الاساس

الفصل الثالث: نحو السماء (يو 13/1)

   

القدّيـس شربـــل
من معاصريه إلى عصرنا
إعداد الأب حنّا اسكندر

 
  مقدمة
  التصميم
 
  الفصل الأوّل: أوّل المشوار
  الفصل الثاني: جهود الحياة
  الفصل الثالث: نحو السماء
 
  خاتمة
 
 ملحق: "كلمات مار شربل"
 
  الأصول
  المراجع
 
 
 
 
    العناوين الرئيسية :
 
 
  • أوّلا: حمل أوجاعنا
  • ثانيا: القدّاس الأخير
  • ثالثا: أيّامه الأخيرة
  • رابعا: نحو القبر
  • خامسا: نور القيامة
  • سادسا: لن تدع صفيّك يرى فسادا
  • سابعا: خارج المقبرة
  • ثامنا: في "المنبش"
  • تاسعا: بيد الأب يوسف الكفوري
  • عاشرا: المنْزول
  • حادي عشر: في الكابلاّ
  • ثاني عشر: شفى جميع المرضى
  • ثالث عشر: آثار شربل
  • رابع عشر: الدكتور جورج شكرالله
  • خامس عشر: فحوصات أخرى
  • سادس عشر: حتّى العام 1950 
  • سابع عشر: صورة شربل
  • ثامن عشر: أفيض روحي
  • تاسع عشر: الآيات تتبع المؤمنين
  • عشرون: إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم
  • واحد وعشرون: شربل بالزجل اللبناني
  • ثانٍ وعشرون: شربل الطوباوي
صلب يسوع

الفصل الثالث: سرد تاريخيّ لقُدّاسه الأخير، ونزاعه، ودفنه، والنور، وفتح القبر، والإختبارات على الجثّة، وتقارير الأطبّاء...

أوّلا: حمل أوجاعنا (متّى 8/17)

1- شفاء أخ بطرس جوّاد مشمش

كنتُ مصابا بوجع في صدري ومعدتي من سنتين وأكثر، حتّى إذا أردت أن أتلو السلام الملائكي، أتوقَّف مرّتين من ضيق نفسي، الذي يشبه مرض الأزما. وقد عالجني الأطبّاء، فلم أستفد شيئا. وكنت لم أزل متعبا في الليل والنهار، إلى أن صلّى عليّ الأب شربل. ففي الحال فارقني الألم، وما عدت شعرت به قطّ في حياتي. وأنا كنت أشتغل شغلا يدويّا صعبا، ولم أزل أواصله وأنا الآن في سنّ الستين.

2- إنقاذ ابنة من الموت! (لو 7/11-17)

شهد يوسف عبود: بينما كانت أختي مريم تجمع حشيشا من فوق صخر عالٍ يدعى شير الكنيسة، أي كنيسة إهمج، زلّت قدمها فهوت من أعلى الصخر الذي يبلغ علوّه تقريبا عشرين مترا، وسقطت على الأرض لا تعي ولا تتحرّك ولا تتكلّم. وقد رُضّ جسمها، وتشوّه وجهها، وأمسى باردا مصفرّا وسكن نبضها، فحملها الأهالي بقطعة بلاس إلى البيت، وقد ظنّوها ميّته. وعندما عرفت بهذا الحادث، أسرعت في الحال، إلى محبسة مار مارون عنّايا، وأنا في حال اضطراب، أفقدني الرشد تقريبا. وأخبرت الأب شربل الحبيس بما جرى طالبا أن يتضرَّع إلى الله لأجلها، ويصلّي لي على الماء لأعود به إليها. ولمّا رآني مضطربا هذا الإضطراب قال لي: إنّ أختك طيّبة وتُشفى. خذ هذا الماء المبارك ورشّه عليها. وإذ رجعت إلى البيت، وجدتها على حالها غائبة عن الإدراك، ورأيت الناس يضجّون حولها ويبكون لأعتقادهم أنّها ماتت. فنضحتُها بالماء الذي باركه الأب شربل، فدبَّت الحرارة بحسمها، وفتحت عينيها وتكلَّمت. وبعد مضيّ يومين نهضَت من الفراش معافاة وشفيَت تماما.

 

3- شفاء أخرس (مر 7/32-37)

شهد الأخ فرنسيس قرطبا: لي أخ يدعى أسعد حنّا سالم، مرض بعارض فجائي حصل منه ربط لسانه مدّة نحو شهرين. فكتب لي أهلي إلى دير عنّايا، فأمرني الرئيس أن أذهب فأزوره. وكان ظنّ الناس في قرية قرطبا أنّ مرضه جنون، وأشاروا عليّ بأخذه إلى دير قزحيّا، حيث يُقسَّم على المجانين. أمّا أنا فأتيت إلى المحبسة. ورجوت الأب شربل أن يصلّي على رأسه، ولكن بشرط أن تُخبِرني إذا كان يشفى أو لا. فقال: أدخله على الكنيسة. فأدخلته إليها. وركعته على درجة الخورس، فأتى الأب شربل بالإنجيل والبطرشيل في عنقه. فوضع الإنجيل على رأسه وأخذ يتلو منه نحو 3 دقائق. ثم أخذ إبريقا من تنك فيه ماء مبارك، وصبّ في كفّه وسقاه. وقال لي: لا تخف، سيُشفى. ثمّ خرجنا من المحبسة، أنا وسابا طنّوس موسى وأخي الأخرس. فلمّا صرنا على مسافة عشر دقائق. صاح أخي بصوت عالٍ وقال: يا أخي. ثم أخذ ينادي رهبانا كانوا قادمين إلى المحبسة من بعيد بأعلى صوته: يا أخ بطرس ميفوق. يا فلان. ثم أخذ يرتّل مُتهلِّلا كلّ ذلك النهار حتّى وصل إلى بيته في قرطبا.

4- وأخرس آخر

شهد موسى موسى: عندي ولد راهب في ميفوق يدعى الأخ بطرس كان يُسمّى قبل الرهبانية طنّوس. هذا وُلِد ولم ينطق لحد عمر الثمان سنين مع أنّه كان يسمع. وكنّا في غمٍّ شديد بسبب أنّه أخرس، فأتيت إلى محبسة مار بطرس، وطلبت من الأب شربل، أن يصلّي عليه فصلّى. فابتدأ من ذلك الوقت ينطق تدريجيّا، وهو الآن يتكلّم كباقي الناس.

 

5- مجنون إهمج (مر 5/1-20)

شهد بطرس موسى: كنت أسكن مع رجل إسمه جبرائيل يوسف سابا من إهمج، فهذا لما تزوّج طرأ عليه عارض جنون، أدّى به إلى أسوأ الأعمال حتّى نغّص عيشة والديه - وقد حدث له هذا العارض بعد زواجه من ابنة من إهمج بالرغم من والديها- وكان يمزِّق ثيابه ويسبّ ويشتم، ويخرج عاريا في الحقول. ذات يوم كان بعيدا عنّي قليلا، رأيته عاريا من كلّ ثيابه، وبيده مسدّس قد صوّبه إلى صدره، وأطلقه عليه. إلاّ أنّ الرصاصة زلّت، فأخطأته. فركضت أنا إلى بيته، فرأيته يكسّر حبّات مسبحة امرأته ويسبّ دين الورديّة. وإذ كنت إشبينه، فقد نصحت ذويه أن يأخذوه إلى الأب شربل. وكانوا يريدون أن يأخذوه إلى مغارة مار أنطونيوس قزحيّا، حيث جرت العادة بأخذ المجانين، لحصولهم على الشفاء. وعملا بنصيحتي، أحضر جبرايل عاريا من كلّ ثوب. وتعاونّا أنا وبعض ذويه عليه، واقتدناه مرغما إلى محبسة مار مارون. وبوصولنا أمام كنيسة المحبسة، تمنّع عن الدخول، وعبثا حاولنا إدخاله إليها. فأمره الأب ليباوس أحد الحبساء فلم يطع. فدخلت أنا وأخبرت الأب شربل بالواقع، فخرج إليه، وانتهره قائلا: أدخل إلى الكنيسة. فدخل دون أقلّ ممانعة، لكنّه جلس بدون احتشام. فقال له الحبيس: إركع منتصبا. فركع مكتوف اليدين مثل الملاك. فتلا الحبيس الإنجيل على رأسه، وصلّى عليه، فشفي حالا. وعند الصلاة نزلت دموع جبرايل، ونظر إلى أهله الحاضرين وقال: اعطوني ثيابي. وخرج من الكنيسة صحيحا عاقلا. وهو اليوم في أميركا.

6- إنقاذ أطفال من الموت

شهد الخوري بولس مخلوف: إنّ والدي نوحا ذهب مرّة لزيارة أخيه الأب شربل في محبسة عنّايا فأعطاه كتاب مار أنطونيوس لكي يعلّقه في عنقي. فعلم ابراهيم حنّا مخلوف من بقاعكفرا، وهو ابن عمّ والدي فطلبه من والدي ليعلّقه في عنق ولده نعمةالله. وقصّة هذا الرجل هو أنّه كان كلّما ولد له ولد يموت بعمر سنة، وقد مات له ثلاثة بنين. فخاف على ولده نعمةالله أن يموت بهذا العمر، فاستدرك وأخذ هذا الكتاب من والدي لعلمه أنّه من الأب شربل، وعلّقه في عنق ولده نعمةالله فعاش الولد ونجا من الموت وهو اليوم في أميركا. وبقي ابراهيم محافظا عليه، يعلّقه في أعناق أولاده لينجوا من الموت، فنجوا.

7- إنّ ابنك حيّ! (يو 4/50)

كان يوسف أنطون جبرايل، من كفربعال، مريضا والحمّى عليه منذ عشرين يوم لا يعي. فركض جرجس بطرس الذي كان مكاري الدير، وهو ابن عم المريض، إلى المحبسة ليطلب صلاة الأب شربل، والماء المبارك منه، وقبل أن يصل إليه رأى الأب شربل على الباب، فبادره هذا بقوله: على مهلك، فإنك حالما ترجع إلى البيت ترى نسيبك المريض مرتاحا صاحيا جالسا في فرشته. وهكذا كان. فتعجَّب المكاري كيف أنّ الأب شربل عرف قصده، قبل أن يطلب منه شيئا، وكيف أيضا عرف بارتياح المريض.

8- إنّ ابنه بخير! (متّى 15\28)

أتى مارون أبي رميا من طورزيّا إلى الأب شربل، في المحبسة، ليصلّي لابنه المريض، ويعطيه ماء مباركا ليرشّه عليه، لأنّ الولد كان في مرض شديد، وغائبا عن الوعي من جرّائه. فبعد أن قابل مارون المذكور الحبيس شربل، والتمس منه الصلاة عن ابنه واستلم الماء المبارك عاد مسرعا إلى بيته، ولمّا شاهده الأب شربل مسرعا بلهفة وقلق، أشفق عليه وقال لرفيقه: أدعه وقُلْ له ليذهب على مهل لأنّ ابنه بخير. ولمّا وصل الرجل إلى بيته، وجد ابنه واعيا وبحالة حسنة، بعد أن كان الطبيب، واكيم بك من جبيل، قد قطع الأمل من شفائه.

 

9- عاقر ترزق

شهد نعمة المدوّر: زرتُ المحبسة التي كان يقطنها الأب شربل بقاعكفرا المعروف بحبيس عنّايا وذلك قبل وفاته بنحو ثلاثة أشهر. وغاية زيارتي من حيث أنّ امرأتي ظريفة لم تكن تلد. وكنت أرجو أنّي بزيارة هذه المحبسة يرزقني الله أولادا بصلاة الأب شربل الحبيس. وبوقته دفع إليّ رفيقه، الأب مكاريوس، بركة من الحبيس الأب شربل. وبعد عودتي إلى بيتي في بسكنتا بأربعة أشهر حملت امرأتي وولدت بنتا وبعدها 3 بنات وولدا ذكرا.

 

10- شفاء ابنة العويني (مر 7/24-30)

شهد العويني: رزقني الله بنتا بلاها الله بداء "الفرحة" فما عاد أمكنها الرضاعة. فصلّى الأب شربل عليها فشفيت وباشرت الرضاع.

11- من لمسني؟ (مر 5/30)

شهد الخوري جبرايل جبرايل: كانت مريم، أرملة مخايل نعمة من إهمج، مصابة بنزيف دم منذ أكثر من 3 أشهر، تعالجت لدى الأطباء المرحومين نجيب بك الخوري من إهمج، وواكيم نخله من جبيل، وجرجي باز من جبيل، فلم تشفَ. كلّفتني أن آخذ ريال مجيدي إلى الأب شربل تقدمة، ليرسل إليها زنّارا مباركا. فأعطاني منديلا، أخذه عن صورة الورديّة التي كانت في كنيسة المحبسة. وقال فلتتزنَّر به فتشفى. وأمّا الريال، فلم يستلمه منّي بيده بل قال لي: حطّه على المذبح، حتّى يكون أتى الأب مكاريوس، ويستلمه. وأمّا المرأة فعندما تزنَّرت بالمنديل، وقف نزف دمها وشفيت حالا.

12- ماء مبارك في الدواء

وكان سابا العويني يأخذ الماء المبارك من الأب شربل، ويمزج بذلك الماء الأدوية التي يعطيها لمرضاه. وكان المرضى يستفيدون كثيرا.

 

13- أخوه البكر

شهدت وردة مخلوف بنت شقيق شربل: أنا لم أعرف الأب شربل، عمّ أمّي شخصيّا، إذ لم يكن يأتي إلى القرية، أيّام ترهُّبه، وإقامته في المحبسة. وأنا أيضا، لم أذهب إليه في الرهبانيّة، ولكنّ جدّي حنّا زعرور، شقيقه، وقد كنت أنا يتيمة، وربيت عنده، كان يُخبِر عنه. كان في أيّام المرافع، يذكره قائلا، وهو يبكي: نحن نأكل اللحم، ومسكين خيّي لا يأكل لحما أبدا. وفي أيّام العنب كان يردِّد لنا بتأثُّر: نحن هون ناكل العنب، وخيّي اللي عندو كرم، بيشتغل فيه، وعنبو بيتحَمَّل بالعدال، وما بيمدّ يده إليه، وما بيدوقو. وقد جلسنا يوما لتناول الطعام. ووضع أمامنا كبّة نيّة. وعندما رآها، اغرورقت عيناه بالدموع. وقال: كيف بدّي آكل لحم، وهالقسّيس (شربل) لا يأكل منه؟ لفظ هذه العبارة وأصرّ على رفض تناول لقمة واحدة من الكبّة. ولمّا شاخ، وأقعدته الشيخوخة، كان يبكي أغلب الأحيان، ويقول: إنّي قصّرت ما بقيت أقدر زور خيّي بونا شربل! ولمّا أشرف على الموت، إجتمع أهله حوله، وكنت أنا معهم، فالتفت إلينا وقال: إنّي مرضت وسأموت، وقد رأيتكم كلّكم حولي فتعزّيت، وهالقسّيس عندما يموت، من تُرى يجلس حوله؟ فأجبناه: إنّ الله، لن يتركه! ومات في 25 ك2، يوم إيمان مار بولس، قبل 11 شهر من وفاة شربل، ودفن إزاء كنيسة القدّيس سابا في بقاعكفرا.

ثانيا: القدّاس الأخير

1- عرض له عارض

شهدت كفا زوجة العويني: ذهبتُ في يوم أحد مع جملة أناس لحضور الذبيحة الإلهيّة في محبسة مار مارون، وبدأ الأب شربل بالقدّاس، وما انتهى من كلام التقديس على الخبز حتّى عرض له عارض؛ فنهض الأب مكاريوس رفيقه وساعده لكي يجثو على مركعه في الكنيسة، فاستراح. وبعدها نهض، وعندما وصل إلى رفع القربان، تيبّس. وإذ طال بقاء القربانة مرفوعة بين يديه أكثر من المعتاد، تقدّم رفيقه في المحبسة، فلحظ وتأكّد أنّه متيبِّس. فأخذ القربانة برفق من بين يديه، ووضعها على الصينيّة، وأجلسه بمعاونة الأخ بطرس خادم المحبسة على كرسي في جانب المذبح. وبعد نصف ساعة عاد الأب شربل إلى حالته الأولى، ورجع إلى المذبح وأكمل الذبيحة الإلهيّة، بالرغم من مرضه.

2- لا تذهبوا

وتابعت كفا: أتيتُ في الأحد الثاني، مع بعض نسوة لسماع القدّاس في كنيسة المحبسة. ولمّا دخلناها، وجدنا فيها الأب شربل ساجدا يصلّي. فاستفسر لنا رجل عن الوقت الذي تقام فيه الذبيحة، لأنّ البرد كان شديدا، لا يمكننا الإنتظار. فأجابنا: لا تذهبوا بدون أن تسمعوا القدّاس، فإنّ الأب شربل يحتفل في هذا اليوم بالقدّاس قريبا فانتظروه. وبعد انتظارنا قليلا، لبس الأب شربل أثواب التقديس، وبدأ بتلاوة الذبيحة الإلهيّة. وقبل أن يلفظ كلام التقديس عاوده ذاك العارض. فنُزِعت عنه البدلة وبقي في الكنيسة. ولمّا عزمنا على الخروج والذهاب إلى بيوتنا، قال لنا الأب مكاريوس: لا تذهبوا! إنّ الأب شربل حدث له وجع قلب، فمتى ارتاح يتمّ القدّاس. ولمّا استراح نهض وبدأ بتكملة الذبيحة. 

3- جميل هذا الطفل

وبعد أن تلا كلام التقديس، رأت راحيل إبنة يوسف سابا، وهي فتاة صبيّة، طفلا جميلا مكان القربانة عندما رفعها الحبيس، فصاحت بخالتها: أنظري يا خالتي، كم هو جميل هذا الطفل! فأسكتتها خالتها (كفا) واضعة يدها على فمها - أي فم راحيل- لئلاّ يحدث ضجّة في الكنيسة، فيتكدَّر الحبساء.

4- يا أب الحقّ

وما بلغ إلى رفعة الكأس والقربان، حيث يتلو الكاهن الصلاة التي أوّلها "أَبُو دْقُوشْتُو" (يا أبا الحقّ) حتّى عاوده العارض نفسه بشدّة. فاستمرّ بدون حراك، مدّة بضع دقائق، والكأس والقربان مرفوعتان في العلاء، فلحظ الأب مكاريوس بغتة أنّ لونه قد تغيّر واصفرّ، وأنّ رجليه قد تسمّرتا في موضعهما كأنّ العارض عاوده. فوضع الأب مكاريوس البطرشيل على عنقه، وتقدَّم مرتجفا وقائلا له: إرخِ الكأس والجسد من يدك. وكان الأب شربل متمسِّكا بهما أشدّ التمسّك، وهو جامد كالصخر بدون حراك. فكرّر القول عليه أوّلا وثانيا: إرخِ الكأس من يدك يا بونا شربل. أعطني الجسد. أتركه لا تخف. وبالجهد الجهيد فتَّح أصابعه وأخذ الكأس منه والقربان ووضعهما على المذبح، وأجلسه على مركعه في الكنيسة. نظرنا الأب مكاريوس بعد وقوع هذا الحادث فرأينا وجهه محمرّا كالدم وهو يرتجف من الخوف. ثمّ بعد أن استراح قليلا، عاد ليتمّم الذبيحة.

 

5- الحبيس يفسخ الولد

بينما كان يكسر الخبز على المذبح قبل التناول، شهقت راحيل بالبكاء. فسألتها خالتها: لماذا شهقتي!؟ فأجابت: ألا ترين الحبيس يفسخ الولد بيده!؟  فأسكتتها من جديد، وتابع الأب شربل قدّاسه كالعادة، حتّى شعر برجفة، ووجع قلب، فنادى الأخ بطرس جوّاد المشمشاني رفيقه الأب مكاريوس المشمشاني الحبيس، الذي تقدَّم إليه، ثمّ رفع البدلة عنه وأجلسه على مركعه في الكنيسة؛ فَسألَتْ كفا الأب مكاريوس بعد أن طال جلوسه: هل يمكنه أن يعود إلى إتمام القدّاس؟ فأجابها: لا أظنّ، فانصرفت. وبعد أن استراح، ثالثة، جاء ليكمّل قدّاسه.

 

6- شَرِب الدم

 شهد الأخ بطرس مشمش: وعاوده العارض عند مناولة الدمّ، فمنعه. هنا كمش الكأس بشدّة، وضمّه إلى حافّة شفتيه وأسنانه. وبقي في هذه الحالة حتّى أتى رفيقه الأب مكاريوس، وصار يشدّ لكي يَنْزع منه الكأس. فانتزعه منه بصعوبة، وكان قد شرب الدمّ.

 

7- أريد أن أقدّس

نَزعوا عنه ملابس التقديس، وحملوه إلى المطبخ، وكان غائبا عن الحواس، ومع ذلك لم يزل يكرّر كلمات القدّاس. أبو دقوشتو ثم: يا يسوع ومريم ومار يوسف؛ ووضعه رفيقه على بلاس شعر ليدفئه، لأنّ البرد كان شديدا، والثلج متراكما بعلو متر ونيّف. فبقي في المطبخ، ولمّا غطّوه بلحاف، كان يلقي اللحاف بعيدا؛ وكان لمّا يفيق بعض الأحيان، من غيبوبة، فيقول: "أريد أن أقدّس، أعدّوا لي لوازم القدّاس". وكان يقول أيضا بالسريانيّة: "شَبَح لموريو مِن شمايو شَبحوي بمرومي"، (سَبِّحُوا الرَبَّ مِنَ السَمَاوات، سَبِّحُوهُ في الأَعالي) و"يا ربّ ارحمني"، ولم يزل يكرّر هذه الكلمات مدّة الستّة الأيّام الأخيرة من عمره.

 

ثالثا: أيّامه الأخيرة

1- لقمة خبز مبلولة

شهد الأخ فرنسيس قرطبا: عُيِّنت لخدمته، في مرضه الأخير، حتّى وفاته. جلَّ ما كان يأكل، من بعد الإلحاح، لقمة خبز مبلولة أو قليل من شوربة الخضر بزيت. ورفض بتاتا الحليب واللبن واللحم. وفي كلّ مدّة مرضه، لم يرفع عنه لا الإسكيم، ولا العباءة، ولا المسح، ولا الزنّار. وكان ملازما حالة واحدة في تلك المدّة متمدّدا على بلاس، لا يتململ، ولا يصرخ، ولا يسمع منه إلاّ كلمة: "يا.. يا.. يا.. الله". وكانت شفتاه تتحرّكان متمتمة بكلمات (سريانيّة) لم أفهمها. وعندما كان يُفهَم أنّه في حاجة، من حاجات الطبيعة (الخروج أو البول) كنتُ أُقدِّم له الوعاء، وحالما أرفع عباءته، كان يضطرب ويرفع صوته ويده الصحيحة، مظهرا الإباء، قائلا: لا..لا..لا.. فكنت أقول له: أنا أخوك، لا تخف. فيسكت. وأرتّب له قضاء حاجته.

 

2- يبارك ...رغم آلام مبرّحة

وكانت يده تبارك كلّ من يدخل، ومن يطلب دعاه، وكان صامتا ساكنا لا يسمع منه أنين ولا تململ، بل كان متقبّلا مصابه بصبر عجيب، مع ما يقاسي من هذا المرض آلاما مبرّحة... متجلّدا مسلِّما كلّ التسليم للمشيئة الإلهيّة ويستنجد بالقدّيسين بطرس وبولس، المبنيّة على إسميهما كنيسة المحبسة، إلى أن بلغت وطأة المرض منتهى الشدّة، فغاب عن الهدى.

 

3- سمعان القيرواني (لو 23/26)

شهد العويني: لمّا دُعيتُ لعيادته وتمريضه، وذلك قبل وقوع الوفاة بيومين، لم يكن صاحيا بل غائبا عن الرشد. وكنت ألحظ منه بين آن وآخر، بعض كلمات تحتوي على ذكر اسمي يسوع ومريم، واسم مار يوسف. وكان معي بساعاته الأخيرة، حضرة الخوري مخايل أبي رميا الذي أنا استدعيته لمساعدته الروحيّة، وأخذ بركته. وبقينا عنده أكثر ليل 24ك1سنة 1898. وبعد عودتنا إلى بيوتنا عند الصباح رجعنا قرب الظهر إلى المحبسة.

4- حبّه الملتهب!

شهد الخوري رميا: كان يردّد، بحبّه الملتهب، كلّ مدّة وجودي عنده: أبو دقوشتو. واسم يسوع ومريم ومار بطرس. ولم يكن يكتفي بالكلمة الأولى من باعوت مار يعقوب، بل يقوله كلّه أو أكثره، مرّات متوالية. وأنا كنت أقرأ له صلوات المنازعين.

 

5- خمرٌ ممزوجة بمرٍّ (مر15/23)

يأمر القانون: "إن طال مرض الحبيس فإمّا أن يعاد إلى الدير، وإمّا أن ينقطع عن أكل اللحم، ويقتبل الموت نظير حبيس حقيقيّ". لذا عندما أمر الدكتور نجيب بك الخوري أن يعطى له شيء من مرق اللحم، لتتقوّى قواه المنحطّة، لم يشأ أن يتناول المرق بعدما شمَّ رائحتها وتأفَّف وتململ. ولمّا أبلغوه أمر الرئيس، الأب أنطونيوس المشمشاني، أذعن وأخذ قليلا.

6- ويقرآن له الكتب الروحيّة

ثم طلب بأن يُسرع إليه الأب مكاريوس رفيقه بالمحبسة، فطلب إليه أن يمنحه الحلّة الأخيرة؛ فاقتبل الأسرار الإلهيّة، بمنتهى الورع والخشوع، من يد رفيقه الأب مكاريوس، والخوري مخايل أبي رميا الإهمجي، اللذين كانا يتناوبان في خدمته، ويقرآن له الكتب الروحيّة؛ عملا بالقانون: إذا كان الحبيس مريضا فليوجِّه إليه أخوه كلام التعزية لإزالة ضجره. وليكن كلامه مفيدا لشفاء أوجاع النفس وازدياد الحبّ الإلهي.

7- البركة الأخيرة

شهد الأخ بطرس مشمش: ولمّا بدأ بالنزاع ذهبتُ من الدير إلى المحبسة، فرأيته ممدَّدا على فرشة خارج غرفته وحوله جمهور من الرهبان والعلمانيّين. فكنّا نسمعه يقول دائما: يا يسوع يا مريم، ولمّا لم يعد يطاوعه لسانه على النطق الكامل، كان يلفظ إسميهما متقطِّعا، فتقدّمت وجلست بجانبه؛ وطلبت بركته، فرفع يده ليباركني، والتفت نحوي، وبقيت يده مرتفعة، وتوقَّف عن رسم إشارة الصليب. فكرَّرت الطلب، ولم أنل مطلوبي مدّة نحو ثلاث دقائق؛ فأخذ ينظر إليّ ويضع يده على رأسه، فتعجّب كلّ منّا لإشارته هذه ولم يفهم أحد مغزاها. فخال للخوري رميا أنّ السبب، هو ارتفاع إسكيمي عن رأسي قليلا، بنوع أنّ شيئا من شعر رأسي الأشقر كان ظاهرا، فهمس في أذني لأغطّي رأسي بالإسكيم، كما يجب! وأرخيت قلنسوتي على وجهي حتّى غطّت عينيّ، فتبسَّم عندئذ ببسمة خفيفة وباركني. فانذهل كلّنا من هذا الأمر، فإنّه لم يكن يريد أن يرى راهبا رافعا قلنسوته عن وجهه ولو قليلا! وعندما كان في حالة الإحتضار، كنت في قربه فألقى يده عليّ وهو غائب عن حواسه. وإذ عاد إليه رشده، انتفض مرتعبا، وأبعد يده عنّي.

 

8- وأغمي عليه من شدّة البكاء (متّى 26/75)

وعند النفس الأخير صرخ العويني بالأب مكاريوس: إرفع يدك وامنحه الحلّة. فما استطاع رفعها من كثرة البكاء على فقده، فخرج خارجا وبدأ يشهق باكيا، وأبى التقدّم إليه، وظلّ واقفا بعيدا، وأغمي عليه من شدّة البكاء، فناب عنه الخوري رميا بواجب المحبّة نحو المنازع، وكان مغتبطا، للحظ الفريد الذي حصل عليه، بخدمة نزاع هذا القدّيس، وأعطاه الحلّة الأخيرة.

 

9- في يديك أستودع روحي (لو 23/46)

وكان حاضرا في ساعة نزاعه الأخير الخوري مخايل أبي رميا، ووكيل الدير الأب مارون مشمشاني، وسابا طنّوس موسى، الأخ فرنسيس قرطبا والأخ بطرس جوّاد المشمشاني. فقال له الوكيل: هل تريد أن ندعو لك الطبيب من جبيل؟ فأومأ برأسه أن: لا. ثم فتح فمه وأطبقه، ومال رأسه منحنيّا وأسلم روحه الطاهرة بهدوء وسلام؛ وهو يقول: يا رب في يديك أستودع روحي. وكانت ميتة فاضلة ذات وقار نتيجة حياة صالحة، بعد أن بقي بين حيّ وميّت مدّة ستّة أيّام.

 

10- سكتة دماغيّة

كان سبب وفاته سكته دماغيّة، وصادف وقتئذ وفاة البطرك يوحنّا الحاج، يوم السبت في 24 كانون الأوّل سنة 1898، ليلة عيد الميلاد  الشريف. وكان له من العمر نحو 65  سنة. ويقول العويني: بعد وفاته تلوتُ مع الخوري مخايل طلبة العذراء، وساعدنا بتلاوتها الأب مكاريوس والأخ بطرس رفيقه في المحبسة. ثم توجّهتُ إلى بيتي يرافقني الخوري مخايل، بعد أن وجّهنا رسولا للدير يخبرهم بالمصاب.

 

 

رابعا: نحو القبر

1- إقتسموا ثيابي (يو 19/24)

شهد الأخ فرنسيس قرطبا: أردنا أن نَنْزع عنه ثيابه ونلبسه غيرها. فاعترض الأب مخايل مشمش الذي كان معنا وقال: دَعْ يا أخي حتّى يأتي الرئيس، لئلاّ يقولوا: الذين نزعوا ثيابه أخذوا تركته. فقلت له: والَووو!! هيدا حبيس أيش معه! ونزعنا عباءته، فظهر تحتها مسحه: بلاس من شعر، يجلّل يديه وصدره، حتّى فخذيه. ولكنّه وصله بخرقة عباءة من مرفقيه حتّى ساعديه لئلاّ يراه أحد؛ ووجدنا المسح عليه لاصقا بجلده. وعند نزعه كان يتناثر ويتمزَّق من شدّة العرق، وطول الزمان[1]، وورثه عنه الأب مكاريوس رفيقه، وأورثه للأخ بطرس جوّاد المشمشاني؛ ورأينا إسكيمه الذي ما رفعه عن رأسه، وقت مرضه مربوطا بخيط شعر على عنقه. والشقفة البيضاء التي تكون تحت العباءة، متدليّة على الظهر لتحفظ الإسكيم على الرأس كانت مفقودة، إذ رثّت من كثرة العرق وطول الزمان. وعوضا عنها، كان متّخذا رقعة عباءة مثنّاة، محشوّة بشيء سميك ثقيل، فقلنا: هذه دراهم الحبيس!! وفتحناها لنرى ما يوجد طيّها، فرأينا حجارة رقيقة وضعها الحبيس، ليحفظ بثقلها إسكيمه على رأسه، ويتأذّى من وخزها في قيامه ورقاده. فتأثّرنا جدّا. ورأينا جسمه هزيلا كما كان، وبه آثار عقر بمحلّ الزنّار الحديدي الذي كان يلبسه أيّام حياته، وهو بعرض 3 أصابع، وانتزع الأخ بطرس جوّاد مشمش سلسلة كان يحملها الأب شربل في عنقه، ويحمل بها صليبه وقونة.

2- الليلة الأخيرة

وأغمضوا عيني الحبيس وأطبقوا فمه ووضعوا يديه على صدره وأمسكوه بهما الصليب المقدّس رفيق حياته وجهاده. وكانوا يردِّدون: مات القدّيس! هنيئا له! الله يرزقنا ميتة مثل ميتته! الله يرحمنا بشفاعته! ونقلوا جثمان الحبيس إلى كنيسة المحبسة، ووضعوه ممدّدا على الأرض، أمام المذبح فوق بلاس من شعر الماعز. وقد أداروا وجهه إلى الغرب نحو الشعب.

وبات الأب شربل ليلة عيد الميلاد سنة 1898 في الكنيسة حسب عادته التقويّة، وما حاد عن عادته، إلاّ أنّه في تلك الليلة الأخيرة كان راقدا رقاد الموت، ونفسه كانت مستيقظة باليقظة الأبديّة. وكان يسهر على الجثمان، رفيقه الأب مكاريوس والأخ بطرس جوّاد مشمش والأخ فرنسيس قرطبا، وجمهور من رهبان دير مار مارون، الذين حالما عرفوا بوفاة الأب شربل، أسرعوا إلى كنيسة المحبسة يقبّلون يديه، وقد صرفوا هزيعا من الليل راكعين قربه يصلّون.

وكان يقول الساهر للآخر: إذا كنا نحن تضايقنا هنا من ليلة واحدة في هذا الشتاء القاسي، فكيف استطاع أن يعيش في هذه المحبسة 23 سنة؟! هنيئا له! إنّه يلاقي الآن أمام الله أجر استشهاده العجيب المتواصل.

3- ميلاد 1898

إنّ الثلوج المتراكمة كانت قد قطعت الطرق، وتراكمت مترا ومترين في بعض الأماكن، وكان الرهبان محتارين يقولون: هل يمكننا غدا أن ننقل جثمان الأب شربل إلى مقبرة الدير، في هذا الطقس الشديد القساوة والكثير الثلج؟ وهل يمكننا أن ننعي الأب شربل إلى الجوار في هذه الحالة؟

فكأنّ ملائكة الله، الذين سبق فبشّروا في تلك الليلة رعاة بيت لحم بميلاد مخلّص العالم، هم أنفسهم بشّروا في القرى المجاورة لعنّايا بأن قد ولد في السماء الأب شربل! فبكّر سكّان دير مار مارون والشركاء، وسكّان القرى المجاورة، فرأوا الثلج يتساقط. فظنّوا أنّهم لن يستطيعوا الوصول إلى المحبسة، والمشاركة بنقل جثمان الأب شربل إلى دير مارون. واعتقدوا أنّ من في المحبسة سيضطرون إلى دفن الأب شربل في صحن كنيسة المحبسة نفسها. تدثّر بعض الشركاء بالثياب الشتويّة، ولفّوا رؤوسهم بكوفيّات لم تترك ظاهرا من الرؤوس إلاّ العيون. وانتعلوا الجزمات التي تبلغ الركب. وحمل كلّ واحد منهم رفشا لجرف الثلج بجرأة نادرة، ليصلوا إلى قدّيسهم ليحملوه وينقلوه إلى الدير. وعند الساعة الثامنة تجمّع قسم من الشبّان في المحبسة، وعند التاسعة جيء بمحمل وهو عبارة عن 3 ألواح تسمّرَت على خشبات بارزة من الجانبين لتكون محامل على أكتاف الحاملين وفرش عليها بلاس. وجاء الأب مكاريوس الحبيس والرهبان والإخوة وحملوا الجثمان ووضعوه على المحمل. وحمله الأب مكاريوس والدموع تذرف من عينيه. وحمل معه الرهبان والشبّان على أكتافهم، وهمّوا بالإنحدار من المحبسة إلى دير مار مارون على طريق وعرة كان الشبّان قد فتحوها، وتساقط الثلج يهدّد بسدّها مجدّدا. وكان الجمهور متخوّفا من سقوط المحمل، بجثمان الأب شربل، على الطريق من صعوبة السير عليها ومن تساقط الثلوج. فقال لهم الأب مكاريوس الحبيس: أمشوا على خيرة الله! لا تخافوا فالأب شربل يُسهِّل لنا الطريق!

 

4- نقله إلى الدير

فلمّا حملوه وخطوا به خارج المحبسة، نحو الدير، انقشعت الغيوم أمامهم، وظهرت الشمس. بينما كان وراءهم الثلج متساقطا! وسار الحاملون بالمحمل وهم لا يشعرون بتعب ولا بمشقّة كأنّ الطريق مفروش بريش النعام وكان الجمهور يقول: أعجوبة من عجائب الأب شربل! ونقلوه إلى الدير، وهناك وضعوه في الكنيسة على نعش حسب عادة الرهبان. وكان الرئيس غائبا.

 

5- صلاة الجنّاز

على الساعة الثالثة بعد الظهر، أقيم الجنّاز في الدير، ولم يكن حاضرا سوى الرهبان والشركاء بسبب الثلوج المتراكمة، ومتاولة من حجولا وجوارها، وسيماء الحزن والكآبة على وجوههم مكبّرين المصاب بوفاته. هؤلاء حضروا تبرّكا واحتراما؛ فكانوا يركعون أمامه، ويقبِّلون يديه، ويأخذون من ثيابه، وشعر لحيته، نتفا، ليحملوها أو يضعوها في بيوتهم كبركة. فكانت الحفلة بسيطة، لكنّها مؤثّرة جدّا. وكان الحاضرون يردّدون كلمة الكتاب المقدّس: كريم لدى الربّ موت أصفيائه؛  ولم يؤبَّن الأب شربل، فكأن الأب شربل أراد أن يموت "على السكت" إتماما لحياته المليئة بالتواضع.

6- المقبرة

محلّ المقبرة شرقيّ الكنيسة. وهي بطول 6 أمتار وعرض3. وجدارها الغربيّ ملقى على جدار الكنيسة الشرقيّ. وهي مقسومة مقبرتين، مفصولة الواحدة عن الأخرى بحائط حجريّ من الشرق إلى الغرب، وسطحها تراب. ولكلّ واحدة من المقبرتين، باب في الحائط الشرقيّ، مطمور بالتراب. وإنّ المقبرة الجنوبيّة، هي التي دفن فيها الأب شربل.

 

7- الدفن

شهد رهبان: أراد قسم من الرهبان أن يدفن لوحده في محلّ خصوصيّ، لأنّ المقبرة العموميّة كانت طافحة بالماء، لا يجوز دفنه فيها لأنّه قدّيس، وألحّوا لنضعه في تابوت حفظا لذخائره. والقسم الثاني، وفيه وكيل الدير، أبوا إلاّ أن يدفن في المقبرة العموميّة، وفق نصّ القانون، وقال الوكيل: إذا كان قدّيس فهو يحفظ ذاته.

وانحدرنا إلى المقبرة بقدر درجتين من الخارج. عندها حفرنا أمام بابها، لأنّ الأرض خارج الباب مسلّطة على المقبرة تنحدر نحوها انحدارا قويّا، والبلاطة المسدود بها الباب غير محكمة الزوايا، ومن الباب ينحدر الداخل إلى المقبرة بدرجة، فغرقنا في الوحل والماء، والدلف من سطحها؛ وتتسرب إليها المياه من كلّ جهة؛ فأرضها أوطى بكثير من سطح الأرض الخارجي التي حولها، ولا يزال مغمورا بالوحل والمياه أكثر أشهر السنة. وكان يدخل الواحد بعد خروج الآخر؛ وكان الإفريز، داخل المقبرة، يعلو نحو ربع ذراع عن الأرض، خاليا من العظام والجماجم؛ فكلّ العظام الكثيرة، نقلت وجمعت لزاوية في المدفن؛ فوضعنا لوحين فوق الحجارة، وقطعة من بساط شعر ماعز. وقد فُعِل ذلك للأب شربل، لما كان من علوّ مكانته الروحيّة، في قلوب الجميع. وخوفا من أن تغمره المياه، والأوحال نظرا لعلوّ الأرض حول المقبرة. ووضعنا جثمان الأب شربل ملفوفا بعباءته، كعادة الرهبان؛ ولم يكن يخطر ببالنا أنّه لن يبلى. وكان عندئذ فكّه الأسفل مربوطا بمنديل إلى رأسه، ليظلّ فمه منطبقا. فنَزع أحد العلمانيّين المنديل، وبقي فمه مفتوحا. ونحن قلنا التراب للتراب، وجميع الذين كانوا حاضرين دفنه، قالوا: هنيئا له فهو قدّيس راح على السماء بثيابه.

 

8- نسينا الرفش

لمّا خرجوا من المقبرة وضعوا البلاطة على الباب وطمروها بالتراب والثلج، وتلا آباء الدير الصلاة الأخيرة؛ وقال أحدهم: آخ! نسينا الرفش في المقبرة. فأجابه واحد من العلمانيّين: لا بأس فقد تعوَّد رفاق الأب شربل في الحقل، أن يتركوا له في آخر النهار الرفوش والفؤوس والصند والنير ليحملها كلّها إلى الدير.

 

9- الجنّازات والقداديس والورديّات المفروضة

يأمر القانون: "إذا توفّي الراهب في دير فليكتب رئيسه إلى الرئيس العام وإلى بقيّة رؤساء الأديرة ويخبرهم بوفاته من غير إمهال لتتقدّم عنه القداديس والصلوات كالعادة". وعملا بالقانون نرى رهبانا كثرا، حسب الشهادات، قد صرّحوا بأنّهم قاموا بالواجب، وسُجِّل في دفتر قدّاسات دير عنّايا: 10 قدّاسات عن نفس الأب شربل بقاعكفرا.

 

10- بكاء مرّا

بكاه الأب مكاريوس بأحرّ الدمع لأنّه فقد بفقده أبا رحيما، وأخا شفوقا ورفيقا، وخادما له مطيعا يأنس بقربه ويستوحش ببعده، فيؤلمه غياب ذلك الملاك السماويّ عن عينيه، ويذكره فيشتدّ حنينه إليه، ولكثرة حزنه عليه ظهر له في الحلم أنّه بحالة سعيدة في السماء! وكان هذا الأب الفاضل يقول: أنا لست مستحقّا أن أكون في هذه المحبسة التي عاش فيها الأب شربل القدّيس! ويخبر عيد نكد: رأيت والدتي مرّة تبكي بكاء مرّا. فسألتها عن السبب، فأجابت: مات عمّي بونا شربل، وقد توفّي في قطاعة الميلاد، أيّام البرد والثلوج! ويقول التنّوري: كم كان تأثّري عظيما عندما بلغني نعيه! وقد ذرفتُ دموعا غزيرة فترة غير قصيرة!

11- هنيئا لك يا بونا شربل

شهد الأباتي العنداري: عندما ورد نعي الأب شربل، على الأب نعمةالله القدّوم الكفري، وكان نائبا عامّا للرهبانيّة، وكان مشهورا بعلمه وفضائله. وكان يومئذ مقيما في دير كفيفان، قال لرئيس الدير، ومدير مدرستها أمامي، إذ كنت بقربهم وأسمع حديثهم: هنيئا لك يا بونا شربل، قد عرفت أن تكتسب السماء.

 

 

خامسا: نور القيامة

1- النور العجيب

شهد بعض شركاء الدير: من بعد دفنه، منذ الليلة الأولى، كنّا نشاهد المقبرة من بيوتنا المقابلة الدير، على مسافة عشر دقائق صوب الجنوب، ضوءا لامعا، يختلف عن الأضواء العاديّة، يشبه ضوء الكهرباء، يظهر ويختفي، ولو مهما بقينا ننظر إليه، يبقى على وتيرة واحدة، فقال البعض بادئ الأمر، قد يكون ذلك برقا!

 وكنّا نشاهد قبّة الدير، وحائط الكنيسة الشرقيّ، المحاذي للمقبرة، كلّه، أحسن ممّا نراه في النهار. وكنّا نأتي إلى الدير، ونخبر الرهبان، فلا يصدّقوننا! وما كان يعيرونا التفاتا! ولمّا أخبرنا الرئيس لم يصدّق! وقال لنا عندما تشاهدون النور فليحضر أحدكم ويخبرني، أم اعطوني علامة. فأعطيناه علامة بإطلاق النار عند مشاهدة النور. فكان الرئيس عند طلق البنادق يخرج خارج الدير مع رهبانه، وقليل منهم من شاهد شيئا. وذهب الرئيس، القس أنطونيوس المشماني، إلى بيت طنّوس شحادة المقابل للدير من الجهة الجنوبيّة، ورأى بنفسه.

وبقينا نرى هذا المشهد العجيب، كلّما سهرنا عند جيراننا المقابل بيتهم للمقبرة. وكان جميع الساهرين هناك يرونه؛ وقد تكاثرت هذه الاشاعة، وتكرّرت، هذه المشاهد ليليّا مدّة شهر ونصف؛ ولمّا نمى الخبر إلى الجوار، تسارع الكثيرون من قرية مشمش، وإهمج، وكفربعال، ومن قرى الشيعيّين مثل حجولا، وراس قسطا، ومزرعة العين وغيرها، ليشاهدوا النور، وكانوا يرونه ويؤكّدون للرهبان ولسواهم الرؤيا. وقد شاهده أيضا الشركاء: طنّوس شحادة  والياس أبي سليمان ومغامس من كفون؛ وقد رأت رجا الأنوار من مشمش نفسها، بما أنّ بيتها كان على قمّة مطلّة على دير مار مارون عنّايا.

2- رزنامة عنّايا

والرئيس كان غائبا عن الدير مدّة مرض الحبيس ووفاته؛ وما مرّ أسبوع على وفاته حتّى عاد إلى الدير، وركع على الوحل عند القسم الجنوبيّ من المقبرة حيث دفن الأب شربل، وأخذ يصلّي؛ فجثا الرهبان وراءه، لمّا علموا بقدومه. ولمّا انتصب على قدميه، قال: خسرنا في الأب شربل الحربة التي كانت تردّ الصواعق عن الرهبانيّة، وعن الطائفة وعن لبنان! وأخذ رزنامة الدير وكتب: إنّه في اليوم الرابع والعشرين من كانون الأوّل، سنة 1898، توفّي لرحمته تعالى، الأب شربل بقاعكفرا الحبيس، بداء الفالج، وتزوّد بواجبات الموتى، ودفن في مقبرة الدير، وله من العمر 68 سنة، بزمان رئاسة القس أنطونيوس مشمشاني. وما سيجريه بعد موته، يكفي عن الإسهاب بحسن سيرته، وبالأخصّ حفظ نذوره، حتّى نقول: إنّ طاعته ملائكيّة لا بشريّة.

 

3- وبعض الرهبان لم يروا

شهد بعض رهبان الدير: إنّ بعض الشركاء، المقابلة بيوتهم للدير، كانوا يشاهدون الضوء بعد موته. وعرفنا منهم أنّهم شاهدوا نورا لامعا على المدفن مرار عديدة؛ وسمعنا أنّه كان يظهر في الليل شهب نار خارجا من المقبرة. أمّا نحن فلم نرى شيئا بذاتنا. وظلّ حديث النور يتكاثر. وكان الناس يتوافدون لزيارته، لأنّهم كانوا يعتقدونه قدّيسا في حياته. وكانت هذه الوفود تأتي من القرى المجاورة في بدء الأمر، إذ شاع في الجوار، أنّ نورا ينبعث من قبره.

 

4- بهرني الأب شربل

وفي إحدى الليالي، في آخر السهرة، أمر الرئيس، الأب أنطونيوس المشمشاني، الأخ بطرس  مشمش، بأن يستقي له ماء للشرب من العين الواقعة خارج الدير، فأخذ جرّة صغيرة وقنديلا وخرج. وأبطأ أكثر من ثلث ساعة، مع أن المسافة كلّها لا يقتضي لها أكثر من خمس دقائق. فلمّا أبطأ كثيرا فتحوا اليوان الشرقيّ، المطلّ على العين، ونادَوه. فأجاب من قرب المقبرة: قد ظهر لي الأب شربل على شبه كوكب، وما عدت أقدر أن أرجع لأنّه قد انطفأ الضو الذي كان معي فحملوا إليه فانوسا، فرأوه جالسا على باب المقبرة، وثيابه ملطّخة بالوحل والجرّة في يده سليمة، وهو يرتجف. وقصّ عليهم، أنّه حين نازلا من العين، طلع عليه من باب المقبرة شهب نار بهيئة كوكب مختلف الألوان فبهره، وسقط على الأرض.

 

5- الأب شربل حمار

كان طنّوس شحادة من إهمج، شريك الدير وأجيره يخدم بقرات الدير، مصابا بألم في زلاعيمه وخاصرته وكتفيه؛ وتعالج مدّة نحو سبع سنوات من العويني وغيره، فلم ينجح به علاج. فمرّ عليه، ذات يوم، جمهور من الزوّار القادمين من قرطبا، لزيارة ضريح الأب شربل، إستشفاء من أمراضهم. فضحك طنّوس المذكور، هازئا من ذلك. فأجابه الأخ الياس المهريني ومن معه في زراعة البصل: لا تقل هكذا. فكرّر كلامه الأوّل أي: يا قليلي العقل أي متى صار شربل قدّيس؟!

ولمّا تكاثر القادمون الطالبون شفاعته. قال له البعض صلِّ للأب شربل يشفيك. فقال لهم: أأطلب الشفاء من هذا المجدوب؟ لا أعتقد بقداسته! بل أطلب من جحشتنا، ولا أطلب منه! فقامت إليه امرأته تشتمه بقولها له: يا كافر!

وبعدما رجع من الحقل وعشَّى البقرات، تخايل له أنّه يرى شبحا أمامه، فاقترب منه، فإذا هو الحبيس وفي عنقه بطرشيل، بوجه عابس، وبيده عكاز؛ فقال له: ماذا كنت تقول عنّي في الحقل اليوم؟ ووضع يده على عنقه. فأجابه مضطربا: لم أقل شيئا، بل كنت أمزح، لكن دخيلك اشفيني! وارتمى عليه صارخا: يا أبانا دخلك، فلطمه بعكازه، حيثما كان يشعر بالضيقة والوجع. فأحسّ بألم من ضربته في خاصرته، وفي صدره، وبين كتفيه ثلاث وخزات قائلا: "الأب شربل حمار"، عند كلّ وخزة، وتوارى عنه. وبالحال فارقته أوجاعه كلّها.

6- ...وصاروا أصدقاء

وبعد سنة، شعر طنّوس في إحدى الليالي، بعارض خطر، اعتقد أنّه يؤدّي بحياته، فاستغاث بالرهبان، فلم يجبه أحد. فالتجأ إلى الأب شربل، فظهر له، ولمسه بيده، على الخدّ قائلا له: قم لا تخف. فقام من ساعته سالما.

 

7- محمود حماده أو أبو سبتا

وحدث أن حضر في 8 شباط، عشيّة عيد مار مارون شفيع الدير مدير ناحية المنيطرة في طورزيّا، الشيخ محمود حماده، شيعيّ من علمات، ومعه بعض عناصر من الدرك، وغايته البحث عن بعض الأشقياء، الفارّين من وجه الحكومة، من حجولا. وكان بين هؤلاء العناصر عنصر مسيحيّ كاتب للمديريّة معهم يدعى عبدالله معوّض؛ فظنّ أنّهم مختبئون بالاحراج المجاورة للدير، فربطوا خيولهم في العويني، وتوجّهوا لناحية الدير ليلا؛ ولمّا وصلوا إلى مكان قريب من الدير، وكانت ليلة ممطرة مظلمة، ما عاد أمكنهم مواصلة السير إلى حجولا، فرجعوا إلى جهة الدير. ولمّا أطلّوا عليه من بعيد، رأوا نورا يبدو أوّلا ضئيلا، ثمّ يشعّ ويلمع شبه الكوكب قرب باب الدير شرقيّ كنيسته ليلا، يتلألأ مرتفعا على شكل دائرة ثم يغيب.

فظنّ أوّلا أنّ الأشقياء مختبئون هناك، وتلك علامات منهم يتخابرون بها، فتوسَّم خيرا بالقبض على الأشقياء بالدير. وعند وصوله للدير، إختفى النور! وكان قد طوّق الدير بعناصره. فأسرعوا إلى حيث شاهدوا النور، فلم يجدوا شيئا. فقرعوا باب الدير؛ فجاوبهم من الداخل الأخ بطرس ميفوق: "البوّابة مقفلة، والساعة متأخّرة، والرهبان نيام. ليس وقت ضيافة". فقالوا: "إفتح لنا، ومتى عرفتنا لا تشارعنا!" ولمّا فُتِح لهم، سألوا وفتّشوا، فلم يجدوا سوى سكان الدير! وسمع الشركاء قرعا على بوّابة الدير في ساعة متأخّرة من الليل، فأتوا ليروا ما الداعي إلى ذلك، فرأوا بو سبتا، مدير الناحية الشيعي الشيخ محمود حماده ومعه خمسة عناصر. فاجتمعوا كلّهم في غرفة وكيل الرئيس الأب مارون مشمش. فسأل المدير الرهبان: لماذا لم تفتحوا لنا حالا؟

 - أجابوا: لأنّا كنّا نياما.

- قال: كيف أنتم نيام؟ وأنا مع أنفاري شاهدت النور من الجهة الشرقيّة، قرب البوّابة مرّات يظهر ويغيب، دلالة على أنّه يوجد في الدير من كان مستيقظا.

- فقالوا: عندنا، حيث رأيت النور، مقبرة مدفون فيها حبيس هو الأب شربل. والشركاء وغيرهم رأوا نورا فوق المقبرة في بعض الليالي!

- فأجابه الشيخ محمود: والله! بأوّل فرصة تصحّ لي سأخبر غبطة البطريرك بهذه المسألة! وأنشرها في الجرائد! فإنّي أنا قد عرفت، بموت مطارين وبطاركة، ومررت بقبور كثيرين، وما شاهدت مثل هذا المشهد الذي بهر أعيننا! وقد عمل محضرا بما شاهد، وأرسله إلى غبطة السيد البطريرك الياس الحويك. وتحقّق أنّ النور لم يكن منبعثا عن قنديل أو نار أشعلت بل كان صادرا من قبر الأب شربل.

سادسا: لن تدع صفيّك يرى فسادا (مز 16/10)

1- مغامرة في عيد مار مارون سنة 1899

شهد بعض رهبان الدير: في ليل اليوم التالي، لمجيء محمود حماده إلينا، نزلت أنا (الأب علوان) والأخ الياس المهريني، وسابا العويني، ومكاري الدير. وكان الرئيس في جبيل. وفتحنا القبر، فوجدناه مليئا بالماء، إلى مستوى اللوح، المرتكز على حجرين، الذي كان عليه جثمان الأب شربل. وأرض القبر الترابيّة، كانت متوحّلة جدّا. ووجدنا الجثمان ملفوفا بمشلح رهبانيّ. وكان المشلح ثوبا مهترئا، ومغطّى بالدود من عند العنق حتّى الرجلين، فشكرنا الله، لأنّ الدود موجود على الجثمان ولم يمسّه؛ فهو كراهب نائم على ظهره، جامع يديه على صدره وهو صحيح سالم، ولكنّ الدلف كان يسقط على وجهه، من سقف المقبرة، ومن شلال مزراب الكنيسة، ومزراب سطح الدير؛ فأثّر على لحيته وأنفه وشفتيه، بأن اقتلع قسما من الشعر وثغر اللحم؛ ولكنّ عينه اليمنى مبيضّة قليلا، وخائرة نوعا عن الأخرى وأُتلِفت؛ فأخذ سابا العويني خشبة، وقحط بها الدود عن مشلح الأب شربل. فأرجعناه كما كان، وأقفلنا الحجارة. ثم إنّ وكيل الدير، أرسل يُخبر الرئيس بما حدث، كما أنّ المدير الشيعي كان أخبره بالنور الذي شاهده ورجاله في الدير ليلا.

 

2- محاولات خطف

وعندما تكاثرت الإشاعات عن النور الذي يخرج من المقبرة، وأخذ الزوّار يتقاطرون من قرى عديدة مع مرضاهم، ومنهم من كان يهجم على باب المقبرة ليفتحها، ويأخذ بركة من جثمان القدّيس. وكان الزوّار يتقاطرون من جهات مختلفة عديدة. وتوصّلوا إلى أن فتحوا المقبرة بالقوّة، وعاينوا الجثّة، وكانوا يأخذون منها من شعر لحيته، أو من أظافر يديه، أو من ثيابه، أو من تراب المقبرة شيئا على سبيل البركة. فطلب الرهبان من الرئيس، أن يفتحوا القبر. فأجابهم وفق طلبهم.

 

3- أمام الرئيس

شهد بعض رهبان الدير: فتحنا المقبرة، فوجدنا جثّة الأب شربل غير بالية. وثيابه محفوظة، مع أنّ العفونة على أثوابه ووجهه، وكلّ جثمانه، كانت تكسوه كثوب ثان بسبب الدلف والماء والرطوبة، وتعجّبنا. فدخل الأخ بطرس مشمش والأخ جبرايل المشمشاني، وسابا طنّوس موسى والأخ بطرس ميفوق والأخ جبرايل ميفوق وكثيرون. فوجدنا جثمان الأب شربل كما وضعناه يوم دفنه، ووجدنا ثيابه ناشفة. فكشفنا عن صدره وباقي جسمه، فرأينا العفونة تغطّيه، وكان باطن قدميه في حياته المكلكل لكثرة الشغل، وقلّة العناية قد سقط وأنتثر من موضعه، وبقي محلّهما بغاية النعومة والطراوة كأرجل الأطفال. فالتقط الأخ الياس المهريني الجلدتين المنتثرتين من عقبي رجليه. وكان جسمه وعضلاته كلّها طريئة مرنة كما كان في حياته. وقال لنا الرئيس: أمسكوا الجثّة بإصبع الرجل، فإذا انقطع أتركوه. وأمسكه اثنان واحد بيديه وواحد برجليه، وهزّوه ليروا إذا كان مخلّعا. فوجدوا أنّه لا يزال متماسكا سالما كأنّه حيّ. فأمر الرئيس بخروجنا من المقبرة، وإقفالها.

