زمن العنصرة - تابع
بحسب طقس الكنيسة الانطاكية السريانية المارونية
العنصرة 1   العنصرة 2

التنشئة المسيحية 2008 - 2009

 
  • العنصرة 1 - من عيد العنصرة الى الاحد السابع من زمن العنصرة
  • العنصرة 2 - من الاحد الثامن من زمن العنصرة الى الاحد الخامس عشر من زمن العنصرة
  1. عيد حلول الروح القدس - العنصرة - عيد تثبيت الكنيسة
  2. عيد الثالوث الاقدس - الشركة مع الله الثالوث ورسالة الكنيسة
  3. الاحد الثالث من زمن  العنصرة - المؤمن سكنى الله الثالوث
  4. الاحد الرابع بعد العنصرة - مدعوون لنغتني بفكر المسيح
  5. الاحد الخامس من زمن العنصرة -  عيد القديسين بطرس وبولس
  6. الاحد السادس من زمن العنصرة - الكنيسة جسد المسيح، مرسلة للشهادة للمسيح
  7. لاحد السابع من زمن العنصرة - بنعمة المسيح مخلصون ومرسلون
     
  8. الاحد الثامن من زمن العنصرة - الدعوة المسيحية للتشبّه بالمسيح
  9. الاحد التاسع من زمن العنصرة - مسحة الروح القدس
  10. الاحد العاشر من زمن العنصرة - ناقص
  11. الاحد الحادي عشر من زمن العنصرة - المصالحة والوحدة بالمسيح
  12. الاحد الثاني عشر من زمن العنصرة - عيد الانتقال آخر عظائم الله
  13. الاحد الثالث عشر  من زمن العنصرة - خدمة الكلمة والمشاركة في كهنوت المسيح
  14. الاحد الرابع عشر من زمن  العنصرة - مقتضيات الكرازة بانجيل الله
  15. الاحد الخامس عشر من زمن العنصرة - التحوّل الى الانسان الجديد

 


 

الاحد الثامن من زمن العنصرة

عيد القديس شربل

روميه8: 28-39

متى 13: 36-43

الدعوة المسيحية للتشبّه بالمسيح

 

تحتفل الكنيسة اليوم بعيد القديس شربل (1828-1898) الذي تظهر شخصيته من خلال قراءات عيده. في الرسالة الاولى الى اهل روميه، يتكلم بولس الرسول عن الدعوة الى ان نكون على صورة المسيح الذي كشف للانسان انسانيته، وعن الضمانة المعطاة لنا بوجه قوى الشر من محبة الله لنا بيسوع المسيح ربنا. أما في الانجيل، فيدعونا الرب يسوع الى المحافظة على طبيعتنا كحبة قمح زرعها في ارض هذا العالم، فنتلألأ كالشمس في ملكوت الله. لقد حقق القديس شربل هاتين الدعوتين بامتياز، دعوة بولس الرسول ودعوة الرب يسوع. فيما نحيي عيده، نحتفل ايضاً بمرور 150 سنة على رسامته الكهنوتنية.

 

اولاً، قاعدة الحياة في القراءتين: الرسالة والانجيل

 

1.     من رسالة القديس بولس الرسول الى اهل رومية: 8/28-39

ونَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يَعْمَلُ كُلَّ شَيءٍ لِخَيْرِ الَّذينَ يُحِبُّونَهُ، أُولـئِكَ الَّذينَ دَعَاهُم بِحَسَبِ قَصْدِهِ؛ أَنَّ الَّذينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُم، سَبَقَ أَيْضًا فحَدَّدَهُم أَنْ يَكُونُوا مُشَابِهينَ لِصُورَةِ ابْنِهِ، حَتَّى يَكُونَ ابْنُهُ بِكْرًا لإِخْوَةٍ كَثِيرِين. والَّذِينَ سَبَقَ فحَدَّدَهُم، هـؤُلاءِ أَيْضًا دَعَاهُم، والَّذِينَ دَعَاهُم، هـؤُلاءِ أَيْضًا بَرَّرَهُم، والَّذِينَ بَرَّرَهُم، هـؤُلاءِ أَيْضًا مَجَّدَهُم. إِذًا فَمَاذَا نَقُولُ بَعْد؟ إِذَا كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ فاللهُ الَّذي لَمْ يَبْخُلْ بِابْنِهِ، بَلْ سَلَّمَهُ إِلَى الـمَوْتِ مِنْ أَجْلِنَا جَميعًا، كَيْفَ لا يَهَبُ لَنَا مَعَهُ أَيْضًا كُلَّ شَيء؟ فَمَنْ يَشْكُو مُخْتَارِي الله؟ أَللهُ يُبَرِّرُهُم. فَمَنِ الَّذي يَدِين؟ هوَ الـمَسِيحُ يَسُوعُ الَّذي مَات، بَلْ أُقِيم، وهوَ أَيْضًا عَنْ يَمينِ الله، وهُوَ أَيْضًا يَشْفَعُ لَنَا! مَنْ يَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الـمَسِيح؟ أَضِيقٌ، أَمْ شِدَّةٌ، أَمِ اضْطِهَادٌ، أَمْ جُوعٌ، أَمْ عُرْيٌ، أَمْ خَطَرٌ، أَمْ سَيْف؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوب: "إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ النَّهَارَ كُلَّهُ، وقَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْح!". إِلاَّ أَنَّنَا في كُلِّ ذـلِكَ نَغْلِبُ بِالَّذي أَحَبَّنَا. فإِنِّي لَوَاثِقٌ أَنَّهُ لا مَوْتَ ولا حَيَاة، ولا ملائِكَةَ ولا رِئَاسَات، ولا حَاضِرَ ولا مُسْتَقْبَل، ولا قُوَّات، ولا عُلْوَ ولا عُمْق، ولا أَيَّ خَلِيقَةٍ أُخْرَى تقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتي في الـمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.

 

يدعونا بولس الرسول الى التشبّه بالمسيح، فنتّم في بشريتنا صورة الانسان الجديد الذي ظهر كاملاً في بشرية يسوع. انها دعوة عامة، لا تقتصر على هذا او ذاك من المؤمنين، بل تشمل الكنيسة بكل اعضائها، كجسد المسيح. فأبناء الكنيسة، يقول بولس الرسول، " عرفهم الله" ثم  "دعاهم" بحسب قصده، و"بررهم" بموته وقيامته وبفعل روحه القدوس، واخيراًُ " مجّدهم" فأشركهم في سرّ فصحه، بالموت والقيامة في التاريخ، ثم في مجد السماء. لكن الاساس هو " ان يكونوا مشابهين لصورة ابن الله، حتى يكون الابن بكراً لاخوة كثيرين" (روم 8: 29).

ويتكلم بولس الرسول عن الضمانة التي تعطى لجماعة المؤمنين وهي " الله معنا" (8: 31): " اذا كان الله معنا، فمن علينا؟" " لا يستطيع احد ان يفصلنا عن محبة المسيح". ويعدّد القوى والاخطار والاضطرابات المادية والمعنوبية والشخصية التي لن يكون بامكانها ان تفصلنا عن محبة المسيح (انظر8: 35، 38، 39).

هذا يعني ان حياتنا ليست مفروشة بالورود. فالايمان هو اليقين، الذي يعبّر عنه بولس، من " ان الله يعمل كل شيء لخير الذين يحبونه" (8: 28). والرجاء هو الصمود والثبات بوجه المحن على هذا اليقين، " فالله الذي لم يبخل بابنه، بل سلّمه الى الموت من اجلنا جميعاً، كيف لا يهب لنا معه كل شيء؟" (روم8: 32). اما المحبة فهي البذل الذاتي المتفاني في سبيل من نحب، كما يؤكد بولس: " اننا من اجلك نمات النهار كله، وقد حسبنا مثل غنم للذبح!" ( 8: 36).

ان حياة القديس شربل، النسكية المتقشفة، خير نموذج لنا في عيش مضمون رسالة القديس بولس هذه.

 

2.     المدعوون هم مثل حبة القمح ( متى 13: 36-43).

 

علّم الرب يسوع الحقائق الخلاصية الخفيّة والعصيّة على العقل البشري بالامثال. اما بولس فأعطى لاهوتها. انه اول لاهوتي في المسيحية والكنيسة، ولاهوتي بامتياز. فالذين يدعوهم بولس " محددين ومدعوين من الله ومبررين" هم في المثل الانجيلي " حبات القمح" المزروعة في حقل العالم. و" القوى المعادية" للمدعوين والمبررين هي " حبّات الزؤان" التي يزرعها الشيطان الى جانب القمح، لتنتزع ماويته، وتعرقل نموه وثماره.

         ان " الصمود والثبات" بوجه المحن عند بولس، يعبّر عنه الرب يسوع بعدم اقتلاع الزؤان لئلا يُقلع القمح معه، وبالنمو معاً حتى الحصاد ( متى13: 29-30).

         وعندما يتحدث بولس الرسول عن أن " الله معنا" يجعل ان يؤول كل شيء الى خير احبائه، نجد مرادفه حسب المثل الانجيلي في الحصادين الذين يجمعون الزؤان ويحرقونه في النار، بينما الابرار، المتمثلون بحبات القمح " فيتلألؤن كالشمس في ملكوت ابيهم" ( متى 13/43). هذا هو عند بولس " مجد" الذين دعاهم الله وبررهم.

هنا تسطع كل شخصية القديس شربل الذي تشبّه في العمق بيسوع المسيح، بكامل محبته له كراهب وكاهن، وحافظ على جمال الحالة المسيحية والكيان الرهباني والكهنوتي، فكان انه يتلألأ الى الابد كالشمس في ملكوت السماء، وينير على الارض نعم السماء.

 

****

 

ثانيا، السنة الكهنوتية: وجوه من كهنتنا- القديس شربل كاهن القربان

 

تحتفل الكنيسة في هذا الاحد، وهو الثالث من شهر تموز، بعيد القديس شربل الراهب الحبيس والكاهن. يجدر في هذه السنة الكهنوتية اظهار وجهه الكهنوتي، لكي يكون مثالاً لكل كاهن.

تمحورت حياة القديس شربل الرهبانية والنسكية حول ذبيحة القداس وسرّ القربان، فالرب الحاضر في هذا السّر كان نقطة انطلاقه ونقطة وصوله في حياته اليومية.

علّم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: "ان الكاهن مكرّس من الله، على يد الاسقف لكي يكون، في اقامة الخدم المقدسة، خادماً للمسيح الذي يتمم باستمرار خدمته الكهنوتية، بواسطة روحه القدوس في الليتورجيا، لخيرنا جميعاً... لكن كل الخدم المقدسة مرتبطة بسرّ القربان (الافخارستيا) وموجّهة اليه، لان فيه كل خير الكنيسة الروحي، اي المسيح فصحنا-المائت تكفيراً عن خطايانا والقائم من الموت لتبريرنا-والخبز الحي الذي يعطي الحياة للبشر بجسده الحي والمحيي بالروح القدس. ولهذا يُدعى الشعب والكاهن ويٌقادون الى تقدمة ذواتهم واعمالهم وكل الخليقة لله بالاتحاد مع المسيح... وبما ان في الاحتفال بذبيحة القداس (الافخارستيا)، يرفع الكهنة صلاة التسبيح والشكر لله، فانهم يواصلون هذه الصلاة على مدى ساعات النهار بتلاوة الفرض الالهي، باسم الكنيسة من اجل الشعب الذي اُوكل اليهم، بل من اجل العالم كله"[1].

في ضوء هذا التعليم، ينجلي امامنا وجه شربل الكاهن والراهب المكرّس[2]. كان يقضي معظم وقته امام القربان المقدس، عندما لم يكن عاملاً في الحقل. كان يحضر قداسات جميع اخوته الكهنة، ويستعد استعداداً طويلاً لتقدمة الليتورجية الالهية من بعدهم. كان يتلو قداسه بكل خشوع وتقوى، وتبدو على وجهه علامة الرزانة والتواضع، ويقضي في تلاوته ساعة او اكثر لاستغراقه بالتأمل، ولحرصه على اتقان جميع الفرائض الطقسية.

