، أَمَّا ابْنِي فَإِيَّاكَ
أَنْ تَرْجِعَ بِهِ إِلَى هُنَاكَ».
9-
فَوَضَعَ الْعَبْدُ يَدَهُ تَحْتَ
فَخْذِ
سَيِّدِهِ إِبْرَاهِيمَ
وَحَلَفَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ.
عبد إبراهيم في أرض حاران
10-
وَاخْتَارَ الْعَبْدُ
عَشَرَةَ جِمَالٍ وَحَمَّلَهَا مِنْ جَمِيعِ خَيْرَاتِ مَوْلاَهُ الَّتِي
فِي يَدِهِ، وَقَامَ وَانْطَلَقَ إِلَى أَرَامِ النَّهْرَيْنِ إِلَى
مَدِينَةِ نَاحُورَ.
11-
وَهُنَاكَ أَنَاخَ الْجِمَالَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ
عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ وَقْتَ الْمَسَاءِ، فِي مَوْعِدِ خُرُوجِ
الْمُسْتَقِيَاتِ مِنَ النِّسَاءِ،
12-
وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهَ
سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ، أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ أَنْ تُيَسِّرَ أَمْرِي
الْيَوْمَ وَتُسْدِيَ مَعْرُوفاً لِسَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ.
13-
هَا أَنَا
وَاقِفٌ عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ حَيْثُ تُقْبِلُ بَنَاتُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ
14-
فَلْيَكُنْ أَنَّ الْفَتَاةَ الَّتِي أَقُولُ لَهَا: ضَعِي
جَرَّتَكِ لأَشْرَبَ مِنْهَا، فَتُجِيبُ: اشْرَبْ وَأَنَا أَسْقِي
جِمَالَكَ أَيْضاً، تَكُونُ هِيَ الَّتِي اخْتَرْتَهَا لِعَبْدِكَ إِسْحقَ.
وَبِذَلِكَ أُدْرِكُ أَنَّكَ أَسْدَيْتَ مَعْرُوفاً لِسَيِّدِي».
رفقة عند البئر
15-
وَقَبْلَ أَنْ يُتِمَّ
صَلاَتَهُ إِذَا بِهِ يُشَاهِدُ رِفْقَةَ ابْنَةَ بَتُوئِيلَ ابْنِ
مِلْكَةَ زَوْجَةِ نَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ مُقْبِلَةً، وَجَرَّتُهَا
عَلَى كَتِفِهَا.
16-
وَكَانَتِ الْفَتَاةُ رَائِعَةَ الْجَمَالِ، عَذْرَاءَ
لَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ. فَنَزَلَتْ إِلَى الْعَيْنِ وَمَلأَتْ جَرَّتَهَا
ثُمَّ صَعِدَتْ،
17-
فَرَكَضَ الْعَبْدُ لِلِقَائِهَا وَقَالَ: «أَرْجُوكِ،
اسْقِينِي قَلِيلاً مِنْ مَاءِ جَرَّتِكِ».
18-
فَأَجَابَتِ الْفَتَاةُ:
«اشْرَبْ يَاسَيِّدِي». وَأَسْرَعَتْ وَأَنْزَلَتْ جَرَّتَهَا عَلَى
يَدِهَا وَسَقَتْهُ.
19-
وَبَعْدَ أَنْ شَرِبَ قَالَتْ: «أَسْتَقِي
لِجِمَالِكَ أَيْضاً حَتَّى تَرْتَوِيَ».
20-
وَمَضَتْ مُسْرِعَةً
وَأَفْرَغَتْ جَرَّتَهَا فِي حَوْضِ الْمَاءِ، ثُمَّ رَكَضَتْ نَحْوَ
الْبِئْرِ فَاسْتَقَتْ لِكُلِّ جِمَالِهِ.
21-
وَظَلَّ الرَّجُلُ
يَتَأَمَّلُهَا صَامِتاً لِيَعْلَمَ إِنْ كَانَ الرَّبُّ قَدْ وَفَّقَ
مَسْعَاهُ أَمْ لاَ.
