أوّلا: أيّامه الأخيرة
1- مرض الحمّى
"ثبت في جهاده وسهره وصلب جسده
للعالم وحياته ملأى بأعمال البرّ والتقوى"
"وما أكثر الليالي التي كان يقضيها مع حبيبه
[يسوع في القربان] وكان
يلذّه ذكر الموت
أبدا"
و"في اليوم الرابع من ك1"
"بعد فروغه من أعماله الروحيّة قبل الظهر بقليل توجّه كعادته إلى محفل في
إحدى القرى المجاورة للدير فشدّة حرارة الشمس في ذلك الوقت وعدم مناولته
شيئا من القوت الضروري كان علّة وسببا فعّالا لمرضه الأخير"
"مرض الحمّى"
بسبب "داء ذات الجنب"
"وكان قد بلي بهذا المرض قبل ذلك، فأضحى فيه داء مزمنا عجز الأطبّاء عن
شفائه إلاّ أنّه قوي بسبب"
"الريح الشماليّة"
وقد "وقع فيه بعد رجوعه للدير"
"فتغلّب على جسمه الذي كان قد أضناه وأنحله كثيرا إفراطه في ممارسة أعمال
الزهد والتقشّف والإماتة التي ما زال مثابرا عليها حتّى في حالة المرض قبل
أن قوي عليه واضطره في دوره الأخير إلى ملازمة الفراش"
"وإذ كان أخذ به مفعوله فما عادت أفادته الأدوية، بل في الدور الثالث من
الأدوار المتتابعة المطبقة الذي به عدم النطق والوعي، كان انقضاء الأجل.
فتكون مدّة مرضه الأخير عشرة أيّام"
2- دعوني أصلّي
"لم يظهر عليه خوف البتّة، بل
كان مسلّما لله تعالى"
"وكان في شدّة مرضه الأخير، لا ينقطع من تلاوة صلاة الفرض في الشحيمة، حتّى
يغيب عن الوعي. وعندما يعود إلى رشده، يعود إلى متابعة إتمام الفرض. وكانوا
يعترضون عليه كيف يصلّي في تلك الحالة؟ وأن لا إلزام عليه بذلك! فيجيب:
دعوني أصلّي، وأنتم ابقوا افعلوا ما تشاؤون"
"ولم يمتنع حتّى عجز عجزا طبيعيّا وما عاد أمكنه الوقوف"
و"كان يطلب منّي، لأنّي كنت خادمه في مرضه، أن أقيمه لقرب الكنيسة حتّى
يسمع صوت الجمهور في الصلاة الصارخة"
"وكان يتلو :"فليكن مباركا الحبل بمريم البريئ من الدنس" وهو غائب
عن الوعي، لشدّة الحمّى، وعندما ينتبه كان يلتفت إلى أيقونتها قائلا لها
بشغف: "يا مريم عينيني!"
3- خمرٌ ممزوجة بمرٍّ
(مر15/23)
"أشار الطبيب بأن نقوّيه
بأطعمة مقوّية، وأن نسقيه مرق دجاج. فلمّا عرف هو بذلك، أباه كلّ الإباء.
فنحن عملا بإشارة الطبيب عملنا له هنا المرقة وصفّيناها في شاشة، وسقيناه
منها، دون أن يعرف أي شيء هي. فانتبه إلى الأمر بعد حين، واستاء منه جدّا،
وقال: قد غشّوني، سامحهم الله"
4- نورٌ سماويٌ
"لمّا أحسّ الأب نعمةالله بأنّ
أجله قد قرب أخذ يعدّ نفسه لملاقاة ربّه فطلب الأسرار المقدّسة وقبلها
كلّها بعبادة عظيمة وتسليم تام لمشيئة الله، فرحا مستبشرا بقرب خروجه من
سجن الجسد ليدخل دار الأفراح الخالدة"
"في الساعة الأخيرة من حياته كان متّكئا على صدري، وعندما قارب الإنفصال،
جلس برغبة زائدة وتشوّق لا يوصف ووقع على صورة البتول مريم التي كانت أمامه
وقبّلها بمحبّة عجيبة"
"وهو يستغيث بها"
"وعاد على صدري"
"فتأثّرنا
[الكفري والحاضرون]
جميعنا ممّا رأيناه في هذا الرجل البار عواطف الحبّ الحارّ لله، ويطلب عون
العذراء في وقت النزاع"
"وهو في طمأنينة القلب وصفاء النفس"
"وظهرت حمامة فوق رأسه"
"وأسلم الروح وهو يقول، والابتسامة تعلو ثغره: بالسلام ارقد وأنام، يا يسوع
ومريم ومار يوسف بين أيديكم أستودع روحي"
" "في 14 ك1 سنة 1858"
"بسلام الله بعد عيشة روحانيّة بنوع أفضل"
"نصف ليل الثلاثاء وله من العمر 50 سنة، بعد أن اقتبل الأسرار المقدّسة أي
الإعتراف والقربان المقدّس والمسحة الأخيرة قبل فقده الوعي بقليل، بحضور
القس دانيال البشراني مرشده، والقس نعمةالله الكفري وبعض الإخوة"
ومنهم "الأخ شربل بقاعكفرا"
"وللحال أرى بغتة نورا سماويّا"
"بَهِجا خرج من فيه"
"ملأ القلاّية، وفاحت رائحة سماويّة"
"ذكيّة عبّقت في قلاّيته"
"ودامت فيها أيّاما!"
هكذا حظي الحرديني بنعمة
فريدة، إذ توفّي بين أيدي الناشئة الرهبانيّة التي خدمها طوال حياته!
5- داء السلّ
"وأنا نفسي كنت أشعر بضعف
زائد، وكان يقول لي بعض الناس أنّ مرضي كان داء السلّ، فكنت من جرائه
متعوبا في المشي والأكل والشرب، وفي كلّ حركاتي. وبعد خدمتي لهذا الرجل
القدّيس في مرضه الأخير، لم أعد أشعر بشيء من ذاك الضعف، بل تحسّنت صحّتي
للغاية، وبقيت والحمد لله بشفاعة البار، حتّى الآن بكامل العافية والصحة"
ثانيا: نحو القبر
1- جنّاز الحرديني
"ما إن بلغ خبر موته القرى
المجاورة حتّى تقاطرت الجماهير إلى دير كفيفان"
"من كهنة وخاصّة وعامّة للتبرّك بلثم راحاته الطاهرة قبل دفنه من غير دعوة
من الرهبان الذين لا عادة لهم أن يدعوا الناس لجنّاز موتاهم. بل حضرت هذه
الجماهير لإعتقادها التام بفضائل هذا الأب وجميعهم كانوا يقولون: إنّ هذا
قدّيس ورجل الله. ومن حصل على رقعة من ثيابه يحسب ذاته سعيدا فيحفظها ذخيرة
في بيته"
و"الناس يقولون مات القدّيس"
و"هنيئا له، هذا قدّيس الله يرزقنا شفاعته، ليتنا تراب تحت رجليه. نحن
مساكين خاطئين، ليت الله يرحمنا بصلاته. ونحن النساء، لم نتمكّن من حضور
الجنّاز، لأنّ الأب الكفري، كان تابعا خطّة الحرديني في منع النساء من دخول
كنيسة الدير"
"ثمّ دفن بجنّاز حافل خشوعيّ
من جمهور الدير وبعض الكهنة العلمانيّين الذين حضروا من ذواتهم ليحضروا
دفنه"
"ويتباركوا منه"
"وكان بعض الرهبان قد أخذوا نتفا من شعره وقطعا من ثيابه احتفظوا بها
كذخائر جرى بواسطتها عدّة حوادث غريبة"
و"حضرت حفل الجنّاز"
"وحفلة دفنه"
2- هنيئا له
(لو 23\47)
"والبطريرك بولس مسعد ، لمّا
أُخبِر بوفاة الحرديني، وكان يومئذ في مدرسة مار يوحنّا مارون - كفرحي"
"قال: بالحقيقة إنّ هذا الراهب"
"عرف أن يعيش راهبا"
"وعرف أن يستفيد من رهبانيّته. فيما تعلّق بأمر الاحتفاظ على فضيلة العفّة،
ندر أن يوجد مثله محافظا محترسا"
"فهنيئا له"
"ولمّا عرف والديّ بوفاته تأثرا جدّا"
وفي 1\11\1859 نقل اسمه
المجمع المنعقد في دير كفيفان، إلى المجمع العام، كونه من الرهبان
المتوفّين
3- في المقبرة
"دفن في المقبرة العموميّة"
"أمام الدير"
"واليوم هذه المقبرة قد رفعت من هناك وصار محلها بئر ماء"
"المجموع من المطر"
"هو واقع تحت بوابة الدير الحالية القبليّة"
"والرهبان الذين يدفنون أكبر راهب عندهم حتّى رئيس الرهبنة ملفوف بعباءته
كأصغر أخ في الرهبنة"
"بلا توابيت"
"ومحل المقبرة هو معرض في الصيف للحرّ الشديد، وفي الشتاء للأمطار الغزيرة
والرطوبة الدائمة"
و"مزراب الدير يصبّ على المقبرة وتسرّب الماء إلى جثمان الأب الحرديني"
ثالثا: نور القيامة
1- نور فوق قبره
"ظهرت"
"أنوار وتلألأت فوق قبره"
"ومن الليل الأوّل من يوم دفن الأب نعمةالله حدث أنّ بعضا من أهالي مزرعة
رامات البعيدة عن دير كفيفان نحو 20 دقيقة وبعضا من أهالي عبدللي البعيدة
عن الدير المذكور نحو نصف ساعة شاهدوا نورا يختلف عن النور الإعتيادي
يتلألأ فوق المقبرة المدفون فيها جثمان الأب نعمةالله وجميع هؤلاء من
الموارنة البسطاء المتديّنين فأسرعوا في صباح اليوم التالي إلى الدير
وأخبروا بما شاهدوا"
2- طريّ كأنّه حيّ
"وما ذاع خبر مشاهدة الأهالي
المذكورين لذلك النور يتلألأ فوق ضريح رجل الله حتّى أخذ الناس يتقاطرون
إليه"
"أفواجا إلى الدير للتبرّك من ضريحه"
"وقد شفاني من ألم في عيني وأزال البياضة عنها بغتة حال زيارتي ضريحه"
"والأخ سمعان من دريا رفع شحفة من الحيط، فرآه سليما مثلما كان. ولمّا أراد
فتح المقبرة، قالوا: لا يجوز ذلك بدون إذن البطرك"
"وجاء رجل مريض بالحمى من عبرين وكان عارفا بفضائله المشهورة فطلب شفاعته
وشفي فذاع أمر هذه الأعجوبة. ففتح القبر ووجدت الجثّة سليمة من الفساد
وكساعة دفنها"
"بدون رائحة نتانة"
"ولكنّها غائصة بالأوحال لأنّ المقبرة كانت معرّضة للأمطار فغسلها الرهبان
ووضعوها على لوحين في نفس المقبرة إذ أنّهم قالوا: لا يجوز إخراجها إلاّ
بإذن السيد البطريرك"
وأعيد إقفال المقبرة. "وباب المقبرة كان فيه نافذة صغيرة يدخل منها الهواء
ثم كبّرها الزوّار"
"وأخذ الناس من التراب الموجود على باب ضريحه"
"وشفى كثيرين بهذا التراب"
"حتّى إنّهم أخذوا كلّ ما يوجد من التراب حول البلاطة التي هي باب
الخشخاشة، إلى أن وقعت هذه البلاطة وقعت من ذاتها"
"وصاروا يدخلون المقبرة"
"فبان جثمان القدّيس كأنّه حيّ"
"طريّا ولا يوجد فيه تشويه إلا ثغرة في خاصرته"
"غير مفكّك بل باقيا جلده منشورا عليه"
"ولكنّه اكمدّ
[اسودّ]
من زيادة الماء التي كانت في الخشخاشة، لأنّ هذه كانت تحت مزراب سطح الدير"
"وهكذا بقيت الخشخاشة مفتوحة نحو 5 أو6 أشهر، والناس تدخل إليها وتأخذ بركة
من شعره، أو من التراب الذي حول جثمانه. أمّا جثمانه، فبقي بدون فساد، مع
أنّه كان موجودا في الرطوبة، وكان غارقا في الماء"
3- شعر للأب اغناطيوس
الخازن رئيس دير القطّارة سنة 1858
"أبا توارى في
رهبـــــــانيّة فبدا
يا من بُليت بداء زره ملـــــجئا
وانظر وأرِّخ واجهر شاهدا أبدا
|
|
سرّ الفضائل فيه غير
مكتومِ
تبلغ دواء لمجهول
ومــعلومِ
بنعمةالله يشفي كلّ مســـقومِ"
|
4- الولد يمشي
"أخبرني الأخ يوسف
محمرش أن ابن أخيه المكرسح جاءت به إليه أمّه وقالت له: يا سلفي، ماذا تريد
أن أعمل بهذا الولد؟ فقال لها الأخ: روحي اطرحيه على قبر الحرديني وهو
يصطفل فيه. واذهبي عند الكرارجي خدي كم رغيف غدا. فذهبت وأتت بالخبزات
لتأكل مع ابنها، فإذا الولد يمشي كما لم يكن مكرسحا. ومن شدّة فرحها صرخت
بأعلى صوتها على سلفها: يا سلفي يا سلفي عجّل إلى هنا وانظر الولد شفي
تماما! ولما جاء ورآه قال لها: اشكري الله واذهبي بسلام"
5- الملاريا
"أصيب بعض خدم الدير بحمّى
الملاريا بعد موته بنحو 10 ايّام فدعيت لمعالجتهم (كون لي إلمام بالطب)
فأشرت عليهم بطلب شفاعة الحرديني. فأخذوا ترابا عن قبره واذابوه بماء
وشربوه ففارقتهم الحمّى"
6- مريض بين قدّيسَين
"ابتلي الياس الشيخاني
البكفاوي في عبرين بلاد البترون، بمرض ثقيل فاستدعوا لمعالجته الطبيب الأب
دانيال
الحدثي اللبناني، وبعد استعمال العلاجات حصل على نوع من الشفا. ثم بعد ذلك
انتكس وبلغ إلى ضيقة عظيمة بهذا المقدار حتّى إنّ الجميع هناك مع الأب
دانيال الطبيب يئسوا من شفائه، فلذلك أرسل أهله إلى دير كفيفان طالبين شيئا
من آثار الأب نعمةالله الحرديني بركة. فأرسل لهم صورة صغيرة من صور السيّدة
المستعملة منه مع قليل من الشعر كان أحد الرهبان قطعه من رأسه بعد موته
للبركة. فحالما وضعوا الصورة على رأس المريض وأعطوه من ذلك الشعر مع إعطائه
العلاج من الطبيب الأب دانيال، بنوع مشكوك به (ليأسه من شفاء المريض) حصل
على الراحة وصار يتعافى للتمام، وكان ذلك في أوائل كانون الثاني سنة 1859.
