فصل
1
عبث الحكمة البشرية
هَذِهِ أَقْوَالُ
الْجَامِعَةِ ابْنِ دَاوُدَ مَلِكِ أُورُشَلِيمَ. 2يَقُولُ الْجَامِعَةُ:
بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، كُلِّ شَيْءٍ بَاطِلٌ. 3مَا
الْفَائِدَةُ مِنْ كُلِّ تَعَبِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَتْعَبُهُ تَحْتَ
الشَّمْسِ. 4جِيلٌ يَمْضِي وَجِيلٌ يُقْبِلُ وَالأَرْضُ قَائِمَةٌ إِلَى
الأَبَدِ. 5الشَّمْسُ تُشْرِقُ ثُمَّ تَغْرُبُ، مُسْرِعَةً إِلَى
مَوْضِعِهَا الَّذِي مِنْهُ طَلَعَتْ. 6الرِّيحُ تَهُبُّ نَحْوَ
الْجَنُوبِ، ثُمَّ تَلْتَفُّ صَوْبَ الشَّمَالِ. تَدُورُ حَوْلَ نَفْسِهَا
وَلاَ تَلْبَثُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى مَسَارِهَا. 7جَمِيعُ الأَنْهَارِ
تَصُبُّ فِي الْبَحْرِ، وَلَكِنَّ الْبَحْرَ لاَ يَمْتَلِيءُ، ثُمَّ
تَرْجِعُ الْمِيَاهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَرَتْ مِنْهُ الأَنْهَارُ.
8جَمِيعُ الأَشْيَاءِ مُرْهِقَةٌ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَرْءِ أَنْ
يُعَبِّرَ عَنْهَا، فَلاَ الْعَيْنُ تَشْبَعُ مِنَ النَّظَرِ، وَلاَ
الأُذُنُ تَمْتَلِيءُ مِنَ السَّمْعِ. 9مَا هُوَ كَائِنٌ هُوَ الَّذِي
سَيَظَلُّ كَائِناً، وَمَا صُنِعَ هُوَ الَّذِي يَظَلُّ يُصْنَعُ، وَلاَ
شَيْءَ جَدِيدٌ تَحْتَ الشَّمْسِ. 10أَهُنَاكَ شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ
يُقَالَ عَنْهُ: انْظُرْ، هَذَا جَدِيدٌ؟ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ مَوْجُوداً
مُنْذُ الْعُصُورِ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَنَا! 11لَيْسَ مِنْ ذِكْرٍ
لِلأُمُورِ السَّالِفَةِ، وَلَنْ يَكُونَ ذِكْرٌ للأَشْيَاءِ الآتِيَةِ
بَيْنَ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِنَا.
الحكمة الباطلة
12أَنَا الْجَامِعَةُ،
كُنْتُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي أُورُشَلِيمَ. 13فَوَجَّهْتُ
قَلْبِي لِيَلْتَمِسَ وَيَبْحَثَ بِالْحِكْمَةِ عَنْ كُلِّ مَا صُنِعَ
تَحْتَ السَّمَاءِ، وَإِذَا بِهِ مَشَقَّةٌ مُنْهِكَةٌ كَبَّدَهَا الرَّبُّ
لأَبْنَاءِ النَّاسِ لِيُعَانُوا فِيهَا. 14لَقَدْ شَاهَدْتُ كُلَّ
الأَشْيَاءِ الَّتِي تَمَّ صُنْعُهَا تَحْتَ الشَّمْسِ فَإِذَا الْجَمِيعُ
بَاطِلٌ كَمُلاَحَقَةِ الرِّيحِ. 15فَالْمُعَوَّجُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ
يُقَوَّمَ، وَالنَّقْصُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُكْمَلَ. 16فَقُلْتُ لِنَفْسِي:
قَدْ عَظُمْتُ وَنَمَوْتُ فِي الْحِكْمَةِ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ أَسْلاَفِي
الَّذِينَ حَكَمُوا أُورُشَلِيمَ مِنْ قَبْلِي، وَقَدْ عَرَفَ قَلْبِي
كَثِيراً مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ. 17ثُمَّ وَجَّهْتُ فِكْرِي نَحْوَ
مَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ وَالْجُنُونِ وَالْحَمَاقَةِ، فَأَدْرَكْتُ أَنَّ
هَذَا لَيْسَ سِوَى مُلاَحَقَةِ الرِّيحِ أَيْضاً. 18لأَنَّ كَثْرَةَ
الْحِكْمَةِ تَقْتَرِنُ بِكَثْرَةِ الْغَمِّ، وَمَنْ يَزْدَادُ عِلْماً
يَزْدَادُ حُزْناً!
فصل
2
عبث اللذة والغنى
فَنَاجَيْتُ نَفْسِي:
تَعَالَيِ الآنَ أَمْتَحِنُكِ بِالْفَرَحِ، فَأَسْتَمْتِعَ بِاللَّذَّةِ!
وَإِذَا هَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. 2قُلْتُ عَنِ الضَّحِكِ: هَذَا جُنُونٌ،
وَعَنِ اللَّذَّةِ مَا جَدْوَاهَا. 3وَبَعْدَ أَنْ فَحَصْتُ قَلْبِي،
حَاوَلْتُ أَنْ أَشْرَحَ صَدْرِي بِالْخَمْرِ، مَعَ أَنَّ عَقْلِي مَازَالَ
يُرْشِدُنِي بِالْحِكْمَةِ،
وَأَنْ أَخْتَبِرَ
الْحَمَاقَةَ حَتَّى أَرَى مَا هُوَ صَالِحٌ لأَبْنَاءِ الْبَشَرِ
فَيَصْنَعُوهُ تَحْتَ السَّمَاءِ طَوَالَ أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ.
4فَأَنْجَزْتُ أَعْمَالاً عَظِيمَةً، وَشَيَّدْتُ لِي بُيُوتاً وَغَرَسْتُ
كُرُوماً. 5وَأَنْشَأْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَبَسَاتِينَ غَرَسْتُهَا
أَشْجَاراً مِنْ جَمِيعِ الأَصْنَافِ، 6وَحَفَرْتُ بِرَكَ مِيَاهٍ
لأَرْوِيَ الأَشْجَارَ النَّامِيَةَ، 7وَاشْتَرَيْتُ عَبِيداً وَإِمَاءً،
وَكَانَ لِي عَبِيدٌ مِمَّنْ وُلِدُوا فِي دَارِي، وَاقْتَنَيْتُ أَيْضاً
قُطْعَانَ بَقَرٍ وَمَوَاشِي غَنَمٍ، حَتَّى فُقْتُ جَمِيعَ أَسْلاَفِي
مِمَّنْ كَانُوا قَبْلِي فِي أُورُشَلِيمَ. 8وَاكْتَنَزْتُ لِنَفْسِي
فِضَّةً وَذَهَباً، وَكُنُوزَ الْمُلُوكِ وَالأَقَالِيمِ، وَاتَّخَذْتُ
لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ وَزَوْجَاتٍ وَسَرَارِي، وَكُلَّ مَا
هُوَ مُتْعَةٌ لِقَلْبِ أَبْنَاءِ الْبَشَرِ. 9وَازْدَدْتُ عَظَمَةً حَتَّى
فُقْتُ جَمِيعَ أَسْلاَفِي فِي أُورُشَلِيمَ، دُونَ أَنْ تُبَارِحَنِي
الْحِكْمَةُ. 10وَلَمْ أَحْرِمْ عَيْنَيَّ مِمَّا اشْتَهَتَاهُ، وَلَمْ
أَصُدَّ قَلْبِي عَنْ أَيَّةِ مُتْعَةٍ، فَابْتَهَجَ قَلْبِي لِكُلِّ
تَعَبِي، وَكَانَ هَذَا ثَوَابِي عَنْ كُلِّ مَشَقَّتِي. 11ثُمَّ
تَأَمَّلْتُ كُلَّ مَا صَنَعَتْهُ يَدَايَ وَمَا كَابَدْتُهُ مِنْ تَعَبٍ
فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْجَمِيعُ بَاطِلٌ، وَكَمُلاَحَقَةِ الرِّيحِ،
وَلاَ جَدْوَى مِنْ شَيْءٍ تَحْتَ
الشَّمْسِ.