واصبح القداس محور حياته واعماله. فكان عمل اليد لديه والتأمل الدائم والممارسات النسكية والتقشفية وحياته بمجملها، قداساً مستمراً ومتجدداً، يحوّل كل شيء فيه ذبيحة وقرباناً، على مثال الرب يسوع سيده ومعلمه. أضاف هذا الكهنوت المعاش على نهجه النسكي معنى لاهوتياً وخلاصياً. فسهره الدائم في المحبسة على مدى 23 سنة، كان مثل المسيح في بستان الزيتون، في محاورة مع ربه، يسأله الغفران، ويجود بنفسه متطوعاً للفداء. وهكذا ظلّ شربل الكاهن حتى وفاه الأجل وهو في ذبيحة القداس متماهٍ مع المسيح الذبيح، وحامل القربان بيديه: ويصلي: " يا ابا الحق، هوذا ابنك ذبيحة ترضيك".

اجل لقد بلغت حياة شربل الرهبانية والنسكية كمالها وذروتها بالكهنوت. فلم يكن كهنوته مجرد رتبة او وظيفة طقوسية، بل اضحى فيه كمال المحبة لله والاتحاد بالمسيح الكاهن والفادي. بكهنوته لبس المسيح، واصبح بسيرة حياته الكهنوتية والرهبانية والنسكية، سراجاً على منارة وعلامة للملكوت بين ابناء البشر. هو الذي صلّى عليه الاسقف يوسف المريض يوم رسامته في بكركي في 23 تموز 1959، " ليكون لكل واحد مصباح نور الابن الوحيد". نحن نصلي لكي يتذكر كل كاهن هذه الصلاة التي تلاها عليه ايضاً الاسقف ساعة رسامته.

 

****

 

ثالثاً، ابعاد زيارة البابا بندكتوس السادس عشر الى الاراضي المقدسة (8-15 ايار 2009)

شملت زيارة قداسة البابا الى الاراضي المقدسة كلاً من الاردن واسرائيل والاراضي الفلسطينية. وسمّاها قداسته، بعد عودته الى روما، في كلمته قبل التبشير الملائكي، الاحد 17 ايار، رحلة رسولية فيها زيارة حج الى الاراضي المقدسة، وزيارة راعوية الى المؤمنين العائشين هناك، وخدمة لثلاث قضايا: لوحدة المسيحيين، للحوار مع اليهود والمسلمين، لبنيان السلام.

في هذه المناسبة، قال البابا: " ان الارض المقدسة رمز محبة الله لشعبه وللبشرية جمعاء، ورمز الحرية والسلام اللذين يريدهما الله لكل ابنائه. غير ان التاريخ، في الامس واليوم، أظهر ان هذه الارض اصبحت ايضاً رمز التناقض، اي الانقسامات والنزاعات المتواصلة بين الاخوة، ما يقتضي البحث من كل القلب عن تصميم الله الخفي الذي ارسل ابنه ذبيحة عن خطايانا" (1يو4:10). وأضاف قداسته: " الارض المقدسة تُدعى ايضاً "الانجيل الخامس"، لاننا نستطيع هنا ان نرى بل وان نلمس واقع التاريخ الذي حققه الله مع الناس، بدءاً من الامكنة حيث عاش ابراهيم الى امكنة حياة يسوع، من التجسّد الى القبر الفارغ، علامة القيامة. دخل الله هذه الارض، وعمل معنا في هذا العالم. ان تاريخ الخلاص يبدأ باختيار شخص هو ابراهيم، ثُم شعب. لكنه منفتح على شمولية الخلاص لجميع الشعوب. هذا التاريخ مطبوع بالخصوصيات والشمولية، كما جاء في كتاب اعمال الرسل: الله لا يُفرّق بين الناس. بل مهما كان عرقهم، فانه يقبل كل الذين يعبدونه ويفعلون ما هو عدل" ( اعمال10:35).

وقال الاب الاقدس ايضاً: " الارض المقدسة تمثّل الطريق الصعب الذي سلكه الله مع البشرية. طريق فيه الخطيئة وصليب الفداء، وفيه وفرة الحب الالهي وفرح الروح القدس. وهو ايضاً طريق يتجّه، عبر اودية آلامنا، نحو ملكوت الله، الذي ليس من هذا العالم، ولكنه في هذا العالم، وينبغي ان يتوطد فيه بقوة العدل والسلام".

وانهى ان الحوار مع الاديان واجب ويهدف الى احياء مخافة الله في قلب الانسان، وممارسة العدل، وفتح آفاق العالم على ملكوت الله.

 

***

 

رابعاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

تواصل الخطة تطبيق النص المجمعي السادس عشر: الكنيسة المارونية والتربية، في التعليم العام والتقني، وتحديداً القسم الثاني من الفصل الثالث: التطلعات والتوجهات، حيث الاستراتيجية المستقبلية، بتطلعاتها التالية:

 

1.     انسجام الرسالة التربوية مع رسالة الكنيسة المارونية ( الفقرة 41)

لا يمكن ان تتحقق الرسالة التربوية في مدارسنا بمعزل عن رسالة الكنيسة، ما يقتضي من المدرسة ان تدرك باستمرار وتطلع على توجّه الكنيسة، وقراءتها لعلامات الازمنة في الاحداث الراهنة، لكي تُدخّل هذا التوجه في برامجها التثقيفية على المستوى الديني والاجتماعي والاخلاقي والانساني، وصولاً الى هدف التربية الشاملة، من حيث ابعادها وحاجات الطلاب القادرين وذوي الحالات الخاصة.

2.     المشاركة في التطوير التربوي والالتزام به (الفقرة 42).

         تدعو الكنيسة مدارسها الى الاستمرار في التطوير التربوي للمناهج والخدمات والبيئة المدرسية والتجهيزات ومصادر التعليم واستخدام التكنولوجيا والمعلوماتية، والى المشاركة في عملية التطوير والتعديل.

 

3.     إعداد الطاقات البشرية (الفقرة 43)

يرتكز هذا النص على المعلم، الذي هو أهم من الموارد الطبيعية والمالية والتكنولوجية، والعنصر الاساس في كل تحديث وتجدد، ما يقتضي منه:

أ‌-       مواكبة مناهل العلم ومصادره وتنوعاته، والتتلمذ الذاتي بالاعداد المستمر.

ب‌-  تشديد العلاقة الانسانية بالتلميذ،، بالاصغاء اليه وسماعه وارشاده الى حلّ مشاكله.

ج- تنمية شخصية المعلم بالتفهّم والصبر ومحبة الطلاب واحترامهم وحب النظام

    وبث روح التعاون والثقة بالنفس وروح المسؤولية وامتلاك المادة التي يدرّسها، وبكسب علم النفس وطرق التدريس.

 

4.     هيكلية التعاون والمشاركة في الادارة على مستوى الاسرة التربوية (الفقرة 45).

لا يجوز ان تبقى سياسة المدرسة خاضعة لشخصية رئيسها او مديرها، فتتبدّل مع تبدّله. المطلوب تطوير المشاركة في الادارة، فيشعر الجميع انهم شركاء في صنع الاسرة التربوية من اهل ومعلمين وقدامى، من اجل تثمير طاقاتهم. 

***

صلاة 

ايها الرب يسوعِ، يا طريق الله الينا وطريقنا اليه، بك دعانا الآب لنكون شبيهين بك، وانت اخترتنا باالدعوة المسيحية لنقيم معك ونتحول الى صورتك في انسانيتنا، والروح القدس بررنا وقدسنا وكان لنا عربون المجد الابدي. ساعدنا بقوة صليبك ونعمة قيامتك ان نصمد بوجه قوى الشّر التي تعترض طريقنا اليك والى الله، وان ننتصر عليها بالصبر والسهر والصلاة، على مثال القديس شربل. قدّس الكهنة، في هذه السنة الكهنوتية، لكي يتواصل حضور عملك الخلاصي ويتحقق في الكنيسة والعالم، بخدمتهم التي جعلتها اداة لعملك. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الأبد، آمين.


[1] . القرار المجمعي: في خدمة الكهنة وحياتهم،5.

[2] . مجلة شربل عدد 261، ك2-اذار 1988، الاب توما مهنا: شربل الكاهن، ص 2-10.

 


 

الاحد التاسع من زمن العنصرة

2 كورنتس 5: 20-21؛ 6: 1-10

لوقا 4: 14-21

مسحة الروح القدس

 

         الروح القدس الذي حلّ على الكنيسة الناشئة، يوم العنصرة، ويواصل حلوله عليها وعلى مؤمنيها، هو الذي حلّ على بشرية يسوع المسيح، ابن الله المتجسد. ان حلوله يُسمى " مسحة الروح" التي تجعلنا شبيهين بيسوع الذي مسحه الروح فاصبح " المسيح".

         انجيل هذا الاحد يكلمنا عن " مسحة الروح" كما تنبأ عنها اشعيا، ورسالة القديس بولس تحدثنا عن ثمار مسحة الروح، وعمّا يواجهنا من ضيقات من اجلها.

 

***

 

اولاً القراءات

 

         1. انجيل القديس لوقا: 4/14-21

 

         وعَادَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلى الـجَلِيل، وذَاعَ خَبَرُهُ في كُلِّ الـجِوَار. وكانَ يُعَلِّمُ في مَجَامِعِهِم، والـجَمِيعُ يُمَجِّدُونَهُ. وجَاءَ يَسُوعُ إِلى النَّاصِرَة، حَيْثُ نَشَأ، ودَخَلَ إِلى الـمَجْمَعِ كَعَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْت، وقَامَ لِيَقْرَأ. وَدُفِعَ إِلَيهِ كِتَابُ النَّبِيِّ آشَعْيا. وفَتَحَ يَسُوعُ الكِتَاب، فَوَجَدَ الـمَوْضِعَ الـمَكْتُوبَ فِيه: "رُوحُ الرَّبِّ علَيَّ، ولِهـذَا مَسَحَني لأُبَشِّرَ الـمَسَاكِين، وأَرْسَلَنِي لأُنَادِيَ بِإِطْلاقِ الأَسْرَى وعَوْدَةِ البَصَرِ إِلى العُمْيَان، وأُطْلِقَ الـمَقْهُورِينَ أَحرَارًا، وأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لَدَى الرَّبّ". ثُمَّ طَوَى الكِتَاب، وأَعَادَهُ إِلى الـخَادِم، وَجَلَس. وكَانَتْ عُيُونُ جَمِيعِ الَّذِينَ في الـمَجْمَعِ شَاخِصَةً إِلَيْه. فبَدَأَ يَقُولُ لَـهُم: "أَليَوْمَ تَمَّتْ هـذِهِ الكِتَابَةُ الَّتي تُلِيَتْ على مَسَامِعِكُم".

 

         نبؤة اشعيا تحققت في يسوع المسيح، ثم في الكنيسة يوم العنصرة، وتتحقق على المؤمنين بواسطة نعمة اسرار الخلاص السبعة.

         روح الرب عليّ مسحني وارسلني

         لقد ملأ الروح القدس بشرية يسوع يوم معموديته على نهر الاردن، عندما نزل الروح واستقرّ عليه بشبه جسم حمامة، وسُمع صوت من السماء يقول: " انت ابني الحبيب بك رضيت" ( لوقا3:12). هذا الروح قاده الى البرية حيث صام وصلّى اربعين يوماً، استعداداً لبدء رسالته التي " كرّسه الروح لها"، وانتصر على تجارب الشيطان (لو4: 1-2). ثم عاد به الى الجليل يسنده في اتمام الرسالة، فكان يلقى التمجيد من الجميع (لو: 14-15).

         "مسحة الروح" تعني اختياراً الهياً لشخص، فيكرّسه ويرسله لمهمة معيّنة. في العهد القديم، كان الانبياء والكهنة والملوك يُمسحون ويكرّسون بالزيت، للدلالة الرمزية على هذا الاختيار والارسال.

         اما يسوع الذي " مُسح"، وأصبح لقبه " المسيح"، فهو الممتلىء من الروح القدس بشكل دائم، وقد ظهر ذلك للعيان يوم معموديته على نهر الاردن. هذه " المسحة" او الامتلاء من الروح القدس، كرّسته نبياً بامتياز يعلن كلمة انجيل الخلاص، وهو الكلمة اياها؛ وكاهناً بامتياز يفتدي الجنس البشري بذبيحة ذاته على الصليب فهو الكاهن والذبيحة، ويضعهم في حالة " عبادة الله بالروح والحق" (يو4: 23)؛ وملكاً بامتياز يؤسس ملكوت الله في العالم القائم على القداسة والمحبة والعدالة والسلام، وهو اياه هذا الملكوت.