4- استَغْرَبْتُ

شهد الأخ بطرس ميفوق: وجدنا الرفش، الذي نسيناه في المقبرة، وقت الدفن، مهترئة عصاه. وعرفنا جثّة الأب شربل هي هي ذاتها. وأذكر جيّدا أنّ سرواله كان ناشفا، لا ماء عليه، بل بقع دم من الجثّة! ويضيف الأخ بطرس مشمش: استَغْرَبْتُ واستَغْرَبَ جميع من كان معي كيف أنّ الجثّة والثياب لم تبلَ في تلك الأوحال مع أنّ عصا الرفش، وهي من خشب قد اهترأت! من كثرة الماء والرطوبة.

5- شفاء العويني

كنتُ مصابا بوجع في ظهري أثر سقوط صاعقة في بيتي منذ سنتين. وقد تعالجتُ بكلّ الوسائط ولم ينفعني علاج. وبقيتُ محدودبا قليلا والوجع لا يفارقني، وإذا مشيتُ بضع ساعات، كنت أضطر إلى راحة يومين. فعندما سمعتُ بأمر غبطته بفتح المقبرة، بادرت إليها آملا بالشفاء، نظرا لشدّة ثقتي بقداسته. فمسحتُ يدي على ظهره وصدره، وفركت ظهري بما علّق عليها من جثمانه الطاهر، قائلا له "هالخطرة خطرتك" أي الآن وقتك، أنت متّ على يدي، ولم أطلب منك شيئا، فالآن اشفني. رافقتُ الرهبان إلى إهمج، لحضور جنّاز داود يوسف سعد، ماشيا ذهابا وإيابا نحو ساعتين. فعند رجوعي إلى البيت قالت لي إمرأتي: أراك مرتاحا غير تعب كعادتك، هل شفاك الأب شربل؟ فانتبهتُ كمن صحا من غفلة، وتفقّدتُ موضع الألم من جسمي، وصرتُ أقوم وأقعد، وأميل ذات اليمين والشمال، فلم يكن بي شيء ممّا كان من الوجع.

 

6- حدل السقف

عاد الرهبان إلى الرئيس يلحّون عليه، ليسمح لهم أن يرفعوا الجثّة من المياه، ويدفنوها في حنية الكنيسة، في محلّ ناشف، ليقيها من الرطوبة والفساد، فأبى ذلك عليهم. وأرسل فعرض الكيفيّة لغبطة السيّد البطريرك، ملتمسا منه الإفادة عمّا يجب فعله. وقد عرض له أيضا ما كان من أمر الأنوار وغيرها. وأنّه ما عاد يستطيع أن يردّ الزوّار عن المقبرة. فردّ أمر غبطته بوجوب إبقاء الجثّة في مكانها، ورفع المياه من حولها، وبرفعها عن الأرض، وبأخذ الإحتياطات اللازمة، لمنع تسرّب المياه إلى المقبرة. ففتحت المقبرة، ودخل الرهبان، ورفعوا المياه، ووضعوا الجثّة على لوحين فوق جحشين من خشب، وترّبوا سقف المقبرة، وحدلوها منعا للدلف.

 

7- ماذا أعمل؟

وعاد الرئيس يكتب إلى البطرك: أعرض أنه في 24 من ك1 هذه السنة الماضية توفّى ولدكم الأب شربل بقاعكفرا الحبيس هنا بمحبسة ديركم عنّايا. وما برح مدفنه يضيء ليلة ليلة أو ليلة بعد ليلة. وكثيرون الذين نظروا هذا النور المنبعث على شبه منارة بحربة فإذا أضاء لهذه الجهة أظلمت تلك. فالجوار والرهبان، وإن يكن ربّما لهذا النور علّة طبيعيّة، فنظرا لصلاح حياة المتوفّي، وعمله في حياته بعض عجايب، لم يرتابوا بأنّه صادر عن مبدأ إلهيّ، لاسيّما بعد الكشف على الجّثة منذ أربعة أيّام، ووجودها سليمة من كلّ عطب، مع أنّ غيرها من الجثث بلي. ولمّا كان المحلّ رطبا، رأيت أن أجعله في تابوت مطلّى بالزفت. وإذا أذنتم غبطتكم أن يوضع في مخبأ في حائط الكنيسة لا رطوبة فيه، فيكون أوفق لحفظ جثّته. وفي كلّ الأحوال الأمر لغبطتكم.

 

سابعا: خارج المقبرة

1- إخراج الجثّة

صدر أمر غبطته برفع الجثّة من المقبرة ووضعها بمحلّ منفرد لا يزورها أحد البتّة. ففتحت المقبرة ثانية، وأخرجت الجثّة من موضعها، بحضور القس مارون المشمشاني، وكيل الدير والقس أنطون المشمشاني، والقس يوسف المشمشاني والحبيس الأب مكاريوس رفيقه في المحبسة، والأخ بطرس المشمشاني، والأخ الياس المشمشاني والقس يوسف الإهمجي. ثمّ وضعت في صحن الكنيسة على الأرض، ريثما يعدّ لها محلّ خاص خفيّ عن العيون. فطلب الرهبان أن ينزعوا عن الجثّة الأثواب، التي كانت عليها منذ الوفاة، وأن يمسحوا العفونة عنها، فرفض القس مارون الوكيل، وتُركت الجثّة في الكنيسة إلى الصباح.

 

2- نور حول الجثّة

شهد الأب فرنسيس السبريني: في الليل زار الأخ الياس المهريني حسب عادته القربان نصف الليل، وبعد تلاوة المسبحة الورديّة وصلوات الزيارة، جاء إليّ مسرعا، وأيقظني قائلا، وهو يرتجف: نظرت شيئا غريبا لم أره في حياتي قطّ، قم وانظر. ألا وهو نور يتدفّق من باب بيت القربان، ويطوف حول جثّة الأب شربل، ثمّ يتعالى إلى الثريّا، ويعود إلى بيت القربان. فأسرعت معه إلى الكنيسة فلم أرَ شيئا. فأخذت في الجدال معه، فأخذ يؤكّد لي، ويدلّني بإصبعه، كمن يرى شيئا عيانيّا ماثلا أمامه. ويؤكّد الكثيرون: لمّا رفعت جثّة الأب شربل من المدفن، لم يعد يظهر ذاك النور على القبر.

3- الماء سابحا تحت الجثّة

شهد العويني: وصلتُ إلى الدير، فقابلني جمهور الدير قائلا: اليوم طرد الأب شربل القس مارون وكيل الدير، ولم يدعه يقدّس في الكنيسة، إذ قد جاء باكرا يتلو الذبيحة الإلهيّة، فتضايق جدّا من الرائحة المنبعثة من العفونة. فدخلنا إلى الكنيسة، فوجدنا الماء سابحا تحت الجثّة، ورائحة العفونة منتشرة بقوّة. فحملنا الجثّة من الكنيسة إلى ممشى الدير، ووضعناها على بساط شعر، ونزعنا عنها الأثواب، ومسحنا العفونة عنها بملحفة خام للدير، حفظتها عندي في البيت، وكانت رائحتها في بادئ الأمر عفنة، وما عتَّمَت أن استحالت إلى رائحة ذكيّة. وقد حفظتها ككَنْز ثمين، وكان كثيرون يطلبون قطعة منها، على سبيل البركة، فأعطيهم. وبعد شهر سرقت من بيتي، فأسفت كثيرا لفقدها.

4- حالة الجثّة

وجدنا الجثّة سليمة في جميع الأعضاء، من قمّة الرأس، إلى موطئ القدم، ليّنة طريّة ناعمة مرنة، كأنّ روحه باقية فيها. وكان شعر حاجبيه، وشعر رأسه، وشعر لحيته محفوظا مع بعض الشيب، وشعر صدره أيضا؛ وعلى اليدين آثار عفن أبيض ناصع شبه القطن، وعلى وجهه أيضا؛ لونها مسودّ، غائرة البطن. بها آثار عقر بمحلّ الزنّار الحديدي،إنّما لا جرح بها؛ وعندما مسحنا العفونة عن الجثّة، ظهر الوجه واليدان كأنّ صاحبها حيّ راقد؛ ولا أثر للفساد عليها، وإنّما كان ينبعث منها بعض الرائحة الكريهة؛ وقد نزعنا الأثواب، ولم نحتج في نزعها إلى تمزيقها، لأن أعضاءه كانت مرنة تطوي كأعضاء الحيّ، وغسلنا عنها الوحل. فوجدنا جثمان الأب شربل سليما تماما وبلونه الطبيعيّ. وركبتاه كانتا مكلكلتين كركب الجمال، ولمّا أزيل الوحل عنها انسلخ الكلكال وظهرت ركبتاه لحما طريا، وألبسناه غيرها، بعد أن وضعناه على السطح كلّ النهار عاريا، كي ينشف من الرطوبة.

5- خرج دم وماء (يو 19/34)

شهد العويني: عرفتُ أنّ الرهبان عزموا على إخراج الجثّة، ووضعها في الشمس على سطح الدير، أو إرجاعها إلى المقبرة. وسبب ذلك أنّ الماء، كان ينضح من الجثّة والروائح كانت تتصاعد منها كريهة. فجئت إلى الدير، بعد مدّة قصيرة، لا أتذكّرها تماما، وكان جمهور الدير كلّه حاضرا، وبطرس سابا الخوري من إهمج، وكان يتعاطى الطبّ القديم، فأنزلت الجثّة من محلّها، وحُمِلت إلى سطح الدير، وفرش تحتها حصير، وعرّيت من الأثواب كلّها، معرّضة للشمس وللهواء. فقلت للرهبان متأثِّرا: لماذا تعرِّضون الجثّة هكذا؟ أكتبوا لغبطة البطرك ليأمر بما يراه مناسبا لأنّ رأي الطبيب بطرس سابا، بوضع الجثّة في الشمس، ودهنها بالسبيرتو لا لزوم له، لأنّه ليس في الجثّة فساد. فأنتم ترون كل عضو بها سليما، حتّى أعضاء التناسل. وأخذت أقلب الجثّة أمامهم، فلم يكن فيها أدنى فساد. وتابع الأب فرنسيس السبريني: وخز العويني الخاصرة بسكّين جراحة، فحالاً خرج الدمّ منها ناشبا. وأخذ في الحال حنجورا كبيرا وملأه من الدمّ، حفظه معه؛ وكان الدمّ أحمر قانيا. فوبّخ الرهبان العويني المذكور، وأسرعوا فأخذوا قطنا ونشفوا الدمّ، وسدّوا الجرح، فانقطع الدمّ.

6- كنت عالما من شفاهم

يتابع العويني: رجعت بالحنجور إلى بيتي، وبقي عندي نحو سنة. وكنت كلّما أعطيت علاجا لمريض، أغمس شريطة أو قشّة في هذا الحنجور، وأحرِّك بها العلاج معتقدا أنّه أحسن دواء للشفاء، لاعتقادي الراسخ بقداسة الأب شربل. وبأنّه لا بدّ من الشفاء بشفاعته. وكثيرون منهم يعودون إليّ شاكرين لشفائهم، وأنا في سرّي كنت عالما من شفاهم؛ وكان القس يوسف الإهمجي شقيقي مريضا، وقد إستعصى شفاء مرضه على الأطبّاء الماهرين، فطلب إليّ هذا الحنجور مؤمّلا الشفاء بواسطته، فأعطيته إيّاه، ولم يرجعه إليّ.

 

ثامنا: في "المنبش"

1- في الشمس

شهد رهبان: وقبل أن نضع الجثمان في "المنبش" أصعدناه من مدفنه إلى سطح الكنيسة، ووضعناه هناك في تابوت معرّض للشمس، لأنّه عندما أخرجناه من قبره كان كلّه مرطّبا، فاعتقدنا أن الشمس تنشّفه. وكان في ذلك اليوم شمس حادّة. وعند المساء نشّف قليلا فغيّرنا له الثياب؛ ثمّ وضعناه أوقاتا عديدة متقطّعة على سطح الدير في الشمس، ولكن هذا لم يجدِ في تجفيف الجثمان بل بقي يرشح. ويوضح الأخ بولس لحفد: أنا نظرت الجثّة، مرّة على سطح الدير معرّضة، وكنت ساعتئذ ولدا أرعى بقر الدير في الحقل المقابل للدير، ولا أعلم لماذا وُضِع ذاك النهار على السطح، ولحداثتي لم أهتمّ بهذا الأمر.

2- خوفا من أن يسرقه المعجبون

أُلبس الجثمان فوق الثياب الرهبانيّة كتّونة بيضاء، ووضع في تابوت خشب بسيط دون غطاء، في محلّ صغير، واقع في أعلى جدار الكنيسة الشماليّ، بين العقد والحائط الخارجيّ عند رأس الدرج، المعدّ لوضع الفحم الضروريّ لخدمة القدّاس، وللألبسة الكنسيّة القديمة. ويسمّى هذا المحلّ "منبشا"؛ وسدّ المدخل بحجر وطين، حيث لا يستطع أن يصل إليها زائر أو ناظر، وخوفا من أن يسرقه المعجبون بفضائله وقداسة حياته، ولكي لا تخلط جثّته مع بقيّة الجثث فتبقى معروفة. وكان الناس يأتون أفواجا من جهات عديدة، ومن قرطبا لزيارة الأب شربل، وكانوا يلقّبونه بالقدّيس. وما كان يسمح لهم الرهبان، أن يزوروا جثّته في "المنبش". وبقيت الجثّة في "المنبش" نحو سنتين، إلى أن نقلت إلى غرفة منفردة، قرب بوّابة الدير.

 

3- شفاء طفل أخرس (مر 7/31-44)

جاء مرّة ولد أخرس مع أبيه، من جهات الفتوح، وكانت جثّة الأب شربل موضوعة في "المنبش"، فأصعد الرهبان الوالد مع ولده إلى حيث الجثّة، إجابة لإلحاحه الشديد. ولمّا انتهى إليه، جثا وصلّى ولمس يد القدّيس مع إبنه وقبّلاها. ورجعا وفيما هما منحدران على الدرج المعتمّ، صرخ الولد الأخرس خائفا: أبي، دخلك هدّيني. فصرخ الوالد قائلا: الشكر لك يا قدّيس شربل.

 

4- رشح خارج "المنبش"

وكان يخرج من الجثّة في "المنبش" دم وماء بغزارة، هو مزيج من الدم الأحمر والأبيض يتغلب فيه الأبيض على الأحمر، ويسيل على الدرج وينتشر في الكنيسة بشدّة؛ وتتصاعد رائحة الدم، فتضايق الرهبان؛ وما كان ينبعث منها رائحة، إلاّ بعد خروجها.

 

تاسعا: بيد الأب يوسف الكفوري

1- على سطح الدير

شهد الأب يوسف الكفوري: بعد وصولي بيومين سلّمني الرئيس جثمان الأب شربل، ففتحتُ التابوت الذي لم يكن محكم القفل، فوجدتُ الأب شربل بأثوابه الرهبانيّة. وشعرتُ برائحة غير كريهة وغير مقبولة، ووجدتُ الجثّة محفوظة سليمة كأنّها جثّة راهب ميّت من ساعة. وبعد ثلاثة ايّام أنزلتُه من المدرج ووضعتُه في غرفة شماليّة غربيّة. ومن هنالك، كنتُ في الليل أحمل الجثّة، مع الأخ إيجيديوس التنّوري، وأضعها على سطح الدير عريانة، قصد تعريضها للهواء، ليجفّ الدمّ الذي كان يرشح بغزارة من ظهره وخاصرتيه: وهذا الدمّ كان غزيرا جدّا. فأنا كنتُ أضع تحت الجثّة وألفّها بشرشفين أبيضين، فكلّ يوم أغيّرهما فأراهما مبلّلين بالماء والدمّ كثيرا، وعليهما ظاهرة بقع الدمّ الذي كان أكثر من الماء. وندر أن يبقى الشرشفان يومين بلا تغيير. وكنتُ أرى الجثّة ترشح عرقا لزجا من كلّ مساماتها. وبقيتُ أعرِّض الجثّة للهواء في الليل نحو أربعة أشهر؛ والهواء الشرقي الناشف الذي كان يجفّف الأرض، وأحيانا يؤثّر في الأشجار الحيّة، لم يؤثّر في الجثّة، بل بقيت على حالتها؛ وكان يعثر بها بعض الرهبان فيرتعبون؛ وكنتُ أفعل ذلك برأي نفسي، لأنّ الرئيس كان متغيّبا بين الصرود والسواحل، في أملاك الدير. ولمّا رأيتُ نضح الدمّ من صدره بكثرة، لم يوقفها التعريض المتواصل للهواء الناشف، على سطح الدير، مدّة تقرب من أربعة أشهر، من أواخر الربيع إلى أواخر الصيف، فكّرتُ في نزع إمعاء هذه الجثّة، لعلّي أتوصّل إلى إيقاف نضح الدمّ، الذي كان يشغلني يوميّا، لتغيير شرشفين. والحجّة أنّ مقبرة الدير تتسرّب إليها المياه لاسيّما في الشتاء، وحيث أنّ الأب شربل دفن فيها إبّان الشتاء. وكانت الجثّة غائصة في المياه، فظننتُ أنّ المعدة وسائر الأحشاء مُتشرِّبة ماء، فاعتقدتُ أنّه إذا رفعت ينقطع الرشح.

 

2- يريدون بأيّة واسطة إيقاف الرشح!

شهد العويني: أوّل ما أُخرِج جثمان الأب شربل من المقبرة، كان يرشح ماء محمرّا كغسالة اللحم، وبغزارة. ثمّ كانت تلك المادّة برشحها تفسد. وكان الرهبان يريدون بأيّة واسطة أن يوقفوا ذلك، لا أعلم لماذا؟! فلهذا سألوا بطرس سابا أحد الأطبّاء القدماء أن يرى الجثّة، فرآها ووصف لها الوضع في الشمس لتجفّ. فوضعوها مدّة، وأنا أيضا دهنتها بالسبيرتو الذي وصفه الطبيب المذكور. ثمّ أعيدت الجثّة إلى محلّها أي تابوت قديم، غير الحالي، وكان بلا طبقة مكشوفا في حجرة أرضيّة. وظلّ يرشح الجثمان، وزاد رشحا.

 

3- لإعادة دفن الجثّة!

شهد الأب يوسف الكفوري: كان الزوّار يتقاطرون بكثرة، وبعضهم يشكون من رائحة غير طبيعيّة، تنبعث من الجثّة. وكنت أشعر بهذه الرائحة، وكنتُ أحيانا أرشّ في أرض الغرفة، وعلى التابوت بعض روائح عطريّة، وكلّ الكميّة العطريّة التي رششتها، لا تتجاوز 3 حناجير. وارتأى الأب الياس المشمشاني إعادة دفن الجثّة فخالفه باقي الرهبان؛ حينئذ استشرتُ الرئيس الأب مخايل التنّوري، فارتأى إرجاعها إلى المقبرة.  فقلتُ له: لا يليق بسمعتنا إرجاعها إلى المقبرة، بعدما اشتهر أمر إخراجها منها، والعجائب التي يصنعها. وعندي أن ترفع الأحشاء منها، لعلّها تجفّ، فلا يعود فيها دمّ ولا رائحة. وأظنّ أنّه قال لي: إفعل ما بدى لك.

 

4- العمليّة الجراحيّة!

تابع الأب يوسف الكفوري: فشاورتُ العويني، المقيم في جوار الدير، فقال لي: لا أتجاسر على مسّ جثمان الأب شربل، لأنّه كان يصنع عجائب في حياته، فأخشى أن يضربني بموت أولادي. فقلتُ له: نحن لا نقصد بِنَزع إمعائه إهانته، ولكن إيقاف هذا الدمّ فأطاعني؛ وتعاهدنا أن لا نبوح بهذا السرّ لأحد؛ فدخلتُ برفقة سابا بالنهار، ولا أذكر الساعة، وشقّ بسكينة بطن الجثّة من جهة الخاصرة تحت الأضلاع، ومدّ يده، وأخرج الأمعاء: الكرش والمصارين، فإذا بهما ككرش ومصارين خروف مذبوح في تلك الساعة، لأنّي رأيت بهما الفرث التي توجد عادة في إمعاء الحيوانات بعد ذبحها. ولكن لا أثر للفساد أو للدود فيها. ورائحتها كرائحة النضح الذي ينضح من الجثّة، ولا أذكر أنّي شعرت برائحة كريهة. فوضعتُ تلك الأمعاء بصفيحة كاز إعتياديّة، ولم يخرج دمّ من الشقّ الذي فتحناه من الجثّة، ولا أتذكّر إذا كان نزف من هذه الأمعاء دمّ وماء؛ ووجدنا القلب، والرئتين، والكبد، والمرارة سليمة، كالمعلاق الذي يرى سليما، في جوف خروف، عندما يذبح حالا. الماء الملوّن بالدم، ينقِّط منه بكثرة؛ وحملناها إلى خربة كنيسة بلا سقف تسمّى مار جرجس. وهنا حفرنا في الزاوية ودفناها، وكان ليلا؛ وقلتُ في ذاتي: إذا أخذت الجثّة إلى روميه لتثبيت شربل قدّيسا، يكون بقي عندنا شيء منها؛ وطمرتُ التنكة مغطّاة. وبعد حين كلَّفتُ الأخ إيجيديوس التنّوري، الذي كان برفقتي أن يكشف عن تلك الأمعاء. فكشف وقال لي: إنّه وجد التنكة فارغة. وقد أخبرت الرئيس، عندما جاء، بما فعلتُ.

 

5- العويني يوزّع بركات لمرضاه

 وذهب العويني وحده فيما بعد وحفر وأخذ الأحشاء! وهذا ما أخبر به، أمامنا، الأخ طانيوس القاضي، أنّ سابا وضع الأحشاء في دست وغلاها، وصار يوزِّع منها بركات لمرضاه كما يبان أيضا من سؤال لجنة التحقيق: والشائع أنّك كنت تستخدم دمّ هذه الجثّة بالعلاجات التي تصفها لمرضاك. وأنّهم كانوا يشفون بتلك الواسطة! فيجب أن تكون الكميّة التي أخذتها كبيرة! والحرقة بقيت في قلبه إذ يقول العويني: أتذكّر جيّدا أنّي نزعتُ القلب والقصبة السوداء، ورأيتُ القلب أحمر يقطر دما ممزوجا بالماء. ولا رائحة له البتّة ومن ذلك الوقت وعملي أمام عيني، دائما: قد لمتُ ذاتي كيف أنّي لم أحتفظ بذلك القلب في بيتي كَنْزا ثمينا، وأنا طلبتُ منه بإلحاح أن يسمح لي بالقلب، أو بقسم ممّا نزعناه، فلم يسمح.

6- بقي الرشح

شهد الأب يوسف الكفوري: أجريت العمليّة، فما استفدتُ شيئا، لأنّ الجثّة بقيت على حالها، تنضح دمّا وتعرق مادّة لزجة. فلا رائحة في الجثّة، بل في ما ينضح منها؛ ولا علم من أين يأتي هذا الرشح والرائحة! وما عاد فيها إلاّ الجلد والعظم؟! فكلّ ذلك يدلّ دلالة كافية أنّ أمر هذه الجثّة غريب عجيب، جعلنا وجعل العموم يعتقدون كلّ الإعتقاد بقداسة الأب شربل، وأتى بالزوّار من كلّ ناحية لطلب شفاعته.

وكنتُ أشعر برائحة قويّة قبل أن أغيّر أثواب الجثّة المبلّلة والملطّخة بالدم، وبعد تغييرها وإبدالها، بأثواب نظيفة، كانت الرائحة تقلّ، وتبقى قويّة على الأثواب المنتزعة عن الجثّة. هنا جاء محامي الإيمان بكتّونة بيضاء، موضوعة على جثمان الأب شربل، وبقيت أسبوعا، ونزعت عنه  أمس عند فحصها، والكشف عليها. فشمّ الأب الكفوري رائحتها، وقال هذه الرائحة القويّة ذاتها، التي كنت أبذل جهدي لأزالتها، والبقع الموجودة على هذه الكتّونة الحمراء اللون مع إصفرار قليل، هي كهذه، ولا فرق إلاّ في البلل، كان أكثر.

 

7- نزع الدماغ

في الفحص الطبّي وُجِدت الجمجمة مفتوحة عند مؤخرة الرأس، وقد قطع العظم بآلة حادة ولم يوجد أثر للنخاع فيها. وشهد الأب يوسف الكفوري:أعتقد أنّ ذلك قد جرى من أحد الزوّار على سبيل البركة لاغير، في مدّة السنتين والثمانية أشهر التي استلمت فيها جثمان الأب شربل. ولولا شدّة حرصي في المحافظة عليه، لكان الزوّار تنازعوه قطعا قطعا للبركة، خصوصا عندما اشتهرت عجائبه، ورشح الدمّ والماء منه. ولاسيّما أعجوبة مخلّع طبرجا. وأكثر الزوّار كانوا يعرفونه حيّا، ويعرفونه يجترح العجائب معهم في حياته، فلذلك كانوا يحاولون أن يحصلوا على تذكار منه، ليلجأوا إليه بواسطتها كلّما نزلت بهم ملمّة. ويلوح لي أنّ سابا العويني، ربّما يكون فعل ذلك لشدّة اعتقاده بقداسة الأب شربل ليستعمل تلك القطعة في أدوية للحصول على الشفاء لمرضاه، لكونه كان ولا يزال أكثر الناس ثقة وإيمانا بقداسته ومقدرته على العجائب؛ ولا أبني ظنّي على شيء سوى أنّ سابا كان شديد التمسّك بالأب شربل. كثير الإحترام لفضائله لكونه كان يعرفه معرفة حقيقيّة ويعتقد بمقدرته على صنع العجائب. وكان سابا بعد موت الأب شربل، كلّ ما ركَّب دواء لمريض يصلّي له مرّة أبانا والسلام لشفاء مريضه بشفاعته. وكان أيضا يكلِّفني أن أمسح له جثمان الأب شربل ببعض خرق، ويأخذها لبيته. فلهذا ظننت أنّ سابا ربّما يكون، بعد أن غادرتُ دير مار مارون، قد نزع النخاع من الجمجمة! أو كما يعتقد محامي الإيمان: قلّة دين من الأطبّاء، فنَزعوا دماغه خلسة.

8- ترميم العين ورأس الأنف

شهد الأب يوسف الكفوري: وضعتُ قليلا من الجفصين أو مادّة أخرى نظيره في عينه الشمال، وعلى أعلى أنفه، لأنّه لمّا كان في القبر كان الماء ينزل عليه من سقف المقبرة خاصّة على عينه وأنفه، فأوجد فيهما تشويها قليلا من كثرة التكرار. فبالمادّة الجفصينيّة أرجعتهما إلى شبه حالتهما الأولى. ولم يكن فيهما أثر للبلاء. وبقي الجثمان من حين استلامي إيّاه، على أثر اخراجه من القبر إلى حين تركي إيّاه، على حالة واحدة من حيث ليونة الجلد قبل تجويفه وبعده. ولم أشعر بفرق على الإطلاق وهذا كان عندنا السرّ الغريب.

 

9- قلّة فطنة

إنّ الرهبان لم يضعوا الجثّة إلاّ في محلاّت تعجّل في فسادها، إن في المقبرة، وإن في الحجرة الأرضيّة. وأنا، مع أنّي أعتبر نفسي من الذين يفهمون، قد شوّهتُ الجثّة، بما أجريتُه فيها، بقلّة فطنة وسذاجة، إن بوضعي لها في الليل مدّة أربعة أشهر على السطح معرّضة للهواء، وإن بنَزعي الأحشاء منها.

10- طرد الجراد (لو 5/4-7)

حلّ الجراد بأرض الدير بغتة من كلّ الجهات، وذلك قبل الغروب بساعتين. ورغم مكافحة الرهبان والشركاء، غطّى الزروع والأشجار. فاستدعى الرئيس مخايل التنوري، الأب مكاريوس حبيس الدير، وقال له: إنّ الأب شربل طرد الجراد من جوار الدير بحياته. أمّا أنت فعليك أن تأخذ وعاء، وتغسل به يده، وتذهب وترش بغسالتها على زروع الدير والتوت والأغراس قدر مكنتك. فائتمر الأب مكاريوس، وعمل بإشارة الرئيس. وفي الصباح، قام الجراد فارّا محلّقا عن أملاك الدير. واستلفت روعنا عن حادث مع أحد شركاء الدير سابا زهره، فهذا الشريك، لمّا كان الحبيس يرشّ الماء بين الزروع، قصد أن يرشّ بقطعة من الأرض من زرع الشريك المذكور، فمنعه عن دخولها قائلا: أنا أحميها، فلا تعطلّها بالدوس. فعند آخر تحليق الجراد بالفلا، سقطت شرذمة منه على تلك القطعة، والتهمتها عن آخرها. ولم يجده لا القواس، ولا حرق البلاّن أو القندول حولها نفعا. أما بقيّة الأملاك فلم يلحقها أذى مطلقا. بل أكل الأعشاب البريّة حتّى قشور الأشجار البريّة. فكان حلول الجراد لمنفعة الملك لا لضرره.

 

11- شفاء من شلل كلّي (متّى 9/1-8)

شهدت مريم زوين: مرضتُ، على أثر ولادتي عبلا إبنتي البكر، بمرض في يديّ ورجليّ وسائر جسمي. فأمسيتُ، من جراء هذا المرض، يابسة مثل قطّوع الحطب، لا أتمكّن من تحريك يديّ ورجليّ. وبقيتُ على هذه الحالة أكثر من نصف سنة. وكنتُ أشعر في تلك المدّة بآلام وأوجاع مبرّحة. وكانت تخدمني في مرضي حماتي جليلة. وأذكر أنّه عندما كانت طفلتي تصرخ، وليس من يقدّمها لي لأرضعها، كنت أنحني عليها، وأتناولها بفمي، وأصعدها إلى صدري فترضع، إذ كنتُ عاجزة تمام العجز عن تناولها بيديّ.

ومرّة وقعت الطفلة عن صدري فلصقَتْ بكانون الجمر الذي كان على جانبي. تأثَّرتُ جدّا وأجهدتُ نفسي لأقوم وأخلّصها، فكنتُ كمن يشعر في حلمه أنّه يريد أن يمشي وهو نائم لا يتحرّك. فإنّي حاولتُ مرّتين وثلاث أن أتحرّك، لأنّي كنتُ أرى ابنتي الوحيدة على وشك أن تحترق، فلم أستطع حراكا. لذلك صرخت بأعلى صوتي. فجاء رجل يدعى فارس لحّود كان على السطح يحدل في الشتاء وانتشلها. فليس مرضي مرضا عصبيّا يشفى بالتأثّرات الوهميّة، لأنّ لا تأثير يمكنه أن يهيّج أعصابي وعواطفي الوالديّة، ويستفزّني إلى الحركة ونسيان أوجاعي، مثل وقوع طفلتي في كانون موقدة النار، والإضطرار لسرعة إنقاذها، ومع ذلك لم أتحرّك قليلا. وعدم مقدرتي أثّر في صحّتي وزاد في مرضي. ولم يكن الشلل والوجع في يديّ ورجليّ فقط، بل في كلّ جسمي، وفي فكّي الأسفل، لذا ما كنتُ أقدر أن أذوق طعاما، سوى الحليب مدّة ثلاثة أشهر. وقد استعملتُ علاجات كثيرة من أطبّاء متعدّدين فلم أستفد شيئا. فاستسلمتُ أخيرا للحزن والبكاء، ويئستُ من الشفاء.

وفي ذات يوم دخلت إليّ امرأة شيعيّة من قرية فرحِت تطلب صدقة، فسألتني: ما بكِ؟ فأخبرتُها باكية عن مرضي فقالت لي: بالقرب منّا يوجد قدّيس، يصنع عجائب، إسمه القدّيس شربل، في دير مار مارون عنّايا، فاذهبي وزوريه تشفي من مرضك هذا. وكان في قريتنا في ذلك الحين، الأب روكس مشمشاني، فاستدعيته وسألتُه ما إذ كان صحيحا حديث هذه المرأة الشيعيّة؟ فأجابني: نعم صحيح. وشجّعني على المجيء إلى زيارة القدّيس شربل. فمن ساعتي صمّمت النيّة على زيارة ضريح القدّيس ونذرتُ له. وبعد قليل أخبرتُ زوجي بنذري وبعزمي على الزيارة. فأسرع وأتاني بمكاري، نقلني على بغل لدير عنّايا. فجئتُ برفقة خالتي وردة، وتضايقتُ من سفري وتألّمتُ كثيرا. وكان المكاري يسند من جهة، وخالتي ومعها امرأة أخرى تسنداني من جهة ثانية، كلّ الطريق. وما كنتُ في مرضي هذا أقدر أن ألبس ثيابي أو أُغيِّرها بذاتي، ولا أن آكل، بل تقوم بكلّ ذلك حماتي.

وعندما وصلتُ إلى هذا الدير، أنزلوني عن البغل عند المقبرة، وكنتُ أبكي من وجعي وتعبي وحالتي، لأنّ ركوبي على البغل من قريتي يحشوش إلى هنا، مسافة خمس ساعات في تلك الحالة، هدّ جسمي هدّا، وهيّج أوجاعي. فكنتُ أصلّي وأطلب من القدّيس بحرارة أن يشفيني ويرجعني ماشية. وأُدخِلتُ إلى المقبرة، حيث كان قبلا جثمان القدّيس. وجاء الرئيس حضرة الأب مخائيل التنّوري، فتأثّر جدّا لحالتي، وشجّعني قائلا: قوّي إيمانك، إنّك ستشفين في هذا النهار. وأحضر لي ماء من غسالة يد القدّيس، وخرقا عليها دمّ ناضح من جسمه. فدهنت خالتي وردة والإمرأة التي معي كريمة بنت عازار كرم من يحشوش بالماء والخرق جسمي ويداي ورجلاي. وكانت أعضائي، بعد التيبّس الذي حصل فيها، ارتخت بحيث ما عدت أقدر أن أطبّق كفّي. وكان جسمي مرتخيا كأنّ به شلل، ولاسيما على المفاصل والمخالع. فحالما دُهِن لي، كما ذكرتُ، وأنا في المقبرة شعرت أنّ يدي اليمنى اشتدّت، وصرت أستطيع أن أضمّ أصابعي وأتوكّأ على يدي، ويدي الشمال التي كانت أشدّ ارتخاء وشللا وألما، كنت أشعر كأنّ الألم يتجرّد منها، وصرتُ أتمكّن من التوكّؤ عليها قليلا. وكنتُ أحسّ في المقبرة أنّ جسمي كلّه يشتدّ، وتيقّنتُ أنّي أُشفى بشفاعة الأب شربل، وخرجتُ من المقبرة وحدي. وبعد قليل ركبت راجعة دون أن أتناول أكلا وشربا، وكنت لا أزال صائمة من يحشوش، إذ نذرتُ أنّي لا آكل ولا أشرب حتّى يشفيني. وكان أكلي وشربي الصلاة والبكاء. وكان الرئيس يزيدني أملا بتنشيطه وتقويته إيماني. ولمّا ركبتُ لم أحتج أن يسندني أحد كما حدث في مجيئي، وكنتُ أشعر أنّ يدي الشمال تنمّل فقط. ولمّا وصلنا في الطريق إلى قرية سنّور، لم أعد أشعر بألم أو أدنى وجع. وفجأة تأكّدتُ أنّي شفيتُ، فحركّتُ يدي ورجلي كعادتي. ومن عظم فرحي، نزلتُ عن البغل، ومشيتُ وحدي قسما من الطريق، نحو ربع ساعة، ووصلتُ إلى بيتي في النهار عينه، بريئة من مرضي تماما بفضل وشفاعة القدّيس شربل. ومن ذلك الحين، أصلّي للقدّيس شربل يوميّا. وفرح بي اقاربي، وكان ذلك اليوم يوم بهجة وسرور عندهم.

12- مكرسح طبرجا (مر 2/1-12)

شهد جرجس ساسين: رأيت مخلّع طبرجا، يوم أتوا به إلى ضريح القديس شربل، محمولا على مركوب، ومحزّما ومسنّدا بمخدّات. فأنزلوه على بوّابة الدير، وهو لا يقدر أن يحرّك لا يده ولا رجله. وكنتُ حاضرا لمّا وضعوه في البوّابة. ثمّ حملوه إلى الغرفة الموضوع بها ضمن الدير للجهة الشماليّة الغربيّة. واسمه بشارة أنطون القزّي. وعلى ما فهمتُ من رفاقه أنّه من صغره مصاب بداء الفالج، وفي عمر ال15سنة اشتدّ عليه المرض واقعده عن المشي وأمست يده اليمنى يابسة بدون حراك. وبعد أن بقي مدّة وجيزة، أنزلوه إلى البوّابة حيث وُضِع أوّلا. فبدأ يحرّك يديه ورجليه بسهولة يمدّها ويردّها، على مرأى منّي، ثم ذهبوا إلى قريته. وفي الربيع التالي، رأيته قادما إلى الدير ماشيا فسألته: أنت الذي تدعى بشارة القزّي الذي أتيت في الصيف الماضي إلى هذا الدير، فأجاب: نعم أنا هو، قد شفيت من مرضي، وأنا آتٍ الآن لزيارة الشكر للأب شربل، وأنا لولاه ما مشيت كلّ حياتي. وكلّ سنة يأتي مرّتين في الصيف وفي الربيع، جامعا بعض نذورات للأب شربل يؤدّيها ويعود دون أن يأكل. وسألته لماذا لا تأكل في الدير؟ فأجابني: أنا هكذا ناذر! ويضيف الأخ فرنسيس قرطبا: وإذ كنتُ في الدير متولِّيا خدمة الزوّار، جاء إليّ بشارة القزّي من طبرجا، حاملا قفّة على ظهره فيها نذورات، من حبوب وشرانق وغيره. سلّمني إيّاها قائلا: هذه جمعتها صدقات للدير، إقرارا بفضل القدّيس شربل عليّ، عرفانا بجميله! وكان الرئيس كلّ سنة يقول له: يا ابني خذ ما جمعته من النذور لك، لأنّك فقير.

ويخبر عيد نكد: وقد طلب بشارة أن يزور البيت الذي ولد وتربّى فيه الأب شربل. فسألناه عن السبب. فأخبرنا أنّه كان مكرسحا وشفاه الأب شربل، وأنّه يطوف كلّ سنة في قرى لبنان، ويخبر بفضل القدّيس، ويجمع الصدقات ليقدّمها له. فاحتفلنا به، لاسيّما والدتي. وظلّ يتردّد على بقاعكفرا، لهذه الغاية، نحو ثلاث سنوات.

عاشرا: المَنْزول

1- النساء خارجا

حملت عاطفة الإيمان المؤمنين على الحجّ إلى دير عنّايا، مشيا على الأقدام، من مسافات تزيد عن الخمسين كلم. وبين الزائرين: النساء والأطفال والمرضى والفقراء، الذين ما كان بوسعهم أن ينتقلوا على ظهور الدواب، بل على أرجلهم لفقرهم. ومنهم من كان يسير إلى عنّايا حفاة، ليرحمهم الله، ويمنّ عليهم بشفاء مريض لهم، أو من داء مستعصٍ، أو من عاهة مزمنة كالعرج أو الصمم أو الشلل. وكان الزوّار يبلغون إلى دير عنّايا، بعد مسيرة يومين أو ثلاثة منهوكي القوى، ولا يجدون مأوى يأويهم، والدير في برّيّة. وقد حُرّم دخول النساء إليه، حتّى إلى الكنيسة. ولم يكن فيه محلّ لقبول الغرباء، إلاّ قبو مظلم على يمين الداخل إلى الدير من بوّابته الوحيدة الواقعة في الطابق الأسفل. وكان القبو يدعى المنْزول أو المضافة. فكان الزوّار ينْزلون في تلك المضافة، فيدخل الذكور إلى كنيسة الدير، والإناث كنّ يبقين في المنْزول، وكنّ يسمعن القدّاس بوقوفهنّ عند نافذة الكنيسة، الواقع في حائطها الجنوبيّ، أسوة بما كانت تعمل نساء الشركاء في عنّايا.

 

2- إلحاح الزوّار

كان الزوّار من الذكور يلحّون ليروا جثمان الأب شربل ويتبرّكوا بلمسه، فكان الرهبان يجيبونهم: مستحيل! بما أن الجثمان مدفون في "المنبش". والبطرك منع عليهم تعريضه إلى أنظار المؤمنين خوفا من إداء العبادة. فكان الزوّار الذكور يجثون عند الدرجة الأولى من سلّم "المنبش" أو الكنيسة بقرب حائطها الشماليّ الداخليّ، ويصلّون ويتضرعون. أمّا الإناث فكنّ يركعن خارج الدير بقرب حائط الكنيسة الشماليّ، وهنالك تحت قبّة الفلك، كنّ يبكين ويبتهلن ويصلين ويقبّلن الحائط، ويجمعن من تراب الأرض ويأخذنه بركة لهنّ ولمرضاهنّ يحملنه إلى بيوتهنّ.

وأشفق الرهبان على الزوّار، وكان القس يوسف الكفوري، في طليعة المشفقين عليهم. فصار يسمح لبعضهم من الذكور بالدخول إلى "المنبش" ويريهم جثمان الأب شربل في تابوته الحقير. فكان الزائر الذي يرى الأب شربل في تابوته سليم الجثمان يتعزّى ويعود من زيارته سعيدا، ويروي للناس أنّه رأى الأب شربل، فإذا به كأنّه حيّ نائم! فشقّ على النساء أن يحرمن من مرأى جثمان الأب شربل، فكنّ يطلبن من الرهبان بدموع غزيرة، ليمكّنوهنّ من ذلك.

 

3- المنْزول يصبح معبدا

مرّت سنتان على هذه الحالة وعدد الزوّار يتكاثر، وإلحاحهم للسماح لهم بمشاهدة جثمان الأب شربل يشتدّ. فاقترح الأب يوسف الكفوري، في مجمع ديريّ، أن يتحوّل المنْزول إلى معبد صغير لتمكين النساء من سماع القدّاس فيه وأن يوضع جثمان الأب شربل فيه ضمن خزانة مقفلة تكون واجهتها من الزجاج، فيتمكّن الزّوار من مشاهدته. وهو يكون مسؤولا لمنع أي تكريم ممنوع من الكنيسة. وعرض القرار للأب العام فطلب موافقة البطرك. وتحوّل المنْزول إلى معبد صغير لسماع القدّاس أيّام الآحاد والأعياد.

وأنزل الرهبان الجثّة من موضعها إلى حجرة أرضيّة خارجيّة، على يمين الداخل في بوّابة الدير الشرقيّة. ووضعوا في تلك الحجرة مذبحا نقّالا، في أيّار 1901، بأمر الرؤساء، لإقامة الذبيحة الإلهيّة عليه للنساء الزائرات ونساء الشركاء؛ فالنساء، في أيّأم البرد، لا يقدرن أن يسمعن القدّاس من الشبّاك الخارجي للكنيسة. ولا يستطعن الدخول إلى الكنيسة بسبب الحرم.

 

4- وصف الجثّة

شهدت وردة مخلوف: بعد سنتين من وفاة الأب شربل، جئت لزيارته أنا وخالتي وردة، ومعنا نساء أخريات من بقاعكفرا. ففتحوا لنا التابوت، ومددت يدي، ومسكت بها يده، فكانت طريئة مثل الحشيش، وكان جثمانه صحيحا سالما، ولحيته على حالها، ووجهه مورّدا، ورقبته عرقانة، وقد وضعت يدي، ومررتها على رقبته وشعره؛ ويضيف العويني: فما يرشح من الجثمان الطاهر، هو تقريبا على نسق واحد بالفصول الأربعة. وأنا كنت أرى الثياب التي عليه مرطّبة أشبه بثياب الحيّ العرقان، ولا تخلو رائحته من العفن والنتن؛ وفي كلّ مدّة يغيّرون له ثيابه ويغسلونها، كما يغسلون ثياب الأحياء. ويشرح الأخ بطرس ليان: كنت أنزع عنها الأثواب بأوقات غير معيّنة، أحيانا كلّ أسبوع، وأحيانا كلّ أسبوعين، أو شهر. وفي الصيف، أضطر لتغيير الأثواب أكثر، إذ أن النضح تنبعث منه الرائحة عن الأثواب بشدّة. والذي أعرفه أنّها لا تزال الجثّة في مكانها إلى اليوم سليمة تنضح عرقا؛ يزورها الناس، ويعتقدون كما اعتقدنا أنّها محفوظة بأعجوبة، لأنّ الأب شربل كان قدّيسا؛ وهذا الاعتقاد ليس اعتقاد الموارنة فقط بل الشيعيّين المجاورين والمسلمين.

 

5- الجثمان واقفا

وأعدّ الأب يوسف الكفوري خزانة واجهتها من زجاج ونقل إليها جثمان الأب شربل فوضعه فيها. وأوقفه على قدميه ضمن الخزانة، يسنده عكّازان تحت إبطيه. وكان دائما يرشح السائل، وكانت تُغيَّر ثيابه كلّ مدّة. وكانت تتألّف عندئذ من ملابس الراهب العادي مع بطرشيل على عنقه. وكان القسم الأعلى من الخزانة من الزجاج المغطّى بخشب يفتح ويغلق على طريقة الأباجور.

ويشهد الأب مبارك تابت: رأيت تابوتا من خشب مسندا إلى حائط في الغرفة، وجثمان الأب شربل منتصبا على قدميه في التابوت. وكلّ جسمه لا يزال كأنّه حيّ، إلاّ أنّ عينيه كانت مغمّضتين، ووجدت عليه قميصا أبيض على طول قامته مبلّلا بالعرق الطريق. أخذت يده لأقبّلها، فإذا هي ليِّنة أكثر من يدي. وحرّكت أصابعه فتحرّكت كأنّه حيّ. وجلده ليّن، ولونه إعتياديّ طبيعيّ، تعلوه صفرة الموت فقط. وكان فرح المؤمنين البسطاء، بإيقاف الجثمان على قدميه، عظيما. إذ كانوا يتمثّلونه حيّا واقفا بينهم، بعكس الرهبان فما كان جميعهم راضين عن ذلك الموقف، لأنّه إن دلّ على شيء فعلى فكرة صبيانيّة تعرّض جثمان الأب شربل للاحتقار.

 

6- شفاء طفلة وإقامة طفل من الموت (يو 11/1-44)

شهدت مريم شمعون: عندي إبنة، إسمها أستير، أصابها، في سنّ الثالثة من عمرها، مرض الأطفال، يدعى فرحة أو هزّة حيط. وكانت تغيب عن رشدها. فأخذتها لسابا الطبيب العربي فعالجها دون فائدة. ولمّا طال أمرها، وخفت عليها من كثرة النوبات، نذرتها للقدّيس شربل فشفيت، وانقطعت عنها نوبات الفرحة. ثم رزقت غلاما على رأسها فعاش سنة ومات في 17 نيسان حوالي 1901. ثم رزقت بعده غلاما آخر، ولمّا أكمل السنة، مرض كأخيه في الميعاد نفسه 17 نيسان. وبقي مريضا أكثر من ثمانية أيّام، بمرض أخيه ذاته يغيب عن الوعي، وبما أنّه طفل ما كنّا نفهم مرضه ولكنّه كان منقطعا عن الرضاعة. وقد انتشر فيه المرض تدريجيّا. ففي الأيّام الأولى كان يستفيق قليلا ويرضع قليلا. ثم تضايق للغاية وانقطع عن الرضاعة وغاب. ولمّا قطعت الأمل من شفائه، وبانت أشارات أنّه سيموت كأخيه، وضاقت حيلتي، حملته إلى القدّيس شربل. قلت آخذه إلى القدّيس شربل الذي كنت أسمع قدّاسه في محبسة مار بطرس، وكان قدّاسه يليّن قلبي ويؤثّر فيّ ويخشّعني. حملت الصبيّ وحدي ومشيت. وما أردت أن يحمله أحد عنّي حتّى الله يشفق على تعبي ويخلّيه لي. وأنا في الطريق لاقتني امرأة شفقت عليّ وحملته عنّي. ونحن في الطريق صادفنا امرأة ثانية، كشفت الولد وقالت: إلى أين تأخذوه؟! لا تتعبي نفسك! فالطفل ميت! وأخذت أصيح وأبكي إذ رأيت طفلي على يدي ميّت، لا يبدي حراكا. فنظرالمرأتان إليه وأخذتا تقرصانه بقوّة وتحركانه ليبدي علامة حياة فما أبدى ولا علامة. وهممت باكية أن أعود به، إذ قلت ما الفائدة من الذهاب للزيارة وقد مات! فشجّعاني، وجئنا بها لإتمام الزيارة لعلّ الأب شربل يشفيه. وكنّا في فرشع، وهي مزرعة تابعة مشمش تبعد نحو ساعة عن الدير. فقلت لحاملة ابني: على نيّة الله، نذهب إلى الأب شربل. وصلنا إلى الدير، فدعوت إبن عمّي الأب الياس إهمجي، فانحدر إلى الحجرة الموضوع فيها جثمان الأب شربل فرآني  راكعة قرب التابوت أبكي، ومعي امرأتان واقفتان عند الباب. وعلى درجة المذبح الموجود في الحجرة، يوجد ابني الميت ملفوف بثيابه! فقال: أنت مجنونة؟! كيف أتيتِ بهذه الجنازة إلى هنا؟! فتأثّرت منه، ولم أجاوب. فقالت له المرأتان: جاءت إبنة عمّك بطفلها المريض لتزوّره للأب شربل، وتطلب شفاءه بشفاعته. فدخل الحجرة فرأى الطفل مطبقا فمه ميّتا. فقلَّبه مرارا وفتح فمه، فَفُتِح. ولم يجد ولا شعر أنّ فيه حياة! وقلت لرفيقتي: إطرحي الولد على الأرض مثل ما يوضع الميّت، أي وجهه إلى البحر، في قرب تابوت القدّيس على درجة المذبح، وفكري: إذا كان الأب شربل قدّيس يقيمه. حيئذ فتح الأب الياس التابوت، وغسل يد الأب شربل بماء، وفتح فم الولد بملعقة البخّور، وسكب منه في فم الطفل، أوّلا، وثانيا، وفي المرّة الثالثة، ابتلع الطفل الماء، وعادت إليه روحه. فشهقتُ ومن معي! وأمسكوه شمعة بيده، ثم ناولني إيّاه، أرضعته فرضع. وأخذت أبكي من الفرح، وعدت إلى بيتي مسرورة، بعد أن أتيت حزينة باكية، أدغدغ الولد، أنا والإمرأة التي حملته معي وما أحسّ. وهو الآن شاب بملء الحياة والعافية.

7- يدٌ خفيّة

كان رجل الله الأب ابراهيم الحاقلاني، يحدل سطح غرفته الواقعة للجهة الجنوبيّة، في دير عنّايا. هبّت عاصفة شديدة عندما وصل إلى حافّة السطح دون أن يدري، فسقط مع المحدلة إلى أسفل، من علو نحو 40 م. عرف إخوته الرهبان بالأمر فهبّوا إلى نجدته. إنّما أخذهم العجب الشديد إذ وجدوه راكضا نحو بوّابة الدير، دون أن يلحقه أذى. ولمّا سألوه منذهلين كيف تمَّ معه ذلك؟! قال: لمّا هويتُ مع المحدلة صرختُ حالا: يا بونا شربل دخلك! فشعرتُ كأنّ يدا تَحملني وتضعني على الأرض، بعد أن أبعدَتْ المحدلة عنّي!

حادي عشر: في الكابلاّ

1- نقل الجثمان

صنع الدكتور جورج شكرالله لشربل تابوتا لائقا من خشب الجوز، وحمّله بطرس ضاهر على البغل من بيروت، في أوائل خريف 1909، وطلب من الرهبان أن يضعوه في مكان لائق؛ ونقل الجثمان إلى غرفة أكبر من السابقة واقعة جنوبيّ الأولى، هي حجرة أرضيّة على زاوية الدير الشرقيّة الجنوبيّة، على يسار الداخل من البوّابة، لا يوجد غيرها. أرضها مدقوقة حجريّة. وهي معقودة بالحجارة أيضا، وكان الجثمان في تابوت شبيه بخزانة، فوُضِع في زاوية أفقيّا وكان هذا التابوت مقفلا؛ وقد حضر نقل الجثمان جمهور من الجوار ومن الشركاء. ولم تدوّن أي كتابة على قبر الأب شربل عند دفنه أو بعد نقله. ويشهد الأب بطرس دميان: كنت حاضرا يوم نقل الجثمان إلى الكابلاّ. ألبسناه كتّونة، ولكنّ جثمان الأب شربل، كان يرشح سائلا خاصا كان يبلّل الكتّونة وسائر ملابسه، فنضطّر إلى تغييرها كلّ بضعة أيّام. والناس كانوا يتوافدون لزيارته، فيلثمون يده ويتباركون منه التماسا للشفاء من أمراضهم، واستجلابا لبركات الله عليهم بشفاعته.

 

2- شفاء كلوة

شهد حوشب نكد: لقد شعرت، بعد الحرب العالميّة الأولى، بألم شديد في خاصرتي. فدخلت المستشفى الأميركي في بيروت، حيث مكثت أربعين يوما، أجري لي أثناءها عمليّة جراحيّة استخرج فيها من كلوتي اليسرى بحصة، فخرجت معافى. وبعد سنة، عدت أشعر بذات الألم في ذات الموضع. فأتت أمّي وشقيقتي غالية، إلى دير مار مارون عنّايا. وهناك زارتا ضريح الأب شربل، وصلّيتا بحرارة ملتمسين لي الشفاء. وقد طلبت والدتي من أحد الرهبان، أن يعطيها طوقا يمسّ جثمان الأب شربل، لكي أضعه في عنقي التماسا للعافية. فأجابها الراهب أنّه سيعطيها ما هو أثمن من الطوق. وأعطاها قطعة قماش كانت تحت عنق الأب شربل، وغسل يد الأب شربل بعد أن أخرجها من التابوت، برفعها قليلا ووضع ماء الغسل، في قنّينة صغيرة، سلّمها إلى والدتي. وعند رجوع والدتي بالماء المبارك وبالقطعة القماش، وضعت القماش في عنقي وشربت من الماء. وبعد ليلتين رأيت في الثالثة، أنّي قد انتقلت إلى بيت الأب شربل حيث رأيت في الحلم راهبا، لم يكلّمني ولا كلمة. وفي النهار، أخرجت بحصة بحجم حبّة اللوبياء الكبيرة. وبعدئذ ارتحت من وجعي، ولم أعد اشعر به حتّى الآن.

3- عاقر تلد

ويضيف حوشب: عند مجيء والدتي، إلى دير مار مارون عنّايا، التقاها أحد مواطنيها، نعمة يوسف نعمة، الذي كان متزوّجا بابنة عمّه، منذ 27 سنة دون أن يرزق ولدا. فأعطى والدتي نصف ليرة، كتقدمة للدير، على أن تأتيه ببركة من الأب شربل، عسى أن يرزقه وزوجته ولدا. وقد حملت والدتي، لنعمة وزوجته حنة، بركة مثل التي حملتها إلي. ولم يمضِ بعد ذلك سنة حـتّى رزقا ولدا ذكرا، هو وحيدهما، واسمه طانيوس.

4- زيارة القبر

إنّ الزوّار عديدون ومن جميع الجهات والأمم والشعوب. والتجاؤهم إلى شربل كالتجائهم إلى القدّيسين، لاعتقادهم بقداسته وصلاحه. وبعض أصحاب الطروش يخصّونه بشيء من مواليد ونتاج ماعزهم وحيواناتهم، ويأتون بها أمام قبره وما وقف منها كان للدير، وما عاد للقطيع ذهب به صاحبه لأنّه له. وإنّ كثيرين من الطوائف المسيحيّة والغير المسيحيّة يتقاطرون لزيارته للاستشفاء من مرضهم، وكثيرون عندما يطلّون فوق الدير عند البيدر، كانوا يدبّون على الأربعة، أي على الأيدي والأرجل.

5- عندي اولاد زغار

ان مريم زوجة بطرس ابي موسى من شخنيا كانت مصابة بداء النقطة وكان الدكتور جورج شكرالله يعالجها ويستحضر لها الادوية من اوروبا على مدة طويلة دون ان تستفيد شيئا. اتى زوجها الى زيارة شربل وقال له: دخلك اشفي لي ها المرأة لان عندي اولاد زغار يحتاجون لخدمتها وقال له واني على استعداد لصب ارض الكابلّه (حيث يوجد جثمان شربل) بالباطون، ثم عاد الى بيته. وفي الليل ابصر في الحلم 3 رهبان في الطريق احدهم وكان سائرا في الوسط وفي عنقه بطرشيل وهر الاب شربل فركض اليه قائلا له: دخيلك يا اب شربل اشفيلي ها المرا فقال له: خلص شفيت ما عادت تمرض وبالفعل فقد شفيت المرأة حالا وتماما.

6- أخذت يده ووضعتها على عيني المريضة

شهد عقل الحائك: حصل لي في 6\8\ 1903، مرض عصبي بعيني اليمنى فكانت ترفّ رفّا على عدد الدقائق وعجز أطبّاء بيروت عن شفائها، فسمعت بخبر القديس شربل فذهبت إليه وزرته فوجدته موضوعا بتابوت في إحدى غرف الدير، فأخذت يده ووضعتها على عيني المريضة. وبعد مدّة وجيزة زال ألمها ورجعت صحيحة.