حتميّة موت الجاهل والحكيم
12وَرَجَعْتُ أُمْعِنُ
التَّفْكِيرَ فِي الْحِكْمَةِ وَالْجُنُونِ وَالْحَمَاقَةِ، إِذْ مَاذَا
فِي وُسْعِ مَنْ يَخْلُفُ الْمَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ أَكْثَرَ مِمَّا تَمَّ
فِعْلُهُ؟ 13فَوَجَدْتُ أَنَّ الْحِكْمَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَمَاقَةِ،
تَمَاماً كَمَا أَنَّ النُّورَ خَيْرٌ مِنَ الظُّلْمَةِ، 14لأَنَّ عَيْنَيِ
الْحَكِيمِ فِي رَأْسِهِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ.
لَكِنَّنِي أَدْرَكْتُ أَنَّهُمَا يُلاَقِيَانِ مَصِيراً وَاحِداً. 15ثُمَّ
حَدَّثْتُ نَفْسِي: إِنَّ مَا يَحْدُثُ لِلْجَاهِلِ يَحْدُثُ لِي أَيْضاً،
فَلِمَاذَا أَنَا أَوْفَرُ حِكْمَةً؟ فَنَاجَيْتُ قَلْبِي: وَهَذَا أَيْضاً
بَاطِلٌ، 16فَإِنَّ الْحَكِيمَ كَالْجَاهِلِ، لَنْ يَكُونَ لَهُمَا ذِكْرٌ
إِلَى الأَبَدِ، فَفِي الأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ سَيُصْبِحَانِ كِلاَهُمَا
نِسْياً مَنْسِيّاً، إِذْ يَمُوتُ الْجَاهِلُ كَالْحَكِيمِ. 17فَكَرِهْتُ
الْحَيَاةَ، لأَنَّ مَا تَمَّ صُنْعُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ كَانَ مَثَارَ
أَسىً لِي، فَكُلُّ شَيْءٍ بَاطِلٌ كَمُلاَحَقَةِ الرِّيحِ.
عبث التعب
18وَكَرِهْتُ كُلَّ مَا
سَعَيْتُ مِنْ أَجْلِهِ تَحْتَ الشَّمْسِ، لأَنِّي سَأَتْرُكُهُ لِمَنْ
يَخْلُفُنِي. 19وَمَنْ يَدْرِي: أَيَكُونُ حَكِيماً أَمْ جَاهِلاً؟ وَمَعَ
ذَلِكَ فَإِنَّهُ سَيَتَوَلَّى كُلَّ عَمَلِي الَّذِي بَذَلْتُ فِيهِ كُلَّ
جَهْدِي وَحِكْمَتِي تَحْتَ الشَّمْسِ. وَهَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ.
20فَتَحَوَّلْتُ
وَأَسْلَمْتُ قَلْبِي لِلْيَأْسِ مِنْ كُلِّ مَا بَذَلْتُهُ مِنْ جَهْدٍ
تَحْتَ الشَّمْسِ. 21إِذْ قَدْ يَتْرُكُ الإِنْسَانُ كُلَّ مَا تَعِبَ
فِيهِ بِحِكْمَةٍ وَمَعْرِفَةٍ وَحَذَاقَةٍ لِرَجُلٍ آخَرَ يَتَمَتَّعُ
بِمَا لَمْ يَشْقَ بِهِ. هَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَشَرٌّ عَظِيمٌ. 22فَأَيُّ
نَفْعٍ لِلإِنْسَانِ مِنْ جَمِيعِ تَعَبِهِ وَمُكَابَدَتِهِ الْعَنَاءَ
الَّذِي قَاسَى مِنْهُ تَحْتَ الشَّمْسِ؟ 23كُلُّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ
مُفْعَمَةٌ بِالْمَشَقَّةِ، وَعَمَلُهُ عَنَاءٌ. حَتَّى فِي اللَّيْلِ لاَ
يَسْتَرِيحُ قَلْبُهُ. وَهَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ.
24فَلَيْسَ أَفْضَلُ
لِلإِنْسَانِ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَتَمَتَّعَ بِتَعَبِ
يَدَيْهِ. وَهَذَا أَيْضاً، كَمَا أَرَى، هُوَ مِنْ يَدِ اللهِ. 25إِذْ
بِمَعْزِلٍ عَنْهُ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَسْتَمْتِعَ؟
26لأَنَّ الْمَرْءَ الَّذِي يَحْظَى بِرِضَى اللهِ يُنْعِمُ اللهُ عَلَيْهِ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفَرَحِ. أَمَّا الْخَاطِيءُ فَيَفْرِضُ
عَلَيْهِ عَنَاءَ الْجَمْعِ وَالادِّخَارِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ
مَنْ يُرْضِي اللهَ . وَهَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ كَمُلاَحَقَةِ الرِّيحِ.
فصل
3
وقت لكل شيء
لِكُلِّ شَيْءٍ أَوَانٌ،
وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاءِ زَمَانٌ. 2لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ
وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ ولاِسْتِئْصَالِ الْمَغْرُوسِ
وَقْتٌ. 3لِلْقَتْلِ وَقْتٌ وَلِلْعِلاَجِ وَقْتٌ. لِلْهَدْمِ وَقْتٌ
وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ. 4لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضَّحِكِ وَقْتٌ.
لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ. 5لِبَعْثَرَةِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ
وَلِتَكْوِيمِهَا وَقْتٌ. لِلْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ وَلِلْكَفِّ عَنْهَا
وَقْتٌ. 6لِلسَّعْيِ وَقْتٌ، وَلِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ. لِلصِّيَانَةِ وَقْتٌ
وَلِلْبَعْثَرَةِ وَقْتٌ. 7لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلْخِيَاطَةِ وَقْتٌ.
لِلصَّمْتِ وَقْتٌ وَلِلإِفْصَاحِ وَقْتٌ. 8لِلْحُبِّ وَقْتٌ
وَلِلْبَغْضَاءِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلسَّلاَمِ وَقْتٌ. 9فَأَيُّ
نَفْعٍ يَجْنِيهِ الْعَامِلُ مِنْ كَدِّهِ؟
مصدر الجمال والبهجة
10لَقَدْ رَأَيْتُ
الْمَشَقَّةَ الَّتِي حَمَّلَهَا اللهُ لأَبْنَاءِ النَّاسِ لِيَقُومُوا
بِهَا. 11إِذْ صَنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَناً فِي حِينِهِ وَغَرَسَ
الأَبَدِيَّةَ فِي قُلُوبِ الْبَشَرِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُدْرِكُوا
أَعْمَالَ اللهِ مِنَ الْبَدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ. 12فَأَيْقَنْتُ
أَنَّهُ لَيْسَ أَفْضَلَ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَفْرَحُوا وَيُمَتِّعُوا
أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ مَازَالُوا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ. 13إِنَّ مِنْ
نِعَمِ اللهِ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَسْتَمْتِعَ
بِمَا يَجْنِيهِ مِنْ كَدِّهِ. 14وَعَلِمْتُ أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ
اللهُ يَخْلُدُ إِلَى الأَبَدِ، لاَ يُضَافُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ يُنْقَصُ
مِنْهُ. وَقَدْ أَجْرَاهُ اللهُ لِيَتَّقِيَهُ النَّاسُ. 15فَمَا كَانَ
قَبْلاً هُوَ كَائِنٌ الآنَ، وَمَا سَيَكُونُ هُوَ كَائِنٌ مِنْ قَبْلُ.
وَاللهُ يُطَالِبُ بِمَا قَدْ مَضَى.
