الاحد
التاسع من زمن العنصرة
2 كورنتس
5: 20-21؛ 6: 1-10
لوقا 4:
14-21
مسحة
الروح القدس
الروح القدس الذي حلّ على الكنيسة الناشئة، يوم العنصرة، ويواصل
حلوله عليها وعلى مؤمنيها، هو الذي حلّ على بشرية يسوع المسيح،
ابن الله المتجسد. ان حلوله يُسمى " مسحة الروح" التي تجعلنا
شبيهين بيسوع الذي مسحه الروح فاصبح " المسيح".
انجيل هذا الاحد يكلمنا عن " مسحة الروح" كما تنبأ عنها
اشعيا، ورسالة القديس بولس تحدثنا عن ثمار مسحة الروح، وعمّا
يواجهنا من ضيقات من اجلها.
***
اولاً القراءات
1. انجيل القديس لوقا: 4/14-21
وعَادَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلى
الـجَلِيل، وذَاعَ خَبَرُهُ في كُلِّ الـجِوَار. وكانَ يُعَلِّمُ
في مَجَامِعِهِم، والـجَمِيعُ يُمَجِّدُونَهُ. وجَاءَ يَسُوعُ
إِلى النَّاصِرَة، حَيْثُ نَشَأ، ودَخَلَ إِلى الـمَجْمَعِ
كَعَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْت، وقَامَ لِيَقْرَأ. وَدُفِعَ
إِلَيهِ كِتَابُ النَّبِيِّ آشَعْيا. وفَتَحَ يَسُوعُ الكِتَاب،
فَوَجَدَ الـمَوْضِعَ الـمَكْتُوبَ فِيه: "رُوحُ الرَّبِّ
علَيَّ، ولِهـذَا مَسَحَني لأُبَشِّرَ الـمَسَاكِين،
وأَرْسَلَنِي لأُنَادِيَ بِإِطْلاقِ الأَسْرَى وعَوْدَةِ
البَصَرِ إِلى العُمْيَان، وأُطْلِقَ الـمَقْهُورِينَ أَحرَارًا،
وأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لَدَى الرَّبّ". ثُمَّ طَوَى
الكِتَاب، وأَعَادَهُ إِلى الـخَادِم، وَجَلَس. وكَانَتْ عُيُونُ
جَمِيعِ الَّذِينَ في الـمَجْمَعِ شَاخِصَةً إِلَيْه. فبَدَأَ
يَقُولُ لَـهُم: "أَليَوْمَ تَمَّتْ هـذِهِ الكِتَابَةُ الَّتي
تُلِيَتْ على مَسَامِعِكُم".
نبؤة اشعيا تحققت في يسوع المسيح، ثم في الكنيسة يوم العنصرة،
وتتحقق على المؤمنين بواسطة نعمة اسرار الخلاص السبعة.
روح الرب عليّ مسحني وارسلني
لقد ملأ الروح القدس بشرية يسوع يوم معموديته على نهر الاردن،
عندما نزل الروح واستقرّ عليه بشبه جسم حمامة، وسُمع صوت من
السماء يقول: " انت ابني الحبيب بك رضيت" ( لوقا3:12). هذا الروح
قاده الى البرية حيث صام وصلّى اربعين يوماً، استعداداً لبدء
رسالته التي " كرّسه الروح لها"، وانتصر على تجارب الشيطان (لو4:
1-2). ثم عاد به الى الجليل يسنده في اتمام الرسالة، فكان يلقى
التمجيد من الجميع (لو: 14-15).
"مسحة
الروح"
تعني اختياراً الهياً لشخص، فيكرّسه ويرسله لمهمة معيّنة. في
العهد القديم، كان الانبياء والكهنة والملوك يُمسحون ويكرّسون
بالزيت، للدلالة الرمزية على هذا الاختيار والارسال.
اما يسوع الذي " مُسح"، وأصبح لقبه " المسيح"،
فهو الممتلىء من الروح القدس بشكل دائم، وقد ظهر ذلك للعيان يوم
معموديته على نهر الاردن. هذه " المسحة" او الامتلاء من الروح
القدس، كرّسته نبياً بامتياز يعلن كلمة انجيل الخلاص، وهو
الكلمة اياها؛ وكاهناً بامتياز يفتدي الجنس البشري بذبيحة
ذاته على الصليب فهو الكاهن والذبيحة، ويضعهم في حالة " عبادة
الله بالروح والحق" (يو4: 23)؛ وملكاً بامتياز يؤسس ملكوت
الله في العالم القائم على القداسة والمحبة والعدالة والسلام،
وهو اياه هذا الملكوت.