وهذا الحادث قد أقرّ به الأب دانيال ذاته لكاتبه ناسبا ذلك إلى شفاعة
الحرديني"
7- أشفوا المرضى
"طفل صغير من قرية محمرش في
بلاد البترون الذي لشدّة مرضه ما عاد يمكنه أن يرضع الحليب من ثدي أمّه.
فهذا أتى به أهله ووضعوه على ضريح الأب الحرديني وبالحال تقوّى وعاد يرضع
كعادته وذلك في أوائل كانون الثاني سنة 1859. ومثله وبقرب تاريخه جرى
الشفا لابن الياس لطفالله شريك الدير بوضعه على الضريح. "أنهكت البرديّة
المثلّثة بمدّة سنتين متتابعتين بو حنّا الخوري من شبطين، فلمّا أتى وزار
ضريح القدّيس تركته. ومرضت إبنة الياس ناصيف من شبطين، بمرض ثقيل مخطر،
وحالما وضعوا عليها جزءا من ثيابه فارقها المرض وشفيت من أوجاعها، أواخر
كانون الثاني 1859"
رابعا: عنصرة جديدة (اع 2\1-4)
1- أفيض روحي على كلّ بشر
(اع 2\17)
"وقد صنع الله بواسطته جملة
آيات وجرايح قد كتب بعضها في كرّاس خصوصيّ في هذا الدير"
وهي "تكاد لا تحصى"
و"كل الامم والشعوب في لبنان وسوريا"
"مسحيّين ومسلمين"
"يعدّونه قدّيس العصر، ينعش بحياته وعجائبه روح الإيمان في عصرنا. وكل زمان
يحتاج إلى قديسين لنهضة الدين والآداب"
"فلله الحمد والشكر
الذي، بكلّ جيل، يوجد في كنيسته المقدّسة، أناس متّصفون بالقداسة شهادة
لصدق اعتقادها، وحقيقة قداستها. فليكن ممجّدا في قدّيسيه دائما"
"أحدث الحرديني في رهبنتنا بل في طائفتنا نهضة عظيمة، فيما يخصّ الإيمان
والتقى. فإنّ مثله أنعش في الرهبان الروح الفائقة الطبيعة. ولا أعلم إذا
كان سبق في رهبنتنا من توصّل إلى هذه الدرجة السامية من الفضيلة واشتهر بها
مثله، فأظن أنّه البادئ في فتح هذه الطريق السامية. ولم تزل حتّى الآن، أي
بعد مضي 68 سنة على وفاته، آثار فضائله باقية في أديارنا"
"وذكره حيّ في رهبانيّتنا وبلادنا لا تمحوه الأيّام ولنا بمثله أحسن منشّط
للسعي وراء الكمال"
2- اعتراف عامّ استعدادا
للموت
"موسى الغصين رجل مسنّ من
كفرحتنا حدث له داء الإستسقاء مع الورم الزائد في جسمه حتّى بلغ منه
المنون. ولذلك عمل اعترافا عامّا استعدادا أخيرا للموت. فنذر على ذاته أن
يصلّي كلّ يوم مدّة حياته الباقية مرّتين أبانا والسلام للقدّيس نعمةالله
الحرديني لكي يستمدّ له الشفاء. وفي اليوم الثاني حينما كان مدوّخا من
المرض رأى شيئا أبيض كأن حمامة ترفّ حوله، وفي اليوم الثالث بعد نذره زال
عنه المرض بالكليّة ونهض معافى بالصحّة في أوائل شباط وقت شدّة البرد سنة
1860"
3- غسالة جسم الحرديني
"زار البعض من أهالي داربعشتار
ضريح الحرديني وأخذوا ماء من غسالة جسده. فأخذ شاب وأعطى منه أمّه العمياء،
وحالما دهنت عينيها صارت تبصر. وأعطي من الماء أيضا لوالدة الخوري يوحنّا
داربعشتار التي كان حاصلا لها من نحو 12 سنة تخدير وتنميل في كتفيها
ويديها، ويزداد ألمها حين اشتداد البرد، وبعد استعمال علاجات كثيرة لم تشفَ
من أحد. ولمّا أخذت شيئا من هذا الماء واندهنت فيه 3 مرّات، حصلت على
الشفاء حالا وبرئت من دائها العضال وحضر ولدها الخوري إلى دير كفيفان زائرا
ومخبرا بهذا العجب الذي كان في 26 أذار 1860"
4- شهرة الحرديني
"أنا من صباي أسمع في عائلتي
من ذوات البلاد أناسا يلهجون بذكر فضائل وسموّ قداسة وعجائب الأب الحرديني.
وإنّ الناس يتقاطرون من جهات مختلفة في لبنان بعيدة وقريبة للتبرّك بزيارة
ضريحه ونيل المعجزات على يده وإنّهم كانوا ينالون منه نعما ومعجزات عديدة.
ثم ترهّبت في الرهبانيّة الحلبيّة المارونيّة وتقلّبت في مناصبها حتّى
انتُخِبت رئيسا عامّا لها وكنت أجول في أديار الرهبانيّة من أطراف لبنان
إلى أطرافه وأزور في كلّ مكان وجهاء البلاد وجماهير عديدة من الشعب
الماروني وغيره. وكنت أسمع بسموّ فضائله"
5- الجثمان سليم
"جثمانه باقٍ، وكانت خاصرته
مفتوحة ولحم أصلة رجله"
"وإنّه لم يبلَ بسبب طهارته الملائكيّة وفضائله الرهبانيّة"
"السامية"
"وطهارة سيرته"
"بقوّة إلهيّة"
و"أقول بتأكيد إذا حطّوه 100 سنة تحت التراب يبقى بقوّة الله مثلما هو"
"كنت في الخامسة عشرة من عمري
تقريبا، وسمعنا أنّ الحرديني لم يبلَ، فجئنا لنَزور قبره ونأخذ بركة منه.
فرأينا من باب المقبرة الأب نعمةالله الحرديني ملفوفا بعباءته في المقبرة
والمياه تغمر الجثّة، ولا يزال شعر لحيته ووجهه باديان للعيان. وبسبب الوحل
والمياه لم ندخل إلى المقبرة، فأخذت ترابا من القبر بركة منه، وأبقيتها
عندي من ذخيرة نفسه"
6- وجع أليم في جنبي
"أصبت بوجع أليم في جنبي وكان
الأب نعمةالله قد توفّي كما عاش برائحة القداسة، وأنا لقرب بيتنا من الدير
كنت أشهد ما يظهر منه من الدلائل التي تبيّن فضله وفضائله وكنت أسمع
الرهبان وكافّة العوام، يلهجون بقداسته فخطر لي بعد موته أن ألتمس شفاء
جنبي، ولم أكن لأرتاب في قوّة شفاعته. فذهبت إليه وهو لم يزل مدفونا في
المقبرة مثل باقي الرهبان، فأخذت قليلا من تراب ضريحه، ومسحت به جنبي، فزال
عنّي الألم في الحال. فأخذت أذيع خبر هذه النعمة بين كلّ معارفي. وبيتنا في
كفيفان مقصود من كلّ الجهات، لا يقصده فقط معارفنا في بلاد البترون، بل لنا
معارف في كلّ نواحي لبنان، وأنا ما كنت أملُّ من ذكر النعمة المذكورة"
7- راهب لحراسة الضريح
"كانت زوجتي مصابة بمرض عرق
النساء في جنبها أقعدها في الفراش نحو 3 سنين. وعولجت من عدّة أطبّاء ولم
تشفَ. ولمّا كانت قد قاست منه آلاما مبرّحة. توجّهت أخيرا لزيارة الضريح
(حيث كان جثمانه باقيا في القبر) وكان أخوها الأب لورنسيوس
الكفيفاني الراهب اللبناني مقيما على حراسة هذا الضريح وهو كان أشار عليها
بالإلتجاء لشفاعة الحرديني. ووضعت يده على جنبها المريض فحالا شفيت وخرجت
من القبر ممجّدة الله وتركت العصا التي كانت تتوكأ عليها ولم تعد تشعر بوجع
في جنبها فيما بعد أصلا حتّى الآن وهي موجودة في قيد الحياة تذكر الأعجوبة
بالشكر والإمتنان للأب القدّيس"
8- قطع الأنف
"أخوه العلماني"
"طلب بركة من جسم أخيه تذكارا فرُدَّ طلبه منعا للعبادة العموميّة، فانحنى
كأنّه يريد أن يقبّله وأقتطع أنفه بأسنانه"
أو "بآلة حادّة من الجهة العليا"
"فضربه الرهبان إذ شوّه جثمان الراهب القدّيس"
9- أعمى بتغرين
"إنّ موسى صليبا من طائفة
الروم الأرثوذكس من قرية بتغرين من معاملة المتن"
"وبعد زواجه بمدّة"
"مرض
بالفالج ثم عمي وبقي بهذه الحالة نحو 10 سنوات وهو يتألّم من مرضه وعماه.
وقد طبّبه جملة أطبّاء ولم يشفَ"
"وكنت
أرى ابنه طانيوس يتله بمرسه ويشحد عليه في بتغرين والخنشارة وبسكنتا
وجوارنا"
"من
بيت إلى بيت ومن قرية إلى قرية ومن بلاد إلى بلاد ساعيا وراء معيشته في
التسوّل"
"فهذا
لمّا سمع بالمعجزات الكثيرة التي حدثت على يد الحرديني"
"وفي حزيران سنة 1862"
"ذهب لزيارة ضريحه الموجود في دير كفيفان من معاملة البترون يقوده ابنه
طانيوس. فبعدما وصل إلى الدير هداه الرهبان إلى ضريح البار وابتهلوا معه
بكلّ خشوع وإيمان"
"وبالدموع مدّة يومين، والرئيس الأب الياس المشمشاني، والرهبان كانوا
يشاهدونه أعمى. وفي اليوم الثالث"
"أخذ يمسح التابوت ثمّ عينيه"
"واتكأ
على الحائط وقال لابنه إذهب إلى الدير وائتني بجمرة للغليون. أراد بذلك أن
يبقى وحده. وبينما هو وحده خطف بنوم ورأى بنومه راهبا شيخا يمسك له بيديه
عينيه ويقول له: تشجّع ما بك؟ فاستيقظ من نومه ورأى الشمس محمرّة
عند غروبها ثم رأى راهبان يتمشيّان على سطح الدير ثمّ أخذ ينظر في كلّ
الأشياء ويشاهدها فعاد عندئذ ابنه حاملا الجمرة فقدّم له الغليون بنوع محكم
فتبسّم قائلا: ضع يا ابني الجمرة فإني شفيت وصرت أبصر متلك. عرف الرهبان
بما جرى ومجّدوا الله وفي الغد عاد الرجل إلى بيته وابنه وراءه"
"يخبر برحمة الله ورأفته: بشفاعة الحرديني. وبعد أن كان يقوده ابنه بحبل
نحو 10 سنوات، أصبح يشتغل كباقي الناس كأنّه ما أصيب في حياته بوجع في
عينيه ولا بعمى، وكم هو سرور الناس لاسيّما الأهل بمثل هذه النعمة العظيمة"
"وبما أنّه كان معروفا
عند الكثيرين، بسبب تسوّله، فذاع خبر عجيبته في كلّ تلك الأنحاء"
"وكلّ من سمع بهذا الحادث مجّد الله وزاد اعتبار القدّيس بعينيه"
"والآن يشتغل في درب الكرّوسة التي تأخذ إلى الشام"
10- روح جديد
"برمت مدّة طويلة أجول في قرى
لبنان واعظا النفوس وكنت أرى عند الجميع مزيد الإعتبار لفضائل هذا الأب
الطائر الصيت، والعموم يعتقدون أن العناية الإلهيّة أوجدت الحرديني لكي تتم
على يده نهضة عظيمة في الرهبانيّة وفي الكاثوليك الشرقي أجمع. فهو بحرارة
عبادته قاتل العثور في الرهبانيّة وأعاد روح القانون إلى أصله. وعلّم
التمسّك بقوانين العيشة المشتركة والتجرّد التام. وكان في حياته كلّها
يناوئ روح التحزّب والإنقسام، وحبّ الوظائف. وعنه أخذ المحترم الأب
نعمةالله الكفري مثال روح التقى والتجرد. وعنه أخذ أيضا رهبان أفاضل كانوا
من ركائز الرهبنة. وعلى مثاله مشى الأب اغناطيوس التنوري الرئيس العام
الحالي الذي كان معلّم المبتدئين من سنين عديدة في الدير الموجود فيه
جثمانه الطاهر. فيمكن القول بأن الأب التنوري جدّد روح الرهبانيّة في شخصه
وفي كلّ من علّمهم وهذبهم على هذه الروح من الرهبان العديدين وكلّ سيرته هي
اقتداء بالحرديني. فلا أبالغ إذا قلت أنّ الحرديني أسّس نهضة في
الرهبانيّة"
"وأنمى الإيمان في
نواحينا"
"فزيارة الضريح صارت
واسطة للتوبة والتذلّل لدى العزّة الإلهيّة، وللإقتفاء بآثاره، وأخذ سيرته
نموذجا خلاصيّا، إذ استفاق أناس كثيرون من غفلة توانيهم، لأنّه يسمع يوميّا
مثل هذا اللهج من أفواه البسيطين، وذوي الميول أيضا الذين لم يكونوا
يعتبرون
التدرّب بسيرة التقوى. وتقاطر المتواردون لزيارة ضريحه كإلى كنز ثمين، أو
إلى معين الشفاء الطبّي وذخيرة الإسعاف"
11- لا تبصر شيئا بالكلّيّة
"إن جدّتي لوسيا بنت متري
القاصوف من الخنشارة عرض لها مرض قويّ على عينيها أعدمها البصر حيث بقيت
أكثر من سنة عالجها أطبّاء كثيرون ولم تستفد شيئا وكنت أقودها بنفسي وهي لا
تبصر شيئا بالكلّيّة ويعرفها بهذه الحال كلّ سكّان البلدة. ولمّا زار أعمى
بتغرين المشهور ضريح القدّيس الحرديني وعاد مفتّح العينين، نذرت جدّتي أن
تزور ضريح القدّيس وفعلا ذهبت في سنة 1862 فزارت ضريحه في دير كفيفان وصلّت
بحرارة وأخذها سبات النوم إزاء ضريح القدّيس حتّى الصباح. فاستيقظت وإذ هي
تبصر كما كانت قبل أن فقدت البصر فمجدت الله شاكرة، وعادت لبيتها حيث كنت
أنظرها دائما وعاشت أكثر من 23 سنة ببصر سليم إلى أن توفّيت. ويعرف هذا
الحادث جميع سكان الخنشارة. وقد كهّنتها بمرض موتها إذ كنت ارتقيت إلى درجة
الكهنوت"
12- امرأة متواليّة
"ثالثا إنّ امرأة متواليّة من
قرية بزيزا حضرت لزيارة القدّيس ويدها اليمنى يابسة بالكليّة. فأخذت ترابا
من ضريحه وجعلته بماء ووضعته على يدها اليابسة من زمن مديد ورجعت إلى
بيتها. وعندما شاع خبر شفائها توجّه عندها الأب جرمانوس