عبث الحياة كلها
16وَرَأَيْتُ أَيْضاً تَحْتَ
الشَّمْسِ: الْجَوْرَ فِي مَوْضِعِ الْعَدْلِ، وَالظُّلْمَ فِي مَوْضِعِ
الْحَقِّ. 17فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ اللهَ سَيَحْكُمُ عَلَى
الصِّدِّيقِ وَعَلَى الشِّرِّيرِ، لأَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ وَلِكُلِّ أَمْرٍ
وَقْتاً هُنَاكَ. 18وَنَاجَيْتُ قَلْبِي أَيْضاً بِشَأْنِ أَبْنَاءِ
الْبَشَرِ قَائِلاً: إِنَّمَا اللهُ يَمْتَحِنُهُمْ، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ
أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَفْضَلَ مِنَ الْبَهَائِمِ، 19لأَنَّ مَا يَحُلُّ
بِأَبْنَاءِ الْبَشَرِ يَحُلُّ بِالْبَهَائِمِ. فَكَمَا يَمُوتُ الْوَاحِدُ
مِنَ النَّاسِ يَمُوتُ الآخَرُ مِنَ الْبَهَائِمِ، فَلِكِلَيْهِمَا
نَسَمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ فَضْلٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ،
فَكُلُّ شَيْءٍ بَاطِلٌ. 20كِلاَهُمَا يَذْهَبُ إِلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
كِلاهُمَا مِنَ التُّرَابِ، وَإِلَيْهِ يَعُودَانِ. 21فَمَنْ يَعْرِفُ
أَنَّ رُوحَ الإِنْسَانِ تَصْعَدُ إِلَى الْعَلاَءِ، وَرُوحَ الْحَيَوَانِ
تَهْبِطُ إِلَى أَسْفَلِ الأَرْضِ؟ 22فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لَيْسَ أَفْضَلَ
مِنْ أَنْ يَسْتَمْتِعَ الإِنْسَانُ بِكَدِّهِ، لأَنَّ هَذَا نَصِيبُهُ،
لأَنَّهُ مَنْ يُرْجِعُهُ لِيَرَى مَا سَيَجْرِي مِنْ بَعْدِهِ؟
فصل
4
سيادة الظلم
ثُمَّ تَأَمَّلْتُ حَوْلِي
فَرَأَيْتُ جَمِيعَ الْمَظَالِمِ الَّتِي تُرْتَكَبُ تَحْتَ الشَّمْسِ.
شَهِدْتُ دُمُوعَ الْمَظْلُومِينَ الَّذِينَ لاَ مُعَزِّيَ لَهُمْ، أَمَّا
ظَالِمُوهُمْ فَيَتَمَتَّعُونَ بِالْقُوَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَظْلُومِينَ
لاَ مُعَزِّيَ لَهُمْ. 2فَغَبَطْتُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ قَضَوْا مُنْذُ
زَمَانٍ أَكْثَرَ مِنَ الأَحْيَاءِ الَّذِينَ مَا بَرِحُوا عَلَى قَيْدِ
الْحَيَاةِ. 3وَأَفْضَلُ مِنْ كِلَيْهِمَا مَنْ لَمْ يُوْلَدْ بَعْدُ،
الَّذِي لَمْ يَرَ الشَّرَّ الْمُرْتَكَبَ تَحْتَ الشَّمْسِ.
تعب الحكيم والجاهل
4وَأَدْرَكْتُ أَيْضاً أَنَّ
كُلَّ تَعَبِ الإِنْسَانِ وَمُنْجَزَاتِهِ، نَاتِجَةٌ عَنْ حَسَدِهِ
لِقَرِيبِهِ. هَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ كَمُلاَحَقَةِ الرِّيحِ. 5يَطْوِي
الْجَاهِلُ يَدَيْهِ وَيَأْكُلُ لَحْمَهُ. 6حُفْنَةُ رَاحَةٍ خَيْرٌ مِنْ
حُفْنَتَيْ تَعَبٍ وَمُلاَحَقَةِ الرِّيحِ.
7وَعُدْتُ أَتَأَمَّلُ
فَرَأَيْتُ بَاطِلاً آخَرَ تَحْتَ الشَّمْسِ: 8وَاحِدٌ وَحِيدٌ، لاَ
ثَانِيَ لَهُ. لاَ ابْنَ وَلاَ أَخَ. وَلاَ نِهَايَةَ لِتَعَبِهِ. عَيْنُهُ
لاَ تَشْبَعُ مِنَ الْغِنَى، وَلاَ يَقُولُ: لِمَنْ أَكْدَحُ وَأَحْرِمُ
نَفْسِي مِنَ الْمَسَرَّاتِ؟ هَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَعَنَاءٌ شَاقٌّ!
9اثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، لأَنَّ لَهُمَا حُسْنَ الثَّوَابِ عَلَى
كَدِّهِمَا. 10لأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ أَحَدُهُمَا يُنْهِضُهُ الآخَرُ.
وَلَكِنْ وَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحِيدٌ، لأَنَّهُ إِنْ سَقَطَ فَلاَ مُسْعِفَ
لَهُ عَلَى النُّهُوضِ. 11كَذَلِكَ إِنْ رَقَدَ اثْنَانِ مَعاً يَدْفَآنِ،
أَمَّا الرَّاقِدُ وَحْدَهُ فَكَيْفَ يَدْفَأُ؟ 12وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ
الْقَوِيُّ يَغْلِبُ وَاحِداً أَضْعَفَ مِنْهُ، فَإِنَّ اثْنَيْنِ
قَادِرَانِ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ. فَالْخَيْطُ الْمُثَلَّثُ يَتَعَذَّرُ
قَطْعُهُ سَرِيعاً.
عبث التقدم والنجاح
13شَابٌّ فَقِيرٌ حَكِيمٌ
خَيْرٌ مِنْ مَلِكٍ شَيْخٍ جَاهِلٍ كَفَّ عَنْ قَبُولِ النَّصِيحَةِ،
14لأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنَ السِّجْنِ لِيَتَبَوَّأَ عَرْشَ الْمُلْكِ،
وَإِنْ كَانَ مَوْلُوداً فِي عَائِلَةٍ فَقِيرَةٍ مِنْ عَائِلاَتِ
الْمَمْلَكَةِ. 15وَقَدْ رَأَيْتُ جَمِيعَ الأَحْيَاءِ السَّائِرِينَ
تَحْتَ الشَّمْسِ يَلْتَفُّونَ حَوْلَ الشَّابِّ الَّذِي يَخْلُفُ
الْمَلِكَ الشَّيْخَ. 16وَلَمْ يَكُنْ نِهَايَةٌ لِلْجَمَاهِيرِ الَّذِينَ
سَارَ فِي طَلِيعَتِهِمْ، غَيْرَ أَنَّ الأَجْيَالَ اللاَّحِقَةَ لاَ
تُسَرُّ بِهِ، فَهَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَكَمُلاَحَقَةِ الرِّيحِ.
فصل
5
الخشية عند المثول أمام الله
احْرِصْ أَنْ تَكُونَ
قَدَمُكَ طَاهِرَةً عِنْدَمَا تَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، فَإِنَّ
الدُّنُوَّ لِلاِسْتِمَاعِ خَيْرٌ مِنْ تَقْرِيبِ ذَبِيحَةِ الْجُهَّالِ
الَّذِينَ لاَ يُدْرِكُونَ أَنَّهُمْ يَرْتَكِبُونَ شَرّاً. 2لاَ
تَتَسَرَّعْ فِي أَقْوَالِ فَمِكَ، وَلاَ يَتَهَوَّرْ قَلْبُكَ فِي نُطْقِ
كَلاَمِ لَغْوٍ أَمَامَ اللهِ، فَاللهُ فِي السَّمَاءِ وَأَنْتَ عَلَى
الأَرْضِ، فَلْتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً. 3فَكَمَا تُرَاوِدُ
الأَحْلاَمُ النَّائِمَ مِنْ كَثْرَةِ الْعَنَاءِ، كَذَلِكَ أَقْوَالُ
الْجَهْلِ تَصْدُرُ عَنِ الإِفْرَاطِ فِي الْكَلاَمِ. 4عِنْدَمَا تَنْذِرُ
نَذْراً لِلهِ لاَ تُمَاطِلْ فِي الْوَفَاءِ بِهِ،
لأَنَّهُ لاَ يَرْضَى
عَنِ الْجُهَّالِ، لِذَلِكَ أَوْفِ نُذُورَكَ، 5لأَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ لاَ
تَنْذِرَ مِنْ أَنْ تَنْذِرَ وَلاَ تَفِيَ. 6لاَ تَدَعْ فَمَكَ يَجْعَلُ
جَسَدَكَ يُخْطِيءُ، وَلاَ تَقُلْ فِي حَضْرَةِ الْمُرْسَلِ مِنَ اللهِ
إِنَّهُ سَهْوٌ، إِذْ لِمَاذَا يَغْضَبُ اللهُ عَلَى كَلاَمِكَ فَيُبِيدَ
كُلَّ عَمَلِ يَدَيْكَ؟ 7لأَنَّ فِي كَثْرَةِ الأَحْلاَمِ أَبَاطِيلَ،
وَكَذَلِكَ فِي اللَّغْوِ الْمُفْرِطِ؛ فَاتَّقِ اللهَ
.