7- أهم من أطباء بيروت

شهد طانيوس موسى من إهمج: حصل لي وجع أليم جدّا في كتفي واستمرّ مدّة في هذه الحال واستعملت له العلاجات فلم أستفد شيئا. أخيرا عزمت هلى الذهاب إلى بيروت برفقة عمّي سابا. وفي طريقنا عرّجنا على عمّي الأب يوسف في دير عنايا وأخبرنه أني ذاهب إلى بيروت لمعالجة ألم كتفه عند أطبائها. فقال له عمّه الأب يوسف: عندنا هنا طبيب أهم من أطباء بيروت وهو الأب شربل! زره وخذ منه بركة تشفّ. فدخلت الكابلا حيث جثمان شربل وصليت. ثمّ أعطاني الأخ بطرس مشمش زنّار أثواب التقديس بعد أن وضعه على جثمان شربل فتزنّرت به وعدلت عن الذهاب إلى بيروت. وثاني يوم نهضت سالما وواصلت أشغالي وما راجعني المرض.

8- فتحت مريم عينيها

شهدت رحمة زوجة بطرس موسى من إهمج: مرضت مريم حفيدتي بالحمى الخبيثة واشتدّ عليها المرض فافقدها الحس. وقد عالجها جدها سابا فلم تستفد وأمست أخيرا كأنّها ميتة. فنذرنا إضاءت سراج زيت أمام جثمانه لأجل شفائها. ولمّا أضأنا الزيت أمام جثمان شربل فتحت مريم عينيها وطلبت الأكل وفي الحال فارقتها الحمّى وشفيت.

 

 

ثاني عشر: شفى جميع المرضى (متّى 8/16)

1- شفاء الأخ يوسف ميفوق

شهد الأب يوسف إهمج: إن الأخ يوسف ميفوقي علق بزلعومه عظم وهو يأكل. فتألّم منه كثيرا نحو أسبوع. فاستدعينا نجيب بك الخوري، فأخذ يحاول إخراج العظم، فلم يجد له أثرا، ومع ذلك لم يزل الأخ يتألمّ. إلى أن جاءني ليلة ما وصرخ قائلا: دخيلك! كدت أموت من الوجع! فقلت له: يا أخي ماذا تريد أن أعمل لك؟ خذ كبّاية زيت وأضئها عند نعش الأب شربل لعلّه يشفيك. ففي الحال أخذ الكبّاية وأضاءها عند التابوت وراح يصلّي راكعا مسندا يديه عليه. فعندها تنخّم فخرج العظم من زلعومه فأراني إيّاه، وحفظته معي مدّة، وطوله طول الإبرة، رفيع شبه الخيط.

 

2- شفاء أب الياس إهمج

حدث مرّة أن شعرت بألم شديد جدّا، وأنا جالس، في جنبي الأيمن بغتة في الليل آلمني كثيرا. ولم أستطع المشي بدون عصا،  فنظرت إلى محلّ الألم، فوجدت اللحم نافرا من موضعه كما لو كان دقّ في جنبي مسمار. فقمت على مهل، أجرّ ذاتي على العكاز جرّا. وذهبت إلى ضريح الأب شربل، وكان عندئذ جثمانه في الكابلاّ الصغيرة. فغسلت يده بالماء، ودهنت موضع الألم فشفي حالا، وعدت إلى غرفتي بدون عكّاز.

 

3- شفاء من حمّى التيفوئيد (مر 1/ 29-31)

شهد الأب علوان: ولمّا رجعت من عنّايا إلى قزحيّا، وجدت أحد الأخوة الأخ برتلماوس أيطو مريضا بحمّى التيفوئيد مشرفا على الموت، فأخبرته عن الأب شربل، وأعطيته قطعة من قلنسوته، كانت على رأسه في المقبرة أخذتها على سبيل البركة فوضعها على رأسه بأمانة، وصلّى. وفي اليوم الثاني شفي.

4- شفاء مكرسح

شهد شبلي شبلي: وأنا شخصيّا قد أصبت بمرض العصبي في ركبتي. وقد وصلت تقريبا إلى حدّ الكرساح. وتعالجت لدى الأطبّاء، أذكر منهم الدكتور العنيسي من جاج، والدكتور نجم من لحفد، دون أيّة نتيجة. فالتجأت إلى شفاعة الأب شربل، وأخذت ماء مباركا على ضريحه، وقماشا لمس جثمانه، وشربت الماء ومسست ركبتيّ بالقماش، فشفاني الله.

 

5- شفاء سابا العويني

كنت شعرت بألم شديد في معدتي بشهر آب من سنة 1925 فتعالجت عند الدكتور جرجي شكرالله، ولم ينفعني علاجه الأوّل، ولا الثاني، ولا الثالث. وأشار عليّ أن أنزل وإيّاه إلى بيروت، لأجل التصوير الداخليّ. وكان ظنّه كظنّي،  أنّ المرض سرطان، فأجبته غدا نفكّر بالمسألة. وغادرته، وانفردت لوحدي أناجي الأب شربل، وأسأله الشفاء، ونذرت له نذرا طفيفا أي قرشين. وفيما أنا نائم، حلمت أن الأب شربل حضر عليّ، وحرق رقعة من أثوابه، وأذاب رمادها بالماء وسقاني إيّاه. فأفقت من نومي متألمّا كثيرا وكان الصبح قريبا. فغادرت فرشتي، فصادفت أخي، الأب يوسف إهمج، مهتمّا لتقديم الذبيحة. فقلت في نفسي سأحضرها، وأذهب لزيارة ضريح الأب شربل، وما قدرت أن أحضر الذبيحة كلّها من شدّة الألم. فهرولت ماشيا لزيارة الضريح. ولما شاهدتني زوجتي وأولادي وابنة أخي، لحقوا بي فأدركوني قرب القبر. فهناك بعد أن صلّيت، ووفيت نذري، أخذت من الأخ المولّج بخدمة الجثّة، قطعة من أثواب الأب شربل، وأحرقتها على طبقة علبة تنك، معدّة لخزن البرشان، وأذبت رمادها بالماء، على شبه ما تراءى لي بالحلم، وشربت الماء. وعدت إلى بيتي شاعرا بخفّة الألم، وعرّجت بطريقي على بيت ابنتي، مريم زوجة طانيوس بطرس موسى ابن أخي لأرتاح، فعرضت عليّ الطعام، وكنت من 17 يوما لا أستطيع قبول الطعام إلا نادرا، فقلت لها لا بأس أحضري، فقدّمت لي خبزا وطعاما، كوسى محشي. فأكلت رغيفا كاملا مع محشايتين. وتابعت طريقي لبيتي، والألم يخفّ رويدا رويدا حتّى المساء. فأكلت أكلا صحيحا، ولم أعد أشعر بالألم.

6- شفاء أب يوسف إهمج

أنا كنت مصابا بمرض في زلاعيمي، مدّة ثلاث سنوات ونيّف، وقد استعملت علاجات من الدكتور جرجي شكرالله، ونجيب بك الخوري وجبرائيل الطويلي، فكنت أحصل على بعض الراحة، وكان الوجع يعاودني، إلى أن أخذت خرقة من بدلة الأب شربل، ووضعتها في عنقي. وقد مضى عليّ ثلاث سنوات ولم أشعر بوجع قطّ. والخرقة لم تزل حتّى الآن في عنقي.

 

7- شفاء من مرض عينين (يو 9)

شهد يوسف ناصيف: أصابني وجع شديد في عيني، ورافقه احمرار فيهما، إلى أن صارتا مثل بركة دمّ. وعندما أفيق من النوم، كان العمص (ناتج عن إصابة  بالرمد، وهو التصاق الجفنين بمادّة لزجة) في جفني يقبضها، فلا أستطيع أن أفتح جفني، إلاّ بالغسيل بالماء وأمّا نظري فبقي سليما. وكان الوجع والعمص يخفّان عنّي في شهور الشتاء. والألم، من أوّل الربيع إلى أواخر الخريف، كان يعاودني بشدّة، وبقيت على هذه الحال ثلاث سنوات. وكان يعالجني سابا طنّوس موسى، واستشرت نجيب بك الخوري الطبيب القانونيّ، فلم أستفد شيئا. فنذرت للقدّيس شربل إذا شفاني أقدّم له نصف ليرة سوريّة. وكلّ سنة أشتغل يوما مجّانا في رزق الدير، وأعطي شهادتي للجنة، بشفائه لي. ثمّ أتيت فزرته وغسلت عيني بماء غسالة يده، وأخذت الماء معي، وظللت نحو عشرة أيّام، أغسل عينيّ. فزال العمص حالا، وفارقني الوجع تماما، بعد عشرة أيّام. وقد مضى عليّ أكثر من شهر ونصف (سنة 1926) وما عدت شعرت بألم، ولكن لا يزال في عينيّ أثر الإحمرار.

 

8- شفاء مشلول

شهد موسى موسى: لي ابن خال يدعى جرجس ريشا، من إهمج، كان مصابا بشلل نصفيّ، وما عاد استطاع المشي، رغم وسائط الأطبّاء العديدة، مدّة سبعة أشهر. فطلب قطعة من أثواب الأب شربل، ووضعها على وسطه، فشعر حالا بتحسّن، وشفي تدريجيّا، والآن هو بملء العافية.

 

9- شفاء أخ بطرس جوّاد مشمش

حصل لي تيبّس وتشنّج في كتفيّ، حتّى لم أعد أستطيع أن أحرّك يديّ. فذهبت إلى ضريح رجل الله الأب شربل، وفتحت تابوته، وتناولت رقعة صغيرة أمررتها على يده الطاهرة، ثمّ على كتفيّ، فزال عنّي الألم تماما.

10- شفاء امرأة يوسف الخوري من عمشيت

شهد الأب يوسف إهمج: إن امرأة يوسف الخوري عمشيت، أصيبت بمرض عاصٍ، سبّب تشنّجا ويبوسة في أعضائها. فأخذوها إلى بيروت مرّتين أو ثلاثة، وألّفوا لجنة أطبّاء بدون جدوى. زرتها مرّة فأخبرتني بعدم جدوى الأطبّاء في مداواة مرضها. فقلت لها: أنا أرسل لك خرقة من كتّونة الأب شربل، ولي الأمل بشفائك. ففعلت وكانت هذه الخرقة الدواء الشافي كما قالت لي هي مع أهلها.

11- في نيويورك

ابتليت، بطرسية زوجة ناصيف سعادة من حصارات- جبيل، بمرض الكلي لازمها 7 اشهر في الولايات المتحدة، فأرسلت الى مستشفى مريم العذراء في مدينة ناتين ماس في نيويورك فاقامت فيها مدّة من الزمن ولم تحصل على الشفاء. لا بل قطع أطبّاء المستشفى الماهرون الأمل من شفائها. ففي ذات يوم وهي بضيق شديد خطر لها أن تنذر نذرا للقديس شربل لعلّه يزيل عنها مرضها الشديد فحالما نذرت هذا النذر شعرت براحة تامّة وعادت إليها عافيتها الأولى. وكان ذلك في 20\11\1920.

12- وكانت رقبته منحنية

شهدت فولة أرملة نعمة ديب من غوما في 15\8\1925: إن ابني نعمة الموجود حاليا في أميركا، عام 1902 كان في عمر الرابعة عاجزا عن المشي لارتخاء أعصابه وكانت رقبته منحنية لجهة الشمال ولا يستطيع الالتفات من جهة إلى أخرى. وقد رآه عدة أطباء منهم المرحومان الدكتور انطون بك خيرالله جران والدكتور أمين أفندي توما البترون، وقد بقي على هذه الحال دون أن يستفيد شيئا من علاجهما نحو 5 اشهر. وفي ذات ليلة سمعت في الحلم صوتا يقول لي: ادفعي لي ربع مجيدي حتى أشفي لك ابنك وإلا جهدك ما تحكميه ما رح يصح! وعندما نهضت في الصباح أخبرت الخوري بولس فارس من غوما وأخبرته بالحلم. فقال لي: يوجد راهب قديس في دير عنايا انذري له فيشفي ولدك. فنذرت له الربع مجيدي وطلبت منه شفاء ولدي فشفي في الحال واستقامت رقبته واشتدّ عصب رجليه ومشى لأوّل مرّة، فأخذته إلى دير عنايا لزيارة القدّيس شربل ووفيت النذر.

13- انتعش وبدأ بالرضاع

شهدت مرّة أرملة بطرس الغبري من إهمج في 10\9\1925: إنّ أقمت في بيت الخوري حنا شحاده من قرية مشمش بصفة مرضع لابن شقيقه. ففي ذات يوم أتينا بالولد إلى محبسة عنايا لأجل تنصيره في كنيستها وكان برفقتنا أم الولد ووالده وجدته وعمّه الخوري يوحنا المذكور. فبعد انتهاء حفلة تنصيره نزلنا من المحبسة إلى الدير لنتبارك من جثمان الأب شربل الذي كان أخرج من القبر حديثا. فلمّأ فتح تابوته واقتربنا منه شممنا رائحة غير طيّبة منبعثة من جثمانه. وبعد هذه الزيارة مشينا في طريقنا إلى مشمش، ولمّأ ابتعدنا مسافة عن الدير مرض الولد فجأة وجمدت عيناه وأخذ يئنّ وامتنع عن الرضاع فخفنا عليه خوفا خوفا شديدا. فاستدرك عندئذ عمّه الخوري وقال لجدّة الولد: إنّ ما أصاب الولد هو بسببك ناتج عن قلّة إيمانك بقداسة الأب شربل وعن قولك: إنّ رائحة جسمه بشعة... فآمني بقداسته واطلبي منه شفاء الولد. فلمّا سمعت جدّته هذا الكلام سجدت على الأرض وبدأت تطلب متضرّعة إلى الأب شربل والدموع تتساقط من عينيها أن يشفى الولد ممّا ألمّ به ونادمة على ما فرط منها. ونذر أهل الولد للأب شربل نذرا طالبين إبراءه ورجع واحد منّا إلى الدير ووضع النذر وأتى ببركة من جثمان الأب شربل، فحالما وضعنا هذه البركة على الولد انتعش وبدأ بالرضاع كعادته وشفي.

14- جاد عليها ب3أولاد وبابنة

شهد يوسف عبود من إهمج 10\9\1925: بعد أن أخرج جثمان شربل من المقبرة، ذهبت امرأتي لزيارته وطلبت من الله بشفاعته أن يرزقها ولدا. فاستجاب الله طلبتها على يد صفيّه وجاد عليها ب3أولاد وبابنة.

15- امتنع عن الأكل

شهد حنا الحسيني في 15\11\1925: مرض أسد ابن ابنتي وهو بعمر 8 سنوات بمرض المعدة فضعف جسمه واصفرّ لون وجهه وامتنع عن الأكل. وبقي على هذه الحال نحو 9 أشهر، فأخذته ووالدته إلى إهمج لمعالجته عند سابا العويني فما وجدناه. فقالت أمّه: إنّي عدلت عن تطبيبه عند الأطبّاء وعزمت على تطبيبه عند القديس شربل. فسرنا إلى دير عنّايا وزرنا جسد القدّيس ووضعنا له نذرا على نيّة شفاء الولد. وبعد رجوعنا إلى بجّة ومضي بضعة أيّأم شفي الولد من ألم معدته تماما ولم يعد يشعر بأدنى ألم فيها ورجع يأكل كعادته.

16- مشيا على الأقدام

شهد طنوس لطيف من فتقا فتوح كسروان في1\7\1926: لما كان ولدي الياس مريضا بداء الصفيرة ومصابا بضعف المعدة وكان طبيبه الأخير الدكتور خليل كرم من غزير. ولما لم يستفد شيئا من العلاجات وكنّا بحالة قلقة من نحوه، وإذ كنت نائما نحو انتصاف الليل الخامس عشر من شهر كانون الثاني ألهمت بأن شفاء ولدي المذكور مقيّد بزيارة جثمان الأب شربل. فنهضت فورا من فراشي ونذرت بأن أحضر وولدي في اليوم الأول من شهر تموز المقبل إلى عنايا مشيا على الأقدام للتبرك من جثمان شربل. اخبرت ولدي بكل ما حدث معي وبشرته بقرب شفائه. وهكذا كان فإنه تماثل للشفاء حالا وفارقه المرض تماما. وإتماما لنذري حضرت وإيّأه في اليوم المعيّن إلى دير عنّايا.

17- فقدت السمع باذنها

شهد موسى غانم من لحفد مدير قضاء جزين في 29\9\1926: حوالي سنة 1900 اصيبت شقيقتي مرتا وهي بعمر 8 سنوات (وهي اليوم في اميركا) فأصابتها صدمة في احدى اذنيها وبسببها فقدت السمع باذنها هذه تماما. عرضتها على بعض الأطباء ولم تستفد من العلاجات. فطلبت مني شقيقتي ان أرسلها لزيارة القديس شربل. وفي حال وصولها الى الموضع الموضوع فيه جثمان شربل ودخلوها الباب شعرت بطنين قوي في أذنها المصابة وبالحال عاد اليها سمعها.

 

18- فرزقه ولدا

شهد الأب بطرس زهرة في 9\10\1926: إن يوسف بطرس ابي ناصيف من ميفوق بقي لم يرزقه الله مدّة 13 سنة بعد زواجه. فنذر لرجل لشربل فرزقه ولدا سماه نعيم وفي العماد شربل.

 

19- بعد ربع ساعة

شهدت مريم بركات من يحشوش في 17\10\1926: نبت لابني وديع، وهو بعمر السنتين والنصف، خراج في عنقه، فأتت به أمه هذه إلى دير عنايا لزيارة الأب شربل. وبعد وصولي مع حماتي إلى الدير أخذ أحد الرهبان ولدي وأدخله ودهن عنقه من جسم شربل. وبعد ربع ساعة أرجعه إليّ معافى حتى اني لم أعرف المحل الذي كان فيه الخراج.

 

20- فخاف أهلي على حياتي

شهدت ديبة زوجة نعمةالله ابراهيم من لحفد: مرضت على أثر ولادتي ابني اسطفان سنة 1926 بمرض حمّى النفاس التي لازمتني مع السعال وضيق الصدر، فلم أعد أقوى على التنفس وبقيت على هذه الحال نحو شهر، فخاف أهلي على حياتي واستعملوا لي علاجات ووسائط لم أستفد منها. فنذرت أخيرا لشربل وانقطعت عن تناول الدواء فشعرت بالراحة، ولم يمضِ علي اسبوع حتّى قمت لأشغالي. وقد حضرت لزيارة شربل أدب على يديّ ورجليّ فقدّمت نذري وشكرت الله.

ثالث عشر: آثار شربل

1- مِسْحُ شربل وماء مصلّى عليه

شهد الأخ بطرس مشمش: أخذتُ المسح الشعريّ الذي كان يلبسه في المحبسة، ووزَّعت منه بركات حدث بواسطتها عدّة حوادث من شفاء أمراض مختلفة! ويؤكّد عيد نكد: عندنا ماء مصلّى عليه منه في حياته، لا نزال نتبرّك منه حتّى اليوم، وهو محفوظ ككَنْز ثمين في بقاعكفرا.

 

2- إهمال فادح!

شهد الأب يوسف إهمج: لا يوجد من ثيابه الرثّة التي كان يلبسها، أو من البلاس الذي كان ينام عليه شيء. هذه كانت كلّ آثاره وثروته في الدنيا. وأمّا غرفته في الدير، التي يذكر بعض الرهبان الشيوخ، أنّها كانت مخصّصة له، فهي مهجورة يوضع فيها الحطب والأغراض القديمة، وحالة الإصطبل أنظف منها. وأظنّ إذا دخلتم إليها، تسخرون منّا لقلّة اكتراثنا بذكر القدّيس شربل. وصومعته في المحبسة لا أظنّها أحسن حالة من هذه.

ويضيف الأخ بطرس ميفوق: لا ذكر له لا في الدير ولا في المحبسة، ولا اسم، ولا حُفِظ من ثيابه. ولا أحد يعرف أنّه كان مقيما في الدير، أو في المحبسة، إلاّ الرهبان الذين عاصروه وسمعوا به. أمّا في هذه الأمكنة، فلا اسم له وجثمانه المحفوظ هنا، لا يعرفه إلاّ الذين عرفوه حيّا وميّتا. ويؤكّد الأب نعمةالله مشمش: لولا الشيعيّون، لربّما ما كان تنبّه الرهبان بالكفاية. وجلّهم بسطاء، وهم وأنا في أوّلهم مقصّرون، في حقّ الأب شربل بتأخيرنا إلى اليوم في الفحص عن فضائل الأب شربل السامية، وعجائبه المشهورة. ومن دلائل تقصيرنا، أنّا لم نحفظ شيئا من ثيابه، ولا غير ذلك.

 

3- بركات

شوّه الزوّار قسما من اليدين والأظافر، إذ كانوا يَنْزعون منها بركة يحملونها معهم. وشعر رأسه ولحيته لم يبقَ منه إلاّ القليل، إذ أخذه الزوّار أيضا، فما كان يزوره واحد، إلاّ وينتف قليلا من شعره، ليأخذه بركة!

ويقول الدكتور جورج شكرالله: طلبت من الرهبان بركة من هذا القدّيس، لمزيد احترامي له، فأعطوني قطعة قماش من الثوب الذي يمسّ جسمه في التابوت، وعليه بعض بقع من المصل الراشح. والزوّار الذين يطلبون بركة، يعطون قطعا من هذا الثوب - الذي يضطر الرهبان لتغييره كلّ أسبوع على الأقلّ- بعد الإلحاح الشديد، أو من رقاقيع يلمسون بها جسمه، أو قليل من الماء من غسالة يده، أو من بخّور الكنيسة.

4- الزوّار

جاء الزوّار الرسوليّون[2] فلمّا رأوا الجثّة، تعجّبوا وقالوا: إنّهم لم يروا مثلها قطّ. وركعوا عند التابوت وصلّوا. والزوّار العاديّون كانوا يجثون عند تابوته ويصلّون، وكان الرهبان أحيانا يتضايقون من الزوّار، إذ إنّّ الاهتمام بهم، وبضيافتهم في هذا الدير المنفرد، كان يكلّفهم اهتماما خاصا ونفقات.

رابع عشر: الدكتور جورج شكرالله

1- دهشتُ!

أنا لمّا رأيته، لأوّل مرّة، دهشتُ، حيث لم يمرّ أمامي، كطبيب، حادث كهذا، ولا سمعت بمثله قطّ، ولا قرأت في كتب الطبّ عن حادث مثله. كذلك فحصتُ من ذاتي مندفعا بعامل الرغبة العلميّة، لعلّي أهتدي إلى سرّ حالة هذه الجثّة. وجدتُ إذ فحصتُ كلّ الجثّة أنّه غير بال، وأنّ بعضا من عضلاته بقيت على حالها الطريّة. وقسما من مفاصله ليّنة تطوي، وأنّ قسما من شعر رأسه ولحيته لم يزل موجودا، رغما عمّا نزع منه، ممّن كان يأتيه زائرا قصد البركة. أمّا باقي أعضائه، فإنّي لم أرى مفقودا منها سوى عينيه التي تعطّلت بسبب المياه، التي كانت تتساقط حينما كان في المقبرة. وهذا التعطيل، هو بالأحرى تشويه. ولمّا فحصتُ البطن ألفيته كباقي بطون الجثث، لم أرى فيه تشويها ظاهرا، ولا شعرتُ بأنّه فتح. غير أنّه جفّ قليلا من مرور الزمن عليه.

 

2- البلازما أو مصل القروح (لو 22/44)

والأغرب من كلّ ذلك، الأمر الذي حيّر عقلي، وهو أنّي نظرتُ بعيني بُقَحا على ثيابه البيضاء، هي متسبّبة عن مادّة لزجة نضحت من مسام جسمه، لونها وسماكتها، لون وسماكة المصل الطبيعي، الذي ينضح من الأجسام الحيّة التي تعتريها القروح. وهذه المادّة نفسها، بعد خروجها من المسام، رائحتها كرائحة المواد المصليّة، التي تَنْزف من الجسم بداع مرضي كداعي الأمراض التي تعتريه.

ولم تكن تتصاعد منها رائحة كريهة، بل رائحة عفونة. وكانت الجثّة طريئة كأنّها ساعة موت الأب شربل. وكانت ترشح عرقا، فكنّا نمسح فوطا على الجثّة، ونبقيها معنا بركة. وملأ العويني حنجورا من العفونة والعرق وبقي الناس، عندما عرفوا أنّه معه حنجور فيه بركة من جثّة الأب شربل، يأخذونه ويستشفون به عند حلول مرض ما.

 

3- لغز الجثة!

سأله محامي الإيمان: هل يمكن لأسباب طبيعيّة، كشدّة البرد، وكثرة الماء. أو لأسباب سابقة للموت، كانقطاع الناس عن أكل اللحوم، والإقلال من الأكل، وإماتة الجسد، والاقتصار على البقول من الطعام، أن يسبّب شيئا من ذلك في الجثّة بعد الموت؟

أجاب: ما اختبرت بذاتي، ولا قرأت، أنّ هذه العلل توجد في الجثّة مثل هذه العوارض. فإنّي بعدما فحصت هذه الجثّة، سألت أطبّاء قادرين في بيروت، وفي أوروبا، إذ سافرت مرّات. وما أحد استطاع أن يفيدني شيئا، فهذه الحادثة فريدة، لم يقع مثلها، تحت يد طبيب ما، ولم يقدر أحد أن يفيدني عمّا إذا كانت حادثة نظيرها قُيِّدت في التاريخ الطبّيّ. وإنّي لم أزل أُنَقِّب للوصول إلى معرفة حادثة، جرت في العالم، تشير إلى وجود جثّة حفظت حالتها كهذه.

 

4- مستحيل!

وسأله أيضا: أتعتقد أنّ حالة هذه الجثّة طبيعيّة، أو فائقة الطبيعة؟ أو لا تظنّ أنّ أحد الرهبان الماهرين، قد توصّل إلى اكتشاف دواء يحفظ هذه الجثّة؟

فأجاب: إعتقادي الشخصيّ المبنيّ على الدرس والاختبار، بعد أن فحصتها مرّة ومرّتين كلّ سنة، منذ 17 سنة تقريبا (سنة 1909) هو أنّ هذه الجثّة محفوظة بقوّة فائقة الطبيعة. وأمّا أنّ أحد الرهبان قد يكون اكتشف دواء لحفظها على هذا الشكل فأجيب أوّلا: إنّه لو صحّ ذلك لاستحقّ ذلك المكتشف هذا الاكتشاف الغريب، إعجاب العالم العلميّ وإكرامه. ويكون فاق العالم باستور، داهية الطبّ. لأنّ علماء الطبّ يبذلون قصارى الجهد، لكي يكتشفوا دواء يحفظ الجثث، ولم يتوصّلوا إلى ما يحفظها سليمة بلا رائحة كريهة أكثر من أسبوعين. وأمّا الرشح الحاصل في هذه الجثّة، فما خطر على بال أحد من العلماء في الطبّ أن يفكّر فيه. فضلا عن أنّ مثل هذا الاكتشاف، يستحيل مع وجود الرشح. من المعلوم، أنّ في الرجل الحيّ السليم مقدارا من الدمّ معدّله خمس ليترات. ومعلوم أيضا أنّ من هذه الكميّة، لا يوجد مصل، أعني مادّة قابلة الارتشاح، إلاّ ثلاث ليترات، بمعدّل الستّين في المئة. وأمّا الأربعون الباقية، فهي ما بين أملاح وكريات دمّ، وموادّ جامدة. فإذا قيل، إنّ ما ترشحه الجثّة هو المصل الطبيعيّ الذي بقي في الجسم بعد موته، وإذا تعدّل أنّ مسامّ الجسم تفرز غرامين أو غرام كلّ يوم، فتكون كمّيّة المصل المفروز، فاقت كمّيّة المصل المحفوظ في جسمه، وقت مماته. كما يجب أن تنتهي بعد مرور ثماني سنوات من موته، هذا إذا اعتبرنا أنّ المصل الراشح يحفظ جميعه، ولا يتبخّر منه قدر ما يكون محفوظا. فالذي لاحظته على الجثّة، من هذا المصل الراشح يوميّا لا يقلّ عن غرام. وأنا أقول إنّ المصل الذي يرشح يوميّا من جثّة الأب شربل يستحيل أن يكون غراما واحدا فقط، لأنّ الكميّة التي نراها على جثّته، لو كانت غراما واحدا، لما كانت ظهرت بهذه الغزارة.

وأجيب ثانية: أنتم أدرى منّي بمقدار تهذيب الرهبان الطبّيّ الفنّيّ، وخصوصا رهبان هذا الدير، الذين يصرفون نهارهم في الحقل، لا يعرفون غير الصلاة والشغل اليدويّ. وأنا أعتقد أنّ بساطة الرهبان، وقلّة إكتراثهم، وعدم إعتنائهم بحثمان الأب شربل، كان كافيا وحده لجعله يبلى، لو لم يكن هناك قوّة فائقة الطبيعة.

وقلت أيضا إنّي في الحرب شاهدت أناسا ماتوا جوعا، بعد أن صرفوا أيّاما طويلة دون أن يقتاتوا بشيء. وكانت أجوافهم فارغة يابسة، ولم يمضِ على موتهم سبع ساعات، حتّى دبّ الفساد فيهم. كذلك من المرضى في الحمّى، الذين يعيشون قدر 25 يوما على الماء فقط، والماء يفرزه الجسم، ومع ذلك بعد موتهم تفسد أجسامهم بعد بضع ساعات. والبرد يساعد على الفساد مع المياه والرطوبة والهواء. والتعرّض للحرارة كذلك. فجميع هذه العوامل، لا تكون سببا لعدم الفساد بل سببا له. وجميع هذه العوامل إجتمعت على جثمان الأب شربل. ولو فرضنا أنّ الرهبان اهتدوا إلى طريقة التحنيط المصريّة القديمة، من أين لهم أن يجعلوا هذه الجثّة ترشح مصلا. وأقول بكلمة واحدة، إنّ جثمان الأب شربل محفوظ بقدرة إلهيّة، وإنّي مستعدّ أن أدفع جائزة عشرة آلاف فرنك -وهو مبلغ كبير بالنسبة لاقتداري- لمن يستطيع أن يحفظ جثّة في حالة كحال هذه الجثّة.

 

5- غير ممكن طبيّا!

وسأله محامي الإيمان: ألا يمكن أن يتسبّب هذا الرشح من حقن مصليّة تحقن بها الجثّة؟

فأجاب: هذا أمر لا يمكن وقوعه طبيّا. لأنّ هذا المصل يكون في جسم الإنسان، ولا يمكن تركيبه في الصيدليّات. فأنا قد درستُ الصيدلة قبل الطبّ، ومارستها مدّة من الزمن، ومعي شهاداتي القانونيّة من مدرسة ليون. فمن هو الإنسان الذي يعطي دمه مدّة 27 سنة، ليحقن بمصل هذا الدمّ حثمان الأب شربل. زيادة على ذلك، فإنّ عمليّة فرز المصل عن الدمّ لا يمكن أن يقوم بها غير إختصاصيّين، عندهم جميع الأدوات اللازمة، لتحضير هذا العمل. فلو تمّ ذلك، ما كان يمكن أن يبقى سرّا. ومَن مِن الرهبان الذين تعرفون بساطتهم، يستطيع لو حصل على هذا المصل، أن يستعمله. ولنحسب أنّ كلّ ذلك توفّر، فإنّه يستحيل حقن الجثث، بعد مرور 27 سنة[3] على الوفاة، بل يستحيل بعد شهر، لأنّ العروق والأوردة التي تمرّ بها الحقنة، تتصلّب بعد الوفاة بقليل، ويستحيل أن ترشح، لو أدخلت في طريقة من الطرق، لأنّ المسامّ مسدودة.

 

6- يؤخِّر الفساد فقط!

وسأله أيضا: هل تجويف الجثّة بنَزع القلب والمعلاق فقط ينتج عنه مثل هذه الحالة أو ماذا ينتج عنه؟ أجاب: نزع القلب والمعلاق، لا ينتج عنه شيء من هذا. إنّ نزع الأمعاء التي يبتدئ فيها الفساد، يؤخّر الفساد إلى حين.

خامس عشر: فحوصات أخرى

1- الكلس الحرّاق!

استدعي، الدكتور نجيب بك الخوري، ليفحص هذه الجثّة، قبل سنة 1910. ففحصها وأمر أن يوضع تحت القدمين إذ كانت موضوعة في خزانة، منتصبة على القدمين، كلس حرّاق، قصد امتصاص الدمّ الراشح والمادّة الناضحة وتجفيف الجثّة، ففعل الرهبان. وبعد حين عاد هذا الطبيب الذي لم يكن وقتئذ مارونيّا إلاّ بالاسم، فوجد الجثّة على حالها. فأمر بأن يرفع الكلس من تحت القدمين، وقال: وضعت الكلس لإعتقادي أنّه يُفسِد الجثّة، ولكن أرى هذه الجثّة محفوظة، بقوّة لا تصل إليها المعارف الطبيعيّة العلميّة. ولا شكّ أنّ لقداسة الأب شربل يدا في ذلك.

 

2- غير موجودة في قانون الطبّ

شهد الأب يوسف إهمج: عام 1910 عيّنت رئيسا لدير مار مارون عنّايا، وكان جثمان الأب شربل في زاوية الكنيسة في تابوته. وإذ كان رشح السائل لا ينقطع، إستدعيت الدكتور جورج شكرالله، الذي كان صديقا لي، وجارا لبيت والديّ. والدكتور نجيب بك الخوري من إهمج، والدكتور واكيم نخلة من جبيل، ودكتور أرمني آخر وجميعهم قد توفّاهم الله. إستدعيت هؤلاء الأطباء إلى دير مار مارون عنّايا، وعند حضورهم نقلوا الجثمان إلى غرفة من غرف الدير قرب الكنيسة. ووضع على شرشف فوق طاولة، وفحصه كلّ منهم على حدة. وكان في الغرفة مع الأطباء، سابا وأنا. ثمّ فتح الأطبّاء جثمان الأب شربل من كعب الصدر إلى الصرّة ليروا سبب رشح السائل، وبعد أن دقّقوا في داخله عادوا فألبسوه ثيابه. وخرجوا وقد سمعتهم يتحدّثون عن المادة التي ترشح من جسمه. فقال الدكتور شكرالله: إنّي أقدّم مبلغ خمسين ليرا عثمانية، لمن يبيّن لي ما هي هذه المادّة التي ترشح؟ وما هو سبب رشحها؟ فأجابه الدكتور نجيب بك الخوري: أنا لا أعلم. وكذلك أجاب الطبيب الأرمني. ومن سؤالي لهم كان جوابهم أن هذه الحالة غير طبيعيّة، لا نستطيع أن نعطي عنها جوابا فنّيّا. وأحدهم جورج شكرالله قال: لا تسألنا عن أشياء سماويّة غير موجودة في قانون الطبّ الأرضيّ.

3- الدكتور الياس العنيسي

شاهدتُ في دير مار مارون عنّايا جثّة الأب شربل. فعند اقترابي من الصندوق الموضوعة فيه شممت رائحة جسميّة لا يمكن التعبير عنها، فهي نظير كلّ رائحة منبعثة من الأجسام الحيّة. وبعد نظري إلى الجثّة والتأمّل مليّا وإمعان النظر بها وجدتُ مادّة خارجة من مسامّ الجسد، الأمر المستغرب والغير الممكن تعليله طبيعيّا في جسم بلا حراك من سنين عديدة. وراجعتُ الكشف على الجثّة مرارا عديدة بأوقات مختلفة ولم تزل هي هي. تحريرا في 16/10/1926.

 

4- فحوصات سنة 1927

فُحِصَت الجثّة، فوُجِد أنّ لونها في مجموع الجثمان أحمر مصفرّ، والجلد يابس في القسم الأكبر، غير أنّه طريّ في بعض أقسامه كاليد والظهر. العضلات ممتصّة، وامتصاصها يظهر جليّا تحت الجلد الذي يغطّيها. والجلد، فإن يكن قاسيا، فإنّه ينضح مادة لزجة، لونها كلون المصل الجامد، ورائحتها كرائحة المصل المايل إلى الفساد، كأنّ هذه المادّة تفسد بعد خروجها من المسام الغير المنظورة، ولا يزال موجودا في الصدر والذقن والرأس، وفي اليدين أيضا، وفي كافّة الأقسام التي ينبت فيها شعر، كميّة من الشعر غير قليلة، والشعر الذي كان وقت حياته. وهذا الشعر متمسِّك في جسمه، متمكِّن كما في جسم الحيّ. والعنق تظهر أقسامه من عظام وغضروف وجلد، كما في الأجسام الميّتة، قبل أن يدبّ فيها فساد. والعينان والأنف متشوِّهة قليلا، بفعل سقوط الدلف من سقف المقبرة، حيثما كان محفوظا بها. والعظام محفوظة جيّدا حتّى الأظافر، كما في الأجسام الحيّة. ويظهر جليّا من تحريك البعض من أعضائه، أنّ المفاصل لا تزال تتحرّك وتطوي، متى حرّكت وطويت. والصدر والظهر لا يزالان بهيئتهما كما يكونان بُعَيْد الموت. والبطن ضامر، ويوجد شقّ مستطيل من أسفل الضلوع حتّى الفخذ الشمالي، بطول 20سم وعرض10سم. وهو شقّ فُتح اصطناعيّا بيد بشريّة. وعلى البطن محلّ الزنّار، يوجد أثر لزنّار حديديّ اللون، وظاهر بأكثر من لون الجثّة، ربّما يدلّ على أنّ الأب شربل كان يتمنطق في حياته بزنّار من حديد. وأعضاء التناسل لا تزال ظاهرة. ويوجد أثر تكلكل على الركبتين، يدلّ على أنّه كان يركع كثيرا عليهما. ويوجد في أخمص الرجلين، وفي اليدين خصوصا اليسرى، وهي الأقسام المعرّضة للنظر واللمس تخديش وتنسير في الجلد، يظنّ أنّها منتثرة بيد بشريّة. واللحم الظاهر تحت التنسير أبيض ضارب إلى الحمرة الفاتحة. وفي أسفل الجمجمة ثقب طوله 4 سم بعرض 1سم مقصوص بالسكين. وكلّ تشويه بالجثّة هو فعل يد بشريّة، ما عدا العينين والأنف، فتشويههما بسبب وكف المياه، بعد تكبير الشقّ  الذي أجراه الدكتور جورج شكرالله في البطن من الشمال إلى اليمين، ومن الوسط إلى جهة الرأس في الصدر، فُتِح الجوف فوجد أثر قليل لأحشائه، أمّا الأمعاء والكرش والمعلاق فهي منتزعة لا وجود لها. أمّا النسيج الجلدي وما تحته، فلا يزال مرنا طريّا، محفوظة طبقاته الطبيعيّة. وفتح هذا النسيج أمام اللجنة، فشاهدت طبقاته سليمة كأنّها طبقات نسيج حيوان ذبح من يومين، ولم يفسد.

 

سادس عشر: حتّى العام 1950

1- دفن الجثمان

سنة 1927 وضع جثمان الأب شربل في القبر، بأمر من الكرسيّ الرسولّي، وقد تمّ ذلك ضمن الجدار الداخليّ للدير، في الطابق السفليّ، في جانب البوّابة للجهة القبليّة، في قنٍّ للدجاج سابقا، بعد أن طيّنت حيطان السرداب الأربعة الداخليّة بمجبول الكلس والرمل، تغشّت بورقة من الترابة الإفرنجيّة، وغطّيت أرضه بقشرة من الترابة نفسها وبيّضت الحيطان والسقف بالكلس، وصار السرداب قبرا جديدا. وبقي هناك من سنة 1927 إلى نيسان 1950. وكتب على القبر في الحائط هذه العبارة فقط: هذا ضريح الأب شربل.

 

2- منديل القدّيسة فيرونيكا

صدر أمر من قدس الأب العام يومها، أن يفتح باب للكنيسة ويُسمح للنساء بالمرور عبره إليها - لأنّه كان محرّما على النساء الدخول إليها من قبل- طلب إليّ الأب الرئيس بطرس أبي يونس أن أقوم بأعمال الحفريّات تجهيزا لإنفاذ الأمر وكان ذلك في بدايات شهر شباط سنة 1950.

وفي نفس الوقت، رأى بعض الزوّار، رطوبة في أسفل الجدار الذي ضمّنه التابوت، فنبّهوا رئيس الدير. فخاف رئيس الدير والرهبان أن يكون تسرّب إلى القبر ماء من المطر، أو من السطح، فيضرّ الجثمان. فأتى الرئيس برفقة عمنايل عمانايل، الساعة العاشرة ليلا وبدأوا بالحفر. سأل عمنايل عمنايل الرئيس: ما رأيكم إن حفرتُ لأعاين ما يوجد تحت القدّيس؟ فأجابه: إفعل ما يحلو لك.

يشهد عمنايل: بدأتُ بإخراج الحجارة، ونحن أساسا بدأنا المشروع بحجّة التحقّق ممّا إذا كانت الرطوبة قد ألحقت الضرر بقبر القدّيس وجثمانه. رفعتُ بعض الأحجار وفتحتُ القبر، نزلت والقنديل في يدي، فوجدتُه ناشفا من كلّ جهاته، ووجدتُ الماء يرشح من التابوت وقد استحال منه بِرْكَة. ووجدتُ الجثمان والأثواب كلّها مبلّلة بالماء. ووجدتُ التابوت مهترئا، والماء هو عرق الجثمان، وقد تجمّع في التابوت، وأكل الزنك فانثقب واندلق الماء إلى الخارج، فرشح من الحائط، وشاهده الناس. طلبت من الرئيس أن يأتي بوعاء  العماد من الكنيسة مع بعض الرقع من القماش. وبان لي إنسان!! أجل إنسان!! رجل ميت! يد طبيعيّة ليّنة، فتجرأتُ وقبّلتها! وكانت اليدان ترشحان ماء وكأنّي به إنسانا حيّا يعرق، أنا أمسح عرقه وهو يزيد عرقا وتصبّبا! وقطعتُ من لحمه ما يقارب العشرين سم بعرض خمس، طمعتُ فاقتطعتُ خزعة أخرى أقصر من السابقة ووضعتُها في جيبي، وانتزعتُ من فمه نيبين وسنّا. ثمّ أتى الرئيس ومسح وجه ويدا شربل بقطعة قماش أبيض فانطبعت صورته عليه. وقفّلنا القبر.

وفي اليوم التالي ذهبنا إلى بيروت وأطلعنا الرئيس العام العنداري على ما قمنا به، فلام الرئيس على عمله هذا دون إجازة السلطة. فاعتذر قائلا: إنّه لم يكن له قصد إلاّ معرفة من أين يأتي الماء؟ خوفا من أن يأتي من الخارج، فيفسد الجثمان. وأعلم الرئيس العام لجنة التحقيق بما فيها محامي الايمان الخوري منصور عواد بما جرى. وفي اليوم التالي هرع الناس إلى عنّايا بشكل جنونيّ، لم نعرف كيف عرف هؤلاء بما جرى، وبالآلاف، لزيارة جثمان الأب شربل، وجرت عجائب وأشفية كثيرة بشفاعة الأب شربل ذكرتها الجرائد وتسجّلت في سجلاّت الدير. ومن يدخل الدير اليوم يرى قرب البوّابة غرفة مليئة بالعكّازات التي تركها العرج الذين نالوا الشفاء بشفاعة  الأب شربل دلالة على شفائهم عرفانا بالجميل.

3- كفن السيّد المسيح

يشرح الأباتي العنداري: عندئذ قدّمت عريضة إلى السيد البطريرك أن يعيّن لجنة للكشف على الجثمان. فتعيّنت لجنة من الدكاترة: يوسف الحتّي وشكري ميلان وتيوفيل مارون. وفي 22 نيسان من السنة ذاتها 1950، حضرت اللجنة وهيئة الرئاسة العامّة أي الرئيس العام والمدبّرون، والمطران عقل النائب البطريركي، واحتشدت جماهير غفيرة، دون أن نعلم كيف تسرّب إليها الخبر. وكان محامي الإيمان الخوري منصور عوّاد حاضرا ففُتِح القبر، وأخذوا التابوت إلى الكنيسة، وفتحه الأطبّاء أمام من ذكرناهم، فوجدوا الأثواب كلّها، والفراش الذي كان موضوعا عليه الجثمان، والمخدّة، وبدلة التقديس كانت كلّها مبلّلة. وبعضها مهترئ، وهي كلّها محفوظة في دير مار مارون. وقد تحقّق الأطبّاء بأنّ الماء الذي بلّل الجثمان، وكلّ ما في التابوت لم يكن من الخارج، بل كان مصدره جثمان الأب شربل. فقطعوا قطعة صغيرة من الجثمان يصير فحصها في المختبر الطبّيّ. ووضعوا محضرا دقيقا بكلّ ما شاهدوا وعاينوا. وبعدما رفعوا الجثّة، التي وضعوها عارية على شرشف لفحصها، وجدوا ملامح جسم القدّيس على الشرشف، كما انطبعت صورة السيّد المسيح على الكفن لحظة القيامة.

 

4- ماذا وجد في القبر وفي التابوت؟

وُجد الجثمان يعرق. الدم الأحمر يتجمّع على الجثمان نفسه ثم على أثوابه الكهنوتيّة، والدم الأبيض يتجمّع في التابوت إلى أن غمر الجثمان والأثواب، وامتلأ منه التابوت إلى ما فوق كتفي الجثمان فاهترأ قسم من بدلة القدّاس وعلا الصدأ البوق الذي وضع فيه المحضران واهترأ أيضا قعر التابوت الخشبي ومن ثمّ قعر التابوت الزنكي الخارجي وانشقّ هذا تحت رجلي الجثمان وفاض منه الدم الأبيض على الحجر الذي تحت القدمين من الجهة الغربيّة وسال على مصطبة أرض القبر من الجهة الغربيّة وتجمّع على الجدار الغربي ومنه تسرّب إلى الخارج. والدم الأسود متجمِّع على جلد الجثمان جميعه متجمِّد عليه والجثمان لا يزال طريّا في داخله وإنّ اليدين والرجلين تنطويان على المخالع.

5- معاينة الجثمان وإقفال القبر

بعد الكشف على الجثمان ألبسوه أثوابا جديدة، وحلّة تقديس غير التي كانت عليه. وأرجعوه إلى التابوت نفسه، وإلى القبر، وسدّوه بالحجارة والإسمنت، بعد أن كانوا ختموا التابوت بالشمع الأحمر، ووضعوا الأثواب التي كانت عليه عند محامي الإيمان كوديعة، مع قسم من التراب الذي كان مجبولا بالسائل الذي كانت تفرزه الجثّة. وفي شهر آب 1950 أعادوا فتح القبر، والكشف على الجثمان أمام لجنة إكليركيّة، مؤلّفة من المطران بولس عقل، ومحامي الإيمان الخوري منصور عوّاد، والخوري (المطران) عبدالله نجيم ومن الأبّاتي العنداري الرئيس العام، ومن مجلس المدبّرين وجمهور من الكهنة والرهبان، وأمام لجنة الأطبّاء المؤلّفة من الأطبّاء السابقين في اللجنة السابقة ومعهم الدكتور مرشد خاطر عميد كلّية الطبّ في دمشق، ودكتور أرمني جاء خصّيصا من مصر ليشهد هذا الكشف، ومن الدكتور الياس خوري الذي كان وزير الصحّة آنذاك، وغيرهم من الأطبّاء. وكان حاضرا أيضا، قائمقام كسروان توفيق حيدر، ومرافق رئيس الجمهوريّة سابقا منصور لحّود وعقيلة رئيس الجمهوريّة السابق السيّدة لور خوري وغيرهم. وبعد أن أقسم أعضاء اللجنة اليمين في معبد الدير، فتحوا القبر أمام هذا الجمهور، وأخرج التابوت، ودخل الأطبّاء القبر يتقدّمهم الدكتور مرشد خاطر، وفحصوا الجدران، فتحقّقوا من أنّها ناشفة، ولا سبيل لدخول المياه إلى القبر منها. إنّما وجدوا رشحا سائلا، بلون الخمر، تحت التابوت من جهة الرجلين. ففتحوا التابوت، فوجدوا ثياب الأب شربل، والبدلة التي يتّشحها، والفراش الذي كان تحته مع الوسادات كلّها مبلّلة بالسائل الذي كان ينضحه جثمانه، وعلى إسكيمه نوع من العفن. أمّا الجسم فكان لا يزال، كما وضعوه، على سلامته. وبعد أن قطع الدكتور تيوفيل مارون قطعة صغيرة من صدر الجثمان ووضعها في حنجور زجاج، كان يشاهد عليها من جهة القطع قطرات سائل العرق الدمويّ، وشاهد ذلك كلّ أعضاء اللجنة وجمهور من الحاضرين. وعلى أثر ذلك ألبس الجثمان أثوابا وبدلة جديدة. وضع تحته فراش ووسادات جديدة أيضا. وختم التابوت، وأعيد إلى القبر الذي سدّ كما كان. وقد نظِّم محضر دقيق بكلّ ما تقدّم، وقّعه الأطبّاء واللجنة الإكليركيّة. وقد وضعت، نسخة عن هذا التقرير في التابوت، والثانية استلمها محامي الإيمان. وعندما فُتِح القبر في 23 نيسان سنة 1950، وُجِد الظرف المعدني الذي كان وُضع فيه التقرير عن حالة الجثمان عند دفنه سنة 1927 مهترئا. وعندما لُمِس، تفتّت. أمّا التقرير نفسه فكان لا يزال سالما، ما عدا بعد أطرافه التي كانت ملوّثة، ومصبوغة بلون كستنائيّ نتيجة وصول العرق إليها.

 

6- عرض الجثمان وزيارات

عندما نقل للمرّة الأخيرة، بأمر السلطات الكنسيّة، سمح بعرضه. فزاره بطرك السريان الكاثوليك الكردينال تبّوني والكردينال أغاجانيان وفريق كبير من إكليروسهما؛ ومطارين والمطران نجيم وعقل وباقي مطارين الطائفة المارونيّة. والبطرك أنطون عريضة واحتفل بالذبيحة الإلهيّة في محبسة مار بطرس وبولس نهار عيدهما.

وتوافدت الجماهير عديدة من كلّ طبقات المجتمع كبارا وصغارا أمّيّين ومتعلّمين مسيحيّين وغير مسيحيّين من لبنان والدول العربيّة ومن أوروبا وأميركا وأطراف المعمور كافّة، إلى زيارة ضريحه. وقسم كبير من الزوّار هم من المرضى بأمراض متنوّعة، ومن المصابين بعاهات ومشاكل، ويحتاجون إلى العون والمساعدة الإلهيّة. ومن جملة الزوّار الرئيس بشارة الخوري ووزراء ونواب ورجال دولة، ومن كلّ المذاهب المسيحيّة وغير المسيحيّة. ولا تزال الوفود تتوارد إلى زيارته وخصوصا في أيّام الأحاد والأعياد مدفوعة باعتقادها بقداسة الأب شربل، وفعاليّة شفاعته بالنسبة للأشفية العديدة التي أجراها الله على يده.

 

 

 

 

سابع عشر: صورة شربل

1- راهب شفّاف الجسم!

شهد الأخ الياس نوهرا إدّه: نهار الإثنين في 8 أيّار سنة 1950، يوم عيد مار يوحنّا الإنجيليّ، شفيع جمعيّتنا، توجّهت بأمر رئيس مدرسة الرسل جونيه، المختصّة بجمعيّة المرسلين الأب (المطران) يوسف مرعي، إلى زيارة دير مار مارون عنّايا، برفقة الأب بطرس شلهوب، والأب ساسين زيدان، وجمهور الإخوة الناذرين والمبتدئين والطلبة من أبناء جمعيّتنا المرسلين اللبنانيّين مع الخدم، وعددهم 40 شخصا، وكنّا في أوتوبيس المدرسة. فوصلنا إلى دير مار مارون عنّايا الساعة الثانية عشرة. فزرنا الكنيسة وضريح القدّيس شربل وزرنا الدير. وكان الحشد كبيرا، وعدد المرضى والمبتلَين بعاهات كثيرة كبيرا أيضا، والصلوات في الكنيسة متواصلة، والجماهير في زحمة تشارك في الصلوات بإيمان وحرارة. ونحن زيّحنا مار مارون، ثمّ القربان المقدّس. وبعد ذلك صعد قسم منّا إلى محبسة مار بطرس، وأحببت أخذ صورة شمسيّة لبعض الإخوة الذين كانوا برفقتي: المبتدئ يوسف أنطون من عبرين، وإلى يمينه الطالب حنّا غصن من دار بعشتار وورائه شجرة ملاصقة للمحبسة، وإلى يمينه فتى كان في زيارة المحبسة قال لنا أنّه من حوقا يدعى يوسف طنّوس، وإلى يمينه الأخ بولس يزبك من قرطبا وقد جلس أمامه الأب الياس أبي رميا إهمج، وكيل المحبسة. وقد التقطت لهؤلاء الأشخاص صورة شمسيّة بآلة تصوير ماركة "كوداك بروني". وفي 9 أيّار ظهّرنا الصور، ظهر أمام الفتى الذي هو من حوقا، صورة راهب جليل قد برز، في جلال، رأسه ووجهه ولحيته البيضاء، وإسكيمه على رأسه، ويده اليمنى منظورة الأصابع وهي مسودّة كأنّها مومياء. والراهب شفّاف الجسم، مرتدٍ بعباءة راهب سوداء كسائر الرهبان اللبنانيّين، تظهر من ورائه، من خلال جسمه الحجارة والأعشاب التي على الأرض، كأنّ الراهب أمامها من زجاج. وظهر جنب الفتى من حوقا من أسفل لحية الراهب إلى قرب ركبته. وقامة الراهب منظورة جيّدا وهو راكع، وأقرب إلى آلة التصوير من الشابّين الواقفين وراءه، وظهر على إسكيمه بياض الصدريّة التي يرتديها الفتى الحوقاوي، كأنّ الإسكيم أيضا هو شفّاف.

 

2- أنا بدّي اتصوّر معكم!

شهد يوسف طنّوس: زرتُ محبسة شربل في 8 أيّار سنة 1950، فإذا بزوّار من رهبنة الكريم يقولون لي: إذا أردت تتصوّر معنا؟ فأجبتهم: لا مانع، ووقفت مكتّفا. فإذا براهب يخلق فورا أمامي، ويقول لي: "أنا بدّي اتصوّر معكم وأقعد قدّامك" فأخذ الأخ الياس نوهرا إدّه صورة ، فحالا توارى الراهب. وعند تظهير الصورة، ظهر راهب فيها لم ينظره غيري، قال عنه عارفوه أنّه القدّيس شربل.

3- هذه هي صورة الأب شربل!

وقد قدّم محامي الإيمان، الخوري منصور عوّاد، بالتعاون مع رئاسة الرهبانيّة اللبنانيّة العامّة، وخاصّة الأبّاتي يوحنّا العنداري، هذه الصورة لكلّ من: أليشاع نكد، وهو إبن وردة بنت حنّا شقيق الأب شربل، والأخ جرجس نعمة لحفد، والأب الياس مشمش، والأب يوسف إهمج، والأخ بطرس خليفة ميفوق، والأخ بولس يونان مشمش، والأب أنطونيوس نعمة، والخوري يوسف سعد خوري من مشمش، والجميع عرفوا القدّيس شربل في حياته، وأكّدوا، بعد حلف اليمين، أنّ هذه هي صورة الأب شربل، وتمثّله متألّما ومنازعا في آخر حياته، ويده تشبه يد جثمان القدّيس شربل. والسيّدة نهاد الشامي تقول: إنّ هذه الصورة هي صورة الأب شربل.

 

 

 

4- الأبّاتي اغناطيوس التنّوري

كتبت مجلّة طريق القداسة: أخذنا صورة الأب شربل مكبّرة، وجمعنا نحوا من 30 صورة من آباء الرهبانيّة القدماء، وجعلناها بين تلك المجموعة من صور الآباء. وقمنا أمام التنّوري نرجوه أن يفيدنا عن إسم كلّ أب من أصحاب تلك الصور. وتلك حيلة لنرى إن كان يعرف صورة الأب شربل... إلى أن وصل إلى صورة الأب شربل، فأخذها بيده وبدأ يتأمّلها. يبعدها حينا عنه ويحدّق النظر فيها. وحينا يقرّبها ويحدّق النظر فيها أيضا. ولم يلبث طويلا وهو يبعدها ويدنيها حتّى هطلت الدموع من عينيه غزيرة. وبدأ يُقبِّل تلك الصورة حتّى بلّلها بدموعه الغزيرة. ونحن على يقين تامّ أنّها الصورة العجائبيّة التي ظهرت بعدسة المصوّر.

فسألناه: أتكون هذه الصورة يا أبانا، لأحد أقربائك، أو لأحد أعزّائك، حتّى تأثَّرتَ من رؤيتها هذا التأثُّر البليغ؟ قال وهو يشهق بالبكاء كالطفل: لا، هذه صورة الأب شربل. من أين جلبتموها؟ الأب شربل لم تؤخَذ له صورة في حياته!

5- العلامة الفارقة!

يشرح الأباتي العنداري: لهذه الصورة علامة فارقة يعرفها جميع الذين كان شهودا يوم 22 نيسان سنة 1950 عند الكشف عن جثمان شربل في دير مار مارون عنّايا وهي أصابع يد جثمان الأب شربل اليمنى السليمة من الفناء فقد ظهرت في الصورة كما هي في تابوته حاليّا كأنّها ملتقطة عنها مباشرة.

6- لا تعتمد الرهبانية إلاّ على هذه الصورة!

