الاب امليانو ترديف 1928 - 1999. صاحب هبة الروح القدس، النطق باللغات.
 
 
الاب ترديف يصاب بالسل الرئوي

سنة 1973 كنت في الجمهورية الدومينيكية (Rép. Dominicaine) مدبرًا روحيًا لجمعيتي: أخوة القلب الأقدس المرسلين
 (Congrégation missionnaire du sacré Coeur) . عملت كثيرا في هذه البلاد, وعلى حساب صحتي, طوال السنوات الست عشرة من مهمتي. وكنت أصرف أوقاتًا طويلة في أمور مادية زمنية, كبناء المعابد ودور التنشئة والتعليم للكهنة, والتنمية الإنسانيّة والتعليم المسيحي الخ... وأسعى دوما وراء المال لتشييد البيوت وإطعام طلابنا في الكهنوت.

اتاح لي الرب أن أقوم بكل هذا النشاط , ولكن بسبب الإفراط في العمل مرضت. في 14 حزيران يونيو من تلك السنة 1973, اثناء انعقاد اجتماع حركة العيال المسيحية (Familles Crhétienne) شعرت بضعب شديد. فنقلت في الحال الى المركز الوطني للطبابة (Cente Medical National) وأنا أعاني أوجاعًا مبرحة جعلتني أتصور أنني لن اجتاز تلك الليلة. لقد شعرت بالفعل بأنني سوف أموت في وقت قريب. وكم كنت قد تأملت الموت وألقيت عظات فيه! لكنني لم أذقه. وفي ذلك الوقت, اخترته ولم أحبّه.

أجرى لي الأطباء فحوصات دقيقة جدًا, وتبين أنني أعاني من سل رئوي حاد. عندما علمت بأنني مريض لهذه الدرجة فكرت بالعودة الى بلدي "كيبيك" (Québec) في كندا, حيث ولدت وحيث تعيش عائلتي. ولكن لم اكن أقوى على ذلك, نظرا لضعفي الشديد, واضطررت إلى الانتظار خمسة عشر يومًا والى الخضوع لعلاج ولتناول مقويات, علني أتمكن من السفر.

في كندا, أدخلت مركز طبابة متخصصة, حيث أعاد الأطباء معاينتي للتثبت من طبيعة مرضي. مرّ شهر تموز (يوليو) في التحاليل والزرع والأشعة الخ ... وكل ذلك أكّد علميا أن السل الرئوي قد سبّب لي جروحا في الرئتين, فقيل لي, على سبيل التشجيع, أنه يمكنني العودة إلى بيتي , بعد سنة علاج وراحة.

في يوم من الأيام, تلقيت زيارتين خاصتين جدا: في الأولى جاءني كاهن يدير مجلة "سيدتنا" (notre Damme) واستأذنني بأخذ صورة لى لينشرها في مقال بعنوان "كيف يعيش الانسان مع مرضه".

وما أن برح حتى دخل خمسة علمانيين من جماعة صلاة " للتجدد المواهبي" (nouveau charismatiquere)  وكم كنت قد هزئت من "التجدد" وأنا في الجمهورية الدومينيكية مؤكدا أن أميركا اللاتينية لم تكن بحاجة إلى "موهبة اللغات" -
(Don des Langues) بل إلى التنمية الإنسانية. وها إن جماعة التجدد يأتون ليصلوا بكرم وسخاء من أجلي. ويصلون لأمرين: حتى أقبل الرض وحتى أستعيد العافية. بصفتي كاهنا مرسلاً, فكرت في أنه لا يليق بي أن أرفض صلاتهم, وتقبلتها من باب التهذيب أكثر من مما هو من باب القناعة.

ولم أكن أعتقد بأن صلاة بسيطة يمكنها أن تؤتي الصحة.

أما هم قفالوا لي بكثير من الإقتناء:

- سنعمل ما قاله الإنجيل: يضعون ايديهم على المرضى فيشفون" (مرقس 18/16) وهكذا نحن سنصلي والرب سيشفيك".

في الحال , اقتربو مني ووضعوا أيديهم على , وانا جالس على الكرسي. لم يطب لي الأمر, وما سبق لي أن رأيت شيئا مثيلا. كنت أشعر بأنني موضع سخرية تحت أيديهم, وأزعجتني أنظار المارين في الممشى وهو يشاهدوننا من الباب المفتوح.

حينئذ قاطعت الصلاة وقلت:

- "اذا سمحتم, سنقفل الباب".