عبث الغنى
8إِنْ شَهِدْتَ فِي
الْبِلاَدِ الْفَقِيرَ مَظْلُوماً، وَالْحَقَّ وَالْعَدْلَ مَزْهُوقَيْنِ
فَلاَ تَعْجَبْ مِنَ الأَمْرِ، فَإِنَّ فَوْقَ الْمَسْئُولِ الْكَبِيرِ
مَسْئُولاً أَعْلَى مِنْهُ رُتْبَةً يُرَاقِبُهُ وَفَوْقَهُمَا مَنْ هُوَ
أَعْظَمُ مَقَاماً مِنْهُمَا. 9وَغَلَّةُ الأَرْضِ يَسْتَفِيدُ مِنْهَا
الْكُلُّ، وَالأَرْضُ الْمَفْلُوحَةُ ذَاتُ جَدْوَى لِلْمَلِكِ. 10مَنْ
يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْهَا، والمُوْلَعُ بِالْغِنَى لاَ
يَشْبَعُ مِنْ رِبْحٍ. وَهَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. 11إِنْ كَثُرَتِ
الْخَيْرَاتُ كَثُرَ آكِلُوهَا أَيْضاً، وَأَيُّ جَدْوَى لِمَالِكِهَا
إِلاَّ أَنْ تَكْتَحِلَ عَيْنَاهُ بِرُؤْيَتِهَا. 12نَوْمُ الْعَامِلِ
هَنِيءٌ سَوَاءٌ أَكْثَرَ مِنَ الطَّعَامِ أَمْ أَقَلَّ، أَمَّا الْغَنِيُّ
فَوَفْرَةُ غِنَاهُ تَجْعَلُهُ قَلِقاً أَرِقاً!
التعب والمتعة
13قَدْ رَأَيْتُ شَرّاً
مَقِيتاً تَحْتَ الشَّمْسِ: ثَرْوَةٌ مُدَّخَرَةٌ لِغَيْرِ صَاحِبِهَا.
14أَوْ ثَرْوَةٌ تَلِفَتْ فِي مَشْرُوعٍ خَاسِرٍ، وَلَمْ يُبْقِ
(صَاحِبُهَا) لابْنِهِ الَّذِي أَنْجَبَهُ شَيْئاً. 15عُرْيَاناً يَخْرُجُ
الْمَرْءُ مِنْ رَحِمِ أُمِّهِ، وَعُرْيَاناً يُفَارِقُ الدُّنْيَا كَمَا
جَاءَ. لاَ يَأْخُذُ شَيْئاً مِنْ تَعَبِهِ يَحْمِلُهُ مَعَهُ فِيِ يَدِهِ.
16وَهَذَا أَيْضاً شَرٌّ أَلِيمٌ، إِذْ إِنَّهُ يُفَارِقُ الدُّنْيَا كَمَا
جَاءَ فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لَهُ، إِذْ إِنَّ تَعَبَهُ يَذْهَبُ أَدْرَاجَ
الرِّيَاحِ؟ 17وَيُنْفِقُ أَيْضاً كُلَّ حَيَاتِهِ فِي الظُّلُمَاتِ
يُقَاسِي مِنَ الأَسَى وَالْغَمِّ وَالْمَرَضِ وَالسُّخْطِ.
18فَتَأَمَّلْ مَا وَجَدْتُ:
مِنَ الأَفْضَلِ وَالأَلْيَقِ أَنْ يَأْكُلَ الإِنْسَانُ وَيَشْرَبَ
وَيَسْتَمْتِعَ بِمَا تَكَبَّدَهُ مِنْ عَنَاءٍ تَحْتَ الشَّمْسِ طَوَالَ
أَيَّامِ حَيَاتِهِ الْقَلِيلَةِ الَّتِي وَهَبَهَا اللهُ لَهُ، لأَنَّ
هَذَا هُوَ حَظُّهُ. 19وَكُلُّ إِنْسَانٍ حَبَاهُ اللهُ بِالثَّرْوَةِ،
جَعَلَهُ يَسْتَمْتِعُ بِهَا، وَيَتَنَعَّمُ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا
لِيَفْرَحَ بِتَعَبِهِ. فَهَذَا أَيْضاً عَطِيَّةُ اللهِ لَهُ.
20عِنْدَئِذٍ لاَ يُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ الْبَاطِلَةِ
لأَنَّ اللهَ يُلْهِيهِ بِفَرَحِ قَلْبِهِ.
فصل
6
عبث الثروة والكرامة
رَأَيْتُ شَرّاً تَحْتَ
الشَّمْسِ خَيَّمَ بِثِقْلِهِ عَلَى النَّاسِ: 2إِنْسَانٌ رَزَقَهُ اللهُ
غِنًى وَمُمْتَلَكَاتٍ وَكَرَامَةً،
فَلَمْ تَفْتَقِرْ
نَفْسُهُ إِلَى شَيْءٍ رَغِبَتْ فِيهِ. وَلَكِنَّ اللهَ لَمْ يُنْعِمْ
عَلَيْهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِهَا، وَإِنَّمَا تَكُونُ مِنْ
حَظِّ الْغَرِيبِ. هَذَا بَاطِلٌ، وَدَاءٌ خَبِيثٌ.
3رُبَّ رَجُلٍ يُنْجِبُ
مِئَةَ وَلَدٍ وَيَعِيشُ عُمْراً طَوِيلاً حَتَّى تَكْثُرَ سِنُو
حَيَاتِهِ، لَكِنَّهُ لاَ يَتَمَتَّعُ بِخَيْرَاتِ الْحَيَاةِ وَلاَ
يَثْوِي فِي قَبْرٍ. أَقُولُ إِنَّ السِّقْطَ خَيْرٌ مِنْهُ! 4لأَنَّهُ
يُقْبِلُ إِلَى الدُّنْيَا بِالْبَاطِلِ، وَيُفَارِقُ فِي الظَّلاَمِ
وَيحْتَجِبُ اسْمُهُ بِالظُّلْمَةِ. 5وَمَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّنْيَا
وَلاَ عَرَفَ شَيْئاً، فَإِنَّهُ يَنَالُ رَاحَةً أَكْثَرَ 6مِنَ الَّذِي
يَعِيشُ أَلْفَيْ سَنَةٍ، وَلَكِنَّهُ يُخْفِقُ فِي الاسْتِمْتَاعِ
بِالْخَيْرَاتِ. أَلاَّ يَذْهَبُ كِلاَهُمَا، فِي نِهَايَةِ الْمُطَافِ،
إِلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؟
عبث الرجاء
7إِنَّ كُلَّ جَهْدِ
الإِنْسَانِ يَلْتَهِمُهُ فَمُهُ، أَمَّا شَهِيَّتُهُ فَلاَ تَشْبَعُ.
8لأَنَّهُ مَا فَضْلُ الْحَكِيمِ عَلَى الْجَاهِلِ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ
لِلْفَقِيرِ الَّذِي يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ أَمَامَ الأَحْيَاءِ؟
9إِنَّ مَا تَرَاهُ
الْعَيْنُ خَيْرٌ مِمَّا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ. وَهَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ
كَمُلاَحَقَةِ الرِّيحِ. 10كُلُّ مَا هُوَ كَائِنٌ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ مُنْذُ
زَمَنٍ قَدِيمٍ وَمَا جُبِلَ عَلَيْهِ الإِنْسَانُ مِنْ طَبْعٍ مَعْرُوفٌ
يَتَعَذَّرُ تَغْيِيرُهُ لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى مُخَاصَمَةِ مَنْ
هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (أَيْ صَانِعِهِ). 11فِي كَثْرَةِ الْكَلاَمِ كَثْرَةُ
الْبَاطِلِ، فَأَيُّ جَدْوَى مِنْهُ لِلإِنْسَانِ؟ 12إِذْ مَنْ يَدْرِي مَا
هُوَ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ فِي الْحَيَا ةِ الَّتِي يَقْضِي فِيهَا
أَيَّاماً قَلِيلَةً بَاطِلَةً كَالظِّلِّ؟ وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُطْلِعَ
الإِنْسَانَ عَلَى مَا سَيَحْدُثُ تَحْتَ الشَّمْسِ مِنْ بَعْدِهِ؟
فصل
7
اختيار الأفضل
الصِّيتُ الْحَسَنُ خَيْرٌ
مِنَ الطِّيبِ، وَيَوْمُ الْوَفَاةِ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ الْوِلاَدَةِ.
2الذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ النَّوْحِ خَيْرٌ مِنَ الْحُضُورِ إِلَى بَيْتِ
الْوَلِيمَةِ، لأَنَّ الْمَوْتَ هُوَ مَصِيرُ كُلِّ إِنْسَانٍ. وَهَذَا مَا
يَحْتَفِظُ بِهِ الْحَيُّ فِي قَلْبِهِ. 3الْحُزْنُ خَيْرٌ مِنَ الضَّحِكِ،
لأَنَّهُ بِكَآبَةِ الْوَجْهِ يُصْلَحُ الْقَلْبُ. 4قَلْبُ الْحُكَمَاءِ
فِي بَيْتِ النَّوْحِ، أَمَّا قُلُوبُ الْجُهَّالِ فَفِي بَيْتِ
اللَّذَّةِ. 5الاسْتِمَاعُ إِلَى زَجْرِ الْحَكِيمِ خَيْرٌ مِنَ
الإِصْغَاءِ إِلَى غِنَاءِ الْجُهَّالِ. 6لأَنَّ ضَحِكَ الْجُهَّالِ
كَقَرْقَعَةِ
الشَّوْكِ تَحْتَ الْقِدْرِ،
وَهَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. 7الظُّلْمُ يَجْعَلُ الْحَكِيمَ أَحْمَقَ،
وَالرِّشْوَةُ تُفْسِدُ الْقَلْبَ.
8نِهَايَةُ أَمْرٍ خَيْرٌ
مِنْ بَدَايَتِهِ، وَالصَّبْرُ خَيْرٌ مِنَ الْعَجْرَفَةِ. 9لاَ
يَسْتَسْلِمْ قَلْبُكَ سَرِيعاً لِلْغَضَبِ، لأَنَّ الْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ
فِي صُدُورِ الْجُهَّالِ.
فضل الحكمة على الغنى
10لاَ تَقُلْ: كَيْفَ حَدَثَ
أَنَّ الأَيَّامَ الْمَاضِيَةَ كَانَتْ خَيْراً مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ؟
لأَنَّ سُؤَالَكَ هَذَا لاَ يَنِمُّ عَنْ حِكْمَةٍ. 11الْحِكْمَةُ مَعَ
الْمِيرَاثِ صَالِحَةٌ وَذَاتُ مَنْفَعَةٍ لِلأَحْيَاءِ. 12الَّذِي
يَسْتَظِلُّ بِالْحِكْمَةِ كَمَنْ يَسْتَظِلُّ بِالْفِضَّةِ، إِلاَّ أَنَّ
لِمَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ فَضْلاً، وَهُوَ أَنَّهَا تَحْفَظُ حَيَاةَ
أَصْحَابِهَا. 13تَأَمَّلْ فِي عَمَلِ اللهِ، مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُقَوِّمَ
مَا يُعَوِّجُهُ؟ 14افْرَحْ فِي يَوْمِ السَّرَّاءِ، وَاعْتَبِرْ فِي
يَوْمِ الضَّرَّاءِ. إِنَّ الرَّبَّ قَدْ جَعَلَ السَّرَّاءَ مَعَ
الضَّرَّاءِ، لِئَلاَّ يَكْتَشِفَ الإِنْسَانُ شَيْئاً مِمّا يَحْدُثُ
بَعْدَ مَوْتِهِ.
ضعف الإنسان
15لَقَدْ شَاهَدْتُ هَذِهِ
جَمِيعَهَا فِي أَيَّامِ أَبَاطِيلِي: رُبَّ صِدِّيقٍ يَهْلِكُ فِي
بِرِّهِ، وَمُنَافِقٍ تَطُولُ أَيَّامُهُ فِي شَرِّهِ. 16لاَ تُغَالِ فِي
بِرِّكَ وَلاَ تُبَالِغْ فِي حِكْمَتِكَ، إِذْ لِمَاذَا تُهْلِكُ نَفْسَكَ؟
17لاَ تُفْرِطْ فِي شَرِّكَ وَلاَ تَكُنْ أَحْمَقَ. لِمَاذَا تَمُوتُ
قَبْلَ أَوَانِكَ؟ 18حَسَنٌ أَنْ تَتَشَبَّثَ بِهَذَا وَأَنْ لاَ تُفَرِّطَ
فِي ذَاكَ، لأَنَّ مُتَّقِيَ اللهِ يَتَفَادَى التَّطَرُّفَ فِي
كِلَيْهِمَا.
تناقض الحكمة والحماقة
19تَدْعَمُ الْحِكْمَةُ
الْحَكِيمَ بِالْقُوَّةِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ مُتَسَلِّطِينَ فِي
الْمَدِينَةِ. 20لَيْسَ مِنْ صِدِّيقٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ يَصْنَعُ
خَيْراً وَلاَ يُخْطِيءُ. 21لاَ تَكْتَرِثْ لِكُلِّ كَلاَمٍ يُقَالُ
لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَشْتِمُكَ. 22لأَنَّكَ تُدْرِكُ فِي قَرَارَةِ
نَفْسِكَ أَنَّكَ كَثِيراً مَا لَعَنْتَ غَيْرَكَ.
23كُلُّ ذَلِكَ
اخْتَبَرْتُهُ بِالْحِكْمَةِ وَقُلْتُ: سَأَكُونُ حَكِيماً، وَلَكِنَّهَا
كَانَتْ بَعِيدَةً عَنِّي. 24مَا هُوَ بَعِيدٌ، بَعِيدٌ جِدّاً، وَمَا هُوَ
عَمِيقٌ، عَمِيقٌ جِدّاً. وَمَنْ لِي بِمَنْ يَكْتَشِفُهُ؟ 25فَتَفَحَّصْتُ
قَلْبِي لأَعْلَمَ وَأَبْحَثَ وَأَنْشُدَ الْحِكْمَةَ وَأَلْتَمِسَ
جَوَاهِرَ الأَشْيَاءِ وَأَعْرِفَ جَهَالَةَ الشَّرِّ، وَحَمَاقَةَ
الْجُنُونِ. 26فَوَجَدْتُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَلْبُهَا أَشْرَاكٌ
وَشِبَاكٌ، وَيَدَاهَا قُيُودٌ، هِيَ أَمَرُّ مِنَ الْمَوْتِ، وَمَنْ
يُرْضِي اللهَ يَهْرُبُ مِنْهَا، أَمَّا الْخَاطِيءُ فَيَقَعُ فِي
أَشْرَاكِهَا. 27وَيَقُولُ الْجَامِعَةُ: إِلَيْكَ مَا وَجَدْتُهُ: أَضِفْ
وَاحِداً إِلَى وَاحِدٍ لِتَكْتَشِفَ حَاصِلَ الأَشْيَاءِ 28الَّتِي مَا
بَرِحَتْ نَفْسِي تَبْحَثُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ جَدْوَى: وَجَدْتُ
صِدِّيقاً وَاحِداً بَيْنَ أَلْفِ رَجُلٍ، وَعَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ
(صِدِّيقَةٍ) بَيْنَ الأَلْفِ لَمْ أَعْثُرْ. 29بَلْ هَذَا مَا وَجَدْتُهُ:
إِنَّ اللهَ قَدْ صَنَعَ الْبَشَرَ مُسْتَقِيمِينَ، أَمَّا هُمْ
فَانْطَلَقُوا بَاحِثِينَ عَنْ مُسْتَحْدَثَاتٍ كَثِيرَةٍ!
فصل
8
إطاعة السلطات
مَنْ هُوَ نَظِيرُ
الْحَكِيمِ؟ وَمَنْ يَعْرِفُ تَعْلِيلَ الأُمُورِ؟ حِكْمَةُ الإِنْسَانِ
تُضِيءُ وَجْهَهُ وَتُلَطِّفُ مِنْ صَلاَبَةِ مَلاَمِحِهِ. 2أَقُولُ لَكَ:
أَطِعْ كَلاَمَ الْمَلِكِ، وَلاَسِيَّمَا مِنْ أَجْلِ يَمِينِ اللهِ
الَّذِي أَقْسَمْتَ بِهِ. 3لاَ تُسْرِعْ فِي الاخْتِفَاءِ مِنْ حَضْرَتِهِ،
وَلاَ تَتَشَبَّثْ بِقَضِيَّةٍ سَيِّئَةٍ لأَنَّهُ يَصْنَعُ مَا يَشَاءُ،
4إِذْ تَنْطَوِي كَلِمَةُ الْمَلِكِ عَلَى سُلْطَانٍ. وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ
يَقُولَ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 5مَنْ يُطِعِ الأَمْرَ لاَ يَلْقَ أَذًى،
وَقَلْبُ الْحَكِيمِ يُدْرِكُ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ وَأُسْلُوبَ
الْقَضَاءِ. 6فَهُنَاكَ وَقْتٌ وَأُسْلُوبٌ لِكُلِّ أَمْرٍ مَعَ أَنَّ
كَاهِلَ الإِنْسَانِ يَنُوءُ بِثِقْلِ مَتَاعِبِهِ. 7لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ
مَا يُضْمِرُهُ الْغَدُ، إِذْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَمَّا تَكُونُ عَلَيْهِ
الأَحْدَاثُ؟ 8لَيْسَ لأَحَدٍ سُلْطَانٌ عَلَى الرُّوحِ لِيُمْسِكَ بِهَا،
أَوْ سُلْطَانٌ عَلَى يَوْمِ الْمَوْتِ. وَكَمَا لاَ يُسَرَّحُ أَحَدٌ فِي
وَقْتِ الْحَرْبِ كَذَلِكَ لاَ يُطْلِقُ الشَّرُّ سَرَاحَ مَنْ
يُمَارِسُونَهُ.