ويضيف العنداري: قد عرضنا الصورة مجدّدا على مصوّرين عديدين ليقولوا كلمتهم الفنّيّة فيها وخاصّة بما أنّ بعض الأشخاص الذين لهم إلمام بالتصوير الشمسي قد أكّدوا أنّ الصورة بشكلها الحالي هي نتيجة مشهدين التقطا على صورة واحدة قبل تظهير المشهد الأول؛ فكانت نتيجة أبحاثنا، أنّ الصورة حقيقيّة، وأنّ جميع ما قيل بشأنها لإنكارها، أو لإيجاد الريب فيها، ناجم عن قلّة خبرة في مسائل التصوير، أو عدم تدقيق في هذه الصورة. فنحن نعرض هذه الصورة على الرأي العام كصورة حقيقيّة لشربل. والرهبانيّة لا تعتمد إلاّ على هذه الصورة، ولا تعرف لشربل صورة غيرها، وكثيرين ممّن ظهر لهم شربل في رؤيا خاصّة قد أكّدوا عندما نظروا هذه الصورة أنّها صورة شربل الذي ظهر لهم. ونزيد على هذا كلّه أنّه لا يوجد في الرهبانيّة اللبنانيّة ولا في غيرها شخص بهذه الهيئة!

ثامن عشر: أفيض روحي (أع 2/17)

1- شفاء معاق ومشلولة

ويشهد العنداري: عندما فُتِح القبر في 22 نيسان 1950، رأيت، ونحن في الممشى، شابا من ميفوق يدعى أميل بطرس، وهو يتوكّأ على عكّازين، بسبب عاهة في ركبته. فقلت له أن يطلب شفاعة الأب شربل. وبينا كنّا في الكنيسة لفحص الجثمان، وإذا بنا نسمع تصفيقا وهرجا في الخارج. وعند تقصّي السبب، عرفنا أنّ الشاب المذكور قد شُفي من عاهته. وقد عرفتُ أيضا أنّ رجلا من بمريم لا أذكر اسمه يشتغل في التلفون، مرّ يوم الكشف على الجثمان بدير مار مارون عنّايا. وإذ لم يتمكّن من الدخول إلى القبر، مسح برنيطته بالحائط تبرّكا، ورجع إلى بلدته بمريم. وكانت له ابنة شقيق مشلولة، أي لا تستطيع المشي. فعلم أهلها أنّه كان في دير مار مارون عنّايا، فسألوه إذا كان يحمل بركة ما من هناك، فأخبرهم أنّه لم يستطع الدخول، واكتفى بمسح برنيطته بالحائط، وأعطاهم البرنيطة، ليلمسوا بها الفتاة المشلولة. وعندما مسحوها بالبرنيطة برئت وقامت تمشي.

2- تفطّرت قلوبهم (أع 2/37)

وكانت الجماهير تتوافد لزيارة الضريح من كلّ الطبقات، ومن كلّ المذاهب من العلماء والبسطاء، من الحاكمين والمحكومين لزيارته، قصد الاستشفاء من أمراض وعاهات مستعصية. والأعجوبة الكبرى أنّ كثيرين، ممّن كانوا من عشرات السنين ابتعدوا عن قبول الأسرار، وخصوصا سرّ التوبة، كانوا لدى زيارتهم الضريح، يستوليهم الخشوع والتوبة، ويقتربون من الاعتراف بالدموع.

3- شفاء مَنْزوفة (مر 5/25-34)

شفاء إمرأة أخ الأب لطّوف العنداري من نزيف أصابها لمدّة سنتين وشارفت على الموت، فشفيت بشفاعة الأب شربل.

4- شفاء من داء المفاصل

إن نعمة يوسف ابراهيم، من شركاء دير مار مارون، وكان عمره نحو 5 سنوات، أُصيب عام 1941 بداء المفاصل. وقد عرضه والداه على الأطبّاء، فقالوا: إنّ شفاءه من هذا الداء، يقتضي وقتا طويلا. فالتجأت والدته إلى شفاعة الأب شربل، وطلبت أن تعطى بركة عن ضريحه. فأعطيتها قماشا من أثره، وماء مسّه قماش كان على الأب شربل. فأخذت هذه البركة، ومسحت مفاصل الولد بالقماش المبلول بالماء المبارك. وحالا ابتدأ الولد يحرّك مفاصله. وفي اليوم الثاني أصبح معافى.

5- وراء الربّ يسوع (متّى 20/29...)

كتب الأب فاللوم اليسوعي: ذهبتُ أنا بنفسي إلى جبل جبيل. كان المشهد رائعا: عشرات الأتوكارات، ومئات السيّارات تقلّ الجمع الغفير. هذا ممّا يجعلني أفكّر بتلك الجموع التي كانت تتدافع، منذ الفي سنة، وراء الربّ يسوع... إنّ لمشهد يترك في النفس انطباع إيمان عميق! فأنا أعتقد أنّ ثمّة معجزات اهتداء تضاهي معجزات الشفاء.

 

6- أَلْسِنة ناريّة حمراء (اع 2\3)

قد تخطّت حوادث الشفاء حدود لبنان ومصر والأردن وسوريا ألى أميركا وأوروبا، وصار شربل حديث العالم كلّه. وزوّار الضريح لا يقلّون يوميّا عن 5000 وأيّام الآحاد والأعياد يرتفع إلى 15000 وقد تجاوز 40000يوم العنصرة! وفي ثاني العيد وأمام هذه الجماهير المحتشدة من جميع الأنحاء، وعلى مرأى منها شفي الكثيرون من الذين حُملوا إلى ضريح الأب شربل طلبا للشفاء من عللهم المستعصية شفاء عجيبا فجائيا. وأكّد نحو 5000 شخص من الذين وقفوا لجهة الضريح الشرقيّة في العراء يوم عيد العنصرة أنّ قبر الأب شربل أضاء في رابعة النهار بنور سماوي جلي ناصع البياض، ما عتّم أن انقلب إلى ألسنة ناريّة حمراء اللون، كتلك التي هبطت على الرسل من السماء في علّية صهيون، فعمّ الفرح والخوف والبكاء جميع المشاهدين، وباركوا الله في شربل.

7- عَجِيبِه بِتْنَيْن!

هذه الأعجوبة جرت مع فؤاد، شقيق الأب الحبيس يوحنّا الخوند، بعد أن بقي في الغيبوبة العميقة أي الcoma ما يزيد عن سنتين، فكانت أعجوبة مزدوجة: شفاء فؤاد ويصبح اسمه شربل، وطبع صورة شربل في قلب الأب الحبيس ليكون راهبا فاضلا في كلّ أطوار حياته، توّجها في خطى شربل حبيسا في محبسة مار أنطونيوس- طاميش، منذ 17\1\1998.

حْدَعْشَر سِني عُمْري دَخَلت الرَّهْبَني                       وِبْدَيْر غُوسْطا طالِب بْتالِت سِنـــــــي

لمَّا ظَهَر مــارْ شَرْبل وقَبْرُو سَطَــــعْ                       بالنُّور وتوزَّعْ عَجَايب عَ الدِّنـــــــــي

وخَيِّي إِلُو سِنْتَين غافي بْلا وَجَــــــعْ                       وِبْلا وَعِي عَ فَرْشتُو بنَومُو الهَني!...

وما عادْ يُوعى  والأَمَــل مِنُّو انْقَطَــعْ                       كِعْيُو الأَطِبَّا بْهَيكْ حالِه مُزْمِنـــــــــي

جِلْد وعَضْم بِالبَيت ما عاد شِي  نَفَــعْ                       خِدْمِه إِلُو بْدَير الصَّلِيب مْأَمَّنــــــــــي

أَحَد قْرَايِبْنا كانْ بَـــعْدُو عَ  السَّمَـــــعْ                       يُوسف شِكْري بْرُوح حِلْوي مُؤْمِنــي

زَارْ شَربل عَ القَبْر صَلَّى  ورَكَـــــعْ                        وجَاب قِطْني بْعَرَق جِسْمُو مْرَوْحَنـي

وعَ جْبِين خَيِّي مَسَح بِالقِطْنِه  وخَشَعْ                        حَدُّو بْحَرارَه وطَلَب مِنْ رَبُّو الغَنِـــي

باللَّيل خَيِّ وِعِي ونَادى مْنِ  الفَــزَعْ:                        إِمِّي! أَنا وَيْنْ؟ ودَخِيلِك شُو بِنِـــــي!؟

رَكْضِتْ لَحَدُّو الراهبِه وقَلْبا  هَلَــــعْ                        مِشْ سامعَه هالصَوْت جَدّ ووَلْدَنـــــي

صارِتْ بلُطْف تطَمّنُو بْغِنْج   ودَلَـــعْ                        تَ راق بَالُو وبَاتْ رُوحُو مطَمَّنـــــي

ويَا فَرْحتي لمَّا مُناظِرنا   اطَّلَــــــــعْ                        عَ قِصّتُو بصَفْحِة جَرِيدِه مْدَوَّنــــــــي

ولَمَّا سَأَلْني  تأَثَّر كتير  ودَمَــــــــــعْ                         بسِيَّارتو لعِنْدُو أًخَدْني ورَدّنـــــــــــي

وساعَه بقينا عِنْد خَيِّي   وانطَبَـــــــع                        مَارْ شَربل بْقَلْبي وْلَهَلَّق بَعْدنــــــــــي

مْنِ الإِبْتِدا للتَّلْمَذِه عُمْري قَطَـــــــعْ                         وِبْنِعْمِة الكَهْنُوت رُوحي مْزَيَّنــــــــي

هَيدِي عَجِيبه تَانِيه  كيف اجتَمَــــــعْ                        فِيِّي أَنا اللِّي كانْ "شيطاني" كـــبــيـر

وهلّق متل شربل حبيس برهبني

 

8- علق العكازين عند القبر

شهد نجيب تابت: ذهبت لزيارة شربل وكان عند قبره مقعد يتوكأ على عكازين ويتسول في فرن الشباك حيث بيته. لمس بلاطة القبر ودهن يده على فخذيه ونام ليلة حد القبر وعند الصباح قام يقفز كالغزال وعلق العكازين عند القبر.

9- حتى شوهت نظر عينيه

شهد الاب مبارك تابت عام 1955: ان عبدو ابن ابن اخي في عمر 14 سنة، ولد معه درنة بأعلى خديه وكانت تكبر حتى شوهت نظر عينيه. وكان الاطباء يقولون انها لا تشفى بدون عملية جراحية. ذهب ابوه مشيا على الاقدام من بيروت- فرن الشباك حافيا الى قبر شربل وعاد حافيا ورجع ثانية برجاء ان ابنه يشفى وزارا كلاهما قبر القديس ورجعا وفي اليوم الثاني اخذت الدرنة تتوارى وبعد مدة زالت تماما.

10- تشكر شربل الذي هداها الى الدواء

شهد الاب مبارك تابت عام 1955: ابنة اخي نجيبة زوجة جورج كونفورتي ساكنة بيروت ظهر في خدها حبة وهي في دير الراهبات اللعازاريات في بيروت وبقيت تعالج هذه الحبة وهي تكبر وتنمو حتى امتدت في كل خدها الى نصف فمها ولم يبقَ في بيروت طبيب ولا لجنة أطباء أتت من اوروبا الا وعاينها ولم يقدر احد على شفائها. ذهبت الى دير مار مارون عنايا واقامت جانب قبر شربل تصلي وتبكي وتطلب ان يشفيها وبعد 3 ايام وجدت انها لم تشفَ فقالت للقديس: انا احب ان ابقى هنا حتى اشفى ولكن ما معي فرصة اذا كان ما بدك تشفيني دلني عا طريقة اشفى فيها. رجعت الى بيتها وفي الدار التي كانت تسكنها طابق اعلى وهي تسكن في السفلي ولها صديقة في الطابق الاعلى، عند دخولها للباب عندما صعدت لتراها وجدت في يدي جارتها الطفل كتابا صغيرا اخذته من يده وفتحته فاذا فيه دواء وصف لمثل هذه الحبة التي في خدها اخذته وعرضته على طبيبها من عائلة حكيم ونظر في الدواء فقال لها حسن جدا لم يخطر ببالنا استعملي هذا الدواء واستعملته وبعد ايام قليلة اصبح خدها يقرب الآخر، وجاءتني الى دير البرامية ترينا خدها لافرح معها واشكر معها شربل الذي اهداها الى هذا الدواء.

11- داء المفاصل

إن نعمة يوسف ابراهيم، من شركاء دير مار مارون، وكان عمره نحو 5 سنوات، أُصيب عام 1941 بداء المفاصل. وقد عرضه والداه على الأطبّاء، فقالوا: إنّ شفاءه من هذا الداء، يقتضي وقتا طويلا. فالتجأت والدته إلى شفاعة الأب شربل، وطلبت أن تعطى بركة عن ضريحه. فأعطاها الاب انطونيوس نعمة قماشا من أثره، وماء مسّه قماش كان على الأب شربل. فأخذت هذه البركة، ومسحت مفاصل الولد بالقماش المبلول بالماء المبارك. وحالا ابتدأ الولد يحرّك مفاصله. وفي اليوم الثاني أصبح معافى.

12- صاحت من فرحها وزغردت

شهد جرجورة عون من جديدة المتن في 5\5\1950: اصيب ولدي طانيوس بمرض ذات الرئة بعمر 6 أشهر، وقد عالجه الدكتور شكري الحصري فتماثل للصحة يوما واحدا. ثم أصيبت الرئة الثانية بذات المرض وأمست حالة الولد في خطر مداهم. وبعد معالجة شهرين زال عنه الخطر، إلا انه بقي بحالة من الضعف تكاد تسبّب له أمراضا عديدة. وقد عالجه كثير من الاطباء منهم الدكتور فيليب شديد الذي أخذ له صور عديدة على الأشعة الكهربائية للوقوف على سبب هذا المرض الذي احدث للولد يبسا في يديه واعوجاجا في رجليه. فتبين من هذه الصور انه مصاب بضعف في العظم. وعبثا حاول الاطباء معالجته بالأدوية والإبر فلم ينتفع شيئا، لا بل ساءت حالته ولم يكن يقدر على المشي إلا بجهد وتعب شديد، وكان يعرج من الجنبين وقد انتفخ بطنه ويبست يده اليمنى بحيث لا يستطيع ان يرفعها إلى فمه، حتى اضطر ان يأكل بيده اليسرى. وبقي على هذه الحال إلى سمعنا بعجائب شربل، وتأكّدنا صحّتها بالأعجوبة التي أجراها مع عقل واكيم الذي أسكن وإياه في بناية واحدة.

وفي 5 أيار سنة 1950 توجهنا إلى عنايا وملء قلبنا الايمان والثقة بالله بأنه يستجيب طلبنا بواسطة خادمه الاب شربل. وكنّا 8 أشخاص بينهم السيد تشرفنكا التشكوسلوفاكي المولد واليهودي المذهب. ولمّا وصلنا إلى الدير رأينا الجماهير محتشدة هناك ولم نستطع الوصول الى القبر إلا بشق النفس. فلما بلغناه سجدت أمامه وأشرت إلى ولدي طانيوس أن يجثو قرب الحائط الموضوع وراءه الجثمان، وأخذت ألمس حائط القبر هذا بيدي وأدلك بها جسم الولد وأمسد أعضاءه المتجمّدة وأصلي بحرارة وخشوع قائلا: ربي! ان كنت أنا خاطئا لا أستحق أن يستجاب طلبي فانظر إلى هذا الطفل الذي لم يبلغ السبع سنوات بعد وليس له من ذنب يستحق لأجله القصاص. أعطف عليه واشفه بشفاعة الأب شربل. وقد لقنت الولد أن يطلب من الله الشفاء بواسطة عبده الأمين الأب شربل. وبما أن الجماهير الغفيرة المتراصة هناك ترغب كلها بالوصول إلى القبر اضطررت أن أفسح المجال لغيري فانسحبت مع ولدي طانيوس. وفيما هو سائر أمامي شاهدت كتفيه جالستين ومشيته اعتيادية، فظننت أني أرى ذلك بتأثير الوهم وشديد رغبتي في شفائه. وعندما رأت زوجتي ابنها يمشي صحيحا صاحت من فرحها وزغردت.

13- سأصلي وحدي

شهدت منتهى ضاهر من بكاسين: أصبت بالحمى وأنا بعمر سنة فتركت في كتفي اليسرى حدبة تكبر بمرور الايام. ولما زرت ضريح شربل في 11 ايار 1950 وقفت بعيدة عن القبر لشدة الازدحام وقل له: أن لست مزعجة كغيري اني أتلو لك يا قديس شربل مرة ابانا ومرة سلام طالبة منك ان توفق ولدي اختي اليتيمتين. وانا شخصيا لا أطلب منك شيئا لاني بلغت الخمسين ولم يبق لي من العمر الا القليل. واحفظ عيني لاستطيع القيام بعملي (وهو حرفة الخياطة). ثم عدت الى بيروت دون ان اشعر بشيء. وفي ليل 15 ايار رأيت في الحلم اني في كنيسة محاطة باقربائي، فقلت لهم: شاركوني في الصلاة. فاجابوا: اننا في شغل لا نستطيع معه مشاركتك. فقلت لهم: مع السلامة فاني أصلي وحدي. ثم استيقظت عند الساعة الرابعة والنصف وأخذت ارتدي ملابسي عند المرآة وشدّ ما كانت دهشتي عندما رأيت حدبتي قد اختفت.

14- زحتينا بصلاتك لو بدها تشتي كانت غيمت!

شهدت حسن المحيّر من الشويفات في 14\5\1950: كانت رجلي اليمنى أقصر من اليسرى. وهذا القصر من وقت ولادتي، وكنت أمشي متعوجة وأشعر بأن عظم وركي اليمين نافر، وهذه العاهة كانت تؤلمني جدّا وأتأثر عندما أرى رفيقاتي يسرن سيرا طبيعي وأنا أسير معوجة. وعندما ظهرت عجائب شربل وأخبرني بها ابن عّي قلت له: أتستهزئ بي؟ فأكد لي هذه الحقيقة. ومن ذاك الحين بدأت بأن أصلي وأطلب من الله تعالى أن يشفيني من عاهتي هذه على يد خادمه شربل.

ففي إحدى الليالي بينما أنا نائمة صرخت بأن شربل في بيتنا دون أن أنظره. وفي 8 أيار 1950 ذهبت وشقيقتي وابتي عمي واولاد عمي الى دير عنايا، ولما وصلنا إلى قرب 1000م أوقفت السيارة وسرت مشيا على الأقدام توا إلى القبر. وهناك جثوت على ركبتي وقلبي ممتلئ إيمانا وثقة بالله تعالى بأنه يستجيب طلبتي. ومكثنا هناك نحو نصف ساعة ثم صعدت إلى الكنيسة ورقدت فيها لاننا وصلنا الى الدير نحو الساعة 7 مساء، ومكثنا في الكنيسة نصلي ساعات. وفي الصباح تقدم الجمهور الى تناول جسد الرب تقدمت فتناولت معه. وبعد المناولة شعرت وأنا أصلي بألم شديد في وركي. ثم رجع فزرت قبر شربل وخذت عنه بركة وترابا وماء مباركا ولشدة ايماني سففت ترابا عن الضريح وأتيت ببركة منه فربطتها على جنبي المريض المريض ومسحت بلاطة القبر بمنديلي وأخذت أمسح به جنبي المريض. وعندما أردت مغادرة الدير ذهبت الى القبر ايضا وقبلت حائطه قائلة لشربل: أنا ذاهبة فلا تنسني. ورجعت الى بيتي وانا اصلي واتضرع الى الله تعالى كما كنت أفعل ذلك من قبل. وأما ألم جنبي فبقي كما شعرت به وانا في الكنيسة. وفي 10 أيار حلمت في رقادي أنه يجب علي ان اسخن الزيت المبارك الذي جلبته معي وامسح به فخذي فلم أفعل في بادئ الامر. وقد توجهت لزيارة أحد أقربائي برفقة والدتي ولا يزال الالم يرافقني دائما.

وعندما كنت أمسح جنبي بالماء المبارك كنت أسمعه يطقطق. وفي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر رجعنا الى البيت وكنت أصلي في الطريق فلامتني والدتي قائلة: زحتينا بصلاتك لو كان بدها تشتي كانت غيمت. أما شقيقتي عفاف فكانت تشاركني في الصلاة. فأجبت والدتي: حرام عليكي أن تشككي فايماني لا يزال كما كان، واني سأشفى باذن الله.

ولما وصلت الى البيت سخّنت الزيت ومسحت به فخذي وأتيت بصورة سيّدة الوردية وبشمعتين جلبتهما عن ضريح الاب شربل وأشعلتهما أمام الصورة التي كللها العرق فصرت ألمسها وأمسح فخذي وعادت الطقطقة اليه. أخيرا قست رجلي فوجدتهما متساويتين وصت أمشي كباقي الناس. واني واثقة كل الثقة بان الله قد استجاب طلبتي بشفاعة شربل.

 

15- تارة تصلي وطورا ترتل

شهد بدوي نصر من طرابلس في 24\5\1950: عندما ولدت ابنتي جوليات كانت على اتم عافية. ولما مشت شعرت ووالدتها بأنها تمشي بعرج، فافتكرنا بان العرج ناتج عن صغر سنها. وحينما بلغت السنة الثانية ازداد عرجها، فتحققنا بأن رجليها غير متساويتين، فعرضناها على صديقنا المخلص الدكتور عبداللطيف بيسار ففحصها مدققا واوجب اجراء عمل جراحي لها، فأجراه بكل عناية وتدقيق، وعدنا بالابنة الى البيت فبقيت 6 اشهر طريحة الفراش وهي تتلوى من الالم، وفي نهايتها انتزع الدكتور رباط الجفصين فوجد العملية غير ناجحة، فأجرى لها عملية ثانية اضطرت جوليات بعدها ان تكون طريحة الفراش مدة 6 اشهر ايضا، وفي نهايتها رفع الرباط وشدّ ما كان حزنه عندما رأى العملية الثانية فاشلة، فقال: اني ذاهب الى المانيا وبعد رجوعي احري لها عملية ثالثة وربما تكون ناجحة. فلم ترضَ بذلك والدتها. ومن نحو سنتين عرضنا ابنتنا جوليات على الدكتور فريشو في بيروت فبعد ان فحصها فحصا دقيقا قال: بانه يجري لها عملية ولا يضمن شفاء الابنة بعدها، وأنه يستعمل طريقة يبقي العرج على حالته بنوع انه لا يزداد في المستقبل وتضطر عندئذ ان تلازم الفراش 3 اشهر، فرفضت الابنة وقالت: ان الله يعينني ويزيل عرجي تدريجا وانا متكلة عليه. وظلت الابنة على هذه الحال الى آخر نيسان 1950. وفي 5 ايار ذهبت مع والدتها وشقيقها لزيارة قبر شربل فمكثوا هناك ساعتين وعادوا الى طرابلس. وفي 19 ايار توجهت جوليات مع شقيقتها الى بيروت وهناك اجتمعت ببعض سيدات يرغبن زيارة شربل. فذهبن جميعا في 20 ايار واقمن في الدير طول ذلك اليوم. ولما اردنالرجوع الى بيروت رفضت جوليات العودة مع شقيقتها، بل بقيت في الدير راغبة في الرقاد والسهر والصلاة هناك، فاحيت تلك الليلة بالصلاة الى الله بايمان وحرارة وخشوع متضرعة اليه بان يستجيب صلواتها ويمنّ عليها بالشفاء بشفاعة خادمه شربل. وكانت تارة تصلي وطورا ترتل. وعند الثالثة بعد منتصف الليل احتفل بزياح السيدة العذراء فركعت جوليات على ركبتيها ولم تكن قبلا تستطيع الركوع، الا على ركبة واحدة. عندئذ شعرت برعدة قوية شملت كل اعضاء جسمها فخافت من ان يكون اعتراها ضرب من الحمى، فاخذت تبكي. ثم ذهبت الى قبر شربل طالبة منه ان يراف بها وقالت بحرارة: دخيلكيا بونا شربل. انا راضية بما كنت عليه، ارجعني الى اهلي كما كنت واشفِ هؤلاء المرضى المطروحين امام قبرك. واستمرت هذه الرعدة التي اصابتها نحو ساعة. ولما بزغ الصباح رجعت جوليات مع بعض الرفقاء الى طرابلس وهنا شعرت بتغير تام في جسمها، وعادت رجلاها الى الحالة الطبيعية متساويتين واصبحت سليمة متعافية تمشي بسهولة دون انزعاج بشفاعة القديس شربل الذي نشكر الله لاجل ابنتي المديونة في كل حياتها.

 

16- العميان يبصرون والعرج يمشون والمرضى يشفون (لو 7\22)

كتبت جريدة العمل في 1\6\1950: نكتفي بسرد تفاصيل ثلاث معجزات حصلت يوم الخميس على مرأى من الجماهير الغفيرة التي تؤمّ الدير في كلّ ساعة من ساعات النهار وبينها الرجال الدبلوماسيّون وكبار الموظّفين ورجال الدين والدنيا وأفراد الأسر المعروفة.

 

- الآنسة ماري معلوف

هي من زحلة ومن سكان حي الرميلة بيروت كانت تشكو قصرا في إحدى قدميها يبلغ ثمانية سنتيمترات. توجّهت إلى دير مار مارون يوم الخميس وما كادت تقوم بالزيارة التقليديّة لقبر القدّيس حتّى عادت رجلها إلى طبيعتها ولم تعد تشعر بأي نقص وجاءت إلى منزلها في بيروت وهو الآن محطّ الزائرين.

- سعيدة أسعد فرحات

هي من الجرمق (النبطية) عمرها 17 سنة ولدت مشوّهة ومحدودبة الظهر لا تستطيع الإنتصاب. قامت بزيارة القدّيس شربل يوم الخميس وسجدت أمام القبر وأخذت تصلّي قائلة: "لا أذهب قبل أن اشفى" ولم تلبس أن انتصبت وراحت تمشي بين الجماهير كأنّها لم تكن فيها أيّ علّة.

 

- محمّد يمشي

كان مصابا بالشلل في قدميه. ولا يستطيع السير إلاّ بواسطة عكّازتين وبعناء كلّي. قام يوم الخميس بزيارة القدّيس شربل. وما لمس القبر حتّى شوهدت العكّازتان تسقطان على الأرض والرجل ينتصب على قدميه وسط ذهول الجماهير ويمشي مسرعا دون مساعدة أحد وقد توجّه إلى الدير وطلب إلى رئيسه أن يقبله راهبا بين رهبانه فاعتذر وطلب منه أن يعود إلى أهله وذويه.

 

17- المير قيصر أبي اللمع

كنتُ مصابا بقرحة بالمعدة، وكنتُ دائما أراجع ما آكله. ويرافق ذلك نزيفا دمويا. وكنتُ  أقضي أشهرا عديدة من السنة طريح الفراش في حال تلف. زرتُ وعدتُ، وها قد مضى على ذلك سنتان، ولم يعاودني قيء، ولا نزيف وقد زالت الحمضة من معدتي وكانت في الماضي مستديمة قويّة تحرق زلاعيمي حرقا. وقد تعالجت عند أطبّاء كثيرين، وما حصلت على نتيجة إلاّ من زيارتي للقدّيس شربل.

18- طلب قطعة قطن مبلولة بالزيت

شهد الدكتور اسكندر الغريب في 6\6\1950: ان حفيدي سامي نجل ولدي الياس كان اصيب في سنته الثانية من عمره بشلل الاطفال في رجله اليمنى واخذ بعد شفائه من الحمى يسير على اصابع رجله حفظا للتوازن وتجنبا للعرج، فحصل من جراء ذلك بروز في اعلى قدمه الى الامام مكونا شبه قنطرة، فصرنا نضع كعبا بعلو 4 سم لحذاء رجله.  واليوم هو بعمر 12 سنة قد بلغ والده بان الآنسة جوليات نصر قد شفيت بعد زيارتها ضريح شربل من عرج كان أصابها في طفوليتها، فطلب منها قطعة قطن مبلولة بالزيت المقدس الذي احضرته معها، فدهن رجله المشلولة فعادت الى حالتها الطبيعية وصار يمكنه السير على كعب رجله وزالت قنطرة قدمه وخلعنا حذاءه وهم اليوم يمشي والقدمان متساويتان، فشكرنا الله على هذه النتيجة الخارقة.

19- كالمجنونة

شهدت مريم عاقوري من عجلتون في 9\6\1950: كنت أشعر بالم شديد في رأسي من 18 سنة، وكان هذا الالم يسبب نوبا عصبية يجعلني كالمجنونة وكانت تنتابني في بادئ الامر كل شهر مرة، أخيرا اصبحت تتكاثر فتصيبني بعض الاحيان كل ساعة مرات كثيرة. وقد عالجني الدكتور جان كركريان طبيب مستشفى قلب يسوع من نحو 10 سنين ، وقد اجرى عملا جراحيا في رأسي واستخرج منه كمية من العمل لا يستهان بها تقدر نحو نصف كيلو، فارتحت مدة 8 اشهر تقريبا ثم عاودني النوب فراجعت الطبيب كركيان المذكور مرارا فوصف لي حقنا جلدية وادوية متنوعة فلم تنفعني شيئا. اخيرا عرضت نفسي على الدكتور فيليب توما من نحو 4 سنوات فبعد ان فحصني مرتين، أفاد بانه لا يمكن شفائي، فعدت الى الطبيب كركريان ثم الى الدكتور منير كنعان الذي وصف لي حقنا جلدية لتسكين الالم فاخذ بالاشتداد بل من التناقص وعاودني النوب بعنف وشعرت بألم في العظمة التي هي قرب الاذن لجهة الشمال فكنت لا استطيع الاكل ولا الرقاد ما لم اسند هذه العظمة المريضة بيدي. ثم وصف لي الطبيب منير كنعان حقنا جلدية لم استفد منها.

وبهذه المناسبة اتتني ابنة اخي بقطنة مغموسة بالزيت والماء المباركين عن ضريح شربل. فلما دهنت رأسي بهذا الزيت وشربت من هذا الماء، أحسست في الحال بزوال الالم.

20- بقيتُ 10 دقائق عند شربل

شهد الشيح محمود تقي الدين في 10\6\1950: بدأت أشعر منذ 4 سنوات، بنقص في سمع اذني اليمنى كان يتزايد على مر السنين الى ان كدت اصاب بصمم تام بها. وقد عرضتها على الطبيب اليفر منذ سنتين ثم الطبيب دياب اللذين اجمعا على ان الطبلة مثقوبة ولا يرجى لها الشفاء. وقد دفعني هاتف أعلى لم اتمكن من مقاومته الى الذهاب الى عنايا حيث توجهت وزرت ضريح شربل طالبا شفاعته. بقيت هناك زهاء 10 دقائق ثم عدت الى بيروت دون ان أشعر بشيء غريب. وبعد بضعة ايام تيقنت اني اصبحا اسمع باذني المريضة.

 

21- ولشدة الالم يفقد رشده

شهدت جورجيت زوجة جرجي الزغبي في 23\6\1950: اصيب زوجي من 6 سنوات بضعف في اعصاب رأسه أورثه أرقا ملازما، وكان يحدث له نوب في رأسه كل يوم مرتين وارتجاف في جسمه، ولشدة الالم يفقد رشده ولا يعود يعرف ماذا يعمل ولا ماذا يقول، وقد هزل جسمه من قلة النوم.

وقد عالجه الاطباء: موريس نصار وحنا الشمالي ومارون شبر مدة 6 سنوات ولم يستفد شيئا. وصرح لنا الدكتور حنا الشمالي ان مرض زوجي غير قابل للشفاء. وعندما ظهرت عجائب شربل، ذهبت وزوجي برفقة جمهور من الناس الى دير عنايا لزيارة ضريحه هناك فكثنا نحو نصف ساعة وقفلنا راجعين. ومن ذلك الحين شفي زوجي وأصبح ينام نوما هنيئا الليل بكامله، وقد فارقته الرجفة والدوخة واضطراب العقل، ويتمتع زوجي الآن بالصحة الجيدة.

 

22- إدخال ضريح شربل في دليل السياح

كتبت جريدة لسان الحال في حزيران 1950: تصل في شهري تموز وآب قوافل من السيّاح إلى لبنان قادمين من أميركا ومختلف أنحاء أوروبا وآسيا. وقد صرّح بعض كبار ممثّلي شركات السياحة في لبنان، إلى مندوبنا، أنّ تعديلات أدخلت مؤخّرا على منهاج زيارتهم للبلاد اللبنانيّة؛ وقد أضيف على الأمكنة الأثريّة وخلافها زيارة ضريح شربل في مار مارون عنّايا، وقد انتشرت أخباره في جميع أنحاء العالم. هذا وقد أصدر الزعيم الخطيب قائد فيلق الدرك العام آمرا بإنشاء مخفرا للدرك بجوار الدير مؤلّف من عريف وأربعة دركيّين، وبإنشاء مخفر آخر بالمنيطرة على طريق الدير لتأمين حركة المرور للجماهير التي تتجمّع على الطرق ليل نهار لزيارة الدير.

 

تاسع عشر: الآيات تتبع المؤمنين (مر16\17)

1- رأيت الأب شربل

شهد نعيم غاوي من وادي شحرور: كان لي الحظ بأن عيّنني الدكتور الياس الخوري وزير الصحة في دير عنايا عام 1950. كانت الجماهير متراصة في كل مكان، داخل الدير وخارجه، وكان المرضى يملأون الردهة الموجود في جدارها جثمان الأب شربل. أتى مرة شاب أرمني يناهز الثالثة عشرة، بعد أن قضى ردحا طويلا في المستشفى الأميركي ليعالج من داء السل العظمي. وكان يصحبه والده حاملا معه شهادات المستشفى المذكور لإثبات خطورة حالته. ما كان يستطيع أن يأتي بحركة. لذلك حمله أبوه، وساعده الأب يوسف خشان حتى بلغ القبر. ثاني يوم أخبرت أن هذا المريض يشعر بألم في قلبه يكاد يقضي عليه، فأسرعت إليه. عبثا حاولت إقناع أبيه ليحمله إلى غرفة التمريض، لكي يستطيع الطبيب الإهتمام به. فكان يقول بحزم: الأفضل لابني ان يخسر الحياة ولا يخسر مكانه بقرب القبر...

في نفس الليلة، قرب منتصف الليل، وصل إلى الدير 4 بوسطات من دير القمر وجوارها. نزل الزائرون ودخلوا الكنيسة بالتراتيل. ولما شرعوا بزياح الصورة أراد أحدهم أن يقدم كتاب الصلوات لراهب شيخ كان قد دخل صحبتهم إلى المعبد ظنوه من سكان الدير ليتلو الصلاة المختصة بالكاهن. بغتة استولت على الحضور دهشة عظيمة. وحبس الخوف أنفاسهم. ماذا حدث؟ لما دنا الزائر من الراهب غاب الراهب عن العيان بغتة!

كنت عندئذ قريبا من الكنيسة. لما لاحظت هذا السكوت العميق المفاجئ أسرعت إلى نافذة الكنيسة لأرى ماذا حدث، ظانّا أن أحدهم قد أغمي عليه، كما كان يحدث أحيانا. وقبل أن أبلغ النافذة شاهدت راهبا خارجا من الكنيسة، وقد مرّ بقربي حتى تماسكت كتفانا. وإذ عرفت ما حدث من أحد الحضور، أسرعت إلى الخارج لأستكشف أمر هذا الراهب العجيب، حالما حولت وجهي نحو المحبسة رأيته أمامي سائرا نحو الشرق، فأسرعت نحوه، وصوّبت عليه قنديل الكهرباء. إلا أني حالما أدركته ومسّت يدي ثيابه، وقفت منذهلا، حتى كاد الخوف يفقدني شعوري، فقد اختفى الراهب بغتة من أمامي. وإذ كنت حائرا في أمري، متطلعا هنا وهناك، نظرت فوق المحبسة لمعانا غريبا يبهر الأنظار. وبينما أنا على هذه الحال من الاضطراب إذا بي أسمع لجهة الضريح هتافات وتصفيقا حادا. ركضت لأرى ما جرى فوجدت الشاب الأرمني قد شفي تماما.

2- هددوني بقطع لساني

شهدت وهيبة خليل شيعية من بافلي صور في 1\7\1950: كنت سجينة في سجن جديدة المتن سرقت حقيبة يد نسائية من غرفة مديرة سجن النساء. ولما سئلت عنها انكرت وحلفت باسم الاب شربل باطلا باني لم ارها. فطلبت مديرة السجن من الاب شربل ان يظهر عجائبه بسارق الحقيبة. ولما ذهبت للقيلولة بعد الظهر، استيقظت بعد نصف ساعة رايت في الغرفة راهبا متشحا بثوب اسود وبيده عصا اقترب مني وقال لي: مدي لسانك. فمددته فضربني بيده عليه وبقي ممدودا، وعبثا كنت احاول ارجاعه الى داخل فمي. وكان مفتولا ملتصقا بشفتي لجهة الشمال، وخارج فمي بطول 5سم. وكنت لا استطيع الكلام. فذهبت الى مديرة السجن فاقتادتني الى ضابط السجن، فلما رآني اعتقد انها حيلة مني فارجعني الى السجن. ولما انتشر الخبر حضر الدكتور حنا الرياشي وشرع يستعمل الوسائط لارجاع لساني الى الداخل مهددا اياي ورئيس المخفر بقطع لساني ان لم ارجعه فلم استطع، وذهب تهديدهم ادراج الرياح. والدكتور انطون رزقالله ايضا لم يستطع ارجاع لساني. وبقيت على هذه الحال 3 ايام. ولما وصلت الى سجن الرمل ولساني ممدود ولا استطيع الكلام ابدا، اعطتني مديرة السجن بركة من شربل لاضعها في عنقي، فعلقتها. فانحلت في الحال عقدة لساني وعاد الى داخل فمي وصرت اتكلم كالعادة.

 

3- كنت أهزأ بعجائب شربل كأنها خرافات

شهد محمد على مروة، شيعي من الزرارية - الجنوب: دخلت السجن في 9\11\1948 وكنت صحيح الجسم، إلا اني كنت اشعر ببعض امراض عصبية. ولما دخلت السجن وكثرت علي الهموم لاني صاحب عيلة، شعرت بالم في جسمي وضعف في عيني اليسرى وذلك من نحو 5 اشهر وكانت اصبع يدي اليمنى يابسة. وقد تعالجت عند الدكتور الحتي والدكتور جوزف فرحات والدكتور البير زبوني رئيس المعاينة الطبية في اوتيل ديو. اخيرا بعد معالجة طويلة انطفأ نور عيني اليسرى وما عدت ابصر فيها مطلقا، وحصل ورم في مفاصل جسمي من نحو شهر، فسمعت بعجائب شربل، فكنت أهزأ بها في بادئ الامر كأنها خرافات، وقد اعتقدت انها دعاية لجمع المال. أخيرا عندما طالعت الصحف وقرأت العجائب الكثيرة ورأيت صور المرضى الذين نالوا الشفاء بشفاعة شربل، آمنت بقداسته ونذرت له نذرا 50 ل ل، وقد كلفت الممرضة افدوكا صليبا ان تزور ضريحه وهذا نصه بالتقريب: انا رجل سجنت ظلما وفقدت نظري وعجزت في صحتي، للك انااستجير بالله وبالقديس شربل، فاذا شفاني من امراضي وخرجت من السجن يكون له بذمتي 500 ل ل، واذا كنت مجرما فاني لا احب ان اخرج من السجن الا أعمى وكسيحا. وواصل 50ل ل مع افدوكا…

ذهبت الممرضة الى دير عنايا صحبة الراهبة رئيسة المستشفى والعريف شفيق بيضون رئيس المخفر، فاستبشرت خيرا في ذهابهم. وعند رجوعهم في المساء اعطوني بخورا وماء وترابا وقطنة مسحت على ضريح شربل. فأخذت امسح بها عيني وموضع الوجع والورم وكل جسمي بعد ان بللتها بالماء المبارك الذي اتوني به. وبعد ان مسحت عيني ومر عليها نحو ساعتين فاضت بالدموع وكان مضى عليها 4 اشهر بدون ان تدمع، فاستبشرت خيرا. وعندما استيقظت باكرا في اليوم الثاني شعرت وتحققت ان جسمي شفي تماما ولم يبق من اثر للورم ولا لاي الم وصار بامكاني تحريك اصبعي اليابسة كالعادة. اما عيني فقد بدأت بالتحسن يوما بعد يوم. وها اني الآن اقرأ بها الخطوط الثخينة وهي آخذة بالتماثل للشفاء.

4- عرج ظاهر

ايفون وجانيت حنا انطون روكس من البترون، كانتا مصابتين منذ ولادتهما بعرج ظاهر، وبعد زيارتهما ضريح شربل عام 1950، عادتا الى بيتهما صحيحتين. وقد عالجهما الدكتور توفيق ساره من البترون وغيره من الاطباء ولم تشفيا.

 

 

5- شفاء الياس ليشع من راس بعلبك

روى أميل الخازن: جئت لزيارة دير عنّايا والتبرّك من ضريح الأب شربل في 24 تموز 1950 مساء. وحوالي الساعة العاشرة ليلا صعدت مع عائلتي لزيارة المحبسة، تقدّمت للاعتراف وندمت على خطاياي وعدت إلى الدير حوالي الساعة 12 وتابعنا الصلاة حتّى الصباح دون راحة. حضرت القدّاس وصليت بحرارة وكرّرت اعترافي ثمّ تناولت القربان المقدّس وحضرت القدّاس مرّتين. وعند الوداع قصدت الضريح وخطر لي أن أستجدي الغفران بحرارة فصليت وطلبت من الأب شربل أن يمنحني نعمة تلويث محرمتي بشيء من عرق جسده ودمه وبعد برهة رأيت الحائط يتدفّق قطرات من الماء في هذا الطقس الجاف فألصقت محرمتي حيث كنت أشاهد القطرات فتلطخت بنقاط يزهو لونها ويميل إلى ما يشبه الدم الجاف فتدحرجت دموعي فقبلت بلاطة الضريح شاكرا. واعتبرت أنّ هذا العمل نحوي كان بمثابة تشجيع لتوبتي ولمثابرتي عليها وعلى الإيمان الكامل بالله وبوصاياه وبممثليه وبالكنيسة المقدّسة.

وحوالي الساعة 9 وأنا واقف بالقرب من ابني هادي البالغ من العمر 14 سنة في باحة الدير الداخلية شاهدت رجلا ومعه طفل يبلغ 6 سنوات تقريبا يتنقل بمساعدة الرجل على عكازين تحت إبطيه فشجعني إيماني - ولا أدري كيف أقدمت على ذلك- وصرخت بابني هادي قائلا: أتريد يا ولدي أن ترى هذا الغلام الكسيح يمشي فابتسم وصرخ: نعم. فحملت الولد بين يدي ودخلت الضريح، وطلبت من الولد أن يستجدي عطف الأب شربل وأخذت بدوري أصلي وطلبت من الأب شربل شفاء هذا الولد دلالة على منحي الغفران وعلى قبول توبتي. وبقيت هكذا برهة 10دقائق وأنا ألتمس بحرارة وإيمان ثمّ أنزلت الولد من بين يدي وشعرت بأنّ هاتفا يهتف بي بأنّه شفي ورميت عكازتيه جانبا وصرخت به امشِ وحدك بحماية الأب شربل ولا تخف. فمشى الولد بشيء من البطء أوّلا ثمّ أخذت مشيته تتحسّن بسرعة فخرج إلى ساحة الدير وصعد بعدها لوحده الدرج المؤدّي إلى الكنيسة. وكان قد سقط عن ظهر الجمل وتكسرت رجلاه، وأصبحت حالة الولد عسيرة. وشكرني والده.

6- لا يرى بعينه البتة

شهدت ليندا زوجة طانيوس الأوسط من وادي شحرور في 27\5\1952: أصيب ولدي عبدو البالغ من العمر السنة السابعة بضربة حجر على عينيه من 4 سنوات ونصف حين كان مع ابن عمه يلعبان بفرط اللوز. فاسودت عينه من حينه. ثم مع الوقت انجلت عينه، لكنه أمسى لا يرى فيها البتة. وكنت حزينة جدا لهذا السبب فنذرته للبار الأ شربل وقصدت زيارة ضريحه في أول فرصة تتسنى لي. وإذا بالفرصة مؤاتية اليوم حيث جمهور من بلدتي أتوا لزيارة الضريح المكرم. فحضرت مع ابني عبدو إلى الدير وقدمته أمام بلاطة الضريح وعلمته أن يطلب من الأب شربل شفاء عينه. فطلب بلسانه الطفلي وبكى، وإذا به ينظر ما يخايل أمامه. فجربته بأن أطبقت له عينه الشمال التي يرى بها وقدمت أمامه مواضيع مختلفة فكان يميزها ويسميها بأسمائها. وكان جمهور الزوار قد تجمع حوله فكان كل منهم يقدم له شيئا ليميزه فكان يميز كل ما يوضع أمام عينه. أشكر الله على نعمته ولشربل على شفاعته.

7- لا يوجد بيني وبين الموت إلا خطوة واحدة

شهدت الأخت سان جورج من راهبات القلبين الأقدسين في 18\5\1952: عمري 35 سنة، ومن 18 سنة شعرت بوجع في المعدة والأطباء ما كانوا يعرفون المرض. فأخذ يتزايد، وكانت علاجاتهم تزيد الأوجاع. عملت عملية الزائدة ومع ذلك بقيت أوجاع المعدة. ثم سنة 1948 أجريت لي عملية مزدوجة القرحة والمرارة. وما شعرت براحة البتة. فكنت دائما بانزعاج لا اذوق طعم النوم منذ 15 سنة، بسبب الآلام الشديدة للغاية حتى لا أقدر أن أعبر عنها... في 10 ت2 1951 ابتدأت الآلام المتواصلة ليلا ونهارا مع استفراغ شديد كان يدوم أكثر من ربع ساعة وبغزارة. وبعد هذا الاستفراغ كنت أشعر بضعف متزايد وأوجاع أليمة جدا مع عدم مقدرة على الأكل. وهذا كان يدوم أكثر من 3 أيام. ومع ذلك كنت أواظب على التدريس لأن الحياة في نظري كانت، سواء أن قصرت أم طالت، إنما الواجب في اعتبار هو كل شيء.

في 5\1\1952 قرر الطبيب فرج سعاده أن أواجه الدكتور بعقليني لأن الأوجاع كانت تظهر له متأتية من قرحة جديدة. واجهت الدكتور بعقليني بصحبة الأخت كونسطات فتأثر وأمر بصورة على الكهرباء. وقال لرفيقتي: مسكينة هذه الراهبة!

بعد يومين شعرت في نفسي بدافع يدفعني أن أطلب من الأب شربل أن يوقف هذا الاستفراغ ويترك لي الأوجاع فأزوره طالبة هذه النعمة. عرضت فكرتي لحضرة أمي الرئيسة الأخت إيزابيل غريب، فنزلت عند رغبتي. وثاني يوم، رغم الثلوج، توجهت بصحبة أخواتي الراهبات وبعض التلميذات إلى عنايا، ثم صعدنا بعد الظهر إلى المحبسة. كنت أصلي وأطلب من كل قلبي شفائي. وبعد هذه الزيارة ما استفرغت أبدا حتى مرضي الأخير الذي كان شبقة قوية.

في 12\3\1952 بعد أن حكمني في جبيل الدكاترة طويلة وشامي وشهيد وسعاده نزلت إلى المستشفى الفرنسي. كانت الحرارة قوية علي والسعال رغما عن العلاجات والإبر. دخلت المستشفى وقضيت فيه 19 يوما بدون جدوى بل ازدادت علي أوجاع الصدر والمعدة والاستفراغ مع الحمض على طول الخط. الصور على الكهرباء عديدة: للصدر وكلوة اليمين والمعدة. وقد صرح الدكتور بعقليني أمام الأطباء والراهبات كالأخت جرمان والممرضات: أسهل على الله أن يخلق خلقة جديدة من أن يشفي هذه الراهبة. فإن كلوتها عاطلة والرئة اليسرى و4 قروح في المعدة. تركت المستشفى بزعل لا مثيل له بعد أن صرّح الدكتور بعقليني لأخواتي بأنه لا يقدر أن يعمل لي شيئا... وفي 16\5 بقيت علي النوبة من الساعة الخامسة صباحا حتى الحادية عشرة والنصف ظهرا، إنّه لا يوجد بيني وبين الموت إلا خطوة واحدة.

في 17\5 توجهتُ مع الأخت جوزفين ماري إلى عنايا إلى أبي الحنون البار الأب شربل حيث طلبت منه شفائي بأمر الطاعة لأن هذه هي إرادة رؤسائي أن أشفى. كان ذلك نهار سبت. رغبت أن أنام على القبر فمنعتني أختي نظرا لشدة البرد ولضعفي الزائد. ثاني يوم صباحا شعرت بآلام شديدة منذ الساعة الرابعة حتى الثانية عشرة إلا ربع وكأن مجرى كهربائيا سرى في ظهري. وفي كل تلك الأوجاع بقيت في الكنيسة وسمعت 7 قداديس. وكنت أصلي بكل ثقة وحرارة قائلة: يا مار شربل يا حنون إشفِ المرضى أجمعين! يا مار شربل يا مطيع بدك تشفيني بأمر الطاعة... الساعة الثانية عشرة رغم كل أوجاعي شعرت بجوع شديد فأكلت رغيفا كاملا مع لبنة مع أني في المدة الأخيرة كنت آكل رغيفا في الخمسة أيام. في الساعة الواحدة سمعت القداس الأخير ثم توجهت مع أختي إلى المحبسة مشيا دون وجع. بعد الظهر شعرت أن رفيقتي تحب الرجوع إلى جبيل وتخاف أن تتركني وحدي لئلا أنام على الضريح فانضرّ. اعتمدت أن أذهب معها وخرجنا إلى الساحة لنرى سيارة إذا بحضرة الرئيس يلتقي بنا فيقول لنا: لا تذهبي حتى تشفي تماما. سأحضر لك هذه الليلة فرشة فتنامين على الضريح. سمعت هذه الكلمات فاهتز قلبي طربا إذ تأكدت شفائي الكامل. دخلت القبر مع أختي الساعة التاسعة والنصف. نامت هي وأنا ظليت أكتب مواعيدي للأب شربل: 1 الطاعة نظيره لأنه شفاني بأمر الطاعة. 2 التضحية  3 الحياة القانونية... وضعت هذه المواعيد على بلاطة الضريح مع محرمة بيضاء مسحت بها البلاطة مرارا. ثم تمددت على الفراش وأنا أطلب من الأب شربل قائلة: يا أبي الحنون شربل إنك شفيتني باستحقاق دم يسوع. ولأنك شفيتني أرجوك أن تعطيني علامة حسيّة لهذا الشفاء. الساعة الثانية عشرة شعرت براحة كلية في جسمي وأخذت أعرق. وأنا في هذه الحالة بين نائمة وواعية إذ بصراخ شديد: يا مار شربل دخلك اشفيها! فتح الباب بقوة ودخل جمهور من علمانيين ورهبان ومعهم امرأة مريضة مقطوع الأمل منها. كانت الساعة الواحدة بعد نصف الليل. نهضت وأخذت الفوطة من على بلاطة القبر ومسحت وجه المريضة ثم تفرست بهذه المحرمة فنظرت فيها بقعة حمراء كلون العرق الناضح من جثمان الأب شربل... عرفت عندئذ أنه استجاب رغبتي وأعطاني علامة حسية لشفائي فشكرته من كل قلبي والدمع يهطل من عيني. عدت الإثنين مع أختي بفرح لا يقدَّر.

 

8- شفاء من بلغمة في الدماغ في اذار1952

إن نزيهة ابنة نقولا العجيل من بحديدات البالغة 11 سنة قد أحست بغتة بانحلال في ركبتيها وضعف في نظرها. مكثت 8 أيام في مستشفى الخندق الغميق فأجمع أطباؤه على أن معها كيس ضغط في الدماغ. وأثبت ذلك صورة صنعها الدكتور فؤاد صبرا المتخصص بتصوير الدماغ في المستشفى الأميركي. حكم الأطباء أن لا بد لشفاء هذه البنت من عملية قص الجمجمة. وهذه العملية لا يقدر عليها إلا أطباء باريس. وبما أن حالة أبيها المادية لا تمكنه من ذلك بقيت الإبنة تزداد ألما يوما فيوما، حتى إنه بعد 4 اشهر عرضت لها نوبة ظلت 5 ساعات حتى ظن الجميع أنها ماتت فشرعوا يبكونها. ذكر أبوها عندئذ الأب شربل فهرع إلى أمام صورته وشرع يطلب منه أعجوبة بكل إيمان وثقة. ووعده أنه يزوره ويقدم له ما يستطيعه إذا شفيت ابنته. ثاني يوم فاقت الإبنة وشفيت تماما.

9- شفاء من كسر في الجمجمة في 16\11\1952

شهد مجيد الحاج من عينطورة المتن: كان ابني يشتغل معي فوق عينطورة. مساء بينما كنا عائدين إلى القرية التقينا بسيارة شحن ملآنة ركابا من معارفنا. دعا بعضهم ابني يوحنا ليصعد معهم إلى السيارة وأمسكه بيده بيده بينما السيارة بقيت سائرة. وبما أنهم لم يقدروا أن يوصلوه غلى صندوق السيارة أفلت من أيديهم فارتطم رأسه بحديد السيارة وأصيب بجرح بليغ داخل الجمجمة. وجدناه فاقد كل وعي فاسرعنا دعونا الطبيب من ضهور الشوير. فحصه هذا وقال: إن جمجمته مكسورة ولا أمل بحياته إنما نخاطر به ونرسله إلى الكلية الأميركية. في هذه الكلية عالجه الدكتور الأرمني جودياك، فحكم حالا أن المريض لا رجاء منه إنما إن شاء أهله يعمل له عملية مخاطرة. ظل في العملية 3 ساعات فنظف له الجمجمة وطمن أهله على رجاء يعود إلى التكلم. بقي المريض في المستشفى 16 يوم دون إفادة. عندئذ أجمع الأطباء أنه ما بقي أمل بصحته فاشاروا غلى أهله أن يأخذوه. لما سمعت والدته ركعت واستنجدت بالقديس شربل وأبوه يساعدها ويعد الأب شربل بزيارته حافيا. بعد أن تركه الأطباء ووضعته أمه تحت حماية الأب شربل بساعتين عادت الحياة إليه وصار يتحرك. وبعد 3 أيام صار يتكلم ولم يطول حتى غادر المستشفى إلى البيت بكل صحة.

 

10- لا تخافي!

شهدت ليندا اليمني: إن ولدي البالغ من العمر 3 سنوات ونصف، قد أصيب بفتق بجهة اليمين، وهبط المصران بقوّة إلى كيس البيض، فأحدث انتفاخا وتمدّدا كبيرين، ممّا جعل الخطر يزداد يوما عن يوم. أخذته إلى الطبيب العسكري برجاوي، فوصف لي زنّارا، فعملت بإشارته مدّة 3 أيّام، فازداد الخطر والفتق اتساعا. توجهت إلى الدكتور الجرّاح أنيس مخلوف، وبعد فحصه الولد، حكم بأنّ المصران معقود، ويجب إجراء عمليّة بمدّة 3 ايّام! وإلاّ أصبح الولد في خطر الموت! وطلب أجرة يده 200ل ل. ولمّا كنّا من الطبقة المتوسطة، نعيش من راتب زوجي، ولا طاقة لنا بدفع هذا المبلغ، لجأنا عندئذ إلى الدكتور شهاب الدين، فوعد بالمساعدة في أوتيل ديو، وحكم على الولد بإجراء العمليّة. وقبل أن نبدأ بشيء من هذا حملت الولد أنا ووالده وكامل عائلتنا، وذهبنا إلى دير عنّايا في 11 أيلول 1950، وطرحنا الولد على قبر شربل، وسألناه بمحبّته للفقراء والمرضى أن يشفق عليه. ويشفيه دون احتياج إلى الأطبّاء. وقد دهنّا الولد بالزيت والماء المباركين، وبخّرناه ببركات الأب شربل، وزنرناه بزنّار منه، وكنّا في الدير ليلة ونهارا. وكنّا قد نذرنا أن نقضي هناك 3 ايّام مع لياليها، على أنّ وظيفة زوجي لا تسمح بذلك. وعند رجوعنا إلى البيت ظهر لي في الحلم راهب شيخ يرتدي البياض، ووبّخني قائلا: لماذا لم تنيّمي الولد 3 ليال أمام الضريح؟ قومي خذيه. وافعلي ما أمرتك به، وترَي أنّ الولد يشفى. فلا تخافي! وفي الصباح وجدت الولد بحالة طبيعيّة.

11- نجحت العمليّة

شهد يوسف عساف الشويفات في 6ت2 1950: من 5 أشهر أصابني وجع شديد في رأسي، فذهبت إلى الدكاترة: زبوني والياس بعقليني وكيوان، فصوّروني وقالوا لابني شاكر: إنّنا نشخّص أنّ في رأس أبيك سرطانا. فلا طبّ له مطلقا! بقيت تلك المدّة أتعذّب بالإبر المسكّنة والأقراص لأجل النوم قليلا لأنّي كنت أحسّ أنّ وخزات سكاكين تدخل في دماغي. وقد سحبوا لي 12 صورة، وكلّها دلّت على أنّ في الرأس سرطانا ظهر ممسكا بالدماغ بشكل السرطعون المخيف.