في نبؤة اشعيا، نجد النبوءة: " ارسلني لأبشر
المساكين وانادي بعودة البصر الى العميان، اي الحقيقة الى
العقول؛ والكهنوت: " ارسلني لاشفي منكسري القلوب"
بالغفران، و"انادي بزمن مرضي الله"، زمن العبادة والقداسة؛ والملوكية:
" ارسلني لاطلق المقهورين احراراً"، ولرفع الظلم واحلال العدالة
والحرية.
لقد اُعطيت " مسحة الروح" الى المسيحيين
بمسحة المعمودية والميرون، ولهذا دُعوا "مسيحيين" بالنسبة اليها،
فجعلتهم على صورة يسوع المسيح، واشركتهم في النبوءة والكهنوت
والملوكية، بحيث يقبلون في نفوسهم الكلمة والنعمة والمحبة،
ويجسدونها حضارة حياة في اعمالهم ونشاطاتهم الزمنية. وجعلتهم "
مسحة الروح" اعضاء في جسده، فكان " المسيح الكلي" حسب
تعبير القديس اغسطينوس، اي الرأس والاعضاء. وهذه هي الكنيسة.
وأعطيت " مسحة الروح" بالدرجات المقدسة الى
الشمامسة والكهنة والاساقفة، فاشركتهم تراتبياً في سلطان
النبؤة والتقديس والملوكية،
بحيث يمارسونها بشخص المسيح وباسمه، كأنهم اداة ناطقة وحيّة
وفاعلة، يواصل هو نفسه، من خلالها، اعلان كلمة الحياة، وتحقيق
ذبيحته والعبادة، وبنيان ملكوت الله البادىء على الارض في
الكنيسة، حيث يتمّ اتحاد المؤمنين بالله عمودياً، وتتحقق الوحدة
فيما بينهم افقياً.
اما " روح الرب" المعطى للمؤمنين بالمعمودية
والميرون، وللاساقفة والكهنة والشمامسة بالرسامة المقدسة، فهو
القوة الالهية التي تكرّس وتصوّر على شبه المسيح، وتعطي مواهب
الروح القدس العقلية والخلقية والروحية، وهي سبع تنبأ عنها اشعيا
نفسه (11: 1-2):
الحكمة والفهم والعلم،
لانارة العقل والايمان.
المشورة والقوة، لمساعدة الارادة على الخيارات
الحرة والواعية ولتشديد الرجاء
بالثبات امام المحنة والتجربة.
التقوى ومخافة الله، لاحياء القلب بالمحبة لله
والسعي فقط الى مرضاته ومجابهة الشر بالخير.
1.
رسالة بولس الرسول الى الثانية اهل كورنتس 5/20-21؛ 6/1-10.
يتكلم بولس الرسول عمّا حققه الروح القدس بمسحته. لقد
اصبحنا "سفراء المسيح" المصالحين مع الله، والحاملين خدمة
المصالحة ( راجع 5: 20)، واصبحنا ايضاً "معاوني الله
بالنعمة التي نلناها" (راجع 6: 1). اننا معاونون في خدمة كلمة
الانجيل (النبوءة)، وخدمة نعمة الاسرار ( التقديس)، وخدمة الوحدة
والمحبة (الملوكية).
ولهذا السبب يدعونا بولس الى الالتزام باثنين:
الاول،
الالتزام بالرسالة المسيحية والكهنوتية لاننا في زمن الخلاص
الدائم وتجنّب اي زلّة تتسبب باللوم لخدمتنا (6: 2-3).
الثاني، الصمود بوجه الضيقات والشدائد،
ومواجهتها بالنزاهة واللطف والمحبة وكلمة الحق وعمل الخير
والاتكال على الهامات الروح (6: 4-7). فلا يصحّ إلا الصحيح، حسب
القول المأثور ( راجع 6: 8-10).
***
ثانيا،
السنة الكهنوتية: وجوه من كهنتنا- القديس شربل كاهن الشهادة
قال خادم الله البابا بولس السادس: " ان العالم بحاجة اليوم الى
شهود اكثر منه الى معلمين"، للدلالة ان التعليم يرتكز اولاً على
شهادة حياة المعلم، مسلكاً وموقفاً وفعلاً، ثم ينطلق الى تلقين
المبادىء والحقائق.