9هَذَا كُلُّهُ رَأَيْتُهُ
عِنْدَمَا تَأَمَّلَ قَلْبِي فِي كُلِّ عَمَلٍ يُعْمَلُ تَحْتَ الشَّمْسِ،
وَقْتَمَا يَتَسَلَّطُ إِنْسَانٌ عَلَى إِنْسَانٍ لِيُؤْذِيَهُ.
طرق الله تفوق إدراك
الإِنسان
10ثُمَّ رَأَيْتُ
الأَشْرَارَ مِمَّنْ كَانُوا يَرُوحُونَ وَيَجِيئُونَ إِلَى الْمَكَانِ
الْمُقَدَّسِ، يُدْفَنُونَ وَقَدْ كِيلَتْ لَهُمْ هَالاَتُ الْمَديِحِ فِي
الْمَدِينَةِ الَّتِي ارْتَكَبُوا فِيهَا هَذِهِ الأُمُورَ. وَهَذَا
أَيْضاً بَاطِلٌ. 11وَلأَنَّ الْقَضَاءَ لاَ يُنَفَّذُ بِسُرْعَةٍ عَلَى
الشَّرِّ الْمُرْتَكَبِ، فَإِنَّ قُلُوبَ الْبَشَرِ تَمْتَلِيءُ
بِالْعَزْمِ عَلَى فِعْلِ الشَّرِّ. 12وَمَعَ أَنَّ الْخَاطِيءَ يَرْتَكِبُ
الشَّرَّ مِئَةَ مَرَّةٍ وَتَطُولُ أَيَّامُهُ، إِلاَّ أَنَّنِي أَعْلَمُ
أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِمُتَّقِيِ اللهِ الَّذِينَ يَخْشَعُونَ فِي
حَضْرَتِهِ. 13أَمَّا الأَشْرَارُ الَّذِينَ لاَ يَتَّقُونَ اللهَ فَلَنْ
يَنَالُوا خَيْراً، وَلَنْ تَطُولَ أَيَّامُهُمُ الَّتِي تُشْبِهُ
الظِّلَّ، لأَنَّهُمْ لاَ يَخْشَوْنَ اللهَ .
14فِي الأَرْضِ يَسُودُ
بَاطِلٌ: هُنَاكَ صِدِّيقُونَ يَنَالُهُمْ جَزَاءُ أَعْمَالِ الأَشْرَارِ،
وَأَشْرَارٌ يَحْظَوْنَ بِثَوَابِ أَعْمَالِ الأَبْرَارِ، فَقُلْتُ: هَذَا
أَيْضاً بَاطِلٌ. 15فَأَطْرَيْتُ الْمَسَرَّةَ لأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْءِ
خَيْرٌ تَحْتَ الشَّمْسِ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ
وَيُمَتِّعَ نَفْسَهُ، فَهَذَا مَا يَبْقَى لَهُ مِنْ عَنَائِهِ مُدَّةَ
أَيَّامِ حَيَاتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا اللهُ عَلَيْهِ تَحْتَ
الشَّمْسِ.
16وَعِنْدَمَا جَعَلْتُ
قَلْبِي يَعْزِمُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ، وَالتَّأَمُّلِ فِي
مُعَانَاةِ الإِنْسَانِ الَّتِي يُقَاسِيهَا عَلَى الأَرْضِ، وَكَيْفَ لاَ
تَذُوقُ عَيْنَاهُ النَّوْمَ لَيْلاً وَنَهَاراً، 17رَأَيْتُ أَعْمَالَ
اللهِ كُلَّهَا، وَعَجْزَ الإِنْسَانِ عَنْ إِدْرَاكِ الأَعْمَالِ الَّتِي
تَمَّ إِنْجَازُهَا تَحْتَ الشَّمْسِ. وَمَهْمَا جَدَّ فِي سَعْيِهِ
لِمَعْرِفَتِهَا فَلَنْ يُدْرِكَهَا. وَحَتَّى إِنِ ادَّعَى الْحَكِيمُ
مَعْرِفَتَهَا فَإِنَّهُ حَقّاً لَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَجِدَهَا.
فصل
9
الجميع يتعرضون لنفس المصير
هَذَا كُلُّهُ ادَّخَرْتُهُ
فِي قَلْبِي وَاخْتَبَرْتُهُ: أَنَّ الأَبْرَارَ وَالْحُكَمَاءَ، وَمَا
يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ أَعْمَالٍ، فِي يَدِ اللهِ، وَلاَ أَحَدَ يَدْرِي
مَا يَنْتَظِرُهُ، حُبّاً كَانَ أَمْ بُغْضاً، 2إِذِ الْجَمِيعُ
مُعَرَّضُونَ لِنَفْسِ الْمَصِيرِ، الصَّالِحُونَ وَالطَّالِحُونَ،
الأَخْيَارُ وَالأَشْرَارُ، الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ، الْمُقَرِّبُ
لِلذَّبَائِحِ وَغَيْرُ الْمُقَرِّبِ. فَالصَّالِحُ كَالطَّالِحِ سِيَّانِ،
وَالْحَالِفُ كَمَنْ يَخْشَى الْحَلْفَ. 3وَأَشَرُّ مَا يَجْرِي تَحْتَ
الشَّمْسِ أَنَّ الْجَمِيعَ يَلْقَوْنَ نَفْسَ الْمَصِيرِ، وَأَنَّ قُلُوبَ
بَنِي الْبَشَرِ مُفْعَمَةٌ بِالشَّرِّ، وَفِي حَيَاتِهِمْ تَمْتَلِيءُ
صُدُورُهُمْ بِالْحَمَاقَةِ، ثُمَّ يَمُوتُونَ! 4أَمَّا مَنْ لاَ يَزَالُ
حَيّاً مَعَ الأَحْيَاءِ فَلَهُ رَجَاءٌ، لأَنَّ كَلْباً حَيّاً خَيْرٌ
مِنْ أَسَدٍ مَيْتٍ. 5لأَنَّ الأَحْيَاءَ يُدْرِكُونَ أَنَّهُمْ
سَيَمُوتُونَ، أَمَّا الأَمْوَاتُ فَلاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً، وَلَيْسَ
لَهُمْ ثَوَابٌ بَعْدُ، إِذْ قَدْ يُنْسَى ذِكْرُهُمْ. 6فَقَدْ بَادَ
حُبُّهُمْ وَبُغْضُهُمْ وَغَيْرَتُهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَصِيبٌ
فِيمَا يَجْرِي تَحْتَ الشَّمْسِ.
7فَامْضِ وَتَمَتَّعْ
بِأَكْلِ طَعَامِكَ، وَاشْرَبْ خَمْرَكَ بِقَلْبٍ مُنْشَرِحٍ، لأَنَّ
الرَّبَّ قَدْ رَضِيَ الآنَ عَنْ أَعْمَالِكَ. 8لِتَكُنْ ثِيَابُكَ
دَائِماً بَيْضَاءَ، وَلاَ يُعْوِزَنَّ رَأْسَكَ الطِّيبُ. 9تَمَتَّعْ
طَوَالَ أَيَّامِ حَيَاتِكَ الْبَاطِلَةِ الَّتِي أَعْطَاكَ إِيَّاهَا
الرَّبُّ تَحْتَ الشَّمْسِ مَعَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَحْبَبْتَهَا، لأَنَّ
ذَلِكَ هُوَ حَظُّكَ مِنَ الْحَيَاةِ وَمِنْ عَنَاءِ تَعَبِكَ الَّذِي
تُكَابِدُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ. 10وَكُلُّ مَا تَحْصُلُ عَلَيْهِ مِنْ
عَمَلٍ، فَاعْمَلْهُ بِكُلِّ قُوَّتِكَ، إِذْ لَنْ تَجِدَ فِي الْهَاوِيَةِ
الَّتِي أَنْتَ مَاضٍ إِلَيْهَا أَيَّ عَمَلٍ أَوِ ابْتِكَارٍ أَوْ
مَعْرِفَةٍ أَوْ حِكْمَةٍ.