22-
وَعِنْدَمَا ارْتَوَتِ الْجِمَالُ تَنَاوَلَ
الرَّجُلُ خِزَامَةً ذَهَبِيَّةً وَزْنُهَا نِصْفُ شَاقِلٍ (نَحْوَ سِتَّةِ
جْرَامَاتٍ) وَسُوَارَيْنِ ذَهَبِيَّيْنِ وَزْنُهُمَا عَشَرَةُ شَواقِلَ
(نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ جْرَاماً)،
23-
وَسَأَلَهَا: «ابْنَةُ مَنْ
أَنْتِ؟ أَخْبِرِينِي: هَلْ فِي بَيْتِ أَبِيكِ مَوْضِعٌ نَبِيتُ فِيهِ؟»
24-
فَأَجَابَتْهُ: «أَنَا ابْنَةُ بَتُوئِيلَ ابْنِ مِلْكَةَ الَّذِي
أَنْجَبَتْهُ لِنَاحُورَ،
25-
عِنْدَنَا كَثِيرٌ مِنَ التِّبْنِ وَالْعَلَفِ،
وَمَكَانٌ لِتَبِيتُوا فِيهِ».
26-
فَأَطْرَقَ الرَّجُلُ بِرَأْسِهِ وَسَجَدَ
لِلرَّبِّ مُصَلِّياً:
27-
«تَبَارَكَ الرَّبُّ إِلَهُ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ
الَّذِي لَمْ يَتَخَلَّ عَنْ لُطْفِهِ وَوَفَائِهِ لِسَيِّدِي. أَمَّا
أَنَا فَقَدْ هَدَانِي الرَّبُّ فِي الطَّرِيقِ إِلَى بَيْتِ إِخْوَةِ
سَيِّدِي».
28-
فَهُرِعَتِ
الْفَتَاةُ وَأَخْبَرَتْ
بَيْتَ أُمِّهَا بِهَذِهِ الأُمُورِ.
عبد إبراهيم في بيت لابان
29-
وَكَانَ لِرِفْقَةَ أَخٌ
يُدْعَى لاَبَانَ، فَأَسْرَعَ نَحْوَ الرَّجُلِ عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ،
30-
إِذْ كَانَ قَدْ رَأَى الْخِزَامَةَ وَالسِّوَارَيْنِ عَلَى يَدَيْ
أُخْتِهِ، وَسَمِعَ حَدِيثَهَا عَنِ الرَّجُلِ؛ فَوَجَدَهُ وَاقِفاً
بِالْقُرْبِ مِنَ الْجِمَالِ عِنْدَ الْمَاءِ،
31-
فَقَالَ: «ادْخُلْ
أَيُّهَا الْمُبَارَكُ مِنَ الرَّبِّ، لِمَاذَا تَقِفُ خَارِجاً؟ لَقَدْ
أَعْدَدْتُ الْبَيْتَ وَكَذَلِكَ مَكَاناً لِلْجِمَالِ».
32-
فَدَخَلَ
الرَّجُلُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَحَلَّ عَنِ الْجِمَالِ، وَقَدَّمَ لَهَا
تِبْناً وَعَلَفاً، وَأَتَى لاَبَانُ بِمَاءٍ لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ
وَأَرْجُلِ مُرَافِقِيهِ.
33-
ثُمَّ وَضَعَ الطَّعَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ
لِيَأْكُلَ. لَكِنَّهُ قَالَ: «لَنْ آكُلَ حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِمَا
يَجِبُ أَنْ أَقُولَهُ». فَقَالَ لَهُ: «تَكَلَّمْ».
34-
فَقَالَ: «أَنَا عَبْدُ
إِبْرَاهِيمَ،
35-
وَقَدْ أَغْدَقَ الرَّبُّ عَلَى مَوْلاَيَ بَرَكَاتٍ
جَمَّةً فَصَارَ عَظِيماً، إِذْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِغَنَمٍ وَبَقَرٍ
وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ وَجِمَالٍ وَحَمِيرٍ.