شبطين يبحث عن صحّة ذلك فوجدها عمّال تدلِّك طين بيتها بيدها التي كانت
يابسة"
13- كنت أتهلّل وأسرّ
"أنا تزوّجت في 19 من عمري
وكنت في رفقة زوجي أجول في لبنان وحيثما كنّا نقيم كان وجهاء تلك البلدة
يزورونا اعتبارا لمقام زوجي، وكانوا يقولون أنتم من ضيعة قدّيس كفيفان وما
كانوا يسألوننا عن فضائله وعجائبه، بل كانوا يخبرونا عنها عفوا ولاسيّما عن
عجائبه التي صنعها في جهاتهم. وكانوا يطلبون منّي بركة من القدّيس قائلين:
هل معك بركة من قدّيس كفيفان تعطينا إيّاها؟ وأنا مع معرفتي بشهرة فضائله
وقداسته كنت أتهلّل وأسرّ. وكان كثيرون من أخصّ الوجهاء يرسلون معي عندما
أرجع إلى كفيفان نذورا وتقادم. وأذكر من هؤلاء الأميرة سلطانة زوجة الأمير
نجيب شهاب رئيس دائرة الحقوق في لبنان، ووالدة الأمير مالك شهاب الذي شغل
وظائف عديدة عالية في لبنان قد أرسل معي ليرة فرنسيّة ذهبا وفاء لنذر كانت
نذرته للقدّيس. وكان جميع أولئك الوجهاء عند ذكر الحرديني يظهرون جميع
علامات الإحترام والإعجاب وكانوا في ملمّاتهم يلجأون إلى شفاعته أكثر من
عامّة الناس"
14- كان عَمَّر الدير
"وزاعت أخبار عجائبه وتقاطرت
الناس أفواجا"
"نحو300شخص يوميّا في أيّام فصح سنة 1860"
"من كامل جهات لبنان وجواره"
"من بلاد جبيل وكسروان والقاطع وجبل الدروز وجبّة بشرّي والزاوية والكورة
وطرابلس وجبل تربل وعكّار وبعلبك وبيروت"
"ومصر"
"من مسيحيّين وغيرهم لزيارة ضريحه وكنت أشاهدهم وقتا بعد آخر ولا يمضي
أسبوع إلاّ ونسمع فيه عن أعجوبة وأعجوبتين. وتكاثرت التقادم الماليّة"
"من دراهم وأمتعة ومصاغ"
"على ضريحه حتّى من المسلمين والدروز والمتاولة"
"وبدوان العرب"
و"كانت تجري عند ضريحه عجائب ونعم عديدة، حتّى أصبح الحرديني مزارا عموميّا
يأتون إليه من أطراف لبنان"
"وقد ارتأى العلماء الأتقياء عام 1860 في أنّ هذا لا يجوز كونه لم تثبّته
روما قدّيسا... إلاّ أنّ أكثر العلماء عذر هؤلاء الزوّار بسبب بساطة نيّتهم
وسلامة ضميرهم، وترك الحال على هذا المنوال"
"فأنا كنت عرّابا لأكثر من 20 ولدا تعمّدوا هنا وكانت أمّهاتم عواقر رزقوا
بنين بشفاعته"
"وروت لي حماتي أنّه بعدما راح الحرديني من هنا
بمدّة توفّي: فقلت يا ليته كان مات هنا لكان عَمَّر الدير"
خامسا: في غرفة صغيرة
1- نقل الجثمان
(1862)
"كان الجثمان معروفا سليما
حتّى في شعر لحيته ورأسه كما في ساعة موته"
"مع وجوده في مقبرة غائصة في الشتاء في المياه"
"والوحل، وفي الصيف عرضة للأهوية الحارّة"
"وبقي في المدفن 4 سنين"
بعدها "وبحضور الكفري"
"رفع الرهبان جثّة القدّيس"
"ونقل من المقبرة"
"لما رأوه غير بال وأرادوا حفظه"
"بإذن البطرك بولس مسعد"
"ليعرف من غيره بما أنّنا ندفن موتانا الرهبان بدون علامة فارقة"
"لئلا يضيع"
"ولتميّزه عن غيره"
"وغسلوا جسمه من الوحل"
"ووضعوه في مكان مخصوص ضمن تابوت"
"بأمر الرؤساء"
"وبإذن البطرك"
والإذن على ما أظن شفهي"
"في غرفة"
"قريبة من الكنيسة"
"صغيرة"
"عتيقة من الأوض الثلاث الموجودة فوق المقبرة (حارة بسيطة مقسّمة 3 أقسام
لاستقبال العموم فيها) التي بني فيما بعد محلها الجناح القبلي من الدير
وصار موضعها موضع الغرفة الحاليّة المحفوظ فيها تابوت جثمان الأب نعمةالله،
والدير لم يكن وقتئذ كما هو الآن، فالجناح القبليّ كلّه الموجود الآن هو
حديث، وباقي الدير الموجود الآن حديث إلاّ الجهة الشرقيّة فهي من زمان الأب
نعمةالله الحرديني، ولكنّها مصلّحة ومرمّمة إلاّ الأقبية التي تحتها، ولم
يبقَ من عهد الحرديني إلاّ الكنيسة"
2- داء النقطة
"بينما كنّا نتعلّم في دير مار
شلّيطا القطّارة في سنة 1869، كان بيننا من الدارسين الأب بطرس أيطو
اللبناني، أصيب بداء النقطة وكان يغمى عليه أكثر من مرّة في كلّ
أسبوع، وكان يزبد ويخبط بيديه ورجليه. وقد عولج مرّات عند أطبّاء وطنيّين
في إهمج ولم يحصل على نتيجة. فأشرنا عليه أخيرا أن اذهب لدى قدس الأب العام
وارجوه أن يعنى بأمرك علّه يرسلك إلى بيروت تشاهد أطبّاء ماهرين فقال لا،
ولكن عندنا طبيب أقدر من جميع هؤلاء وهو الأب نعمةالله الحرديني، فإذا حسن
لديه وشاء الله أشفى بشفاعته وإلاّ فلتكن مشيئة الله. وفي الغد ذهب لزيارة
ضريح القدّيس في دير كفيفان. وفي رجوعه أصطحب معه شيئا من آثار القدّيس
بركة، فكان يغمسه بشيء من الماء ويشربه عندما يشعر أو يخاف دنو المرض منه،
وبقي على هذه الحالة نحوا من شهر ونيّف لا يشعر في مرضه المشؤوم، ولكنّه
بعد ذلك بينما كان يوما ما خارجا مع بعض الإخوة، فاجأه المرض فانطرح على
الأرض على حسب عادته يخبط ويزبد. فأتينا به إلى قلاّيته، وكنت من الواقفين
حوله للسهر عليه مع حضرة الأب أستاذنا الخوري الأسقفي بطرس ارسانيوس الخوري
رئيس مدرسة مار يوحنّا مارون - كفرحي يومها الذي كان يعلّمنا مبادئ اللغة
الإفرنسيّة واللاتينيّة. واستمرّ الأخ المذكور في غشيانه. وهبّ واقفا يقول
وكأنّه يحلم حلما: يكتِّر خيرك يكتِّر خيرك، يبحث بيديه كمن يريد أن يمسك
شخصا يريد أن يفرّ منه. فقال له حضرة الأب معلّمنا الخوري أسقف الموما
إليه: ما لك يا أخي؟ ما لك يا أخي؟ أمّا هو فنظر إلينا نظرة المتعجّب حائرا
من حاله. وأومأ إلينا أن امهلوني قليلا فأخبركم ما لي وعندي. وبعد قليل أخذ
يقصّ لنا ما جرى له قال إنّ لي عادة آخذ قليلا من الماء المبارك لمّا كنت
أشعر حركة المرض. أمّا هذه فكنت في الخارج ولم يكن لدي من الماء ففاجأني
المرض بوطأة أشدّ من العادة وأشعر بذاتي أنّي كدت أختنق ولو كنت غائبا عن
الهدى. ولكن في معظم شدّتي ظهر لي راهب شيخ وقال: لماذا لم تأخذ من
الماء المبارك؟ فقلت له إنّه لم يكن لدي منه. فأجابني: قم وتشجّع
إنّك عوفيت ولن يفاجئك فيما بعد هذا المرض وللحال شعرت أنّي عوفيت.
وقمت مسرعا لآخذ يده وأشكر له، فغاب عنّي، ولم أتمكّن من لمسه. والآن إنّي
أعتقد أنّي عوفيت من مرضي لأنّ يقيني أنّ الراهب الشيخ إنّما هو القدّيس
الأب نعمةالله الحرديني. ولم أكلّمكم في بادئ الأمر مذهولا والآن أشعر
بأنّي شفيت والحمد لله وأرجوكم أن تساعدوني على شكر الله على هذه المنحة
السماويّة بشفاعة صفيّه قدّيسنا الأب الحرديني. هذا وإنّ الأب المذكور من
ذاك الحين حتّى تاريخه لم يشعر بشيء من هذا المرض بل هو متمتّع بتمام
العافية. وأذكر أيضا أنّ حضرة الأب معلّمنا المقدّم ذكره شدّد عليه بمتابعة
الدرس نوعا عن ذي قبل ليرى حقيقة الأعجوبة، لأنّ الدرس والحصر كانا يضرّان
به ويعجّلان سقوطه في المرض. فأخذ يدرس ولا يبارح بيت الدرس مثل باقي
التلاميذ من دون أن يعتريه أي من ذاك المرض"
3- طريحة الفراش
"إنّ امرأة من قرية جاج حضرت
لدير كفيفان صحبة أربعة رجال محزّمة على ظهر دابّة فوق شند كأرومة حطب وذلك
تاني عيد الفصح. فأنزلوها بأيديهم ووضعوها إزاء تابوت القدّيس ضمن الخشخاشة
التي فتحت من كثرة الزائرين الذين كانوا شفوا من أمراضهم المختلفة بزيارتهم
السابقة والطالبين الشفاء الحالي، فوضعت يدها ورأسها على التابوت الذي وضع
بأمر البطريرك. وغبّ أن صلّت وطلبت غابت عن حسّها، ثمّ فاقت وسمعت فقعة
قويّة لجهة جسمها الشماليّة فقامت حالا وخرجت للخارج وأسرعت بالمشي السريع
والصراخ قائلة: السلام لك يا قدّيس الله الحرديني. وعندئذ أخذ الجمهور الذي
لا يقلّ عن المئة شخص رجالا ونساء يصيحون ويرقصون والنساء تزلغط فأمرني
الرئيس الأب بطرس بجدرفل كي أكشف وأعرف الخبر. وغب اطلاعي على الحقيقة طلبت
الإمرأة وإذ هي راكضة بسرعة كليّة وتبعتها صحبة الرجال رفقائها وجمهور آخر
واستخبرتها الحقيقة أجابت علنا على مسمع الجمهور قائلة: أنا من قرية جاج
كنت واقعة بمرض عضال من زمن مديد وقد تحكّمتُ عند جملة أطبّاء ماهرين في
بيروت وغيرها ولم أستفد شيئا. أمّا من مدّة ثماني سنين كنت طريحة الفراش
عديمة الحركة بالكليّة. وبحلم من الله ألهمني كي أحضر أزور قدّيس ديركم،
فعندما زرته وصلّيت قليلا شفيت من كلّ أمراضي. وهذا الجمهور قد نظرني قبل
دخولي للخشخاشة والآن انظروني"
5- تكاثر الزوّار
تكاثر الزوّار بعد وفاته وصنع
الخوارق والمعجزات بشفاعته"
" وتقاطروا أفواجا"
"أفواجا بكثرة"
"ومنذ وفاته"
"سلسلة متواصلة لم تقطع قط. وهنا حتّى أنّ كلّ من دقته شوكة يركض إلى الأب
الحرديني"
أو "يركع ملتفتا صوب كفيفان، ويصلّي أبانا وسلام، قائلا: اعتقونا بلا
دويّات ولا قلّة عقل. غير الحرديني ما فيه"
"وأنا ذاتي ركضت إليه مرارا حافية"
"وأنا من بيتي كنت أرى
جموعا وافدة نحو 30 أو 40 منهم رجالة وخيالة يرون قبالة بيتنا منهم من بلاد
المتن ومنهم من الشوف وبيروت"
"ومن كلّ جهة لزيارة ضريحه ويقدّمون له الشمع والبخّور وقليلا من النقود،
ونعطيهم"
"بخّورا من الكنيسة وأحيانا قطع صغيرة من بدلات قديمة نلمس بها جسمه لكثرة
إلحاح الزوّار"
أو "قطع ثياب كنسيّة كان يستعملها في حياته"
"وأنا جلبت قطعة كبيرة من بدلة قدّاسه وهي موجودة الآن في خزانتي. وأنا
حاملة قطعة منها في عنقي
(وأرتنا إيّاها ضمن ذخيرة) "
"وخصوصا أنّه كان موضوعا في غرفة ما كان الزوّار يقدرون أن يأخذوا ترابا"
"وفي أيّامي طلبوا بركة من أميركا أي من اللبنانيّين المهاجرين"
6- جيعان! جيعان!
"في سنة 1875 في شباط، مرض أخي
المدعو خيرالله فرج صفير وهو عندي في رأس بيروت حيث كنت خادم الرعيّة في
كنيسة القدّيس الياس. وقد اشتدّت عليه وطأة الحمّى التيفوئيديّة. فاستدعيت
الأطبّاء وهم الدكاترة سوكة [كذا]
الشهير في ذاك العهد ولوريخ البروتستياني وكان من أشهر أطبّاء بيروت
وغيرهما. فمن بعد معالجته مدّة يئسوا من شفائه، وصرّحوا إليّ أخيرا أن لا
سبيل إلى شفائه إلاّ بقوّة إلهيّة. فسلّمت أمري لله، ووكلت إليه شفاءه.
وحيئذ استدعيت أختي مريم رئيسة راهبات قلبي يسوع ومريم مع راهبة أخرى ووكلت
إليهما أن يمرّضاه ويحرساه ليلا ونهارا إلى أن يفارق. وهجرت أنا الأوضة
وأقمت عند الجيران، وأخي في حالة النِزاع، وكان عمره إذ ذاك زهاء 16 سنة.
ففي ذات ليلة، وأنا متكئ على الكرسيّ في بيت أحد الجيران، وإذا بطارق يقرع
الباب ويدعوني، فنهضت مرتعشا، وقمت إلى غرفة أخي، فوجدته جالسا على سريري،
وهو يأكل مرقة لحم! فبهتُّ! ثمّ سألت أختي ما هذا؟ وماذا صار! فقالت لي وهي
أصبحت مسرورة والسبحة في يدها. لا تسل يا أخي واشكر الله، فإنّ الله عظيم
في قدّيسيه! ثمّ قالت يا أخي لمّا رأيت أنّ الأطباء قد يئسوا من شفاء أخي
وانقطع الرجاء، ألهمني الله، إذ رحمنا، بأن أغمس في الماء رقعة معي من ثوب
قدّيس كفيفان وأسقيها أخي. فأخذتُ الرقعة وملأت الفنجان ماء، وأشارت إليه،
وسكبت الماء في فمه، وهو غائب عن الصواب كما فارقته منذ ساعتين، فحالما وصل
الماء إلى بطنه، فتح عينيه، وجلس متربّعا! وقال جيعان! جيعان! فأتيناه بهذا
الصحن من المرقة، فابتدأ يأكل كما تراه. فنشكر الله يا أخي فإنّ الله قد
استجاب استغاثتنا بالقدّيس الحرديني. فركعنا وتلونا المسبحة ومجّدنا الله.
