القديس سمعان العامودي 459-384

العامودي، الرهبنة العمودية، كنيسة قلعة  سمعان

 

 

 
 
القديس سمعان (العامودي)

1 ايلول تذكار القديس سمعان (العامودي)


 

1- نداء الى ايمان القارىء

جميع رعايا الامبراطورية الرومانية، يعرفون سمعان الشهير، عجب عجاب المسكونة. وهو مشهور بعد عند الفرس والماديين والأحباش، وقد بلغت شهرته البدو في "شيتيا" ليعلّمهم تعشّقه للتوبة وللحكمة. أما أنا، وقد شهد لي جميع الناس على جهاده الذي يفوق الوصف، فاني أخشى الحديث عنه، خوفًا من أن يظهر للناس في المستقبل، وكأنه أسطورة عارية عن الصحة. فهناك ما يفوق الطبيعة البشرية. ان الناس يحكمون عادة على ما يروى لهم من وقائع، حكمًا يعتمد على الطبيعة. فإذا روينا رواية تجاوز حدود الطبيعة، اعتبرها تلفيقًا كلُّ الذين لم يتدربوا في الأمور الإلهية. وبما أن الأرض والبحار تعجُّ بالمؤمنين المدرّبين بالأمور الإلهية، والعارفين نعمة الروح القدس، وهم لن يشكّوا بكلامي، بل يمحضونه ثقتهم، فاني سأروي قصتي عن طيبة خاطر ورباطة جأش. واستهلّ حديثي انطلاقًا ممّا خصّ الله به سمعان من دعاءٍ علوي.

 

2- أصل سمعان ودعوته

ولد سمعان في بلدة سيزا، التي تقع على حدود بلادنا، وحدود بلاد القيليقيين. تعلّم من أهله، أولا، ان يرعى القطعان، فتشبّه بالرجال العظام: يعقوب البطريرك، ويوسف العفيف، وموسى المشترع، وداود الملك النبي، وميخا النبي،والرجال الملهمين، الذين اقتدوا بهم. ففي ذات يوم، ثلجت السماء ثلجًا كثيرًا، فاضطرّت النعاج الى البقاء في الحظيرة. فأفاد سمعان من وقت الراحة هذا، فانقلب مع أهله الى المعبد الإلهي. لقد سمعت فمه الطاهر يروي هذه القصّة، فيقول أنه سمع كلمة الانجيل التي تعلن ان طوبى للباكين والحزانى، وويل للضاحكين. وان النقية قلوبهم هم محسدة (متى 5:5). ثم سأل أحد الحاضرين، ماذا عليه أن يفعل، للحصول على هذه التطويبات، فأوحى له بحياة النسك. وجعله يتبيّن سموّ الحكمة.

3- حلم نبوي

أخبرني انه بعد ان اقتبل بذور الكلمة الإلهية، وطمرها  في أثلام نفسه العميقة، أسرع الى مزار الشهداء القديسين، في الجوار. هناك، جثا على ركبتيه، وجبينه الى الأرض، وطلب الى الذي يشاء أن يخلّص جميع البشر، أن يهديه سواء السبيل الى التقوى. ولما كان قد قضى وقتًا طوبلاً على هذه الحال، استغرق في نوم عذب، ورأى في الحلم رؤيا. قال:"بدا لي اني أحفر اساسات، فسمعت شخصًا واقفًا هنا، يقول لي: أن عمِّق الحفرة بعد. فحفرت، على أمره، ثم عدت وحاولت التوقف، لكنه، هذه المرة أيضًا، أمرني أن أحفر  ألا أتراخى في عملي. وبعد أن جدّد لي الأمر هذا، ثلاثًا وأربعًان انتهى الى القول: ان العمق أصبح كافيًا. وأمرني بأن أبني من الآن وصاعدًا، بلا عناء. لأنه، وقد زال كل تعب، يتم البناء بدون جهد". ان الوقائع تثبت صحة هذه النبؤة، لأن هناك أمورًا تفوق الطبيعة.

4- من المنسك الى دير "تالادا"

نهض من هناك، وقصد خلوة للرهبان في الجوار. وبعد أن قضى سنتين برفقتهم، وهام بمزيد من الفضيلة، عاد الى بلدة "تالادا" المذكورة آنفًا، وبالقرب منها أقام الرجلان الإلاهيان العظيمان، أميانوس وحوشب، مقرًا نسكيًا لهما، ولكن سمعان الملهم، لم يأت الى هذا المكان، بل الى مكان آخر، هو فرع منه حيث ابتنى ايزبوناس وابيبيون، دير الحكمة هذا، بعد أن نفعهما نفعًا جزيلاً، تعليم حوشب العظيم. ولأنهما تحليا، مدى الحياة، بالمشاعر والسجايا ذاتها، ولأنهما، وهما في جسدين، لم يظهرا إلا روحًا واحدة، اكتسبا أصدقاءً كُثُرًا، هاموا بنمط حياتهما ولما غادرا هذه الحياة بالمجد، كلّف هيليودور العجيب، ارشاد رفاقه. كان هذا قد عاش خمسًا وستين سنة، قضى منها اثنتين وستين سنة حبيسًا في صومعة. لأنه بعد أن عاله والداه ثلاث سنوات، انضمَّ الى هذا القطيع، ولمّا يرَمّما في العالم شيئًا. وكان يصرح أنه لا يعرف شكل الخنازير والديوك وغيرها من الحيوانات. وقد أسعدني الحظ أن أراه مرارًا، فأعجبتني بساطة طبعه، وأدهشتني، كل الدهش، طهارة نفسه.

5- مآثر سمعان وابعاده عن "تالادا"

عندما وصل الى هيليودور، قضى، بطل التقوى هذا سمعان، عشر سنوات في الجهاد. وكان معه في نضاله ثمانون رفيقًا، وهو يفوقهم جميعًا. وبينما جميعهم يتناولون طعامهم مرة كل ثلاثة أيام، كان هو يمكث طوال الأسبوع دون طعام. وكان الرؤساء يرون أن هذا التصرف لا يطاق، ولم يكفوا عن اعلان الحرب عليه، معتبرين تصرفاته فوضوية. فما أقنعوه بحججهم وما تمكّنوا من أن يخفّفوا من حماسه. وقد سمعت الرئيس الحالي لهذا القطيع يروي، ان سمعان أخذ، ذات يوم، حبلاً من ألياف النخيل – وهي خشنة اللمس – فزنّر غيه خصره، لا على ثيابه، بل على بدنه، وشدّه بقوّة، فرضّ ما لامسه من الجسم. ولما كان قد مضى عليه أكثر من عشرة ايام في هذا الوضع، وصار الجرح الخطير يقطر دمًا، انتبه للأمر أحدهم، فسأله لماذا ينزف؟ فأجاب بأنه ليس هناك ما يشغل البال. غبر أن رفيقه في الجهاد، أدخل يده تحت ثوب سمعان، وتبيّن سبب النزف وكشفه لرئيسه. فأسرع هذا، من فوره، وفك الحزام بكل جهد، وهو يوبّخه، وينصحه، ويندّد بما في التصرف من قساوة. ولكنه، على هذا، لم يتمكن من اقناعه بمعالجة الجرح، ببعض الدواء. ولما رأوه يمارس أعمالاً باهرة أخرى، توسلوا اليه أن يغادر هذا المقر، خوفًا من أن يصبح سبب هلاك للذين يحاولون، وهم أضعف بنية، أن يتنافسوا معه.

6- سمعان غي حوض ماء

فارتحل لسبيله، وبلغ الجبل المقفر، فوجد حوضًا جافًا، وقليل العمق، فنول فيه.. وكان يقدّم الى للرب نشيد التسابيح. وبعد انقضاء خمسة ايام، عاد رؤساء المقر الى نفوسهم، وأرسلوا أخوين، وأمروهما بأن يبحثا عنه، ويردّاه الى حيث كان. فبعد أن جابا الجبل، ولم يجداه، سألا رعاة يرعون قطعانهم: هل رأيتم احدًا لون بشرته كذا، وثوبه كذا. وبعدما دلهما الرعاة على الحوض، أخذا يصرخان بأعلى صوتهما، ثم أحضرا حبلاً وأصعداه، بعد عناء كبير. فالصعود من الحوض ليس سهلاً مثل النزول اليه.

7- محبسة في "تيلانيسوس"

بعد أن قضى بعض الوقت عند هؤلاء الرهبان، اتجه الى بلدة "تيلانيسوس"، الواقعة في سفح القمة، حيث يقيم حاليًّا. فوجد هناك بيتًا صغيرًا، فاحتبس فيه ثلاث سنوات. ولما كان لا ينفك يطمح الى ازدياد كنز فضيلتهن خطر بباله ان يمكث أربعين يومًا دون طعام، مثل موسى وايليا، ذينك الرجلين الالهيين (خر: 18:24). حاول في ذلك الوقت، أن يقنع "باسوس" العجيب. وهو يتجول في القرى، يزور كهنتها، أن لا يُبقي عنده على شيء وأن يسد بابه بالطين. ولما كان "باسوس" يبيّن له ما في الأمر من مشقة، وينصحه بأن لا يعتبر الانتحار فضيلة، لأنه أعظم الجرائم وأولها، قال له سمعان:"حسنًا يا أبتِ، ضع لي جانبًا عشرة أرغفة وابريق ماء، استعملها اذا تبيّنت في جسمي حاجة الى طعام". فكان له ما أراد. وضع له الطعام، وسد الباب بالطين. وفي نهاية الأربعين يومًا، وصل رجل الله العجيب "باسوس". وعندما نزع الطين ودخل الباب، عدّ الخبزات فإذا هي عشر، وهزّ الابريق فإذا هو ملآن بعد. وسمعان منهار، لا نفس ولا صوت ولا حركة. فاستحضر "باسوس" اسفنجة ليبلل فمه ويغسله. وناوله رموز الأسرار الالهية. فتشدّد ونهض وحده، وتناول بعض الطعام، خسًا برّيًا وهندباء وبعض الخضار كان يمضغها لقمًا صغيرة، ويمرّرها الى معدته.