36-
وَأَنْجَبَتْ سَارَةُ امْرَأَةُ سَيِّدِي بَعْدَ أَنْ شَاخَتِ ابْناً
لِسَيِّدِي أَوْرَثَهُ كُلَّ مَالَهُ
37-
وَقَدِ اسْتَحْلَفَنِي سَيِّدِي
أَلاَّ آخُذَ زَوْجَةً لابْنِهِ مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ
يَسْكُنُ أَرْضَهُمْ،
38-
بَلْ أَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَعَشِيرَتِهِ
وَآخُذُ لابْنِهِ مِنْهُمْ زَوْجَةً.
39-
فَقُلْتُ لِسَيِّدِي: قَدْ تَأْبَى
الْفَتَاةُ أَنْ تَتْبَعَنِي إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ.
40-
فَأَجَابَنِي: إِنَّ
الرَّبَّ الَّذِي سَلَكْتُ أَمَامَهُ، هُوَ يُرْسِلُ مَلاَكَهُ مَعَكَ
وَيُوَفِّقُ مَسْعَاكَ فَتَأْخُذُ لابْنِي زَوْجَةً مِنْ عَشِيرَتِي وَمِنْ
بَيْتِ أَبِي.
41-
وَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى قَوْمِي وَرَفَضُوا أَنْ يُعْطُوكَ
إِيَّاهَا تَكُونُ آنَئِذٍ فِي حِلٍّ مِنْ حَلْفِي.
42-
فَأَقْبَلْتُ
الْيَوْمَ عَلَى الْعَيْنِ وَقُلْتُ: أَيُّهَا الرَّبُّ، إِلَهَ سَيِّدِي
إِبْرَاهِيمَ. أَرْجُوكَ أَنْ تُوَفِّقَ مَسْعَايَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ
قُمْتُ بِهَذِهِ الرِّحْلَةِ.
43-
هَا أَنَا وَاقِفٌ عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ،
فَلْيَكُنْ أَنَّ الْفَتَاةَ الَّتِي تَأْتِي لِتَسْتَقِيَ، وَالَّتِي
أَطْلُبُ مِنْهَا أَنْ تَسْقِيَنِي بَعْضَ الْمَاءِ،
44-
فَتَقُولُ لِي:
اشْرَبْ أَنْتَ، وَأَنَا أَسْتَقِي لِجِمَالِكَ أَيْضاً، تَكُونُ هِيَ
الْفَتَاةَ الَّتِي عَيَّنَهَا الرَّبُّ لابْنِ سَيِّدِي.
45-
وَبَيْنَمَا
كُنْتُ أُنَاجِي نَفْسِي بِهَذَا الْكَلاَمِ، إِذَا رِفْقَةُ قَادِمَةٌ،
حَامِلَةً جَرَّةً عَلَى كَتِفِهَا، فَنَزَلَتْ إِلَى الْعَيْنِ
وَاسْتَقَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: أَرْجُوكِ أَنْ تَسْقِينِي
46-
فَأَسْرَعَتْ
وَوَضَعَتْ جَرَّتَهَا عَنْهَا قَائِلَةً: اشْرَبْ وَأَنَا أَسْقِي
جِمَالَكَ أَيْضاً.
47-
ثُمَّ سَأَلْتُهَا: ابْنَةُ مَنْ أَنْتِ؟
فَأَجَابَتْ: ابْنَةُ بَتُوئِيلَ بْنِ نَاحُورَ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ
مِلْكَةُ لَهُ. فَوَضَعْتُ الْخِزَامَةَ فِي أَنْفِهَا وَالسِّوَارَيْنِ
عَلَى يَدَيْهَا.
48-
ثُمَّ خَرَرْتُ وَسَجَدْتُ وَبَارَكْتُ الرَّبَّ إِلَهَ
مَوْلاَيَ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي هَدَانِي فِي الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ
لِآخُذَ ابْنَةَ أَخِي سَيِّدِي لابْنِهِ.
49-
وَالآنَ إِنْ كُنْتُمْ
تُبْدُونَ لُطْفاً وَأَمَانَةً لِسَيِّدِي فَأَجِيبُوا مُلْتَمَسِي،
وَإِلاَّ فَأَخْبِرُونِي لأَتَّجِهَ يَمِيناً أَوْ شِمَالاً».