وفي اليوم الثاني من شفائه أرسلته إلى البيت إلى كفرذبيان. وهو تعافى ودرس
فيما بعد الطبّ، وتزوّج، وعنده عائلة من صبيان وبنات. ولا يزال حيّا بنعمة
الله وشفاعة القدّيس نعمةالله. ولمّا عرف الأطبّاء بذلك اعترفوا بقدرة
الله! وقال لي الدكتور تبوكه [كذا]
ما أعظم قوّة السيّد المسيح فإنّه كان يفتح عيون العميان بطليها بالتراب
والبصاق!"
7- إغماء من أقل ضجّة
"دعيت لمرافقة الست هدلا بنت
الأمير أسعد موسى أبي اللمع وزوجة المير يوسف نصر أبي اللمع لأنّها كانت
مصابة بداء يحصل لها معه إغماء متواتر يحدث عند أقلّ ضجّة أو أقلّ صيحة
حتّى صارت عيشتها منغصّة وعيشة أهلها صعبة جدّا لأنّه كان يغمى عليها إذا
قرع الجرس أو صاح الديك أو قرقع شيء ما. فلمّا لم تنجح المعالجة الطبيّة
قصد ذووها أن يرسلوها إلى قدّيس كفيفان ودعوني لمرافقتها. ولمّا وصلنا قرب
دير كفيفان قرعت الأجراس احتفاء لقدوم الأميران، والغريب أنّ الأميرة
المريضة لم تتأثّر من قرع الأجراس كعادتها. فباتت تلك الليلة في الغرفة
الموضوع فيها جثمان البار فرأت في نومها قسّيسا يدعى الأب يوسف سلامة من
مواطنيها وكان قد توفّي فقال لها قومي اذهبي إلى بلادك. فقالت: كيف اذهب
وأنا مريضة؟ فأجابها لقد شُفيتِ. ففاقت من نومها وذهبت إلى غرفة والدتها
ونادتها قائلة قومي لنذهب فقد شفيتِ. وأخبرتها بظهور الأب يوسف لها وتبشيره
لها بالشفاء التام. وهكذا كان. فعادت الأميرة إلى وطنها ولم تعد تشعر مذ
ذاك بما كانت تشعر به قبلا. وقد كانت الست هدلا بعد هذه الحادثة ترسل
سنويّا تقدمة للدير عن سنين لا أذكرها بالضبط"
8- وكنت أقوده بعصاه
"كانت صنعة والدي نحت الحجارة
فطرأ عليه العمى أثر عمليّة عملها له مغربي فخسر بصره وبقي أعمى مدّة 4
سنوات في السنتين الأوليتين كان يشبّه وفي السنتين الأخريين ما عاد شاف شي
ولا عاد تعاطى بحركة. ولمّا كان عمري 13 سنة أمرني بأن أقوده إلى دير
كفيفان لزيارة قبر الحرديني الذي كانت اشتهرت قداسته وقتئذ. فقمت باكرا من
جبيل فوصلنا إلى كفيفان قبل الغياب بنحو ساعة زمان وكنت أقوده بعصاه ويعكّز
باليد الثانية على العصا الثانية. ولمّا وصلنا إلى دير كفيفان طلبنا من
الوكيل الموكّل بقبر القدّيس أن يفتح لنا الخشخاشة [المقبرة]
لنزور القدّيس. فدخلنا بباب ضيّق واطي فرأيت القبر مورّق حديثا من الداخل
وفيه تابوت وجهه من زجاج ففتح لنا الوكيل القزاز [باب التابوت]
بناء على طلبنا فركعنا وصلينا وبسنا [قبّلنا]
يد القدّيس ووالدي مسح عينيه بيد القدّيس وكان والدي يصلي سرّا. ثمّ خرجنا
عند الغياب وجلسنا تحت خيمة كبيرة معمولة قدّام الدير للزوّار فجابولنا عشا
تعشّينا ووالدي كان متل عادته يأكل على الدسّة
[اللمس] وسهرنا قدر
ساعتين مع الرهبان، ثمّ نمنا قدر ساعتين فأيقظني والدي وكنت لا أزال نعسان
وتعبان وقال لي: قم حتّى نروح. فقلت له: كيف بدنا نروح وإنت بالنهار كنت
تتفركش بكل حجر والطريق كلها حجار؟! فقال لي: قوم تا نروح صرت إقشع. ثم مشى
قدّامي ومشيت وراءه وكان يرى مثلي"
"والناس كلّهم مجّدوا الله. وقد اشتهر هذا الأمر في جبيل وغيرها. وعاش نحو
15 سنة منها 5 سنوات عاود فيها شغل النحت ومنها 10 شيخوخة لأنه بسبب
معاودته النحت أصاب عينيه غشاوة ولكنّه بقي يقضي حاجته حتّى مماته"
9- صرت أخجل أن أظهر بين
الناس
"روى لي والدي الرواية الآتية
مرّات، وكان كلّما قصّها يبكي متأثّرا، قال: بعدما ارتقيت إلى درجة
الكهنوت، أصبت بعلّة صدريّة، وبسببها ظهر في وجهي بثرة خبيثة، أكلت الشعر
كلّه، وكانت تأكل اللحم"
"حتّى كادت تأكل وجهي"
"تنضح دائما زوما. ولم أكن أتحمّل لفح الهواء مطلقا"
"وبقيت في هذه الحالة سبع سنوات، رغم العلاجات العديدة التي ذهبت سدى، حتّى
خيف على حياتي بسببها، وتشوّه وجهي، وصار شكله فظيعا. وصرت أخجل أن أظهر
بين الناس ولا أقدر أن أخرج في الشمس، إذ كان نورها يسبب لي وجعا شديدا،
وصارت الحياة عندي مرّة. ولمّا شاع أنّ الأب الحرديني لم يبلَ جثمانه بعد
موته، وأنّه يصنع العجائب، عزمت على زيارة ضريحه وكان ذلك في شهر تموز
فنصحني أهلي وكثيرون بالعدول عن تلك الزيارة في ذلك الشهر لشدّة حرارته.
وأشاروا عليّ أن أؤجلها إلى فصل بارد فأبيت. وفي اليوم الثاني الذي فيه
عولت على السفر ابتدأ بطقس غربي ورافقي ابنا عمّي الياس وبطرس حنّا أبي
رميا"
"فسرنا ليلا من جوار
إهمج إلى كفيفان مسافة 6 ساعات"
"وكنت ذاهبا مؤمنا أنّ الحرديني قادر أن يشفيني. وفيما نحن على الطريق شعرت
لأوّل مرّة أنّ مادّة سيّالة تقطر من البشرة كلّها دون وجع. ولمّا وصلت إلى
كفيفان دخلنا حيث كان جثمان القدّيس فصلّينا. ثم خرج ابنا عمّي وبقيت وحدي
مصلّيا بإخبات وحرارة طالبا من القدّيس أن يشفيني. ولم أدرِ كم بقيت هناك
حيث اعتراني نوع من الغيبوبة، إذ كنت مكبّا برأسي على تابوت القدّيس"
"فتعجب رفيقاي من إبطائي"
"ولمّا أفقت من ذهولي لم نتبه إلى وجهي وحالتي، بل خرجت خارجا فلاقاني ابنا
عمي، ورأيتهما ينظران إلي بدهشة!"
"ويحدّثون بعضهم بعضا متعجّبين فسألتهم: ما بكم توشوشون بعضكم بعضا؟!"
"ثم بكيا! قائلين: قد شفاك القدّيس"
"إمسح وجهك، وقمّ انظره على المرآة"
"فانتبهت إلى ذاتي فإذا بخدّيّ في حالتهما الصحيّة قبل المرض كأنّي ما أصبت
بشيء"
ولمّا نظرت وجهي بها رآيته أنقى من المرآة"
"وبكيت من فرحي"
"وعدت فورا إلى القدّيس، فجثوت أؤدّي صلاة الشكر"
"ونبتت لحيتي"
"وقد عاش بعد تلك
الأعجوبة نحو 40 سنة ولم يعد يشعر بشيء في وجهه"
10- كادت تجنّ من فرط الألم
"إن امرأتي أصيبت بعد الولادة
بمرض في بيت الرحم قاست منه ألما فادحا، فعالجها الدكتور حنّا داود من
صورات، ولم تنتفع من علاجه شيئا. فأخذتها إلى بيروت لكي يعالجها الطبيب
الأخصائي بأمراض النساء روفية فقال لنا إن شفاءها ممكن لكنّها لا تلد بنين
بعد. فأقمنا في بيروت 59 يوما ولم تستفد من علاج الطبيب روفيه إلاّ قليلا،
ثمّ رجعنا إلى زان. واشتدّ هذا المرض عليها اشتدادا زائدا، فما عادت
استطاعت النوم ولا الجلوس ولا المشي، وكادت تجنّ من فرط الألم. فقلت لها
يجب أن تذهبي إلى بيروت مرّة ثانية، فأجابت: عليّ زيارة يجب أن أتمّها قبل
أن أذهب إلى بيروت. فاستدعت الخوري مخايل وهبه زان، وكان وقتئذ شمّاسا،
وذهبت وإيّاه ماشية إلى دير كفيفان. وقد توقّفت على الطريق، من شدّة الألم،
مرارا كثيرة. ولمّا وصلت الدير سمعت قدّاسا وتباركت من جثمان القدّيس،
فنسيت أنّها كانت مريضة ومتـألّمة ألما فادحا وما عادت شعرت بوجع على
الإطلاق. وعادت إلى البيت بعافية تامّة وعاشت بعد ذلك 7 سنين ولدت فيها 3
بنين. وفي كلّ هذه المدّة ما شعرت بالكلّيّة بوجع في بيت الرحم"
سادسا: في كابلاّ
1- ماسكا عنقه
"لما هدموا [الرهبان]
الغرف القديمة لبنيان الدير"
"للجهة القبليّة"
"وأثناء البنيان"
"وضع الجثمان مؤقّتا في الكنيسة"
"في تابوت"
"قرب الحائط القبليّ عند مدخل باب النساء عن اليمين في مؤخّرة الكنيسة"
"ريثما ينتهي عمار الدير"
"فاستاء البطرك من القس الذي رفع الجثّة بدون إذنه"
"ثم صدر أمر غبطة البطرك بولس مسعد بردّه إلى المقبرة. فقبل تنفيذ الأمر
جاء أمر ثان بوضعه في غرفة. وسبب هذا أن السيد البطريرك مسعد أخبر أنّه رأى
في حلمه الأب الحرديني ماسكا عنقه ويقول له: لا تردّ جثّتي إلى المقبرة
بل دعها في غرفة خصوصيّة. فأرسل البطرك بدلة قدّاس إلى دير كفيفان مع
الأمر بوضع الجثّة في غرفة"
"وما طال الأمر حتّى أعيد إلى الغرفة التي هو بها الآن"
2- طفلٌ درزي
"كنت أعطي الرياضة الروحيّة في
قرية الرويسي في جهات الشوف لبعض أبناء الطائفة المارونيّة المشتّتين بين
عدد كبير من الدروز في القرية المذكورة. فكان يحضر عظاتي عدد من الدروز ومن
جملتهم رجل سمع عظتي يوما ودعاني بإلحاح إلى زيارته في بيته قائلا: فضل
النصارى على بيتي لا أنساه. فلبّيت دعوته لمّا توسّمت فيه من مزيد الميل
إلينا. فجاءت امرأته تقبّل يدي تكرارا بحضور زوجها ودعت ولدها سعيد وقالت:
إنّ ابني هذا كان مات وأحياه قدّيس كفيفان. وقالت: كنت في الأصل عاقرا وكنت
أخاف من أنّ زوجي بو سعيد يطلّقني وعملت وسائط عديدة طبيّة بدون جدوى إلى
أنّ إحدى جاراتي المارونيّات قالت لي: أنذري إذا جاءك ولد تزوّرينه قدّيس
كفيفان. وأنا أكفل لك أنّه يجيك ولد. فنذرت ذلك. جاءني ولد ولم يسمح زوجي
لي بزيارة كفيفان. زغزغ زوجي نيّته (وأنا أحكي لك قدّامه) فمات الولد.
كرّرت نذري فجاءني ولد ثان وأخذ بو سعيد يؤجّل الزيارة من حين لآخر حتّى
مات الولد. فنذرت ثالثة فجاءني ولد ثالث وأخذت ألحّ على زوجي إلى أن جررته
معي لزيارة كفيفان لأنّي كنت وجدت ولدي قد بدأ يعتلّ، فخاف زوجي وطاوعني.
فذهبنا سويّة وأركبني حمارا وابني على يدي لأنّ المسافة بعيدة جدّا. فلمّا
وصلنا إلى ابتداء الطريق التي تصعد إلى الدير قرب البحر ولم تعد تصلح
للركوب نزلت عن الحمار وولدي على يدي فإذا به عديم الحراك مجلّد وعيناه
جامدتان. فانخلع قلبي وخفت من أن يقتلني زوجي فكان قلبي يحترق من الحزن
والخوف، إذ تحقّقت موت ابني وتوقّعت موتي، إذ يقول زوجي لي أنت سبب موت
ولدي. وكنت أهزّ ولدي وأحركه وأقرصه قرصا شديدا لعلّه يفيق من إغماء أو
غيبوبة فكان جثّة باردة. وكنت في كلّ تلك المسافة، أي مسافة ساعتين ونصف،
أهزّ ولدي وأضغط على جسمه وهو جثّة هامدة لا حراك فيها"
"وما تجرّأت أن أخبر زوجي وحماتي بوفاته، إذ كانا يرافقاني مرغمين بإلحاحي.
وطلبت حماتي مرارا أن تساعدني بحمله، فما كنت أعطيها إيّاه، لئلاّ تعرف بما
أصابه. وكنت موقنة أنّ الذي شحّدني إيّاه، يقيمه من الموت. وخفت منهما إذا
عرفا بموته، أن يعودا دون زيارة القدّيس. وكنت أختلق الحيل كيلا أسلّمها
إيّاه. فتارة أقول: أنا غير تعبانة. وحينا أقول: أتركوا لي إبني غافيا على
زندي. ولمّا وصلت إلى ضريح القدّيس كان باردا مثل الثلج، جثّة باردة لا
حراك فيها"
"وكنت في دير كفيفان صبيّة
يتيمة بعد شفاء
عيني، بشفاعة الحرديني، أغسل للدير. فدخلت امرأتان درزيّتان، مع إحداهما
طفل، والحاملة الطفل مبغوتة. وبرفقتهما رجل درزي، وكبش غنم. فدخلت المرأة
بطفلها ووضعته تحت تابوت القدّيس، ورجعت إلى الوراء، وخرجت من الدير، وذهبت
قرب المقابر من جهة الشرق. وتعجّبت إذ رأيتها تبكي وتلطم رأسها، وتأخذ
ترابا وترشّ عليه، وتنتف شعر رأسها"
"وتضرب وجهها وقلبها يتفتّت"
"فقلت: هذه مجنونة. لأنّي رأيت منها بذلك علامة عارض جنون. ووقفت أنظر
إليها مبهوتة. وبينما أنا كذلك، أطلّ راهب من البوّابة، وناداني قائلا: أين
هي المرأة الدرزيّة؟ قولي لها لتأتي إلى طفلها لأنّه يبكي. فأجبته: هذه
مجنونة، وأخبرته بما رأيته منها، فقال: ادعيها حالا! إبنها فحّش من الصريخ.