8- ابتعاد عن الموضوع: دير "باسوس"

رجع "باسوس" العظيم الى قطيعه، وقد بلغ من الدهشة ذروتها، فروى لهم هذه المعجزة الكبرى. كان يهتم بمئتي أخٍ، لا يأذن لهم بأن يقتنوا لا دوابًا ولا رحىً، ولا أن يقتلبوا ذهبًا، إذا قدِّمَ لهم، ولا أن يتعدّوا الباب، سواء لشراء الحاجات الضرورية، أو للذهاب لرؤية أحد من معارفهم. لكنه كان يأمرهم أن يمكثوا في الداخل، وأن ينتظروا ما ترسله اليهم النعمة الإلهية من طعام. هذا هو النظام الذي يعتمده الأخوة، حتى اليوم. ورغم أنه قد كثر عددهم، فانهم لم يخالفوا ما أمروا به.

9- سمعان يصوم الصوم الكبير

يجب أن أعود الى سمعان العظيم.

فمنذ ذلك الحين، حتى اليوم – وقد انقضى ثمان وعشرون سنة – ما زال يمكث دون طعام، في الأربعين يومًا: فالزمن، والتمرين، قد خفّفا عليه من العناء قسطًا كبيرًا. فقد تعوّد أن يلبث واقفًا، في الأيام الأولى، وأن يرنّم تسابيح الله. وعندما لم يعد في جسده من القوة ما يخوّله أن يستمر واقفًا، بسبب تقشّفه، أصبح يتمّ الطقس الإلهي، وهو جالس. وفي الأيام الأخيرة من صومه، كان يتمدّد. ولأن قواه قد خارت، وانطفأت رويدًا رويدًا، اضطر أن يبقى نائمًا، نصف ميّت. ولكنه عندما أقام على العامود، وراح يرفض النزول عنه، استنبط طريقة أخرى، ليظلّ واقفًا، فربط جسرًا بالعامود، وربط نفسه بحبال بالجسر، وقضى أربعين يومًا على هذه الحال. ثم أنه، فيما بعد،وقد خصّه العلي بنعمة أوفر، لم تعد به حاجة الى هذه المساعدة، بل ظلّ واقفًا طوال الأربعين يومًا، دون طعام، مستمدًا قوته من شجاعته، ومن النعمة الإلهية.

10-  مهب الريح، على الجبل المقدّس

بعد أن قضى ثلاث سنوات في البيت الصغير، كما ذكرت سابقًا، أتى ليشغل هذه القمة الشهيرة، وابتنى له فيها حائطًا لتصوينة مستديرة. وبعد أن استحصل على سلسلة من الحديد، طولها عشرون ذراعًا، وثبَّت أحد طرفيها في حجر كبير جدًا، والطرف الثاني في رجله اليمنى، بحيث يتعذر عليه تجاوز هذه الحدود، حتى لو رغب في ذلك. قضى كل وقته في الداخل، لا يبرح يتمثل السماء، ويجهد في تأمل روعة السماوي. فسلاسل الحديد لا تمنع تحليق الفكر. ولكن، عندما كلّف، في ذلك الوقت، ميلاس العجيب، زيارة ناحية انطاكية، وهو رجل متزن، حاد الذكاء، فطن، وأعلن أن لا ضرورة لسلاسل الحديد، فالضمير وحده قادرعلى أن يقيّد الجسد برباط روحي، خضع سمعان وامتثل النصيحة، واستحضروا له حدادًا، وأمره بأن يفك السلسلة. ولكن، بما أنه كان قد وضع جلدًا على جنبه، ليمنع الحديد من أن يجرح الجسم، وكان لا بدّ من تمزيقه، لأنه كان قد خاط طرفيه، شوهدت، على ما يقال، حوالي عشرين بقة كبيرة، مختبئة في هذا الجلد. وهذا أيضًا ما أكّد ميلاس العجيب انه رآه بذاته. أما أنا فقد ذكرت هذا لأبرهن، من خلاله أيضًا، على شديد التجلّد عند هذا الرجل. ومع انه كان بإمكانه أن يقرص الجلد، فيقتل جميع البق، فلم يفعل. بل كان يتحمّل بشجاعة وخزها المؤلم، مفتشًا، من خلال الأعمال الوضيعة، على التمرس بأعمال الجهاد الرفيعة.

11- شهرة سمعان

ذاعت شهرته في كل مكان، فتوافد عليه الجميع. لا أهل الجوار فحسب، بل والبعيدون مسافة ايام ايضًا: بعضهم يجيئه بالأشلاء، وبعضهم يطلب الصحة للمرضى، وغيرهم يستنصرون به ليرزقوا ولدًا. وكل ما لا تمكنهم الطبيعة من الحصول عليه بشفاعته، ومتى حصلوا  على طلبهم، واستجيبت صلواتهم، كانوا يعودون من عنده فرحين. وبينا هم يعلنون ما حصلوا عليه من نعم، كان يتدفق عليه الناس في الطلب ذاته، فيفدون عليه من كل مكان، فيصبح كل طريق وكأنه نهر يمشي، فيتكون حوله بحر من الناس، تصب فيه الأنهر الجارية من كل الجهات. والمتدفقون ليسوا  من سكان امبراطوريتنا فقط، بل هناك أيضًا: الاسماعيليون، والفرس، والأرمن الخاضعون لهم، والايبريون، والحميريون، وسائر الشعوب الذين في الداخل. ويأتي كثيرون من سكان الغرب الأقصى: من اسبان، وبريتونيين، وغاليين يقيمون في ما بين الاثنين. أما الايطاليون، فمن الفضول أن نتحدث عنهم، لأن سمعان أصبح له من الشهرة في روما الكبرى، ما حمل السكان على اقامة تماثيل له على مداخل الحوانيت، ليضمنوا لهم نوعًا من السلام والحماية.

12- سمعان العامودي

كان الزوار اذًا، يتدفقون بأعداد لا تحصى، ويحاول كل منهم أن يلمسه، ويجني بركة ما من لمس معاطفه الشهيرة، التي من جلد. في أول الأمر، رأى أن هذه المبالغة في تكريمه، هي في غير محلّها، وان الأمر يسبّب له ارهاقًا لا يحتمل، ففكّر في الاقامة واقفًا على عامود، أمر بنحته عاليًا عشرة أذرع أولاً، ثم اثني عشر ذراعًا، وبعد ذلك اثنين وعشرين، والآن اثنين وثلاثين. لأنه يصبو الى التحليق في السماء، ومغادرة المسكن الأرضي.

من جهتي، لا أعتقد أن هذا الوضع حصل من دون تدبير خاص من الله. هذا ما حداني على أن أدعو الناقدين الى أن يلجموا لسانهم، فلا يدعونه ينطلق بدون رقابة، وان يعتبروا، ان الربّ ابتكر مثل هذه الأعمال، لخير الناس المستهترين. فقد أوحى لأشعيا، مثلاً، بأن يمشي عريانًا حافيًا. ولأرميا، بأن يشدّ حقويه، ويعلن النبوءة للجاحدين. وأمره مرة أخرى، أن يضع، حول عنقه، طوقًا من خشب، ثم من حديد. ولهوشع، أن يتخذ امرأة زنىً، وان يحب امرأة محبوبة لخليل، وهي فاسقة. ولحزقيال، أن يضطجع أربعين يومًا على جنبه الأيمن، وماية وخمسين يومًا على جنبه الأيسر، ثم ان ينقب الحائط ويخرج منه هاربًا، وان يتظاهر بمظهر سجين. وأمر، مرة أخرى، أن يأخذ سيفًا ماضيًا، ويحلق به شعر رأسه، ثم يقسم شعره الى أربعة أقسام، وأن يعطي البعض الى هذا، والبعض الآخر الى ذاك، ولا أعدد كل شيء. فسيّد الكون، لعمري، كان يرسم هذه الحركات، ليجمع، بما في الأمر من مظهر مستغرب، أولئك الذين لا يؤمنون بالكلمة، ويرفضون الاصغاء الى النبوءة، ويهيئهم لسماع كلمة الله. فَمَن، ترى، لا ينذهل، اذا ما شاهد رجلاً فاضلاً يتنزّه عاريًا؟ ومن لا يودّ أن يعرف سبب هذه الظاهرة؟ ومن لا يسأل، كيف يرضى النبي أن يساكن عاهرة؟ وهكذا، كما أن إله الكون، كان يرسم كل حركة من هذه الحركات، متوخيًا مساعدة اولئك الذين يعيشون في اللامبالاة، هكذا أوجد هذا المشهد الجديد والمستغرب، ليجذب، بغرابته، جميع الناس، فيأتون اليه، ويقبلون ما يوجهه اليهم من ارشاد. ولأن في طرافة المشهد ضمانة كافية للعقيدة، فالذي يحضر ليرى المشهد، يعود وقد تثقف بالأمور الإلهية. وكما أن الذين قيّض لهم أن يحكموا الناس، يبدلون، بطريقة دورية، الرسوم المنقوشة على عملاتهم، فيحفرون تارة رسوم أسود، وطورًا رسوم كواكب وانتصارات، ومرات أخرى، يحاولون تعديل قيمة القطعة الذهبية، بغرابة الشكل المحفور، هكذا، فإن ملك الكون السامي، وهو يُلبس التقوى، ضروبًا من العيش جديدة، ومن الإلهامات المتنوعة، وكأنها بعض النقوش، فإنه يحثّ على المديح، ليس فقط لسان الرضع في الايمان، بل وألسنة مرضى الكفر.

13- حج وارتدادات

ان ما يشهد على أن الأمور تنحو هذا المنحى، ليس من باب التأويل، بل هي وقائع صارخة. فعشرات الألوف من الاسماعيليين، مثلاً، وقد استعبدتهم ظلمات الإلحاد، هداهم الى النور الوقوفُ على العامود.

والحال، ان هذا السراج المضيء، وهو كأنه على المنارة، نشر في كل الجهات نوره مثل الشمس. ويرى هناك، كما قلت، ايبيريون، وأرمن، وفرس، يفدون الى المكان، ويقتبلون العماد المقدس. أما الاسماعيليون الوافدون زرافات، مائتين أو ثلاثمائة، وألفًا أحيانًا، فانهم يكفرون بأعلى أصواتهم بضلال أجدادهم، ويحطّمون، أمام هذه المنارة العظيمة، أوثانًا كان آباؤهم يعبدونها، ويقلعون عن "دعارة" افروديت – لأنهم منذ أمد طويل، كانوا قد تعبّدوا لهذا الشيطان – ويشتركون في الأسرار الإلهية، ويقتبلون الشرائع من هذا الفم المقدّس، ويودعون الى الأبد عادات آبائهم، ويمتنعون عن أكل لحم الحمار الوحشي والجمل.