اضحى القديس شربل بكهنوته وحياته الرهبانية والنسكية، الشاهد
بامتياز لوجه يسوع المسيح الذي " مسحه" الروح القدس في بشريته،
وكرّسه الآب وارسله الى العالم نبياً وكاهناً وملكاً للعهد
الجديد. فهو النبي-المعلم والكلمة، والكاهن -الفادي والذبيحة،
والملك-المحبة والملكوت.
علّم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: " ان الكهنة
الذين أُخذوا من بين الناس وأقيموا لدى الله ليتكرسوا كلياً
للخدمة من اجل الناس... لا يستطيعون ان يكونوا خدام المسيح ما لم
يكونوا شهوداً ووكلاء لحياة اخرى غير حياة هذه الارض".
وأضاف: " عليهم ان يؤدوا امام الجميع شهادة حياة.
شربل الكاهن شهادة حياة
مارس الاب شربل الخدمة الكهنوتية المثلثة، خدمة الكلمة وخدمة
القدسيات وخدمة شعب الله، بشكل مثالي، في دير مار مارون عنايا
وفي المحبسة، كل مرة كان يأمره الرئيس. كان يطلب المؤمنون خدمته
الكهنوتية بسبب تأثرهم بمسلكه وخشوعه وورعه. كان يقوم بالمهمة
الروحية المطلوبة منه، ويقوم بها وحدها، ويضع ذاته كلياً فيها.
لا يبحث عن نوع الخدمة، فالمهم في نظره هو الخدمة الروحية كخدمة.
يضع فيها كل كهنوته.
اجتذب شربل الحبيس والكاهن الناس اليه بعزلته وقداسة سيرته.
كانوا يتقاطرون اليه، يستقبلهم بصفته الكهنوتية، اذ يحضرون قداسه
او يعترفون عنده بخطاياهم، وينكبّوا على تقبيل يده، وهو يباركهم
او يصلي لهم على الماء.
يعلّم شربل بمثل حياته ان الكهنوت يقتضي من الكاهن ان يتكرّس
لله، وان يتقدس، وان يتحوّل بكليته الى جوهر كهنوته، حتى يتمكن
من ان يقدس الآخرين بنشر كلمة الله وخدمة الاسرار.
***
ثالثاً، ابعاد زيارة البابا بندكتوس السادس عشر الى الاراضي
المقدسة (8-15
ايار 2009).
في زيارته الى بيت عنيا في الاردن،
حيث المكان الذي قبل فيه الرب يسوع المعمودية من يوحنا المعمدان،
ذكّر قداسة البابا بالاحداث البيبلية التي طبعت محيط نهر الاردن.
فذكّر بايليا النبي التشبيتي الآتي من هذه المنطقة،
وبانفتاح مياه الاردن امامه، ورفعه في عربة من نار
(2ملوك2/9-12). وذكّر بيوحنا المعمدان ابن زكريا، الذي
نادى بتوبة القلوب، والتقى يسوع وعمّده، " فمسحه" بالروح القدس
الذي نزل عليه بشكل حمامة، واعلنه انه " ابن الله الحبيب"
(يو1/28؛مر1/9-11).
واعلن البابا حجر الاساس لكنيستين، واحدة للاتين وواحدة للملكيين
الروم الكاثوليك، وهذا الحجر يرمز الى المسيح الذي عليه تُبنى
الكنيسة المسيحية، مثل حجر الزاوية للبيت. يسوع هو حجر الاساس
الحي، والمسيحيون مدعوون ليكونوا حجارة حيّة لبناء البيت الروحي،
حيث سكن الله (1بطرس2: 5-7؛ افسس2:20-22).
وذكّر في المناسبة ان الكنيسة هي " المسيح الكلي"،
حسب تعبير القديس اغسطينوس، ويعني ملء او كليّة جسد المسيح،
الرأس والاعضاء، اي المسيح ونحن، على مثال الكرمة والاغصان (راجع
يو 15: 1-8). وقال: " الكنيسة في المسيح هي جماعة الحياة الجديدة
التي تقدّسها النعمة الجارية منه. وهكذا، بواسطة الكنيسة، المسيح
يطهّر القلوب بنعمته، وينير العقول بكلامه، ويجعلنا متحدين مع
الآب بمحبته، ويحثّنا بالروح القدس على ممارسة المحبة المسيحية".