فقلت لها: روّجي إلى إبنك فهو يصرخ. فلم تجبني. بل أخذت تدبّ على يديها
ورجليها مسرعة نحو التابوت. ولمّا دخلت وسمعت صراخ طفلها، ركعت من بعيد
نصبا ورفعت يديها إلى العلاء، وشخّصت بعينيها إلى السماء ولبثت حينا في
حالة الإختطاف، فتشّ بدني من ذلك المنظر، لأنّي كنت مستغربة حركات تلك
المرأة. ثمّ أنهضها الرهبان لتأخذ ابنها، فأخذته وضمّته إلى صدرها بتلهّف
لا مزيد عليه، وأخذت تقبّله باكية ووجهها طافح بشرا وأرضعته. وحملته وخرجت
به وهي تكاد تطير من الفرح"
"هاتفة بأعلى صوتها: قام ابني من الموت. وأخذت تصفّق بيديها تصفيقا حادّا"
"اجتمعنا حولها مع رهبان
كثيرين، مدهوشين من تلك الحالة نريد أن نعرف حقيقة أمرها. فقالت: لمّا
دعوتموني، وقلتم الطفل يصرخ! ارتعدت وارتجفت، وأيقنت أن الذي أعطاني إيّاه
أوّلا، ردّه من الموت ثانية"
"فطرت إليه، ورأيته من بعيد يصرخ، فارتميت إلى الأرض جاثية أشكر الله. وأنا
لا أعي من الفرح والإنذهال"
"أمّا الآن فأقرّ وأقول أنّ ابني هذا كان ميتا وعاش والآن هو كما ترونه"
"فتعجّبنا جميعنا وشكرنا الله. فقالت لها حماتها: الآن فهمت امتناعك من
إعطائي الطفل على الطريق"
"وأخذت طوقا وعلّقته برقبته فانظره حتّى الآن في رقبته. فابني من فضل قدّيس
كفيفان ونحن لا ننسى فضله"
3- المسيح في كفيفان يشفي
المكرسحين
" نحو سنة 1873"
"حدثت معجزة وهي أن رجلا من طائفة الروم الكاثوليك من قرية الوطا بين
المروج والمتين يدعى مخايل الكفوري"
"وهو رجل فقير كان أبي يشفق عليه ويستخدمه ويشغله"
و"كان ناطورا للأحراش"
"قد رأيته بعيني بادئا سليما"
"وكان يتردّد لبيتنا أحياناً لأجل الخدمة لمّا كنّا نحتاجه"
"وكان جارا لنا وكان غالبا يرافقني وكان مربوع القامة أبيض اللون. ذات يوم"
"ولمّا كان بعمر الثلاثين سنة تقريباً"
"كان يقطع الحطب في حرش الصنوبر"
"مع عبدو مفرّج عم أبي، قصّ رجله بالبلطة حتّى العظم، وتقطعت العروق"
"ونوسرت"
"والأخرى سقط عليها الغصن المقطوع فتعطلت أيضا"
"والتهبت الجراح"
"فتطبّب كثيرا عند الشيخ بشير
الجميّل من بكفيّا فلم يستفد شيئا"
"فأخذه أهله إلى دير مار يوسف البرج حيث كان الأخ عبد المسيح الشهير بالطبّ
يومئذ فعالجه كثيرا فلم ينجح به دواء. وأشار عليه أن ينزل بيروت لأجل قطع
إحدى رجليه التي أنتنت من الغرغرينا فأبى قطعها وعاد إلى بيته محمولا"
"تعالج عند أطباء كثيرين دون فائدة. حضر يوما إلى دار الخواجه عقل شديد في
المتين وكان عندهم طبيبان مشهوران من زحلة يوسف أفندي القطيني والياس أفندي
الزمّار اللذان تخرّجا في الطبّ في كليّة مصر فقالا: ما عاد بالإمكان
شفاؤه، ثم ذهب بعد ذلك إلى بيروت فقال له الأطبّاء نفس القول"
"وحكم الدكتور بوسط، في بيروت، بقطع الرجل فلم يرضَ"
"وطرحوه في السوق. فمرّ به بطرس بو داغر من المروج فحمله على دابته وأتى به
إلى بيته بالوطا"
"من نوع الحسنة لأنّه كان فقيراً"
"وكان أبي يحنّ عليه رحمة وإحسانا"
"وعاد تطبّب لدى أطبّاء كثيرين
وما استفاد شيئا بل كانت حال رجله تزداد سوءا"
"وبعد مدّة قصيرة تكرسح"
"ورجلاه معقولتان إلى الوراء لا يمكن تقويمهما وإنّه لا يأتي بهما بحركة
على الإطلاق بل أضحتا يابستين خاليتين من اللحم لا أثر بهما للحياة بل
إنّهما تشبهان القصبة من الركبة حتّى القدم"
"فكان يمشي على الأرض زحفا وقد ربط على أليته
[قعدته] جلد غنم أو
ماعز ليقي ذاته لما يزحف من محل إلى آخر"
"على الأرض لقضاء حاجاته"
"وكل أموره"
"وكان يستعين بعكازين ليستطيع أن يزحف إلى خارج بيته. ولم يكن يستطيع قط أن
يلقي على رجليه. وكان أخوه الأكبر شاهين يزوره ويخبرنا بحالته المحزنة"
"وكان الكرساح في رجليه من تقطيع العروق، وكانت رائحة جراحه نتنة جدّا،
بحيث ما كنّا نستطيع الدنو منه والمكوث قربه حتّى أن اللحم من إبطة
[بطّة]
رجليه كان مهترئا وأكثر من نصفه انتثر. كان يلفّ رجليه بلفائف خام"
"واستمرّ مرضه 10 سنوات"
"ذات يوم كان الشيخ بشير
الجميّل موجودا في بيتي فحضر مخايل وأخذ يترجّى الشيخ ليصف له علاجا يشفيه
فقال له: لم يعد من دواء يفيدك مطلقا. ولا يفيدك إلا أن ينزل السيّد المسيح
من السماء مرّة أخرى، ويشفيك كما شفى المخلع قبلك، لأنّ عروق رجليك متقطعة،
والدم جامد فيها؛ ولم يعد يوجد فيها لحم مطلقا ولا يوجد فيها سوى العظم
المنخور والجلد اليابس.
وبعد ذهاب الشيخ قال لي مخايل
ما عاد لي دواء سوى زيارة ضريح القدّيس الحرديني"
"فأشار عليه يوما المكاري صليبي بارود من قريته أن يذهب فيزور ضريح الأب
الحرديني في كفيفان ولمّا شكا الألم والصعوبة عرض عليه أن يحمله على دابته
ويتوفّر
[يسهر]
على راحته فرضي شاكرا"
"وتاني يوم وضع المكاري مخايل في سحارة"
"وأنا حمّلته"
"ووضع في قبالتها حجار في صحارة للتوازن وحزمها بالحبال"
"على ضهر البغل"
"حتّى هدي"
"وأركبه من المتين إلى كفيفان مجانا"
"وكان جدّي يعطف عليه ويهتم بأمره"
"وبمصابه وأنفق عليه أكلاف السفر إلى كفيفان لزيارة ضريح القدّيس"
"وفيما كان مارّا بقرب بكفيّا رآه بعض أهلها وبينهم روم كاثوليك فقال له
بعضهم متهكّما أهكذا يا مخايل يسخر بك الموارنة ويحملوك إلى كفيفان"
"وصار الأكثرون يضحكون عليه"
"وشاهده في طريقه في قرية بكفيّا الطبيب أبو أمين
[بشير]
الجميّل فظنّه ذاهبا إلى أحد الأطبّاء فقال له: كفاك يا بني عذابا وخسائر،
فلا حيلة للأطباء في شفائك"
"فقال له المريض: لست ذاهبا إلى أطبّاء بشريّين، بل إلى قدّيس لبنان
الحرديني ولي الرجا أن أعود في تمام العافية. فقال له الشيخ: ليس عند الله
أمر عسير غير أن مرضك يا بني صار نوعا من الموت! إرجع إلى بيتك بلا قلّة
عقل!"
"ألعلّ المسيح في كفيفان يشفي المكرسحين؟"
"وإذا كنت تعلم أنّ في كفيفان مسيحا يشفي المخلّعين إذهب إليه وإلاّ فالسفر
مضرّ بصحّتك"
"فقال له المكرسح: بدّي روح وانشالله بالرجعة بجي، برجع بعمل فشختين وقفزة
قدّام بيتك هون"
"وواصل المريض سفره حتّى بلغ
دير كفيفان"
"فحمله المكاري ووضعه أمام تابوت حيث القدّيس فأخذ يصلّي بكلّ حرارة"
"وبعد أن "زار ضريح القدّيس الحرديني، بات ليلته في محلّ الضيافة"
"وفي الليل حضر عليه راهب وقال له:
خذ هذا الجراب
ورح اجلب الزبيبات من الكرم مع الرهبان"
"وساعدهم بحمل العنب"
"وقطاف الكرم"
"أجابه: يا ويلي ما لقيت غيري أنا المكرسح حتّى تكلّفه بهذه المهنة"
"ألا تنظر حالتي؟ رغما عن وجود شوك وبلاّن في الطريق؟"
"صلّى وصلّب الراهب على رأسه"
" وقال له: خذ هذه الجزمة وضعها في رجليك فتمشي. فأخذ المريض الجزمة
وحاول أن يبسط رجله اليمنى ليدخلها بها وإذا بها قد انبسطت"
"فذهب وساعدهم حيث أمره وحين رجوعه إلى الدير، وجد الأب نعمةالله في قاعة
جميلة مضيئة كالشمس ما بين جملة رهبان. فقال له: قد شفيت فاذهب إلى بيتك"
"ونكز مخايل بعصا في يده فأفاق من رقاده"
"ورأى لفائف رجليه مفكوكتين"
"وأخذ يمسّ رجله ليرى إن كان الأمر واقعيّا"
"على سبيل التجربة وهو غير مصدّق أنّه شفي"
"فرأى أنّ رجله قد امتدت وهي أخذت بالامتلاء من اللحم والدم، فمسّ حينئذ
رجله الثانية فوجدها كذلك مستوية مثل قرينتها تمتلئ من اللحم والدم"
"وما عاد عليهما بثور ولا وجع"
"فحاول إذ ذاك أن يقف فقام جالسا غير أنّه كان يشعر بضعف زائد في رجليه
اللتين لم تحملاه إلاّ بعنف وانزعاج"
"وشرع يمشي في المحل الذي كان راقدا به"
"فعند ذلك أيقظ رفيقه قائلا: قم مجّد الله"
"قد حضر عليّ القديس وشفاني وأخبره بما جرى معه"
"فقام رفيقه ولمّا رآه واقفا مستقيما على رجليه السقيمتين أخذ العجب منه
كلّ مأخذ"
"ومن عظم فرح مخايل أخذ يصرخ: يا بونا الرئيس تعال وانظر عجائب القدّيس!
فجاء الرئيس والرهبان"
"وكان حان وقت صلاة نصف الليل"
"وشاهدوه معافى بعد أن نظروا حالته حين وصوله للدير. فذهب الرئيس والرهبان
وأخذوا يدقّون الجرس، ثمّ زيّحوا حوالي الكنيسة شكرا لنعم الله"
"ومجّدوا الله على هذه المعجزة التي لا يمازجها ريب البتّة"
"وعادت رجلاه طبيعيّتين، ومحلّ الجروح والنتانة بقي أثر مثل أثر الحرق بعد
أن يختم"
"وفي اليوم الثاني عاد ماشيا"
"أكثر الطريق"
"مع المكاري، من عظم الفرح الذي استولى عليه"
"وكان يعرض وقائع شفائه على من يصادف في طريقه"
"ولمّا وصل إلى بكفيّا ركب على البغل وذهب لعند الشيخ بشير الجميّل وصرخ
عليه من الخارج فخرج الشيخ لمقابلته"
فتعجّب الطبيب عندما رآه راكبا ومرخيا رجليه. فسأل ماذا حدث لك؟ فأجاب
مبتسما: ماذا تعطيني حتّى أريك عجائب الله؟"
"أجابه: أعطيك مجيديّا
قال له: لا بل تعطيني قطعتين"
"فقال أعطيك اكثر من ذلك ولكن من أين لك ذلك يا مسكين؟"
إذ ذاك وثب الرجل المقعد عن ظهر ركوبته وأخذ يقفز ويركض كأنّ لم يكن حلّ به
مرض على الإطلاق"
"فرآه جميع الأهالي مبهوتين من هذه الأعجوبة"
"فسأله الشيخ من الذي شفاه فقال: الحكيم نعمةالله أي القدّيس الحرديني"
"فتولّى الشيخ ذهول شديد، وللحال سجد على ركبتيه وكفّف رأسه ورفع عينيه
وذراعيه إلى العلاء وقال: عجيب أنت يا الله في قدّيسيك"
"ورأى أن المسيح في كفيفان ويشفي المكرسحين بواسطة الأب الحرديني"
"وشاع الخبر في جميع جهاتنا"
"فتقاطر الناس من جميع نواحيه لمشاهدته وتهنئته بالشفاء. وكنت من جملة
الذين زاروه وهنّأوه وسمعت خبر شفائه من نفسه"
"وكان كلّ من التقى به يسأله فيقصّ عليه روايته فيمجد الناس الله"
"وهذا الرجل شاهدته أنا مشاهدة العيان مريضا ومعافى. وهو الذي أخبرني عن
علّته وكيفيّة شفائه. والذين شاهدوه مريضا ومعافى وسمعوا منه كيفيّة شفائه
يزيدون عن 200 شخص"
"وتردّدت شهرة فضائل وقداسة الحرديني بعد هذه الأعجوبة كثيرا في جهاتنا إلى
حدّ يفوق الوصف"
"وعاد لخدمته في بيتنا ثم
أقمناه ناطوراً على أملاك المزرعة"
وعاد جدّي يشغله"
"في نطارة الكروم والأحراش"
"في المروج"
"وعاد يتعاطى صناعة قطع الأغصان وصناعة الفحم سنين عديدة"
"وعاش مدة طويلة تنوف عن ال15 سنة يتعاطى الشغل مثلما كان يتعاطاه قبل
ابتلائه بالكرساح. واشتهر أمره في كلّ جوارنا وكان الناس يزورنه ليروا أثر
الأعجوبة. ويسمعوا من فمه قصّة شفائه"
"وهو بصحّة تامّة"
"إلى أن أصيب في أواخر حياته بمرض الفالج الذي توفّي متأثّرا منه"
4- ليلمسوا الحرديني
"كان المؤمنون يطلبون بإلحاح
شيئا من جسمه وكان الرهبان يرفضون دائما. ولمّا كنت رئيسا خصوصيّا خفت أن
يغافل الزوّار وكيل الزيارة ويسرقوا شيئا من جسم القدّيس، فصنعت له تابوتا
محكما ونقلته إليه"
"وكان مفتاح التابوت مع وكيل الزيارة لأن التابوت ذو طبقتين فلمّا كان
الزوّار يطلبون أن يروا الحرديني كنّا نفتح الطبقة العليا فتظهر الطبقة
الثانية الزجاجيّة يروا منها جثمانه. وفي هذه الطبقة ثقب صغير لا يمكن منه
أن يجوز إلاّ إصبع واحد. فكان الزوار يضعون به إصبعهم ليلمسوا الحرديني"
5- مذبح قرب التابوت
"أمر البطرك الحويّك بوضع
المذبح بعيدا عن التابوت كما هو الآن لكي تقام الذبيحة عليه للزوّار
ولاسيّما للنساء"
"قصد أن لا يدخلن إلى الكنيسة بمناسبة وجود المبتدئين"
"بعد تعين الدير للإبتداء"
"وحتّى يكون الإكرام الذي يقدمه الزوار موجها لله تعالى في الذبيحة الإلهية
وحتّى إذا أضاء أحدهم شموعا يضيئها على المذبح لتكريم صور القدّيسين
الموضوعة عليه"
"والصليب"
6- حالة الجثمان
"لمّا جئت سنة 1901 رأيته في
تابوت في غرفة عند مدخل الدير قرب الكنيسة"
"فتحت التابوت مرّة واحدة من تلقاء نفسي ولم يدرِ الرؤساء من قبل ولا من
بعد وقصدت أن أرى جثمان الحرديني فرأيته بالشكل الذي رأيته به أمس معكم -
إبان الفحص الطبي- بلا زيادة ولا نقصان"
"وجدت أنّه مجدوع
[مقطوع الأنف]
وإبطة رجله منتثر لحمانها، وشعر لحيته ساقط ويده الشمال منثر لحمانها وباقي
الجسم محفوظ. ولا أعتقد أن ذلك صار من فساد لأنّ هذا لو طرا ليبدأ بالمعدة
مع أنّ معدته محفوظة وأظنّ أنّ أيدي الزوّار لعبت به اختلاسا. ولهذا كانت
الرهبانيّة ولا تزال تعيّن وكيلا للزيارة ولا يسمح للزوّار أن يزوروه وحدهم
ولهذا السبب صنعت له تابوتا محكما"
7- لم تنقص أبدا ماء البئر
"والعجائب التي جرت بشفاعته لا
تكاد تعدّ، وأنا أذكر آية حدثت في بيتنا وهي أن في إحدى السنين نفد الماء
من بئر الدير، فأخذ الرهبان والزوّار يستقون ويسقون دوابهم من البئر
الموجود عندنا في البيت نحوا من 3أو4 أشهر، وقد تأكّدنا أنّ ماء البئر لم
تنقص أبدا بل بقيت هي هي..."