         في نبؤة اشعيا، نجد النبوءة: " ارسلني لأبشر المساكين وانادي بعودة البصر الى العميان، اي الحقيقة الى العقول؛ والكهنوت: " ارسلني لاشفي منكسري القلوب" بالغفران، و"انادي بزمن مرضي الله"، زمن العبادة والقداسة؛ والملوكية: " ارسلني لاطلق المقهورين احراراً"، ولرفع الظلم واحلال العدالة والحرية.

         لقد اُعطيت " مسحة الروح" الى المسيحيين بمسحة المعمودية والميرون، ولهذا دُعوا  "مسيحيين" بالنسبة اليها، فجعلتهم على صورة يسوع المسيح، واشركتهم في النبوءة والكهنوت والملوكية، بحيث يقبلون في نفوسهم الكلمة والنعمة والمحبة، ويجسدونها حضارة حياة في اعمالهم ونشاطاتهم الزمنية. وجعلتهم " مسحة الروح" اعضاء في جسده، فكان " المسيح الكلي" حسب تعبير القديس اغسطينوس، اي الرأس والاعضاء. وهذه هي الكنيسة.

         وأعطيت " مسحة الروح" بالدرجات المقدسة الى الشمامسة والكهنة والاساقفة، فاشركتهم تراتبياً في سلطان النبؤة والتقديس والملوكية[1]، بحيث يمارسونها بشخص المسيح وباسمه، كأنهم اداة ناطقة وحيّة وفاعلة، يواصل هو نفسه، من خلالها، اعلان كلمة الحياة، وتحقيق ذبيحته والعبادة، وبنيان ملكوت الله البادىء على الارض في الكنيسة، حيث يتمّ اتحاد المؤمنين بالله عمودياً، وتتحقق الوحدة فيما بينهم افقياً[2].

         اما " روح الرب" المعطى للمؤمنين بالمعمودية والميرون، وللاساقفة والكهنة والشمامسة بالرسامة المقدسة، فهو القوة الالهية التي تكرّس وتصوّر على شبه المسيح، وتعطي مواهب الروح القدس العقلية والخلقية والروحية، وهي سبع تنبأ عنها اشعيا نفسه (11: 1-2):

         الحكمة والفهم والعلم، لانارة العقل والايمان.

         المشورة والقوة، لمساعدة الارادة على الخيارات الحرة والواعية ولتشديد الرجاء

                       بالثبات امام المحنة والتجربة.

         التقوى ومخافة الله، لاحياء القلب بالمحبة لله والسعي فقط الى مرضاته ومجابهة الشر بالخير.

 

1.     رسالة بولس الرسول الى الثانية اهل كورنتس 5/20-21؛ 6/1-10.

        يتكلم بولس الرسول عمّا حققه الروح القدس بمسحته. لقد اصبحنا "سفراء المسيح" المصالحين مع الله، والحاملين خدمة المصالحة ( راجع 5: 20)، واصبحنا ايضاً "معاوني الله بالنعمة التي نلناها" (راجع 6: 1). اننا معاونون في خدمة كلمة الانجيل (النبوءة)، وخدمة نعمة الاسرار ( التقديس)، وخدمة الوحدة والمحبة (الملوكية).

         ولهذا السبب يدعونا بولس الى الالتزام باثنين:

         الاول، الالتزام بالرسالة المسيحية والكهنوتية لاننا في زمن الخلاص الدائم وتجنّب اي زلّة تتسبب باللوم لخدمتنا (6: 2-3).

         الثاني، الصمود بوجه الضيقات والشدائد، ومواجهتها بالنزاهة واللطف والمحبة وكلمة الحق وعمل الخير والاتكال على الهامات الروح (6: 4-7). فلا يصحّ إلا الصحيح، حسب القول المأثور ( راجع 6: 8-10).

 

***

 

ثانيا، السنة الكهنوتية: وجوه من كهنتنا- القديس شربل كاهن الشهادة

 

قال خادم الله البابا بولس السادس: " ان العالم بحاجة اليوم الى شهود اكثر منه الى معلمين"، للدلالة ان التعليم يرتكز اولاً على شهادة حياة المعلم، مسلكاً وموقفاً وفعلاً، ثم ينطلق الى تلقين المبادىء والحقائق.

اضحى القديس شربل بكهنوته وحياته الرهبانية والنسكية، الشاهد بامتياز لوجه يسوع المسيح الذي " مسحه" الروح القدس في بشريته، وكرّسه الآب وارسله الى العالم نبياً وكاهناً وملكاً للعهد الجديد. فهو النبي-المعلم والكلمة، والكاهن -الفادي والذبيحة، والملك-المحبة والملكوت.

علّم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: " ان الكهنة الذين أُخذوا من بين الناس وأقيموا لدى الله ليتكرسوا كلياً للخدمة من اجل الناس... لا يستطيعون ان يكونوا خدام المسيح ما لم يكونوا شهوداً ووكلاء لحياة اخرى غير حياة هذه الارض"[3]. وأضاف: " عليهم ان يؤدوا امام الجميع شهادة حياة[4].

شربل الكاهن شهادة حياة[5]

 

مارس الاب شربل الخدمة الكهنوتية المثلثة، خدمة الكلمة وخدمة القدسيات وخدمة شعب الله، بشكل مثالي، في دير مار مارون عنايا وفي المحبسة، كل مرة كان يأمره الرئيس. كان يطلب المؤمنون خدمته الكهنوتية بسبب تأثرهم بمسلكه وخشوعه وورعه. كان يقوم بالمهمة الروحية المطلوبة منه، ويقوم بها وحدها، ويضع ذاته كلياً فيها. لا يبحث عن نوع الخدمة، فالمهم في نظره هو الخدمة الروحية كخدمة. يضع فيها كل كهنوته.

اجتذب شربل الحبيس والكاهن الناس اليه بعزلته وقداسة سيرته. كانوا يتقاطرون اليه، يستقبلهم بصفته الكهنوتية، اذ يحضرون قداسه او يعترفون عنده بخطاياهم، وينكبّوا على تقبيل يده، وهو يباركهم او يصلي لهم على الماء.

يعلّم شربل بمثل حياته ان الكهنوت يقتضي من الكاهن ان يتكرّس لله، وان يتقدس، وان يتحوّل بكليته الى جوهر كهنوته، حتى يتمكن من ان يقدس الآخرين بنشر كلمة الله وخدمة الاسرار.

 

***

 

ثالثاً، ابعاد زيارة البابا بندكتوس السادس عشر الى الاراضي المقدسة (8-15 ايار 2009).

في زيارته الى بيت عنيا في الاردن[6]، حيث المكان الذي قبل فيه الرب يسوع المعمودية من يوحنا المعمدان، ذكّر قداسة البابا بالاحداث البيبلية التي طبعت محيط نهر الاردن. فذكّر بايليا النبي التشبيتي الآتي من هذه المنطقة، وبانفتاح مياه الاردن امامه، ورفعه في عربة من نار (2ملوك2/9-12). وذكّر بيوحنا المعمدان ابن زكريا، الذي نادى بتوبة القلوب، والتقى يسوع وعمّده، " فمسحه" بالروح القدس الذي نزل عليه بشكل حمامة، واعلنه انه " ابن الله الحبيب" (يو1/28؛مر1/9-11).

واعلن البابا حجر الاساس لكنيستين، واحدة للاتين وواحدة للملكيين الروم الكاثوليك، وهذا الحجر يرمز الى المسيح الذي عليه تُبنى الكنيسة المسيحية، مثل حجر الزاوية للبيت. يسوع هو حجر الاساس الحي، والمسيحيون مدعوون ليكونوا حجارة حيّة لبناء البيت الروحي، حيث سكن الله (1بطرس2: 5-7؛ افسس2:20-22).

وذكّر في المناسبة ان الكنيسة هي " المسيح الكلي"، حسب تعبير القديس اغسطينوس، ويعني ملء او كليّة جسد المسيح، الرأس والاعضاء، اي المسيح ونحن، على مثال الكرمة والاغصان (راجع يو 15: 1-8). وقال: " الكنيسة في المسيح هي جماعة الحياة الجديدة التي تقدّسها النعمة الجارية منه. وهكذا، بواسطة الكنيسة، المسيح يطهّر القلوب بنعمته، وينير العقول بكلامه، ويجعلنا متحدين مع الآب بمحبته، ويحثّنا بالروح القدس على ممارسة المحبة المسيحية".

واضاف: بالمعمودية ننتمي الى الكنيسة. هذا السّر اسسه الرب يسوع رسمياً بعد موته وقيامته. بماء المعمودية نغتسل ونصبح اعضاء في عائلة المسيح؛ حياتنا تحوّلت، وفقاً لكلمته، وصارت على صورته ومثاله. ان المعمودية تستحثنا كل يوم للالتزام بالتوبة والشهادة للمسيح والرسالة المسيحية.

من منطلق الانتماء الى الكنيسة والالتزام بمفاعيل المعمودية، يكون دور المسيحيين في هذا الشرق الاوسط تعزيز الحوار والتفاهم في المجتمع المدني، والمساهمة في تحقيق المصالحة واحلال السلام، عبر الغفران وسخاء القلب.

 

***


 

رابعاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

         في اطار تقبل النص السادس عشر:" في التعليم العام والتقني"، تواصل الخطة الراعوية التفكير في " التطلعات والتوجهات"، وهي الخطة المستقبلية. استعرضنا اربعة تطلعات واليوم ثلاثة  جديدة.

 

1. مواجهة النزعات الاصولية (الفقرتان 46-47).

ان النزاعات الاصولية تشكل خطراً مباشراً على نوعية التربية. فهي ترفض الآخر المختلف، وتعلّم العنف، وتضع حدوداً على حرية التفكير.

يقدم المجمع ثلاثة مبادىء لمواجهة هذه النزعات.

أ‌-       التأكيد ان العنف ليس طريقة لحلّ المشاكل والنزعات.

ب‌-  التربية على تاريخ السلام والعلاقات بين الحضارات، بدلاً من تاريخ الحروب حصراً.

ج- الفهم الحقيقي والموضوعي للاصوليات، والتدريب على كيفية التعاطي معها، وعلى حلّ النزاعات بالوسائل السلمية. وتشجيع اللقاءات والتعارف والحوار بين الطلاب من مختلف الفئات والمذاهب والجماعات الدينية.

 

2. استثمار الموارد من اجل القيام بعمل تربوي جيّد (الفقرتان 49و50)

يدعو المجمع البطريركي كل جماعة تربوية لترسيخ القناعات التالية:

أ‌-        تهيئة اشخاص كنسيين وعلمانيين لتولّي مسؤوليات ادارية تربوية في المدرسة، وفقاً لطاقاتهم وقدراتهم، بما يلزم من اختصاص ودورات تدريبية، مع التوصية باسناد مسؤوليات تربوية  ادارية الى العلمانيين الكفوئين.

ب‌-   تثمير طاقات القدامى واولياء الطلاب لصالح المدرسة ومستقبلها.

ج- تعزيز جودة برنامج التعليم المسيحي الى جانب جودة البرامج العلمية.

د- تنظيم صناديق تعاضدية لتوفير منح مدرسية للطلاب المحتاجين، ولمساعدة المدارس على ابقاء اقساطها في متناول العائلات، ومساعدتها على تطوير تجهيزاتها ومواردها المادية والبشرية.

 

2.     انتشار المدرسة الجغرافي (الفقرتان 50 و51)

تتوزع مدارسنا على ثلاث مناطق جغرافية حيث الغالبية المارونية او المسيحية، والغالبية الاسلامية، والانتشار. يُطلب من الجماعات التربوية في الابرشيبات والرهبانيات رسم خطة لانشاء مدارس حيث تدعو الحاجة في المناطق الثلاث، على اساس التنسيق والتكامل وسدّ الحاجات. 