مظالم الحياة
11وَتَطَلَّعْتُ فَرَأَيْتُ
شَيْئاً آخَرَ تَحْتَ الشَّمْسِ: إِنَّ الْفَوْزَ فِي السِّبَاقِ لَيْسَ
لِلسَّرِيعِ، وَالظَّفَرَ فِي الْمَعْرَكَةِ لَيْسَ لِلأَقْوِيَاءِ، وَلاَ
الْخُبْزَ مِنْ نَصِيبِ الْحُكَمَاءِ، وَلاَ الغِنَى لِذَوِي الْفَهْمِ،
وَلاَ الْحُظْوَةَ لِلْعُلَمَاءِ، لأَنَّهُمْ كَافَّةً مُعَرَّضُونَ
لِتَقَلُّبَاتِ الأَوْقَاتِ وَالْمُفَاجَآتِ، 12فَالْمَرْءُ لاَ يَعْلَمُ
مَتَى يَحِينُ وَقْتُهُ، فَكَمَا تَقَعُ الأَسْمَاكُ فِي شَبَكَةٍ
مُهْلِكَةٍ، أَوْ تَعْلَقُ الْعَصَافِيرُ بِالْفِخَاخِ، هَكَذَا تَقْتَنِصُ
الأَيَّامُ الرَّدِيئَةُ بَنِي الْبَشَرِ، إِذْ تُفَاجِئُهُمْ عَلَى حِينِ
غِرَّةٍ. 13وَشَاهَدْتُ أَيْضاً تَحْتَ الشَّمْسِ هَذِهِ الْحِكْمَةَ
الَّتِي أَثَارَتْ إِعْجَابِي الْمُفْرِطَ: 14كَانَتْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ
صَغِيرَةٌ فِيهَا نَفَرٌ قَلِيلٌ مِنَ الرِّجَالِ، أَقْبَلَ عَلَيْهَا
مَلِكٌ قَوِيٌّ وَحَاصَرَهَا وَبَنَى حَوْلَهَا أَبْرَاجاً عَظِيمَةً.
15وَكَانَ يُقِيمُ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِسْكِينٌ حَكِيمٌ
أَنْقَذَ الْمَدِينَةَ بِفَضْلِ حِكْمَتِهِ. وَلَكِنَّ أَحَداً لَمْ
يَذْكُرْهُ. 16فَقُلْتُ: إِنَّ الْحِكْمَةَ خَيْرٌ مِنَ الْقُوَّةِ. غَيْرَ
أَنَّ حِكْمَةَ الْمِسْكِينِ مُحْتَقَرَةٌ وَكَلاَمَهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ.
17كَلاَمُ الْحُكَمَاءِ الْمَسْمُوعُ فِي الهُدُوءِ خَيْرٌ مِنْ صُرَاخِ
الْحُكَّامِ بَيْنَ الْجُهَّالِ. 18الْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنْ آلاَتِ
الْحَرْبِ، وَخَاطِيءٌ وَاحِدٌ يُفْسِدُ خَيْراً جَزِيلاً.
فصل
10
الحكيم والجاهل
كَمَا أَنَّ الذُّبَابَ
الْمَيْتَ يُنَتِّنُ طِيبَ الْعَطَّارِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْحَمَاقَةِ
تَكُونُ أَثْقَلَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْكَرَامَةِ. 2قَلْبُ الْحَكِيمِ
مَيَّالٌ لِعَمَلِ الْحَقِّ، وَقَلْبُ الْجَاهِلِ يَنْزِعُ نَحْوَ
ارْتِكَابِ الشَّرِّ. 3حَتَّى إِذَا مَشَى الْجَاهِلُ فِي الطَّرِيقِ
يَفْتَقِرُ إِلَى الْبَصِيرَةِ، وَيَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ:
إِنَّهُ أَحْمَقُ.
4إِذَا ثَارَ غَضَبُ
الْحَاكِمِ عَلَيْكَ فَلاَ تَهْجُرْ مَكَانَكَ، فَإِنَّ الْهُدُوءَ
يُسَكِّنُ السُّخْطَ عَلَى خَطَايَا عَظِيمَةٍ. 5رَأَيْتُ شَرّاً تَحْتَ
السَّمَاءِ هُوَ: كالسَّهْوِ الصَّادِرِ عَنِ السُّلْطَانِ. 6فَقَدْ
تَبَوَّأَتِ الْحَمَاقَةُ مَرَاتِبَ عَالِيَةً، أَمَّا الأَغْنِيَاءُ
فَقَدِ احْتَلُّوا مَقَامَاتٍ دَنِيَّةً. 7وَشَاهَدْتُ عَبِيداً
يَمْتَطُونَ صَهَوَاتِ الْجِيَادِ، وَأُمَرَاءَ يَسِيرُونَ عَلَى
الأَقْدَامِ كَالْعَبِيدِ. 8كُلُّ مَنْ يَحْفُرُ حُفْرَةً يَقَعُ فِيهَا،
وَمَنْ يَنْقُضْ جِدَاراً تَلْدَغْهُ حَيَّةٌ. 9وَمَنْ يَقْلَعْ حِجَارَةً
تُؤْذِهِ، وَمَنْ يُشَقِّقْ حَطَباً يَتَعَرَّضْ لِخَطَرِهَا. 10إِنْ كَلَّ
الْحَدِيدُ وَلَمْ يَشْحَذْ صَاحِبُهُ حَدَّهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ
جَهْداً أَكْبَرَ! وَالْحِكْمَةُ تُسْعِفُ عَلَى النَّجَاحِ. 11إِنْ
كَانَتِ الْحَيَّةُ تَلْدَغُ بِلاَ رُقْيَةٍ، فَلاَ مَنْفَعَةَ مِنَ
الرَّاقِي. 12كَلِمَاتُ فَمِ الرَّجُلِ الْحَكِيمِ مُفْعَمَةٌ
بِالنِّعْمَةِ، أَمَّا أَقْوَالُ شَفَتَيِ الأَحْمَقِ فَتَبْتَلِعُهُ.
13بَدَايَةُ كَلِمَاتِ فَمِهِ حَمَاقَةٌ، وَخَاتِمَةُ حَدِيثِهِ جُنُونٌ
خَبِيثٌ. 14يُكَثِّرُ الأَحْمَقُ مِنَ الْكَلاَمِ، وَلاَ أَحَدَ يَدْرِي
مَاذَا سَيَكُونُ، وَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا سَيَجْرِي مِنْ
بَعْدِهِ؟ 15كَدُّ الْجَاهِلِ يُعْيِيهِ، لأَنَّهُ يَضِلُّ طَرِيقَهُ إِلَى
الْمَدِينَةِ.
الملك والشرفاء
16وَيْلٌ لَكِ أَيَّتُهَا
الأَرْضُ إِنْ كَانَ مَلِكُكِ وَلَداً، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ إِلَى
الصَّبَاحِ. 17طُوبَى لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ إِنْ كَانَ مَلِكُكِ ابْنَ
شُرَفَاءَ، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الْمَوَاعِيدِ الْمُعَيَّنَةِ،
طَلَباً لِلْقُوَّةِ وَلَيْسَ سَعْياً وَرَاءَ السُّكْرِ.
18مِنْ جَرَّاءِ الْكَسَلِ
يَنْهَارُ السَّقْفُ، وَبِتَرَاخِي الْيَدَيْنِ يَسْقُطُ الْبَيْتُ.
19تُقَامُ الْمَأْدُبَةُ لِلتَّسْلِيَةِ، وَالْخَمْرَةُ تُوَلِّدُ
الْفَرَحَ، أَمَّا الْمَالُ فَيَسُدُّ جَمِيعَ الْحَاجَاتِ. 20لاَ تَلْعَنِ
الْمَلِكَ حَتَّى فِي فِكْرِكَ، وَلاَ تَشْتِمِ الْغَنِيَّ فِي مُخْدَعِكَ،
لأَنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ
يَنْقُلُ صَوْتَكَ، وَذَا
الْجَنَاحِ يُبَلِّغُ الأَمْرَ.