8- سالمً من الفساد
"وجدت في بيتنا ماء مباركا من
جسم الحرديني مرسل من الأب يواصاف الجاجي إلى والدي مخايل أبي صعب في مرضه
ضمن قنينة مرقوم عليها عبارة لطيفة. وتاريخ هذا الماء ما ينيف عن خمسة
وثلاثين سنة ولا يزال هذا الماء سالماً من الفساد خالياً من كلّ طعم ورائحة
عاطنة كأنّه مستسقى حديثا من ينبوعه ولا يزال محفوظاً في بيتنا لمن يريد ان
يتحقق هذا"
9- إزعاج الزوّار
"كنّا في الغالب نتذمّر من
كثرة الزوّار لأنّ وجود هذا الدير مخصّصا للإبتداء كان يعكّر صفاءه وجود
الزوّار ولاسيّما النساء. وكانوا فوق ذلك يأتون أفواجا من بعيد فيقيمون
عندنا أيّام"
"ويكلّفون الدير مصاريف كثيرة ولا يربحونه، والدليل أنّ الدير لم يزل فقيرا
كما كان"
و"الرهبان يخسرون من وقتهم ومن مالهم بسبب الزوّار ولا يعتزّون إلاّ
بالإيمان الحيّ الظاهر في البلاد وهذا كلّ ربحهم"
10- زيارات كنسيّة
"قد زارنا الزائرون
الرسوليّون الذين ترأسهم القاصد الرسولي وهم عديدون منهم من رهبنات غربيّة
ومنهم أساقفة موارنة وكلّهم معروفون بالفضيلة والعلم وبينهم الملافنة في
الفلسفة واللاهوت؛ ثم قد زار آباء من الرهبان الغربيّين عديدون من رهبنات
غربيّة مختلفة"
"وأنا على أيّامي زاره عدّة مطارين وهم المطران غسطين البستاني والمطران
بطرس الفغالي الزائران الرسوليّان وكاتب أسرار القصّادة الرسوليّة والزيارة
الأب كيرلوس كوسا والمطران بولس عقل وغيرهم"
11- دملة بحجم الليمونة
"كنت ابنة 12 سنة دها والدتي
طلوع فوق ذكرتها كبير متل البرتقالة يؤلمها جدّا لا تقدر أن تنام ولا تأكل
منه"
"ولم تكن تقدر أن تشرب معه نقطة ماء بسهولة. وكانت تستفرغ كل ما تأكله، ولم
يكن فيه عمل بل كان محجر"
"وأعيا الأطباء شفاؤها"
"وبقيت في هذه العلة 6 سنين وأنا معها دائما ملازمة لها لا أتركها أبدا
لأنّها كانت في قلبي دائما"
"ولما كبر هذا الخراج حتّى صار نافرا للخارج أراد المرحوم والدي أن تتطبّب
عند الحكما الماهرين في بيروت فذهب إليهم وإياها وكلّهم أشاروا بعمليّة
جراحيّة وقالوا إنّها خطرة فرفضت عملها"
"وقالت أريد أن أذهب إلى الذي فتّح عيني أعمى بتغرين. وصحّح أم سعيد بليبل"
"وطلبت من والدي أن تذهب لزيارة ضريح الأب الحرديني"
"فرافقها محمولة على الفرس الى كفيفان. دخلوا الدير وطلبت والدتي أن تزور
القدّيس. دخلت وصلّت حتّى المساء. جاؤوها بالطعام فرفضت وقالت لا آكل ولا
أشرب حتّى يشفيني القدّيس. فألحّوا عليها فرفضت دائما"
"وهناك بقيت 3 أيّام تصلّي قرب تابوت القدّيس ليلا ونهارا منقطعة عن كلّ
مأكل ومشرب"
وأحيانا "نائمة رأسها على التابوت غير غافية لا ترفع رأسها ولا نظرها ولو
دخل أي من الناس"
"وقالت إنّي لا أترك هذا المكان إلاّ بعد أن أشفى أو أموت. وفي الليلة
الثالثة حلمت قرب نصف الليل أن راهبا نكزها بالعصا وقال لها: ماذا تعملين
هنا يا امرأة؟"
"قالت له: هنا الموت أو الحياة لا أذهب من هنا حتى تشفيني"
"فقال لها: قومي يا حرمة قد شفيتِ"
"عندئذ استيقظت مرتعدة"
"فانتبهت ووضعت يدها على بطنها فلم ترَ شيئا من ذلك الخراج والورم"
"لا أثر ولا وجع. عندها نهضت وكان نصف الليل إذ دخل الرهبان لصلاة نصف
الليل حسب عوائدهم. فقالت لهم قبل أن تبدأوا بالصلاة. أتوني بالطعام لأنّي
جائعة جدا. وقد شفيت بأعجوبة (وكانت أمّي لمّا تخبرنا بهذه الأعجوبة تتهلّل
وعلائم الفرح بادية عليها) من الأب نعمةالله الحرديني. جاؤوها بالطعام
وأكلت بقابليّة وفي الصباح عادت مع المرحوم والدي إلى البيت تسبّح الله في
قدّيسيه"
"وعاشت بعدها حوالي 40 سنة وما عادت شعرت بألم مطلقا. وقضت حياتها وما أخذت
علاجا. وكان الجميع يعجبون بصحّتها وقوّة جسمها. كأنّها شابّة"
"وماتت شبعانة من الأيّام بعمر 84 سنة بداء الفالج"
"ولمّا توفّيت ظنّها الناس أختي لا والدتي"
12- بلغمة في زلاعيمها
"وأنا في سن الثامنة من عمري
أصيبت والدتي صابات البيطار من غسطا ببلغمة في زلاعيمها على النحر تماما"
"وطال أمرها حتّى إنّها نزلت 3 مرّات إلى بيروت عند الجرّاحين المهمّين ولم
يجسر أحد منهم أن يجري لها العمليّة لأنّها خطرة للغاية"
"عالجها الدكتور بوسط الجراح الشهير بأدوية فطلبت منه أن يعمل لها عمليّة
نزع البلغمة فقال: إنّها خطرة للغاية لإلتحامها
(؟)
مع الحنجرة. ولكن نعالجها بالأدوية. فكانت تزداد حجما مع استعمال العلاج
إلى أن بلغت حجم ليمونة حامضة"
"فعادت إلى بيتها يائسة من أمرها"
"فنذرت لقدّيس كفيفان أنّها تزوره، فذهبت معها وكان يرافقها المرحوم والدي
موسى بليبل. والأمير محمود اسماعيل قيدبيه
(؟)
وخدمه اثنان يوسف جدعون وحنّا جدعون"
"فمرّت بأقاربها في غوسطا وجاءت إلى الدير مع جمهور منهم فاستقبلوها
باحتفال
(؟)
وقالت هي: أنا لم أكترث للإحتفال ولا للمائدة التي عملوها لنا لأنّي كنت
يائسة من الحياة، فلا أكلت ولا شربت"
"دخلنا الكنيسة، ثم دخلنا محلّ التابوت فركعت والدتي وطلبت أن يفتح
التابوت"
"الموضوع فيه جثمان القديس"
"ففتح وأخذت يده"
"وقبّلتها"
"وأمرتّها على البلغمة قائلة: إذا كنت قدّيس ولك شفاعة في السماء تشفيني"
"وركعت مصلّية"
"كثيرا وبتنا تلك الليلة في الدير أنا ووالدتي في غرفة واحدة ووالدي
والأمير في غرفة أخرى"
"ففي أواسط الليل"
"وفي أثناء رقادها، شعرت بيد قد مسّت عنقها، فاستيقظت مذعورة، وكان المصباح
مطفأ، فصرخت قائلة ائتوني بالضو"
"وأيقظتني وقالت: قم يا ابني فإنّ القدّيس حضر عليّ وشفاني، أضئ الشمعة
وانظر. أما إنّي شفيت تماما، أنظر! فقلت لها: نعم شفيتِ! ناظرا بذلك بعيني
على ضوء الشمعة. وقالت لي أيقظ والدك. فطرت من الفرح، وبشّرت والدي بما كان
من الأمر العجيب. فنهض حالا مع الأمير، وما صدّق حتّى رأى بعينيه وشكر الله
شكرا جزيلا. ولمّا علم الرهبان بالعجيبة، اجتمعوا في الكنيسة وصلّوا معنا
صلاة شكر. فعدنا إلى قريتنا وعاشت بعدها 40 سنة ولم تشعر بألم ما موضع
البلغمة ولم يعد من أثر"
"لتلك البلغمة التي آلمتها مدّة سنين عديدة، وخوّفتها خوفا لا مزيد عليه،
لأن أهم جرّاحي بيروت عجزوا من شفائها"
سابعا: نحو المذابح
- التكريم، التطويب، التقديس
1- أكبر القدّيسين
"إنّ أحد الرهبان اليسوعيّين
زار دير كفيفان"
"وطلب أن يزور ضريح الحرديني كما كان يسمع عنه. وما أن دخل المعبد الخاص،
ونظر إلى ذلك الجثمان الثاوي في صندوق من خشب الأبنوس
سالما من كل فساد بعد مرور السنين حتّى جثا هو ومن معه وأخذ يصلّي خاشعا
متأثّرا، وسأل: ماذا كانت سيرة هذا الراهب؟ وما هي أعماله الباهرة؟"
"وخوارق سيرته؟ فقال له الأب اغناطيوس التنّوري: كان محافظا على قانونه"
"بالحرف، لا يخلّ بشيء منه"
"فقال له الأب اليسوعي: كفى، ليكون من أكبر القدّيسين"
"لأنّ قداسة الراهب تقوم بحفظ قوانينه"
"بالرغم ما كان يعتريها من الاهمال والتراخي، وما كان يحيق به من مصاعب""ولا
يحتاج إلى غير هذا الدليل"
2- بداية فكرة التطويب
"لما زار الأب لويس شيخو
اليسوعي صاحب مجلّة المشرق الشهير البحّاثة المدقّق، كتب في "مشرقه" لمحة
عن عبدالله الحرديني، وألحّ على آباء كثيرين في الرهبانيّة أن يطلبوا من
السلطة الكنسيّة ذات الصلاحيّة المباشرة بدعوى تطويبه... وزار غبطة البطرك
الياس الحويك هذا الدير لمّا كنت متسلّما الزيارة ومعه عدّة اساقفة وكهنة
ففتحت له مع حاشيته وجمهور غفير وحكام، الغرفة التي فيها جثمان الأب
الحرديني فكشف على الجثّة وقال إنّ في عزمي السعي لأجل تطويب هذا البار
فاجمعوا ما يعرف عن سيرته وعجائبه"
"وزاره عدّة مطارين وعدّة آباء يسوعيّين، وكانوا يحرضون الرهبان على السعي
في سبيل تثبيته"
"وتطويب الحرديني هو رغبة جميع طوائف لبنان، وله رنّة فرح وابتهاج في الشرق
كلّه"
3- اطمئني أنت حامل
"كان لي متزوّجة 21 سنة ولم
يرزقني الله بنين ولا بنات. ودايتي كانت مشهورة وكانت تعتقد عندما أقول لها
إني أشعر بحمل وإسقاط إني مغلّطة وإنّي لا أحمل ولا ألد، وكنت أظنّ نفسي
حاملا. بعد مرور تلك المدّة الطويلة وكنت نذرت للقديس الحرديني مرّات
عديدة. فعندما قالت لي الداية ذلك الكلام طلبت في المساء من قدّيس كفيفان
أن يشفع بي ويرزقني ولد. ففي الليلة ذاتها حلمت كأنّي أراه بزي ذهب،
استدعاني إلى كرسي الإعتراف، وبعد أن سمع اعترافي، قال لي: اطمئني أنت حامل
وستلدين ولدا ذكرا. وفي الواقع بعد برهة قليلة حملت ووضعت ولدا ذكرا ونذرته
لقدّيس كفيفان واعدة أن أذهب ماشية حافية"
4- شهق الجمهور فرحين
"كان لي 28 سنة عاقرة لا أجيب
ولاد [ألد بنين]،
ونذرت لقدّيس كفيفان وزرته مرّتين. بعد ذلك بصرت مرّة في نومي، أني التقيت
بقسّيس شايب وبيده عصا على الطريق صرت أعزمه، وتصوّرت بفكري أنّه هو قدّيس
وأنّي أنا أعزم قدّيس يقدر يعطيني ولاد، كان يجاوبني ويقول: أريد أن
أزور قبل بيت عاصي (أي سلفي) إنّي أعطيت زوجته شهادتها قبلك
(؟)
الآن فزارها ثم
ولدت سلفتي التي كانت عاقرا متلي ولدا ذكرا وبعدها بوقت حبلت أنا ووضعت
ولدا ذكرا ميتا وكان بالبيت حولي الطبيب طانيوس منسّى الذي ولدني وحولي نحو
20 نفس فلمّا رأوا الولد ميتا أخذوا يتأسّفون متوجّعين لي كيف أنّي بعد 28
سنة وضعت ولدا ميت. وأنا ما كنت مصدّقة حتّى رأيت الولد على يد الطبيب.