***
صلاة 

ايها الرب يسوع، لقد أشركتنا في مسحة روحك القدوس، وفي كهنوت التعليم والتقديس وملوكية المحبة، لكي نواصل رسالتك الخلاصية، وتحققها فينا، وبواسطتنا في هذا العالم. اننا نجدد اليوم التزامنا بالمعمودية والميرون وبدرجات الكهنوت المقدسة. في هذه السنة الكهنوتية، نتأمل ونصلي لكي يعي الشعب المسيحي كرامة كهنوته العام، والمقامون في الدرجات المقدسة شرف خدمتهم وقدسيتها ومسؤوليتها. اعضدنا، ايها المسيح الكاهن الازلي، لنستعيد بنعمة الروح القدس جمال بهاء الكهنوت فينا، وننطلق، كمن عنصرة جديدة، الى الشهادة والرسالة، وقد عاهدتنا بانك ترسلنا كما ارسلك الآب، وانك معنا الى نهاية العالم. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الآبد، آمين.


[1] . الدستور العقائدي " في الكنيسة"، 10-14؛ القرار " في مهمة الاساقفة الراعوية"، 12-16؛ القرار " في خدمة الكهنة وحياتهم"، 4-6.

[2] . الدستور العقائدي " في الكنيسة"، 1.

[3] . القرار المجمعي: في حياة الكهنة ووظيفتهم، عدد3.

[4] . المرجع نفسه، عدد28.

[5] . مجلة " شربل"، عدد261،ك2-اذار 1988، الاب توما مهنا: شربل الكاهن،ص 2-10.

[6] . خطابه في 10 ايار 2009، الاوسرفاتوري رومانو-الفرنسية الاسبوعية،19 ايار 2009. 

 


 

الاحد العاشر من زمن العنصرة - ناقص

 


 

الاحد الحادي عشر من زمن العنصرة

افسس2: 17-22

لوقا 19: 1-10

المصالحة والوحدة بالمسيح

 

         في قراءات هذا الاحد، ان مسيرة الكنيسة في زمن العنصرة هي لتحقيق المصالحة الشخصية مع الله بالمسيح، ولبنيان وحدة الجماعة، بحيث تصبح هيكلاً روحياً لله، قائماً على المسيح الذي هو بمثابة حجر الزاوية. في هذا الاسبوع التحضيري للاحد، تحتفل الكنيسة بعيد تجلّي الرب يسوع على جبل طابور.

اولاً، القراءات

 

1.    من رسالة القديس بولس الرسول الى اهل افسس:2/17-22

 

فلَمَّا جَاءَ المَسيحْ يَسوعْ بَشَّرَكُم بِالسَّلامِ أَنْتُمُ البَعِيدِين، وبَشَّرَ بالسَّلامِ القَرِيبين، لأَنَّنَا بِهِ نِلْنَا نَحْنُ الاثْنَينِ في رُوحٍ وَاحِدٍ الوُصُولَ إِلى الآب. إِذًا فَلَسْتُم بَعْدُ غُرَبَاءَ ولا نُزَلاء، بَلْ أَنْتُم أَهْلُ مَدِينَةِ القِدِّيسِينَ وأَهْلُ بَيْتِ الله، بُنِيتُمْ على أَسَاسِ الرُّسُلِ والأَنْبِيَاء، والـمَسِيحُ يَسُوعُ نَفْسُهُ  هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَة. فيهِ يَتَمَاسَكُ البِنَاءُ كُلُّه، فَيَرْتَفِعُ هَيْكَلاً مُقَدَّسًا في الرَّبّ، وفيهِ أَنْتُم أَيْضًا تُبْنَونَ معًا مَسْكِنًا للهِ في الرُّوح.

 

يؤكد بولس الرسول ان يسوع سلام كل انسان، بعيداً كان ام قريباً. فلقد صالحه مع الله بذبيحة الفداء على الصليب التي جرى منها الغفران للجنس البشري. وسلّمه رسالة السلام القائمة على المصالحة والغفران، لكي يستقر سلام المسيح في القلوب، وهو سلام لا يستطيع العالم ان يعطيه. فسلام العالم خارجي ومشروط ووهمي وزائل. اما سلام المسيح فهو سلام القلب والعقل والضمير، حيث يجد الانسان طمأنينته الحقة وسعادة حياته.

   يقول بولس اننا بالمصالحة والغفران ننتمي الى مدينة القديسين وبيت الله، اللذين، هما الكنيسة، ونصبح مسكناً لله في الروح القدس، وهيكلاً مقدساً للرب، كأفراد وجماعة.

هذه دعوة موجّهة لكل انسان، وهذا نصيب مقدّم لكل انسان، اياً كان لونه او عرقه، ثقافته او دينه، رأيه او انتماؤه. ان رسالة الكنيسة، في جوهرها وهدفها، ايصال هذه الدعوة وتوفير هذا النصيب، من خلال خدمتها الراعوية، الروحية والاجتماعية، التربوبة والاستشفائية. فاذا غابت هذه الدعوة ولم يتوفر هذا النصيب، فقدت النشاطات الشخصية واعمال المؤسسات مبرر وجودها.

ويتكلم بولس الرسول عن السلام بين اليهود والوثنيين، الذي حققه المسيح بكسر جدار العداوة بينهما مائتاً على الصليب، لاغياً شريعة الانقسام، بهدف خلق كائن جديد من الاثنين، هو الكنيسة، شعب الله الجديد المنفتح على جميع الشعوب. بالصليب صالح الاثنين مع الله ليجعلهم جسداً واحداً، هو الكنيسة. وهكذا " القريبون" اليهود، و" البيعيدون" الوثنيون يجدون طريقهم الى الآب بالروح الواحد، العامل في جسد المسيح. ويصبحون مواطنين في الكنيسة، متساوين في الحقوق، واعضاء في عائلة الله.

زالت بصليب الفداء والمصالحة العداوة بين اليهودي والاممي (الوثني)، اذ كان الواحد يحتقر الآخر، واليهودي يندد بالاممي لانه يعبد الاوثان، وبالتالي منفلت اخلاقياً. وكان الاممي يحتقر اليهودي لانه متزمّت، يخاف من الاطعمة، ويُختن من اجل نيل الخلاص. هدم يسوع الحاجز بينهما، ودعاهم جميعاً الى المعمودية ليشكلوا جسده الواحد. بهذا السلام بشرّهم، وهو ان لهم فيه سبيل الوصول الى الآب في الروح الواحد، وقد خلّصهم بدمه وجعلهم من اهل بيت الله.

 

2.    ارتداد زكا ترجمة لسلام الغفران والمصالحة: لوقا 19/ 1-10

 

زكا رئيس العشارين وغني، وبالتالي معتبر من اليهود خارج جماعتهم لانه يجمع العشر للدولة الرومانية الوثنية، ويختلس اموال الجباية، ولا يصنع الخير مع الفقراء والمعوزين.

هذا الخاطىء المشتهر قصد يسوع كراعٍ صالح يبحث عن الخروف الضال (19/10). كانت كافيةـ بالنسبة الى يسوع، مبادرة صغيرة من قبل زكا، الذي تشوق ليرى يسوع، فتسلّق جميزة بروح الاطفال وتواضعهم. عندئذ رفع يسوع نظره اليه، وشمله بنظرة حب ورحمة، وناداه باسمه، وكافأه بالدخول الى بيته، حاملاً اليه رحمة الله وخلاصه. هي رحمة الله ومحبته تسبقان وتحركان التوبة في قلب الانسان، من اجل احيائه ومصالحته مع نفسه ومع الله ومع جميع الناس، فتسقط كل الحواجز، واسوار الخلافات والتحوينات والاتهامات.

 

3.    بهاء الانسانية المفتداة والمبررة في ضوء تجلي الرب (مر 9: 1-7)

تجلّى الرب يسوع على جبل طابور، مستبقاً مجد القيامة، وكاشفاً مصير الألم البشري، اذا تواصلت فيه آلام المسيح، ومبيّناً بهاء الانسانية التي افتداها بموته على الصليب، وبررها بقيامته.

أمران شكّلا الاطار الزمني الذي تمَّ فيه تجلّي يسوع: اعلان سمعان بطرس ايمانه في قيصرية فيليبس " بالمسيح ابن الله الحي" ( مر8: 31)، واعلان يسوع عن آلامه وموته (مر8: 31) التي شككت بطرس ورفضها، لان يسوع هو ابن الله (متى16: 22). وهكذا " بعد ستة ايام" تجلّى الرب ليثبّت في آن الايمان بانه هو حقاً " المسيح ابن الله الحي"، وبأن الآب ارسله وجاد به لفداء العالم وخلاصه بالموت والقيامة، ولينتزع الشك وجهالة الصليب، وليشدد الايمان بقيامة الانسان والشعوب والاوطان الى حياة جديدة عبر الآلام والموت.

ويكشف تجلّي الرب يسوع، في بهاء انسانيته، جمال النفس البشرية التي تتجدد بالتوبة والمصالحة، ذلك انها تمتلىء من الحياة الالهية، وتستعيد بهاء صورة الله.

 

***

 

ثانياً، السنة الكهنوتية: الكاهن خادم القربان والمصالحة[1]

 

         خصّ الرب يسوع الكاهن بخدمة ذبيحة القداس وسرّ المصالحة. ان الرباط بينهما وثيق، لان غفران الله الذي يصالحه مع الناس، والذي به يتصالح هؤلاء، فيما بينهم، انما ينبع من ذبيحة الفداء. هذا ما اكّده الرب يسوع عندما اسس سرّ القربان، ويردده الكاهن في الكلام الجوهري: " هذا هو جسدي يُبذل من اجلكم، وهذا هو دمي يُسفك من اجلكم، لمغفرة الخطايا".

         من ذبيحة الفداء، الحاضرة اسرارياً في القداس، ينبع غفران الخطايا الذي يُمنح في سرّ التوبة او المصالحة. كل اسرار الخلاص تنبع من سرّ القربان، وتقود اليه.

         المشاركة في ذبيحة القداس وفي تناول جسد الرب ودمه، تمكّن المؤمن من الاتحاد الوثيق بالمسيح والثبات فيه، وتُقيت روحه بالحياة الالهية، وتفصله عن الخطيئة، وتعطيه مناعة لمقاومة التجارب، وتزرع في نفسه عربون ملكوت السماء[2]. هذا النصيب مُعطى للكاهن كل يوم، وهو بدوره يجتهد في اشراك المؤمنين بهذا النصيب.

         الكاهن هو في الاساس الخادم لرحمة الله. فالله يتّكل عليه، وعلى جهوزيته وامانته، ليعطي الناس نعمة الغفران والمصالحة والحياة الجديدة، وبذلك يحقق معجزاته في القلوب. في خدمة سرّ التوبة والمصالحة، يواصل الكاهن تحقيق صفحات الانجيل: عودة الابن الضال وقبلة ابيه الرحوم؛ النعجة الضالة التي وُجدت وفرح الراعي الصالح بها؛ لقاء زكا العشار بيسوع وتغيير مجرى حياته.

         ينكشف دور الكاهن، خادم رحمة الله، في حدث لقاء يسوع مع زكا ( لوقا19: 1-10).

         لم يكن اللقاء صدفة، لان لا شيء يعود الى الصدفة مع الله، ولو كان الحدث صدفة بالنسبة الينا نحن البشر. ان الفضول الذي دفع بزكا الى تسلّق الجميزة، وهو رجل غني ومعروف وله كرامته، كان ثمرة رحمة الله التي سبقته، واجتذبته، وسوف تبدّله في عمق كيانه. ان حضور الكاهن المستعد لسماع توبة المؤمن هو علامة رحمة الله التي تجتذب. المهمّ ان يكون الكاهن جاهزاً ومنتظراً ومتحيّناً  الفرص، وان يعيد نظرة يسوع الى زكا، هو الذي رفع نظره وقال: "إنزل سريعاً، يا زكا، فاليوم لا بدّ لي ان اقيم في بيتك" ( لو19:5).

         مناداة يسوع لزكا باسمه، ووعده بدخول بيته، علامة ناطقة لرحمة الله المحبّة، التي جعلت يسوع يخاطبه كصديق قديم العهد، لربما منسي، ولكن لم يتخلّ مع ذلك عن امانته. بهذه الروح من العطف الناعم والحنون يستقبل الكاهن كل تائب يلجأ اليه، مهما كانت حالته النفسية ومعرفته واستعداداته الداخلية.