ومن شهر، بينما كنت أتغدّى على الطاولة مع عائلتي، أصابني عارض نوبة قويّة، فوضعتُ يدي على جبهتي، ووقعتْ اللقمة من يدي، وصرختُ: إليّ بالطبيب، وغبتُ عن الوعي. فأتى الدكاترة: كاركيان وأجريان ونعسان وزبوني وكيوان ورزق، فأقرّ الجميع: أن لا صحّة لي! وكنت أخرج كلّ شيء تحتي من دون وعي. ولمّا كان جورج بك حميري جارا لنا أشار أن يأخذني إلى الكلّيّة الأميركيّة رأسا. ولمّا وصلتُ كنتُ بحالة موت غائبا عن الوعي والشعور؛ فصرّح الدكتور راجنيان لولدي: إنّه من العبث وجود أبيك هنا! لأنّه بعد ربع ساعة يفارق الحياة، ولم يرد أطبّاء الكلّيّة أن يجروا العمليّة! فعندئذ رجع ولدي إلى جورج بك حميري الذي تلفن لرئيس أطبّاء الكلّية قائلا: وإن يكن في العمليّة خطر الموت فأجروها له لأنّه على الحالتين مائت، وربّما نجحت. وكان ذلك في أواخر تشرين الأوّل سنة 1950. وفي الحال حملوني إلى غرفة العمليّة وأنا غائب عن الوعي مطلقا، وعيناي جامدتان، والشخرورة على صدري. وكان الأهل والأصحاب، خارجا حاملين صور مار شربل، راكعين على الأرض، هاتفين مولولين، ويقولون: يا مار شربل ابدل السرطان بدم. ووضعوا صورة مار شربل على زجاج غرفة العمليّة مكرّرين: ابدل السرطان بدم.

فشقّ الأطبّاء أوّلا جهة اليمين فوق الصدغ فلم يجدوا شيئا، فقطّبوها 3 قطب. ثمّ انتقلوا إلى جهة الشمال وفتحوا 38 قطبة، ونزعوا العظمة، وظهر أنّ شيئا أسودا فاحما مخيم على النخاع فنزعوه بواسطة الإبرة فإذا هي كميّة 120غراما من الدم الأسود. عندئذ ترك الدكتور جاركيان رئيس الكلّيّة الأطبّاء وخرج إلى الجمع يقول بصوت جهوري: إنّ القدّيس شربل بدّل لكم السرطان بدم! لقد نجحت العمليّة! وبقيت تحت العمليّة ساعتين. وبعد 3 ساعات وعيتُ في المستشفى، قمت ومشيت كأنّي لا مرض بي وطلبتُ الرجوع إلى البيت.

 

12- فقير، وعيلتي مؤلّفة من 9 أنفس!

شهد شاكر مخلوف: بصفتي شغيل فاعل، وبينما كنتُ أنقل شوالا ثقيلا في معمل إدوار- نهر الكلب- شعرت بألم في ظهري استمرّ معي مدّة طويلة. وكنتُ أحسبها برقة ظهر، فطال الأمر نحو شهرين، في هذه المدّة كنتُ أراجع أطبّاء: منهم أميل جعجع وأبو رجيلي وغيرهما. فقالا لي: يلزمك عمليّة. وتصوّرت في أوتيل ديو فقالوا: يلزمك عمليّة لأنّ خرزات الظهر زائحة عن بعضها بعض. راجعت مجبّرين اثنين، فقالا لي: يلزم لك عمليّة. والثاني قال: يلزمك زمان طويل لتشفى. فتذكّرت حينئذ، وأنا فقير، وعندي عيلة مؤلّفة من 9 أنفس، أنّ القدّيس شربل يشفي الكثيرين، وأنا من ضيعته ومن عيلته، فيجب أن ألتجئ إليه، وكنت لا أستطيع المشي إلاّ باستنادي إلى العصا. فحالما نويت زيارة قبره تلاشى الوجع من ظهري، ورميتُ العصا، ومشيتُ كأنّي لم يكن بي ألم مطلقا. وزرتُ القبر زيارة شكر لنعمة من الله عن يد قدّيسه شربل.

 

عشرون: إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم (متى 28\19)

1- شفاء الطفل ابن حسن رميحي في صيف 1952

حسن رميحي من قرية قرقريا قرب قرطبا وقع ابنه البالغ السادسة من عمره عن سطح عال فتحرك دماغه. عاينه الدكتور فارس سعيد في قرطبا فلم ير سبيلا لشفائه. أخذه أبوه إلى مستشفى الدكتور حبيب الخوري في بيروت فأعاده الأطباء ليموت في بيته. وإذ كان أهله في الطريق وجدوا الولد قد ابتدأ بالنزاع فكلفوا المدعو يوسف فرنسيس من جنّه الذي كان برفقتهم ليمر بالمدعو محمود نصر الدين الموجود بقرب علمات على كوع المشنقة ليدعوه إلى حضور الدفن. لما بلغوا قرطبا سمعت امرأة غطاس كرم أهله يبكون عليه فأسرعت وأخذت الولد الفاقد كل علامات الحياة وبعد أن حرضت أبويه ليؤمنا بالأب شربل دهنته في بيتها بماء عن ضريحه. استعاد الولد حالا وعيه ونادى: ماما! عاد الجميع أدراجهم إلى دير عنايا ليعمدوا الولد ويشكروا الأب شربل. ولما وصلوا إلى كوع المشنقة وقفوا ليعلموا محمود نصر الدين لئلا يذهب إلى الدفن. وصادفوا هناك المدعو يوسف الخوري بطرس فقصوا عليه الحادث ورجوه ليذهب معهم إلى الدير ليكون عراب الولد.

2- شربل في العراق

شهدت نوره كركجي: إنّ ولدي نوال البالغ من العمر 4 سنوات، مرض بالحمّى الخبيثة، وكان عمره 25 يوما. فنزلت على أعصاب رجليه. فنزلت وكربجت أصابعهما، وتقوّس ظهره بصورة جعلته كالقوس. ودخل نشاف في أعصاب الدماغ، وامتدّ إلى كلّ أطراف جسمه، فأمسى بحالة يرثى لها. فكنتُ إذا أردتُ أن أجلسه على الأرض يقع إلى جهاته الأربع، وكان يتألّم جدّا بهذه الحالة طيلة حياته كلّها. وقد عرضه والده على جملة الأطبّاء كلّهم الموجودين في البصرة وغيرها، وحتّى عرضه أخيرا على الدكتور ترد الإنكليزي والدكتور دافيس طبيب الشركة النفطيّة في كركوك. وكانت ناحية من بيتنا كالصيدليّة لكثرة ما جلبنا من الأدوية. ورغم كل هذه الجهود لم يستفد الولد مطلقا. أخيرا جئنا به إلى بيروت، وعرضناه على الأطبّاء، ومن جملتهم الدكتور الإختصاصي بالأطفال فيليب شديد سنة 1949، وبعد المعالجات العديدة بقي الولد على حاله، بل يزداد تعبا من جراء المعالجة.

وقد قرّر والده أن يذهب به إلى لندن، ولكن لمّا شاعت أخبار شربل وعجائبه الممتازة حملناه هذه السنة 1950، وجئنا قاصدين ضريحه المقدّس مرّات عديدة فأصبح بقوّة الله وشفاعة شربل يتماثل إلى الشفاء مرّة زيادة عن أخرى، حتّى استقام ظهره تماما، وزال اعتقال رجليه زوالا تامّا، ورجع إلى حالته الطبيعيّة، وفارقه ألم رأسه المتواصل مدّة عمره، واستعاد صحّته كاملة، وعادت إليه قابليّته، وقد كان أوّلا لا يعرف الأكل، وإذا وضعنا في فمه لقمة بقيت مدّة 24 ساعة في فمه لا يعرف أن يبلعها، فأصبح اليوم يأكل جيّدا، وينام نوما طبيعيّا هادئا. وتابعت: إنّ القدّيس شربل ظهر لولدي في اليقظة أمام جموع كثيرة في المحبسة، في 27 حزيران 1950، وكنتُ طلبتُ من الأب شربل أن يحلّ الزنار الموجود على رجلي ولدي. فبدا يخاطب الولد بصوت عال سمعه الجميع، وشاهدنا كفّا مع معصمها على رجل نُوال الذي بدأ يبكي. وبعدئذ وجدنا الزنّار مفكوكا عن رجل الولد. وقد نزع له جواربه.

3- شربل في البرازيل

- قرحة وضعف قلب

كتبت جريدة الأخبار البرازيليّة: يقيم في مدينة بيرون بيرس في ولاية ساو باولو رجل يدعى فيكتور كيماوي يشغل وظيفة مدير الصحّة والإسعاف في تلك المدينة، وكان مصابا بقرحة معديّة مستعصية، وشفي منها قال: أصبتُ في قرحة في المصران الثاني عشر deodenum   منذ أكثر من 15 سنة. تعهّد معالجتي أطبّاء كثيرون اختصاصيّون، كما أنّي اتخذت الحماية الكافية بالمأكول والمشروب، فذهبت كلّ جهودي عبثا دون فائدة. وفي غضون هذه المدّة اعتراني مرض في القلب أيضا. اشتدّت عليّ وطأة المرض اشتدادا اضطرني أن أدخل أحد مستشفيات مدينة سان أندريه عن يد مديره وهو جرّاح شهير واختصاصي بأمراض المعدة. وبعد أن أخذ صورة لمعدتي بالأشعة، حكم بإجراء عمليّة جراحيّة بعد 4 أيّأم تتخذ في أثنائها الاحتياطات اللازمة للعمليّة وفي الساعة المعيّنة اجتمع حولي عدّة أطبّاء، وبعد فحصي وجدوا قلبي لا يقوى على احتمال العمليّة، فقرّوا عدم إجرائها وتركوني في حالة من اليأس حيث من جرائها لا أخرج من المستشفى حيّا.

وفي تلك الليلة زارني صديق من اللبنانيّين، وإذ رآني في تلك الحالة، هدّأ روعي قائلا لي: هناك طبيب يشفيك كما شفى الكثيرين وهو حاضر غائب! حيّ ميت! وقصّ عليّ سيرة الأب شربل. فنذرتُ له أنّي أعترف وأتناول القربان المقدّس كلّ يوم جمعة من الشهر لمدّة 9 أشهر. وبدأت بتساعيّة لقلب يسوع على يد صفيّه شربل ليستمدّ لي نعمة الشفاء.

نمتُ تلك الليلة نوما هادئا، واستيقظتُ صباحا أشعر بالجوع، فطلبتُ الطعام وأكلتُ بشهيّة دون أن أشعر بألم كما كنتُ أشعر سابقا، وعلى أثر ذلك تركتُ الأدوية والحماية عن بعض المأكولات، وأخذتُ أتناول كلّ ما تشتهيه نفسي، فمضى عليّ 3 أيّام دون أن أشعر فيها بشيء من الألم لا في معدتي ولا في قلبي. غادرتُ المستشفى، وعدتُ إلى محلّ إقامتي مواصلا عملي في إدارة الصحّة، وقد مرّ أكثر من سنة وأنا في نشاط وصحّة تامّين، رغم أنّ عمري ناهز الخامسة والستين، ونلتُ مع صحّة الجسد صحّة النفس.

- طبيب أسنان في ريو دي جانيرو

شهد الدكتور ابراهيم الخوري: أعتراني داء القلب وتبعه مرض السكّري وضيق النفس مدّة 14 سنة، واشتدّت عليّ وطأة المرض إلى حد أصبحتُ طريح الفراش ولم أعد أتمكّن من إتيان حركة ولا أقدر على التكلّم، فكنتُ أُجيب بالإشارة بيدي. وقد تعالجتُ عند أطبّاء كثيرين دون فائدة البتّة. وإذ قطع الأطبّاء الأمل من شفائي أشاروا عليّ بالذهاب إلى طبيب اختصاصي شهير في مدينة ساو باولو، فأخذوني محمولا إلى عيادته ويدعى الدكتور جايرو راموس. فهذا بعد أن فحصني ونظر في الصور المأخوذة بالأشعّة كان حكمه أن لا أمل بشفائي، إنّما بواسطة المعالجة والمداركة ممكن أن أعيش سنة أو سنتين. فأعادوني إلى بيتي وأنا في حالة الخطر الكلّي. أمّا سبب شفائي فكان بأعجوبة إلهيّة على يد الأب شربل العجائبي وبواسطة اللبناني السيّد لويس خوري، وذلك بعد رجوعه من زيارة لبنان، وتشرّفه بزيارة ضريح شربل، أتى ببركة من البدلة التي كان يقدّس بها شربل، وتكرّم عليّ بنتفة منها فوضعتها على قلبي بإيمان حيّ، وابتدأتُ بالصلاة لله إكراما للأب شربل، وكنتُ قد قطعتُ الأمل بالشفاء كلّيّا، وهكذا أطبّائي. وفي ذات الوقت شعرتُ بتحسّن فجائي واتجهتُ إلى الشفاء السريع، وتركتُ الأطبّاء بالكلّيّة، ونهضتُ من سريري، ولم أعد أشعر بمرض من الأمراض الثلاثة.

4- شربل في مصر

كتبت مجلّة Image الصادرة باللغة الفرنسيّة في القاهرة، بتاريخ 15 آب سنة 1950: لقد أخبرونا عن عدّة حوادث شفاء عجائبي في مصر تمّت في أشخاص شربوا من الماء القادم من دير عنّايا حيث يوجد جثمان شربل، أو لمسوا قطعة من ثيابه أرسلها جماعة متعبّدون بشفاعة الرجل القدّيس. لم نعر ذلك كبير اهتمام في بادئ الأمر. ولكن ها إنّ طبيبا وأستاذا في كلية قصر العيني، وجرّاحا معروفا في القاهرة يستعدان للشهادة بأنّهما شاهدا حالات شفاء خارقة بواسطة الحبيس شربل. فهل أنّ التأثير الخيّر الناشئ عن الأشياء التي لمست ذلك الرجل القدّيس يظهر حتّى في مصر؟ لقد اردنا التأكّد من هذه النقطة، فذهبنا لزيارة من تمّت فيهم العجائب عن بعد.

- شفاء المرأة أدما يوسف عيسى

ففي شارع شبرا الآهل، تعيش امرأة لبنانيّة عجوز، اسمها ادما يوسف عيسى. وهي تقيم في مصر من 23 سنة وتعيش بين أولادها وأحفادها وكانت تشكو، منذ أمد من ضغط دموي يؤدّي إلى تورّم رجليها وإثارة أوجاع تمنعها عن السير. قالت لنا: لقد استيقظت وسط الليل والألم مستولٍ عليّ، فتناولت زجاجة الماء التي أرسلها صديق من دير عنّايا بكاملها بدل أن آخذ منها نقاطا معدودة كما أشير عليّ. وفي اليوم التالي شفيت تماما. وزال كل وجع من رجليّ وصرت أمشي وأصعد الأدراج والسلالم، كما ترون.

- شفاء الفنان اللبناني جوزف الجلخ

وهنالك لبناني آخر يقيم موقتا في مصر، هو الفنان جوزف الجلخ، من المتعبّدين كثيرا لحبيس عنّايا، أصيب بحمّى خبيثة في الشهر الفائت، وبلغت درجة حرارته 40، وإذا به يتلقّى من أمّه في لبنان رسالة تتضمّن قطعة من ثياب الأب شربل. قال: لقد فركت جبهتي بهذه القطعة وبعد نصف ساعة شعرت بقشعريرة عنيفة ونمت. وفي صباح اليوم التالي، استيقظت وقد شفيت شفاء تامّا. بل إنّ وجعا متأتّيا عن داء المفاصل قد زال من ركبتي بصورة عجائبيّة. وعرفانا منّي للجميل وضعت رسما زيتيّا يمثّل الراهب شربل من ثمرة خيالي. والجدير بالذكر أنّ الصحفي الفرنسي شارل ديديه رأى الرسم وأكّد لي أنّه يشبه صورة لراهب كما أتيح له أن يراها عند البطريرك الماروني في بكركي.

- شفاء جرّاح مصري

صرّح الدكتور سمير عبدالله، أستاذ جراحة الأسنان في الكلّيّة الطبّيّة بالقصر العيني: لقد شعرت أنا نفسي بمنافع وخيرات الأب شربل، وأعلن أنّي شفيت بصورة فوريّة من حمّى قويّة بفضل وساطة شربل، إذ لمست قطعة من قماش ثيابه مرسلة من لبنان.

- شهادة الدكتور سبت ميخائيل جرّاح نسائي مصري

منذ أن وضعت قطعة من ثياب الراهب شربل في عيادتي، لاحظت تحسّنا سريعا وملموسا في عدّة حوادث شفاء لدى زبائني المرضى.

- ابنتي أمال بحالة خطرة

شهد عبد العزيز محمّد علي عام 1950: أنا وكيل أشغال الكونت إدوار شديد بالقطر المصري، حضرتُ لبنان وسمعتُ بعجائب الأب شربل فعزمتُ على الزيارة وقمتُ بها وأخذتُ بركة زيت وماء. وعند عودتي لبلدي الزقازيق بمصر، دخلتُ منزلي فوجدتُ ابنتي أمال مريضة بالتيفوئيد، وجرى علاجها بمعرفة دكتورين، وكانت بحالة خطرة. دهنتُ جبينها بزيت ممّا أخذته، فنامت تلك الليلة في غيبوبة. وكان الصباح خيرا علينا جميعا، إذ وجدنا صحّة ابنتي بحالة جيّدة وقد أزال الله عنها الخطر. وابنتي الآن بحالة جيّدة، والفضل لله بزيارتي قبر الأب شربل، نفعنا الله ببركاته سائلينه الرحمة لي ولأمثالي. آمين.

5- شربل في سوريا

- في دمشق

الآنسة إيفون ابنة جورج خوري من دمشق، مرضت بالحمى عند إتمام السنة الأولى من حياتها، فعطّلت وركيها وتركتها عرجاء تتخلّع في مشيتها، ملفتة الأنظار إلى ذلك ومحركة القلوب شفقة على صباها. وأصيبت حسيبة والدتها بمرض في ركبتها اليمنى منذ 30 سنة فيبست الركبة وهي مصابة، فوق ذلك، بمرض القلب منذ سنوات. في 3 حزيران 1950، جاءت الوالدة إلى بيروت برفقة ابنها ديمتري، وهو عريس جديد مقترن بابنة في الأشرفيّة، وكانت إيفون تصحبها في هذه الزيارة. الساعة الخامسة مساء سار ديمتري بوالدته وأخته نحو شربل، وكانت إيفون قد استعدّت لهذه الزيارة بصومها 3 أيّام كاملة على الماء فقط لتحصل على نعمة الشفاء مع والدتها بشفاعة شربل. ذهب الثلاثة في سيّارة، وقبل أن تبلغ بهم إلى دير مار مارون بنحو ميلين في طريق وعرة كلّها شوك وحجارة وتعاريج لم يألفها لا هو ولا والدته ولا شقيقته، فأبّطت الوالدة ذراع ابنها وتأبّطت ابنتها ذراعه الأخرى ومشوا ساعة ونصف. وكان ديمتري قد استعدّ لوالدته، فأخذ لها معه أدوية للقلب لإسعافها عند الحاجة، وقد عرض عليها استعمال الأدوية على الطريق فرفضت مصرّحة بأنّها متكلة على الله وعلى القدّيس شربل.

وصل الثلاثة إلى قبر القدّيس، فوجدوا جماهير الزوّار متجمّعين حوله، والمرضى يصلّون ويبكون طالبين الشفاء وهم يعدّون بالمئات بين مقيم عند الضريح أو مفترش المماشي في الدير أو في المعبد الجديد بقرب الضريح. فتأثّرت الوالدة وابنتها من منظر المرضى وأكثرهم مبتلون بعاهات تمنعهم عن الشغل وكسب العيش والرزق، فأشفقتا عليهم وقالت كلّ منهما للأخرى: نحن أحسن حالا من هؤلاء البؤساء، لأنّنا نستطيع أن نحصل قوتنا وكسوتنا. ولكن كيف يصنع أولئك المصابون بالشلل؟ فنسيت الوالدة مصيبتها، وأخذت تصلّي لأجل شفاء المرضى المنطرحين أمام الضريح، ومثلها فعلت ابنتها، وصرفتا الليل بين الكنيسة والقبر بالصلاة والتضرّع دون رقاد. وعند الساعة السادسة صباحا، عاد الثلاثة إلى بيروت يحمل كلّ منهم في قلبه حرارة الإيمان، وشعر بأنّه مسرور جدّا. ولكنّ الوالدة والابنة لم تحصلا على الأعجوبة.

عندما وصلوا إلى الأشرفية، استلقت الوالدة على الفراش لترتاح من تعب السفرة التي كانت عليها شاقّة، ولكنّه لم يمضِ نصف ساعة حتّى أحسّت بتنميل في رجلها اليابسة ثمّ شعرت بوجع مؤلم جدّا في ركبتها المريضة التي لا تطوي منذ 30 سنة، وسمعت كأنّ عظم الركبة طقّ فصاحت آخ! ماذا بي؟ ونهضت من ساعتها، وبدون انتباه طوت رجلها فانطوت، وبحركة فوريّة ركعت على ركبتيها تصلّي، فصاحت ابنتها إيفون: إنّ والدتي قد شفيت أعجوبة! أعجوبة! فبادر أهل البيت، وفي مقدّمتهم ديمتري ليرى والدته، ففرح عندما رأى والدته جاثية على ركبتيها تبكي وتصلّي، والتفت نحو أخته إيفون فصاح بها: وأنت أيضا يا أختي قد شفيتِ! لأنّه رأى صابونة رجلها تتحرّك وحدها ورأى أخته تمشي نحو والدته مشيا سويّا كأنّها لم تكن في حياتها عرجاء مخلّعة! فاضطربت إيفون ولم تصدّق نفسها ولا شقيقها، وصاحت: كيف يكون هذا؟ فخاف عليها أخوها من شدّة تأثير الفرح، فأشار عليها لتصعد إلى الطابق العلوي وتقف أمام المرآة لتشاهد نفسها كيف استقامت بقامتها ومشيتها، ففعلت. ولمّا رأت نفسها لأوّل مرّة مستقيمة القوام بوقوفها وسيرها، بكت من فرحها وتهلّلت، وصاحت بصوت عال: كتّر خيرك يا قدّيس شربل! أعجوبتين في بيتنا لي ولأمّي! وخاطبت دمشق بالتلفون فبشّرت الأهل والجيران وأوصتهم أن يذبحوا ذبيحة، ويدعوا فقراء الحي لحفلة فرح وشكر لله، وفي 5 حزيران كانت العائلة في دمشق، فتهافتت على دارها الجماهير من المعارف والأهل والأصدقاء لتهنئ وتشارك في الفرح، وبالدرجة الأولى لتشاهد الأعجوبتين. وقد تحدّثت دمشق بهاتين الأعجوبتين تحدثان في بيت واحد. وكانت إيفون تمشي في النهار وإلى ساعات متأخّرة من الليل أمام زوّارها ليروها ويمجّدوا الله بشفائها.

 

 

-         في حلب

*يد غير منظورة ضربتني

شهد جبرائيل ياسمين: منذ سنتين ونصف اصابتني عرضة فالج قويّة جدّا على الجانب اليمين، فيبست تلك الجهة وأصبحت كقطعة خشب، ووقفت عن الحركة، وامتنع منها الشعور بحيث أنّه لمّا كان ينخرني أحد الدكاترة بإبرة بناحية من الجهة اليمنى، من الكتف إلى أسفل الرجل لم أكن أحسّ، بل كنتُ كخشبة هامدة. ورأسي يهزّ بقوّة وسرعة، ويدي المشلولة كذلك، وكنتُ أسحب جنبي اليمين سحبا بانزعاج. وأنا في الخامس والثلاثين سنة، وقد سمعتُ بحوادث شربل المذهلة، فركبتُ مع والدتي وجئت إلى زيارة ضريحه المبارك، وأنا من الطائفة الأرثوذكسيّة. وما مرّ على وجودي يومان حتّى شعرت صباح 12 حزيران 1950، بيد غير منظورة ضربتني على فكّي اليمين ضربة وقعتُ على أثرها على الأرض، واعترتني هزّة في جميع أعضائي لاسيّما في الناحية اليمنى، بقيت عليّ قد ساعتين، حسبتني أمّي أفارق الحياة في غضون هذا الوقت. على أنّه ما زالت عنّي هذه الحادثة، حتّى رأيت أنّ يدي وجنبي اليابسين انطلقا، وعاد إليهما الشعور والحسّ، وهدأ رأسي في مركزه الطبيعي، وفارقته الهزّة، ولم أعد أشعر بشيء.

* يشكل خطرا على دماغ الولد

عام 1950صرح والداه: إنّ ابننا طوني، وعمره 6 سنوات ولد وكيس الخصيتين فارغ لا يوجد شيء. وكان صغيرا ولم نكن ننتبه إليه. ومن سنتين شرع الولد يشكو من ألم في محالبه، فنظرت جيدا فوجدت الكيس فارغا، فخفت وحملت الولد إلى الدكتور أنطوان صقال نسيبنا وإذ شاهده قال إنّ كيس الخصيتين فارغ، والظاهر أنّ البيضتين في أعلى المحالب وهذا مما يشكل خطرا على دماغ الولد في المستقبل ويصبح مهبولا لا عقل له. ومن خوفنا حملناه إلى بيروت إلى الدكتور نخمن رئيس أطبّاء الكلية الأميركية وبعد الفحص الدقيق قرّر ما قرّره نسيبنا وأعطاه كميّة من الإبر وبعدها أوجب العمليّة الجراحيّة وبعد استعمال الإبر لم يستفد الولد شيئا. وبعد سنة تركنا الإبر والطبّ وكان القوم يقولون لي اتركيه يصير كاهنا! وكانت الخادمة عند تحميمه تجد الكيس فارغا فتقول يا لضيعة الإبر والدراهم وهكذا بقينا حاملين همه حتى جاء الطبيب السماوي البارع الأب شربل الذي أرسلته العناية الإلهيّة رحمة للبشرية فحملنا ولدنا إليه نحن والداه وعمّته عاليه فوصلنا الضريح المقدس وجثونا أمامه نشارك المؤمنين في الصلاة فسمعت أنا ماري والدته صوتا في أعماقي يقول لقد شفي ابني طوني ونزلت خصيتاه إلى الكيس. فوجدت البيضتين بحجم حبّة الزيتون الكبيرة وهكذا كان وبقيتا وهي لا تزالان ثابتين في محلهما وقد فحصه الدكتور أنطوان سابا طبيب الصحية في الدير. إنّ الأعجوبة قد تمّت في 21 آب 1950.

 

- في القامشلي

شهدت منيرة ستانو في 2 أيلول 1955: أصبتُ بداء السحايا في 9 اذار 1954، ومكثتُ 21 يوما مريضة. جمع أهلي لجان الأطبّاء: أحمد نافذ وفرنسوا شادارافيان وبول بلغاري، وكلّهم أجمعوا على أنّ الأمل بشفائي ضعيف جدّا، وجاء الكهنة ومسحوني المسحة الأخيرة. وحضر المطران يوسف جاننجي واقفا على حالتي. وفي أثناء مرضي كان الأب يوسف خشّان الراهب اللبناني يلقي رياضة روحيّة في بلدتنا القامشلة، فعرف بحالتي، وأعطاني زيتا مباركا من مزار الأب شربل، وباركني بالمنديل المرسومة عليه صورته. نمتُ فرأيتُ في نومي الأب شربل وقال لي: أنا شفيتك. فقمتُ من نومي مرتاحة، وبعد 3 أيّام شفيتُ تماما. والحمد لله على عطاياه، والشكر لشربل على شفاعته لي.

6- شربل في الولايات المتّحدة الأميركيّة

- نذرتُ أن أعترف وأتناول

كتب سليم غنطوس من ميشيغن- فلوريدا: كنتُ مريضا بمرض السكّري، وكان قصد طبيبي أن يبعثني إلى مستشفى لأنّ السكّر كان معي لدرجة عالية جدّا، وكنتُ بحالة خطرة كما قال لي الطبيب. ولكنّي حصلتُ على قطعة صغيرة من ثوب شربل، فأخذتُها ووضعتُها في غلاف من قماش وعلّقتُها في عنقي، ونذرتُ للقدّيس شربل 75 دولارا، وأن أعمل تساعيّة صلاة, وبما أنّه لا يوجد تساعيّة للقدّيس شربل، فقد نذرتُ أن أعترف وأتناول جسد الربّ إلى تسعة آحاد متتالية، ففعلت. وبعد 3 ايّام منّ الله عليّ بالشفاء بشفاعة شربل.

- صرت كمجنونة

كتبت وردة أرملة ابراهيم شربل البقرزلاوية من بلدة بوتيكا- نيويورك في 4\7\1961: كنت مصابة بالكيتين والكبد والقلب والطحال ويحدث معي حصرا في البول وسويداء. ذهبت إلى أطباء ماهرين وعديدين ولمدة 15 سنة وصحتي تزداد سوءا. أتتي يوما صديقة ورأتني بهذه الحالة التعيسة، وشفقت علي وعلى حالتي وكان يرثى لها وصرت كمجنونة! وقالي لي: إلتجئي إلى القديس شربل وهو قدير أن يشفيك بعون الله تعالى فأعماله شائعة في العالم كله. والآن بشفاعة القديس شربل، بعد طلبي منه، شفيت وصارت حالتي حسنة وصحتي كالأول. فأشكر القديس شربل من كل قلبي.

- راهب يتحادث تلفونيّا مع طبيب

شهد الاب انطونيوس علوان عام 1955: وأذكر حادثا يتعلّق بأحد أقاربي في أميركا، المدعو مرشد علوان من أيطو المقيم في بيور ألينوز المتحدة، فإن هذا الرجل قد أصيب بمرض عضال عالجه أطباء عديدون مشهورون دون فائدة. وقد قطع الرجاء من شفائه بحيث كتب لأخيه علوان، الموجود في ايطو، ليسافر إلى أميركا لإستلام تركته. لأنّهم كانوا يعتقدون، أنّه في حالة الخطر الشديد، ولا أولاد عنده. وبينما كان مرشد المذكور في المستشفى التابع لإحدى الجامعات الطبيّة هناك، رأى في الحلم راهبا يتحادث أمامه تلفونيّا مع طبيب آخر في مستشفى غير المستشفى الموجود هو فيه قائلا: الدواء الفلاني للمرض الفلاني (وسمى له الدواء والمرض) موجود لديك؟ فأجاب: نعم موجود. عندئذ استيقظ المريض ولم يجد أحدا حواليه. فاعتقد أن الراهب الذي رآه في الحلم، هو الأب شربل لأنّه كان يكرّم الأب شربل إكراما خاصا، ويرسل إلى دير مار مارون عنّايا، حيث يوجد جثمانه، نذورات وتقادم. وإنّ الدواء الذي كلّم الراهب الطبيب الآخر عنه هو الذي سيشفيه من مرضه. وقصّ الحلم على طبيب المستشفى الموجود فيه، وطلب أن يذهب إلى عند الطبيب الآخر في مستشفاه. فذهب بطيارة هو وزوجته وممرّضة. وهناك وصل، وقد كان في حالة الخطر الشديد، أخبر الطبيب بما رآه، وطلب منه الدواء فأعطاه إيّاه، وشفي من مرضه.

 

7- شربل في أوستراليا

- الأطبّاء احتاروا

شهد جوزف أنطون في سيدني في 6\7\1955: كنتُ طريح الفراش لا أقدر أن أسير على قدميّ إلا على عكّازتين، لأنّ رجلي الشمال كانت معطوبة. وكان لي أسبوعين أتعذّب من الألم. فقلتُ للقدّيس شربل: كن معي يا شربل بأن أسير من دون عكازة، وتزيل الألم عنّي. فثاني يوم قمتُ وشلحتُ العكّازتين على جنب، وصرتُ أمشي على قدميّ رويدا رويدا حتّى الأطبّاء احتاروا بهذه المسألة. فأشكر القدّيس شربل على هذه النعمة.

- عيناها ترشحان دموعا ليلا ونهارا

كتب جرجس خضير الباني من سيدني أوستراليا في 15\12\1959: ذات يوم وأنا مار في الشارع استوقفتني امرأة، عمر60 سنة، وعيناها ترشحان دموعا ليلا ونهارا. وكانت تذهب إلى الحكيم أسبوعيا، فحكم عليها بعملية جراحية. فعرضت أن أجلب لها بركة من القديس العظيم شربل وقد شرحت لها عن قسم من حياته، فآمنت كل الإيمان. وبعد أسبوع أعطيتها قليلا من البركة التي معي، وهي خرقة قديمة من ثياب القديس وقد جلبتها معي عندما زرت الدير. وشفيت بعد أن مسحت عينيها بتلك الخرقة المقدسة، فألغيت العملية وزال الوجع من عينيها.

 

8- شربل في الارجنتين

في مدينة نوكن أوتيل يدعى سان شربل، صاحباه لبنانيّان وديع واميلي سعادة من ميروبا- كسروان، من أحدث الفنادق. وفيه نزل قائد طائرة خاصّة يرافقه ثلاثة وصلوا إلى المدينة لإتمام بعض معاملات لدى حاكم الولاية تتعلّق بميتم ومأوى للفقراء تحت إسم مدرسة الإنجيليّين لليتامى، قضوا ثلاثة أيّام في الفندق، إلى أن حان موعد عودتهم إلى ولايتهم فسألوا صاحبي الفندق: لماذا يدعى هذا الاوتيل سان شربل؟ ومن هو القدّيس؟ فأجاباهم إنّه قدّيس من لبنان أظهر عجائب في العالم. فقال قائد الطائرة ورفاقه: إنّنا نتخوّف من عطل في الطائرة في عودتنا، لذا نريد صورا للقدّيس شربل حتّى يحمينا وأعطياهم صورا.

إسم قائد الطائرة إدواردو مورايرا والركاب الذين في رفقته خوسيه بفران والمهندس أنطونيو مورجيو وبنيتو بفران. وطائرتهم صغيرة خاصّة بايبر، في نصف ساعة بعد إقلاعها من مطار نوكن حدث عطل في محرّكها وصرخ ركّابها: نجّنا سان شربل! وسقطت وتحطّمت لكنّهم خرجوا منها سالمين. وصرّح قائد الطائرة السيّد ادواردو مورايرا بأنّها أوّل طائرة في العالم تتكسّر دون ضحايا. وإنّنا سنزور القدّيس شربل في لبنان لنشكره. كما الصحف الأرجنتينيّة كتبت عن الحادث في أولى صفحاتها مع صور للقدّيس شربل وسيرته.

9- شربل في فرنسا

- جريدة Ici Paris

كتب الأب لويس وهبه في مجلة شربل عام 1957: قد أسعدني الحظ بالسكنى في دير عنايا عدة سنين قمت فيها بمهمة لم أجد أحب منها وأفضل، وهي المجاوبة على الرسائل. ففي يوم وصولي إليه، وكان يوم خميس في أواخر أيلول سنة 1951، وصل 1422 رسالة واردة من كل بلدان العالم ولاسيما من فرنسا. ولكي تدرك مقدار هذا الفيض النادر المثيل يكفي أن تعلم أنه منذ 2\10\1950 حتى شهر آب 1952 قد أجيب على 18483 رسالة. أما موضوعها فكان في بادئ الأمر يدور بأكثره حول وصف الحاجات المختلفة، من أمراض ونكبات ومشاكل روحية ومادية. ثم تحول بعد ذلك بأغلبيته إلى وصف الحصول على النعمة المتوخاة، والفيض في الشكر والابتهاج...

أما كيف انتشر خبر الأب شربل في تلك الديار النائية، فإن العناية الإلهية لا تعجز عن وسيلة بها تمجد من مجدوا الله في حياتهم.

وإننا نترك المجال لمخبر جريدة Ici Paris، المعروفة بقلة اكتراثها للدين، ليصف لنا عاملا من العوامل العديدة التي ساعدت على قدرة الأب شربل. وقد نشر هذا الوصف في عدد 9\10\1951 تحت عنوان: قد شفاني الأب شربل بنوع عجيب. نترجمه عن الفرنسية بالحرف:

قالت السيد ب ب من لا روشيل هذه هي الوصفة الشافية بعد المسافة. إن المدينة بكاملها تنتظرها بثقة.

...لما بلغت الطابق الأول وفتح الباب، صادفت امرأة ذات هامة جبارة. قد تردت ثيابا قديمة الموضة، والصفاء يتألق على وجهها. فهي التي جاد عليها الأب شربل بالشفاء العجيب. إن الأعجوبة في نظر هذه السيدة أمر عادي. تتحدث ببساطة وتأكيد، كما هي الحال مع وصول البريد. عمرها يناهز ال72. فقصت علي بكل لطف العجائب الثابتة المزمعة أن يدوي صداها في جهات الغرب المتدينة. فقالت:

أجل يا حضرة السيد إن الأب شربل الحنون هو الذي شفاني. إنما الأعجوبة الكبرى قد تمت مع ابنتي. كنت مصابة بداء المفاصل منذ سنين عديدة حتى أضحيت لا أقوى على الحركة. بغتة زال كل ألم، وها قد أصبحت أقفز كالغزالة! آه! كم أن الأب شربل هو حنون!

كان دمع الغبطة يترقرق في عيني هذه السيدة الفاضلة، ووجهها يطفح بشرا لدى تلفظها بالاسم المكرم. وكانت شفتاها لا تمل من تقبيل صورة للأب شربل منشورة في الجريدة، حتى فقدت هذه الصورة نضارتها وكادت تتمزق. ثم تابعت قائلة: نعم إن الأب شربل الحنون هو كلي القدرة يشفي المؤمن والكافر... حتى إن ما يستطيعه لا يستطيع العقل إدراكه!

إن إيمان السيدة ب يعجز القلم عن وصفه. إيمان قوي، جلي، امتلك شواعري وهزّ عواطفي هزّا. في تلك القاعة الصغيرة التي يسودها النظام والهدوء كان الشعور الفائق الطبيعة سائدا أيضا، ساخرا بالمبادئ العلمية المالوفة. إذ ذاك دخلت السيدة التي حازت أعظم نعم الشفاء.

هي امرأة بسن 47 – فقدت زوجها وكان مفوض بوليس- شكلها متناسب ومرض، وهي، على مثال والدتها متزنة وهادئة. فقالت لي: قد شفيت بنوع عجيب وبشفاعة الأب شربل القديس. وأخذت تصف لي كيفية شفائها، وكيف يستطيع كل من شاء أن يحصل على نفس المعجزة فقالت: منذ سنين عديدة كنت أتألم من خراج ظهر في صدري للجهة اليمنى، وكنت أخاف من أن يتحول إلى سرطان. ولما رأيت أن أطباء بلدتي عجزوا عن شفائي ذهبت إلى بواتيه حيث كان طبيب اختصاصي بهذا المرض هو الدكتور م... ارتحت قليلا بواسطة الإبر، إنما الورم ثبت كما كان، ولم يعتم الألم أن عاودني بأكثر شدة حتى أعدمني لذة النوم. في نيسان الماضي قرأت في جريدة هنا باريس خبرا من مراسله الخاص يصف فيه ما يحدث في عنايا من الأشفية الغريبة. فخطر لي عندئذ أن أكتب إلى الأب بطرس زهرة رئيس دير مار مارون عنايا في لبنان متأكدة أن العناية الإلهية تهديني في سبيل الخلاص. وهذا هو نص الرسالة:

أبت قرأت في جريدة هنا باريس الأسبوعية وصف العجائب التي تحدث في عنايا. فإني متألمة جدا من خراج في صدري عجزت عن شفائه أشهر الأطباء، وبما أن إيماني وطيد، فإن شفائي لا ريب فيه إذا تكرمتم علي بذخيرة من الأب شربل... وقد ارسلت ضمن الرسالة خصلة من شعري مع قطعة قماش كنت وضعتها على الجزء المريض من صدري. لم يمر على هذه الرسالة أكثر من 12 يوما حتى استلمت الجواب الآتي:

حضرة السيدة الفاضلة أعيد إليك الأشياء التي بعثتها لنا، بعد أن نضحناها بعرق الأب شربل العجائبي. وقد ذكرناك في صلواتنا.

إذا قد أصبح في حوزتي الآن ما أرسلت من الأشياء بعد أن تباركت بالعرق المقدس، ثم بعض الذخائر، مؤلفة من قطع قماش حمراء صغيرة. لم أتردد في بلع هذا القماش، مدفوعة بعاطفة إيمان لا تقاوم. أما باقي الأشياء فوضعتها على محل الألم. بعد ذلك ذهبت إلى كنيسة المخلص المجاورة لأصلي أمام العذراء.

لم أكد أبتدئ بالصلاة حتى ابتدأت الأعجوبة: فقد شعرت أن مجرى كهربائيا يخترقني فيهز بدني هزا. حينئذ شرع العرق يتصبب مني وصدري يلهبه حكاك غريب. وفي الليل شعرت كأن في فمي عرقا ذا طعم حاد. وفي ذات الوقت انتقل الخراج من الجهة اليمنى إلى اليسار، وزال الورم من رجلي وذراعي، بعد أن لازمها زمنا طويلا. وبينما كان ينتابني سعال شديد، مرافق بتفل كثير، إذا بي أتخلص من كل ألم! شفيت!

هذا ما كتبته جريدة هنا باريس فكان لخبرها صدى قوي في كل أنحاء أوروبا، ولم يعتم أن امتد إلى أميركا وافريقيا. وقد بذلت المرأة المنعم عليها كل ما في وسعها لتظهر عرفانها الجميل للمفضل عليها، فلم تنِ عن نشر المعجزة، ليس فقط في بلدتها، بل في كل المدن والقرى المجاورة.

فصار كل من له نسيب أو قريب مريض تدب في طياته قوة الإيمان والرجاء فتدفعه بشدة إلى الكتابة وطلب البركة من عنايا، وكان يقتدي بالسيد ب ب فيرسل خصلة من شعر المريض مع قطعة من القماش كانت وضعت على العضو أو المكان المريض.

- رسائل من فرنسا

فرنسا في 5\2\1952

إن الذخيرتين اللتين أرسلتموهما لي قد فعلتا معجزتين عظيمتين: شفائي من البروستات وشفاء والدتي من داء الكبد.

 

بوردو- فرنسا في 15\2\1952

حصلت من الأب شربل على نعم عظيمة روحية وزمنية فإنه قد أنقذني من مأزق حرج وجدت فيه. ثم إن ألما شديدا في الرأس كان يهددني بفقدان توازني العقلي. فتبددت مخاوفي وزال وجعي حالما دعوت القديس شربل. إني أستغيث دائما وبحرارة بالقديس شربل وأنشر عبادته فيما حولي.

السان الأسفل- فرنسا في 10\2\1952

قد استلمت في شهر كانون الأول ذخيرة للأب شربل من عنايا. لما حملها زوجي المصاب بداء السرطان ابتدأت صحته تتجدد بنوع غريب، وأخذ العجب الطبيب الذي كان قطع كل رجاء من شفائه...

جيروند- فرنسا في 21\2\1952

إنكم تكرمتم علي في 1\3\1951 بقطعة قماش صغيرة مبلولة بعرق الأب شربل. كان أخي قد تحمل عملية السرطان في 20\2\1951 وكان الضعف يستولي عليه كل يوم بزيادة حتى خيف عليه فطلب الكاهن. إنما بعد أن قبل أخي الذخيرة ببضعة أيام غادر المستوصف حيث كان قد قضى شهرين، واستعاد بسرعة قواه وقابليته. كان عجب الطبيب الجراح عظيما وقد زاره مرارا. والآن أصبح أخي ذا صحة ممتازة كأنه لم يمرض البتة حتى إنّه عاد إلى أشغاله ووزنه أصبح عاديا أي 98 كيلو.

10- شربل في بلجيكا

o. de Munch – 94, Bruxelles- Belgique في 26\10\1951

أبت المفضال أشكرك جدا على رسالتك الحاوية ذخائر الأب شربل. فقد شعرت بالراحة، ولما أعطيت قسما من هذه الذخائر لصديقة لي متألمة استفادت هي ايضا منها إفادة عظيمة، وقد زالت عني آثار السرطان الذي كنت أخافه. فشكري الجزيل للأب شربل.

شارل روا- بلجيكا، في 21\11\1951

إن عرفاني بالجميل قد حملني على كتابة هذه الأسطر. قد استلمت الجواب (الكلسات التي أرسلتها لتتبارك من ضريح الأب شربل). وحالما لبستها، لم أعد أشعر بألم البتة، بعد 34 سنة مليئة بأوجاع مبرحة. إنّ هذا لعظيم حقا. لذلك لا أملّ من الصلاة للأب شربل ومن شكره.

11- شربل في جزيرة مالطا

جزيرة مالطا في 30\12\1951

أبت الرئيس إني أشكرك على ذخائر الأب شربل التي استلمتها. ويسرني أن أصرح لك أن كثيرين ممن استغاثوا بالأب شربل وحملوا ذخائره قد نالوا نعما خاصة. من هؤلاء سيدة كانت في خطر الموت بسبب تسمم كليتها في الولادة. وحالما وضعت البركة على جسمها المنهوك، زال الألم. فسمت ابنها الجديد: ألكسندر- شربل. وقد استولى العجب على الطبيب لدى رؤيته هذا التغير المفاجئ.

واحد وعشرون: شربل بالزجل اللبناني

1- أسعد السبعلي

- وصف شربل

إنت الشلـــــحتا من عيونك هالدنـي          وزوّادتــك شــمــعا وإنــجــيل وصـليب

وملايكـــة الله ترف وتــــنـــــحـني           لمّــن تــناجي روحك الفــادي الحـبـيب

 

وهالنفس لحرمـتها تـــشوف البشـر           مــن الصــــلا مــــا كـان يشبــع شوقها

ولليوم باقـــــي مـن جروحاتك أثـر           بهـــاك الحـــجار الكــنت تركــع فوقها

 

زنّار مسح الشعر، شـوكاتو الكبـار            مـسـلاّت عــا لحــمــك تـلفّ وتـنـطوي

وقـــلبك المـــــــــليان إيمان ووقار           طــهر الســما وعــطر الزنابق مـحتوي

 

تاكل نبات الأرض ترضى باليسير           وعــن كون كلّو شــرّ فــكرك تــبعــدو

تبحر بخلواتك على نور الضــمير           وتــبكي قــلــبك بـالـسـعادي تـــوعــدو

 

كل يـوم النـاس جــايــي ورايـــحا           تــتشوف جــسم الما انــحل ولا بــلــي

وهالــنعـــمة الحلوي بقربك فايحا            مــا شـــمّــها إلاّ تــراب الجــلجـلـــي

 

- طبق القصب

شــــو ركع شو نام عا هاك الطبق           سـكـاكـيـن قـصـبـاتو بـدمّو مـلوّنـي

وبــــــعدو لحدّ اليوم بيكدّو العرق           هـلـكـان عم يـبـني دني بتاني دني!!

 

- محبسة شربل

يا حجار هاك المحبسي قولي معي:           يـا حـامـلي تـذكار مـن راهـب جـلـيل

الإيمان بقلوب البشر حنّ ووعي            الأخرس حكي الأعرج مشي صحّ العليل

 

- قبر شربل

يا قبر شربل يا محجّ الزايرين           ريـــــحــة الــبــخّـــور فــيــك بــشــمّها

جوّك عبير الطهر، أرضك ياسمين            غـــبـــارك بــعــيــني بــنــحـني وبـلمّها

 

- الى شربل

عنّات هالمشلول غصّات ونحيب           إنـــت الحــنون وعــجايـبك ما بتنحصى

بجاه المسيح، الشر دمّو عالصليب            تــردّو عـا بـيتو لا رفـيـق ولا عـصا

 

قبرك يا شربل رمز عن وادي الدموع            وصرخات من عميان عم  تطلب نظر

صلّي لخالق هالدني صلّي ليسوع            يــمـسح بـروح مـحبّتو وجـاع الـبـشر

 

وأعمى على العكّاز إيّامو عذاب            وبـــيصيح يا شـــربل يــا خـير الأنـبـيا

علواه من قبرك عا شي حبّة تراب            إمـسـح جـروحـي، وفــتّــح عــيوني فـيا

 

وأم لعا زندا طفل أعمى العينتين            مــشلول، إيــدو يابــسي، وإجرو حطب

دقة عا البلاطا، وعا صدرا دقتين:            يــا شــربل القدّيــس شــدّلّو الـعــصب

 

يا قبر إنت قتلت بالناس الشكوك            عــا بــلاطتك روس كـبـيري بـتـنحني

إنت يل زغّرت تيجان الملوك            فــيك الـتــساوي لا فـقـيـر ولا غـنـي

 

شربل ما شافت هالدني متلك عظيم            إنــت المــحــبّي إنــت للأرزي الأمـل

ألله! لمّن عالجك هاك الحكيم (العويني)            عـارف عـا زنــدو مـات قـدّيس الجبل؟

 

-إلى دير عنّايا

يا دير، يل ما شكيت مرّة من الضجر            رفـاقـك بـهـالـجـرد وديـان وسـجــــر

ومن كتر ما شلحت عليك الشمس نور             بــابك عــري من اللون واسمرّ الحجر

 

وهالجرس هالرنّتو كلاّ خشوع             شــو فيّق الوديــان صــوتــو هــالغميق

وينده عصافير السما تغنّي ليسوع             مــن طــاقــتو هل ما لهن غيرا صديق

 

يا دير يللي الدهر قدّامك زغير             شـــو لفلــفك بجــوانحو البيـضا غمام

عا مدبحك يا ما سجد راهب فقير             كــرّس صــلاتو للســما، وحبّ السـلام

 

2- كابي حداد

إنسان؟ مش إنسان!   روح من الله!      قدّيس من لبنان           هزّ الدنـي كلاّ

 

قدّيس من لبنان   من قوّة الإيمان

ضوّى عيونو شموع  عا مدبح العدرا       العا إيدها يسوع           والشوك عا صدرا

 

قدّيس من لبنان  لا! لا! قمر قربان

هاك السما صوبو  كارجي نــجوما       تركع على توبو                    وتروح عا روما

 

قدّيس من لبنان  يا قدوة الرهبان 

ناسك بمحــبــســتــو   تحت الشمع لاطي!       بإجريه لو بستو           بتتوب يا خاطي

 

قدّيس من لبنان   بعدو متل ما كان 

هاك الجسد باقي!  غفيان بـالـتـابـوت       ما في قلب ناقي           صـاحـبـو بيموت!

 

 

3- أسعد سابا

آمنت باسمك يا الانت منّا   وقلبي انتلا إيمان                   إنت يا قدّيس من عنّا     من هون من لبنان

 

ها الدهر حدّك مرّ وتسوسح                   وذكّرتنا برمز الفدا الأسمى        ابن السما المعبود

القامو للمكرسح                        والفتّح الأعمى                      وعاد انصلب عا العود

 

قالوا الزنابق حدّك تراتيل  وشلح الحبق صلّى   لهالصورة الطلعت على المنديل   الفيها وحي الله

هالعطر هلّي فاح من جسمك  هادا لنا هديّي إنت السما إنت المجد إسمك       وللأرز غنّيّي

 

صلِّ لخلاص الناس صلِّ الفرض  ولا تزعل من الناس    قبلك ابن الله نزل عالأرض   سقيوه مرّ الكاس!

قلب الجبل آمن بناسوتك    وبدمّك الفاير     وبتصير بكرا خشاب تابوتك      للعالم دخاير

 

4- مارون الخوند

هيدي عجايب بالبلاد بــتـنسما                        لمّا ضريح القبر بيقيم الضريح

فتَّح عيون لكان طافيها العمى                        وحطّ النشاط بقلب متلوِّع كسيح

يا شربل القدّيس نفسك بالسما                        نْزِلِتْ عا الأرض تا تبشِّر بالمسيح

وبعدو ترابك حي عم يرشح دما                        والقبر شعّ بـنور إيمان الصحيح

 

راهب فقير وكنت ساكن محبسي                        عـابـد إلهـك والصلا بـشـبـيّــتــك

تراب لدعستو صار أرض مقدّسي                        وقــربان نــفسك للإله هــديّتك

نحنا المنايا في قبور مدنّسي                        إنت بـــاقي حي بعد منيّتك

القبر اللي ندّى من المياه مكرسي                        بيشفي جميع البشر عا نيّتك

 

والسنديانة لكانت بهاك الربوع                        بتشهد على قدس الطهارة والعفاف

صارت دوا متجمّعا عليها الجموع                        والناس تقصد عن عقيدة وإلتهاف

قبرك مزار الكلّ مبكى للدموع                         بريت حجارو عا المحارم والشفاف

ألف نهدِة وألف دقَّة عا الضلوع                        بيتطايروا بصفقة محبّة وانشغاف

 

صارت جوار الدير كلّتها دروب                        كلّ الدني تا تزور قبرك لافية

بيك وأمير وكلّ طبقات الشعوب                        هامت على الأشواك تركض حافية

نجم الهدى طلّيت من بعد الغروب                        تسكب علينا من حنانك عافية

وراجع بنور الحق عم تهدي القلوب                        وتـرفـع لــواء الديـن فـي لبـنان

       وتردّ شمس ال عن جبـــلنا قافية

 

 

5- فرز طوق

- محمّد مروه

محمّد عــلي مروه يـخبِّر قصـتو               من شربل القدّيس كان لو حصتو

كل مــا رواهــا بـتـدمــع عـيـونو               المرض ولّى بس بقيت غصْتو

 

مرض بيجسمو كبير ما كان ينحمل               وعينو الشمال انطفيت وأيش العمل

الاّ الأطبّا لعــالجــو واســتــسلمــو               وبعد العلاج الكل قطعولو الأمل

 

سامع عن القدّيس كم شافي مرض               تا يشوف (أفدوكا صليبا) المفترض

تا الضــريــح تــزور عنّــو كلّفــا               وخمسين ليرا قال عن نفسو فرض

 

ودّا معا مكتوب تا يحكي الصحيح               كاتب: أنا مسجون مش عامل قبيح

انكنّي بري بخرج بصحّة كامله                وإن كنت مجرم ردّتي أعمى وكسيح

 

أفــدوكيا عمــلت شــو بــدّو مكلّفا                محمّد ناطر ردّ ما شاف الغفا

إلاّ وجابتلو مي وتـــراب وقطـــن                من فرد مسحه مــحمّد ينال الشفا

 

- طلبه

يا شــربل نحــنا جيـــنا       لعــنــدك طــل ولاقـيـنا 

ببقاعكــفرا بأعلى جــرد       تحـــدّيت التعب والبرد  تا نقــاوم نعــمه اعطـــينا

 

من بقاعكــفرا لم فلَّيـــت       عن كل الدنيي تخلَّيت  تركت الإخوة تركت الأم

وتركـت خوالك والعم        وبعنّــايا لقيــت البـيت  متلــك عا البيــت اهديــنا

 

لبســت التوب الرهباني       تا تعيش بــعالــم تانــي  تـنسَّكـت بصومعة الرب

من ينبـــوع الحـب تغب        ووزعـــت الحب قناني  كاس مــن الحــب سقـيـنا

 

فراشك من ورق يابس        ولحافـــك توب اللابس   المــخدّه شقــفـة خشـــبـه

وأكلاتك خبز وعشبه        وحــالك بالقرنه حابس   يللي شـايــف فـرجـيــنا

 

يا مقضّي العمر تصلّي        وإيديـــك لفــوق تـعلّي  عا العـالــي تـرفع كاسك

وللأرض بتحني راسك        مْريض وبجسمك علّه   مرضــى من العلّه شفينا

 

يا ناســـك صاير ختيار        ولجسمـــــك باقي قهّار  صومعتــك بأعلى الجرد

متحــمّل تــلجا والبــرد        مجلّد ما بتقـــرب للنار  مــن إيـمــانـــك دفّيــنــا

 

ناطــر تــا الميلاد يــطل        وتتــرك هالعــالم وتفِل  بــدّك تا تــلاقــي يسـوع

هوّي نزول وإنتي طلوع        تا صابـــــك فالج وتفل  بــعـقـل الكــامــل خـلّـينا

 

وبـــلـيلـــة عــيد الميلاد        لا فرحه ولا تياب جداد  طــلعت روحـك يا قدّيس

والصرخه مات الحبيس        وعنّايا لبســـــت الحداد  وأرز الــرب وواديــنـــا 

يا شـــــــربل قوّه اعطيـــــنا

 

ثانٍ وعشرون: شربل الطوباوي

 

1- شفاء عقل واكيم

- انقلبت به الدرّاجة

كان عقل واكيم يتعلّم في مدرسة الحكمة، وحدث أنّ والد أحد أساتذته قد توفّي في بكفيّا، في 11 نيسان 1940. فذهب إلى هناك مع 4 من رفاقه ليتمّم واجباته، وكان عمره 14 سنة. وفيما هو عائد على دراجته في محلّة جورة الزيتون على طريق بكفيّا الشديد الانحدار، انقلبت به الدرّاجة، على جانب الطريق من علو 8 أمتار، ففكّ وركه وشكّت بحصة بخاصرته، فنقله رفاقه وبوليس بلديّة إنطلياس إلى بيته، في الكرنتينا – بيروت، معطوبا لا من أيده ولا من رجله، وكان غائبا عن الوعي.

- مسألة بسيطة!

فلمّا شاهده والده على هذه الحالة اضطرب كثيرا، فأسرع وحمله إلى الدكتور بولس توتنجي، فوجد أنّ وركه انفكّ ورجله انقلبت (خلفاني قدماني)، وكان قد أصيب بجروح بليغة في خاصرته وصدره ووجهه، فجرّب الدكتور أن يعيد الورك إلى موضعه، رغم محاولة دامت نصف ساعة، فقال: أنا ما بقدر عليه، خدوه لعند حكيم. فقصدوا الدكتور رزق فما وجدوه، أخيرا توجّهوا إلى مستشفى الجامعة الأميركيّة، وكانت الساعة 11 من الليل فضمّدوا جراحه وقالوا: انتظروا مجيء الطبيب غدا. وفي اليوم التالي جاء الدكتور سامي حدّاد فعاينه، ثمّ صوّروه على الأشعّة، وبعد ذلك أجرى له عمليّة، وقال لذويه: مسألته بسيطة، خلّص، كان وركه زائحا فردّيته إلى محلّه. مكث في المستشفى 6 أيّام، جاء بعدها إلى البيت، ولزم الفراش ثلاثة أسابيع مسطّحا على ظهره. ولمّا حاول المشي وجد أنّ رجله يابسة الورك والركبة معا.

- رجله لا تشفى!