فلمّا عرفت أنّه ميت وأنا ملقاة على ظهري رفعت نظري إلى السماء وقلت من كلّ
قلبي: آه يا قدّيس كفيفان، دخلك، يقوم هالولد من الموت، مثل ما أعطيته لي،
وعيشه لي وأنا أزورك وأفي نذري. ولم أكمل طلبتي حتّى صرخ الولد فاقشعر بدني
وشهق الجمهور فرحين. وحتّى الآن عندما أذكر ذلك الحادث يتأثر بدني. وبعد
ذلك وفيت نذري للقدّيس وزرته والولد في عمر 13 الأن ولم أرزق غيره"
5- ظنّ من رآني أنّي مجنونة
"جاءت السيدة مريم زوجة أنطون
بك طربيه أحد وجهاء البلاد من تنّورين إلى كفيفان حافية على مسافة 7 ساعات
بين الجبال والوهاد والقرى، والخدم يمشون وراءها، جاءت تطلب ولدا فرزقها
الله بشفاعة القدّيس ولدا دعته يوسف وقد رأيته معها في البترون شابّا.
فقالت لي: هذا هو عطيّة القدّيس. وأنا التي قيل لك عنّي إني مجنونة يوم
رأوني آتية من تنّورين حافية وقد أعياني التعب. وكان الخدام يسندوني لئلا
أقع إلى الأرض، فظنّ من رآني على تلك الحالة أنّي مجنونة"
6- صورة الحرديني
"من سنتين عَمِلتُ له صورة على
وجه التقريب"
"والتشبيه"
"موضوعة بين صور الرهبان للذكرى فقط"
"في قاعة الإستقبال"
"وهي مأخوذة من صفاته وملامحه فقط"
"من وصف من عاصروه مثل الأب يواصاف الذي توفّي هذه السنة. وهذه الصورة
بسيطة للغاية، لا هالة عليها ولا إكليل"
والصورة هي لوحة زيتيّة "طولها مع الإطار 82سم وعرضها 69سم، يمثل عليها
راهب راكع رافع يديه مصليّا، وأمامه صليب، ووراءه كتب، وإلى جانبه تخت،
وأمامه على الأرض كتاب مفتوح وعليه جمجمة بشريّة. وقد كتب في أسفل الصورة
بأحمر: صورة رجل الله الأب نعمةالله الحرديني اللبناني توفّاه الله في 14
ك1 سنة 1858 بإذن الرؤساء وعناية الأبوين بطرس وباسيل البترونيّين
اللبنانيّين في 21 شباط سنة 1923"
7- كشف طبّي عام 1926
"كشفت الجثة وقلبتها ظهرا لبطن
فوجدت أن الساقين ولاسيّما الأيمن معرّين من اللحم والجلد. والجمجمة معرّاة
على شكل القرعة في وسطها من الجبهة فما فوق. وإنّ العينين مفقودتان والأنف
مقطع من الجلد بآلة حادّة من الجهة العليا والكتفين نافران قليلا والظهر
معرّى حتّى الصلب والفقرات ظاهرة ولكن عليها بعض اللحم والأضلاع ظاهرة
وتوجد فقرتان مفككتان، والجلد صلب ولاسيّما جلد الصدر والبطن، والقضيب باقٍ
كلّه ملتصق بالجلد، والرئتان محفوظتان مع الحجاب الحاجز الذي لا يزال كاملا
وقسما من الجهاز الهضمي. الجلد صلب وجلد الفخذ إسفنجي من الداخل العظم صلب.
ويوجد مادّة داخل الأنسجة على شكل مسحوق لونها من لون الأنسجة ناتجة عن نخر
فيها أشبه بنخر السوس في الخشب تتساقط من الجثّة عند تحريكها"
"وعن التشويهات في جسمه يجيب: ربّما يكون الزوّار قد أخذوا منه شيئا وهو في
المقبرة قبل وضعه في التابوت"
و"انتثر لحم قفا كفه على كثرة اللمس"
"وعلى الطولة
[طول المدّة]
راح من الجثمان لا أعرف كيف"
8- أشرفت على الموت
"وقعت في الحمّى التيفوئديّة
إلى أن أشرفت على الموت ومن ثمّ بقيت 90 نهارا تقريبا لا أعرف حالي إذا كنت
موجودا حتّى توصّلت إلى درجة الميت بدون حركة سوى حركة النبض فقط وأصبحت
منشور الجلد على العظم وكان يعالجني الدكتور الياس سماحة من الخنشارة وبعض
مرّات الدكتور حبيب همام من الشوير وكان الدكتور الياس المذكور يجيء كل
يوم. والدكتور همام كلّ جمعة مرّة إلى أن وصل الدكتور سماحة ذات يوم وكان
لي في مرضي 80 يوم لا آكل ولا أشرب مطلقا سوى قليل من الليموناضة، وأنابيب
مقوّية. أخذ نبضي الدكتور المذكور (وكان يراني كلّ يوم في حالة) ثم تمّم
الفحص الطبّي وقال لوالدي بعد خروجه من البيت، وبعد قبض الأجرة، بعد أن
سأله: كيف ترى ولدي اليوم؟ أجاب: صحّة ولدك عند الله. والدكتور همام وسماحة
من المشهورين في نواحينا بقوا تلك الليلة مستنظرين طلوع روحي. ولكن لمّا
كنت من صغري قد نُذِرت للقدّيس الحرديني بسبب مرض حمّى، ومن حين ما وقعت في
مرضي كنت أكرّر القول يا قدّيس الحرديني اشفيني. يا قدّيس كفيفان دخلك.
ويخبرني أهل بيتي (لأني كنت أقول ما أقول عن غير وعي) أنّي كنت أردّد هذه
الطلبات وأنا في هذيان الحمّى. وفي الليلة الثانية بعد ذهاب الطبيب،
وانقطاع الرجاء من شفائي، حضر عليّ تلك الليلة القدّيس الأب الحرديني، بزيّ
راهب شايب يشبه القس مبارك المتيني، حامل عكّاز القرّاية. وقف قبالي على
بعد 3 أمتار من فرشتي ولمّا نظرته ارتعبت"
"صرخت لوالدتي: شيلي عنّي هذا الراهب المجدوع الأنف لأنّ منظره يخيفني"
"قال لي: لا تخف. ثم قلت له: أنت لماذا تخاف مني؟ قرّب إلي (وكان
أهلي والحاضرون يسمعون مخاطبتي هذه للقدّيس ويرون حركات يدي التي تضرب على
الأرض) وما زلت أردّد هذه الكلمات: قرّب منّي لماذا أنت خائف؟ فظلّ هو
ساكتا ومتوكئا على عكّازه قدر 5 دقائق تقريبا- ينظر إليّ وأنا أحاكيه وبعد
ذلك قال لي: قم اخدم لي القدّاس. وسحب العكّاز علي كمن يريد أن
يوخزني به. وكلّ مدّة الحركات منظورة ومشهورة عند الحاضرين وكلامي كان
مسموعا لا كلام القدّيس. غاب عنّي وصرت أرجف فزعان، ولكن قبل أن يغيب، قلت
له: وقد رأيته بلا أنف، لماذا أنفك مقطوع؟ لم يجب وغاب عنّي. وبعد غياب
ظللت في حالتي الأولى. وتاني يوم هذه الرؤيا، أجلسوني في فرشتي، وكان أهلي
وضعوا في عنقي طوقا من خيوط على اسم القدّيس ونذروني له. أجلسوني وكنت أحسن
نوعا، لأني استطعت لأوّل مرّة أن أتناول قدح الحليب. وبعد يومين وعيت على
حالي وصحوت وتتابع تحسّن صحتي. وبدأت أعرف الزائرين وأخبرهم ما رأيت من
القدّيس. وثم صرت أتقدّم رويدا رويدا إلى الصحّة إلى أن شفيت تماما. فزرت
القدّيس في كفيفان، وشكرت وافيا نذري ومن ذاك التاريخ 1916 ألى الآن لم
أشعر به"
9- كنت أتعقّب أشقياء
"في 20 حزيران 1925 بصفتي ضابط
جاندرما كنت أتعقّب أشقياء في جهات طرابلس فحلّ مصادمة بيني وبين الأشقياء
أصبت بجراح بليغة في أثنائها فدخلت المستشفى. وبعد 6 أشهر خرجت منه ويدي
اليمنى التي كانت مصابة بجرح خطر كانت متصلبة العروق ويابسة وبعد المعالجات
الكثيرة ومنها الكهرباء لم استفد شيئا. كتبت إلى أحد أهالي كفيفان المدعو
يوسف نعوم وطلبت إليه أن يرسل لي قطعة لحم من جسم قدّيس كفيفان الذي أعرفه
بالأب نعمةالله حيث كنت أسمع من الناس أن جسم القديس لم يزل موجودا في إحدى
غرف الدير فأرسل لي يوسف المذكور جوابا وضمنه قطع خرقتين من البدل
الكنائسيّة التي كان يرتديها. أذكر منها قطعة بلون أحمر أظنّها من بطانة
بدلة القدّاس وقليل من البخّور مبيّنا لي أنّه لا يمكن أن يرسل لي قطعة من
لحم القدّيس المشار إليه، وبيّن لي أن قطعة اللحم لا تفيدك شيئا، فالقماطات
المرسلة طيّه شدّ فيها يدك وآمن، فتنال المطلوب. بعد أن تناول ما ذكر ذهبت
إلى البيت وقمت للصلاة ليلا وبعد انتهائي من طلبة العذراء أشعلت البخور
وأمسكت يدي اليمنى بيدي اليسرى ووضعتها فوق صحن البخّور حيث لم يكن بإمكاني
رفع يدي اليمنى المصابة بدون إسعافها باليد اليسرى لأنّها كانت ثقيلة
ويابسة إذ أنّي عندما اضطر إلى الكتابة كنت أرفعها بيدي اليسرى وأضعها على
طاولة الكتابة وآخذ القلم وأغطّته بالحبر باليد اليسرى ثم أدنيه من أصابع
يدي اليمنى لأكتب الكلمة الواحدة ثم أنقل الورقة لأتمكن من كتابة الكلمة
الثانية وهكذا. وبعد التبخير أخذت القماطات وسمّيت باسم قدّيس كفيفان ولففت
يدي لاسيّما على الكوع الذي ما كان يلوي. وفي ذات الليلة عرقت عرقا غزيرا
(وكان الفصل خريفا) دون سبب أو واسط. ولمّا صحوت وجدتني مبلّلا كثيرا
بالعرق، فاعتقدت بفكري أن يدي ستشفى لا محالة. فطلبت من أهل بيتي أن يضعوا
علي أغطية أخرى فوق التي كانت عليّ تحفظ من الهواء، ففعلوا. وبقيت في غرفتي
نائما إلى بعد شروق الشمس حيث انتبهت، ومن غير تصمم أو تعمّد، حرّكت يدي
اليمنى رافعا بها الأغطية عنّي فعرفت أن يدي تتحرّك. فناديت أهل بيتي
تعالوا إليّ فقد شفيت يدي. ولم أنتظر وصولهم لغرفتي، بل لاقيتهم لخارج
الغرفة لشدّة فرحي، وأريتهم يدي. وإذ بقطعة عظم، نافرة من أحد جروح يدي
وحجمها طول قمحتين، فنزعتها بيدي اليسرى فشعرت للحال براحة كلّيّة. فختم
الجرح بعد يومين أو ثلاثة دون علاج البتّة، إلاّ بربط بالقماطات المار
ذكرها، مع أن هذا الجرح كان مضى عليه نحو 8 أشهر ينزّ، رغم دوام المعالجة
والمداواة وزال الورم الذي كان بها. وها هي (وأرانا إياها فإذا هي سليمة
كأختها) ليس بها سوى أثر موضع الجراح وخروج الرصاص منها الذي أصابه من
الثوّار"
10- على المذابح
- تواريخ
في 28\4\1926 بوشر البحث عن
دعواه رسميّا"
وفي 16\6\1927 أعيد دفنه في الحجرة الحاليّة بعد الكشف عليه من قبل اللجنة
الطبيّة الرسميّة وكان جثمانه ما يزال سليما"
وفي 13\6\1966 صدر القرار بقبول دعوى تكريمه"
وفي 28\12\1981 أعلن مكرما"
وطوباويّا في 10 ايار 1998
وقدّيسا في 16 أيّار 2004
- أعجوبة التطويب
"سنة 1986، عندما كنت
بعمر العشرين، ابتدأت أشعر بوهن وتعب كبير لمجرد المشي حوالي العشرين مترا،
مع أنّي كنت من الأشخاص الذين يعشقون الرياضة: كالسباحة والمشي وتسلّق
الجبال، وكنت منضويا في جمعيّة كشفيّة.
"ضعفت قوّتي واصفرّ لوني،
فاعتبرت أنّ ما يحصل لي عارض ويمرّ، ولكن ما إن انقضى شهر حتّى بدأ ضعفي
يزداد، فلجأت إلى طبيب العائلة ليجري لي الفحوصات، وعندما رأى النتيجة
أحالني على الفور إلى مستشفى قلب يسوع، إلى أطبّاء مختصّين بالدم أجروا لي
فحوصات كثيرة... ماذا يجري لم أكن أفقه شيئا.
"أظهرت الفحوصات الشاملة
والدقيقة موت "نخاع العظم" الذي "يفبرك" الدم الأبيض، والدم الأحمر،
والبلاكيت والمناعة. لذلك كانت كلّ الأشياء التي يفبركها بأدنى مستوياتها،
وقد تؤدّي إلى سرطان الدم، وقد قال لي الأطبّاء في وقتها: يا ليته سرطان دم
لأنّ الذي تواجهه أصعب بكثير. حاول الأطبّاء إحياء "نخاع العظم" بشتّى
العلاجات ولكن عبثا. فحكم عليّ بأن أضع ليترا من الدم كلّ 15 يوم، وكانت
الحالة الأمنيّة وقتها صعبة جدّا، وكان من الصعب جدّا إيجاد الدم في وقته.