14- خصومات حول العامود

هؤلاء الناس، رأيتهم بأم العين، وسمعتهم يقلعون عن كفر توارثوه عن أجدادهم، ويقتنعون تعليم الانجيل. وقد تعرضت مرة لخطر كبير. فسمعان ذاته، كان قد أمرهم بأن يدنوا مني، ويطلبوا البركة الكهنوتية. وهو يقول لهم، بأنهم سيحصلون منها على فائدة جُلّى. فانقضّوا علي انقضاضًا بربريًا، وشدّوني، بعضهم من أمام، وبعضهم من وراء، وبعضهم من الجانبين. بينما الأباعد كانوا يريدون أن يمرّوا قبل الآخرين، فراحوا يمدّون أيديهم، هؤلاء يشدون لحيتي، واولئك يمسكون بثيابي. فكدت أختنق تحت وطأة هجومهم العنيف، لو لم يرتفع صراخ سمعان ليشتتهم جميعًا. هذا هو الخير فجّره هذا العامود، سخرة الساخرين، وهذا هو شعاع المعرفة الالهية، الذي أنزله على عقول البرابرة.

15- اني أعرف قصة تشبه هذه، حدثت مع هؤلاء البرابرة

مرة أخرى، كانت قد طلبت قبيلة، الى الرجل الإلهي، أن يقدم صلاة وبركة لزعيمها. الأن قبيلة أخرى، كانت هناك ، اعترضت قائلة: انه يجب توجيه البركة لا الى هذا الزعيم، بل الى زعيمها. لأن زعيمها بريء، بينما الآخر ظالم جائر. فإذا بينهم مماحكة، ثم خصومة. ومن شأن البرابرة أن يفعلوا هذا. وفي نهاية الأمر، هاجم بعضهم بعضًا. فطلبت أنا اليهم، بكثير من التوسّل، أن يهدأوا، لأن لدى رجل الله من البركة ما  يكفي كلاً من الزعيمين. الا أن بعضهم ظل يردد: انه يجب الا يحصل الثاني على البركة. والآخرون أيضًا، حاولوا أن يحرموا الأول منها، فهدّدهم من أعلى عاموده وتمكّن بصعوبة كبرى من ايقاف شجارهم. وقد رويت هذه الحادثة لأبرهن عن روح الايمان عندهم. لأنهم لولا اعتقادهم بأن لبركة الرجل الملهم قدرة عظيمة، لما تعاملوا تعامل مجانين.

16- معجزات: شفاء زعيم قبيلة

اني شهدت في غير مناسبة، معجزة خارقة. فقد دخل رجل ما، وهو زعيم قبيلة من الساراسيين، وتوسل الى الوجه المقدّس، أن يسعف رجلاً أصابه الشلل وهو في الطريق، قال: انتابه هذا الألم وهو في كلينيكوس، وهي قلعة بالغة الأهمية. وعندما أحضروه، أمام جميع الناس، أمره سمعان بأن ينكر كفر آبائه، فوافق عن طيبة خاطر، وخضع خضوعًا تامًا للأمر. فسأله القديس، هل يؤمن بالآب والابن والروح القدس، فاعترف هذا بأنه يؤمن، فقال له سمعان: "بما أنك تؤمن بهذه الأسماء الإلهية، فانهض". ولما وقف، أمره بأن يحمل، على كتفيه، زعيم القبيلة، حتى خيمته. وكان  هذا الزعيم طويل القامة، فحمله، من فوره، وانصرف. بينما الحاضرون كانوا يلهجون بالتسبيح لله.

  17- يسوع يعمل بواسطة سمعان

أعطى سمعان هذا الأمر، مقتديًا بالمعلّم، الذي أمر المخلع بأن يحمل سريره (متى6:9). ولا يقولنّ أحد أن هذا الاقتداء هو اغتصاب للسلطة.لأن المعلّم قال:"من آمن بي يعمل هو أيضًا الأعمال التي أعملها، بل يعمل أعظم منها" (يو 12:14). والحال اننا قد رأينا نحن انجاز هذا الوعد، لأن ظلّ المسيح لم يحدث معجزات، أما ظلّ بطرس فكسر شوكة الموت، وطرد الأمراض، وهرّب الشياطين (أعمال 15:5). ولكن هذه المعجزات، انما كان السيد يصنعها بواسطة خدامه، واليوم أيضًا، على استدعاء اسمه، يفعل سمعان عجائبه التي لا تحصى.

18- العصفور المتحجّر

          ويفعله أيضًا، حصلت أعجوبة، لا تقلّ أهمية عن الأعجوبة السابقة. فبين الذين آمنوا باسم المسيح المخلّص ربّنا، اسماعيليّ شريف، صلّى الى الله، ونذر نذرًا، والشاهد عليه سمعان. والنذر امتناعه عن كل طعام حيواني، من الآن وصاعدًا، حتى نهاية حياته. ولا أعرف كيف نقض هذا الوعد ذات يوم. فقد اصطاد عصفورًا، وحاول أن يأكله. ولأن الله أخزاه، ليرجعه الى التوبة، ويكرم خادمه الشاهد عل العهد النقيض. تحوّل لحم العصفور الى حجر، حتى أعجزه أكله، ولو تمنى ذلك. فكيف يتسنى له أكله، وقد صار حجرًا ما كان قد اشتهاه له طعامًا؟ هذا المشهد غير المنتظر، أذهل البربري، فأسرع الى القديس، وكشف عن خطيئته الخفية، وأعلن معصيته أمام جميع الناس، وطلب من الله أن يغفر له زلّته، واستشفع القديس لينقذه بصلواته، من قيود الخطيئة. وقد عاين كثيرون المعجزة، ولمسوا العصفور بالقرب من عنقه فإذا هو عظم وحجر.

19- نبؤات سمعان

لم أشاهد معجزاته فقط بعيني، بل سمعت أيضًا انه انبأ، قبل سنتين، عن الجفاف وقلة الغلات والجوع والطاعون، فقال أنه كان قد رأى قضيبًا يهدّد البشر، وينذرهم بما سينزله بهم من ضربات. ومرة ثانية تنبّأ بهجوم  الجراد، وبأنه لن يسبب ضررًا كبيرًا، لأن المحبة الإلهية تعادل القصاص. وما انقضى ثلاثون يومًا حتى طلع جيش زاحف من الجراد، كاد يحجب نور الشمس، ويغرق البلاد في الظلام. وهذا ما عايناه جميعنا. لكن الهجوم لم يؤذِ إلا علف الحيوانات، ولم يلحق أي أذى بمأكولات البشر. وأنا، وقد كنت عرضة لعداء أحدهم، فقد أبلغني سمعان أن عدوي سيختفي قبل مرور خمسة عشر يومًا. وأثبتت لي التجربة صحة نبوءته. وغير مرة، أعطي أن يرى قضيبين ينقضّان من السماء على الأرض: الى الشرق والى الغرب. وقد عبّر الرجل الإلهي هذه الرؤيا، بأنها ثورة الأمم الفارسية والشيتية، على الأمبراطورية الرومانية. وعرض الأمر على الحاضرين، وبدموعه الغزيرة، وتوسلاته المتواصلة، أوقف الضربات التي كانت تهدّد الأمبراطورية. ومن المؤكد، أن الأمة الفارسية، المتجردة للجيش، والمستعدّة للهجوم على الرومانيين، صدّت فجأة في الاجتياح المقصود، وانصرفت الى ما كانت تواجهه من أخطار داخلية.

20- شهرته في فارس

ومع أنني أعرف غير حوادث من هذا النوع، فسأهملها تجنبًا للإسهاب. وما ذكرناه كافٍ ليظهر بعد نظره الروحي.

ان شهرته الواسعة انتهت الى ملك الفرس. فقد روى السفراء المعتمدون لديه، انه كان يجدُّ في الاستعلام عن نمط حياة هذا الرجل، وعن طبيعة معجزاته. ويقال ان زوجته طلبت زيتًا حاصلاً على بركة سمعان، وانها اقتبلته هدية فاخرة.  وقد أُخذت بشهرته  كل حاشية الملك، بالرغم من قبوله افتراء المجوس عليه. وكانت تحاول الاستعلام عنه بدقة. وبعد تأكدها، كانت تدعوه الرجل الإلهي. أما بقية الجماعة، فكانت تذهب الى المكاريين والخدم والجنود، وتعرض عليهم مالاً، وترجوهم أن يستحصلوا لها على البركة المعلّقة على الزيت.

21- ملكة الاسماعيليين

كانت ملكة الاسماعيليين عاقرًا، تتمنّى أن ترزق أولادًا، فأرسلت أولاً، بعضًا من أرفع الموظفين لديها، تلتمس منه (سمعان) أن تصبح أمًا.وعندما استجيب طلبها، وأنجبت بحسب مشتهاها، حملت الملك الذي ولد لها، وأسرعت به الى الشيخ الإلهي. ولما كان الدخول اليه محظّرًا على النساء، أرسلت بالمولود الجديد مع هذا الدعاء، لتنال بركته، قالت:" هذه الحزمة هي لك، فأنا قد حملت، بالدموع، ما كانت صلاتي تطلبه من زرع، أما أنت، فقد جعلت من هذا الزرع حزمة، وأنت استدرَرت، بتوسلاتك، غيث النعمة الإلهية".

ولكن حتامَ أحاول أن أقيس عمق المحيط الأطلسي؟ فكما أن هذا العمق يُعجز الانسان أن يقيس غوره، فكذلك، أن ما يتم بواسطة سمعان، يوميًا، يفوق كل حديث.