فصل
11
استثمار حياة
اطْرَحْ خُبْزَكَ عَلَى
وَجْهِ الْمِيَاهِ، فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ.
2وَزِّعْ أَنْصِبَةً عَلَى سَبْعَةٍ بَلْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، لأَنَّكَ لاَ
تَدْرِي أَيَّةَ بَلِيَّةٍ تَحُلُّ عَلَى الأَرْضِ. 3إِذَا كَانَتِ
السُّحُبُ مُثْقَلَةً بِالْمِيَاهِ فَإِنَّهَا تَصُبُّ الْمَطَرَ عَلَى
الأَرْضِ، وَإِنْ سَقَطَتْ شَجَرَةٌ بِاتِّجَاهِ الشَّمَالِ أَوِ
الْجَنُوبِ فَإِنَّهَا تَظَلُّ مُسْتَقِرَّةً حَيْثُ سَقَطَتْ. 4مَنْ
يَرْصُدِ الرِّيحَ لاَ يَزْرَعْ، وَمَنْ يُرَاقِبِ السُّحُبَ لاَ يَحْصُدْ.
5كَمَا تَجْهَلُ اتِّجَاهَ مَسَارِ الرِّيحِ، أَوْ كَيْفَ تَتَكَوَّنُ
عِظَامُ الْجَنِينِ فِي رَحِمِ الأُمِّ، كَذَلِكَ لاَ تُدْرِكُ أَعْمَالَ
اللهِ الَّتِي يُجْرِيهَا كُلَّهَا. 6ازْرَعْ زَرْعَكَ فِي الصَّبَاحِ،
وَلاَ تَكُفَّ يَدَكَ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمَسَاءِ، لأَنَّكَ لاَ تَدْرِي
أَيُّهُمَا يُفْلِحُ: أَهَذَا الْمَزْرُوعُ فِي الصَّبَاحِ أَمْ ذَاكَ
الَّذِي فِي الْمَسَاءِ، أَمْ كِلاهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؟
اذكر خالقك في شبابك
7النُّورُ مُبْهِجٌ، وَكَمْ
يَلَذُّ لِلْعَيْنَيْنِ أَنْ تَرَيَا الشَّمْسَ. 8إِنْ عَاشَ الإِنْسَانُ
سِنِينَ كَثِيرَةً وَتَمَتَّعَ فِيهَا جَمِيعاً، فَلْيَتَذَكَّرِ
الأَيَّامَ السَّوْدَاءَ، لأَنَّهَا سَتَكُونُ عَدِيدَةً. وَبَاطِلٌ كُلُّ
مَا هُوَ آتٍ! 9افْرَحْ أَيُّهَا الشَّابُّ فِي حَدَاثَتِكَ،
وَلْيُمَتِّعْكَ قَلْبُكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، وَاتْبَعْ أَهْوَاءَ
قَلْبِكَ، وَكُلَّ مَا تَشْهَدُهُ عَيْنَاكَ. وَلَكِنِ اعْلَمْ أَنَّهُ
بِسَبَبِ هَذِهِ الأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي اللهُ بِكَ إِلَى كُرْسِيِّ
الْقَضَاءِ. 10فَأَزِلِ الْغَمَّ مِنْ صَدْرِكَ، وَاقْصِ الشَّرَّ عَنْ
جَسَدِكَ، لأَنَّ الْحَدَاثَةَ وَالشَّبَابَ بَاطِلاَنِ.
فصل
12
أطوار الحياة
فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي
أَيَّامِ حَدَاثَتِكَ قَبْلَ أَنْ تُقْبِلَ عَلَيْكَ أَيَّامُ الشَّرِّ،
أَوْ تَغْلِبَ عَلَيْكَ السِّنُونَ، حِينَ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا
لَذَّةٌ. 2قَبْلَ أَنْ تُظْلِمَ فِي عَيْنَيْكَ الشَّمْسُ وَالنُّورُ
وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ، وَتَرْجِعَ سُحُبُ الْحُزْنِ فِي أَعْقَابِ
الْمَطَرِ 3فِي يَوْمٍ تَرْتَعِدُ فِيهِ حَفَظَةُ الْبَيْتِ (أَيِ
الأَذْرُعُ)، وَيَنْحَنِي الرِّجَالُ الأَشِدَّاءُ (أَيِ الأَرْجُلُ
الْقَوِيَّةُ)، وَتَكُفُّ الطَّوَاحِينُ (أَيِ الأَسْنَانُ) لِقِلَّتِهَا،
وَتُظْلِمُ الْعُيُونُ الْمُطِلَّةُ مِنْ بَيْنِ الأَجْفَانِ. 4وَتُوْصَدُ
أَبْوَابُ الشِّفَاهِ عَلَى الشَّارِعِ (أَيِ الفَمِ) وَيَتَلاَشَى صَوْتُ
الأَسْنَانِ، وَيَسْتَيْقِظُ الرِّجَالُ عِنْدَ زَقْزَقَةِ الْعُصْفُورِ،
وَلَكِنَّ تَغْرِيدَهَا يَكُونُ خَافِتاً فِي مَسَامِعِكَ. 5يَوْمَ
يَفْزَعُ الرِّجَالُ مِنَ الْعُلُوِّ، وَيَتَخَوَّفُونَ مِنْ أَخْطَارِ
الطَّرِيقِ، وَيُزْهِرُ الشَّيْبُ، وَيُصْبِحُ الْجَرَادُ ثَقِيلاً عَلَى
كَتِفِ الْمَرْءِ، وَتَمُوتُ الرَّغْبَةُ. عِنْدَئِذٍ يَمْضِي الإِنْسَانُ
إِلَى مَقَرِّهِ الأَبَدِيِّ، وَيَطُوفُ النَّادِبُونَ فِي الشَّوَارِعِ.
6فَاذْكُرْ خَالِقَكَ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِمَ حَبْلُ الْفِضَّةِ (أَيِ
الْحَيَاةِ) أَوْ يَنْكَسِرَ كُوزُ الذَّهَبِ، وَتَتَحَطَّمَ الْجَرَّةُ
عِنْدَ الْعَيْنِ، أَوْ تَنْقَصِفَ البَكَرَةُ عِنْدَ الْبِئْرِ.
7فَيَعُودَ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجِعَ الرُّوحُ
إِلَى اللهِ وَاهِبِهَا. 8يَقُولُ الْجَامِعَةُ: بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ
وَكُلُّ شَيْءٍ بَاطِلٌ.
واجب الإنسان الكامل
9وَفَضْلاً عَنْ كَوْنِ
الْجَامِعَةِ حَكِيماً، فَإِنَّهُ عَلَّمَ النَّاسَ الْمَعْرِفَةَ أَيْضاً،
وَقَوَّمَ وَبَحَثَ وَنَظَّمَ أَمْثَالاً كَثِيرَةً.
10إِذْ سَعَى الْجَامِعَةُ
لاِنْتِقَاءِ أَلْفَاظٍ مُبْهِجَةٍ، وَكَتَبَ بِاسْتِقَامَةٍ كَلِمَاتِ
الْحَقِّ. 11أَقْوَالُ الْحُكَمَاءِ كالْمَنَاخِسِ، وَكَلِمَاتُهُمُ
الْمَجْمُوعَةُ الصَّادِرَةُ عَنْ رَاعٍ وَاحِدٍ (أَيِ الْمَلِكِ)
رَاسِخَةٌ فِي الْعُقُولِ كَالْمَسَامِيرِ الْمُثَبَّتَةِ. 12وَمَا خَلاَ
ذَلِكَ، فَاحْذَرْ مِنْهُ يَابُنَيَّ، إِذْ لاَ نِهَايَةَ لِتَأْلِيفِ
كُتُبٍ عَدِيدَةٍ، وَالدِّرَاسَةُ الْكَثِيرَةُ تُجْهِدُ الْجَسَدَ.
13فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الْكَلاَمِ كُلِّهِ: اِتَّقِ اللهَ ، وَاًحْفَظْ
وَصَايَاهُ، لأَنَّ هَذَا هُوَ كُلُّ وَاجِبِ الإِنْسَانِ، 14لأَنَّ اللهَ
سَيَدِينُ كُلَّ عَمَلٍ مَهْمَا كَانَ خَفِيّاً، سَوَاءٌ كَانَ خَيْراً
أَمْ شَرّاً.
|