"في الأيّام الثلاثة الأولى،
عندما أخبرني الأطبّاء، أنّه ليس من علاج سوى وضع الدم، ثارت ثائرتي على
الربّ، لماذا أنا؟ لماذا أهلي؟ أنا الذي خدمتك، أحببتك، دافعت عنك أمام
أترابي، أنا أمرض ومرضي خطير...
"من العلامات الجميلة التي
أنعم بها عليّ الربّ في تلك الأيّام الثلاثة الحالكة، راهبة فرنسيّة كانت
تأتي إلى غرفتي في المستشفى كلّ يوم، وتبقى حوالي الثلاث أو أربع ساعات لا
عمل لديها سوى صلاة المسبحة فقط.
"استيقظت من صدمتي، استغفرت
الله على عدم ثقتي بحبّه، وأخذت أحضّر نفسي للقائه تحضيرا جدّيّا. ومن ذلك
الوقت أصبح لديّ شوق لا يوصف للقائه.
"في حزيران سنة 1986، بدأت
رحلتي مع المرض، التي استمرّت سنة و3 أشهر. آخر السنة حصلت على مجلّة
فرنسيّة فيها تحقيق يتكلّم عن زرع نخاع العظم. فألححت على أبي من أجل
السفر، ولكنّ الأطبّاء عارضوه لأنّهم اعتبروه حقل تجارب. أصررت على الذهاب
لاعتقادي بانّ الربّ سوف يتدخّل لا محال من خلال العلم. بالرغم من حالتنا
الماديّة الضيّقة تيسّر الذهاب ورافقني أبي وأمّي.
"في شباط 1987 وصلت إلى فرنسا،
فأجريت لي فحوصات معقّدة وكثيرة والنتيجة نفسها موت نخاع العظم. العلاج
الوحيد كان زرع النخاع العظمي وذلك من خلال واهب. من سيكون الواهب؟ يجب أن
يكون أخي أو أختي، فاصطدمنا بحاجز مؤلم لأنّي كنت وحيدا لوالديّ.
"عندما بدأنا نحزم أمرنا
للرجوع، عرض علينا الأطبّاء حلاّ أخيرا وهو علاج بالهرمونات، وهو كان قد
اكتشف مؤخّرا، عرضوه علينا وعلى مسؤوليّتنا، لأنّه علاج نسبة نجاحه ضئيلة
جدّا وقد تصل إلى 5% فقط. رفض أبي، لكنّني أصررت، متذرّعا بالحجّة نفسها
بأنّ الربّ سيتدخّل من خلال العلم. واجهنا المشكلة نفسها، مشكلة تأمين
الموارد الماليّة لهذا العلاج المكلف للغاية، إن من ناحية سعره، أو من
ناحية تكاليف مكوثي طويلا في فرنسا. تدخّل الربّ مرّة ثانية لكي يبرهن أن
لا شيء يعجز عليه. سمحوا لنا أن نجلب العلاج إلى لبنان مع أنّه لم يكن يسمح
بأن يخرج من المختبر.
"عدنا إلى لبنان وابتدأت
بالعلاج الذي كان مفروضا أن يستمرّ 15 يوم، ولكنّ جسدي لم يتحمّله، بل
الأصعب من ذلك هو أنّه قضى على ما تبقّى من الدفاعات الموجودة في جسدي.
وأكثر من ذلك صرت أصاب بنوع من "الكرايز" ولشدّة قوّتها كانت تفقدني البصر
مع أوجاع كثيرة، وهنا ابتدأ الخطر يزداد أكثر فأكثر، فأوقف الأطبّاء العلاج
مع أنّه لم يكن قد مرّ سوى من 5 أيّام على البدء به، وأجمعوا أنّه عليّ أن
أذهب لأموت في منزلي.
"في هذه الفترة مرّ كاهن يسأل
عن شاب يعاني سكرات الموت، فطلب منه أبي أن يمنحني سرّ مسحة المرضى ولكنّني
كنت منتظرا أن يعطيني جسد ودم ربّنا، وألححت عليه، وبعد صلاته أعطاني قطعة
صغيرة من جسد ربّنا، وما أن تناولته حتّى غبت عن الوعي.
"وفي اليوم الثاني استيقظت
ولديّ رغبة في أن أتناول طعاما، بعد مرور أسبوع كامل بدون أن أتذوّق غير
طعم الدواء. عندما رأى الأطبّاء تحسّني طلبوا من أهلي اصطحابي إلى المنزل
لأنّهم كانوا قد فقدوا الأمل كلّيّا.
"عندما رجعنا إلى المنزل،
تجمّع حول أبي وأمّي جماعة صغيرة بغية إقامة الصلاة من أجل نيل الشفاء. وفي
إحدى الليالي أخذ أبي على عاتقه عمل مظاهرة صلاة لمستشفى السماء، كما كان
يسمّيها، وسخّر لها كلّ طاقاته بمساعدة خالتي الراهبة الأنطونيّة، ونجحوا
في استقطاب عدد كبير من المعارف والأصحاب والكهنة والرهبان والراهبات.
"في هذه الأثناء، إحدى النساء
المشتركات معنا في الصلاة، وهي والدة الأب نعمةالله الخوري (وكان يومذاك
مبتدئا في دير كفيفان) كانت قد عرضت عليّ أن أزور ضريح الأب نعمةالله
الحرديني. انطلق باصان من منطقة فرن الشبّاك، تحت شرط الصلاة الدائمة،
فالوقت ليس وقت نزهة، بل هو وقت طلب وتضرّع، وقت المظاهرة السلميّة لطرق
باب السماء وطلب الشفاء.
"استقبلنا الأب أغوسطين الهاشم
معلّم المبتدئين آنذاك، مع الإخوة، وأظهر لنا المعلّم عطفا خاصّا، ورافقنا
إلى المزار، طالبا من الاخوة أن يساعدوني على إيجاد عباءة من عباءاتهم، كما
طلب منّي أن أطلب شفاعة قدّيس كفيفان ناذرا أن ألبس العباءة الرهبانيّة
لمدّة شهر. دخلنا الضريح وصلّى الأب المعلّم صلاة شفاء المرضى، وبارك
العباءة وألبسني إيّاها، ثمّ أصررت أن أركع مع أنّه ممنوع عليّ أن أركع،
وصلّيت صلاة كانت محور تأمّلي الدائم، صلاة من القلب إلى القلب: بشفاعتك يا
مار نعمةالله شحّدني نقطة دم من دم يسوع يللي بالقربانة، وأنا أكيد إنّو
بشفى.
"بعد هذه الصلاة القلبيّة
الحارّة غمرني سلام عميق أعجز حتّى الآن عن وصفه، سلام لم أشعر به لا من
قبل ولا من بعد، واكتنف جسدي حرارة لم أعرف مصدرها، لم أعهد بمثلها من قبل،
حرارة قويّة مع أنّ الطقس كان معتدلا.
"زرت الدير، وشاهدت القطع
الأثريّة القديمة التي كان يستعملها الرهبان، وطلبت من صاحب البوسطة أن
أقودها فسمح لي شفقة عليّ لأنّي بحسب رأيه المرّة الأخيرة التي أقود فيها
لأنّي مشرف على الموت.
"عدنا إلى المنزل واستأنفت
حياتي الطبيعيّة من زيارة أصدقاء، قيادة سيّارة، لم يكن عندي شكّ بالشفاء،
ولكن كنت أسأل نفسي مرارا لماذا أنا؟ ولكن لتكن إرادتك لا إرادتي. بعد 15
يوم قصدت المستشفى لوضع الدم، فقيل لي بأنّي لست بحاجة لذلك، فيجب العودة
بعد 3 أيّام. بقيت على هذا المنوال 40 يوما أقصد المستشفى وهو يقولون بأنّي
لست بحاجة. فطلبت منهم أخيرا بأن يجروا لي فحصا لكي أعرف ماذا يجري؟
"في تلك الأثناء تعرفت على
الدكتور جورج شاهين وهو أخصّائي دم، وقصدته مع كامل ملفّي. النعمة الكبيرة
هي أنّ أبي كان محافظا على كلّ الملف، لم تضع منه أي ورقة. طلب منّي أن
أترك الملف عنده وأن أجري بعض الفحوصات.
"وبعد حوالي 4 أيّام قصدته
فكان مذهولا وقال لي: إنّ صاحب هذا الملف يجب أن يكون إمّا طريح الفراش، أو
ميتا، أمّا صاحب هذه الفحوصات التي أجريتها فهو شخص مثلي صحيح معافى.
"...هنا كانت نقطة التحوّل
الأكبر في حياتي، وتأكدت أكثر من الأعجوبة التي أنعم بها الربّ عليّ بشفاعة
صفيّه الأب نعمةالله الحرديني.
"عدت إلى الحياة بزخم أكبر،
تعرّفت أكثر فأكثر على "معلّمي"، قرأت قصّة حياته، وأقمت معه علاقة عميقة،
وأضحيت أكثر فأكثر عارفا للجميل. تزوّجت ورزقت 3 أولاد في حياتي، كما درست
اللاهوت لأعمّق ثقافتي الدينيّة"
- أعجوبة التقديس
"أجريت
4 عمليّات جراحيّة لعينيّ، وكانت العمليّة الأولى "المياه الزرقاء" عندما
توفّي ولدي جورج، فلم يجلبوه إلى البيت لأنّي كنت أعاني من ألم حادّ في
عينيّ، وكأنّه عامود أسود ينتصب فيها فلا أرى إلاّ السواد.
ذهبت إلى عدّة أطبّاء من أجل
إزالة هذا السواد الكالح، دون نتيجة تذكر. فقرّر الأطبّاء إجراء عمليّة
جديدة للمياه الزرقاء. وبعد فترة وجيزة جاءت ابنتي رينيه وقالت لي: غدا
ستذهبين معنا إلى كفيفان. فقلت لها ماذا يوجد في كفيفان؟ قالت هناك قدّيس
يدعى نعمةالله الحرديني فكوني جاهزة غدا سنذهب عند الساعة السادسة صباحا،
كوني في انتظاري غدا سأجيء أغلق لك الباب ونغدو. فقلت لها: حاضر.
"عند المساء تناولت عشائي
وأخذت حقنة الأنسولين وصعدت إلى الفراش لكي أنام، وإذا بالسرير يهتز بي،
فجلست وصلبت يدي على وجهي وقلت: هذا لأني لم أصلي قبل النوم. فجلست وصليت
قائلة: يا يسوع سامحني، الآن سأصلي. وهذا دون أن يهتزّ السرير. ثمّ عاودت
النوم وإذا بالسرير وللمرة الثانية بحالة اهتزاز، وهكذا دواليك، حتّى قمت
وجلست على كرسي وأنا في حالة نعاس شديدة، إلى أن وصلت ابنتي عند الساعة
الخامسة فجرا؛ فرأتني جالسة على الكرسي فقالت: لماذا تركتِ الباب مفتوحا
ألا تخافي من الجرذان؟ وها كأنّك لم تنامي البتّة! فأخبرتها بما جرى معي
عند ساعات الليل. فقالت: إنّ الحرديني هو من حاول إيقاظك لكيما تذهبي معنا
في هذه الرحلة. فقلت: السلام لاسمه. علما أنّي لم أكن سامعة باسمه، رغم أنّ
خالي كان راهبا في دير مار مارون عنّايا واسمه الأب موسى حردان من إهمج.
قلت ليسوع قبل الذهاب: إذا أردت أن تشفيني فافعل وإذا لم ترد، فلماذا هذا
العذاب كلّه؟ حيث إنّ ابنتي تجرّني لكي أمشي. فقلت لابنتي: سأذهب حافية
القدمين لأنّي ناذرة. قبل أن نصل إلى الدير، تقريبا عند مفرق القدّيسة
رفقا، نزلنا هناك، وكانوا يزفّتون طريق كفيفان، فقالت لي ابنتي: أنت لديك
سكّري والآن سيلصق الزفت بقدميك ولن نستطيع بعد ذلك أن نمسحها بالكاز لأنّه
يضرّ بك. فقلت لها: لا تخافي لن يلصق بقدميّ الزفت. ذهبت إلى كنيسة الدير
حيث الضريح وابنتي تجرّني، وأنا على شفير السقوط عند آخر درجة فكان هناك
راهب ذو لحية بيضاء، عرفته بهذا الشكل بعد شفائي من العمى، ساندني لكي لا
أقع. ركعت وسجدت وصلّيت قائلة ليسوع: يا يسوع إذا أردت أن تشفيني أبن لي
عجيبة ما. أي اشفني، وطلبت هكذا أيضا من الطوباوي نعمةالله. وبعدها صرخت،
لأنّي لم أستطع تحمّل وجع عينيّ لأنّها كانت تحرقني، فقلت صارخة: يا يسوع
اشفني، يا حرديني اشفني، فأنا أريد رؤيتك يا حرديني. صلّبت يدي على وجهي
وإذا بي أبصر ضوءا علما أنّ الكنيسة لم تكن مضاءة وقد عرفت هذا عندما سألت
المطران أبو جودة الذي قال لي إن الكنيسة لم تكن مضاءة. النور جاء مباشرة
على التابوت حيث رأيت عليه الأرزة والصليب. صلّبت يدي على وجهي وبدأت ابنتي
وحفيدتي بالبكاء. فأمسكت بنظارتي السوداء ورميتها أرضا مع الحجاب الذي كان
على رأسي. ومسحت وجهي بالأرض حيث لم أغسله بعد ذلك لمدة 3 أيام. فصرخت أمام
الكلّ بأنّي أرى وما زلت إلى الآن أرى. بعد هذه العجيبة نذرت حياتي
للطوباوي وما زلت أفعل إلى الآن.
"نسيت وجه ابني الياس البكر
لأنّي بقيت عمياء 10 سنوات، ولو لم يتكلّم لما عرفته. عندما جئت من كفيفان
إلى البيت قال لأخته رينيه: أين أمّي؟ قالت له: في الداخل. فقلت له: الآن
رأيتك، فمنذ 10 سنوات وأنا لا أبصر وجهك وبدأنا بالبكاء.
"ذهبت بعد الأعجوبة إلى الطبيب
(س) فقال لي: تركضين ركضا على الدرج! فقلت له: الحرديني شفاني. فسمعته يقول
لأمينة سرّه: قد كان عندها سواد على عينها، والآن إنّه غير موجود! لكنّه لم
يعطني إفادة بأنّها أعجوبة وذلك لأنّه من غير ملّة. وبعدها ذهبت إلى الطبيب
(أ. ن) وهو الذي أجرى لي عمليّة اللايزر في عيني وعمليّات أخرى أيضا،
فتجاهل أمري وكأنّه لم يعرفني ولم يعطني الملف، ولكن بعدها تمكّنوا من أخذ
الملف منه وأرسلوه إلى روما.
"وتغيّرت كثيرا، عندما كانت
عيني تؤلمني كنت أكفر، أمّا الآن فأقول: لتكن مشيئتك يا ربّ. كنت أنام دون
أن أصلّي بسبب أوجاعي، أمّا الآن فأصلّي المسبحة"
|