22- صلاة سمعان

أما أنا فتدهشني رباطة جأشه، أكثر من سائر معجزاته. فهو يلبث واقفًا، ليلاً نهارًا، على مرأى من الجميع. فقد انتزع الأبواب، وهدم قسمًا كبيرًا من حائط السور، وراح يظهر للجميع، مشهدًا جديدًا وغريبًا، أحيانًا واقفًا، لوقت طويل، وأحيانًا منحنيًا عدة انحناءات، مقدّمًا لله عبادته. وكثيرون، لعمري، من بين القائمين هناك، يعُدُّون سجداته. ان أحد رفاقي، ذات مرّة، بعد أن أحصى الفًا ومئتين وأربعين انحناءة، عدل عن تنبّهه، وكفّ عن العدّ. وانه لينحني، يقارب جبينه دائمًا أصابع رجليه. فمعدته التي لا تأخذ من الطعام الى القليل، مرّة في الأسبوع، توفّر لظهره سهولة الانحناء.

23- تجلّده

ويقال أنه بسبب الوقوف الدائم، أصيب بقرح "شيرون"، في رجله اليسرى، فكانت تسيلُ منه بلا انقطاع كمية كبيرة من القيح. ومع ذلك، فان التجارب جميعها، لم تؤثر في مجرى حكمته: يتحمل، بكرم أخلاقه، آلامه الاختيارية وغير الاختيارية، ويسيطر على كلتيهما بنشاطه الروحي. وقد اضطرَّ يومًا أن يكشف قرحه لأحدهم، واليكم سبب ذلك.

جاء واحد كم "ربعان" وهو رجل فاضل، في رتبة شماس للمسيح. وبعدما انتهى الى الجبل الشهير، سأله:"ألا قل لي، باسم المسيح الحق الذي ردَّ اليه الجنس البشري، هل أنت انسان أم كائن روحاني؟". فصدم الحاضرون لهذا السؤال. فرجاهم سمعان أن يلزموا الصمت، وسأل الشماس:"لماذا، ويحك، طرحت علي هذا السوال؟". فأجاب:"لأنني أسمع الجميع يرددون انك لا تأكل ولا تنام. وهذه من مستلزمات الانسان. فالانسان لا يمكنه أن يقضي حياته دون طعام ونوم". فأمر جلد، وأن يتطلع، ليس الى رجليه فقط، بل والى قرحه البشع لخباثته. وبعد أن عاين الرجل، مدهوشًا، فظاعة القرح، وعلم من سمعان انه يتناول طعامًا، قفل راجعًا، وأتى يطلعني على كل شيء.

24- صبره

وفي الاحتفالات الشعبية الكبرى، يجعل سمعان لنا من نفسه قدوة في الصبر، وهو انه من بعد غياب الشمس، الى أن تعود تشرق على الأفق، يبقى الليل كله واقفًا، ويداه مبسوطتان الى السماء، لايدع النعاس يستهويه، ولا التعب يقهره.

25- عظاته للشعب

وعلى هذه المشقات الكبرى، ومجموع مآثره ووفرة عجائبه، ما زال متضعًا، كأدنى الناس منزلة. وأنه، على تواضعه، ليّن الجتنب، وديع، لطيف، يجيب كل سائل، سواء أكان عاملاً أم متسوِّلاً أم قرويًا. على كل حال، فانه قد اقتبل من الرب، المحسن الأكبر، موهبة التعليم. انه، وهو يلقي عظاته مرتين في اليوم، ليسكب في آذان السامعين دفقًا من الكلام الجزيل والرائع، ويقدم لهم علم الروح الالهي، فيوصيهم أن يرفعوا الراس نحو السماء، ويحلقوا، وأن ينقطعوا عن الأرض، ويتمثّلوا الجنة التي اليها يصبون، وأن يرهبوا التهديد بجهنم، وأن يحتقروا الأشياء الأرضية، وأن ينتظروا الخيور الآتية.

26- سمعان يحكم بالعدل

وانك لتراه أيضًا يحكم بالعدل، ويصدر أحكامًا مستقيمة وعادلة. كان يتفرّغ لهذا النوع من النشاطات، وما يشبهها، بعد الساعة التاسعة. لأنه يصلّي بدون توقّف، طول الليل، وفي النهار، حتى الساعة التاسعة. بعد التاسعة يباشر تعليم الحاضرين، التعاليم الالهية، ثم يستمع الى طلبة كل واحد، ويجترح بعض الأشفية، ويسوي الخصومات بين الفرقاء المتنازعين. وعند مغيب الشمس، يدخل في الحديث مع الله.

27- يتدخل في حياة الكنائس

وبينا هو يعيش على هذا النحو، ويقوم بنشاطاته، فانه لا يهمل العناية بالكنائس المقدسة. فيقاوم تارة كفر اليونانيين، وتارة ينسخ عناد اليهود، ومرة أخرى يبدّد عصابات الهراطقة. فيكتب مرة للامبراطور في هذا الموضوع، ومرة يحثّ كبار الموظفين على الاهتمام البالغ بمصالح الله، وغير مرة يوصي رعاة الكنائس بأن يزدادوا اعتناءً بقطعانهم.

28- قصة غير مكتملة

في سردي لهذه القصة، حاولت، انطلاقًا من نقطة ماء، أن أنذر بالمطر. وبطرف اصبعي، جعلت قراء هذه القصة، يتذوقون حلاوة العسل. فالوقائع المشهورة بين الناس، هي ألف مرة أكثر عددًا من التي رويتها. فاني لم أطمح في تدوينها جميعًا، بل في تبيان نمط الحياة عند كلّ قديس، ببعض الأمثلة. وهناك أناس غيري سيتوسعون بسرد القصص، واذا طال عمره، سيزيدون ولا شك معجزات أعظم.

من جهتي، أتوسل الى الله، متمنّيًا أن يثابر سمعان، بفضل صلواته، على أعماله الرائعة، فهي بهاء التقوى، وفخرها. واني أرجو أن تكون حياتي منظّمة وموجّهة وفق طريقة الحياة الانجيلية.

  وفاة العامودي:

بعد أن قضى حياة طويلة، وهو يقوم بعجائب عديدة، وأعمال باهرة، وبعد أن لبث وحده في بني البشر، لا تقهره حرارة الشمس، ولا صقيع الشتاء، ولا اقتحام الرياح العنيفة، ولا ضعف الطبيعة البشرية، وعندما قضي عليه أن يلتحق بالمسيح، ويقتبل منه اكليل جهاده الرائع، أكّد بموته، للذين لم يصدقوا، أنه بشر حقًا. ولكنه، بعد وفاته، لبث لا يتزحزح: نفسه ولا شك صعدت الى السماء. أما جسده، فأنه أبى أن يهوي، بل مكث واقفًا، منتصبًا، في مكان جهاده، كأنه بطل لا يغلب، ويأبى أن يلامس الأرض بأي من أعضائه. وهكذا فان النصر يبقى مرافقًا أبطال المسيح، حتى بعد الموت. والأكيد، هو أن أشفية من أمراض مختلفة، وعجائب، وعظمة تجلي الله، تتم اليوم بعد، كما على حياته. ليس فقط بالقرب من نعشه، الذي فيه رفاته المقدسة، بل وبالقرب من النصب الشاهد على بطولته السامية أيضًا، وعلى جهاده الدائم، عنيت العامود العالي والشهير، عامود سمعان البار، والطيب الذكر.
فبشفاعته المقدسة، نطلب نحن أيضًا أن نخلص، وأن نعتمد على الايمان المستقيم، وأن تسلم كل مدينة، وكل بلاد يدعى عليها اسم سيدنا يسوع المسيح، من كل أنواع الشر والأذىـ. المجد لله الى دهر الدهور.

 

 

الرهبنة العمودية وانتشارها

تولد من حياة الرهبنة الفردية والخاصة نظام خاص في النسك العمودي والذي ادخله أولا القديس سمعان العمودي وان تذكر قبله أمثلة أفراد نسكوا على العمود مدة قصيرة مثلا لوحات وجدت في رأس شمرا تحدثنا عن الملك تغمار لثاني 136. حتى 133. ق م ، الذي يصعد إلى رأس العمود ليقرب ذبيحة، وعن عمودين نصبا في صحراء سورية يصعد إليهما من نذر نفسه للإلهة وينتصب هناك سبعة أيام وسبع ليال ذاكر أسماء الذين أوصوه بان يصلي من أجلهم .

           إذا ابتكر قديسنا في الربع الأول من القرن الخامس لونا جديدا من النسك لا النسك في البرية بل النسك بين الناس على رأس عمود ليكون قريبا من الله ومن الناس معا ووسيطا بين السماء والأرض .

           اعجب به الناس فكان رسول الله إليهم بكلامه من أعلى العمود وبسيرته فهدى الناس بالمئات بل الألوف واقتدى به مئات الشبان فارتفعت أعمدة أخرى في جوار حلب وإنطاكية وعلى ضفاف العاصي والفرات وفي العراق ولبنان وفلسطين وكيليكيا والقسطنطينية وروسيا وغيرها .

          إذا كان سمعان العمودي " الكبير " اول العموديين ولكن لم يكن آخرهم حتى القرن التاسع عشر وفيهم الأمي وفهيم المثقف الثقافة العالية وهناك الفقير والغني الذي ترك كل شيء وتبع السيد المسيح وارتقى العمود ضابطا ترك الجندية هو ومعاونان له . كان شعار هؤلاء حياة النسك والتقشف والتفرغ لعبادة الله وهداية القريب والعمل بقول السيد المسيح :" ليس لاحد حب اعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه " (يوحنا 15 13 ) . 

         هناك عموديون لا نعرف عنهم إلا شيئا يسيرا ، لا نعرف إلا اسمه بل هناك من لا نعرف منه سوى العمود الذي عاش في ذروته ولا نعرف الزمن الذي عاش فيه . أشهرهم : دانيال العمودي اول من اقتفى أثر سمعان فصار عموديا ، ولد في السنة 409 ، اعتلى العمود في السنة 460 أي بعد وفاة سمعان الكبير بسنة واحدة ، ومات في السنة 493 وهو في الرابعة والثمانين من عمره إذ أنبأ بموته قبل وقوعه بسبعة أيام . شمعون ، عاش في القرن الخامس في الجبل الوسطاني إلى الغرب من حلب والى الشرق من ديركوش .يونان العمودي ،ورد اسمه في وثيقة السريانية هي الآن في المتحف البرنطاني وقد نشرها المستشرق الإنكليزي ( ريت ) في السنة 1871 في شرق القرية ( كفردريان ) إلى الغرب من حلب من جهة الجنوب يوجد بعض أجزاء من العمود إذ كان ارتفاعه 8 أمتار و70 سم .من العموديين الذين عاشوا في القرن الخامس الميلادي : بولس أبو العمود و شمعون عمودي أرحاب وتوما العمودي و يوناتان وصموئيل ويوحنا العموديين في بلاد ما بين النهرين . أيضا من العموديين الذين عاشوا في القرن السادي الميلادي : ميخائيل العمودي في شمال سوريا ، ميخائيل العمودي في نيوى في العراق ، عمودي بالقرب من بيروت ، قزما بالقرب من وادي سلوان في فلسطين ، يوحنا معلم سمعان الجبل العجيب . العموديون القرن السابع وما بعده : شمعون الحمصي ، انطوان السوري ، يوحنا الاتاربي إبراهيم تلعداي ، يوحنا الرابع كورزاحل ، يوحنا السادس كورزاحلي ، قزما ساروجي ، بطرس من معرة النعمان ، بولس الحمصي مريم وأخرى فقد اسمها .