لابان وبتوئيل يوافقان على
زواج رفقة
50-
فَأَجَابَ لاَبَانُ
وَبَتُوئِيلُ : «قَدْ صَدَرَ هَذَا الأَمْرُ مِنَ الرَّبِّ، وَلاَ نَقْدِرُ
أَنْ نَقُولَ لَكَ خَيْراً أَوْ شَرّاً.
51-
هَا هِيَ رِفْقَةُ أَمَامَكَ،
خُذْهَا وَامْضِ. لِتَكُنْ لابْنِ سَيِّدِكَ كَمَا قَالَ الرَّبُّ».
52-
فَمَا إِنْ سَمِعَ عَبْدُ إِبْرَاهِيمَ كَلاَمَهُمْ حَتَّى خَرَّ عَلَى
الأَرْضِ سَاجِداً لِلرَّبِّ،
53-
ثُمَّ أَخْرَجَ جَوَاهِرَ مِنْ فِضَّةٍ
وَمِنْ ذَهَبٍ وَثِيَاباً وَأَعْطَاهَا لِرِفْقَةَ، وَأَهْدَى أَيْضاً
أَخَاهَا وَأُمَّهَا تُحَفاً
54-
وَأَكَلَ وَشَرِبَ هُوَ وَرِجَالُهُ،
وَقَضَوْا لَيْلَتَهُمْ هُنَاكَ. وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظُوا فِي الصَّبَاحِ
قَالَ: «أَطْلِقُونِي لأَعُودَ إِلَى سَيِّدِي».
55-
فَأَجَابَ أَخُوهَا
وَأُمُّهَا: «دَعِ الْفَتَاةَ تَمْكُثُ مَعْنَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ
نَحْوَهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَنْطَلِقُ».
56-
فَقَالَ لَهُمْ: «لاَ
تُعِيقُونِي فَالرَّبُّ وَفَّقَ مَسْعَايَ، أَطْلِقُونِي لأَمْضِيَ إِلَى
سَيِّدِي».
57-
فَقَالاَ: «نَدْعُو الْفَتَاةَ وَنَسْأَلُهَا رَأْيَهَا».
58-
فَدَعَيَا رِفْقَةَ وَسَأَلاَهَا: «أَتَذْهَبِينَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ؟»
فَأَجَابَتْ: «أَذْهَبُ».
59-
فَصَرَفُوا رِفْقَةَ أُخْتَهُمْ وَمَعَهَا
مُرَبِّيَتَهَا وَعَبْدَ إِبْرَاهِيمَ وَرِجَالَهُ،
60-
وَبَارَكُوا رِفْقَةَ
قَائِلِينَ لَهَا: «أَنْتِ أُخْتُنَا، فَلْتَتَكَاثَرِي لِتَصِيرِي أُلُوفَ
أُلُوفٍ وَلْتَرِثْ ذُرِّيَّتُكِ مُدُنَ مُبْغِضِيهَا».
زواج إسحق من رفقة
61-
فَنَهَضَتْ رِفْقَةُ
وَفَتَيَاتُهَا وَرَكِبْنَ الْجِمَالَ وَتَبِعْنَ الرَّجُلَ. فَانْطَلَقَ
الْعَبْدُ بِرِفْقَةَ وَمَضَى فِي طَرِيقِهِ.
62-
وَكَانَ إِسْحقُ الْمُقِيمُ
آنَئِذٍ فِي النَّقَبِ قَدْ عَادَ مِنْ طَرِيقِ بِئْرِ «لَحَيْ رُئِي».
63-
فَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ إِلَى الْحَقْلِ مُتَأَمِّلا، وَإِذْ
تَطَلَّعَ حَوْلَهُ شَاهَدَ جِمَالاً مُقْبِلَةً،
64-
وَرَفَعَتْ رِفْقَةُ
كَذَلِكَ عَيْنَيْهَا وَرَأَتْ إِسْحقَ فَتَرَجَّلَتْ عَنِ الْجَمَلِ،
65-
وَسَأَلَتِ الْعَبْدَ: «مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ
لِلِقَائِنَا؟» فَقَالَ الْعَبْدُ: «هُوَ سَيِّدِي». فَتَنَاوَلَتِ
الْحِجَابَ وَتَغَطَّتْ.