-"طبعاً, يا أبت, ولم لا؟"

أقفلوا الباب, ولكن يسوع كان قد دخل. أثناء الصلاة, شعرت بحرارة قوية في الرئتين, فاعتقدت بأنها نوبة سل جديدة وبأنني أشارف على الموت, لكنها كانت حرارة يسوع تلمسني وتشفي رئتي المريضتين. وسمعت من أحد المصلين نبؤة يقول لي الرب فيها: "سأصنع منك شاهدا لحبّي". أجل كان يسوع الحي يعطي الحياة, ليس لرئتي فقط, بل لكهنوتي ولكياني بكليته.

بعد ثلاثة أو أربعة أيام إستعدت كامل قواي فرحت آكل بشهية وأنام نوما هانئا ولم أعد أشعر بأي وجع. أما الأطباء فكانوا على استعداد لمباشرة العلاج فورا, غير أنهم لم يجدوا دواء يناسب المرض الذي شخصوه. فأحضروا أبرا خاصة معدة لأجسام غير طبيعية وحقنوني بها لكنها لم تؤت نتيجة.

كنت أشعر بأنني مرتاح فطلبت العودة إلى البيت. ولكنني أجبرت على البقاء في المستشفى حتى يستمر الأطباء في البحث عن السل الذي أفلت من أيديهم.

في آخر الشهر, وبعد عدة تحاليل, قال لي الطبيب المشرف:

-" أبت, عد الى بيتك. لقد شفيت تماما ولكن بصورة مخالفة لكل نظرياتنا الطبية. لا نعرف ماذا جرى". ثم رفع كتفيه قائلا:

-" أبت أنت حالة فريدة في هذا المستشفى".

- أجبته ضاحكا:"وهكذا يعتبرني أخوة رهبانيتي".

خرجت من المستشفى بدون وصفة طبيب فلا أدوية ولا إبر. وعدت إلى البيت هزيلا أزن 50 كيلوغراما. فالمستشفى , الذي كان عليه أن يشفيني من السل, أماتني جوعا.

بعد خمسة عشر يوما, صدر العدد الثامن من مجلة "سيدتنا" ((Notre Dame وفي الصفحة الخامسة منها, صورة لي وأنا في المستشفى حزين ساه فوق كرسي, وأنابيب المصل, عالقة بجسمي.

وفي أسفل الصورة طبعت هذه العبارة:"على المريض أن يتعلم كيف يعيش مع مرضه وأن يألف التلميحات المبطنة والأسئلة الحشريّة... وتغير نظرة أصدقائه إليه". غين أن شفائي أبطل كل ما جاء في مجلتهم بشأني. لقد شفاني الرب. طبعا كان إيماني ضعيفا جدا, بقدر حبة خردل, لكن الله الكبير لم يأخذ صغري بعين الإعتبار. هكذا هو إلهنا. ولو كان مرتهناً لنا لما كان إلهًا.

شفائي هذا كان الدرس الأساسي الذي تعلمته في جسدي لأمارس بعده خدمة الشفاء: الرب يشفينا بما لنا من إيمان به, ولا يطلب منًا أكثر من إيماننا هذا ليشفينا. وهو يطلب منّا قدر إستطاعتنا وما لدينا فقط.

في الخامس عشر من أيلول (سبتمبر) حضرت أول إجتماع في حياتي للصلاة الجماعية " المواهبية" (charismatique). لم أكن أعرف ما هي, ولكنني ذهبت لأنني شفيت ولأن الأشخاص الذين صلوا من أجلي طلبوا مني أن أشهد لشفائي في ذلك الإجتماع.

وفي هذا الشهر, كنت قد بدأت أستعيد نشاطي, فكتبت إلى رئيسي أستأذن بالإنصراف لدراسة "التجدد المواهبي بالروح القدس" في كندا والولايات المتحدة طوال هذه السنة, التي كان مفروضا علي أن أقضيها في المستشفى. فأذن لي. تجولت في أهم المراكز في "كيبيك" québec"بيتسبورغ" pittsburg"نوتردام" Notre dame وفي "أريزونا" arizona

أتذكر يوما كنت في "لوس أنجلس" los angeles أقدم الذبيحة الإلهية مع إبنة أخي وصديق. بعد قراءة الإنجيل بالفرنسية هممت بشرحه ولكن, حدث شيء عجيب جداً: شعرت بأن خديّ قد تخدرا وبدأت أقول كلمات لا أعرفها. لم تكن الكلمات فرنسية ولا انكليزية ولا إسبانية. وعندما توقفت شهقت بإعجاب:

- " أهذه هي هبة النطق "باللغات"؟

- " هذه هي تماما, يا عمي, أجابت إبنة أخي. كنت تتكلم "باللغات".

فيما مضى سخرت كثيرا من "هبة النطق باللغات" ولكن الرب منحني إياها عندما بدأت الوعظ. وهكذا إكتشفت جمال هبة الله هذه. 

 
 
© pure software code