        عرف عن العموديين انهم قسوا على جسدهم كثيرا وفرضوا عليه صوما طويلا ولم يأكلوا ويشربوا ويناموا إلا قليلا ، وتحملوا الحر الشديد والبرد القارس ، ومع ذلك عمّر أناس منهم تعميرا مدهشا وطعنوا في السن : بلغ سمعان العمودي الكبير 71 من عمره وعاش سمعان العجيب 75 سنة وبلغ دانيال 84 بعدما قضى 33 سنة على العمود وبلغ اليبيوس 99 من العمر وفاقهم جمعيا في القرن السادس ميخائيل العمودي فتوفي بعدما عاش 105 سنوات غير أن كثيرا سواهم ماتوا وهم في شرخ الشباب لان جسدهم لن يحتمل ما أذاقوه من التقشف والحرمان . 

 
 

كنيسة قلعة سمعان العامودي

قلعة سمعان هي كناية من كنسية BACILICA عظيمة من القرن الخامس قيل فيها : "لؤلؤة سورية الوسطى على صعيد الآثار" . الامتياز في بناء الكنيسة يعود إلى القديس دانيال العمودي تلميذ القديس سمعان العمودي الذي طالب ببناء كنيسة كبيرة تخليدا للقديس سمعان من الإمبراطور "ليو" و بدأ المشروع في عهده ولكنه توفي قبل أن يتحقق فتولى الإمبراطور زينون تحقيقه فبدأ العمل في بناء الكنيسة عام 476م وأنجز في عام 490م بنيت الكنيسة على شكل صليب يتوسط العمود الذي كان يعيش فوقه القديس سمعان) وفي نهاية القرن الخامس أقيمت بعض الأبنية حول الكنيسة ( التي تحتل قرابة خمسة آلاف متر مربع ) ومن أهمها بناء المعمودية( التي تحتل قرابة الفي متر مربع ) وبعض المنازل لتكون سكنا للرهبان(إذ احتل الدير خمسة آلاف متر مربع ) وطلاب العلم .عندما دخل المسلمون سوريا ابقوا الكنيسة الكبرى والدير بيد المؤمنين المسيحيين وعندما ضعفت الدولة الإسلامية استطاع البيزنطيون العودة ثانية إلى الكنيسة وحصّنوها إلى قلعة فأصبحت تعرف باسم قلعة سمعان وفي أثناء هذه الفترة رصفت الكنيسة بالفسيفساء على يد الإمبراطور باسيل الثاني _976- 1026) وأخيه قسطنطين الثاني (976- 1028) وفي عام 986م تمكن الأمير الحمداني سعد الدولة ابن سيف الدولة من استعادة قلعة سمعان لذلك أقام فيها بعض الأكراد وخاصة في ضلع الشرقي من الكنيسة الكبرى كما سكن حاكم المنطقة العربي في بناء المعمودية.

تقسيم الكنيسة الكبرى :
بنيت الكنيسة الكبرى فوق مرتفع الصخري على شكل الصليب على الطراز الروماني وهو يتألف من (northex ) الكبير التي هي الواجهة الرئيسية لمدخل يصل عرضها إلى 24 ياردة ، تتألف من ثلاثة أقواس احداها كبير يقع في الوسط واما الآخران منها اصغر حجما ويقعان على جانبي القوس الكبير ويرتكز القوس الكبير على عموديين لكل منهما تاج مزين بزخارف كورنثية تبدو فيها أوراق نبات الاقنوش “شوكة اليهود” أيضا هناك غرفتان مربعتان من الجهة الجنوبية لاستخدام الكهنة وتسمى ( الدياكونيكون ) وهناك غرفة من الجهة الشمالية لاستخدام وتسمى (البروتيذيس)وبذلك أن كل ضلع من الأضلاع يمكن اعتباره كنيسة من نوع (BASILICA )
  كنيسة مار سمعان العمودي
الضلع الجنوبي لكنيسة الكبرى : هو( النركثس ) المدخل الرئيسي للكنيسة الكبرى الذي يؤدي إلى الرواق المسقوف وتعلوه شرفة تطل على الباحة الامامية. يلي الرواق شمالا أربعة أبواب يفضي منها إلى الرواق الكبير نفسه أما البابان الآخران تعلو السقف والمؤلفة من ورق الخرشوف المجوف والملون باللون الأحمر الذي يظهر على بعض الأقسام ويبدو أن اللون الأحمر كان طبقة دهانية تأسيسية تأتي بعد طبقة من الدهان ذي اللون الذهبي أو الفضي. ويقوم فوق بابي الرواق الأوسط جدار عال جعلت به أربعة نوافذ تعلوها زخرفة نفذت على شكل شريط بارز يتجه من الأسفل إلى الأعلى يكاد يكون البناء مربع الشكل تقريبا يبلغ طوله 25 مترا وعرضه 24 مترا وهو مقسم إلى ثلاثة الأروقة والسقف على الشكل الجمالوني ليسهل تصريف مياه الأمطار وجمعها في الصهاريج خاصة لتزويد القلعة بالمياه خلال السنة ويوجد في هذا الضلع الجنوبي عشرة أبواب منها في الجدار الشرقي وثلاثة في الجدار الغربي والأربعة في الجدار الجنوبي . كنيسة قلعة سمعان العامودي

الضلع الغربي للكنيسة الكبرى
: بني على منحدر صخري مرتفع مما أجبرهم لبناء ركائز و أقواس قوية لتتمكن من حمل البناء وقد فرض ذلك العمل موقع العمود الذي جعل في وسط الكنيسة ويقول أحد الخبراء في الآثار ، صبحي الصواف في كتابه " قلعة سمعان ص 47 – 1961 – بالإنكليزية ) :" أن هذا الجناح من الكنيسة الكبرى قد تعرض اكثر من غيره من الأجنحة للخراب ويعتقد انه كان المدخل الرئيسي للكنيسة الكبرى قبل تخريبه ثم نقله إلى الضلع الجنوبي .

الضلع الشمالي للكنيسة الكبرى : بني على نفس الطراز وقد عثر على البقايا الأرضية كانت ترصف أرضية هذا الجناح إذ لا يزال قسم منها في مكانها الأصلي وخاصة في الرواق الشرقي ففي هذا الضلع ثمانية الأبواب ثلاثة منها في الجدار الشرقي واثنتان في الجدار الغربي والثلاثة الباقية في الجدار الشمالي الذي كان الرهبان يخرجون من هذه الأبواب لدفن موتاهم في مدفن منحوت في الصخر على بعد 10 أمتار من جهة الشمال .

الضلع الشرقي للكنيسة الكبرى : خصص هذا الجناح لاقامة الطقوس الدينية في الأيام الآحاد والأعياد وهو أطول من الأجنحة الأخرى بحوالي 7 أمتار إذ يبلغ طوله 32 مترا بالإضافة إلى 6 أمتار للحنية الوسطى وسبب الطول هو إضافة العمود السابع إلى الستة العواميد الأخرى . كانت أرضية هذا الجناح مرصوفة بالفسيفسائية ذات تزينات هندسية إلا أن خرجت وأعيدت ترميمها ويلاحظ أن قواعد الأعمدة التي تفصل بين( الرواق الشمالي والرواق الأوسط) غير موجودة ويعود السبب إلى أن هذا الجناح من الكنيسة الكبرى قد سُكن من قبل قادة الأكراد في القرن السادس عشر والسابع عشر لذلك رفعت الأعمدة ليصلح للسكن.

في هذا الجناح أربعة أبواب، اثنتان في الجدار الشمالي واثنتين في الجدار الجنوبي والباب القريب من الحنايا في كل من الجدارين خصص لدخول الرجال والباب الآخر خصص لدخول النساء . أن هذا الجناح قد رسم في عهد الإمبراطور " باسيل الثاني " ( 976 – 1026 ) وفي أخر الجناح الشرقي من الكنيسة الكبرى أضيفت حنيات ثلاث يصعد اليها بدرجات ثلاث أي كان هناك ايقونسطاس يفصل عن صحن الكنيسة والهيكل وكان المذبح يوضع أمام الحنية الكبرى الوسطى زينت الحنية الشمالية بتاج كورنثي الطراز أما الحنية الوسطى الكبيرة فيها خمسة نوافذ تشبه نافذة الحنية الأولى فوق هذه النوافذ شريط مزين بالعناقيد العنب وأوراق الكرمة.

أما الحنية الثالثة فهي تشبه الحنية الأولى بشكل كامل لكن باختلاف واحد هو أن الشريط التزيني في الحنية الثالثة غير ملون وهناك الكثير من التزينات البديعة البارزة من الورق الخرشوف والصلبان البيزنطية في الضلع الشرقي للكنيسة الكبرى وأيضا في الضلع الشمالي والشرقي.

أما الشكل ذي ثماني الأضلاع فقد أقيم حول العمود سمعان ويعتقد انه اول جزء بني في الكنيسة الكبرى وحيث انه أقيم حول العمود فانه يقوم بوظيفة الموزع لأقسام الكنيسة الأربع عبر أقواس الأربعة وزينت هذه الأقواس من الجانبين بنقوش بديعة تشبه نفس النقوش في الأجزاء الأخرى من الكنيسة .