         هي رحمة الله تسبق فتحرّك التوبة في قلب المؤمن. فالانسان من ذاته لا يستطيع شيئاً. وقبل ان يكون الاعتراف بالخطايا سبيل الانسان الى الله، فانه اقتحام الله لبيت الانسان. من هذا المنطلّق، يكون الكاهن معاوناً للرحمة الالهية التي تحتضن، وللحب الذي يخلّص، من خلال الكلام العطوف والحسّ الراعوي والاهتمام بالتائب، بحيث يستوعب قضيته ويرافقه بلطف في سبيله، ويبلّغه الثقة بمحبة الله. وعليه ان يساعده ليقارن نفسه مع حقيقة الانجيل، وليقرأ تنازل الله الرحيم الذي يمدّ له اليد لخلاصه، لا لمعاقبته.

         وعلى الكاهن المعرّف ان يتجنّب افراطين:

         التصلّب الذي لا يقيم وزناً لاسبقية رحمة الله التي تدفع الى التوبة، وتنتظر بشوق عودة الابن الضال. ان التصلّب يسحق ويُبعد.

         التسامحية التي لا تقيم وزناً لواقع الخلاص المقدّم والمقبول والشافي حقاً، ما يفترض ارتداداً حقيقياً الى متطلبات الحب الالهي، وهي الانفتاح على هذا الحب، والتعويض عن الشر المقترف، والقصد الثابت في بدء حياة جديدة، كما فعل زكا. ان التسامحية تبطل مفاعيل التوبة.

         وعلى الكاهن من ناحية اخرى ان يقوم بمهمة التمييز، في حواره الشفاف مع التائب، حول استعداده لقبول الحلّ من خطاياه، وندامته الصادقة وقصده على الاصلاح.

         وعليه اخيراً ان يتثقف لاهوتياً وبالاخص في ما يعود الى التحديات الخلقية الجديدة، لكي يوجه التائب ويعطيه الاجوبة وفقاً لتعليم الكنيسة الواحد والجامع. فلا يشوّه الحقيقة، ولا يجري تنازلات عشوائية لارضاء الخاطىء. بل من واجبه  ان يكون شاهداً لله، داعياً لرحمته المخلِّصة، حتى ولو ظهرت كحكم على خطيئتنا. " فليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يعمل ارادة ابي الذي في السماوات" ( متى 7: 21).

 

***

 

ثالثاً، ابعاد زيارة البابا بندكتوس السادس عشر الى الاراضي المقدسة (8-15 ايار 2009).

 

في زيارته الى القصر الجمهوري في دولة اسرائيل ولقائه بالرئيس شيمون بيريس بحضور حوالي 300 شخصية سياسية ودينية في 11 ايار 2009[3]، أعلن قداسة البابا ان حجّه الى الاراضي المقدسة يهدف الى الصلاة من اجل السلام والوحدة في الشرق الاوسط. السلام هو ثمرة العدالة، ويحمل معه الامن والامل للجميع. السلام عطية الهية، ووعد من الله الكلي القدرة للبشرية، وهذه العطية تحمل معها الوحدة. ثمّة شرط واحد لننال هذه العطية الالهية، وهو ان نبحث عنها من كل القلب ( راجع ارميا 29:11-14). وامل قداسته ان تساهم الديانات في البحث عن السلام من خلال البحث عن الله، بحثاً اصيلاً وحاراً وموحّداً. ودعا الرؤساء الدينيين الى واجب الانتباه لحماية الوحدة التي هي من الله، باطفاء كل نزاع وتوتر وسعي الى الانطواء على الذات، وكل شك لدى الافراد او بين الجماعات.

جاء قداسته ليصلي ويدعو الى احلال الامن والاستقرار في القدس، اورشليم، التي كانت طويلاً الملتقى للعديدين من الشعوب المختلفي الاصل. انها تتيح لليهود والمسيحيين والمسلمين المجال ليقوموا بالواجب وينمو بالامتياز بأن يشهدوا معاً للتعايش الهادىء الذي يرغب فيه منذ زمن طويل، الاشخاص الذين يعبدون الله الواحد، وبأن يبيّنوا للجميع تصميم الله القدير لوحدة العائلة البشرية، التي وعد الله بها ابراهيم، وبأن يعلنوا طبيعة الانسان الحقيقية وهي ان يكون الباحث عن الله.

اما الامن، قال البابا، فيولد من الثقة، ولا يعني فقط غياب التهديد، كما جاء على لسان اشعيا النبي: " عندما يفاض علينا الروح من العلاء، تكون ثمرة العدالة السلام، وفعل العدالة الراحة والامن للابد" (اشعيا32:15-17). ان الامن والحق والعدالة والسلام، هي في تصميم الله غير قابلة للانفصال. وعليه، لا يُعفى اي شخص واي عائلة واي جماعة واي امّة من واجب العيش وفقاً للعدالة من اجل الجميع، والعمل من أجل السلام، بحيث يتأمن للجميع الحق في التربية والمسكن والعمل.

 

رابعاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

         تبدأ الخطة مع هذا الاسبوع بتقبّل النص السابع عشر: الكنيسة المارونية والتعليم العالي.

         تؤكّد المقدمة ان الكنيسة المارونية وعت باكراً اهمية التعليم العالي كمجال واسع للرسالة، واداة مميّزة للخدمة من خلال العقل، وذلك منذ تاريخ تأسيس المدرسة المارونية في روما سنة 1584، ومنذ ارسال شبان موارنة، قبل ذلك، الى الغرب لتلقي هذا التعليم، في الربع الاخير من القرن الخامس عشر. نذكر من بينهم المطران جبرائيل ابن القلاعي (1516 +). ثم أمّوا لاحقاً الجامعة الاميركية في بيروت التي تأسست سنة 1866، فجامعة القديس يوسف في بيروت التي انشأها اليسوعيون سنة 1875، والجامعة اللبنانية التي تأسست سنة 1951، فضلاً عن تلقي الاختصاص العالي في جماعات اوروبا واميركا. ثم كانت في النصف الثاني من القرن العشرين مؤسسات جامعية مارونية: الروح القدس الكسليك (1961)، سيدة اللويزه (1978)، الانطونية (1996)، الحكمة (1999)، المعهد العالي للعلوم التمريضية والعلاج الفيزيائي لراهبات العائلة المقدسة المارونيات في البترون (2000).

 

         في الفصل الاول، نجد الثوابت التي يمكن استخلاصها في تجربة الموارنة في التعليم العالي :

1. اقبالهم على طلب التعليم العالي باعداد تستدعي الانتباه. فيُلاحظ وعي المسؤولين الكنسيين وسعيهم الدؤوب لانشاء مدرسة روما، وارتضاء الطلاب عناء الغربة في سبيل تحصيله، والاثر الكبير الذي تركه الخرّيجون، في لبنان والشرق، على صعيد الدين والادب والفكر والسياسة والثقافة، ودورهم الرائد والحاسم في النهضة العربية (الفقرات 5-7).

 

2. اهتمام الموارنة باللغة العربية واللغات الاجنبية، لانها اداة للتواصل والتفاهم والحوار، فاستخدموها للتعريب والترجمة، فكان انفتاح الشرق على ثقافة الغرب، وتعرّف الغرب بحضارات الشرق وتراثه، ودخول الشرق في عصر الحداثة، واحياء اللغة العربية وآدابها، وتحقيق النهضة. في روما اتقنوا اللغة اللاتينية، وفي مدرسة سيدة حوقا التي انشأها البطريرك يوحنا مخلوف سنة 1624، تعلّموا ست لغات: السريانية والعربية واليونانية واللاتينية والايطالية والتركية والفارسية. وكذلك في مدرسة عين ورقة (1789). وبعد سنة 1860، أضيفت اللغة الفرنسية بدلاً من الايطالية لمواكبة التحولات الجديدة. ان التعدد اللغوي الذي ميّز لبنان  ذو طابعين: الطابع النفعي الناجم عن ضرورات التبادل التجاري والعلاقات السياسية الدولية، والطابع الثقافي (الفقرات 8-12).

 

3. توظيف العلم في خدمة الجماعة والمجتمع. فالعلم يُكتسب لاغناء شخصية المتعلم روحياً وثقافياً وخلقياً، وللقيام بالرسالة والخدمة في مجتمعه والمجتمعات الاخرى في بلادهم وبلدان اخرى (من براءة تأسيس مدرسة روما). وهكذا تُربط التربية بالرسالة. كتب البطريرك اسطفان الدويهي الى تلامذة مدرسة روما: " لم نرسلكم الى بلدان بعيدة براً وبحراً، إلاّ لتتعلموا العلوم الالهية، وترجعوا فتفيدوا غيركم وتتاجروا بالوزنات لان الشرق مفتقر الى من يعلّمهم ويهذّبهم" (الفقرة 13).

 

***

         صلاة 

         ايها الرب يسوع، انت السلام الذي يجمع البعيدين والقريبين بالمصالحة والغفران، اعطنا ان ندرك انك أقمتنا بمثابة سفرائك للمصالحة، وان نعمل على تحقيقها ونشر ثقافتها. اعضد الكهنة في خدمة سرّ التوبة، ليوزّعوه بغيرة وفرح ومسؤولية، وينقلوا الى نفوس التائبين حياتك الالهية، ويزرعوا فيها الطمأنينة والسلام. وألهمنا بانوار روحك القدوس على اتخاذ مبادرات سلام في مجتمعنا اللبناني ومجتماعاتنا المشرقية، بحيث يُبنى على العدالة وانماء الشخص البشري. ساعد بنور انجيلك القيمّين على التعليم الجامعي لينشروا ثقافة السلام ويربّوا عليها اجيالنا الجامعية، فيعمل شبابنا على توطيدها بالقول والافعال. ومعاً نرفع المجد والتسبيح للاله السلام، الاب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


[1] . رسالة البابا يوحنا بولس الثاني الى الكهنة بمناسبة خميس الاسرار 2002.

[2] . التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1390-1394.

[3]  الاوسرفاتوري رومانو الاسبوعية بالفرنسية، تاريخ 19 ايار 2009.

 


 

عيد انتقال السيدة العذراء

الاحد الثاني عشر من زمن العنصرة

افسس 3: 1-13

متى 15: 21-28

لوقا1: 46-55

عيد الانتقال آخر عظائم الله

 

         في عيد الانتقال والاحد الثاني عشر من زمن العنصرة ينجلي امامنا وجه امرأتين: مريم العذراء التي اصبحت بايمانها ام الاله وشاركته في رسالة الفداء، وبانتقالها بالنفس والجسد تشاركه في مجد السماء؛ والمرأة الكنعانية التي اعربت عن ايمان كبير فكان لها مبتغاها. هنا تظهر كرامة المرأة، وصلابتها في الايمان. وهي كرامة مرتبطة بسرّ المسيح الذي كشفها وعزز دور المرأة ودعوتها في تاريخ الخلاص وفي المجتمع، كزوجة وام وابنة واخت ومكرّسة وعاملة[1]. نتوقف عند نشيد مريم الذي عظّمت به الرب القدير الذي صنع فيها العظائم، وهو من السّر المكتوم عند الله منذ الدهور (افسس 3:9).

 

اولا، القراءات

 

1. اولاً، نشيد التعظيم للرب: لوقا 1/ 46-55

 

         فقالَتْ مَرْيَم: "تُعَظِّمُ نَفسِيَ الرَّبّ، وتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظرَ إِلى تَواضُعِ أَمَتِهِ. فَهَا مُنْذُ الآنَ تُطَوِّبُنِي جَمِيعُ الأَجْيَال، لأَنَّ القَدِيرَ صَنَعَ بي عَظَائِم، واسْمُهُ قُدُّوس، ورَحْمَتُهُ إِلى أَجْيَالٍ وأَجْيَالٍ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ عِزًّا بِسَاعِدِهِ، وشَتَّتَ الـمُتَكبِّرينَ بأَفْكَارِ قُلُوبِهِم. َأنْزَلَ الـمُقْتَدِرينَ عنِ العُرُوش، ورَفَعَ الـمُتَواضِعِين. َأشْبَعَ الـجِيَاعَ خَيْرَاتٍ، وصَرَفَ الأَغْنِياءَ فَارِغِين. عَضَدَ إِسْرائِيلَ فَتَاهُ ذَاكِرًا رَحْمَتَهُ، لإِبْراهِيمَ ونَسْلِهِ إِلى الأَبَد،كمَا كلَّمَ آبَاءَنا".

         في بيت اليصابات، واثناء زيارة مريم لها على أثر البشارة، والكل ممتلىء من الروح القدس، مريم واليصابات والجنين يوحنا، انشدت مريم نشيد التعظيم للرب، من بعد ان تنبّأت اليصابات: " طوبى لتلك التي آمنت ان ما قيل لها من قبل الرب سيتم" (لو1: 45).