فجاء أهله إلى مجبّر عربي اسمه الياس عربيد في المصيطبي، فعالجه بمغطس ماء ساخن وتهبيلات متنوّعة، ودلّك رجله المصابة بدهون، فأصبح يطوي ركبته، دون وركه. وعالجه بعدها المجبّر منصور صعب من الرميله، بالطريقة نفسها، فلم ينجح. بعد شهرين راجع الدكتور حدّاد في الجامعة الأميركيّة، فطلب صورة على الأشعة، وصرّح بعدها: رجله لا تشفى حتّى ولو بعمليّة جراحيّة! فسألوه عن سبب ذلك؟ فأجاب: لقد تجمّع دم وتحجّر في محلّ جورة الورك! فأعادوا سؤاله: كيف قلت في المرّة الماضية لقد شفي؟! فأجاب: أنا أكفل الواحد لمّا يخرج من عندي من المستشفى، ولست مسؤولا عمّا يجري بعد ذلك.

- يخجل من التنزّه مع الصبايا!

عاد إلى المدرسة حتّى أكمل السنة الدراسيّة ودامت هذه الحالة نحو 6 أشهر. قفز يوما من الترمواي، وما جرؤ أن يخبر والده، لأنّه كان يهابه ويخافه إذ كان قاسيا عليه حتّى يتربّى، فزاد عرجه, وصار كلّما كبر, رجل تطول ورجل تقصر, ويعرج بزيادة. فذهب أهله به إلى مجبّر أرمني من برج حمّود، فعلّق برجله المعطوبة كيس من الرمل بوزن 15 كلغ لم يستفد من علاجه. وكان وركه نافرا، وكان قصر إحدى رجليه يضطره احتذاء بوط كعبه أعلى ب7سم من الفردة الثانية، ومع ذلك كان يعرج عرجا شديدا، وكان لا يتنزّه برفقة الصبايا خجلا من عرجته.

 

- يحمل مسدّسا!

وحصل نتوء في وركه حتّى كان يتصوّر كلّ من يراه أنّه يحمل مسدسا، أو زوّادة على جنبه. وكان إذا شاء الجلوس على كرسي أو الركوع  على ركبتيه كان يطوي الرجل السليمة ويمدّ الأخرى إلى الأمام، لعدم تمكّنه من طيّ مفصل الورك. وإذا مشى 5 دقائق، كان يشعر بألم شديد في الورك، ويتعب ويتألّم فيضطر إلى الراحة. ثمّ أخذ بعض الناس ينصحون والده لكي يجري له عمليّة جراحيّة عند الجرّاح المشهور الدكتور روفريتو ولكنّه لم يرضى خوفا من أن ييبس الجنب.

 

- صار عالة على أهله

أخيرا تركوه على الطبيعة، وقد صار عطيلة. ولم يكن أحد يرضى بتشغيله، ورُفِض طلبه للالتحاق بوزارة الأشغال العامّة، أو في شركة سكّة الحديد، التي التحق فيها أخوه، وصار عالة على أهله، فاضطر لفتح دكّان ليعيش منه. وكان لا يستطيع ركوب الدرّاجة إلاّ نزولا ويدوّس باليمنى فقط، لهذا لم يكن يستطع الركوب طلوعا. وكان إذا أراد الانحناء إلى الأرض ليتناول شيئا كان يطوي ظهره ورجله اليمين بينما يمدّ الشمال إلى الوراء. وبقي على هذه الحال 10 سنين. وكانت زوجة الدكتور حنّا الرياشي, طبيب عقل، تقول لأولادها حينما يلجّون عليها لتشتري لكلّ منهم بيسيكلات: انظروا وشوفواعقل شو صرلو من البيسيكلات

 

 

- نحو شربل

سمع عقل بعجائب القدّيس شربل، فقرّر زيارته يوم أحد، ولكنّ أخاه طانيوس حين سمع بشفاء ماري جميل المعلوف، التي ولدت عرجاء، قصد بيتها. ولمّا تثبّت من شفائها، عاد مسرعا إلى دكّان أخيه  مثل المجنون، وقال له: سكِّر سكِّر هلّق! وكانت لهجته تدلّ على لهفة وتأثّر غريبين! فسأله عقل: لماذا تريد أن أسكِّر؟! فردّد: سكِّر دكّانك هلّق بدنا نزور القدّيس شربل، ماري جميل صحِّت! فشعر عقل بحرارة إيمان قويّة وصار عنده اندفاع من نفسه، فسكّر الدكّان. ضحك بعض الناس وقالوا ماذا تراه يفعل أو يستفيد لقد مضي على عرجه سنين!

 

- وزير يحتجّ

أسرع أميل لحّود وزير الماليّة، إلى قصر رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة، الشيخ بشارة الخوري. ارتفع صوت الوزير مستاء: هالضجّي كلا النقامت حول هالراهب شي مضحك. وأبشع منّا انتقلت العدوى للصحافيّي، واجب نوضع حدّ لهالمخادعات! توسّطت عقيلة الرئيس تقول: واجب نشوف بعينينا. ما في غير هالطريقا المعقولي وحدا بتقدر تأكّدلنا شو عم بيصير هونيك، وشو هيّي الحقيقة. قضيّي، تابع الوزير، حاسس ريحتا مش طيّبي كتير. مش خاليي من الخداع. والمخجل إنّو بلبنان، لبنان الحضارة والرقي، نسمع بمتل هالأعمال الفاضحه والشعوذات المستنكرة! أمّا الرئيس فأجاب بلهجة عائليّة: أميل إنت أقدر الناس عَ توضيح هالقضيّي. روح، طلاع عَ عنّايا، وشوف شو عم بيصير، وبس ترجع منبقى ناخد الاجراءات اللازمي.

الناس مجانين! أردف الوزير، واحد من جيراني، اسمو عقل واكيم، مريض من أكتر من 10 سنين حملوه عَ عنّايا. وما عاد سكّان الحي يلهجو إلاّ بسيرتو، هادا مش ضعف عقل؟!

بإشارة قطع الرئيس الكلام على وزيره قائلا: نحنا متكلين عليك تَ تروح تجبلنا الخبر الصحيح. تحقّق بذاتك، ورجاع خبّرنا، منتظرينك.

جرت سيّارة الوزير أميل لحّود عبر المنعطفات إلى عنّايا. بين طورزيّا وإهمج ومشمش والدير، عاين الطرقات والدروب والمسالك والشعاب تسيل بالجماهير كأنّها الأنهار تصبّ في البحر... وكاد السير يكون مستحيلا. امتعض الوزير من هذا البطء ومن أنّ كثيرين قد عرفوه وأبدوا دهشهم! استقبل رئيس الدير السيّد لحّود وقد أخذه العجب من هذه الزيارة المفاجئة من قبل رجل سياسيّ معروف.

- نهض ومشى

ركب عقل وأخوه طانيوس وأمّه وعمّاه سيّارة رأسا إلى عنّايا. فنذر في عودته، إذا شفي، أن يأكل خبز وماء طيلة أسبوع. وصلّى طول الطريق، في سرّه، الأبانا والسلام، وما كان يلتفت يمينا وشمالا. لمّا وصلوا دخل عقل مباشرة إلى الضريح رغم صعوبة الوصول بسبب الحشد البشري، وانطرح على الأرض تحت طاولة يضيء الناس عليها شموعا، وكان يصلّي ويتلو طلبة السيّدة مع الحضور. وصارت والدته تملّس يدها على القبر وتفرك له جنبه وتضع له ترابا عن القبر في فمه. وعند البلوغ إلى نصف طلبة السيّدة تقريبا، شعر بغتة أنّ تيّارا كهربائيّا جرى في يده ساريا من الكفّ إلى الكوع. ولمّا وصل إلى الكوع اشتدّ تأثّر ذلك التيّار فشعر بخوف ورعشة! فانتفض فإذا برجله المصابة راكعة إلى جانب أختها! فاندهش! فضرع بشدّة أكثر مردّدا في نفسه إن شاء الله تكون هي العجيبة. وواصل تلاوة الطلبة مع المصلّين ولم يكن قد تأكّد بعد من حدوث الشفاء التام. ولمّا انتهت الطلبة نهض ومشى، وكان يشعر في نفسه أنّه تحسّن، ولكنّه لم يجرؤ على إعلان ذلك خوفا من أن يتجرّص!

 

 

- شاهد أرثوذكسي

كان الدكتور أنطوان الشامي، طبيب مستشفى الرهبان في جبيل، والشيخ راجي زكريا، روم أرثوذكس، مراقب إدارة حصر الدخان في جبيل، يتناقشان بقضيّة الأب شربل. فعرض الدكتور عليه زيارة ضريحه. وكانت الساعة الثالثة تقريبا بعد الظهر، وصلا فوجدا أمام الضريح، تحت طاولة تضاء عليها الشموع، عقل متمدّدا وثيابه ملوّثة بالشمع ينقّط عليه فسألاه عمّا به؟ فأجاب: مريض موجوع. فاشتركا في الصلاة برهة، ثمّ تركا الضريح وقصدا الديوان للراحة، بصحبة الوزير أميل لحّود. فقال الشيح زكريّا للدكتور شامي: الظاهر أنّ الحكاية ناشفة اليوم! وين؟! لم يحصل شيء من العجائب؟!

- قرعت الأجراس!

ولمّا خرج عقل وأمّه من غرفة الضريح، قال لها عقل: مبيّن عم أعرج على اليمين! يمكن صحّيت! وراح يمشي مرتاحا وينخ ويركع ويقوم. حتّى عمّه صار يزقّف من فرحه: يا ابن اخي صحّيت! وعند ذلك نزع البوط من رجله وابتدأ يمشي جيّدا وكان الشعب متحمّسا جدّا من ذلك، فعلا الهتاف والتصفيق في الخارج وقرعت الأجراس!

 

- أنا مآمن بألله

ولمّا سمع الوزير أميل لحّود قرع الأجراس، اعتقد أنّ الناس مبتهجون بقدومه، فتأفّف وقال لرئيس دير عنّايا بعصبيّة: بترجّاك! أنا مش جايي بصفة رسميّي. وقّفلي هالمظاهرات ودقّ الجراس. أجاب الرئيس وهو لا يتمالك من إبداء ابتسامة معنويّة: شرفّتنا عَ بغتي. هالشي مش عَ حسابك يا معالي الوزير، لأنّو ما سبقلنا علم بزيارتك، يمكن هالناس الطيّبين القلوب، شافو شي عجيبي، وصارو يزقّفو.

صرخ الوزير مذعورا! عجايب! وانسحب توّا بين الجمع المائج يزحمه من كلّ صوب. وفيما هو يجتاز الحوش، رأى شابّا يهرع إليه، نشيطا، فرحا متهلّلا وحوله بعض ذويه ومعارفه يصفّقون ويبتهجون، لقد عرفه: هو عقل واكيم يهتف به: إنت؟! هون؟! سعادة الوزير؟ فيجيبه الوزير بسؤال آخر: أنت عقل؟ قولكن صحيح أو أنا مغلّط؟ أجاب عقل: نعم أنا ذاتي متل منّك شايف... أنا بشفاعة القدّيس شربل صحّيت! وضع الوزير كفّه على جبينه حائرا، مضطربا، وهو يتمتم كأنّه في حلم: شي عجيب متل بصر البنام! ثمّ التفت إلى الرئيس الذي كان يتبعه وقال: يا بونا، مش عارف شو صرلي. هالزلمي بعرفو مريض مزمن من 10 سنين. قدرة الله هالشفيتو، شفتني كمان، شفتني من عدم إيماني! أنا مآمن بألله، بالقدّيس شربل، بالكنيسي الكاثوليكيّة، بالسما...

 

- حصل له توبة

وفي المساء رجع عقل إلي البيت وكان يمشي مثل الحصان. وعلى مدّة 15 يوم طفّت الناس تهنّئه بالشفاء. ولم يعد يتألّم ولا يعرج. أمّا نموّ عضل فخذ رجله الضعيفة، فقد تمّ شيئا فشيئا.

كان عقل رجلا اعتياديا في سلوكه وتصرفه، وكانت أخلاقه غير مرضية ومشاغب، وكان عنده شويّة نقنقة من قلّة الشغل. ولم يكن يتردّد على الكنيسة كثيرا، فكان فاترا في واجباته الدينيّة. وقد انبدل تماما بعد شفائه فأصبح مسالما. وصار يمارس الديانة أكثر، وحصل له توبة، فلم  يعد يفوت واجبا روحيّا. وكلّما سنحت الفرصة وحصل على أجرة سيّارة يذهب لزيارة القدّيس شربل، لكي يصلّي ويشتغل في الدير مجّانا إقرارا بفضل القدّيس شربل. فيحمل على جنبه أكياس الرمل والحجارة الثقيلة بكلّ نشاط.

- شفاء ملحد

وشهد إدمون الخوري، سدّ البوشريّة: أنا بعد حادثة شفاء عقل واكيم، وعلى الرغم من أنّ أخي إدوار، المصاب بشلل في يده اليمنى، لم يشفى بعد زيارته، فقد أثّر شفاء عقل واكيم فيّ كثيرا، إذ بعد أن كنتُ أتصوّر أن لا قوّة فوق قوّة الإنسان، أصبحتُ بعد هذه الأعجوبة أؤمن بقوّة إلهيّة فوق الإنسان. وصار عندي استعداد ورغبة أقوى في العبادة وفي واجباتي الدينيّة، بينما كنتُ قبلا أقول: يكفي الإنسان أن يقوم بواجباته الأدبيّة تجاه غيره دون أن أشغل فكري في العقائد الدينيّة وممارسة فروض الديانة، وقد تغيّرت حالتي النفسيّة من هذا القبيل. وإذا كنتُ حتّى الآن لا أمارس واجباتي فعلا، فذلك يعود الى نشأتي، وعوائد قد تأصّلت فيّ يلزمها بعض الوقت للتغيير. وأصبتُ بطلق عيار ناري في بطني في 25 تموز سنة 1950، وذلك قضاء وقدرا، فمزّق الرصاص أمعائي في 7 مواضع. وقد نقلتُ إلى المستشفى، وأجريت لي عمليّة خطيرة جدّا، فالتجأتُ فور وقوع الحادث إلى القدّيس شربل. وقلتُ له: يا قدّيس شربل نجّني! مثلما تنجّي غيري! وبالفعل نجوتُ، والحمد لله، وتركتُ المستشفى بعد 15 يوما.

 

- مشية رقص

شهد الوزير أميل لحود: شاهدتُ رجلا طاعنا في السنّ، كان لا يقوى على المشي قبلا إلاّ بصعوبة كلّيّة! رأيته يصعد بسهولة ماشيا على الدرج الموصل إلى الكنيسة في الطابق السفلي إلى مدخل الدير، ورأيته طالعا على الدرج بدون معونة أحد وبدون عصى، وأخذ يمشي في بهو الدير مشية رقص! وميمي كرم من بسكنتا تشتغل بالخياطة كانت مصابة بشلل في عضلات فخذها، تمشي حدباء وتمسك ركبتها بيديها الإثنتين، وتحمل رجلها حملا، لتنقلّها في أثناء المشي.  ولكن بعد زيارتها للقدّيس شربل أصبحت تمشي مشيا طبيعيّا. وأضاف الوزير: بعد هذه الخوارق، تثبّت إيماني وصلبت عقيدتي، وعاد المتردّدون إلى الإيمان. وزاد المؤمنون إيمانا، وقويت حجّتهم في وجه الملحدين. وصُدِم الملحدون المتشبّثون في إلحادهم.

 

 

2- بولس عقيقي

- ضغط لا شفاء منه

سنة 1943 ابتدأ معه الضغط، وقد اشتد عليه المرض خصوصا بعد وفاة أخيه فارس. سبّب له الضغط التكلّس بشرايين القلب الأماميّة. عالجه الطبيب بشاره دهّان، فوصف له الأدوية المستعملة في مثل هذه الحوادث والتي يدخل في تركيبها مادّة اليود. أمّا العلاجات فقد انحصرت في نظام خاصّ للطعام، كالانقطاع عن اللحوم والمعجّنات والسمك والبيض والصلصات وشرب الكحول والمنبّهات والدخّان، وسمح له بالخضر خاصّة المسلوقة وقليل من اللحم بلا دهن مرّة في الأسبوع. وكان الدكتور دهان يردّد له: داري حالك بالأكل بعدك شاب حرام. وتبع هذه العلاجات كلّها، وقد صام عشرة أيّام مع قليل من الماء، ولكن بدون فائدة تُذكر.

كان ارتفاع الضغط يتراوح بين 22 و 24 الدرجة عالية و11 و12 كدرجة سفلى وكان يحدث له ضيق في صدره وعسر في الهضم وخنق تنفّس وتضخّم في الكبد وارتجاف في الجهاز العصبي وألم في الرأس وضعف في النظر وخلل. وكان يشكو ألما في أعلى الصدر لجهة الشمال ووجع في ذراعه اليسرى يمتدّ إلى أصابع اليد من ذات الجهة ويقف النبض معه أثناء المرض وكان على خوف مستمر، ومنع عليه السكن في الجبل. في صيف 1946 كان عند أخيه بطرس في حراجل لقضاء عطلة صغيرة فأصابته نوبة فاستدعي الطبيب ليلا وبعد أن عالجه أخذ الضغط فإذا به يرتفع إلى 23! وغاب عن الوعي فحمله ذووه وأنزلوه من الجبل. وبعد العارض بقي 4 أيّام متعوبا وعولَج بأخذ المسهّلات وبعض الأدوية. وكان يعالَج بالإبر تحت الجلد عندما تصيبه السكتة القلبيّة. كان مرضه متواصلا، يتعب من الأكل! لا يمشي أكثر من 500 متر دون أن يضطر إلى الاستراحة. كانت ليندا أرملة فارس أخيه تخدمه مع أمّه العجوز والخادمة ليلى خليل. كان أهل البيت لا يحبّوا أن يزعلوه لا بل كانوا يشتغلون بدلا منه لئلاّ يتعب. وهو كان يتردّد، من حين إلى آخر، على محل تجارته في بيروت وأرزاقه في وطى نهر الكلب، إذ أقعده المرض عن الشغل وعن العناية بالرزق ومعاطاة  تجاريّة في بيروت وكان إذا عاد إلى البيت للراحة يلزم فراشه. وكان دائما يخاف من الموت كأنّه وصل إليه وقد عزم من يأسه أن يسجل كلّ ما عنده لأولاد أخيه المرحوم فارس لأنّه هو ربّاهم. وانقطع عن استعمال الأدوية والعلاجات قبل زيارته شربل بأسبوع كامل يائسا من فائدتها.

- نور يشعّ من القبر

قصد دير مار مارون، من كلّ قلبه بأمانة مسيحيّة، بصحبة ابنة خالته وخاله سمعان وزوجة أمين الفالوغي وليندا أرملة أخيه فارس مع ابنتيها أنطوانيت وجورجيت وكان كلّ واحد طالع على نيّته الخاصّة. وصلوا إلى الكنيسة. فزاروا قبر شربل، تخشّع بولس وطفر الدمع من عينيه، وقد رأوا جميعا نورا يشعّ من القبر، وكان يمسح بيده البلاطة التي على الضريح. حضر أعجوبتان فتأثرّ وقوّى إيمانه. واشترك بالزيّاح، مع حشد من الناس يصلّون ويبكون ويضرعون، وشعر براحة وفرح داخلي، وأحسّ أنّه شفي. أكل بولس ممّا حملوا معهم سردين وبيض وغيره. ولمّا عادوا إلى البيت أكل أيضا مع ذويه ونام مرتاحا. وقد أخذ يدخن النرجيلة منذ عودته من زيارة القدّيس شربل.

أحضرت ليندا معها بركة من السنديانة نقعتها بالماء فنضحت لونا مثل لون الخمر فشرب منه مرّة فشعر بقشعريرة في جسمه وتحلحل الوجع من جسمه كلّه، فشعر في اليوم التالي بإسهال. ولمّا زان نفسه وجد أنّه خاس 2 كيلو! وبقي على ذلك 8 أيّام. ووقف الإسهال بعد رابع يوم، وأمّا هبوط وزنه فكان متواصلا كلّ يوم كيلو فرق. ارتاح وصار يصعد الدرج بدون تعب.

قصد الدكتور دهان، وهو يضحك وفي وجهه علامات السرور والابتهاج، وأعطاه يده مثل واحد متأكّد من ذاته لزوال الضغط، وقال: خذلي ضغطي. فأخذ ضغطه فإذا هو طبيعي: 14 على 8! وأعاد أخذ الضغط مرّة ومرّتين ونظر إليه وقال له مستغربا: أيشك عامل يا بولس؟! من عالجك غيري؟! مرضك لا يشفى منه! فأخبره ما جرى له مع شربل. فتعجّب جدّا وقال لبولس: ما عند الله وعند الأب شربل وقدّسيه ليس عند الأطبّاء، وهو على كل شيء قدير. ومع ذلك لم يعتقد أنّ هذه النتيجة تدوم! لذلك طلب من بولس مراجعته مرّة في الأسبوع ليتأكّد من النتيجة إذا كانت دائمة او مؤقّتة وطلب منه أن لا يتقيّد بنظام طعام بل يأكل ويشرب دخّان فكان يتردّد عليّه مرّة في الأسبوع، والنتيجة لم تتغيّر. وعاد يتردّد إلى الجبل بلا انزعاج. وقد تأثّر الكثيرون من هذا الشفاء وزاروه يهنّؤنه.

- ماء السنديانة

شهدت ليندا أرملة فارس عقيقي: لي ابنة عمرها 9 سنوات كانت دائما في المرض سبّبته حمّى وقد عرضتها على الأطباء كلّهم فعالجوها بلا فائدة. ومن بعد زيارتنا القدّيس شربل صرت أعطيها من ماء السنديانة. ومرّة كانت كنيسة الضيعة مزيّنة ليلا وهي مريضة فطلبت من عمّها أن تذهب لتزور الكنيسة وتتفرّج، فمنعها بحجّة أنّها مريضة فأجابته كلاّ يا عمّي. أنا ظهر لي القدّيس وقال لي: ستنامين هذه الليلة، وتقومين غدا حرارتك 37، وهكذا كان. وقد شفيت والحمد لله.

 

- شفاء الروح

كان لهذا الشفاء تأثير روحي على المحيط، فقسم كبير عاد إلى العبادة أكثر من ذي قبل. كان عند بولس بعض الفتور في ممارسة واجباته الدينيّة، فزادت حرارته في التقوى بالمئة ألف، وزاد مواظبة على سماع القدّاس وحضور الأخويّات والاعتراف.  ومن لا يمارس بتواتر واجباته الدينيّة أقبل عليها برغبة، وعادوا للتردّد على الكنائس. منهم المدعو فيليب أسعد رجل لم يكن يقدّس. أصبح اليوم يقدّس ويصلّي من أوّل طبقة، ويقول: أنا ما كنت أحبّ أن أدخل الكنيسة، صرت كلّ يوم أحبّ أن آخذ طلبا إلى القدّيس شربل (هو سائق سيّارة) وكلّ يوم أحبّ أن أقدّس.

وكلما مرض أحد من جيران بولس ومعارفه، يقول لأرملة أخيه: اشفيه من ماء السنديانة يا ليندا وصار يبشّر بالأب شربل. وطلب بعض المسلمين  منه (وهو عايش في محيط إسلامي) بركات من قبر القدّيس فأعطاهم.

3- الأخت ماري أبيل قمري

- صحّة تامّة

كانت الأخت ماري أبيل، منذ صباها، ابنة مسيحيّة. كانت تعيش في بيتها وفي المدرسة كسائر البنات المسيحيّات القرويّات. وبعدما دخلت الرهبنة، أصبحت راهبة قانونيّة, توّاقة للقداسة، سلوكها جيّد ومثل صالح للكلّ، تقيّة غيورة، روحها طيّبة، أطباعها حسنة، وعقلها  سليم. وكانت مجتهدة في عملها، رصينة وحكيمة في تدابيرها وأحكامها، ذات عقل نيّر وثاقب، وحكم صحيح، وإرادة قويّة. تحتكم إلى عقلها في الأمور وليس إلى عاطفتها. وكانت معلّمة في مدرسة الصغار التابعة للكلّيّة اليسوعيّة، ومستمتعة بصحّة تامّة وذات بنية قويّة.

 

- مرض عضال

سنة 1936 في عيد رأس السنة أصابها تقيؤ واستفراغ ولازمها مدّة. فاطلعت الرئيسة على حالها. فأحضرت الطبيب جان شامي، فلمّا فحصها ورأى ظواهر الصحّة، وقوّة البنية فيها حكم أنّ الاستفراغ هذا، ما هو إلاّ حركة عصبيّة، تتأتّى من شدّة تأثّرها ومزاجها الحادّ. وأشار بعلاجات بسيطة كالفحم والبيكربونات. ولكنّ الاستفراغ كان يلازمها ويزيد يوما عن يوم. وكانت تشعر بجسمها يذوب. ومع ذلك تابعت شغلها في المدرسة كالعادة حتّى آخر السنة المدرسيّة. وأصابها يوم الفحص المدرسيّ عارض، إذ أخذها دوران لم تعد تتمكّن معه من أن تتابع عملها، فأُرسلت إلى الفراش. وفي الغد، عندما حاولت النهوض أخذ العرق يتصبّب من جسمها، وأغمي عليها. وكان جسمها قد ضعف حتّى خاس وزنها ثلاثين كيلو. فقصدت الدكتور يوسف حتّي، فلمّا رآها بهذا الهزال، وبطنها يكاد يلصق في ظهرها، أشار بالتغذية والراحة وتغيير الهواء قائلا: لا يمكننا أن نعالجها أو نجري لها عمليّة في مثل هذا الحال. فأرسلت إلى عين زحلتا، فما وافقها مناخها، وأصابها هناك إسهال شديد مع استفراغ متواصل حتّى انهدّت قواها. فأرسلت منها إلى حمّانا حيث عاينها الطبيب المصريّ جوزيف مراجل الاختصاصيّ بأمراض المعدة، وكان هناك يقضي عطلة الصيف، فوصف لها علاجا على 8 أيّام، مع نظام خاصّ للأكل (ريجيم)، فخفّ الاستفراغ قليلا، نظرا لقلّة الأكل وخفّة نوعه. فأمر إذ ذاك بالتصوير على الأشعّة. فتصورّت عند ذيكوه، وكانت تصحبها إحدى الراهبات. فكانت نتيجة التصوير ظهور قرحة هائلة في المصران، فوصف لها الدكتور مراجل حقنا في الجلد لم تأتي بفائدة. وبعد ذلك أرسلت إلى الدكتور بعقليني، فلمّا عاينها تأثّر، وأخذ يشتم ويلوم الطبيب الذي عالجها حتّى ذلك الوقت، فأدخلت مستشفى القلب الأقدس الفرنسي في بيروت، وأجريت لها سلسلة أبر ومصل وغسيل معدة بالنبريش، والاستفراغ يزيد، وكان يظهر في الخروج دم. ثمّ صوّرت للمرّة الثانية على الأشعة، قرّر بعدها الدكتور بعقليني إجراء عمليّة فأجريت لها العمليّة بحضور الدكتور ابراهيم أبو حيدر وغيره من الأطبّاء المعاونين، وبقيت تحت العمليّة مدّة ساعتين ونصف. ووجدوا الكلوة والمرارة متّصلة بعضها ببعض مع المصران. ثم بقيت في المستشفى ما يزيد عن الثلاثين يوما. وكان الجرح لا يزال مفتوحا ينزّ منه، بواسطة نبريش، الوسخ والقيح. ولمّا ختم الجرح، عادت إلى الاستفراغ أكثر من الأوّل، وكان يخرج عند تقيئها مادة صفراء تميل إلى الأخضر. ففكّروا بأنّ ذلك نتيجة حركة عصبيّة، وأخذوا يبعدون عنها الطشت، وهي تضغط على نفسها والاستفراغ يلازمها. ثمّ أجريت لها عمليّة ثانية دامت أربع ساعات ونصف، وقد وجد الأطبّاء، عدا الالتصاقات التي عادت فظهرت في الكلوة والكبد  والمرارة، التصاقات جديدة في كلّ المصارين. ولم يتمكّن الدكتور بعقليني من إنهاء العمليّة لتعب تثبّته في قلبها إذ كان ينبض 170نبضة، في الدقيقة، بعد العمليّة، كما قطع الرجاء من القضاء على كلّ الالتصاقات الموجودة، وتركها وشأنها مسلّما إيّاها للعناية الالهيّة. وساءت حالتها فقبلت سرّ المسحة وبقيت مدّة تحت الخطر. وقد قطعت الأكل، إذ تتغذّى بإبر المصل فقط. ولمّا عادت بعد ذلك إلى الأكل، عاودها الاستفراغ على شكل أخفّ من الأوّل ولكنّ الدكتور بعقليني نسب ذلك إلى تحسّن موقّت متأتٍّ عن التنظيفات الداخليّة التي أجراها. تركت المستشفى في أواسط تشرين الأوّل قاصدة بكفيّا، حيث مكثت ثلاثة أشهر والاستفراغ يزيد. ثمّ أرسلت في غضون سنة 1938 إلى الدكتور كلمات في مستشفى أوتيل ديو، فأشار بعمليّة نزع المرارة فمانعت بعد استئذان رئيستها، لما لقته من عذاب بلا فائدة. فأرسِلَت إلى دير الإبتداء للراحة، وهناك قضت سنين طويلة بين الحياة والموت. ولم تسلَّم شغلا غير التعليم المسيحيّ وبعض دروس خصوصيّة. وكانت في البدء تروح وتجيء في داخل الدير بلا مساعدة أحد، ولكنّها على كثرة الاستفراغ ضعف جسمها، ولم تعد تقوى على المشي إلاّ بمساعدة عكّازة وراهبة تسندها. وفي أواسط سنة 1941 أصابها عارض، فانعقد لسانها وتعطّلت يدها اليمنى، وأصابها وجع مؤلم في سلسلة ظهرها،  وفي مؤخّر الرأس حتّى لم تعد تتمكّن من الجلوس. وساءت حالتها، وقد أصابها أكثر من عارض أشرفت معه على الموت. وقد مسحها، ثانية، الأب يوسف مرشد الإبتداء المسحة الأخيرة. وبعد سبعة أيّام، تحسّنت حالتها قليلا، ولكنّ يدها بقيت يابسة معطّلة، والوجع في ظهرها، وقد حكم الدكتور أبو حيدر، والدكتور ميشال فرحات من حمّانا، بأنّ سبب هذا العارض، الذي كان يراجعها، ضعف وتنشيف في العظم والعروق، من عدم التغذية. وبقيت يدها معطّلة نحو سبع سنوات، وقد شفيت على أثر مسحها بتراب أحضرته لها الرئيسة العامّة من روما، وقد تمّ هذا الشفاء في اليوم التالي. وبقيت على هذه الحال حتّى سنة 1950 والعوارض تراجعها والاستفراغ يلازمها حتّى اهترأت أسنانها وزادت حالتها سوءا. وكان الدكتور حكمت جبّور يعاينها وكان يصرح بأنّ مرضها غير قابل الشفاء، فلم تكن تقدر أن تحفظ في معدتها شيئا من المأكولات الخفيفة والسوائل، وقد قال الأب يوسف اليسوعي مرشد دير الابتداء بأنه لا يدري كيف الأخت ماري أبيل لا تزال على قيد الحياة، طالما كانت تستفرغ كلّما تأخذه. وكلّ من رآى أخواتها الراهبات يسأل: لا تزال حيّة؟! ولازمت فراشها، إلى جانبها إناء موضوع لالتقاط القيء. ولم تعد تقوى على ترك الفراش، وكان الجميع يتوقّعون وفاتها من يوم إلى آخر.

وفي مرضها أظهرت فضيلة خارقة العادة بصبرها وبشاشتها ومحبّتها للصلاة، وخضوعها التام لأحكام الربّ، وكانت تدعى أحيانا راهبة قدّيسة.

 

- جايبينها تموت هون!

سمعت بخبر عجائب القدّيس شربل وكانت صورته على سريرها وذخيرته في عنقها. كانت قبل زيارتها له تضرع إليه وتقول: إذا شئت أن تشفيني فدعني أراك في الحلم. ولم تمضي مدّة حتّى رأته في المنام. وقد ظهر لها لابسا ثوبا أبيضا، واقفا قرب سريرها، مادّا يديه فوقها، واختفى. ثمّ ظهر لها مرّة ثانية في المنام، وأعطاعا البركة. ولمّا ظهر لها في المرّة الأولى أخبرت الراهبات بذلك فسئلت هل تشبه الصورة التي تمثّله راكعا على طبق، وهي الصورة الوحيدة التي كانت معروفة ومنتشرة، فأجابت: كلاّ لا يشبهها! فقلن لها: إذا ليس هو. على أنّ ذلك لم يضعف إيمانها به. ومع أنّها لم تطلب أن تزوره، كانت راغبة في ذلك، لانّها تأكّدت أنّه سيشفيها.

وفي 11 تموز سنة 1950، قامت بزيارة القدّيس شربل بصحبة رئيسة دير جبيل الأم إيزابيل غريّب، التي الحّت هي على رئيستها بوجوب أخذها إلى دير عنّايا، ورئيسة دير البوشريّة الأم ماتيلد زنبقة، ومعلّمة الإبتداء الأم برنديت نفّاع، والأخت ليوتينين رحمة. وتضايقت كثيرا، فكانت تستفرغ طول الطريق، حتّى إنّ السيّارة كانت تقف من حين إلى آخر حتّى تتمكّن الراهبات من إجراء المساعدات لها بإبر الكافور، وكنّ يخفن عليها أن تموت في الطريق، حتّى فكّرن بأن يتركنها ترتاح ليلة في دير جبيل، فأبت. وبعد خمس ساعات قضينها على الطريق، وصلن إلى الدير وهي في حالة التلف. ولمّا أنزلت من السيّارة على كرسي، وهي على مثل هذه الحال، أخذ الناس يقولون من حولها: ما أصغر عقل هولاء الراهبات اليسوعيّات! جايبينها تموت هون! .يتركوها تموت على فراشها!

- ارميني مع الفقراء

أنزلها ميشال السروجي وفيكتور غاوي وفؤاد الصائغ مأموران في المفرزة الصحيّة في دير عنّايا، مع بعضهم إلى الضريح محمّلة على كرسي. وأدخلت محلّ الضريح وحالما لمست البلاطة بيدها شعرت بقشعريرة في ظهرها وبقوّة غريبة تسري في جسمها. وشعرت بحضور القدّيس في ذلك المكان. وما كان هذا الشعور يعتريها أمام التابوت الفارغ، ولا في الكنيسة، بل على باب الضريح فقط. ثمّ أخذت إلى غرفة حيث تمدّدت على سرير أُعدّ لها. وقُدّمت لها بعض الفواكه، فما أخذت منها شيئا حتّى اعتراها التقيؤ والاستفراغ. وفي المساء قالت للرئيسة الأم إيزابيل غريّب: أنا لا أنام على تخت رفاص، ارميني مع الفقراء على أرض الضريح! ولكنّها أجابت: ليس لكِ محلّ على الضريح! فرضخت، وقالت للقدّيس شربل: أنت راهب وأنا راهبة وتعرف الطاعة، فأنا أطيع والباقي عليك. وقضت تلك الليلة بالصلاة مع الراهبات في الغرفة التي أعدّت لهنّ. وفي الصباح الباكر، جرى تطواف قربانيّ، اشتركت فيه الراهبات، أمّا هي فسألتهنّ أن يرمينها عند الضريح. وبعد القدّاس في الكنيسة والمناولة وضعت في غرفة الضريح أمام بلاطة القبر، وهناك اشتركت بثلاثة قدّاسات. وكانت تشارك الشعب في حالاتهم، تصلّي مثلهم: يبكون فتبكي! ويصرخون فتصرخ! وكان يسود الغرفة جوّ صلاة عجيب، ومحبّة متبادلة. وفي تلك الساعة، أخذت تشعر بوجع مؤلم في جنبها وخصوصا في ركبتها اليمنى فتوسّمت خيرا، وقالت في نفسها: إنّه ولا شكّ يشفيني! لأنّها كانت سمعت أنّه إذا شاء أن يشفي يزيد الوجع.

 

- لمسة من الله

وعند الساعة التاسعة والربع، بعد الاشتراك بالتطواف من الدير الى المحبسة، عادت الأم إيزابيل وعرضت عليها أن تذهب معها فتأخذ شيئا من الطعام أو الشراب، فأبت وقالت لها: أفضّل أن أبقى أصلّي هنا! أتركيني وروحي مش طالعة من هون إلاّ ماشية! فذهبت وتركتها. وبعد ذلك بقليل دخلت المفرزة الصحيّة لإجراء التنظيف، ورشّ مادّة د . د. ت. فنقلوا المرضى إلى الخارج. ولمّا وصلوا إلى الأخت ماري أبيل سألتهم أن يضعوها أمام الضريح من الجهة الخارجيّة. فحملوها على الكرسي الجالسة عليها ووضعوها حيث طلبت. ثمّ عادوا، بعد الرشّ، فحملوها ووضعوها أمام الضريح في الداخل، فشكرتهم قائلة: لقد عذّبتكم مرّتين! وهذه المرّة الاخيرة! وجلست أمام الضريح وعينها في البلاطة كأنّ شيئا يجذبها إليها! ولم تستطع أن تحوّل نظرها عنها! وكانت في حالة تأثّر شديد. كان قربها أعمى يفرك عينيه على البلاطة قائلا: إرحمني يا الله كعظيم رحمتك... ثمّ يرفع رأسه ويجرّب أن يفتح عينيه بيديه. وقد أعاد هذه العمليّة مرّات عديدة. وكان الوجع لا يزال على ما هو. وبينما هي تصلّي، التفت فإذا بإسم الأب شربل، المحفور على بلاطة الضريح، قد تبلّل بقطرات من العرق تجمّدت عليه! ففرحت وقالت: هذا لي! ثمّ نوَت في نفسها أن تأخذ منديلا، وتلتقط العرق عن البلاطة، وتمسح المنديل على معدتها وجسمها فتقوم وتمشي. فأخذت المنديل ونهضت. وشاءت امرأة ان تساعدها، فأبت إلاّ أن تنهض بذاتها! ولمّا وضعت المنديل على البلاطة ورأته تبلّل بالعرق، تأثّرت جدّا، وأخذت تمسح به معدتها، وسلسلة ظهرها، وجنبها، ولم يرى أحد سواها قطرات العرق على البلاطة! ثمّ التفتت لترى ما إذا كان حولها أخواتها الراهبات ليشهدن شفاءها ويفرحن معها بعدما تكبّدن من عناء في سبيلها، طيلة أعوام عديدة، لأنّها كانت قد تأكّدت من شفائها. فوجدت بعضا منهنّ وسألت الممرّضة أن تحضر لها الأم برناديت، فأسرعت وأحضرتها. فوقفت إلى جانبها فسلّمتها العصا، وانتصبت واقفة! وصرخت بصوت عالٍ: زيحوا! وسعوا لي! ومشت، وكانت خطواتها في البدء غير مثبتة ترفع قدميها أكثر من المعتاد ولكنّها ما لبثت أن مشت مثل الكل، والناس من حولها يصفّقون ويهلّلون. وكان بقربها رجل متوالي محمّدي رآها ساعة وصلت، ورآها ساعة شفيت، فصرخ: بدّي صير مسيحي. وأخذ الناس يتناكفون ثيابها! وقرعت الأجراس! ووهتفت الجماهير فاقشعر بدن الاخت إيزابيل غريّب وقالت بتأثّر: إن شاء الله تكون راهبتنا مشيت! ثم خرجت مسرعة بين الامل والخوف. فإذا بالأخت ماتيلد زنبقة تصرخ: مشيت ماري أبيل! فمشى الأب أجيّا على مهل، وهو في غاية التأثّر، فوصل إلى الكنيسة ودخلها وركبتاه كادتا لا تحملانه تأثّرا وكانت الكنيسة غاصّة بالشعب، وأحد الرهبان يخطب بحماسة ناريّة عن سلطة الله وشفاعة الأب شربل والأخت ماري أبيل منتصبة على درج المذبح كعصا الخيزران تنظر إلى الكاهن وتسمع كلامه. ولما انتهى الخطيب من كلامه شعر الأب أجيّا بنفسه تدفعه إلى الكلام فدعى إلى التوبة، والعودة إلى الإيمان، وكان السامعون يبكون من فرحهم ويشاركونه بتأثّره. وبعد زيّاح القربان، قاموا بتطواف دام أكثر من ساعتين اشتركت فيه ولم تشعر بتعب، وكانت تقفز فوق الحجارة المعدة للبناء المتراكمة في أروقة الدير. وحملها ميشال السروجي، بين يديه وصرخ بالجماهير: شوفوا المحمول حامل! ما على الله أمر عسير! أنظروا الحامل والمحمول! والويل لمن ليس له إيمان!

- من هو ميشال السروجي؟

كنتُ مريضا منذ سنة 1947 لغاية 9 أيار سنة 1949. وكنتُ مصابا بداء المفاصل. ووصل هذا المرض إلى غشاء القلب الداخليّ والخارجيّ، وعمل التهابا أقعدني عن العمل، وسبّب إحالتي على التقاعد من سلك الدرك، فتركتُ السلك سنة 1949 في أوّل تشرين الثاني. سنة 1950 في 27 كانون الثاني، الساعة الخامسة بعد الظهر، حصل شيء بيني وبين شخص يدعى فيكتور خوري من الحدث - بيروت، فلطمني برجله ورماني، من الاتوبيس وهو واقف، إلى الأرض. فوقع ظهري على حافّة الرصيف، وأغمي عليّ. وقد سبّب لي كسر في الفقرتين الحادية عشر والثانية عشر من سلسلة فقرات الظهر. فانشلّت رجلاي الاثنتان، وانشلّ حاجز المثانة (المبولة)، كما أثبت ذلك التصوير على الأشعة، بشهادات الأطبّاء التي أحملها. وبقيتُ على هذه الحالة حتّى التاسع من شهر أيّار سنة 1950، حيث سمعت بأخبار عجائب القدّيس شربل. فطلبتُ من زوجتي أن تنقلني لزيارة ضريح الأب شربل. فأحضرت سيّارة، وطلبت زوجتي من ابن خالها الأب بطرس تنّوري، الوكيل العام آنذاك في الرهبنة الحلبيّة المارونيّة، أن يصحبنا إلى الدير. فوُضعتُ في السيارة، إذ لم أكن أستطيع المشي، وقصدنا الدير. فتضايقت جدّا على الطريق، وكان مرض القلب لا يزال متملّكا فيّ. وصلتُ إلى الدير، ففحصني هناك الأطبّاء المولجون من قبل الرهبنة، وهم الدكتور ابراهيم باخوس وصخر الخازن وأنطوان البعيني. فكان تقريرهم آنذاك بسوء حالتي، وتقريرهم موجود في سجلاّت الدير. وأنزلتُ إلى القبر، فلم أستطع الدخول لكثرة الازدحام. فأعدتُ إلى الكنيسة، حيث اعترفتُ وأنا واقف والكاهن ممسك بي، والأب جبرائيل يسندني من جانبي، وأنا تعب من هذه الوقفة. ثمّ حُملتُ إلى المائدة المقدّسة، حيث تناولتُ القربان المقدّس. وبعد ذلك أُنزلتُ إلى القبر، وبقيتُ مطروحا أمام الضريح في البكاء والتضرّع من قلب مجروح. وبعد3\4 الساعة، أحسستُ برجفة في كلّ مفاصلي وعبقة قويّة، وقمتُ بسرعة واقفا وجسمي يرتجف وشهقتُ بالبكاء وصرختُ صرخة قويّة كمن اعتراه خوف شديد! وكان هناك عامل اسمه اسبيرو، يبلّط داخل غرفة الضريح، ولم يكن قد وضع بعد إلاّ 3 بلاطات، فخرج وأخبر أن قد حدث لي أعجوبة! وتوجّهتُ نحو الباب مرتعشا أمشي كطفل في أوّل نقلة! فسمعتُ الأجراس تقرع والنساء يزغردن والجماهير تهتف أعجوبة! أعجوبة! فأخذتُ منديلا من جنبي لأمسح العرق المتصبّب على وجهي، فامتلأ المنديل عرقا أصفر. وتقدّمتُ فوجدتُ عباءة منشورة على الحائط أمام باب الكنيسة، فمسحتُ بها وجهي. فهجم  الناس على العباءة مزّقوها وتناتفوها تبرّكا. ومشيتُ إلى الكنيسة وحدي لا يسندني أحد، فزرتُ القربان المقدّس. وبعدها استحضروني إلى غرفة فيها الأستاذ بولس سلامة طريح على نقّالة المرضى، وكان قد مضى على شفائي 15 دقيقة، فتقدّمت منه، وقلتُ: يا أمير الشعراء الله يشفيك مثل ما شفاني. ثمّ تدفّقت الجماهير على الغرفة ليشاهدوني. ثم حضر الدكتور صخر الخازن، وأجرى لي الفحص بعد الشفاء، فرفع لي ثيابي كلّها، وأخذ  يفحص قلبي، ويدقّ عليه بيده، وفحص جسمي كلّه فوجدني معافى. وأسقطتُ دعوتي التي أقمتُها، في محكمة الجنايات، على فيكتور خوري، حفاظا للجميل الذي أولانيه القدّيس شربل.

 

- حضور الله

وعند المساء صعدت الأخت ماري أبيل مع بعض الراهبات الى المحبسة ماشية على أقدامها من مفرق طريق السيارات الى المحبسة، وقضت ليلتها جالسة على كرسي أمام غرفة الحبيس الأب شربل. وعند الصباح عادت إلى بكفيّا، وفرح بها جمهور الدير. وتناولت طعام الفطور معهم ولم تراجع. وعادت تشتغل أشغالا متعبة للعقل والجسد كأحسن الراهبات المتمتّعات بالصحّة الكاملة. وبقيت تأخذ بعض المقوّيات والمغذّيات لأنّ سقوط أسنانها لا يمكّنها من أخذ التغذية الكافية. واتسع المجال لغيرتها فسعت للقداسة أكثر من قبل. وروت مرّة حادث شفائها أمام جمهور غفير في حمّانا بينهم رجل درزي بكى عندما سمع من فمها رواية شفائها.

4- اسكندر عبيد

- إصابة العين وشفاء أوّل

أصيب اسكندر عبيد، سنة 1925 بينما كان يشتغل في مهنته حدّاد، بشظيّة نار جرحت عينه اليمنى والتهب جرحها، ففقد البصر فيها.  فقصد بصحبة الدكتور توفيق سلهب الطبيب الفرنسي المدعو دوبرلونغ الاختصاصي بأمراض العين ففحصه فوجد أنّ الجرح في بياض العين وعالجه بإبر في الزند سبعة عشر يوما تمكّن بعدها من استفادة القليل من نظره فصار يرى الأشياء الكبيرة ولكنّه لم يكن يميّز دقائق الأشياء ولا يستطيع القراءة وكانت أمّه قد نذرته لمار نهرا- اسمرجبيل فلمّا عوفي زاره وقضى ليلته في الكنيسة وفيما هو نائم رأى في الحلم نفسه واقفا مع الخوري جرجس لبكي خادم رعيته في ذلك الوقت يصلّي على القرّاية فدفع إليه السنكسار ليقرأه فأجابه: عيني بتوجعني يا أبونا ما بقدر أقرا! فنكزني بعكازته نكزة قويّة قائلا: قلت لك خذ إقرأ! فأفاق من نومه مذعورا خائفا لا يعي أين هو فأخذ القنديل عن البنك وأضاءه فعرف أنّه في الكنيسة . وللحال أخذ مفكّرا وأغمض العين اليسرى فقرأ بسهولة، فشكر ربّه والقدّيس نهرا. ولم يعد يراجع طبيبا.

 

- ألم طويل الأمد

سنة 1937، كان مع صهره في بحرصاف بمناسبة الانتخابات. وفيما هما سائران على الطريق وصهره أسعد شربل يتقدّمه إذا به يحكّ بغصن سرو ويزيحه من أمامه ويتركه فجأة فأصاب عينه اليمنى ضربة طار لها صوابه وللساعة لم يعد يبصر شيئا فصاح به: روّحت عيني يا أسعد. وركبا سيّارة وأسرعا إلى بعبدات. ولمّا حضر الدكتور سلهب أشار إليّه بالنزول حالا إلى بيروت. قصد الدكتور نفريه خلف والدكتور دوبرلونغ الفرنساوي وبعد الفحص أشار عليه بالنوم مدّة أسبوع كامل على ظهري دون حركة وعينه مغلقة في نقطة واحدة فقضى سبعة أيّام مستلقيا على ظهره وعينه شاخصة إلى مطرح واحد السقف وبعد يومين وهو على هذه الحال استعاد نظره فصار يميّز مثلا على بعد سبعة أمتار الأشخاص والأغراض التي تعرض أمامه الأيّام السبعة. نهض ليعود إلى الحكيم حسب  إشارته فأحسّ للحال بشيء انقلب على عينه فغطّاها وفقد بصره! فصعب عليه ذلك كثيرا. ولمّا عاد الحكيم أشار عليه بالاستلقاء خمسة عشر يوما إضافيّة على ظهره مدّعيا أنّ الشبكة التي على حدقة العين انقبعت وتمزّقت وقد تعود بهذه الطريقة فتلتحم . فعاد إلى فراشه و بقي 15 يوما مستلقيا على ظهره فعاد إليه بصره ولكنّه عندما حاول النهوض بعد ذلك أصابه ما أصابه في المرّة الأولى فضاع بصره. فعاد إلى الدكتور نفريه فأشار عليه بملازمة المستشفى عشرة أيّام ففعل ولم ينتفع بشيء. ولمّا رأى الدكتور نفريه ذلك حتّى همّ بإجراء عمليّة لاقتلاع عينه فمانع وترك المستشفى. راجع عدّة أطبّاء اختصاصيّين منهم حبيب أبيلا وشاهين الصليبي وفيليب توما والدكتور أوليغر ولكن بلا جدوى وقد صرح لي هذا الاخير قائلا: عينك معطلة وانصحك بأن لا تراجع طبيبا بعد! احتسب حالك خلقت بعين واحدة! وبعد ذلك سلّم أمره لله ولم يعد يهتمّ بعينه وعاد إلى شغله في الحدادة كمن ذي قبل ولكنّه كان يتضايق من عينه بعض الشيء وخصوصا عندما كان يقوم بأشغال حدادة فرنجيّة يلزمها دقّة وضبط فكان يستعين بغيره ليرى ما إذا كان الشغل مظبوطا فعينه المريضة تعطّلت تماما بحيث لم يعد يرى فيها بصيص نور فكان مثلا إذا وقع بعينه السليمة غبار يضطر ليمسحه إلى أن يقف عن الشيء لئلا يعثر. وكان الوجع يعاوده من حين إلى آخر على التعب والحر ّحتّى إنّ الدكتور توما صرّح للدكتور توفيق سلهب بأنّه خير له أن يقلعها لئلاّ تعطّل الثانية فلم يرضى.

 

- انا طالبك اليوم لزيارتي

همّ البعض بزيارة شربل، بعدما اشتهرت عجائبه كثيرا، ودعوا اسكندر لمرافقتهم أكثر من مرّة فأبى وترك امرأته تذهب وحدها، وعادت تحمل بركة من القدّيس، قطن وزيت وقطعة قماش من ثيابه، فمسحت بها عينه. ضمر اسكندر بذاته القيام بتساعيّة طلب للشفاء. وسأل القدّيس أن يلهمه زيارته متى قرّر أن يشفيه، فمضت التساعيّة الأولى ولم يحصل على جواب. فتلاها ثانيا وثالثة ورابعة، ولم يحصل على شيء، فبقي مثابرا على الصلاة.

وفي ذات ليلة، وهو نائم حضر عليه راهب وقال له: أنا طالبك اليوم لزيارتي. فقام في اليوم التالي وصرّح لأهل البيت قائلا: أنا بدّي روح اليوم على القدّيس شربل. فاعترضت زوجته طالبة أن يتمهّل ريثما تحضر له الزوّادة. وسأله ابنه أن يبقى إلى السبت حتّى يمكنه مرافقته دون أن يعطّل دروسه فأبى إلاّ أن يذهب. نزل بيروت، وكان ذلك يوم الثلاثاء الواقع في 17 تشرين الأوّل سنة 1950، فركب سيّارة، وكان معه امرأة بولونيّة وروسيّتين. ولدى وصولهم إلى دير مار مارون زاروا الكنيسة، ثمّ القبر حيث بقوا يصلّوا حتّى الساعة الحادية عشر ليلا، فذهب الكلّ إلى النوم، عدا بعض الأشخاص بقي اسكندر وإيّاهم في الصلاة حتّى بعد نصف الليل. وفي اليوم التالي قصد قرية كفركدّه، في بلاد جبيل، لزيارة صديق له. وفيما هو في الطريق أخذت عينه تدمع وتؤلمه ألما محمولا، وقضى في كفركدّه ليلة لم يذق فيها نوما. ولم يكن يدري لماذا. وفي صباح الخميس عاد إلى بعبدات، ولم ينقطع له أمل بل كان يقول في نفسه: وقتي لم يأتي بعد. وكان الوجع يزيد شيئا فشيئا.

- رح جبلك رشوش لعينك

وفي الجمعة 20 تشرين الأوّل، بينما كان في الدكّان يعمل اشتدّ الوجع عليه، فتحمّله طول النهار. وفيما هو عائد عند المساء، التقى بوالد ماري الجميل على طنبره، فسأله أن يصلح له برغي تعطّل في طنبره، فاعتذر قائلا: أنا تعبان وعيني تؤلمني كثيرا! فأجابه على الفور: بدها تصح عينك! فترك هذا الكلام فيه أملا كبيرا، وعاد ففتح المحلّ، وأصلح له طنبره، ورجع إلى البيت. وفيما هو يغسل وجهه أخذت عينه تدمع بغزارة، حتّى كأنّها حنفية ماء مفتوحة، والوجع يزيد بشكل غير محمول. واشتد عليه الوجع حتّى صار يبكي، حتّى صارت قلوب ذويه تتفتت عليه. وكانت زوجته تعرض عليه بإلحاح استدعاء طبيب أو استعمال قطرة لتسكين الوجع، فكان يرفض رفضا باتّا. وبقي يتألّم فصار يقول: يا ربّ، يا شيلها وخلصني، يا شفيني! وبقي على هذه الحالة حتّى الساعة الرابعة صباحا، فتلاشى من التعب والنعس، ونام على المسند وغفي. أبصر بنومه أنّه حضر في كميون من حديد إلى دير مار موسى، مع سائق كان شريكا في الدير. وفيما هما ينزلان الحديد أمسك السائق بقضيب حديد وضربه به فأصاب عينه فصرخ: راحت عيني! استفاق، ونهض أهل البيت على صراخه، والعرق يتصبب منه، وقشعريرة البرد تسري في جسمه. التحف وعاد فنام بعد عشر دقائق. رأى في منامه راهب متشيّب يطلّ عليه ويسأله: ما بك؟ فأجابه: روّحت عيني! فقال له: ليش ما حكيت؟ عبكره رح جبلك رشوش لعينك. ودخل الكنيسة، ثمّ عاد بالرشوش، وذرّه في عينه المريضة، وقال له: أطبقها. فاطبقها، ثمّ فتحها فلم يرى الراهب! ورأى إسفلت الطريق مخدّد بالقرب منه، بالخط الكرشوني: عبد الله شربل.

 

- صرت اقشع!

فاستفاق مذعورا، ودعى امرأته وقال لها: شوفي لي عيني إذا كانت وارمة؟ لأنّ الراهب الذي ظهر لي في المنام، ووضع لي الرشوش في عيني، كان قد نبّهني قائلا: بدها تورم بس ما تخاف. فنظرت امرأته، فوجدت ورما يمتدّ من مؤق العين إلى كرسي الخدّ حتّى فوق الحاجب، إذ ذاك تأكّد في نفسه أنّ القدّيس قد حضر عليه! فطلب صورة القدّيس شربل، فأحضرتها زوجته له، فرفع يده على عينه السليمة، وأمسك الصورة بيده، فإذا به يراها بوضوح فصرخ: صرت اقشع! وقبّل الصورة باكيا، وخرّ ساجدا يصلّي. فأطبق بيده عينه الشمال، فرأى، على بعد 7 أمتار المعلّم الياس في فرشته، وكان هذا وكيلا في النافعة مستأجرا عنده، فصاح به: يا معلّم الياس صرت شوف، أنا شايفك! فأخذ الياس يقوم بحركات ليتأكّد من ذلك، وكان اسكندر يميّزها كلّها فارتمى عن تخته، وركع وصار يقبّل الأرض ويشكر! وقام أهل البيت جميعا يشكرون ويهلّلون. استفاق الجيران على الحركة، ورأوا بيت اسكندر منوّرا، فجاؤا يستطلعون. ولمّا عرفوا، فرحوا معه، وكان بينهم الدكتور توفيق سلهب، وفي المساء جاء ابنه الدكتور أميل وتحقّق شفاءه.

 

- شفاء الروح

كان اسكندر متديّن، حسن الاخلاق، يمارس واجباته الدينيّة بأمانة ودقّة، يضرب به المثل في بعبدات، فإذا تغيّب اسكندر، فهو في دير مار موسى أو في دير مار شعيا. وقد زادت أمانته هذه بعد الأعجوبة التي جرت له. وهذه الأعجوبة أحدثت، في بعبدات وسائر الجهات، انقلابا روحيّا وأدبيّا شديدا بالمئة ثمانين، فكثيرين من الذين لم يكونوا يمارسون واجباتهم الدينيّة أقبلوا عليها، ومن كان يمارس بفتور (وعلى سبيل الموضة) أصبح بحرارة وإيمان.