الأبنية الملحقة :عند الطرف الشرقي من الضلع الشرقي للكنيسة الكبرى وفي الزاوية الجنوبية الشرقية أقيمت كنيسة صغيرة تتألف من ثلاثة أروقة يفصلها بعضها البعض صفان من الأعمدة يتألف كل صف من أربعة الأعمدة . يدخل إلى الكنيسة بواسطة باب من الجدار الجنوبي والثاني من الجدار الشمالي غير أن الغرفة DIACONICON الموجودة في الضلع الشرقي من الكنيسة الكبرى ويعتقد أن هذه الكنيسة كانت لتأدية الصلاة في الأيام العادية ويتصل بالكنيسة لصغيرة من جهة الجنوب والجنوب الشرقي بناء كبير مؤلف من ثلاث طبقات وساحة واسعة وكان مخصص للرهبان وأيضا هناك مدافن أمام الضلع الشمالي نحتت في الصخر وسقفت على الشكل الهرمي بناء المعمودية مرتفع عن الأرض بثلاث درجات وهو بناء مربع الشكل من الخارج ومثمن من الداخل الا أن ارض المعمودية كانت مرصوفة بالفسيفساء وأيضا جرن المعموديةوله بابان للوصول إليه من الشمال والجنوب ويصعد إليه بثلاث درجات وأقيم حول المعمودية رواق طويل لاجل أن يطوف به المصلون قبل اقتبال المعمودية وبعدها ويتصل بالمعمودية كنيسة صغيرة يعبر من باب من جهة جنوب بيت المعمودية وهي ذات ثلاثة أروقة تفصل بينها أقواس ترتكز على ثمانية أعمدة أربعة من كل جانب، هذا ما جاء في المخطط الذي عمله المهندس تشلنكو وفي داخل الكنيسة غرفتان في الشمال تسمى الدياكونيكون والثانية في الجنوب تسمى البروتيتيس ثم تحولتا إلى برجين في العصور الوسطىعندما تحولت المنطقة إلى قلعة لتصبحا برجين دفاعين إلى الشرق من المعمودية والى الغرب منها بقايا أبنية مستطيلة كان لها أروقة كانت تستعمل كنزل للزوار والحجاج القادمين لزيارة كنيسة سمعان العمودي .

هناك بالقرب من الزاوية الغربية بابان كبيران تعلوهما أقواس كثيرة سد أحدهما في القرون الوسطى وبقي إحداهما مفتوحا كان يخرجمن هذين البابين إلى الطريق المقدس الواصل بين قلعة ودير سمعان يليهما جنوبا بابان آخران وبين القلعة ودير سمعان أقيم قوس نصر ما زالت بقاياه صامدة

 

 
 
ملحق1 ، نبذة تاريخية لقلعة سمعان

تقع قلعة سمعان في أقصى النهاية الجنوبية من قسم جبل ليلون. وهي مبنية على نتوء صخري، يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر/ 564 / م. وكان القديس سمعان، قد اختار هذا المكان المنعزل، بقصد التقرب إلى الله للعبادة جريا على عادة الرهبنة عند النصارى .( ولد سمعان أو سيمون حوالي عام 368 للميلاد في بلدة (سيس) القريبة من مدينة أضنة الحالية في تركيا. كان في صغره راعيا للماشية، وانضم في ريعان شبابه إلى جماعة من النساك قرب (سيس)، وبقي معهم مدة سنتين، ثم انتقل إلى منطقة دير تلعادة جنوبي جبل شيخ بركات وأمضى هناك عشر سنوات في الصلاة والتقشف، حيث كان يتناول الطعام مرة واحدة في الاسبوع، فطلب منه مغادرة الدير لشدة أذاه على نفسه، فلجأ في عام 412 م إلى بلدة تيلانيسوس (دير سمعان) الحالية وعاش فيها ثلاث سنوات، وصام هناك أربعين يوما دون أن يأكل أو يشرب، إلى أن أصبحت عادة لديه. ثم أرتقى إلى قمة الجبل وربط نفسه هناك بسلسلة حديدية إلى صخرة، وراح الناس يقصدونه من كل حدب وصوب، فبنى لنفسه عمودا ليقيم عليه تلافيا لازدحام الناس وتقربا إلى الله، وظل يعلي العمود بين الحين والآخر إلى أن وصل ارتفاعه إلى /16/ مترا، وأمضى عليه اثنين وارعين عاما لحين وفاته وهو على عموده سنة 459 م ) يصل موقع القلعة في الشمال بامتداد تضاريس سطح الجبل. وتتحدد الجهات الثلاث الأخرى بجروف صخرية عالية، خاصة من الناحية الغربية، حيث يزيد ارتفاعه هنا عن مائة متر. فالقلعة تنتصب على نتوء صخري يطل من جهة الغرب على سهل جومه ( عفرين ) الفسيح، الذي يخترقه نهر عفرين من وسطه، كأفعى فضية عملاقة، ويؤطر هذا المشهد الخلاب في أقصى الغرب جبل الآمانوس لتشكل لوحة طبيعية رائعة، خاصة وقت الغروب. فللغروب في القلعة سر خاص، وجمال لايوصف. وعلى حد قول الأب ( قوشاقجي )، فان هذا الجمال الطبيعي الأخاذ، كان يؤجج نار الإيمان في قلب مار سمعان مع كل إطلالة لشمس أو غروبها وهو من فوق عموده متأملا هذه الطبيعة المدهشة من حوله.

- تاريخ بناء ( القلعة ) الكنيسة:

تعتبر كنيسة مار سمعان من اكبر كنائس العالم، وأفخمها إلى يومنا هذا. فقد اتخذ البناءون من عمود (مار سمعان) مركزا لبنائها الذي أخذ شكل صليب، ذراعه الشرقي أطول قليلا من الأذرع الثلاثة الأخرى المتساوية. وتبلغ مساحة الكنيسة / 5000 / مترا مربعا. وبدئ العمل ببنائها عام / 476 / م، وتم الانتهاء منها سنة / 490 / م. ثم أضيفت ملحقات الكنيسة بعد ذلك لسنوات، وهي: (الدير الكبير، وبيت المعمودية، والمقبرة، وبعض دور السكن لطلاب العلم، وفنادق للضيوف)، حتى بلغت مساحة البناء الإجمالية / 12000 / مترا مربعا.
في عامي / 536 و 528 / م، وقعت زلازل شديدة في المنطقة، فألحقت ضررا كبيرا بالكنيسة، وربما سقط سقفها الخشبي وقتئذ.

وبعد خضوع المنطقة للمسلمين، بقيت الكنيسة بيد أصحابها المسيحيين مقابل دفع الجزية، واستمر الأمر على ذلك إلى أن ضعفت الدولة الإسلامية، فسيطر عليها البيزنطيون مجددا في أواسط القرن العاشر الميلادي، حينما انتصر (نقفور) البيزنطي على الحمدانيين في حلب عام 970 م، فبنى حولها سورا قويا مدعما بـ / 27 / برجا. وتحولت الكنيسة وملحقاتها من مركز ديني مرموق، إلى قلعة عسكرية حصينة، في منطقة حدودية بين البيزنطيين والمسلمين، وعرفت من يومها بقلعة سمعان.

ثم توالت أحوال الكنيسة بتغيرات على النحو التالي:

ففي عام 985 م، استولى عليها سعد الدولة بن سيف الدولة فترة وجيزة، وقتل رهبانها، وباع بعضهم عبيداً ( حجار ص 43 ). كما سيطر عليها الفاطميون عام 1017م. وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر، تحولت المنطقة إلى دائرة صراع بين القوى المختلفة المتنازعة في السيطرة على مناطق حلب، وانطاكية، من البيزنطيين والصليبيين والزنكيين ثم الأيوبيين، ومن بعدهم المماليك والعثمانيين. وفي غمرة هذه الأحداث العسكرية والفوضى العامة، تراجعت الأهمية الحربية للقلعة، وهجرت تدريجيا، إلى أن جاء القرن السادس عشر، فاستوطنها أحد سكان جبل ليلون، وأضاف في الضلع الشرقي من الكنيسة طابقين (د.شعث ، ص 25 ). وظلت هكذا إلى قامت الجهات المختصة في سوريا بالاعتناء بها كمعلمة أثرية تاريخية.

وتبعد القلعة عن مدينة عفرين نحو/ 20 / كم. وعن حلب حوالي/ 40 / كم. ويؤمها سنويا عشرات الآلاف من الزوار، وآلاف السياح من مختلف الدول، والأوربية منها خاصة.

قرية دير سمعان:

بعدما توفي مار سمعان ( الذي ذاع صيته سائر البلدان )، اكتسبت المنطقة شهرة ومكانة مرموقة ومقدسة بفضله. فتحولت هذه القرية المجاورة إلى مدينة للرهبان، وبني فيها ثلاثة أديرة، لكل منها كنيستها والملحقات الأخرى للدير، إضافة إلى فنادق لاستقبال الحجاج وكبار الضيوف الوافدين إليها حتى القرن الحادي عشر الميلادي . والدير الوحيد الذي بقي سالما نوعا ما إلى يومنا هذا، هو الدير الصغير الموجود في الجهة الجنوبية للقرية، وشيد بناؤه عام / 550 / م تخليدا لذكرى مار سمعان.

كانت تيلانيسوس ( دير سمعان) في العصر البيزنطي مركزا معروفا للعلوم الدينية المسيحية من جهة ومنتجعا للأغنياء من أهل إنطاكية. كما كانت ملجأ للمتهربين من دفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية في الفترة البيزنطية. فانتعشت المدينة كثيرا في القرن الخامس وبداية السادس الميلادي، بسبب وقوعها على طريق أفاميا وسيروس، مما دعى إلى إنشاء الكثير من الفنادق والمضافات لكبار الزوار فيها.

ومدينة تيلانيسوس أو قرية ( دير سمعان ) الحالية لاتبعد سوى / 500 / م عن القلعة، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك بأنها شهدت نفس الأحداث والمراحل التي حلت بالقلعة، حتى آل مصيرها إلى الخراب هي الأخرى في فترة إهمال القلعة خلال القرنين/ 11 و12 / الميلاديين
 
 

ملحق2 ، نبذة تاريخية لقلعة سمعان

نشطت الحياة النسكية في منطقة شمال سوريا في بداية القرن الرابع الميلادي مع اصدار مرسوم ميلانو ، حيث قد إعيدت الحرية إلى الدين المسيحي باداء الشعائر الدينية والممارسات الطقسية  الكنسية .