         مريم تعظم الرب " لان القدير صنع بها العظائم" ولهذا "تطوبها جميع الاجيال".

         توّج الله عظائمه بانتقال مريم بنفسها وجسدها الى مجد السماء. وهي عقيدة ايمانية اعلنها البابا بيوس الثاني عشر في اول تشرين الثاني 1950، بالدستور الرسولي " الله العجيب جداً: Munificentissimus Deus بهذه الكلمات:

ان والدة الاله، يسوع المسيح، الرفيعة، التي ات~حدت به منذ الازل بتدبير علوي، فكانت بريئة من دنس الخطيئة الاصلية في الحبل بها، وعذراء كلية النقاوة في امومتها الالهية، وشريكة سخية للفادي الالهي، والتي احرزت الانتصار الكامل على الخطيئة ونتائجها، قد نالت، بمثابة تتويج رفيع لانعاماتها، ان تُحفظ منزهة من فساد القبر، وعلى مثال ابنها الذي انتصر على الموت، ان تنقل  بنفسها وجسدها الى مجد السماء الاسمى، حيث تتلألأ ملكة عن يمين ابنها الملك الذي لا يموت الى دهر الدهور (1طيم1/17). اننا نحدد ونعلن عقيدة الهية موحاة: ان مريم العذراء الدائمة البتولية، ام الاله البريئة من دنس الخطيئة، بعد ان انهت مسيرة حياتها على الارض، نُقلت بنفسها وجسدها الى المجد السماوي".

 

لانتقال العذراء اسماء مختلفة وايقونات ولوحات صوّرها الرسامون.

فسُمّي انتقالها عيد نياحها او رقادها وعيد تتويجها ملكة السماء والارض. وقد صورها الرسّامون في هذه الحالات الثلاث التي نجد رسومها ولوحاتها بالزيت او الفسيفساء في مختلف الكنائس اللبنانية[2].  فلوحات الانتقال تصوّر الطوباوية مريم العذراء منتقلة الى السماء محمولة بجمهور من الملائكة على الغمام في دهشة وتضرع من الرسل، بنظرة خاشعة اليها ونظرة منذهلة الى اكفانها وقبرها الفارغ كما في سيدة بكركي وسيدة اللويزه وراس كيفا، وبشوات[3] . ولوحات نياحها او رقادها تصورها ممددة على مرتبة الموت محاطة بالرسل الخاشعين وبالقديسين، والمسيح في الصدر حاملاً روحها بصورة طفلة مقمّطة، كما في سيدة الدخول للروم الارثوذكس الاشرفية وجزين واميون. ولوحات تتويجها سلطانة السماء والارض ترسمها جالسة على عرش السماء يكللها باكليل الملوكية الآب والمسيح المخلص ويظللها الروح القدس بشبه حمامة، كما في سيدة قنوبين وقرنة الحمراء وبشري ووادي جزين وسهيله[4]. وثمة لوحات ترسم الانتقال والتتويج معاً، كما في سيدة  تنورين ودلبتا[5].

 

وللعيد تقليده وللايقونات واللوحات اساس ومرجع.

 

يخبر التقليد ان مريم الكلية القداسة عاشت، بعد صعود ابنها الى السماء، في بيت يوحنا الرسول على جبل صهيون، وكانت تزور غالباً تلك الاماكن التي قدستها قدما مخلص العالم، وكانت تأتي بالاكثر لتصلي على جبل الزيتون في البستان الذي ورثه يوحنا عن ابيه زبدى. وعندما بلغ موعد اجلها ظهر لها، وهي تصلي، رئيس الملائكة جبرائيل واعلمها بدنو نقلها الى السماء، بعد ثلاثة ايام، وسلّمها غصن شجرة نخل فردوسية ليوضع امام قبرها في يوم دفن جسدها الطاهر. فشكرت ساجدة وطلبت ان ترى الرسل القديسين المتفرقين في المسكونة للوعظ والتبشير بالانجيل. عادت مريم الى بيت يوحنا واخبرته بالبشرى الالهية، وهو بدوره اعلم يعقوب الرسول اسقف اورشليم، وشاع الخبر وراح المؤمنون يتقاطرون الى بيت العذراء ويتبركون. وحضر بغتة الرسل القديسون الذين خطفوا بقدرة الهية من  اطراف العالم وحُملوا على السحب الى البيت الذي كانت مقيمة فيه.

وفي اليوم الثالث عند الساعة الثالثة من النهار اُشعلت الشموع ورفعت الصلوات وامتلأ البيت ضياءً الهياً وظهر ملك المجد نفسه المسيح الاله يحيط به الملائكة والقديسون. فهتفت مريم: " تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي". وسمعت الدعوة الالهية: " هلمي يا امي، هلمي يا حبيبتي، فادخلي مسكن الحياة الابدية"، وصلّت مريم لابنها: " بين يديك استودع روحي".وطارت روحها الى ابنها الذي نقلها الى السماء، وغاب عن العيان مع جمهور الملائكة والقديسين.

دُفن جثمانها الطاهر في الجثمانية. وبعد ثلاثة ايام وصل توما الرسول، والتمس ببكاء مرّ رؤية جثمان الام الطاهرة والتبرك منها مثل سائر الرسل. وعندما فتحوا القبر، لم يجدوا سوى الاكفان وقد فاح منها عرف طيب لا يوصف. وعند العشاء لما رفعوا قطعة الخبز المحفوظة حسب العادة مكان العذراء وتسمى " قسم خبز الرب"، وشرعوا في تمجيد الثالوث القدوس، سمعوا بغتة ترانيم ملائكية فرفعوا عيونهم فشاهدوا في الفضاء العذراء الفائقة النقاء ام الاله، والقوات السماوية محيطة بها، وهي مشرقة بمجد لا يوصف، وسمعوها تقول لهم: " افرحوا! اني معكم كل الايام". فهتفوا جميعاً: " يا والدة الاله الفائقة القداسة اعينينا". وهكذا تحقق الرسل القديسون ان ام الاله اقامها ابنها والهها من القبر في اليوم الثالث ونقل جسدها الى مجد السماء[6].

 لقد تمت بذلك نبؤة نشيد الاناشيد، المكتوبة قبل 500 سنة: " من هذه المشرقة كالصبح، الجميلة كالقمر، المختارة كالشمس، المرهوبة كصفوف تحت الرايات؟ من هذه الطالعة من البريّة المستندة على حبيبها؟" (6/10؛8/5).

 

2. انجيل القديس متى: 15/ 21-28

 

هو انجيل الاحد الثاني عشر من زمن العنصرة. يكشف واحدة من عظائم الله التي تمّت في المرأة الكنعانية بفضل ايمانها وقدرة كلمة الرب يسوع، والتي أظهرت ان خلاص الله بالمسيح مقدّم لجميع الشعوب، اياً كان معتقدها ودينها.

فالمرأة الكنعانية وثنية. آمنت بالسماع، وربما بانوار الروح القدس، ان يسوع هو " ابن داود"، وانه " قادر على ان يشفي ابنتها المريضة". وأظهرت كبر ايمانها بصمودها المتواضع والملىء ثقة حيال كلام يسوع الجافي، وعدم اكتراثه بها، بل والإساءة التي وجهها اليها والى شعبها. وكانت النتيجة قوله: " يا امرأة، عظيمٌ ايمانك! فليكن لكِ كما تريدين". وكما طوّبت اليصابات ايمان مريم، هكذا طوّب يسوع ايمان الكنعانية. وفي التطوبتين تظهر قدرة الايمان على تحقيق عظائم الله في التاريخ البشري.

 

***

 

ثانيا، السنة الكهنوتية: وجوه من كهنتنا - الطوباوي ابونا يعقوب، وينابيع الكهنوت

 

         من مثال الطوباوي ابونا يعقوب في حياته الكهنوتية، يدرك الكاهن ان كهنوته يرتوي من اربعة ينابيع: الصلاة، الصليب، القربان والعذراء مريم[7].

         كل سرّ ابونا يعقوب صلاته الشخصية، قداسه، تأمله، المسبحة ودرب الصليب. هذه سماّها "التنفّس الروحي الذي لا حياة بدونه". وقال: " الصلاة مفتاح السماء، لانها تُدخل الانسان في علاقة بالله الذي يفتح له باب رحمته وحنانه ومحبته. كما اننا بالمال نشتري كل ما يعوزنا من عند الناس، كذلك بالصلاة نشتري كل ما يعوزنا من عند الله".

         بالصلاة كان يعبّر ابونا يعقوب عن حبّه لله، وعلاقته البنوية الوثيقة بالله: يشكره في حالات الفرح، يستغيث به في وقت الضيق، يحمده على بركاته وجودته، يسبّحه ويمجّد اسمه دائماً. لكنه كان دائماً في شركة روحية متواصلة مع الله. وتعلّم ابو يعقوب في مدرسة الصلاة ان الله الخالق والقدير هو اله محب حنّان، وأب عطوف رحيم بابنائه المؤمنين، وصديق امين حافظ للعهد.

         الصليب كان لأبونا يعقوب كتاباً يحبّ به الله اقتداءً بمريم التي شاركت ابنها في آلام الفداء. وكان يناجيه: " يا صليب الرب، يا حبيب القلب". بالنسبة اليه، على الصليب ظهر حب الله للانسان. بالصليب فُتح باب السماء المغلوق بمعصية آدم، ولن يغلق ابداً، بل الصليب هو جنّة عدن الجديدة الذي أعاد البراءة الاصلية للانسان. الصليب مكان الاتحاد بالله. من على الصليب خرج الدم الطاهر من اربع نواحي جسده، كما خرجت اربعة أنهر في الفردوس الارضي وسقي الله بها تلك الارض. الصليب شجرة الاوجاع التي مدّ آدم الجديد يديه عليها، ليكفّر عن آدم الاول الذي مدّ يده الاثيمة الى الشجرة المحرّمة.

         سرّ القربان كان لابونا يعقوب كتابه الثاني، اذ رأى فيه ثلاثة متلازمة: يسوع يمكث معنا الى الابد، ويقدم ذاته كل يوم ذبيحة عن خطايانا في القداس، ويعطينا جسده ودمه طعاماً لنفوسنا. وقال: " بدون القربان يصبح ديرنا فارغاً، بارداً، حزيناً". ولذلك كان يدخل عند الساعة الرابعة فجراً الكنيسة للتأمل امام القربان، حانياً رأسه، بصلاة نابعة من القلب. وكان يوصي دائماً بزيارة القربان لانه يعطي قوة لتخطّي الصعوبات، وتلافي الكبرياء والانانية، وللاندفاع الى الحب والعطاء وبذل الذات. ان القربان يزرع فينا يسوع بكل حبه؛ وبالمناولة اليومية لانها تساعد الناقص ليصل الى الكمال، والقوي ليثبت في قواه، والضعيف ليصير قوياً، والاصحاء لئلا يمرضوا، والمرضى ليشفوا". وقال: القربان هو بداية حياة السماء على الارض اي الحياة مع الله، تأكل الخبز فيقودك الى القبر، تأكل جسد الرب فيعطيك الحياة لمغفرة خطاياك والحياة الابدية".

         ومريم العذراء، احبّها ابونا يعقوب بامتياز، واصبح رسولاً مريمياً. هي بالنسبة اليه  الباب الى يسوع، وهي الواسطة ويسوع الغاية، وهي الطريق ويسوع البلد المقصود، وهي عرش الله وهيكله. انها ام المخلص وشريكة الفداء، ولها ابنان: يسوع والانسان. الانسان قتل يسوع، فهي تشفع بالابن الباقي لها، حتى يحيا ولا يموت. احبّها كأم وتسلّمها مثل يوحنا من على الصليب. فكانت رفيقة حياته الرسولية في كل ما عمل ووعظ وعاش. اعز نشيد رافقه كل حياته حتى آخر لحظة في يومه الآخير: " انتِ الشفيعه الأكرام، عند ابنك يا مريم".

 

*** 


 

ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

         تتناول الخطة الراعوية من النص المجمعي السابع عشر: " الكنيسة المارونية والتعليم العالي"، الفصل الثاني، وهوبعنوان: " الواقع الراهن، المعطيات والتحديات". فنعرض اولاً اوضاع الجامعة اللبنانية.