5- الكنيسة تعلن شربل طوباويا

أعلن شربل طوباويّا في 5كانون الأوّل 1965، في ختام المجمع الفاتيكاني الثاني، لوحده وبحضور 3500 أسقفا من الكنيسة جمعاء. بعدما درست الكنيسة هذه الأعاجيب الأربعة وأجرت تحقيقا رسميّا، مع ما يزيد عن 12 شاهد لكلّ أعجوبة، لكنّ الكنيسة اكتفت بأعجوبتين. وارتأينا نشرها مفصّلة لما فيها عند البعض من لذّة معرفة تفاصيل سبب وتطوّر المرض، وتفاصيل الشفاء والنتيجة الروحيّة. وليعرف أيضا مدى تدقيق الكنيسة في إقرار الأعجوبة.

 

 

 

ثالث وعشرون: شربل القدّيس

1-    شربل في بقاعكفرا

كتب الشاعر والمفكّر يونس الابن في جريدة العمل في 9\1\1960:  وينطلق محدّثي في رواية الظواهر الغريبة وأنا أصغي متفكّها، لأنّي بطبيعتي لا أؤمن إلاّ بما يقرّه العلم حقائق ثابتة، ولكنّ محدّثي لا يأبه لابتسامتي الساخرة، ويظلّ مندفعا بحماسة ممّا يروي: قبل عيد الميلاد بأيّام كان الأب جبرايل سكّر المسؤول عن بيت مار شربل يصلّي في البيت المذكور الذي أصبح معبدا، وحوله بعض أهل القرية، فإذا بنور غريب يغمر المكان، ويضوع عطر عميق، وتنساب من صليب مصنوع من أكواز الأرز قطرات ماء معطّر...

وفي نفس الوقت كانت بعض الفتيات يصلّين في المغارة التي كان شربل يتّخذها مكانا للخلو والصلاة، فرأين الظاهرة نفسها، نورا، وعطرا، وسائلا يتلألأ على وجنتَي تمثال العذراء المنحوت من الحجر الأبيض، ويجري من المآقي كالدموع. وفي الوقت نفسه، كان السائل نفسه ترافقه الرائحة نفسها، يتدفّق من صورة شربل المعلّقة في غرفة نوم رئيس الدير. وانبعثت الهتافات، ودقّت الأجراس، وأقبل الناس يمسحون السائل ويسمّنه العرق الدموي، وهو يزداد تألّقا وسيلا. وأقبل الناس من بشرّي على أصوات الأجراس، يستطلعون ما جرى، ورأوا بعيونهم النور والعرق وشمّوا العطر الغريب! وتمّت بعد ذلك عجائب.

- رأيت بنفسي

وأدخل بقاعكفرا وكلّي شوق وفضول إلى معرفة العجائب التي سأراها بنفسي. وكانت الشمس قد قاربت المغيب، ولم أكن أحمل فلاش للتصوير، فآثرت أن أصوّر أماكن الظواهر قبل المغيب، تاركا الأحاديث إلى المساء. وذهبت إلى مغارة شربل، ومع الذين يرافقونني فتاة اسمها بديعة زعرور، وعمرها 26 سنة، وقد كرّست حياتها لحراسة مغارة شربل.. لماذا؟

لقد كانت مصابة بسرطان في معدتها، وأجريت لها عمليّة فاشلة، ولديها شهادات من 4 أطبّاء تثبت السرطان. ونقلوها من فراش الإحتضار إلى قبر شربل. فنامت ليلة وعند الصباح كانت تعرض نفسها على الأطبّاء فلا يجدون أثرا للسرطان في معدتها. وبديعة إحدى اللواتي كنّ يصلّين في المغارة ساعة تألّق النور وتدفّق العرق. وتشير بديعة إلى التمثال قائلة: هذا هو التمثال. وإذ أصوّب الكاميرا إلى التمثال، أرى دمعتين تنسابان على الخدّين الحجريّين. ظننت أوّل الأمر أنّ هناك تلاعبا أو أنّه عامل رطوبة، فمسحت الدمعتين، وانتظرت، بينما ركع من حولي جميعا يصلّون، شأنهم بعد كلّ ظاهرة، وعدت أصوّب الكاميرا إلى التمثال، فإذا بالدمعتين تظهران من جديد... وبينما كنت ألتقط الصورة كان الجميع حولي راكعين يرتّلون ويصلّون.

 

- شفانا شربل

وفي المساء أقبل الذين رأوا الظاهرات الغريبة يقصّونها عليّ، فإذا أقوالهم جميعا تتّفق والقصّة التي رواها محدّثي. وقدّموا إليّ ناهية شليطا 76سنة، قيل أنّها إحدى الذين شفاهم شربل أثناء الظواهر الغريبة.

- وما هو المرض الذي شفيتِ منه؟

- يا حبيبي اسألهم كلهم يعرفوني، من 4 سنين وقعت من شجرة توت، انكسرت يدي ويبست، ومن 4 سنين ما بقدر حرّكها... ولمّا شعّ النور في بيت مار شربل، دهنت يدي من العرق اللي نزل من الصليب، وصرت صلّي ونمت... قمت وإيدي عم تتحرّك كأنّها ما بها شيء... وبينما يؤكّد الجميع صحّة أقوالها ترفع يديها إلى السماء، وتقول بمرح كمرح الأطفال: أنظر يا حبيبي أصبحت يدي تتحرّك.

وتتقدّم سيّدة ثانية في الثلاثين من عمرها: وأنت يا سيّدتي؟

- إسمي ليلى انطانيوس منذ سنتين ظهرت في جسم أحد أبنائي الثلاث بثرة غريبة ثمّ لم تلبس أن ملأت البثور جسمه وانتقلت العدوى إلى أخويه، فغمرت أجسامهم كلها من الأقدام حتّى الرؤوس... وعبثا ذهبت علاجات الأطبّاء وعقاقيرهم. وليلة بدت الظاهرة مسحت أجسام أولادي بالعرق الدموي، وتركتهم يقضون ليلهم في بيت مار شربل وأمضيت الليل أصلّي.

- وهل زالت البثور؟

- زالت أنظر يا أستاذ. وأشارت إلى أولاد ثلاث لا أثر للبثور على أجسامهم، وقالت: أهل الضيعة جميعا يعرفونهم، إسألهم.

ويقدّمون إليّ ثالثة، إنّها تخشاني، وتخاف آلة التصوير. وعندما تعلم أنّني أكتب عن شربل تتقدّم وتقول: أنا شفاني شربل. إسمها ماري حوشب مخلوف وعمرها 11 سنة.

- وممَّ شفاك شربل يا صغيرة؟

- منذ ولادتي وأنا مصابة بارتجاف دائم في يدي، وعندما سمعت دقّ الأجراس، وسمعت أنّ عجائب ظهرت في بيت شربل، ركضت مع الراكضين، وألقيت نفسي أمام المذبح أصلّي وأبكي، وبقيت طوال الليل أمام المذبح، وعند الصباح فارقتني الرجفة.

 

- عرق جديد

وفي هذه الأثناء ارتفع الهتاف: ماذا؟ وأطللت إلى حيث تجمهر الناس، فإذا شيء كالعرق يسيل من صورة تمثّل شربل، وتنبعث نفس الرائحة  الغريبة التي شممتها عندما كنت في المغارة. ولكنّي لم أعر تلك الظاهرة اهتماما، فضّلت مشاهدة الذين يقال إنّهم برئوا من أمراض وعاهات، وسماع قصصهم. ولكن عبثا كنت أسعى، فقد أقبلت ساعة الصلاة. الصلاة بعد كلّ ظاهرة. وقفت أتأمّل القرية المصلّية الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، الشبّان والصبايا. كلّهم راكعون يصلّون معا، فلا ينهضون إلاّ لينتقلوا من الدير إلى بيت مار شربل ومن بيت شربل إلى المغارة، ثمّ يعودون إلى الدير.

- ولمست بنفسي

وتتقدّم سيّدة حسناء، في السادسة عشرة اسمها ماري شلهوب: كنت راكعة أصلّي مع صديقتي نور لطّوف، فإذا نور قويّ ينبعث من صورة شربل، فهربنا، منذ ذلك الحين لم أعد أجرؤ على دخول الغرفة التي شعّ منها النور، حتّى رأيت العجائب الجديدة بنفسي. ومع ذلك ظللت في حيرة وشكّ، قد يكون السائل تفاعل عوامل طقسيّة، وإن لم أفهم سبب وجود هذا التفاعل على غير صور شربل وتمثال العذراء والمصلوب. وقد تكون الرائحة الغريبة بخورا جديدا يوقد في مكان ما. وقد يكون الشفاء إيحاء ذاتيّا ولكنّي في اليوم التالي وقفت مشدوها كالمدهوشين أمام ظاهرتين - لمستهما بنفسي.

أمّا الظاهرة الأولى فقد أوقد لي مضيفي بعض الفحم للتدفئة، فكانت النتيجة أن فحّمت وأصبت بصداع وغثيان، وظللت حتّى الفجر أحسّ بأنّي أكاد أنفجر. وعند الفجر تقدّمت منّي سيّدة عجوز، وقالت: دعني أمسح رأسك بعرق شربل يا أستاذ. وقبل أن أجيب أمرّت قطنة على رأسي، فأحسست في اللحظة كأنّ شيئا ثقيلا نزل عن رأسي. وزال كلّ ألم في الحال! ولمّا سألتها عن تلك القطنة وما بها، قالت: لقد مسحت بها الصليب ساعة كان يتدفّق منه العرق. ولا أستطيع أن أنسب ما شعرت إلى إيحاء ذاتي، لأنّي لم أفكّر ولم أصلّ، ولم أهيّيء نفسي لتقبّل الإيحاء.

أمّا الظاهرة الثانية، فقد رافقت ماري شلهوب إلى بيتها لأرى الصورة التي قالت إنّ النور انبعث منها، ولمّأ أمسكت الصورة بيدها رأيت نورا غريبا، كنور البرق يتألّق بضع ثوانٍ، وفحصت الصورة جيّدا فلم أرى فيها أيّ شيء يمكن أن يرسل نورا! سألت ماري إن كانت رأت شيئا؟ فأنكرت! وعندما أوقفتها لألتقط لها صورة انبعث النور نفسه من جديد.

 

2- زوجي يشتغل بالفاعل حتى نعيش

شهدت نقية زوجة ابراهيم غالب في 18\2\1961: كان ابني بطرس بعمر 5 أشهر فلحظت أنّه متألم من فخذه ولما عاينه الدكتور شدياق قال لي: إن ابنك يلزم له معالجة عند طبيب خاص في الكلية فأخذته بصحبة الدكتور شدياق إلى الكلية وبعد الفحص قالوا لي: يجب أن يجري لجنب ابنك عملية لأن الورك زائغ عن موضعه ويجب أن توضع له آلة حديدية خاصة وثمنها 300 ل ل. فلما سمعت طار صوابي لأني فقيرة وزوجي يشتغل بالفاعل حتى نعيش. فقال له ذلك الطبيب: إذا لم يعمل كما قلت فإنه سيظل يتألم وتكون رجله أقصر من الأخرى، فسكتُّ. فقال الدكتور شدياق: الله يدبّر، وسأل الطبيب الجراح متى يجب إجراء هذه العلمية؟ فأجابه: في الوقت المناسب أنا أرسل إليهم ليحضروا الولد. وبعد مضي مدة أتانا علم من الكلية مع الوصفة للآلة الحديدية التي يجب أن نشتريها من محل في بوابة ادريس فيه من هذه الأدوات. فأخبرت طبيبنا شدياق فقال يجب أن تعجلوا في إحضار ما يلزم، عندئذ ذهب زوجي ابراهيم ليشتري الآلة وأنا توجهت نحو الأب شربل وطلبت منه أن يشفي ابني بدون عملية وصليت وطلبت منه بحرارة والحمد لله فإنه استجاب طلبي لأنه في الحال مشى ابني مشيا مستقيما. ولما رجع أبوه تعجب إذ رآه يمشي وقال لي وجدت المحل مقفلا فرجعت على سبيل أن أعود غدا. فقلت له: لا غدا ولا بعد غد، فإن الطبيب الوحيد هو الأب شربل وقد شفي ابنك!

فذهبنا إلى عند الدكتور شدياق وهو ذهب معنا إلى الكلية وبعد الفحص والتصوير الكهربائي، هنأوني بسلامة ابني. وفي الأمس جئت إلى دير الأب شربل أنا وزوجي وامرأة عمي مع ابني هذا نشكر الأب شربل ونمنا بقرب غرفته التي كان ساكنا فيها وصرفنا الليل كله بالصلاة.

 

3- هذا الليل الفصل بين حياة ابنتك وموتها

كتبت روجينا سليم الشيئة من فرن الشباك في 11\7\1961: كانت ابنتي مي زوجة سمير حتي تحت خطر الموت المحتم بعد إجراء عمليتين على يد الدكتور خالدي بمساعدة 5 أطباء أحدهم أميركي والعمليتان الجراحيتين خطرتان.

ففي ليل إجراء العملية الثانية قال لي الحكيم خالدي: صلي للقديسين ولا تغفلي! فنصف هذا الليل حد الفصل بين حياة ابنتك وموتها. وقال صلي للقديس شربل. فتنبهت وابتدأت أصلي للقديس شربل وأنا راكعة 6 ساعات لم أنقطع عن الصلاة. ففي نصف الليل تماما نادتني أبنتي وقالت: ماما اسقيني ماء. فعجبت أشدّ العجب لأن ابنتي كان مغمى عليها وباردة كالثلج ومقطوع الأمل من شفائها فسقيتها ماء ولمستها بيدي فوجدتها قد دبت فيها حرارة الحياة. فأخبرت الدكتور خالدي الذي كان منتظرا ومستيقظا لأجلها فجاء وقال ذاهلا ماذا؟! صليتِ. قلت له: نعم صليت للقديس شربل. قال لي: الإيمان الإيمان وحده شفى ابنتك السلام على القديسين والأنبياء.

 

4- الملازم أوّل المتقاعد في الجيش السوري محمّد حلمي أربيللي

بتاريخ 5 ك1 1965، بينما كنت جالسا في داري، حي الشريبات- دمشق، شاهدت في تلفزيون لبنان عرضا عن حياة الأب شربل مخلوف وتطويبه قدّيسا في كنيسة القدّيس بطرس في روما، وبحضور قداسة البابا، ورأيت جميع هذه المناظر حتّى انتهاء العرض في تلفزيون بيروت، وكنت اشاهد الإحتفال بكلّ دقّة واهتمام... وأثّر ذلك في نفسي، وحصلت لديّ فكرة أن أكلّم هذا القدّيس في نومي، وأرجو أن يشفي أوجاع قدمي التي أصبت بها منذ 6 سنوات، وذهبت إلى ألمانيا عدّة مرّات، وراجعت عدّة أطبّاء منهم الدكتور شرودر رئيس أطبّاء مستشفى "لويزون هوسبيتال" في بلدة آفن وكل هذه المداواة كانت دون فائدة، ويئست من أخذ الأدوية وانقطع أملي من شفاء قدمي.

في ذات الليلة آويت إلى فراشي قلت يا أب شربل مخلوف إذا كنت حقيقة قدّيسا توسّل إلى الله أن يشفي رجلي وإذا شفى رجلي أؤمن بك قدّيسا، وغفلت بالنوم. ورأيت في النوم رجلا كبيرا في السن نائما ضمن صندوق طويل يرتدي لباسا أبيض، ويضع على رأسه كالذي كان يلبسه قداسة البابا ومقصب، وعلى صدره صليب من خشب. مدّ يده وقطع قسما صغيرا من إذني وقال لي: هذا لا يؤلمك، وفعلا ما تألّمت قطعا. وصباح 6 ك1 1965 عندما استيقظت من نومي، لم أرتدي، كعادتي، جراب المطاط لأجل تخفيف الآلام من رجلي، لأنّي قلت: لعلّي شفيت. وتمشيت ضمن الدار وما شعري بأيّ ألم! نزلت إلى السوق مدّة 4 ساعات، ولم أشعر بأي ألم مما كنت أشعر به سابقا. والآن مضى 6 أشهر لم اشعر بأي ألم، وأتمشّى على قدمي بكل ارتياح، وإنّي أرسل لكم هذا البيان لا من أجل الدعاية، فأنا رجل مسلم.

5- صليت للقديس شربل وشفيت

روى الأب غسان خادم الرعية في 16\1\1966: إن امرأة درزية تزوجها رامز حميدان أصابها احتقان ماء في ركبتها وألم شديد في كتفها الأيسر. جربت جميع ما استطاعت من الوسائل الطبية لنزع الماء من ركبتها فلم تجدها نفعا. فكانت كلما نزعت الماء لا يعتم أن يحتقن أكثر. أمر الأطباء إجراء عملية بوضع فتيل تحت الجلد وتحريكه لنزع المياه كلما تحقن. قبلت بذلك لكنها لم تحضر في اليوم المعين. في 5\12\1965 ذهبت إلى الكنيسة وبعد القداس مررت ببيتها، فسألتني إذا كان القديس شربل لا يزال يصنع عجائب. أجبتها: نعم. واليوم بالذات يوم التطويب في روما، هل تريدين أن تعرفي شيئا عن الأب شربل؟ قالت: نعم، من كل بد. أعطيتها كتيبا كان معي في السيارة.

وفي 9\12 نهار الخميس بعد الظهر، قبيل الساعة الثانية، مررت بها فلاقتني إلى الباب وهي تهتف: أب غسان! أب غسان! والدموع تملأ عينيها. قلت ما حلّ بكِ، هل جننتِ؟ فأخذت تطوي ركبتها وتحرك كتفها الأيسر. قلت لها: من طببك؟ هل أجريتِ العملية؟ فقالت: شربل، شربل، صليت للقديس شربل وشفيت.

6- علي الحجار

عضو استشاري في معهد المخترعين الأميركيين في واشنطن والسكرتير العام لمؤسسة الأبحاث الذرية اللبنانية.

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودّا.

الأب شربل راهب نذر نفسه لعبادة الله ليلا ونهارا فاتخذ مقرا له في دير عنايا ولم يتخذ دينه لهوا ولم تغرنه الحياة الدنيا، فآمن واتقى- فصلى وصام، وعمل فأفلح وأصلح. فمات ولم يفنَ – متحديا القواعد الطبيعيّة.

اصطفاه الله ليكون قدوة حسنة في عصر خرج الناس عن طاعته. اصطفاه الله وكأنّه يريد أن يلفت الأنظار إلى طهارته فأنزل على البعض من الناس آياته معجزات لعل الناس يهتدون إلى الصراط المستقيم. فكان من الرحمان لهذا الراهب الجليل الصالح أن ظهرت على يده المعجزات الخارقة التي تخطّت قواعد العلم والفن لمن زاره في دير عنايا أو لمن اتجهت افكاره إليه. وقد وقعت منها بنفسي على معجزتين لهما شأنهما في علم الميكانيك وفي علم الطبّ.

- المعجزة الميكانيكيّة

عام 1950 جرى الكشف في دير عنايا على جثمان شربل فوجد أنّه لم يزل سليما رغم مرور اثنتين وخمسين سنة على وفاته.

وفي يوم من هذا العام وأنا عائد إلى بيروت من طرابلس شاهدت في جبيل الألوف من الناس يتجهون بسياراتهم نحو دير عنايا لزيارة الأب شربل، فاتجهت أنا أيضا في سيارتي الرينو الصغيرة لإداء هذه الزيارة المباركة. ولدى وصولي إلى قرية طورزيا بالقرب من العين نصحني أحدهم بأن أبرد محرك السيارة قبل سلوك الطريق القديمة المؤدية من إهمج إلى دير عنايا لئلا تزداد حرارته لدرجة عالية فيتوقف عن العمل أسوة بغير سيارات توقفت من قبل بسبب الصعوبات التي كانت تعترضها. طلعة قوية من 12 إلى 16% انحدار، طريق غير معبدة مليئة بالأخاديد والنفرات والحصى، السرعة عليها لا تتجاوز 3 كلم في الساعة. "الفيتاس براميار"

ولكني لم آخذ بنصيحة فتابعت سيري إلى أن وصلت إلى مفرق إهمج- الدير فتوقفت جبرا خلف قافلة من السيارات كانت قد توقفت فعلا بسبب شدّة حرارة محركاتها وكان سائقوها يبتاعون الماء من أفراد جاؤوا خصيصا لهذه الغاية فاستغنمت الفرصة واشتريت جرة ماء طلبت من البائع أن يفرغها في الخزان (الرادياتور) من أعلاه بعد أن فتحت الحنفية في أسفله لتصريف الساخن.

وما أن باشرت بعملية التبريد وكان المحرك دائرا حتى سارت القافلة أمامي وبدأت زمامير السيارات خلفي تصعق فاضطررت أن أتوقف عن متابعة التبريد وسرت مع القافلة دون أن أنتبه لتسكير الحنفية في أفل الخزان حيث بقيت المياه تنساب منها على مرأى من حضرة العقيد الشيخ رعد الهاشم الذي كان يتبعني مباشرة بسيارته فبدأ يزمر بشدة ليعلمني بالأمر فتوقفت ولكن بعد فوات الأوان بعد أن فرغ الماء بكامله من الخزان. فطلب إلي أن أقف بسيارتي جانبا خوفا من متابعة السير واحتراق البيالات والبيستونات في المحرك (كريباج) فتطلعت إليه وقلت له: إنّني متجه لزيارة الأب شربل الذي على نيته قد توالت المعجزات وسأواصل السير بدون ماء في الخزان، فإما أن يحترق المحرك وإما أن يصل بي سالما إلى الدير. فسرت على بركة الله بإيمان قوي إلى أن التقيت بالعقيدين نجار والمرحوم سمراني على المنعطف الأخير من الطلعة وكانا قد نزلا من سيارتهما "الستايشن" التي كانت تتقدم بصعوبة فائقة على هذا المنعطف الخطر. فقالا لي: مش قليلي سيارتك كيف طالعة!

فأجبتهما: طالعة بإذن الله بدون ماء في الخزان على نية الأب شربل. عندها استغربا القول وأرادا أن يقفا من هذه المعجزة الميكانيكية ولحقا بي عند نهاية الطلعة حيث كشفنا عن المحرك أمام المئات من الزائرين ودهشنا جميعا لما رأينا الخزان والمحرك في برودة تامة بينما كنا ننتظر أن يكون المحرك قد وصل بالحرارة إلى درجة الاحمرار وبدا الزيت ضمنه يغلي ويحترق ويدخن وهي عوامل كان أكيدا حصولها فيما لو سارت السيارة في سهل وإلى مجالات أقل بكثير.

وقد اراد الحاضرون التثبت من عدم وجود ماء في الخزان فطلبوا إلى راعٍ كان واقفا بالقرب منهم أن يأتيهم بدلو ماء من بئر مجاورة فجاءهم بالدلو وأفرغ الماء في الخزان حيث استوعب حاجته بكاملها مما زاد يقينهم لحدوث المعجزة.

- معجزة طبّيّة

في نهاية عام 1965 أصبت بحادث في كتفي ويدي اليمنى نتجت عنه آلام شديدة لا تطاق رافقتني مدّة 5 أشهر رغم المعالجات الإشعاعية في مستشفى أويل ديو ورغم المعالجات الطبية باشراف الأخصائي الشهير الدكتور جوزف حجار ورغم المعالجات العربية المختلفة، ولم تسفر هذه المعالجات عن نتيجة إيجابية. فلم اقدر علة قيادة السيارة إلا بصعوبة وبيدي الشمال فقط كما لم اقدر على الكتابة أبدا.

وفي ذات يوم من ك2 1966 قمت بنزهة في سيارتي على طريق بيروت- الشام وبرفقتي السيد الياس قرباني من بعبدات وكنت أقود السيارة بيدي الشمال. فكانت الآلام في يدي اليمنى وكتفي تشتد وتزداد. وفيما نحن سائرون تطرقنا بالحديث الى المعجزات التي ظهرت على يد الأب شربل ومنها المعجزة الميكانيكية في سيارتي عام 1950، فقال السيد قرباني: طالما تؤمن قويا بالأب شربل لماذا لا تطلب الشفاء؟ فقلت ربي اشفني وبشفاعة وعلى نية الأب الصالح شربل حتى إذا شفيت أزوره في دير عنايا قائدا سيارتي بيدي الإثنتين.

وفي صباح اليوم التالي وأنا في طريقي إلى عملي في مديرية التنظيم المدني والقروي في بناية المقاصد الخيرية الاسلامية على البرج (بيروت) ولدى وصولي إلى المصعد الكهربائي في الجناح الجنوبي من البناية وصل بالوقت ذاته راهب فدعوته للدخول أمامي إلى المصعد فدخل ودخلت بعده فقلت له: إلى أي طابق تريد أن تطلع يا أبونا؟ فأجابني: وأنت إلى أي طابق طالع؟ قلت له: الطابق الخامس. فقال: اطلع.

وبينما نحن صاعدون كان يتطلع إلي بوداعة وطهارة كلية. فتطلعت إليه وإذا بي أشاهد على صدره رقعة من القماش مستديرة الشكل كتب عليها بالعربي: رهبنة دير مار شربل، كما رأيت في وجهه ملامح تشبه ملامح الأب شربل في صوره، فقلت في نفسي: يا سبحان الله كنا نذكر البارحة الأب شربل ونطلب الشفاء من الله، واليوم نلتقي صدفة بأحد رهبان الدير وهو قريب الشبه منه.

وكان بودي أن أدعوه إلى مكتبي لتناول القهوة حيث أروي له المعجزة الميكانيكية في سيارتي عام 1950 بغية تسجيلها في سجلات الدير، لكني مع الأسف وصلت إلى الطابق الخامس وخرجت من المصعد الكهربائي حيث بقي حضرة الراهب دون أن أعي أو أنتبه لما عزمت عليه من دعوته فكان في ذلك سر اعتقد أنه طغى على مخيلتي فانساني كل شيء. ثم دخلت مكتبي وباشرت أكتب بيدي اليمنى مدّة وعلى غير عادة وكأنّها أصبحت في حالة صحية جيدة والآلام قد زالت تماما وبصورة نهائية.

ولما اتضح لي بأن الشفاء غربة ومعجزة حمدت ربي وأنا في دهشة وتفكير بالراهب الذي رافقني في المصعد الكهربائي وكأنه كان لوجوده معي سر في الشفاء العاجل وأن السهو عن بالي في دعوته إلى المكتب كان سرا أكبر.

وقد اردت فيما بعد أن أتحقق من هذه الأسرار التي اكتنفت هذه المعجزة الطبية فطلبت من أحد معاوني السيد إيلي فريد الخوري من الناعمة أن يتحرّى عن حضرة الراهب وما إذا كان جاء مديري التنظيم المدني والقروي قاصدا إحدى دوائرها لعمل يخصه أو يخص دير عنايا فقام السيد خوري بالسؤال لدى كافة الدوائر ولم يتضح له أن يكون قد جاء إليها راهب لعمل يخصه أو يخص دير عنايا.

وقد اعلمني بأنه محظور على الرهبان أن يضعوا على صدورهم كتابة "رهبنة دير شربل" أو أية إشارة أخرى وإن القراءة التي قرأتها في صدر الراهب ليست إلا دلالة على أنه الراهب شربل بالذات.

ويوم الأحد الواقع في 30 ك2 1966 قصدت دير عنايا للتحقق من هذه الأسرار فقابلت حضرة الأب الرئيس طوبيا زيادة ورويت له المعجزتين الميكانيكية والطبية فكانت دهشته عظيمة لظهور الأب شربل بالذات في المصعد الكهربائي ولشفائي شفاء تاما بعد برهة من ذلك مصرحا بأنه لم يرسل إلى مديرية التنظيم المدني والقروي من قبل أي راهب لأي عمل يخص الدير وأنه لا يعقل أن يكون أحد الرهبان قد وضع على صدره كتابة "رهبنة دير شربل" وأن في الكتابة وفي الشفاء العاجل ما يدل على ظهور الأب شربل بالذات في المصعد الكهربائي مستوحيا ذلك من تكرار ظهوره في مناسبات عديدة مماثلة نتجت عنها معجزات أخرى تدعو إلى الزيادة بالإيمان واليقين.

7- لا لزوم للعملية

كتب حبيب أبي خليل من حراجل في 10\7\1966: حدث لأمي حادث انعقاد مصران. نقلتها إلى المستشفى. وبعد أن عاينها الدكتوران جوزف كرم وفوزي العضيمي صاحب مستشفى سيدة لبنان في جونيه، حكما عليها بإجراء عملية جراحية مستعجلة. طلبا مني الإسراع إلى مختبر الدم في بيروت لإحضار الدم اللازم لها. وللحال أدخلوا والدتي إلى غرفة العمليات لتهيئتها ومضيت مسرعا إلى بيروت. في الطريق طلبت من القديس شربل من أعماق قلبي أن يشفي والدتي ويخلصها من العملية الجراحية. وإذا تمّ ذلك أذهب لزيارته في عنايا.

حين وصولي إلى المختبر وجدت مخابرة تلفونية قد سبقتني تقول لا لزوم للدم لأنه لا لزوم للعملية. فعدت فرحا جدا، ورأيت أمي قد تعافت تماما من مرضها.

 

8- شفاء من زلال في الدم في 20\7\ 1966

شهد السيد ابراهيم مرهج: حصل لي زلال بالدم لدرجة 245 مع العلم أن المعدل بين 20 و40، لذلك رفع الأطباء أيدهم عني وقطعوا الرجاء من شفائي. حتى إنهم هيأوا لي التابوت، لأن الدكتور الشامي قال: لقد انتهت قضيته، رحمه الله. وطلبوا لي القربان المقدس والمشحة الأخيرة. وما إن وصل حضرة الأب طوبيا خليل رئيس أنطوش جبيل وناولني بركة من القديس شربل، وناولني القربان المقدس، وما أن وصلت البركة إلى فمي حتى عادت إلي روحي، وتحركت وطلبت الأكل. وطلبت أن أجلس خارج البيت في ظل الأشجار، بعد أن كنت لا أتحرّك، وكان فمي مطبقا ولا أستطيع الحراك.

9- شفاء من شهوة في الرقبة في 10\9\1966

شهد أسعد فرح: لقد ولدت والدتي هنود وفي رقبتها شهوة ظاهرة بشكل فاضح ومعيبة جدا. وكانت عند نظرها إليها تبكي وتطلب من الله أن يزيل عنها هذا المرض، وصارت في عمر الستين، ولم تزل الشهوة في رقبتها. ولما سمعت بعجائب القديس شربل، صلت له صلاة خصوصية وتطلب منه ليل نهار أن يزيل عنها مرضها، إلى أن زارت دير شربل في عنايا وأخذت شرابا وبركة. وأخذت تدهن رقبتها من البركة التي أخذتها من البركة التي أخذتها عن القبر، لمدة شهر. وكانت قد اشترطت عليه، أن معه فرصة شهر كامل ليزيل هذه العيبة. وما إن مضى شهر حتى زالت تماما.

10- تقرير طبيب أميركي

أنا الموقع أدناه الكسندر توماس المسجل في بوسطن ماساتشوستس، رقم 3789 سنة 1936 كخبير في الرفات وإدارة دفن الموتى قد عاينت رفات الطوباوي شربل في 15 آب 1966. وقفت منذهلا! السائل الجثماني يغلّف جسده، وهو كناية عن مزيج من الدم والماء وكثافة السائل 3 إنش، ولون ثيابه كماء حمراء قانية. في كل السنوات التي نقلت فيها أجسام الموتى من تابوت إلى آخر كانت كلها فاسدة قد عمل فيها الانحلال عمله الهدام.

عندما أخبرني حضرة الأب طوبيا زيادة رئيس الدير أنّ الأب شربل مات منذ 68 سنة (1898) استولى علي الإنذهال. يبدو كأنّه مات منذ 12 أو 13 أسبوع فقط. إنّ الدم والماء في الكفن نقي (أحمر قانٍ) والسائل الجثماني هو شبيه بالدم المستخرج من رفات جسم عند عملية التحنيط.

إن ما تبقى من جسم شربل كان سليما. جسم كامل وفي حالة جيدة بالنسبة لسنوات الوفاة، وكذلك الثياب. لم أشهد طيلة سنوات اختباراتي شيئا يضاهي حفظ هذا الجثمان العجيب وهذه الرائحة القدسية الشذا المنبعث منه! إن ثياب الأب شربل كان مفروضا فيها أن تمتص جميع السائل الدموي خلال هذه السنوات في الكفن. وعلمت أن ضريح شربل فتح للجمهور عام 1950، حينئذ كان المفروض أن يقع جسمه للحال رمادا ويتفكك. إنّ تعليلي الوحيد لهذه الظاهرة أنها صنع يد الله القدير.

11- أعجوبة التقديس

مريم عسّاف عوّاد من شكرا، إزرا، دارا (في سوريا) اصلا، ومن حمّانا (لبنان) مسكنا، أُجريَت لها ثلاث عمليات سرطانية ما بين 1963 و1965 ، عمليتان أجريتا لها واحدةٌ في المعدة والأخرى في المعى. وأجريت الثالثة لها في الجزء الأيمن من العنق. لكن هذه العمليات لم تنجح باستئصال السرطان من جسمها. فبدأت مريم تصلّي للطوباوي شربل…
أصيبت اللوزتين بمرض السرطان، وكانت تتألّم كثيراً منهما، وتجد صعوبةً كبرى في البلع، وقد بدأ صوتـها يضعف، وأصبحت اللوزتان حمراوين، وأصبحتا بحجم الجوزة. ورفضت كلّ علاج، والمعالجة بالأشعّة (
Radiothérapie) وإنمّا كانت تطلب من مار شربل، إمّا الشفاء ممّا تعاني منه، وإمّا القوّة لتحمّل هذا المرض. وفيما كانت يوماً جالسةً في سريرها رفعت الصلاة والابتهال الشخصي التالي إلى مار شربل: "ألا مَننتَ عليّ بالشفاء من هذا المرض، وأنت القدّيس العظيم الذي شفى العميان والكسحان! . وعندما أُشفى من هذا المرض أذهب لأشكرك في مزارك". وكانت قد طلبت الشفاء مساءً وقبل الرقاد، وفي الغد تمّّ الشفاء وأصبحت كلّها معافاةً وسليمة. وأتت مريم وفاءً لنذرها، إلى دير مار مارون –ضريح القدّيس شربل، تشكره وتشهد لعظمة عمل الله من خلال قديس عنّايا. وأعلن البابا بولس السادس شربل قدّيسا في 9 تشرين الأوّل 1977.

 

12- شربل يعمّد طفلا عشيّة التقديس

ولد صبي لعائلة لبنانيّة مقيمة في أوستراليا ولديه مشكلة في قلبه، وكان وضعه خطير جدّا، فطلبت راهبة في المستشفى من والد الطفل ليأتي بكاهن يمنحه سرّ العماد قبل الوفاة. فانطلق الوالد نحو دير مار شربل في سدني- أوستراليا، وطلب من الرهبان لكي يذهب أحدهم ويمنح الطفل سرّ العماد، فاعتذر رهبان الدير الواحد تلو الآخر: لا يمكننا ترك الكنيسة عشيّة التقديس بسبب زحمة الناس، بالإضافة إلى أنّ قسما من رهبان الدير ذهبوا إلى روما برفقة مؤمنين لحضور حفلة التقديس في الفاتيكان. قطع الوالد الأمل من عماد طفله، وصار ينتظر خبر وفاة طفله خلال بضع ساعات، عبَر الليل لم يتصل به أحد، طلع الصباح كذلك، حوالي الظهر اتصل الوالد بالراهبة يسألها عن طفله؟ أجابته: لقد تحسّنت حالته عندما عمّده كاهن من عندكم. تعجّب الوالد: لم يقبل معي أيّ كاهن ليعمّده؟! أجابته: بلى، أتى كاهن ملتحٍ بلحية بيضاء ومنحه سرّ العماد. فطن عندها الوالد وذهب إلى المستشفى، وعلم ساعتها أنّ القدّيس شربل هو من عمّد وأبرأ ولده، ولا يزال هذا الشاب إلى اليوم يضجّ بالحياة ويعمل سائقا لجرافة.

 

13- شربل يبارك الجماهير

نهار التقديس في 9 ت1 1977، وبعد مسيرة حاشدة ومؤثّرة من جبيل دامت أكثر من 5 ساعات، تروي الأخت جاكلين في مجلة الرعيّة: كنت واقفة أصلّي وعيناي مسمّرتان في تمثال القدّيس شربل، المنتصب في ساحة دير عنّايا، فإذا بيده المرفوعة تتحرّك وترسم إشارة الصليب ببطء. فكّرت بأنّ ذلك من تأثير التعب في نظري، ففركت عيني بيدي، ولكنّ اليد عادت تتحرّك ثانية أمام ناظري. التفتّ إلى أختي الراهبة، فإذا بها تهمس في إذني: إنّه يتحرّك ويبارك. سمعنا همسا يسري بين الجماهير: إنّه يبارك! وأخذ البعض يركعون والبعض يرسمون إشارة الصليب. ولمّا تكرّرت الحركة من اليد المباركة علت الهتافات: إنّه يبارك! ويقول الشاب أنطوان ك. الذي اشترك بالمسيرة: بيدي آلة تصوير، ولمّا اقتربت وقفت. وكنت كلما شاهدت اليد تتحرّك آخذ صورة. ومرّة مدّ يده فوق الولد الكسيح الذي شفي، فأخذت صورتين لليد الممدودة. وبعض الناس رأى التمثال يحرّك عينيه والبعض رآه يدمع. فعمّ الذهول والبكاء والفرح غالبية الحاضرين. وقد أخبرنا حضرة الأب بولس قزي الذي كان حاضرا عشيّة ونهار التقديس في كرسي الإعتراف في عنّايا أنّ الأعاجيب الهامّة هي التوبة، فكثر هم الذين تقدّموا للتوبة بالدموع، وعديدون هم من لهم عشرات السنين دون اعتراف...

 

14- بخور في النبعة

- الحجارة تتحوّل إلى بخور

في 17ت1 1977، كنتُ، أنا الأب حنا اسكندر، يومها طالبا في دير كفيفان، سمعتُ والإخوة المبتدئين خبرين لأعجوبة البخور في النبعة. الأولى من الأب المناظر يوحنا مرقس، وهي أن دخل علينا وكنّا في قاعة الدرس حاملا بيده كميّة من الحجارة الصغيرة وقال: أنظروا هذه حجارة، نظرنا فهي حجارة. أتى بقدّاحة وأشعل إحداها وقال: أنظروا شربل حوّل الحجارة إلى بخور في النبعة، فانذهلنا! أعطى كل منّا كميّة، وقد فحصتُ حصّتي التي بقيت معي سنوات عديدة، فإذا هي حجارة كشكل من الخارج وإذا كسرت من الداخل، لكنّ وزنها خفيف وتشتعل كالبخور.

والخبر الثاني هو من المرحوم الأب لويس وهبه الذي أعلمنا بسبب أعجوبة البخور قال: نذر ربّ عائلة شيعيّة مقيمة في النبعة ابنه للقدّيس شربل بسبب مرض ما، ونذر أن يأخذ بخورا حسب وزنه. لكن فقر هذه العائلة المادّي منعهم من إيفاء النذر. فبينما كان الولد يلهو في مكان كان فيه بقايا متاريس من أيّام الحرب، ظهر له القدّيس شربل وقال له: لما لم يذهب بك أهلوك إليّ لإيفاء نذرهم؟ أجاب الولد: ليس لدينا مال لنشتري بخورا يكفي حسب وزني. فقال له القدّيس شربل: هذه المنطقة هنا كلَها بخورا. فالتفت الولد فإذا بكل شيّ حوله تحوّل، الحجارة، البحص، الرمل، أكياس الرمل، دواليب كاوتشوك، فصرخ أعجوبة! فهجم الناس وبدأوا يأخذون البخور، وتمّت معجزات شفاء. وبسبب زحمة الناس، منهم من لم يستطع الوصول أخذ معه بحصة من الأرض كبركة فعند وصوله للبيت وجد أن البحصة تحوّلت إلى بخور! والأغرب من ذلك أنّ بعض الذين لم يستطيعون الوصول، وبسبب الأمطار والوحول والحفر في الطريق، تلوّثت ثيابهم بالوحول عندما تقع سيّارة في حفرة، فيغضبون، ولكنّ سرعان ما تحوّل غضبهم إلى فرح عندما رأوا أنّ الوحول على ثيابهم هذه تحوّلت إلى بخّور!

- قوّة غريبة

أخبرت حسنا منصور- كرم سده: رست شظيّة رصاص في مرفقي وحرقت العظم، وشلّت يدي اليسرى تماما، وارتأى بعض الأطبّاء قطعها، لئلاّ يتناثر العظم ويتسمّم جسمي وأموت. فأبيت وأبى أهلي وزوجي الخضوع لمثل هذه العمليّة.

وذات يوم، وفيما خبر أعجوبة النبعة ينتشر، ويعمّ كل لبنان، نويت الذهاب إلى هناك، أنشد الشفاء، ولمّا وصلت إلى المكان حيث كانت ترفع صورة كبيرة للقدّيس شربل، مددت يدي السليمة إلى الصور للتبرّك وطلب الشفاء، وفعلت ذلك على ثلاث دفعات. وما إن مددت يدي حتّى بدأت أشعر في اليد المشلولة بقوّة غريبة، شبيهة بقوّة كهربائيّة، تنطلق من أظافر اليد حتّى تصل إلى الكتف، وتتوقّف هناك. وقد تراءى لي القدّيس شربل تلك الليلة في الحلم، وخاطبني:إرفعي يديك الإثنتين معا، كما أفعل أنا أمامك، ففعلت كما قال لي، وتابع كلامه لي: ستشفى الأصابع الثلاثة لتوّها، وتعود طبيعيّة، وإنّما الإبهام والسبابة سيشفيان تدريجيّا. وهكذا حصل.

 

 

15- حبّة بخور بيد مولود جديد

شهد الأب أنطوان صدقة: ماريا دي نازارت، مقيمة في البرازيل، كانت عاقرا، ولم تنجح معها الإمكانات الطبّيّة لتضع مولودا. وهذا الإخفاق زاد في حزنها ويأسها. ذات يوم التقت بإحدى اللبنانيّات الوافدات حديثا إلى البرازيل، وكانت تحمل معها بخورا، بركة من القدّيس شربل، وبدأت تلك المرأة تروي أعاجيب وافرة على يد القدّيس شربل. ومن تلك الأعاجيب أنعم الله بأطفال لنساء عاقرات، فتأثّرت ماريا، وتمنّت أن يمنّ الله عليها بولد. فأعطتها بخورا وطلبت منها الصلاة والتبخير. أمّا هي فقد ابتلعت حبّة بخور، حبلت بعدها بطفل. وراحت بفارغ الصبر تنتظر مولودها، وما حانت ساعة الولادة حتّى انتقلت إلى المستشفى لتلد هناك، ودهش الطبيب بعد أن وضعت ولدها، إذ رأى المولود يطبق يدا، ويفتح الأخرى. فتعجّب الطبيب مما يرى، ولم يسبق أن رأى له نظيرا من قبل، فعمد إلى فتح يده، إذ خشي أن يكون أصاب يده سوء. ولمّا فتح يده وجد فيها حبّة بخور، فازداد عجبه. وكانت الحبّة التي ابتلعتها أمّه ابتغاء الحمل.

 

رابع وعشرون: فرح الإيمان

1-    نهاد الشامي

- يا ريت بعيش حياتو

شهدت السيّدة نهاد الشامي: عندي 7 شباب و5 بنات، كنت أمارس واجباتي المسيحيّة على أكمل وجه، قداس كل أحد وصلاة المسبحة مع زياح العدرا مع الأولاد وأركع أمامهم يوميّا. وأنا كنت أصلّي المسبحة صباحا وأبشّر العدرا ظهرا. حسب عادات أغلب الناس.

لقائي الأول مع مار شربل كان حين ظهوره عام 1950، حين رأيت العدّة التي كان يستعملها القدّيس شربل في المحبسة، تأثّرت جدّا وبكيت وكان عمري 12 سنة.  فسألتني والدتي: ليش عم تبكي؟ أجبتها: يا ريت بعيش حياتو لا بدي مال ولا بدي قصورا! تزوّجت وطلعت على المزاريب مع إني من سكان جونيه وعشت حياة الضيعة مع كلّ صعوبتها: طبخ وغسيل على الحطب، خبز عالتنّور، زقّ الحطب من الحرش، وغسيل الثياب بماء الرماد على النهر، والإهتمام بالزريعة والبقر والغنم والدجاج، وكان عندي ختياريي تنين، من جملتن مرت عمّي اللي عذبتني كتير وما عاد حدا خدما، وبس رثيت سامحتا وخدمتا من قلبي وعيني.

وكنت أجمع أولاد الضيعة، وأعلمّهم الأبانا والسلام وفعل الندامة وقانون الإيمان. وكان زوجي يمانعني: لا يوقع شي ولد يا مرا! وكانت العذراء تحمينا، وكنّا نصلي لها ليليّة المسبحة، ونحتفل بزيّاحها. بس جيت على حالات صار يجيبولي ولد مريض أو إذا مرض حدا، لحتّى يصح. وكنت على حسب قول العدرا صلّي على المي 3 مرات النؤمن، ومرّة أبانا ومرّة سلام لجروحات المسيح، وغطّ صليب المسبحة بالمي، وكتار كانوا يصحّوا.

 

- عمليّة أولى في الكلوة

كان في معي بحصة بالكلوة طول 1,5سم وكانت تسبب إلتهابات، كنت إبقى بالمستشفى جمعة وبعد راحة بالبيت 24 ساعة أُعاد إلى المستشفى من جديد. أراد الطبيب أنطوان الشامي، صاحب مستشفى سيّدة مرتين، أن يجري لي عمليّة، ولكن بسبب ولادتي الحديثة لم يجريها لي. ذهبت إلى محبسة عنّايا، وصليت وأخذت ترابا من أمام المحبسة وابتلعته.

في الحلم أتاني شربل وقال لي: نهاد! نهاد! واعية؟ أجبته: نعم واعية. قال لي: اجلسي، أية كلوة توجعك؟ قلت له: كلوة الشمال. شقّني، وفزعت عندما رأيت الجلد مبين بس ما في دم. فضرخت بالعذراء: يا عدرا دخيلك، كيف بدو يعملي عملية بلا بنج. أجابني: أنا بونا شربل عملتلك عمليّة للبحصة، فأسرع زوجي، متعجّبا: شو بكي صرختي هالصوت؟! أجبته: إجا مار شربل وعملّي عمليّة بكلوتي. فأتى ورأى آثار العمليّة، بقعة حمراء يخرج منها سائلا، وشفيت تماما.

- فالج لا تعالح!

انشلّت يدي ولساني لجهة الشمال مساء يوم 9 ك2 1993. دخلت إلى مستشفى سيّدة مارتين في جبيل. إستقبلني الدكتور جوزيف الشامي، أخصّائي في مرض القلب والشرايين والأعصاب؛ أدخلني العناية الفائقة وبدأ بعلاجي مع الدكتور أنطوان نشاناقيان وطبيب العائلة الدكتور مجيد الشامي؛ بعد المعالجة والصور والفحوصات، جاءت النتائج كما يلي: يوجد نشاف في شريان العنق بنسبة 80% من جهة الشمال و70% من جهة اليمين، ممّا جعل عندي شلل نصفي أي داء الفالج. ولا يوجد أي علاج للشفاء في هذه الحالة، كما قال لي الطبيب: فالج لا تعالج!

نصحوني أن أذهب إلى بيتي وبعد مضي 3 أشهر، يمكن أن أدخل إلى مستشفى أوتيل ديو لأخضع لصورة جديدة، ربّما استطاعوا إجراء عمليّة جراحيّة في عنقي لاستبدال الشرايين المسدودة بشرايين بلاستيك.

- لمسة من مار شربل

بعد ذلك ذهب ابني البكر سعد إلى دير عنّايا، وصلّى بقلب مجروح أمام تمثال القدّيس شربل،  وأحضر لي بركة زيت وتراب عن قبر القدّيس شربل؛ وعندما مسحت لي ابنتي من هذه البركة شعرت بتنميل في يدي ورجلي. وبعدها خرجت من المستشفى بعد أن قضيت 9 أيّام فيها ولازمت فراشي في البيت، فكان زوجي يحملني إلى الحمّام، وأولادي يعطوني الأكل أو الماء بواسطة نربيج أو شاليمون، وأمضيت ثلاثة أيّام على هذه الحال بعد خروجي من المستشفى.

 

- عتاب واستغفار

بعدها، إذ كنت نائمة أبصرت نفسي أنّي صاعدة على درج المحبسة في عنّايا وسمعت القدّاس فيها مع الرهبان وناولني القربان المقدّس القدّيس شربل! وفي اليوم الرابع المصادف ليل الخميس أو صباح الجمعة الواقع في 22 ك2 1993، شعرت بألم في رأسي وفي الجهة اليمنى من جسمي فصلّيت وطلبت من العذراء مريم والقدّيس شربل وقلت لهما: أنا شو عاملي، لشو كرسحتوني بالفراش؟ أنا شو خاطية، ربّيت عيلي 12 ولد بالعذاب والصلاة والمثابرة تا كبرو، أنا مش عم بفرض إرادتي عليكن ولكن إذا بدكن تشفوني اشفوني أو موتوني متل ما بدكن أنا راضية! الموت حقّ ولا تخلّوا أهل بيتي يتعذّبوا فيي! عدت وندمت وقلت: سامحيني يا عدرا أنا لازم أحمل الصليب وما لازم أهرب من الألم، مع آلامك يا يسوع.

 

 

- جايي إعملّك عمليّة!

تركني زوجي وأولادي لأنام وأرتاح. وفي الساعة الحادية عشرة وأنا في المنام، وإذا بشعاع نور يدخل غرفتي ورأيت رهبان اثنين توجّها إلى سريري، واقترب مني القدّيس شربل وكشف قميص النوم عن عنقي ووضع يده وقال لي: جايي إعملّك عمليّة! فالتفتّ ولم أقدر أن أرى وجهه من قوّة النور الساطع من عينيه وجسمه فارتبكت وقلت: يا أبونا ليش بدّك تعملّي عمليّة، مش قايلين الحكما إنّو بدّي عمليّة. قال : نعم لازمك عمليّة، وأنا الأب شربل جايي إعملّك ياها. فالتفتّ لشخص العذراء الموضوع بقربي وقلت: يا عدرا دخيلك تشفّعي فيّي، كيف بدن يعملولي عمليّة هالرهبان، بدون بنج ويقطبوني! فنظرت إلى شخص العذراء ورأيته أتى وأصبح بين الراهبين، لم يكن تمثالا جامدا، بل كان يشعّ بالنور ويضجّ بالحياة. في تلك اللحظة شعرت بألم فظيع تحت أصابع القدّيس شربل التي كانت تفرك عنقي... وبعد انتهاء مار شربل من العمليّة اقترب مار مارون وأخذ وسادة واقعدني ثمّ وضعها خلف ظهري وأخذ كوب الماء الموضوع بقربي، وسحب الشاليمون منه ووضع يده تحت رأسي: إشربي هذا الماء. قلت له يا أبونا ما بقدر إشرب الماء من دون شاليمون. قال مار مارون: مبلا عملنا لك عمليّة وصار فيكي تشربي وهلق بدّك تشربي الماء وتقومي تمشي. وتقدّم وهدّالي راسي بيده اليمنى وسقاني الكباية بيده الشمال.

 

- دموع الفرح

بعد ذلك صحوت من النوم والماء يجري طبيعيّا في حلقي ووجدت نفسي جالسة مثلما أقعدني الراهب ونظرت إلى شخص العذراء فرأيته عاد إلى مكانه على الطاولة، وشعرت بحريق في عنقي، وبدون انتباه وضعت يدي لأرى ما يجري في رقبتي، عندها انتبهت أنّ يدي الشمال المشلولة أصبحت طبيعيّة، وشعرت برجلي تتحرّك كالعادة تحت اللحاف. فسألت ابنتي التي كانت نائمة على سريرها قربي ومع مولودها الجديد، قديش الساعة: أجابت: الثانية بعد نصف الليل. نهضت من سريري وبدون وعي كامل، ركعت أمام صورة القدّيس شربل والعذراء مريم لأشكرهم، وكانت المرّة الأولى التي أستطيع فيها الركوع على ركبتي بسبب ما أصبت من تكلّس، وكان الحكيم قد أشار بقطع الرجل لتخفيف الألم. ذهبت بعدها إلى الحمّام، ورأيت عنقي مذبوح بجرحين، يمينا وشمالا، طول الجرح 12 سم تقريبا. ذهبت إلى غرفة زوجي المجاورة وأضأتها، وكان زوجي يصلّي بسبحته، فالتفت وصاح بصوت عالٍ: يا مرا كيف جيتي وحدك؟ هلّق بتوقعي وبتصير مصيبي فوق مصيبي، إذا ما بتشفقي عليّي اشفقي عا حالك! رفعت يدي وقلت له: لا تخاف، القدّيس شربل عملي عمليّة ومشيت! سقط زوجي أرضا! تقدّمت منه وصفعته على وجهه مرارا قائلة: يا سمعان! يا سمعان! وعندما علم بعض الأولاد وقعوا على الأرض أيضا فصاروا يخبرون بعضهم عبر الهاتف، وتجمّعوا وهم يهطلون دموع الفرح.

 

- أنا جرحتك بقدرة الله تا يشوفوكي

وعند الصباح ذهبت بصحبة ابنتي وزوجي إلى المحبسة لنشكر القدّيس على نعمه، فالتقيتُ بالمسؤول عن المحبسة يومها الأب مخايل مغامس، فعندما أخبرته بقصّتي ورأى الجرج قال: هذا الجرح مش لألك وحدك، هذا علامة لكل العالم. ولازم تخبّري الإذاعات حتّى يخبّرو وطلعي عالتلفزيونات. فأجابه زوجي: الحمدلله المرا شفيت ومار شربل ما بدّو دعاية. وحضرنا القدّاس معه في المحبسة. وبعد الرجوع إلى البيت كانت مفاجأة الجيران والأقارب الذين كانوا يزوروني وأنا مقعدة. نهضت من نومي في اليوم الثاني، كان ظهر في عنقي اليمين ثلاثة خيطان واثنان في عنقي الشمال. سحب الدكتور مجيد الشامي خيطين منهم، ولم يستطع سحب الباقين لأنّه كان يكهرب كلّما لمس الخيط، فقد صرّح الأطباء (هو ومن معه) أنّ شفائي ناتج من الأدوية التي أعطوني إيّاها بسبب الوجع المؤلم  في رأسي، وبعدما سئلوا عن سبب جرح عنقي؟ أجابوا: من كثرة حكاكي بسبب آلامي!... وأتت lbc وصوّرت وانتشر الخبر فجاء الزوّار من كل لبنان وخارجه وغصّ بيتنا بآلاف الزوّار. وبعد مرور أسبوع على أعجوبتي، قال لي كاهن رعيّتنا في حالات، الخوري عبدو يعقوب، وكذلك الدكتور مجيد الشامي: بدنا نبعدك إلى منزل ابنك لكي ترتاحي شي يومين، فخضعت لأمرهم. ولكن في الليل ظهر لي القدّيس شربل وقال لي: لا تتركي الناس، خلّيكي عا إيمانك، أنا جرحتك بقدرة الله تا يشوفوكي، لأن البعض ابتعد عن الصلاة وعن الكنيسة واحترام القدّيسين. وإنتي ما بتقدري تعملي شي للناس! اللي بيريد منّي شي أنا الأب شربل موجود في المحبسة على طول. وبطلب منّك تزوري المحبسة كل 22 من كلّ شهر وبستمعي قدّاس كل عمرك...

- صور ترشح زيتا

تابعتُ الزيّاح لمار شربل كل يوم خميس في بيتي في حالات وهو اليوم المصادف للأعجوبة. وفي 15 آب 1993 وأنا في ضيعتي في المزاريب ظهر لي مار شربل في منامي وقال: نهاد، أريد أن تعملي زيّاح الورديّة كلّ يوم سبت من كلّ أوّل شهر في بيتك، عا سنة عا نيّة عيلتك.

فنهضت في الصباح كالعادة وأخذت البخور أمام المذبح وأشعلت شمعة وبدأت بصلاتي؛ ولمّا نظرت إلى صورة القدّيس شربل رأيت الزيت ينضح منها وما زال حتّى هذا التاريخ. وبينما كنت أزيّح الورديّة حسب ما أوصاني القدّيس شربل، ومعي حشد من الزوّار والمؤمنين في بيتي، وكان أوّل زيّاح المصادف 6 ت2، بدأت صورة مار مارون ترشح زيتا وما زالت حتّى اليوم.

وفي تاريخ 2 أيلول، ظهرت لي القدّيسة ريتا في المنام بينما كنت أمام مزار العذراء قرب بيتنا في الجبل، ووضعت يدها على كتفي، وقبّلتني في جبيني، وقالت لي: بهنيكي بهالإيمان! فالتفتّ إليها لأخبرها ما حدث معي فقالت لي: أنا عارفي مار شربل عملك عملية ومار مارون عطاك كوب الماء.