        في الوقت عينه قامت مجموعة من مُحبي حياة التوحد ببناء القلالي والمغاور في الجبال منعزلةٍ عن الحياة العامة ومتفرغةٍ لحياة الصلاة والعبادة لله من أجل خلاصها وخلاص النفوس .

        فاختار البعض حياة النسك المنفرد في العراء وف الكهوف والغابات أو داخل الابراج أو على العمود ، ولذا نجد العديد من بقايا الاديار واعمدة التنسك والابراج والكهوف منتشرة على طول جبل الشيخ سمعان وجبل الشيخ بركات ، الذي يرتف عن سطح البحر 867متراً ، وتوجد فيه ايضاً بقايا معبد روماني للإله زوس من القرن الاول ، وقد دعىّ " كوريفيه " أي قمة الجبل في الفترتين الرومانية والبيزنطية  ، وعلى انقاض المعبد كنيسة تهدمت وأُقيم عليها قبر أحد الاولياء وأسمه بركات وقد سُمىّ الجبل على إسمه[1] ، في منطقة حلب في شمال سوريا .

        واقتدى النساك بكلام السيد المسيح القائل انتم نور العالم فليضئ نوركم قدام الناس ليروا اعمالكم الصالحة فيمجدوا اباكم الذي في السماوات ، كما سلكوا ايضاً بحب هدى القديس بولس الذي داعهم إلى إماتة الجسد وتحرير النفس من الماديات.

        هكذا بهذه الاقوال سلك الرهبان طريق الكمال مترفعين عن حياة المادة والحياة الديناوية بالعيش على عمود طوال حياتهم أو داخل برج من الابراج أو في العراء مقتربين إلى الله بالتقشف ونكران الذات واعطوا أعظم مثل في حياتهم ورسالتهم للتقرب نحو السماء من خلال المواعظ والارشادات التي كانوا يعطونها من مكان تواجدهم  ، فكان الحجاج والزوار يحيطون بهم من كل ناحية .

دير مار سمعان الذي نشاهده هو عبارة عن  قرية رهبانية تحتوى على أكثر من خمسة اديار وكنائس ومباني واسعة وضخمة ، تحتل قلعة سمعان المكان الرئيسي  منها على قمة التلة .

        تقع هذه القرية في السفح الغربي لقلعة سمعان ويسكنها اليوم بعض العائلات ، وكانت هذه القرية تدعى قديماً تل نيش أو تل النساء وجاء اسمها في اليونانية تلانيسوس ، واليوم تسمى دير سمعان نسبة إلى القديس سمعان العامودي .

         ظلت هذه القرية حتى اواسط القرن الخامس مركزاً زراعياً  بالاضافة إلى بعض البيوت المتواضعة ، إلى أن صارت قرية ذات شأن عالي ذائعة الصيت بين القرى المجاورة ولاسيما من بعد وفاة القديس سمعان العامودي .

         قد ولد القديس سمعان العامودي في  حوالي العام 386م في منطقة سيس في مقاطقة كيليكيا التي صارت فيما بعد عاصمة ارمينيا الصغرى . ولد من ابوين فاضلين رباه على محبة الناس ومخافة الرب وحياة الفضيلة وكان سمعان يعمل معهم في رعي الاغنام ، وتاقت نفسه إلى حياة النسك ولاسيما بعد أن سمع انجيل التطويبات في الكنيسة " طوبى للفقراء بالروح " .

         ففي العام 401م انضم سمعان إلى جماعة من النساك عاش بينهم سنتين ثم قصد دير تلعادا الكبير الواقع على جبل الشيخ بركات حيث بقى في الدير مدة عشر سنوات يصلي ويصوم واكن مثالاً للرهبان الدير في حياة التقشف .

في أحد الايام أخذ مار سمعان حبلاً مضفوراً من سعف النخيل شده حَولَ جَسَدهِ أدى به إلى تمزق لحمه مع مرور الوقت ، وتضخم الجرح بدرجةكبيرة أدت إلى نزف الكثير من الدم ، وقد شاهده أحد رفاقة فابلغ رئيس الدير على هذا المنظر المؤلم ، فام رئيس الدير بنزع الحبل عن جسمه بصعوبة بالغة  ، لكن مار  سمعان رفض بشدة العلاج فطلب منه رئيس الدير مغادرة الدير على الفور كي لا ينفر منه الرهبان لأن نهجه يفوقهم وهو  فوق طاقتهم .

لبى القديس سمعان طلب رئيس الدير بترك الدير متوجهاً إلى مكان قريب من جبل الشيخ بركات ووجدَ هناك بئر خالي من الماء فنزل اليه ومنه بدأ يُصعد الصلوات والتسابيح إلى الله ، ومن بعد مدة ليست بطويلة أرسل رئيس الدير مجموعة من الرهبان للبحث عن مار سمعان  . فبدأ الموفودن يسألون عنه حتى دلهم أحد رعاة الاغنام  على مكان وجوده فاخذه الرهبان معه إلى تلانيسوس المعروف حالياً بدير مار سمعان العامودي .

        ترك سمعان دير تلعادا والتجأ إلى تلانيسوس حيث يوجد دير بسيط كان قد أسسه مار ماريس بن برعطون وامضى فيه سمعان ثلاث سنوات من حياته النسكية  ،منفردا ًكوخٍ صغيرٍ  ممارساً حياة الصلاة والصوم وصام صام اربعين يوماً عن الطعام  ، ففي ذات يوم طلب من أحد الرهبان أن يترك له عشر ارغفة من الخبز وجرة ماء وأن يغلق عليع الباب ويسده الطين ، ونم بعد أربعين يوماً عاد إليه الراهب "باسوس " فوجده فاقد الوعي ولم يتناول أي شيئ  من الطعام ، وحينها أخذ الراهب يبلل شفتيه بالماء ويناوله بعض الخضروات ومنذ ذلك  الحين صارت هذه الطريقة عادة مستمرة في حياة القديس سمعان وهى صومه اربعين يوماً من كل عام .

 عاش مار سمعان في تلانيسوس حياة فضيلة وتقوى وتقشف لم يستطع أحد أن يجاريه ،ومن تلانيسوس قصد سمعان حياة العزلة التامة للتفرغ اكثر وأكثر لحياة الصلاة  وحياة التقشف ونهج سمعان طريقة جديدة في النسك فربط نفسه بسلسلة طولها عشرون ذراع ربط طرف منها في صخرة ضخمة والطرف الثاني في رجليه لتكون قيداً لجسده وكي لاتسول له نفسه[2] .

قام ملاتيوس احد اساقفة انطاكية بجولة فزار مار سمعان واستغرب من عمله هذا قائلاً له " من ينذر نفسه لله لايفرض قيوداً على جسده والتقرب لله لايكون بعذاب الجسد بل بالصوم والصلاة والعبادة وارشاد ووعظ الناس " وامره بقطع السلاسل وبناء صومعة على شكل قاعدة عمود للوعظ والارشاد وسرعان ما أنتشر صيته في كل مكان فكان يقصده الناس ذوي الحاجيات منهم الفقراء والمرضى وبسبب كثرة وتزاحم الناس عليه ، طلب أن يرفع على عمود يكون له كمنبر من عليه يعظ الناس ويرشدهم ، وقضى سمعان اربعين سنة على العامود إلى ان  إنتقال إلى جوار ربه سنة 459م عن عمر يناهز ثلاثة وسبعين عاماً[3]‏.

كانت لحياة القديس سمعان العامودي تأثيراً كبيراً على الحياة الرهبانية والتوحيدية وعلى انتشار الايمان في سوريا[4]  ومعه نشطت  حركة العموديون المقصود منها العيش فوق عمود وهذا يشكل لون جديد من حياة التعبد والنسك وتعتبر من ابرز مظاهر التوحد الرهباني الذي سلكته مجموعات وفيرة في اعقاب الاضطهادات الي لحقت بالمسيحين في القرون الثلاثة الاولى ، وانطلقت هذه الحركة العمودية مع القديس سمعان العامودي ، في اوائل القرن الخامس ، من سورية إلى مناطق عديدة من بلدان العالم .

فقد رفعت الاعمدة في كثير من المواقع الهامة وعلى ابواب المدينة ، فكانت هذه الاعمدة بمثابة منارات للايمان ومراكز اشعاع للوعظ والتبشير ، وقد استخدم العموديون اعمدة القصور الرومانية والهياكل الوثنية  في تشييد حياتهم ومنهجهم الجديد [5] .

         إن القديس سمعان العامودي يُعرف بسمعان الحلبي أو الجبلي وهو غير سمعان الانطاكي  العجائبي وغير سمعان العامودي الكاهن ، وغير سمعان القتيق النفيري وغير سمعان الحمصي المتباله من أجل المسيح ، الذي عاش في مدينة حمص في القرن السادس قد سلك طريق التباله من أجل المسيح كان يجول مثل المجنون في النهار ويقضي ليله في الصلاة لايقتات إلا القليل من الخبز، يرتدي ثوب بالٍ قديم يعيش حياة المجنون ليستهزئ به الناس وهو يمارس حياة التواضع بالصبر والتحمل من أجل المسيح [6].

        فسمعان العجائبي الانطاكي هو قد ولد سنة517م وفقد والده في زلزال وه في الخمس سنوات ووقف ذاته لله وهو فتى صغير وتنسك على سفح جبلٍ عالٍ عند شخص اسمه يوحنا وهناك حصل على درجةٍ عاليةٍ من الثقافة وتدرب على الحياة العامودية ،ولما بلغ العشرين من عمرهترك الدير وسلك الجبل مقتفياً اثار مار سمعان الحلبي الذي سبقة بثمانين عام . وقضى حياة نسكية عنيفة مدة عشر سنوات  داخل حفرة صخرية .

         انتقل إلى دير قريب من انطاكية وهناك صنع عموداً وصعد عليه سنة 537م وبقى على العمود ثماني سنوات . كانت له علاقة وثيقة بالبطريرك الانطاكي غريغوريوس والامبراطور موريقوس ، وقد ذاع صيته بتنبوأت للملوك والاساقفة وبإعلانه عن عوامل طبيعية من الزلزال وكما تنبأ عن ضر سيلحق بالدير بسبب خيانة راهب اسمه أنغولاس ، بأعماله هذه جذب إليه الكثير من الناس  وصار موضع احترام وتقدير من الجميع تعيد له الكنيسة في يوم 24ايار من كل عام ، إن سمعان الجديد لم يكن فقط راهباً ناسكاً بل كان ايضاً كاتباً وشاعراً ومؤلفاً فوضع بعض التآليف والتسابيح والصلوات أدخلت معظمها في الصلوات الليتورجيا[7] .