واضاف: بالمعمودية ننتمي الى الكنيسة. هذا السّر اسسه
الرب يسوع رسمياً بعد موته وقيامته. بماء المعمودية نغتسل ونصبح
اعضاء في عائلة المسيح؛ حياتنا تحوّلت، وفقاً لكلمته، وصارت على
صورته ومثاله. ان المعمودية تستحثنا كل يوم للالتزام بالتوبة
والشهادة للمسيح والرسالة المسيحية.
من منطلق الانتماء الى الكنيسة والالتزام بمفاعيل المعمودية،
يكون دور المسيحيين في هذا الشرق الاوسط تعزيز الحوار والتفاهم
في المجتمع المدني، والمساهمة في تحقيق المصالحة واحلال السلام،
عبر الغفران وسخاء القلب.
***
رابعاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
في اطار تقبل النص السادس عشر:" في التعليم العام
والتقني"، تواصل الخطة الراعوية التفكير في " التطلعات
والتوجهات"، وهي الخطة المستقبلية. استعرضنا اربعة تطلعات
واليوم ثلاثة جديدة.
1. مواجهة النزعات الاصولية (الفقرتان 46-47).
ان النزاعات الاصولية
تشكل خطراً مباشراً على نوعية التربية. فهي ترفض الآخر المختلف،
وتعلّم العنف، وتضع حدوداً على حرية التفكير.
يقدم المجمع ثلاثة مبادىء لمواجهة هذه النزعات.
أ-
التأكيد ان العنف ليس طريقة لحلّ المشاكل والنزعات.
ب-
التربية على تاريخ السلام والعلاقات بين الحضارات، بدلاً من
تاريخ الحروب حصراً.
ج- الفهم الحقيقي والموضوعي للاصوليات، والتدريب على كيفية
التعاطي معها، وعلى حلّ النزاعات بالوسائل السلمية. وتشجيع
اللقاءات والتعارف والحوار بين الطلاب من مختلف الفئات والمذاهب
والجماعات الدينية.
2. استثمار الموارد من اجل القيام بعمل تربوي جيّد
(الفقرتان 49و50)
يدعو المجمع البطريركي كل جماعة تربوية لترسيخ القناعات التالية:
أ-
تهيئة اشخاص كنسيين وعلمانيين لتولّي مسؤوليات ادارية تربوية في
المدرسة، وفقاً لطاقاتهم وقدراتهم، بما يلزم من اختصاص ودورات
تدريبية، مع التوصية باسناد مسؤوليات تربوية ادارية الى
العلمانيين الكفوئين.
ب-
تثمير طاقات القدامى واولياء الطلاب لصالح المدرسة ومستقبلها.
ج- تعزيز جودة برنامج التعليم المسيحي الى جانب جودة البرامج
العلمية.
د- تنظيم صناديق تعاضدية لتوفير منح مدرسية للطلاب المحتاجين،
ولمساعدة المدارس على ابقاء اقساطها في متناول العائلات،
ومساعدتها على تطوير تجهيزاتها ومواردها المادية والبشرية.
2.
انتشار المدرسة الجغرافي
(الفقرتان 50 و51)
تتوزع مدارسنا على ثلاث مناطق جغرافية حيث الغالبية المارونية او
المسيحية، والغالبية الاسلامية، والانتشار. يُطلب من الجماعات
التربوية في الابرشيبات والرهبانيات رسم خطة لانشاء مدارس حيث
تدعو الحاجة في المناطق الثلاث، على اساس التنسيق والتكامل وسدّ
الحاجات.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، لقد أشركتنا في مسحة روحك القدوس، وفي كهنوت
التعليم والتقديس وملوكية المحبة، لكي نواصل رسالتك الخلاصية،
وتحققها فينا، وبواسطتنا في هذا العالم. اننا نجدد اليوم
التزامنا بالمعمودية والميرون وبدرجات الكهنوت المقدسة. في هذه
السنة الكهنوتية، نتأمل ونصلي لكي يعي الشعب المسيحي كرامة
كهنوته العام، والمقامون في الدرجات المقدسة شرف خدمتهم وقدسيتها
ومسؤوليتها. اعضدنا، ايها المسيح الكاهن الازلي، لنستعيد بنعمة
الروح القدس جمال بهاء الكهنوت فينا، وننطلق، كمن عنصرة جديدة،
الى الشهادة والرسالة، وقد عاهدتنا بانك ترسلنا كما ارسلك الآب،
وانك معنا الى نهاية العالم. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن
والروح القدس، الآن والى الآبد، آمين.
|