1. يوجد في لبنان اليوم 41 مؤسسة جامعية، من بينها جامعة رسمية واحدة هي الجامعة اللبنانية، و17 جامعة خاصة، و18 معهداً جامعياً او كلية جامعية، و5 معاهد تكنولوجية، يناهز عدد الطلاب فيها 150،000 طالباً جامعياً ( فقرة 15).

2. ان مشكلة التعليم العالي مثلثة الوجوه: الاوضاع الصعبة في الجامعة اللبنانية، مراسيم الحكومة لتنظيم التعليم الخاص وللترخيص لمؤسساته، وممارسات البعض من هذه المؤسسات ( فقرة 15).

 

3. المشاكل التي تعاني منها الجامعة اللبنانية هي التالية (الفقرات 17-22):

       أ- الابنية والتجهيزات: الابنية في أغلبيتها سكنية وغير معدة للتعليم العالي، وعددها 94 مبنى تقريباً. اما المجّمع الجامعي الجديد في الحدث –الشويفات فعصري ومستوفٍ الشروط النوعية على كافة المستويات. التجهيزات والمعدات غير متوفرة في معظم الكليات والمعاهد التي يبلغ عددها 17، فضلاً عن 11 مركزاً للابحاث مرتبطة بعشر كليات.

  ب- الاداريون يخضع تعيينهم عادة لتدخلات سياسية وطائفية ومناطقية. نظام رواتبهم منخفض، ضعف في المكننة، وخلل في التقديمات الصحية والاجتماعية.

ج- الهيئة التعليمية تعاني من خلل في فانون التفرّغ وآلية تطبيقية، وغياب الخطط لإعداد افواج جديدة في الاختصاصات التي تحتاج اليها الجامعة. ان معدل عمر افرادها 55 عاماً. وثمة خلل في الاجور وفي صندوق التعاضد ونظام التقاعد.

د- موازنة الجامعة هي في انخفاض دائم، ومعلوم ان 96 ٪ منها تُصرف على الاجور والتعديلات.

ه-الطلاب يعانون من ضعف القدرة الاستيعابية في الابنية الجامعية، وعدم اعدادهم اجتماعياً ونفسياً ومهنياً وثقافياً، وضعف في التوجيه. ولا مِنح وطنية، ولا منح تفوّق.

و- البحث العلمي يحتاج الى رؤية أشمل واعمق والى تنشيط مراكز الابحاث والمبادرات الفردية والفريقية.

 

*** 

         صلاة 

         ايها الرب يسوع، في عيد انتقال امك مريم وامنا الكلية القداسة الى مجد السماء بنفسها وجسدها، نبتهل اليك بشفاعتها ان تشعل في قلوبنا ايمانها وايمان المرأة الكنعانية، لنرفع قلوبنا الى الله، ونسير في مرضاته، ونلتمس كل حاجاتنا بايمان واثق، فتنجلي في التاريخ قدرة كلمتك الهادية والشافية، وتتحقق عظائم الله. زيّن نفوسنا بمحبة الصلاة والصليب والقربان، مثل الطوباوي ابونا يعقوب. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


[1] . راجع الرسالة العامة للبابا يوحنا بولس الثاني: كرامة المرأة (15 آب 1988).

[2] . انظر كتاب الاب بولس فهد: العذراء في  لبنان، ايقونات ولوحات، 15 آب 2003)

[3] . المرجع نفسه،صفحة 224 و226 و231 و239.

[4] . المرجع نفسه، صفحة 249-253.

[5] . المرجع نفسه،صفحة 232-233.

[6].  الارشمندريت توما ديبو المعلوف: حياة العذراء مريم والدة الاله على الارض،  منشورات دير مار الياس شويا البطريركي 2003، ص 133-141.

[7] . اوراق رهبانية عدد 94 حزيران – آب 2008، الاب طوني حداد: مدخل الى روحانية الاب يعقوب الكبوشي،ص 79-106.

 


 

 

الاحد الثالث عشر  من زمن العنصرة

1 قورنتس 3/1-11

لوقا 8/1-15

خدمة الكلمة والمشاركة في كهنوت المسيح

 

         في اطار السنة الكهنوتية تلقي القراءات البيبلية الضوء على المشاركة في وظيفة المسيح النبوية والكهنوتية والملوكية للرجال والنساء، الى جانب خدمة الكهنة، الذين يؤدون هذه الوظيفة المثلثة بشخص المسيح وباسمه، الجميع في هذه الخدمة المثلثة يعملون من اجل المسيح الذي يجمع ويحرر من كل انانية وتحزّب وارتهان.

 

اولاً، خدمة الكلمة أساس الوظائف الكهنوتية

 

1.    انجيل القديس لوقا 8: 1-15

         وكانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ يَسوعَ أَخَذَ يَطُوفُ الـمُدُنَ وَالقُرَى، يُنَادي وَيُبَشِّرُ بِمَلَكوتِ الله، وَمَعَهُ الاثْنَا عَشَر، وَبَعْضُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي شَفَاهُنَّ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاض، هُنَّ: مَرْيَمُ الـمَدْعُوَّةُ بِالـمَجْدَلِيَّة، الَّتِي كانَ قَدْ خَرَجَ مِنْها سَبْعَةُ شَيَاطِين، حَنَّةُ امْرَأَةُ خُوزَى وَكِيلِ هِيرُودُس، وَسُوسَنَّة، وَغَيرُهُنَّ كَثِيراتٌ كُنَّ يَبْذُلْنَ مِنْ أَمْوالِهِنَّ في خِدْمَتِهِم. َ وَلَمَّا احْتَشَدَ جَمْعٌ كَثِير، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ مَدِينَة، خَاطَبَهُم بِمَثَل: "خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفيمَا هُوَ يَزْرَع، وَقَعَ بَعْضُ الـحَبِّ على جَانِبِ الطَّرِيق، فَدَاسَتْهُ الأَقْدَام، وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاء. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُطُوبَة. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في وَسَطِ الشَّوْك، وَنَبَتَ الشَّوكُ مَعَهُ فَخَنَقَهُ. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف". قالَ يَسُوعُ هـذَا، وَنَادَى: "مَنْ لَهُ ُأذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْمَعْ!". وَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ: "مَا تُراهُ يَعْنِي هـذَا الـمَثَل؟". فَقَال: "قَدْ أُعْطِيَ لَكُم أَنْتُم أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرارَ مَلَكُوتِ الله. أَمَّا البَاقُونَ فَأُكلِّمُهُم باِلأَمْثَال، لِكَي يَنْظُرُوا فَلا يُبْصِرُوا، وَيَسْمَعُوا فَلا يَفْهَمُوا. هـذَا هُوَ مَعْنَى الـمَثَل: أَلزَّرْعُ هُوِ كَلِمَةُ الله. عَلى جَانِبِ الطَّريقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُون، ثُمَّ يَأْتي إِبْلِيسُ فَيَنْتَزِعُ الكَلِمَةَ مِنْ قُلوبِهِم، لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا. والَّذِينَ عَلى الصَّخْرةِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا بِفَرَح؛ هـؤُلاءِ لا أَصْلَ لَهُم، فَهُم يُؤْمِنُونَ إِلى حِين، وفي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَتَرَاجَعُون. والَّذِي وَقَعَ في الشَّوكِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ وَيَمْضُون، فَتَخْنُقُهُمُ الـهُمُومُ والغِنَى وَمَلَذَّاتُ الـحَيَاة، فَلا يَنْضَجُ لَهُم ثَمَر.َأمَّا الَّذِي وَقَعَ في الأَرْضِ الـجَيِّدَةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ بِقَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ فَيَحْفَظُونَها، وَيَثبُتُونَ فَيُثْمِرُون.

يسوع النبي والمعلم بامتياز، ومعه الرسل الاثنا عشر، كهنة العهد الجديد، " يطوف القرى والمدن، يكرز ويبشر بملكوت الله". انها الوظيفة الكهنوتية الاولى والاساسية: فالكرازة والتعليم يولّدان الايمان بشخصٍ هو الله الذي كلمنا بابنه الاله المتجسّد، يسوع المسيح. والايمان يولّد الثقة والمحبة، فنقبل الحقائق التي يعلّمها المسيح، ونعيش ونعمل بموجبها. يقودنا الايمان الى البحث عن وجه المسيح بالرجاء الوطيد وعن معرفة الآب والروح القدس في الليتورجيا الالهية والاسرار، لنعيش ملء الاتحاد بالله وننعم بالحياة الجديدة، حياة الروح. والله، بالمسيح وهدي الروح، يطلقنا الى الشهادة للمحبة تجاه كل الناس في العمل الرسولي المتنوع بتنوع حاجات الاخوة.

يظهر في الخدمة النبوية وجوه عديدة من النساء، يعددهن الانجيل، وقد شاركن في اعلان سرّ المسيح، وفي الدعم المالي لخدمة الانجيل. وهنا يظهر دور المرأة في الحقل الرسولي الى جانب الكهنة الذين يتخذونها ويتعاونون معها كأخت، بكثير من الاحترام والشفافية والثقة[1].

ان مريم ام يسوع، ام الكلمة، لعبت الدور الاساس في وظيفة ابنها الالهي النبوية، بسبب العلاقة الفريدة بينها والكلمة المتجسد والكنيسة، جسده السّري، ما جعلها " الوحي الاكبر والينبوع العظيم للحياة الروحية وللثقافة المسيحية لدى الافراد والشعوب والامم المسيحية". ذلك انها كانت حاضرة الى جانب ابنها في جميع اعمال الخلاص ومراحله.

 


 

ونذكر من بين النساء اللواتي ساهمن في الرسالة النبوية:

المرأة السامرية وحوارها مع يسوع على بئر يعقوب (يو4: 1-42)، حيث يعلن لها يسوع الحقيقة البليغة عن العبادة الحقيقية لله القائمة على " الروح والحق". وبنتيجة هذا الحوار تحوّلت المرأة الخاطئة الى رسولة اعلنت لابناء بلدتها سرّ المسيح.

مرتا ومريم اختا لعازر أظهرتا النموذج للجمع بين التأمل بكلام الله والعمل البشري، على ان يكون الاول الاساس للثاني، وبمناسبة قيامة لعازر من الموت، اعلن يسوع، بواسطتهما، سرَّه الفصحي وانه هو القيامة والحياة (يو11: 25 -26).

نسوة اورشليم اللواتي رافقن يسوع على درب الجلجلة وشجّعنه وعزّينه في طريقه الى الموت (لو23: 27)، ومن بينهن فيرونيكا التي مسحت وجه يسوع بمنديل، فانطبع وجهه عليه. ويذكر الانجيل النسوة اللواتي وصلن الى اقدام الصليب، وشاهدن بكل جرأة نزاع يسوع، وكنّ حاضرات وقت تحنيط جثمانه وساعة وضع جسده في القبر، وهن: مريم ام يسوع، وصالومي أم يعقوب ويوحنا، ومريم ام يعقوب الصغير، ويوسي، ومريم المجدلية. وكنّ اول المشاهدات للقبر الفارغ صباح الاحد، وقد جئن القبر مع طلوع الشمس، واطلعن الرسل على القيامة (يو20: 1-2). وتتميّز من بينهن مريم المجدلية، التي كان الرب قد اخرج منها سبعة شياطين. هذه كانت اول من شاهد يسوع القائم، وأول من بشّر الرسل بقيامته (يو20: 11-18)، هي التي اختبرت في نفسها قيامة القلب لحياة جديدة. ان التقليد الشرقي يضعها في مصاف الرسل، لانها اعلنت حقيقة القيامة، قبل ان يعلنها رسل المسيح وتلاميذه.

 

اجل، ان النساء ساهمن مع الرجال في رسالة المسيح النبوية، بل وفي رسالته الكهنوتية والملوكية، بفضل كهنوت المؤمنين الشامل، المعروف بالكهنوت العام بحكم المعمودية والميرون. ويبقى على من أقيموا في كهنوت الخدمة، بحكم الدرجة المقدسة، ان يؤمّنوا مشاركة الجميع، رجالاً ونساءً، في الرسالة المسيحانية المثلثة: النبوية والكهنوتية والملوكية.