مار سمعان العامودي الكبير قوبل بكل ترحاب من رئيس الدير لحياة الرهبنة هو في عمرٍ صغير وهذا يعود إلى ما تمييز به سمعان من حب كبير لحياة النسك وحياة التقشف والصلاة لدرجة أنه فاق رفاقه الثمانون في الازدياد بحياة الفضيلة والتقوى .

كنيسة مار سمعان العامودي :

        كان لمار سمعان العامودي تلاميذ كثيرون يترددون اليه نذكر منهم دانيال العامودي الذي كان مقرباً من الامبرطور " ليون " وهذا مما ساعده في نقل جثمان مار سمعان إلى القسطنطينية وبعد وفاة الامبرطور ليون جاء الامبرطور زينون فزاره دانيال العامودي وطلب في عام 474م وطلب منه بناء كنيسة حول العامود الذي تنسك عليه سمعان إكراماً له .

وتم جمع التبرعات وبمساعدة الامبراطورية البيزانطية تم العمل في بناء في عام 476م وانتهى في عام 490م على مساحة واسعة تقدر بحوالي 12000متر وتعتبر كنيسة مار سمعان من روائع الفن السوري فقد ابدع البناؤون في البناء لتصير الكنيسةمعجزة القرن الخامس .

بنيت الكنيسة على طراز هندسي معماري فائق الجمال والفن واندمج فيها ( الطراز البازليكي – والطراز المثلث الاسواق- والطراز المصلب المستدير ) هذا الاندماج الرائع والمتناسق في البناء ألف عضواً واحداً  متناسقاً فريداً من نوعه في تاريخ الهندسة المعمارية [8] ، ولم توجد كنيسة مثلها  مصلبة وبازليكية ومثمنة في كافة الاراضي السورية[9]  ، وبذلك يمكنا القول بأن الكنيسة عُدت من طرائف الدنيا ومن أبدع أعمال العقل البشري في توالي الاحقاب واعتبرت أجمل كنيسة في الشرق وتحفة الفن السوري وروعة ابتكاره ولؤلؤة سورية على صعيد الاثار القديمة .

تميز فن البناء في كنيسة مار سمعان العامودي بوضع خمس صلبان في وسطها حتى تشمل الكنيسة كاغة المذاهب المسحية الخمسة وذلك تعبيراً عن الوحدة الدينية ، وبهذا يحق لجميع المسيحين الدخول اليها والصلاة فيها .

 من الصلبان التي وضعت فيها محل الصور والايقونات والتماثيل التي كانت موجودة قبل انتشار الديانة المسيحية في الفترة الرومانية هى (1) الصليب البيزانطي ويحتوي على حرفي A ، W أي الالف والياء أو البداية والنهاية .

(2) رمز السريان وهذ الرمز يشكل قرص أشعة الشمس رمز الديانة الوثنية أما من بعد أعتناق الشعب السرياني للديانة المسيحية تم وضع هذا الرمز داخل الكنيسة وصار يشير إلى المسيح شمس البر .

(3) الصليب الملطي ، (4) الصليب اللاتيني ، (5) الصليب الاغريقي اليوناني .

أقسام الكاتدرائية :

الكنيسة الكبرى المصلبة شغلت مساحة 5000متر مربع وخصصت لإقامة الاحتفالات الدينية الكبرى  وتتألف من الأوكتوغون الذي هو عبارة عن بناء مثمن يشكل قطرة 25متر تعلوه قبة خشبية على شكل هرمي وهو يمثل قلب الكنيسة . يتوسط هذا القطر عمود مار سمعان ، يتصل هذا المثمن بالاجنحة بواسطة أقواس تعلوها تيجان مزخرفة بأجمل الرسومات

كان الرهبان يجتمون في الكنيسة مع جمهور المؤمنين الوافدين من كافة الاراضي السورية  للصلاة وسماع الارشادات ، أما الحنايا الاربع المتقنة الصنع كانت تستعمل لإقامة الذبيحة الالهية واستخدمت في وقت لاحق قبور لرجال الدين الذين عاشوا في دير مار سمعان .

 الاجنحة :

 الجناح الجنوبي :         يعتبر هذا الجناح هو المدخل الرئيسي للكنيسة وله واجهة عبارة عن قوس كبير يعلوه في الوسط مثلث من الطراز الروماني ، يرتكز هذا القوس على أعمدة تعلوها تيجان مزخرفة ، لهذا الجناح ستة ابواب ثلاثة منها في الجدار الشرقي وثلاثة في الجدار الغربي .

الجناح الغربي :          بُنىّ هذا الجناح على منحدر جبل مما اضطر البنائين إلى رفع مستوى أرضيته ليجعلوا  عمود مار سمعان في وسط البناء .  كما بُنى ايضاً على قواعد عديدة واقواس متينة ، يضم هذا الجناح  ثلاثة اسواق يفصل بينهما صفان من الاعمدة .

الجناح الشمالي :        يحتوي هذا الجناح على العديد من الابواب وثلاثة اسواق يفصل بينها صفان من الاعمدة يحتوي كل صف على خمس أعمدة

الجناح الشرقي :        يعتبر هذا الجناح من اعظم الاجنحة واجملها زينة واطولها بسبعة امتار وهو في نفس الوقت الجناح الرئيسي للكنيسة ، وفي ارضيته قسم كبير من الرخام المزخرف يعود تاريخه إلى القرن العاشر الميلادي ، وقد كشف الباحث الالماني كرنكر في سنة 1938م في وسط الجناح كتابتين باللغة اليوانية والسريانية تعريبهما  " جُدد هذا الدير في ايام تيودورس سنة 979م .

 الكنيسة الصغرى :

         خصصت هذه الكنيسة للصلوات اليومية وللرهبان المقمين في الدير ، بنيت على نمط الكنائس البازليك ، تضم ثلاثة اسواق يفصل بينهما صفان من الاعمدة ويتألف كل صف من أربعة أعمدة ، كان يتم فيها تعميد الاولاد حديثي الولادة ، ولجرن المعمودية هذا فتحة في اسفله لتسريب الماء المقدس في باطن الارض .

مقبرة الرهبان :

         تقع مقبرة الرهبان في الجهة الشمالية من من الكنيسة الكبرى بقرب السور الشمالي وهى عبارة عن كتلة صخرية استخدمت كمقلع للحجارة ، تم تفريغها وتحويلها إلى مقبرة للرهبان .أمام وجهة المقبرة كان يوجد قبر يوضع فيه المتوفي ثلاثة ايام للوداع .

كنيسة التعميد :

         وهى على شكل مربع يرتفع عن الارض بثلاث درجات ولها ثلاثة ابواب من الجهة الشمالية والغربية والجنوبية .

 كان يقام الاحتفال بالعماد يوم السبت ولمرة واحدة في السنة ، وفي العماد كان يدور طالب العماد ثلاث دورات حول المثمن مروراً بجرن المعمودية ، ومن  ثم ينتقل المعمد إلى الكنيسة المجاورة لنوال الميرون المقدس اشارة التثبيت واخيراً يتقدم المعمد إلى تناول الاسرار المقدسة

طريق الحجاج :

 أطلق على طريق الحجاج الطريق المقدس وهو الذي يصل بين قرية سمعان وكنيسة القديس سمعان ، وكان المؤمنون يجتمعون في دير سمعان وينطلقون بشكل جماعي يرتلون الاناشيد الدينية مارين من تحت قوس النصر عبر ثلاث ابواب وصولاً إلى واجهة الكنيسة الكبرى .

الابنية الفندقية :

         أقيمت بعض الابنية الفندقية الضخمة لاستقبال الزوار والحجاج وهذه الابنية مؤلفة من طابقين خصص العلوي منها للزوار ، والسفلي لإيواء الحيوانات .

يبقى عمود مار سمعان حجر صارخ وشاهد على حياة النسك حياة التقرب إلى الله ، أيها الاب القدوس نسالك بصلوات وشفاعات مار سمعان الذي ربط الارض بالسماء  بحياة على العمود ومعايشته التطويبات الانجيلية ، أن تجعلنا مثله نتأمل ونسترشد بنعمة روحك القدوس فنحيا لك حياة القداسة ونعود إلى محبة القريب ، والعيش على رجاء اللقاء بك آمين .

 

[1] -قلعة سمعان والمواقع الاثرية المجاورة ، حماش حماش ، عمر الكسحة ، الجمعية التعاونية للطباعة في دمشق سنة1999م ص53

[2]  قلعة سمعان والمواقع الاثرية المجاورة ، حماش حماش  عمر الكسحة  الجمعية التعاونية للطباعة في دمشق سنة 1999م ص11-15

[3]  قلعة سمعان والمواقع الاثرية المجاورة ، حماش حماش ، عمر الكسحة ، الجمعية التعاونية للطباعة في دمشق سنة 1999م ص 18

[4]  موسوعة سورية المسيحية في الالف الاول الميلادي ، المجلد الاول ، سورية الشمالية ، الاب متري هاجي اثناسيوس ص234

[5] -موسوعة سورية المسيحية في الالف الاول الميلادي ، المجلد الاول ، سورية الشمالية ، الاب متري هاجي اثناسيوس ص449

[6] موسوعة سورية المسيحية في الالف الاول الميلادي ،المجلد الاول ، سورية الشمالية ،الاب متري هاجي اثناسيوس ص449

[7] -موسوعة سورية المسيحية في الالف الاول الميلادي ، المجلد الاول ، سورية الشمالية ، الاب متري هاجي اثناسيوس ص431-433

[8] موسوعة سوريا المسيحية في الالف الاول الميلادي ، المجلد الاول، سورية الشمالية ، الاب متري هاجي أثناسيوس ص 510

[9]  قلعة سمعان والمواقع الاثرية المجاورة ، حماش حماش ، عمر الكسحة، الجمعية التعاونية للمطابع في دمشق1999م ص20

 
 
 

www.puresoftwarecode.com