66-
ثُمَّ حَدَّثَ الْعَبْدُ إِسْحقَ بِكُلِّ
الأُمُورِ الَّتِي قَامَ بِهَا.
67-
فَأَدْخَلَ إِسْحقُ رِفْقَةَ إِلَى
خَيْمَةِ أُمِّهِ سَارَةَ، وَتَزَوَّجَهَا وَأَحَبَّهَا وَتَعَزَّى بِهَا
بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ.
فصل
25
زواج إبراهيم من قطورة
1-
وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ
فَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً تُدْعَى قَطُورَةَ،
2-
فَأَنْجَبَتْ لَهُ
زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحاً.
3-
وَأَنْجَبَ يَقْشَانُ شَبَا وَدَدَانَ. أَمَّا أَبْنَاءُ دَدَانَ فَهُمْ:
أَشُّورِيمُ وَلَطُوشِيمُ وَلأُمِّيمُ.
4-
وَأَبْنَاءُ مِدْيَانَ هُمْ:
عَيْفَةُ وَعِفْرُ وَحَنُوكُ وَأَبِيدَاعُ، وَأَلْدَعَةُ. وَهَؤُلاَءِ
جَمِيعاً مِنْ ذُرِّيَّةِ قَطُورَةَ.
5-
وَوَرَّثَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحقَ
كُلَّ مَالَهُ.
6-
أَمَّا أَبْنَاؤُهُ مِنْ سَرَارِيهِ فَأَعْطَاهُمْ
إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا، وَصَرَفَهُمْ فِي أَثْنَاءِ حَيَاتِهِ نَحْوَ
أَرْضِ الْمَشْرِقِ بَعِيداً عَنْ إِسْحقَ ابْنِهِ.
موت إبراهيم
7-
وَعَاشَ إِبْرَاهِيمُ مِئَةً
وَخَمْساً وَسَبْعِينَ سَنَةً.
8-
ثُمَّ مَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ
وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلاَفِهِ،
9-
فَدَفَنَهُ ابْنَاهُ إِسْحقُ
وَإِسْمَاعِيلُ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ، فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ
صُوحَرَ الْحِثِّيِّ مُقَابِلَ مَمْرَا،
10-
وَهُوَ الْحَقْلُ الَّذِي
اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْحِثِّيِّينَ، وَفِيهِ دُفِنَ إِبْرَاهِيمُ
وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ.
11-
وَبَعْدَ وَفَاةِ إِبْرَاهِيمَ بَارَكَ اللهُ
إِسْحقَ ابْنَهُ، وَأَقَامَ إِسْحقُ عِنْدَ بِئْرِ لَحَيْ رُئِي.
ذرية إسماعيل
12-
وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ هَاجَرُ
الْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لإِبْرَاهِيمَ.
13-
وَهَذِهِ أَسْمَاءُ
أَبْنَاءِ إِسْمَاعِيلَ مَدَوَّنَةً حَسَبَ تَرْتِيبِ وِلاَدَتِهِمْ:
نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ،
14-
وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا،
15-
وَحَدَارُ وَتَيْمَا وَيَطُورُ
وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ.
16-
هَؤُلاَءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ، وَهَذِهِ
هِيَ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ دِيَارِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَقَدْ صَارُوا
اثْنَي عَشَرَ رَئِيساً لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَبِيلَةً.
17-
وَمَاتَ
إِسْمَاعِيلُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً،
وَلَحِقَ بِقَوْمِهِ.
18-
أَمَّا ذُرِّيَّتُهُ فَقَدِ انْتَشَرَتْ مِنْ
حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الْمُتَاخِمَةِ لِمِصْرَ فِي اتِّجَاهِ أَشُّورَ،
وَكَانَتْ عَلَى عَدَاءٍ مَعَ بَقِيَّةِ إِخْوَتِهَا.