- أوراق السنديان

كعادة كل سنة كنت أعمل مغارة الميلاد ونزيّن شجرة صنوبر نقطعها من الحرش، ويومها منعت الدولة قطع الصنوبر لهذه الغاية، فطلبت من ابني عصام أن يجلب لي غصن سنديان لنصنع به شجرة الميلاد. وكان شكله جميلا كثيف الأوراق وعلى شكل قبّة جرس. وليلة الغطاس أتى الأب شربل ومعه مار مارون وقال لي بدنا نبارك الشجرة. ركعت وصلّيت أنا وإيّاهم 3 مرّات أبانا وسلام، ورتّل ترتيلة بالسرياني حلوي كتير. ولمّا انتهينا من الصلا أتى بسطل ماء وفيه مرشّة، ووضع السطل على السجّادة فشعّ نور من السطل. فرشّ ماء على المغارة وأكمل رش غصن السنديان وتابع الرشّ في البيت، وعاد. وكنتُ لا أزال أمام المغارة أنا ومار مارون، وقال لي: هادا ما تكبّيه بالزبالة، هادا بتعطيه بركة للعالم. تابع: رح قلّك كيف بيستعملوهم: بيحطّوا 3 ورقات عا إسم الثالوث بركوة وبيغلوهم، والورقات بيشلوهم عا جنب وبيحرقوهم، والميّات بيصيروا مي مصلايه بيشربوا منهم، وبيصلّوا مرّة أبانا ومرّة سلام لجروحات يسوع اللي فدى دمو لأجل شعبو، وبيسقو مرضاهم. لم آخذ هذا الكلام على محمل الجد، فالناس سيقولون جنّت نهاد، بلّشت تعمل اخبار، وكنت عايشة بالخوف من حكي الناس، وضلّيت عا سنتين عايشي بالخوف، وكان مار شربل يشجّعني بالحلم ويقللي: ما تخافي، الله اختارك من شعبو تا تكوني علامة عا الأرض، وكتار يللي بدن يرتدوا للإيمان وللصلا ويرجعوا عن يدّك. ما تتكدري من العالم. وتابع كل سنة مباركة مغارة وشجرة الميلاد.

- لا تخافي من إعطاء أوراق السنديان

فرفطتُ أوراق غصن السنديان، وأحرقتُ الغصن كما قال لي، ولم أجرؤ على إعطاء أحد من هذه الأوراق. وكنتُ قد أخبرت الناس، الذين يأتون ليصلّوا عندي يوميّا في البيت، عن خبر الحلم وأوراق السنديان، فكانوا يأخذوا منها، وقالوا لي ذات مساء: نوال عيد، جارتك، مريضة ويريدون أخذها إلى المستشفى. فقرّرت في الصباح زيارتها. فأتت إليّ صباحا، قبل أن أذهب لأزورها وقالت لي: أتتني نوبة ربو وكان أهل بيتي يريدون أخذي إلى المستشفى. فقلت لابنتي: يا ماما حطّي بالركوة 3 ورقات سنديان اللي جبناهم من عند نهاد واغليهم. وعندما شربتُ أحسستُ أنّي شفيتُ، وتابعت: لا تخافي من إعطاء أوراق السنديان، أنا كنت كتير متضايقة ولمّا شربت ارتحت. وما عاودها هذا المرض إلى اليوم.

- وضعت توأمين

أتتني مرّة طبيبة أطفال تدعى كارولين أبو جودة، وقفت أمام صورة مار شربل التي تنضح زيتا وصارت تبكي بحرارة. فسألتها ما بك؟ أجابت: ما عندي ولاد، قلت لها: الله يطعمك. أجابت: قطعت الأمل، تحكمت كثيرا، وزرعت مرتين ولم أحمل! والآن صار لي 20 سنة متزوّجة، ولم يعد لي أمل بالأولاد. قلت لها: الله قدير على كل شيء وأعطيتها ورق سنديان. وبعد شهر أخبرتني على الهاتف أنها حامل، وصرنا نصلّي لها، فوضعت توأمين صبي وبنت. وقد تكرّرت هذه الأعجوبة معي مئات المرّات لعائلات ليس لها أولاد وقد أنالها إيمانها بالله عن يد مار شربل، وكنت عرّابة لحوالي 450 منهم.

- رحلة إلى المكسيك

اشتهر شربل في المكسيك كثيرا فهو حبيب الجميع، وُضِعت تماثيله في كلّ الكنائس والمستشفيات والبيوت والمحلاّت، وصوره في كلّ مكان، وعلى سيّارات النقل (التاكسي). وإذا أراد أحدهم إجراء عمليّة ما، لا يقبل الدخول إلى العمليّة إلاّ بعد أن يقبّل تمثال القدّيس شربل. وتابعت نهاد: طلبنتني الجالية اللبنانيّة من المطران بشارة الراعي للذهاب إلى المكسيك. رحت فعملولي مهرجان. قدّسنا في الملعب البلدي من كثرة الناس. وصرت أدهن زيت من مار شربل حوالي 3 ساعات. حدثت عجائب كثيرة هناك وهذا البعض منها: شاب في الثلاثين من عمره على العكّازات، تركها ومشى، وفتاة في التاسعة من عمرها، ومصابة بسرطان في الرحم، شفيت تماما، وامرأة حامل بابن مصاب بالسرطان، وكانت تريد أن تجهضه، فنصحتها بأن تتّكل على الله وتبقيه، فكان أن عادت إليّ وأخبرتني قبل يوم من تركي المكسيك بأنّ الله قد لمس ابنها وشفاه وقد أكّد لها ذلك الطبيب. وفي القدّاس الأخير في كنيسة سيّدة كوادالوبيه أتت امرأة عمياء تقودها ابنتاها فبلّعتها قطنة مغموسة بزيت مار شربل ومسحتُ عينيها بيدي وطلبتُ من مار شربل بقلب محروق أن يشفق عليها، وما أن أعادوها إلى مكانها حتّى صرخت بصوت عالٍ وقالت: أنا صرت أبصر، فبكى الناس وصاروا يصفّقون.

2- شربل عند مسلمين

- شربل حبيب الأطفال

شهدت صبيّة مسلمة: في العام 1994، كانت ليلة باردة جدّا، حيث كنت وإخوتي الصغار لوحدنا في المنزل، بينما كانت أمّي مع أختي الصغيرة المريضة في المستشفى، وكنت خائفة جدّا إذ كان عمري لا يتجاوز 11 سنة، فدخل شيخ عجوز يرتدي ثوبا أسودا وعلى رأسه قلنسوة ولحيته طويلة بيضاء، وقال: لا تخافي!

كانت المدفأة منطفئة لأنّه لا يوجد مازوت في البيت، فأتى بالصفيحة الفارغة، وملأ المدفأة وأشعلها. وكان في المطبخ وعاء فيه حليب كانت أمّي تريد أن تطبخه رز بحليب. فدخل الشيخ إلى المطبخ وطبخ الرز بحليب. وعاد ودرّس إخوتي الصغار (وفي اليوم التالي كانت مسابقاتنا جميعا 20\20)، وهو يضع إصبعه على فمه ويقول: لا تخافوا.

بعد ساعات عادت أمّي إلى المنزل. ولمّا فتحت الباب، خرج الشيخ مسرعا. فقلت لأمّي: ما شفتي الشيخ اللي كان عنّا؟! فقالت: لا! من هو هذا الشيخ؟ فقلت لها: لقد طبخ الرزّ بحليب وأشعل النار، ودرّس إخوتي وقال لي: ما تخافي! فقامت والدتي إلى المطبخ، ووضعت يدها على الطنجرة، فكانت لا تزال ساخنة. فقالت: الحمد لله على كلّ شيء.

وبعد فترة قصيرة، ذهبنا مع والدتي إلى بيت صديقة لوالدتي وهي مسيحيّة، وقد علّقت صورة القدّيس شربل على جدار الصالون، فأشرت بيدي إلى الصورة وقلت لوالدتي: هذا هو الشيخ الذي أتى إلى بيتنا في تلك الليلة! ما أجملك يا مار شربل! إنّك حبيب الأطفال الخائفين! تدفئهم وتدرّسهم وتطبخ لهم وتبقى معهم حتّى تعود والدتهم!

- شربل مضمّد الجراح

كتبت امرأة مسلمة: ما أسعدنا نحن اللبنانيين إذ نعيش في لبنان موطئ قدمي السيّد المسيح رمز السلام والشفاء، ومهد القدّيسين وخاصّة القدّيس شربل، قدّيس لبنان وصديق جميع اللبنانيّين. أنا مسلمة من البقاع، أحبّ السيّد المسيح كثيرا إذ أرسل لي القدّيس شربل. كنت أعيش مع أولادي حالة يائسة وفقيرة جدّا إذ أوصلتني هذه الحالة إلى فقدان ابنتي! ففي يوم، بعد وفاتها بثلاثة أشهر، كانت الحالة تعيسة جدّا، ولم أعد أحتمل الفقر والجوع فقرّرت الانتحار برمي نفسي عن السطح! فرأتني جارتي بهذا الموقف وردّتني إلى البيت، فكنت بحالة يرثى لها، فرأيت القدّيس شربل قرب باب الغرفة يرتفع عن الأرض حوالي 30سم، ويحمل في يده عصا في آخرها كرة ذهبيّة، فاقترب إلى زاوية الغرفة حيث يوجد القرآن الكريم، وأنا متعجّبة منه كيف يمسك القرآن!، فأخذه بيده وعاد إلى الباب، حيث كان يقف أوّلا وقرأ: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157من سورة البقرة). فعلقت في ذهني كلمة المهتدون، فعرفت أنّ القدّيس شربل سيهديني إلى طريق الصواب، إذ ظهر لي شخصيّا في هذا الزمن العصيب. ولا أدري كيف أخبّر كيف تغيّرت حالتي وعملي! وربّيت أولادي بنعمة وحكمة وكرم وشجاعة. هذا هو القدّيس شربل مضمّد الجراح وصديق اللبنانيّين.

- شربل حبيب الحزانى

تابعت المرأة المسلمة: وفي حضور ثانٍ وبعد أسبوع إذ كنت جالسة بقرب الشبّاك أنظر إلى الأولاد يلعبون في باحة الدار، فتذكّرت ابنتي المتوفّاة وشعرت بأسف شديد وحزن مرير إذ أنّها لم تكن تلعب معهم. فأتى إليّ القدّيس شربل يحمل بيده حمامة بيضاء، فتقدّم ومسح دمعتي وقال: لا تبكي يا...! كلّما اشتقتي إليها سأرسلها لك. ومنذ ذلك الوقت البعيد كلما ذكرتها أرى الحمامة البيضاء تطير من أمامي وأحيانا أراها تقف أمام شرفة البيت. هذا هو القدّيس شربل حبيب الحزانى.

- شربل الطيّب الحنون

تابعت المرأة المسلمة: وفي حضور ثالث إذ كنّا نجري عمليّة جراحيّة لابني الصغير، قال الطبيب المعالج: لا يخرج المريض من المستشفى إلاّ إذا كانت درجة الحرارة 37. وفي اليوم التالي كانت درجة الحرارة حسب قياس الممرّضة 41، فمنعنا الطبيب من مغادرة المستشفى. ومع طلوع الفجر بدأت أصلّي إلى الربّ يسوع أن يعمل شيئا من عجائبه، كونه الوحيد، حسب القرآن الكريم، من يصنع المعجزات، لأني تاركة أولادي صغارا في المنزل بمفردهم، وفي الوقت نفسه سمعت ماجدة الرومي ترتّل لمار شربل، فقلت بصوت عالٍ: وينك يا قدّيس شربل؟! وفجأة رأيت الطفل قد تغيّرت حالته فقلت بطريقة عفويّة: يا الله! يا مار شربل ما أحلاك! وناديت الممرضة وإذ هي تقول الآن درجة الحرارة 37. بعدها حصل إشكال بينها وبين الطبيب على تفاوت درجة الحرارة السريعة! فوقفت مسرعة وأصلحت الموقف وقلت لهما وبكلّ صراحة: هذه من أعاجيب مار شربل! وتمّ الخروج من المستشفى. ماذا أقول عن مار شربل الرقيق العذب، الطيّب الحنون، رسول السيّد المسيح في لبنان. وهو بكلّ تأكيد صديق جميع اللبنانيّين.

 

3- شربل في أفريقيا سنة 1995

قرّر شخص، من عائلة تقيّة جدّا، الذهاب من بوركينا فاسو حيث يقيم، إلى منطقة أخرى بعيدة، وبالرغم من معارضة أمّه الجذريّة لهذا الانتقال. وعندما عجزت أمّه عن إقناعه بالعدول عن هذه الرحلة الخطرة، اضطرت أن تضع صورة لحبيس لبنان تحت مقعد سيّارة ابنها. وبعد أن سار بضع ساعات باتجاه المنطقة التي يريد الانتقال إليها، نفد الوقود من السيّارة، وفي مكان يضطر فيه الإنسان حتما إلى البدء بإحصاء اللحظات الأخيرة من حياته، إذ المكان الذي نفد فيه الوقود، هو مكان منعزل، يلقى فيه الكثيرون الموت المحتوم كلّ سنة. (بسبب اللصوص أوالحيوانات المفترسة)

وفيما كان الخوف والقلق يستبدّان بذاك الشاب، رأى شيخا ملتح، يقترب منه، ويحمل في يده تنكة. وللحال طلب استفسارا من الشاب، عن سبب توقّفه في هذا المكان. وبالمقابل قدّم له التنكة التي يحمل، وطلب إليه تعبئة خزّان السيّارة منها، إذ ما تحويه يكفيه لإيصاله إلى أقرب المحطّات. وعندما وصل إلى المحطّة، طلب إلى العمّال تعبئة خزّان السيّارة، ولدى فتحهم الخزّان، حدّجوا الشاب بنظرات ملؤها الامتهان، وقالوا له: أتهزأ منّا، وتطلب تعبئة الخزّان فيما هو ممتلئ، حتّى إنّه يكاد ينفجر من وفرة الوقود فيه. ولمّا عاد الشاب من رحلته إلى منطقته، راح يقصّ كلّ ما جرى له على والدته التي أسرعت وسحبت صورة الحبيس من تحت المقعد. وعندئذ تعرّف الشاب إلى صورة من كان قد خلّصه من موت محتوم. ولقد بات هذا الشاب الآن، أفضل من أيّ مسيحيّ آخر في المنطقة.

4- الإعلاميّة هيام أبو شديد

كتبت في مجلّة شربل رفقا نعمةالله، عدد276، 2002، ص32-33. قالوا: قدّيس من لبنان!؟

رحت أفكّر وأقول: ما هذا الكذب؟ كلّ شيء صالح من أجل الدعاية للبنان: خضرة الغابات، والطقس الجميل، والأرز الخالد، والآن ابتدعوا  "موضة" القدّيس... كلّ هذه الدعاية من أجل إخفاء الحقيقة المرّة التي نعيشها في بلدنا. وبدأت حكايتي مع هذا القدّيس، دون سابق أو ترقّب أو إعداد!

بقيت مدّة شهر ونصف الشهر أعاني من بحّة حتّى اختفى صوتي كلّيّا. عاينني الطبيب ووصف لي علاجا، وطلب منّي التزام الصمت التام لمدّة أسبوعين. وهكذا بدأ الخوف والشك يراودانني. ورحت أقول يبدو أنّني أعاني من مرض عضال، قد يكون سرطانا في الحنجرة، خاصّة وأنّ البحّة قد لازمتني شهورا عدّة.

وفي أحد الأيّام، قالت لي صديقتي وجارتي راحيل: سألتْ عنكِ "مدام" معربس، وطلبتْ إليّ أن تزوريها.

-         من هي "مدام" معربس؟

-         السيّدة التي ترشح صورة القدّيس شربل زيتا في منزلها.

-         أين؟

-         في ريفون بالقرب من هنا، أتذهبين الإثنين بصحبتي إلى هناك؟ ولأنّي كنت أخاف من هيئة القدّيس شربل، قلت لها بدون أدنى حماس: إن شئتِ نذهب. لكنّها ماذ تريد منّي؟

-         قالت: رأت شيئا ما في الحلم ويجب أن تحدّثك بما رأت.

قمنا بزيارة منزل السيّدة معربس. وأخبرتني بأنّ القدّيس شربل قال لها في الحلم ألاّ يجدر بي أن أخاف، لأنّني لست مصابة بداء السرطان! مع العلم بأنّه لم يكن هناك من سابق معرفة بيني وبين السيّدة معربس، ولم تكن على علم باختفاء صوتي!؟

فأعطتني قطعة من القطن مملوءة بالزيت لأبتلعها. وللحال عاد صوتي إلى سابق عهده، ولم يعد هناك أيّ أثر للبحّة في حنجرتي!؟ ومن ذلك الحين بدأت أحاول، بخجل وقلق، أن أعرف أكثر عن هذا القدّيس، وتوقّفت عن التحدّث عنه بطريقة سلبيّة، إلى أن سمعت بالأعجوبة التي جرت مع نهاد الشامي.

وفي الثاني العشرين من أحد الأشهر قمت بزيارة دير مار مارون بصحبة صديقتي راحيل، وكنت أسمّيه سابقا دير مار شربل. شاهدت من بعيد نهاد الشامي واقفة، والناس يتهافتون إليها طالبين البركة، وحاملين بأيديهم محارم من ورق لانتزاع نقطة من دم الجرح الظاهر في عنقها. وبدون أن أبذل أدنى جهد، ودون أن تقف زحمة المصلّين حاجزا في وجهي، شعرت وكأنّ موجا من الناس يحملني ويلقي بي أمامها، شاهدتها، وحدّقت في إشراق إيمانها، وجمال وجهها وصفاء عينيها، وابتسامتها المسالمة، وفرحها المعدي، فمسّتني في قلبي، ومنحتني قسطا من السلام لا أعرف كيف انتزعته وحملته معي. ومنذ ذلك الحين بدأ هذا القدّيس، في وجه نهاد الشامي يدغدغ أحاسيسي، وما عدت أخاف منه. فصلّيت. وأوّل ما طلبت في صلاتي المسامحة. بحت له معترفة، والخجل يعتريني أن كيف كان الشك يدفع بي للافتكار به عكس حقيقته. وعلى أثر ذلك راحت خطوات حياتي تقودني إلى هذا القدّيس بعفويّة، ودون أدنى عناء...

كثير من المؤمنين يسعون لرؤية نهاد الشامي ليحدّثوا بعجائب مار شربل، فاسمع وأصدّق وأطلب المزيد من الشرح، إلة أن أتى يوم من الأيّام قمت فيه بإعداد حلقة تلفزيونيّة عن خطر شهود يهوه مع شهود كانوا ينتمون سابقا إلى هذه الشيعة وارتدّوا إلى الإيمان. وبعد الإعلان عن الحلقة اتصلت شخصيّة ذات مكانة مرموقة في المجتمع، وطلبت إلى إدارة التلفزيون، بما تملك من سلطة ونفوذ، الامتناع عن بث الحلقة. وكان السبب في ذلك أنّ المتّصل هو من كبار المسؤولين في شهود يهوه. وبطبيعة الحال، أوقفت الإدارة بثّ الإعلانات عن الحلقة. وطلبت إليّ إعداد حلقة عن موضوع آخر، وبالسرعة القصوى، باعتبار أنّ اربعة ايّام فقط تفصلنا عن موعد بثّ الحلقة.

كنّا في أسبوع الآلام، وكان يوم خميس الأسرار موعدا لبثّ الحلقة. فخطر ببال المخرج الصديق سليمان أبو زيد أن نتحدّث عن موضوع ديني، وقا لي: ما رأيك لو أعددنا حلقة عن العجائب؟

- أكيد أذا كنّا لا نستطيع أن نتكلّم عن أعداء المسيحيّة، فلنتحدّث عن النعم التي نتلقّاها بواسطة الإيمان، وهكذا نؤدّي رسالتنا بأكثر قوّة.

لا أعلم كيف تمّ إعداد الحلقة؟ إنّها العناية الإلهيّة! ومساعدة رؤساء الأديار في عنّايا، وجربتا وكفيفان. وهكذا اجتمع قدّيسو لبنان: شربل ورفقا والحرديني، بأشخاص ضيوفي الثلاثة: نهاد الشامي وأندريه نجم وسيلين ربيز، وكان النجاح عظيما جدّا.

بعد ذلك، أعددت حلقة خاصّة مع نهاد الشامي بمناسبة عيد القدّيس شربل. فانفتح الباب على عالم الصفاء والحبّ والتضحية والسماح والسلام. وشعرت فعلا بأنّ مار شربل طلب من نهاد الشامي أن تكون علامة لحضور الله على الأرض.

 

5- مجدليّة في 22حزيران 2002

- خطيئة قاتلة

رفقا فتاة توفّي والدها وهي بعمر 11 سنة. كبرت، وكبرت معها مشاكل عديدة. ولمّا بلغت الـ18، كانت على علاقة عاطفيّة بمنصور، وكانت تعتقد أنّها علاقة حبّ لتتوّج بالزواج. وعلى أثر حادث سيّارة خطير، أدخلت أختها إلى غرفة العناية الفائقة، وانهمكت بها أمّها. أمّا هي فكانت تبقى في البيت. هناك استفردها منصور لأوّل مرّة، معلنا حبّه الشديد لها، فغرّها وفضّ بكارتها. واستمرت علاقتهما بتواتر على مدى 5 أشهر. بعدها أحسّت رفقا بلعيان في نفسها، فذهبت إلى الطبيب مع منصور، وهما يلبسان خاتمي زواج للتمويه، فصرّح لها الطبيب: إنّك حامل! فاضطربت للخبر في أوّل وهلة، وخافت خوفا شديدا، لاسيّما لأنّ عائلتها ترفض هذا الأمر قطعا، وقد يتجرّأ أخواها على ذبحها حين يعرفان بأمرها، على حدّ قولها! أرادت أن تجهض الطفل، فطمأنها منصور: لا تخافي سنتزوّج. ولكنّه أخذ يؤجل الأمر حتّى بلغت شهرها الخامس. فقالت لها أمّها يوما: ليش عم تنصحي يا رفقا؟! فأجابتها: صحّتي جيّدة يا أمّي، والحمد لله. أمّا منصور فأخذ يتنصّل من الأمر ورفض الزواج منها نهائيّا، فباتت في صدمة عنيفة، لا تعرف كيف تخرج من واقعها الأليم والخطير معا، لأنّها فقدت حبّها الأوّل لمنصور الذي خانها، من جهة، وأمست عرضة للعار وخطر القتل، من جهة ثانية. فتّشت عن حلّ لوضعها لدى أطبّاء كثيرين حتّى رضي أحدهم بإجهاض طفلها بعد إلحاح شديد من قبلها. وباتت تلك الليلة عند جدّتها، وفي اليوم التالي ذهبت إلى عملها في الفرن كالمعتاد، برغم آلامها النفسيّة والجسديّة الشديدة بسبب الانفصال عن منصور وإجهاض طفلها.

- حلّ موقّت

تعرّفت إلى ماري، فشكت لها همّها، دعتها إلى السهر مع الأصحاب، وهناك أهدتها سيجارة حشيشة، وقالت: هذا ينسيك مصابك! فمجّت أوّل سيجارة، ثمّ أتبعتها بثانية وثالثة، فكانت تنسى همومها حتّى ينتهي مفعول السيجارة. وبسبب أسهارها المتواترة، بدأت تتأخّر عن عملها في الصباح، وتختلق أعذارا لها. ذات ليلة، وضع لها أحد الشباب مع البيبسي هيرويين في كبّايتها، فسألته: ما هذا؟ قال لها: اشربي. شربت فأحسّت بنشوة طويلة الأمد لم تعهدها من قبل! فسألها: أليس لذيذا؟ أجابت: نعم. وفي اليوم التالي وضع لها الهيرويين أيضا في الويسكي. فسألته أيضا ما هذا؟ فأجابها: اشربي. فشربت، وتمتّعت بالنشوة ...طويلا. هنا بدأت حياتها بالتغيير، علقت،  وأصبح الهيرويين خبزها اليومي ولا تستطيع الإبتعاد عنه. وكان الشاب قد فعل ذلك ليصطادها، لكي تصطاد هي بدورها الشبّان، ويكثُر بيع الهيرويين فتمتلئ جيوبه!

 

- جحيم الملذّات

وبسبب سهر الليالي، صارت تنام في النهار، وما عادت تذهب إلى العمل. توتّرت علاقتها كثيرا بصاحب العمل، فقدّمت استقالتها. وبسبب مصروفها اليومي الهائل: 100$ ثمن هيرويين، اضطرت لبيع جسدها في سوق الرقيق الأبيض، تاركة الممارسات الدينيّة جانبا، وقد كانت عضوا في جوقة مشهورة، وأسكتت صوت الله في ضميرها، لا بل كانت ترفض رفضا قاطعا سماع أيّة ترتيلة. اعتقدت، في الوهلة الأولى، أنّ هذه هي السعادة، فتنقّلت من لذّة إلى لذّة، ومن نشوة إلى نشوة، فما حصدت إلاّ القلق والتعاسة والحزن والفراغ. ما عادت تثق بأحد ولا تحبّ أحد، ولا تصدقّ أحدا، لمست أنّ لا أحد يحبّها، بل يحبّون ذاتهم إلى جانبها، وفي الصباح يتنكّرون لها، ويتكلّمون بحقّها! فملأ قلبها الكره والكذب والعدائيّة والثورة على الله والناس، هذا بالإضافة إلى أنّها كانت تمارس عبادة للشيطان مع رفاقها، ويحتفلون بالقدّاس الأسود الذي به يستعملون الشمعات المكرّسة للإضاءة والقربانة المكرّسة لإهانة الرب عبر البصق عليها، والسباب، وممارسة الدعارة قربها. قرفت من هذه الحياة، فحاولت الانتحار خمس مرّات! تناولت كميّة كبيرة من المسكّنات دفعة واحدة. عرف أهلها بمرّتين أدخلت فيهما إلى المستشفى وهبط ضغطها إلى الـ6. في أواخر ربيع 2002، بعد سنتين من بداية تعاطيها الهيرويين، اتخذت قرارا بالانتحار النهائي، إنّما بعد أن تتمتّع في الصيف كلّه.

 

- صلاة الأم

في 22 حزيران 2002، علمت والدة رفقا أنّ رفاق ابنتها سيزورون القدّيس شربل، فطلبت منها، أن تضيء رزمة شمع للقدّيس شربل عن نيّة أولادها، وكان حبّ والدتها لا يزال الوحيد في قلبها، وكانت تتردّد أحيانا في القدوم على الانتحار لئلاّ يسبّب ذلك حزنا لوالدتها، وافقت رفقا، ظاهريّا إذ اعتقدت أنّها كذبة من الأكذوبات اليوميّة التي كانت تكذب بها مع رفاقها على والدتها. انطلقوا إلى عنّايا، وفوجئت رفقا عندما رأت صورة القدّيس شربل الكبيرة الموضوعة في الحرش فوق الطريق، فصعقت! شو جايي أعمل أنا هون؟! يا كذّابين! على أساس رايحين نسهر بالكسليك! أجابها الشاب السائق: زيارة بسيطة وبس. فصرخت رفقا: مين مفكّر حالو مار شربل؟ شو عملّي مار شربل؟ بتحكوني شربل شربل شربل! وهنا أومأت بيدها إلى صورة مار شربل ساخرة: ليك ها الصورة ليك! تدخّلت رفيقتها: ليش عم تحكي هيك يا رفقا؟ ما تحكي هيك عن مار شربل! فانفعلت رفقا: طز طز طزّين وتلاتي! ما شفنا حدا راح وخبّرنا شو في بهاك الدني! مينو مار شربل؟ الناس اللي عملو. وينو الله؟ وين العدل؟ (تكلّمت بهذا معيدة بذاكرتها ما صار معها مع منصور وكيف تركها وأجهضت، بالإضافة إلى أنّها كانت فقيرة ولا تستطيع أن تصلح أسنانها، أمّا الآن فتملك مالا كثيرا) انتهى الجدال، ووصلوا إلى المحبسة. طلبوا من رفقا أن تنزل لتصلّي، فرفضت. ألحّوا فقالت: الكنيسي مسكّرا، ما بدّي إنزل. ولكثرة الإلحاح، نزلت فخلعت حذاءها ذا الكعب العالي، حملته بيديها وصارت تدقّ الكعبين ببعضهم، قائلة: طز طز طزّين وتلاتي، فوضع يده رفيقها على فمها وأسكتها. وصلت إلى المحبسة ووضعت رزمة الشمع على بابها، ورفضت إضاءتها، فأضاءت رفيقتها الشمعات. فسخرت رفقا منها قائلة: ضوّيتي الشمعات؟! هه! شو تغيّر؟! فلم تجبها رفيقتها. نزلوا إلى الدير، وكانت الساعة نحو العاشرة ليلا، فما كانت تريد أن تنزل إلى الكنيسة، بل أرادت أن تبقى في السيّارة. ألحّ الرفاق عليها: الكنيسي مفتوحا صلّي وارجعي. كانت تريد أن ترضيهم وتمثّل أمامهم، لتسكتهم.

- محبّة الله

دخلت باب الكنيسة، وقبل أن تنزل الدرج الحجريّ الصغير، لمحت راهبا يدخل من الباب المقابل لها ويهمّ بالنزول على الدرج الموازي. هنا تشهد رفقا، على أعجوبة تبدّلها السريع: لم أعد أرى سوى هذا الراهب! ولم أعد أفكّر بغير الاعتراف! انطلقتُ بسرعة نحوه، وقبل أن يصل إلى كرسي الاعتراف التي في آخر الدرج الذي ينزله، دلّيتُ بيدي اليمنى تكرارا وبسرعة ليجلس الراهب في كرسي الاعتراف. جلس، ركعتُ وانفجرتُ بالبكاء! معترفة بخطيئتي: زانية، ملحدة، أتعاطى المخدّرات. ولمّا سمع الكاهن كلمة مخدّرات، فهم أنّ النصائح لا تنفعني، فذهب بي إلى غرفة الإرشاد في الدير، وعرض عليّ المساعدة في الحال. شكرته، وقلت له: في الغد، وأعطيته عنواني. أحسست بثقل في رأسي وجسمي، أريد النوم، لا السهر. وفي الغد نقلني الكاهن إلى مكان حصلت فيه، والحمد لله، على الشفاء التام. أحببتُ بول وتزوّجتُه، ورزقنا الله أولادا نزرع في قلوبهم الصغيرة بذور القداسة، والحبّ المجّاني الذي أولانيه سيّدي يسوع، وتلميذه شربل، لنكون عائلة مسيحيّة، وخليّة أساسيّة في جسد المسيح.

الآن عرفت معنى الحياة! عرفت طعم الحبّ، أحببت أولادي وأحبّني زوجي! لمست حبّ الله وتأكّدت من أنّه هو يعبدني، لا أنا الذي أعبده! أنا الخروف الضال الذي خرج يفتّش عنّي، وحملني على كتفيه فرحا. شكرا لنعم الله، الأب المجنون بحبّ البشر أبنائه! وختاما إنّي أهدي شهادة حياتي هذه إلى كلّ نفس سارت في طريق الخطيئة وأوصلها الشرّ إلى حائط مسدود، علّها تجد في سيرة حياتي هذه سلاما وفرحا تبحث عنهما، ولن تجدهما إلاّ في قلب المسيح مخلّص العالم.

 

6- لم يكن أمامي سوى البكاء

شهد كلود مسوح: سنة 2002، في فترة دراستي في فرنسا، وأنا أشتغل داخل مختبر الجامعة، أحسست بوجع مؤلم في عيني. ذهبت فورا إلى المستشفى، عالجني الطبيب هناك، وعدت بعدها إلى البيت، وكان في محفظتي قنينة ماء من بيت مار شربل- بقاعكفرا، فتحتها ودهنت عيني بثقة كاملة بأنّي لن أتعرّض لسوء، تحسّنت حالتي في اليوم الثاني والثالث، قلت هذا التحسّن من الدواء، وخاصّة أنّي لم أكن بعد أعلم سبب مشكلة عيني. وبعد إسبوع، عندما لمست التحسّن، وبدأت عيناي بالتفتّح، عدت أكرّر عملي في مختبر الجامعة. وبعد 4 ساعات من العمل، بدأت بإطفاء الآلات والمصابيح الكهربائيّة، فدخل الدكتور وقال لي: كلود، لا تنسى إطفاء مصباح أشعّة الفوق بنفسجيّة (ultra-violet)  قلت له: أين هو؟ فما أخبرني أحدا به؟ فإذا به يشير إلى المكان الذي أعمل فيه، وما تبيّن لي فيما بعد، أنّ هذه الأشعّة كانت تستعمل لقتل الميكروبات، صدمت حين قال لي ذلك وبدأت بالبكاء، وتضايقت جدّا وبالوقت نفسه لا أعلم! كان في داخلي شعور يُلمسني أنّ لا تعطي ذلك من أهمّيّة. خلعت الثوب الأبيض، وأخبرت الدكتور بما جرى! فجنّ جنونه، إذ كيف عملت 4 ساعات تحت الأشعّة الفوق بنفسجيّة؟! طلبت تاكسي، ودخلت المستشفى، وواجهت الطبيب نفسه، وقلت له: تعرضت إلى نفس الألم في عيني، وأضفت على ذلك معلومتي الجديدة: 4 ساعات تحت الأشعّة الفوق بنفسجيّة. لم يصدّق في البدء، فأعطاني لكل عين كيس من المصل، وكنت أنا أعلم خطورة الوضع –فعندما نشاهد كسوف الشمس لثوانٍ نتعرّض للعمى، فكيف 4 ساعات!- وعاد الطبيب وطلب لي فحص لشبكة العين. دخلت غرفة الفحص، ووضعت ذقني على الآلة لينظر هو داخل العين. في هذه الفترة كان الطبيب يهزّ برأسه ويعضّ شفته! سألته أوّلا فلم يجب! ألحّيت، فسألني هو: كيف أتيت إلى هنا!؟ أجبته: لوحدي، وأضفت: يمكنك أن تتكلّم ما تريد فانا لا أخاف! وأتقبّل كل شيء. فقال لي: أكيد أنت لم تأتِ لوحدك إلى هنا! لأنّك لا تبصر! قلت له: كيف!؟ أنا أبصر! أجاب: يوجد بقع سوداء على شبكة العين، وخلايا الشبكة محترقة! في تلك اللحظة لم يكن أمامي أيّ شيء سوى البكاء وبشكل غريب! لم أعلم لماذا هطلت دموعي! أردف الطبيب: إذا بقيت تبصر، راجعني بعد يومين. ذهبت إلى البيت مع الأدوية نفسها، واستعملت المياه نفسها، لأنّي علمت أنّها هي الدواء وليش شيء آخر. بعد أسبوع عدت إلى لبنان، وذهبت فورا إلى طبيب عيون لفحص نظري: فقال جيّدا، أصرّيت ليفحص لي الشبكة قال: جيّدة جدّا. وأردف يقول: لا لزوم لهذا الفحص كلّه!

زرت شربل وشكرته، وبدأت حياتي بالتغيير، صرت أصلّي ومن قلبي، وكانت صلاتي من قبل بالشفاه، ولمست أنّ لحظة صلاة قلب مع الله، أفضل من كلّ ما صلّيته بشفتي وعقلي في مكان آخر! وصرت إذا تركت ليلة بدون صلاة، أشعر بنقص في الفرح، حتّى ولو كنت في أسعد أيّام حياتي أتقبّل التهاني بنجاحاتي! عندما حصل لي هذا التغيير أحسست أنّ الحياة تافهة، وليس مطلوب منّا فقط سوى أن نحلّي حياتنا بحضور الربّ فيها. وهو الذي قال: أنا واقف على الباب أقرع، ممكن أن نفتح له ونستطيع أن لا نفتح له، الحريّة عندنا شيء مهم للغاية. وغالبا نحن يهمّنا الأمور الماديّة، وأنا الآن أراها تافهة.

أصبحت الآن أعلم أنّ ملاكي الحارس هو المسيح، ويظهر لنا من خلال قدّيسيه، وصرت أعتبر مار شربل أكثر من رفيق وصديق وأب، بكل الحلات موجود معي. صرت أشعر بمسؤوليّة تجاه نعمة الشفاء التي نلتها، فالمفروض عليّ أن أخبر الناس مع صنع الربّ إلي والناس يتأثرون جدّا بعظائم الله. فمنذما حدثت معي هذه الأعجوبة ما تعبت من روايتها ولا تعب الناس من السماع، فوجود الله في حياتنا أمر عظيم! وصرت أتردّد إلى عنّايا، ومرّة اشترى صاحبي سيّارة وأراد أن يزوّرها مار شربل، وكنّا سائرين حول نصف الليل، انزلقت فينا السيّارة عند منعطف صعب، فاصطدم بطنها بصخرة كبيرة، كما نشاهد في الأفلام، وانقلبت عدّة مرّات. خرجنا من السيّارة سالمين، نفضنا الغبار فقط، هو خرج من بابي وأنا خرجت من بابه، دون أن نعرف كيف! لم يتحطّم أيّ زجاج في السيّارة رغم عنف الحادث! وقفنا مشدوهين أمام هذا المشهد. أنا شكرت عناية الله على نجاتنا، بينما صديقي قال: آخ راحت السيّارة! أمّا صديقي الآن فبدأ يشعر بعناية الله بعد تفكير وتأمّل بما حدث وكيف نجا من الموت. شكر لله أبينا على كل شيء.

 

7- شربل في الفيليبّين 2005

اتصلت فتاة فيليبينيّة، وهي تعمل خادمة لدى عائلة مسيحيّة لبنانيّة في بيروت، بأمّها في الفليبّين، فبكت والدتها قائلة: سأموت دون أن أراكِ، قد أنهكني المرض وأنا في ايّامي الأخيرة. بكت الفتاة بكثرة لصعوبة سفرها المكلف إلى الفليبّين، وهي فقيرة، وقد وقّعت على عقد عمل لمدّة سنتين، وبالإضافة أنّ الزوجين يعملان وهما بحاجة ماسّة إليها لرعاية طفليهما الصغيرين. وكانت تجهش بالبكاء، وقد ضاقت حيلة الزوجين لتعزيتها. أخيرا دعياها لزيارة القدّيس شربل، فوافقت شاكرة. وصلت إلى عنّايا وجثت ساعتين ونصف على القبر ضارعة وهي تقول: أنت يا قدّيس شربل إرأف بحالتي، واشفِ أمّي! أريد أن أراها قبل أن تموت، وأنت تعرف فقري وعجزي! لا أستطيع الذهاب إليها... وعادت مع العائلة وعينيها محمرّتين من كثرة البكاء!

عندما وصلت إلى بيروت، اتصلت بها أمّها: أشكرك يا ابنتي، لأنّك أرسلتي لي طبيبا من لبنان فأبرأني. أجابتها ابنتها: أنا ما أرسلت أحدا!

بلى! أصرّت الأم، هو قال لي، أنّك أرسلتيه إليّ من لبنان!

هنا فطنت الفتاة فسألت والدتها: ما هو شكله؟ ماذا يرتدي؟

أجابتها الوالدة: يرتدي ثوبا أسودا، ولحيته بيضاء.

صعقت الفتاة: في أيّ ساعة أتاكِ؟

أردفت الوالدة: الساعة الواحدة والربع بعد الظهر. هلّلت الفتاة، وقالت للوالدة:هذا القدّيس شربل، وقد زارك، بعدما ركعت أمامه، وهذه هي الساعة التي كنت أصلّي فيها أمام قبره، كان هو يشفيكِ في الفيليبّين، تمجّد الله في قدّيسيه!

8- شربل جندي للمسيح

روت سوزان العلم: كنتُ نازلة في 22 أذار 2007 إلى الجامعة في الدكوانة، أحسست بالنعس غفيت في الباص. عادة أنزل في المكلس وأنطلق نحو الدكوانة، راح الباص عالدوره وعاد بالاتجاه نحو البقاع، حاول السائق يوعيني يوعيني! ما في حدا! طلعني لعند أهلي، لأن السائق يعرف أهلي، وقال لهم: البنت نايمة ما عم توعا. خاف أهلي وأنزلوني إلى البيت، وحملني أخي. اتصلوا بالطبيب فقال لهم: انقلوها الآن إلى مستشفى خوري في زحلة. وعيت في السيّارة، وسقطت دمعة من عين أختي على خدّي، فقلت لها: لماذا تبكين؟! قالت لي: جرحت رجلي، وما هي تهمّ برفع البنطلون لتريني الجرح، غبت مجدّدا عن الوعي، وسمعت العويل في السيّارة. وصلنا إلى المستشفى، طلب لي الطبيب 24 إبرة كورتيزون أوغتاغون، ثمن الإبرة الواحدة 1000$، وغير موجودة في لبنان. طلبوها من قطر، ويلزم يومين لتصل، فقال الحكيم: بتكون راحت البنت بين إيدينا! وجثا على ركبتيه وقال: يا الله بنت عمرا 17 سنة تروح بين إيدينا! ساعدها يا رب! مش معقول تسمح بهالشغلة! وصل الدواء، وقد دفع ثمن الحقنات جهة سياسيّة.

كانت أمّي تبكي كثيرا يوم خميس الأسرار، تطلّعت بيسوع ومسحت دموعها وقالت له: ما رح إبكي بقا هيدي انت خلقتا وهي بنتي وأنا بحاجة إلها! وإذا بدّك ياها خدا، بس أنا بحاجة لها! ما عاشت حياتا، بعد ما شافت شي بهالدني! وأكملت: تتعذّب قد ما تعذّبت وأكتر! بس نهار القيامة، بدّي ياها تقوم معك! نهار الجمعة العظيمة ارتفعت حرارتي إلى 43، وقفت دقّات قلبي، وعادت من جديد. وفي ليل سبت أحد القيامة الكبير، كنتُ محاطة بأهلي: إخوتي ووالديّ، فقد كان والدي، ولوقت طويل يهزّ لي يدي ويضربني عليها ضربات خفيفة، وأنا غير واعية أبدا، وكانت أمي تقول: الله عايزا بدّو ياها! وفي تمام الساعة الثانية عشرة ليلا وعيت، فرأيت نفسي في غرفة في المستشفى قلت: ماما! بابا! أنا هون، لم يصدّق أهلي ممّا رأوا! اتصلوا بالطبيب، وكان في مؤتمر طبّي في فرنسا، لم يصدّق في البدء فسأل: سوزان العلم، في الغرفة 256 صحّت!؟ قالوا له: نعم وطلبت ملح. قال: إذا طلبت ملح، يعني ما بقا بها شي! كتِّر خيرك يا الله!

بعد ما وعيت قلت: ماما كان في خوري عم بيصللي هون. قالت لي: لا كان في راهبة من بشواة عم بتصللي وبتبرم عا كل المرضى. أصرّيت: كان في خوري بيشبه القدّيس شربل عم بيصللي، وطول وقت اللي انا غايبة فيه عن الوعي، كنت معه في الجنة، مساحة خضراء فيها طيور وجميلة جدّا. أجابتني أمّي: صحيح لأنّك متّي وقمتي! ووقف قلبك وعاد رجع دق!

زرنا مار شربل لنشكره، ووقت القدّاس، صلّيت بكل خشوع، وعند المناولة قال لي الكاهن: شيلي هالحبّة اللي عا شفتك! قلت له: ما في شي! وضعت يدي على شفتي، أحسست بحبّة قاسية، قبعتها فخرج دم من شفتي، وإذ هي حبّة بخور، أخذها الكاهن وقال لي: أنا بدي بخِّر فيها. وبعد القدّاس سألني الكاهن: قلّك شي مار شربل؟ أجبته: قلّي بشِّري فيّي ما في غير ربّ واحد بالدني، هوي يسوع المسيح! والرب التاني ما إلو وجود! ومار شربل هوي جندي للمسيح. وأنا، الأب حنّا اسكندر، قد تعرّفت شخصيّا على سوزان، في سوبرماركت أهلها في بعبدات، ورأيت بنفسي، وفي وقت قصير، كيف خرج من فمها، ترابا وبخورا وشمعا!

 

9- شفاءات في 2008- 2009 (أرشيف عنايا)

- أصيب شربل نصر بكهرباء الرأس، ودخل في الكوما لمدّة شهر وعشرين يومًا.  تعالج في مستشفى أوتيل ديو عند الدكتور ساندرا صباغ. وبعد نقله إلى البيت على الكرسي النقّال، أتت به أمّه إلى دير مار مارون وألبسته ثوب القديس شربل. وبعد رجوعهم إلى البيت وفيما هم يصلّون، وقف يمشي، وأخذت صحّته بالتحسّن تدريجيًّا. 

 

- أصيبت إلهام باسيل بمرض السرطان، طلبت شفاعة مار شربل فاختفى المرض من جسمها.

 

- أصيبت جليلة أحمد وهبه شيعيّة، مواليد 1964، بمرض السرطان في صدرها. فخضعت لعملية جراحية لاستئصال المرض سنة 2006.  وبعد سنة وأربعة أشهر ظهر المرض في العظم فقُرّر لها جلسات على الأشعّة. زارت ضريح القدّيس شربل وطلبت منه الشفاء ووضعت يدها على الحائط وقالت له: لا تنساني. فسمعت صوتًا يقول لها: لحظة. وكان الشفاء.

 

- أصيب سليم الحاج، مواليد 1945، عينطورة، بالتهاب مزمن في أذنه اليسرى وامتدّ لأذنه اليمنى. لازمته الأوجاع مدّة عشرين سنة. أجرى عمليّة في أذنه في مستشفى النقاش على يد الدكتور بيار نوفل. وبعد العمليّة راجعه الالتهاب لمدّة خمس سنوات. زار دير مار مارون ضريح القدّيس شربل وطلب منه بإيمانٍ حارّ أن يشفيه ودهن أذنيه بزيت مار شربل فخرج معافى وذلك في شهر آذار سنة 2008.

 

- أصيبت سيسيليا مرديللي، من حلب، روم كاثوليك، بتشوّه في العامود الفقري وانحنى ظهرها. وفي 31/07/2008 جاءت بها والدتها إلى دير مار مارون-عنايا طالبةً من شربل أن يشفي ابنتها. وعند عودتها إلى الفندق، أحسّت بآلام لا توصف في ظهرها. كان هناك من يعالج فقرات ظهرها بإصبعه خرزة خرزة. وأحسّت ببرودة في يديها ورجليها والأهل قربها لا يقدرون أن يصنعوا لها شيئًا. وبعد ساعة من الأوجاع رقدت في سريرها. وعند الصباح قامت منتصبة لا تشكو من شيء.

 

- أصيبت صوفيا تقلا أب فرساهاسين، من الصومال، مواليد 1968، سكان بيروت، بشلل لجهة الشمال لمدّة سنتين وهي المعيلة لوالدتها. زارت محبسة القدّيس شربل ودهنت رأسها وجسمها بالمياه المقدّسة على مدخل المحبسة، ثمّ بزيت مار شربل وشفيت كليًّا من الشلل النصفي الذي داومها مدّة سنتين.

 

- أصيب أنطوان عبود من كرم سدة، مقيم في كاليفورنيا، مواليد 1936، بمرض السرطان في بطنه. أجرى عمليّتن جراحيّتين فالتهب الجرح وتأزّمت حالته الصحيّة. طُلِب له المعالجة الكيميائيّة فصلّى للقدّيس شربل طالبًا منه أن يعفيه منها. وفيما هو موجود في المستشفى، شاهد القدّيس شربل يدخل غرفة الطبيب. وبعد برهة، يخرج الطبيب ليقول له بأنّ المعالجة الكيميائيّة بعد شهر. وقد تكرّر هذ الحدث مرّتين وأُعفي أنطوان من المعالجة لأنّ في كلّ مرّة كان مار شربل يظهر له ويشفيه.

- وقعت إيفون ميشال، من منيارة، سكان شيكاغو، عن السلّم وأصيبت بكسور في ظهرها. وبعد سنتين على وقوعها شاهدت أناسًا يبنون مزارًا لمار شربل فطلبت صورة صغيرة للقدّيس، أعطتها إمرأة مسنّة صورة قديمة له، فطلبت منه أن يلتفت إليها ويشفيها. بعد الطلب أحسّت أنّ أحدًا يشدّ في رجلها وكتفها وكان الشفاء.

 

- دخل جيمي نجيم في الكوما لمدّة يومين بسبب ضغط القلب. تعالج في مستشفى أوتيل ديو. ظهر له القدّيس شربل وبصلاة الأهل ونذرهم لمار شربل، عاد جيمي إلى الحياة.

 

-أجرت صونيا أبي خليل أربع عمليّات جراحيّة لاستئصال الغدّة في مستشفى السان جورج في عجلتون عند الدكتور خطّار رشوان. ولكنّ الغدّة ظهرت من جديد وقرّر الدكتور إجراء عمليّة خامسة لانتزاعها. يئست صونيا من إجراء العمليّات فالتجأت إلى القدّيس شربل ووضعت قونته على الغدّة. وبينما هي نائمة شاهدت راهبًا يخيط لها رأسها في الحلم، وقال لها "اللي عملّك العمليّة مغلّط، وأنا عملتلّك العمليّة". وعند نهوضها من النوم شاهدت العَمَل على ثيابها وصدرها وآثار لثلاث قطب جراحيّة مكان الغدّة.

 

- أصيبت رشيدة مرهج من قرطبا مواليد 1937، مقيمة في لندن، بألم في كتفها على المخلع، وكانت بحاجة إلى أدوية لمدّة 6 أشهر. فشاهدت على شاشة otv برنامج إيمانك خلّصك، وكان موضوع الحلقة أعجوبة بشفاعة مار شربل. ولمّا ظهر تمثال مار شربل على الشاشة وطلبت من مار شربل شفاءها، فشفيت حالا من أوجاعها.

 

- أصيب بادرو شعّار روزا مواليد 1999 مغترب في البرازيل، بمرض السرطان في الكبد في 5 أماكن وخضع لعمليّتين جراحيّتين. صلّى جدّه لأمّه، اميليو عواد الشعّار، حدث الجبّة، لمار شربل وطلب منه شفاء الصبي، فظهر له مار شربل والقدّيسة رفقا، وتمّ شفاء الصبي.

 

- أصيبت جامي نجار، في سدّ البوشريّة مواليد 2007، وقت ولادتها بثقبين في القلب، واكتشف الأطبّاء الثقبين بعد ولادتها بأربعة أشهر وذلك في مستشفى أوتيل ديو، ليلة عرضت حلقة الأعاجيب مع مار شربل في 6\10\2008، حضر الوالد الحلقة ونذر ابنته لمار شربل، فظهر مار شربل لابنته وأخذت تدل عليه بإصبعها وتقرع صدرها. وبتاريخ 10\10\2008، أنزلها والدها عند الدكتور شرف أبو شرف في مستشفى الروم فتبيّن أنّ الثقبين اختفيا وشفيت الطفلة.

 

- أصيبت ماريّا كشوكي مقيمة في سان فرانسيسكو، مواليد 1968، بسرطان في شباط 2007 في الغدّة اللمفاوية، وبدملة كبيرة في خدّها، عولجت كيميائيّا وهي حبلى في بداية الشهر السادس. اتصلت بوالدتها في لبنان لترسل لها حنجور زيت مار شربل، ولمّا دهنت رقبتها وخدّها بالزيت اختفى المرض من جسمها، وولدت ولادة طبيعيّة.

 

- أصيبت سوزان كرم من الغباطيّة مواليد 1970، بمرض السرطان في الدماغ، في المنطقة السمعيّة البصريّة، في شباط 2008. تعالجت في مستشفى أوتيل ديو وفي مستشفى جبل لبنان، وكانت بحالة الخطر الشديد، وقطع الأطبّاء الأمل بنجاتها. زارت القدّيس شربل وشربت زيته ودهنت رأسها وأكلت ترابا عن قبره ورجعت إلى بيتها وتمّ شفاؤها كلّيّا.

 

- ظهر كيس كبير في مؤخّرة الطفل شربل أبو عيد، من البربارة- زحلة، مقيم في لندن، مواليد 2008، وهو جنين وتمرّ فيه شرايين الرجلين مع الأعصاب، فطلب الأطبّاء من الأهل إجهاض الطفل لأنّه سيولد مشوّها ومشلول الرجلين. فجاءت أمّه من لندن ونامت في السيّارة قبالة تمثال مار شربل طالبة منه خلاص ابنها، وأخذت معها زيتا وبخورا مع شريط ألحان مارونيّة. وعند الولادة طلبت منهم أن يضعوا لها الكاسيت، وطلبت من زوجها عند ولادة الطفل أن يمسحه بزيت مار شربل فورا. وبعد الولادة نقل الطفل إلى مستشفى أخرى لعلاج الكيس فوجد أنّ الكيس ملآن ماء!

 

- أصيبت مادونا كلش، من بطرام، روم أرثوذكس، بالغدّة الدرقيّة وكانت بحاجة لعمليّة جراحيّة لاستئصالها. صلّت لمار شربل فظهر لها في الحلم وقال لها: أنا بدّي إعملّك العمليّة ووضع يده على رأسها والأخرى على الغدّة ولمّا قامت من نومها ظهرت على رقبتها أصابيع مار شربل لمدّة ساعة، ودهنت رقبتها كما قال لها مار شربل. ذهبت باكرا إلى طبيبها الدكتور حسن هرموش في مستشفى الزهراء فتبيّن للدكتور أنّ العمليّة قد أجريت وأنّها شفيت.

 

- ناتاشا أنطوني واتسون، إنكليزيّة مواليد 1984، في الولايات المتحدة الأميركيّة، متزوّجة من جوني عيسى من القبيات. أصيبت في بداية 2006 بمرض تقليص الخلايا، وبعد معالجات طويلة أتت إلى والدتها في لبنان لبيبة واتسون المقيمة في ذوق مكايل التي طلبت منها القدوم إلى لبنان لتزوّرها القدّيس شربل. ولمّا وصلت إلى البيت وقبل زيارتها للقدّيس شربل أسقتها والدتها نقطة دم من مار شربل محتفظة بها في بيتها. ولمّا شربتها أحسّت بآلام مبرحة في جسدها وتشنّجت أعصابها. فأخذ الأقارب والجيران يصلّون لمار شربل طالبين شفاءها، فأحسّت بأنّ شخص ابتدأ يعالجها ابتداء من أصابع رجلها وباقي جسمها حتّى رئتيها وصدرها ورأسها، وبعد ساعة من الأوجاع شفيت من مرضها.

 

- أصيب فادي أبي عبدالله، مواليد 1980، رمحالا الشوف، مقيم في أوستراليا، بالسرطان وهو بعمر 5 سنوات، تملّك المرض فيه، فأعطي 3 أيّام حياة. التجأت والدته صونيا لمار شربل، وطلبت منه شفاء ابنها. وبعد المعالجة شفي ابنها. وقيل لوالدته أنّ ابنها سيكون قزم القامة ومصاب عقليّا، ولا يمكنه، إن تزوّج، إنجاب بنين. وبشفاعة مار شربل أصبح فادي أطول من أبيه، ويعمل في البورصة، وتزوّج وأنجب ولده البكر سمّاه شربل مخلوف.

 

- أصيبت لودي عيد، من سوق الغرب، بداء المفاصل في ركبتيها، وعانت من المرض عدّة سنين. زارت المحبسة برفقة أخيها فؤاد حيث ساعدها في الركوع. وبعد الانتهاء من الزيارة شفيت ركبتاها.

 

- أصيبت بولين صباح، مواليد 1978، مقيمة في المنصف، بسرطان في الدم، وقبل المعالجة زارت القدّيس شربل وأكلت حشيشا عن قبره، واختفى المرض من جسمها.

 

- أصيبت لوسيا حنّا خليفة، مواليد 1938، الحسانية الجنوب، بالسرطان في صدرها ويدها من جراء شظايا أصابتها وقت الحرب، وبعده انتقل المرض إلى معدتها. وبعد الاعتراف وزيارة للقدّيس شربل وتكريس البيت وبعد انتشار المرض في زلاعيمها ظهر لها مار شربل مع فتحي بلدي وقال لها: لا داعي للعمليّة. وبعد ذلك زوّرها ابنها مار شربل، ولبست ثوبه. عملت سنتين جلسات أشعّة في أوتيل ديو والمرض ينتشر في رقبتها، فتقرّر إجراء عمليّة جراحيّة في رقبتها. ظهر لها مار شربل وقال لها: لا تعملي العمليّة قبل أن يجدّدوا الزرع. طلب لها فحصا جديدا، فجاءت نتيجة الزرع خالية من أي مرض. جدّدت الفحوصات لثلاث مرّات وعلى مدى 9 سنوات، وتثبتت من شفائها. وحاليّا بيتها شبه مزار، ينضح الزيت من يدها والصور الموجودة في بيتها.

 

 

 

10- يسوع حيّ (لو 24/6)

قد سُجّل إلى الآن، في سجلاّت دير عنّايا، ما يزيد عن ال13000 أعجوبة شفاء مع تقارير أطبّاء، وبينها علامات دائمة مثل السيّدة نهاد الشامي، والسيّد ريمون ناضر... ما عدا ملايين المعجزات، ولم تسجّل، التي حدثت في لبنان وخارجه. والنقطة المهمّة في عمل الروح أيضا هي التوبة، فيعتبر مزار القدّيس شربل من المزارات العالميّة التي تدفع بالخاطئ نحو التوبة والمصالحة مع الله، وإراحة الضمير... فلا يزال يسوع حيّا يشفي جراحات البشريّة المتألّمة، ويغفر لها خطاياها، التي تسبّب لها الموت المحتّم، ويعطيها الحياة الأبديّة.


 


[1] نادرا ما كان الإنسان يستحم، في عصر شربل... مرّة في السنة، وأحيانا كلّ حياته... في البيت تعيش العائلة في غرفة واحدة... قرب الحمار (سيّارة العائلة) والبقرة والدجاجة (مصدر أكل العائلة) من هنا نفهم لماذا انتشر الطاعون في أوروبا في العصور الوسطى... وسائر الأمراض ...خاصّة الجلديّة... والقمل والصيبان والبقّ حشرات منتشرة في الماشيّة وفي الإنسان عشيرها... بغياب المبيدات الحديثة...

[2] الآباء غليادور وغالان وفرنسيس ماريّا، وكانت منوطة بهم الزيارة الرسوليّة على الرهبانيّة.

[3] من وفاة شربل سنة 1898 إلى شهادة الدكتور شكرالله سنة 1926.

 
 
 
 

pure software code