مولد عيسو ويعقوب
19-
وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ
إِسْحقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. أَنْجَبَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحقَ.
20-
وَكَانَ إِسْحقُ فِي الأَرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَزَوَّجَ
رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ مِنْ سَهْلِ أَرَامَ، وَأُخْتَ
لاَبَانَ الأَرَامِيِّ.
21-
وَصَلَّى إِسْحقُ إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِ
امْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِراً، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ،
فَحَمَلَتْ رِفْقَةُ زَوْجَتُهُ.
22-
وَإِذْ تَصَارَعَ الطِّفْلاَنِ فِي
بَطْنِهَا قَالَتْ: «إِنْ كَانَ الأَمْرُ
هَكَذَا فَمَا لِي
وَالْحَبَلُ؟» وَمَضَتْ لِتَسْتَفْهِمَ مِنَ الرَّبِّ
23-
فَقَالَ لَهَا
الرَّبُّ: «فِي أَحْشَائِكِ أُمَّتَانِ، يَتَفَرَّعُ مِنْهُمَا شَعْبَانِ.
شَعْبٌ يَسْتَقْوِي عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ».
24-
وَعِنْدَمَا اكْتَمَلَتْ
أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي أَحْشَائِهَا تَوْأَمَانِ.
25-
فَخَرَجَ
الأَوَّلُ مَكْسُوّاً بِالشَّعْرِ وَكَأَنَّهُ يَرْتَدِي فَرْوَةً
حَمْرَاءَ، فَدَعَوْهُ عِيسُو (وَمَعْنَاهُ أَشْعَرُ).
26-
ثُمَّ خَرَجَ
أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ عَلَى عَقِبِ عِيسُو فَدَعَوْهُ يَعْقُوبَ
(وَمَعَنَاهُ مُتَعَقِّبٌ). وَكَانَ إِسْحقُ فِي السِّتِّينَ مِنْ عُمْرِهِ
عِنْدَمَا أَنْجَبَتْهُمَا لَهُ رِفْقَةُ.
عيسو يبيع بكوريته
27-
وَكَبُرَ الْوَلَدَانِ،
فَأَصْبَحَ عِيسُو صَيَّاداً مَاهِراً وَرَجُلَ بَرِّيَّةٍ، بَيْنَمَا
كَانَ يَعْقُوبُ رَجُلاً هَادِئاً يُقِيمُ فِي الْخِيَامِ.
28-
وَأَحَبَّ
إِسْحقُ عِيسُو لأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَيْدِهِ، أَمَّا رِفْقَةُ
فَقَدْ أَحَبَّتْ يَعْقُوبَ.
29-
وَذَاتَ مَرَّةٍ عَادَ عِيسُو مِنَ
الْحَقْلِ مُرْهَقاً فَوَجَدَ يَعْقُوبَ قَدْ طَبَخَ طَعَاماً،
30-
فَقَالَ
عِيسُو لِيَعْقُوبَ: «أَطْعِمْنِي مِنْ هَذَا الطَّبِيخِ الأَحْمَرِ
لأَنَّنِي جَائِعٌ جِدّاً». لِهَذَا دُعِيَ عِيسُو بِأَدُومَ.
31-
فَقَالَ
يَعْقُوبُ: «بِعْنِي أَوَّلاً امْتِيَا زَاتِ بَكُورِيَّتِكَ».
32-
فَقَالَ
عِيسُو: «أَنَا لاَبُدَّ مَائِتٌ، فَأَيُّ نَفْعٍ لِي مِنْ بَكُورِيَّتِي؟»
33-
فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: «احْلِفْ لِي أَوَّلا». فَحَلَفَ لَهُ، وَبَاعَ
امْتِيَازَاتِ بَكُورِيَّتِهِ لِيَعْقُوبَ.
34-
عِنْدَئِذٍ أَعْطَى يَعْقُوبُ
عِيسُو خُبْزاً وَطَبِيخَ عَدَسٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ قَامَ وَمَضَى
فِي سَبِيلِهِ. وَهَكَذَا احْتَقَرَ عِيسُو امْتِيَازَاتِ الْبَكُورِيَّةِ.
|