 

ان وجود المرأة الى جانب الكاهن في هذه الرسالة، يتخذ صورة الام والاخت، وينبغي ان يتعاطى معها كذلك، فيما هي تشارك في الامومة الروحية بالتزامها الرسولي، وسخاء تقدمة ذاتها للقريب. أوصى بولس تلميذه تيموتاوس بأن " يعامل الكبيرات كأنهن امهات، والفتيات كأنهن اخوات، وبكل عفاف" (1تيمو 5: 2). ولذلك، " تقع على كل كاهن مسؤولية كبرى بأن ينمّي في ذاته موقفاً اخوياً حقاً تجاه المرأة، موقفاً لا يقبل الالتباس"[2].

في مثل الزارع، يحدد الرب يسوع الموقف الذي ينبغي ان نتخذه من اجل قبول كلام الله في اعماق القلب، لكي يؤتي ثماره في حياة كل واحد منا ونشاطه. هذا الموقف هو استعداد القلب والنفس، مثل الارض الطيبة التي تستعد لقبول الحب، فيثمر مئة ضعف.

يشجب يسوع ثلاثة مواقف سلبية تخنق كلام الله في النفس، هي:

اهمال كلام الله وعدم الاكتراث به، ويشبّهه بالحب الذي يقع على جانب الطريق، فيأتي الشرير وينتزع من قلب السامع الانجيل، لانه لم يحفظها بانتباه وعناية.

السطحية الخالية من الجذور والتراث الروحي، مثل الحب الذي يقع على الصخرة، فيتراجع سامعه عن الالتزام بالكلمة عند اول تجربة وميل ونزوة.

الانهماك بشؤون الارض، مثل الحب الذي يقع بين الاشواك، فتأتي الهموم والغنى ولذات الحياة، وتعطل كلمة الانجيل وتخنقها.

 

****

 

ثانيا، السنة الكهنوتية: وجوه من كهنتنا - القديس نعمة الله الحرديني الكاهن القرباني

 

القديس نعمة الله الحرديني كاهن قرباني بامتياز، وبهذا هو مثال للكاهن. انه رجل صلاة وايمان استمدهما من القربان المقدس، كما يظهر من علاقته المباشرة بالقداس والمناولة، ومن الاستعداد لهما بالاعتراف اليومي، ومن سجوده العميق والمتواصل امام القربان الساعات الطوال، في الليل والنهار.

شهد من حضر قداسه: كان قداسه يحملنا الى السماء، حيث كنزه وقلبه. في الواقع، شكّل قداسه قاعدة حياته ومحور نهاره، ما جعله قرباناً نقياً يزخر بالعطاء في اعماله ومسؤولياته، ويشع فرحاً داخلياً[3].

بالقوة التي كان الاب نعمة الله يستمدها من سرّ القربان، استطاع ان يواجه بسكينة وهدوء الحالة المضطربة في الرهبانية المتأثرة بالاضطرابات الخارجية السائدة في لبنان بين 1830و 1858. فكانت الاحوال الداخلية لا تساعد على الدقة في حفظ القوانين والحياة النظامية والعيشة المشتركة، بسبب الفوضى التي عمّت الاديار مع شيء من السأم والضجر. في خضّم تلك المصاعب، وقف الاب نعمة الله في وسط الجماعة وقفة المسؤول المثابر على خطته القانونية بكل دقّة وحزم، مشجعاً اخوته الرهبان على اقتحام الصعوبات واحتمال المحن في سبيل الهدف الاساسي الذي يسعى اليه الراهب، وهو خلاص نفسه والشهادة ليسوع تجاه الآخرين، وقال كلمته الشهيرة: " الشاطر يخلّص نفسه".

 

هذا الكاهن القرباني جعل من وظيفته في الرهبانية كمدير عام لثلاثة عهود، ومدير للرهبان الدارسين لمدة ست سنوات، وسيلة للخدمة والعطاء على تجرّد وبذل ذاتي. كان يقوم في نصف الليل، يذهب الى المطبخ لغسل الصحون وادوات المطبخ، ولتحضير المائدة، ثم يعود فيقرع جرس القيام. فكانت من أهم صفاته التي قدّسته: احترامه للقانون حتى قيل عنه: " كان قانوناً حياً في حفظ النظام الديري"؛ الجمع بين العلم والحياة، هو الذي علّم اللاهوت وهذّب النشء الرهباني بالمثل اولاً ثم بالمعرفة، وقد خرّج من مدرسته في دير كفيفان من هو افضل مثال للقداسة: الاب شربل مخلوف؛ الاتحاد العميق بالله في كل دقيقة من دقائق حياته، وفي كل عمل ونشاط يقوم به، متميزاً دائماً بالصمت والهدوء والرصانة.

لقد كان وقع صلاته في القداس اليومي: " وحّدت يا رب لاهوتك بناسوتنا، وناسوتنا بلاهوتك"، مطبوعاً في حياته اليومية ما جعله بفضل اتحاده العميق بالله، يقرّب الله من الناس، ويرفع الناس نحو الله[4].

 

 

ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

          تتناول الخطة الراعوية من النص المجمعي 17: " الكنيسة المارونية والتعليم العالي"، ما جاء في الفصل الثاني بشأن " المشاكل التي يعانيها التعليم العالي الخاص في لبنان من النواحي القانونية" (الفقرات 23-32).

يعاني التعليم العالي الخاص من فوضى تهدد بانعكاسات سلبية، بالغة الخطورة، على حرية هذا التعليم وجودته ومستقبله ومستوى الشهادات. انها مسؤولية الدولة على صعيد التشريعات من جهة، ومسؤولية المؤسسات من جهة اخرى.

1.     تأخر صدور التشريعات والنواقص فيها

فيما المؤسسات الجامعية الخاصة ترقى في بعضها الى القرن التاسع عشر، فان اول قانون تشريعي لتنظيم التعليم العالي صدر في 26 كانون الاول 1961، وبعد مرور 35 سنة صدر في 7 تشرين الاول 1996 القانون الذي يحدد الشروط والمواصفات والمعايير المطلوبة للترخيص بانشاء مؤسسة خاصة للتعليم العالي او باستحداث كلية او معهد في مؤسسة قائمة. ان هذا الاخير يخالف في عدد من احكامه احكام الاول الخاص بتنظيم التعليم العالي، وفيه نواقص يعددها النص المجمعي (فقرة 25).

 

     2. خلل في تطبيق التشريعات

ان معظم مراسيم الترخيص الصادرة في السنوات الاخيرة يفتقر الى الدقة والوضوح، اذ تخلو المراسيم من تحديد الاختصاصات المرخّص بها والشهادات المرخص منحها. ولا يوجد تدقيق في المستندات المرفقة بطلبات الترخيص وفي المضمون وفقاًُ للشروط والمواصفات والمعايير. ان مراسيم مجلس الوزراء تأتي استنساباً وارتجالاً بعيداً عن الموضوعية والتخطيط، وتأتي لتراعي التوازنات الطائفية، لا ضرورات الانماء المتوازن، ولتستلهم الاعتبارات السياسية اكثر منها مقتضيات السياسة التربوية.

 

3. مؤسسات غير مرّخصة قانونياً

توجد مؤسسات تعليم عالي خاصة غير شرعية، وتعمل من دون ترخيص، خلافاً للمادة 8 من قانون تنظيم التعليم العالي: " لا يحق لاية مؤسسة او معهد او كلية او جامعة ان تمارس عملها قبل حصولها على ترخيص مسبق".

 

4.    مخالفات ترتكبها المؤسسات الخاصة

يعمد بعض المؤسسات الجامعية الى انتحال تسميات مختلفة عن التسمية الرسمية، ويدرّس اختصاصات غير مرخّص بها، مع تضليل للرأي العام بشأنها. وبعضها يقدم على انشاء فروع جغرافية من دون ترخيص، وعلى فتح اقسام للدراسات والعلوم من دون توفير المستلزمات الاكاديمية، واستيفاء الشروط القانونية من ناحية الطلاب والشهادات المعلنة، وعلى اعطاء افادات كاذبة، ومنح شهادات جامعية من جماعات قائمة خارج لبنان. ويبقى السؤال الكبير: لماذا تصمت وزارة التربية والتعليم العالي عن كل هذه المخالفات التي تنعكس سلباً على هيبة القانون، وسمعة التعليم العالي الخاص؟

 

5. تغليب المنطق التجاري والاستثماري على منطق الرسالة ومفهوم الخدمة والاهداف الانسانية السامية، مردّ ذلك يعود الى الترخيصات المعطات بانشاء مؤسسات تعليم عالٍ لشركات مساهمة او مغفّلة تتوخى الربح بحكم طبيعتها، من خلال ممارستها نشاطات استثمارية، تجارية او عقارية او سواها. كما انها تستعمل اساليب اعلامية مستهجنة للترويج.

لكن النص المجمعي يشيد، بالمقابل، بالمؤسسات الجامعية الخاصة  الاخرى التي تحترم القوانين، وتلتزم المقتضيات والتقاليد، وتقوم برسالتها مؤمّنة جودة التعليم ونوعيته، وخدمة الطلاب والمجتمع بأفضل صورة ممكنة. 

*** 

         صلاة

         ايها الرب يسوع، لقد اشركتنا بكهنوتك رجالاً ونساءً، بالمعمودية والدرجة المقدسة والنذور الرهبانية. ارسل روحك القدوس الينا ليطلقنا بغيرة وحماس في ممارسة وظائف الكهنوت، على مثالك ووفقاً لتعليم الكنيسة. بارك عمل النساء في خدمة الكنيسة ورسالتها، ليحمل ثماره اليانعة على مثال نسوة الانجيل. اعضد الكهنة المؤتمنين على كهنوت الخدمة ليعيشوا مقتضياته، كما عاشها القديس نعمة الله والقديس شربل، فنرفع التسبيح والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


[1] .انظر رسالة البابا يوحنا بولس الثاني الى الكهنة في مناسبة خميس الاسرار 1995، فقرة 4 و5.

[2] . المرجع نفسه،5.

[3] . مجلة " شربل رفقا نعمة الله" عدد 284 سنة 2005: الاب ادمون خشان، " نعمة الله قديس افخارستي"، ص 4-7.

[4] . مجلة " شربل" عدد خاص: الطوباوي نعمة الله كساب الحرديني: " الحرديني كما يراه الآباتي نعمان"،ص 60-64

 


 

 

الاحد الرابع عشر من زمن  العنصرة

اتسالونيكي 2/1-13

لوقا 10/38-42

مقتضيات الكرازة بانجيل الله

 

     في زمن العنصرة الذي هو زمن الكنيسة، تكشف القراءات المقدسة لهذا الاحد مهمة الكرازة بانجيل الله. بولس الرسول يحدّد مقتضيات هذه الخدمة على مستوى الشخص الذي يعلن هذه الكرازة، ولاسيما الكاهن والاسقف. والرب يسوع يكشف عن اولوية سماع كلمة الانجيل بالنسبة الى اي عمل آخر، لكون الكلمة تنير العمل وتعطيه النكهة والقيمة، كما نفهم من قوله: " مرتا مرتا، انت تهتمين وتنهمكين بامور كثيرة، فيما المطلوب واحد، هو النصيب الذي اختارته مريم بسماع كلام الله".

 

 

اولاً، القراءات البيبلية

 

     1. رسالة القديس بولس الاولى الى اهل تسالونيكي: 2: 1-13.

 

وأَنْتُم أَنْفُسُكُم تَعْلَمُونَ، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنَّ دُخُولَنَا إِلَيْكُم لَمْ يَكُنْ باطِلاً. ولـكِنْ، كَمَا تَعلَمُون، بَعْدَ أَنْ تَأَلَّمْنَا وشُتِمْنَا في فِيلِبِّي، تَجَرَّأْنَا بإِلـهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُم بإِنْجِيلِ الله، في جِهَادٍ كَثِير. ولَمْ يَكُنْ وَعْظُنَا عَنْ ضَلال، ولا عَنْ نَجَاسَة، ولا بِمَكْر، بَلْ كَمَا اخْتَبَرَنَا اللهُ فَأَمَّنَنَا على الإِنْجِيل، هـكَذَا نَتَكَلَّم، لا إِرْضَاءً لِلنَّاسِ بَلْ للهِ الَّذي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا. فَإِنَّنا ولا مَرَّةً أَتَيْنَاكُم بِكَلِمَةِ تَمَلُّق، كَمَا تَعْلَمُون، ولا بِدَافِعِ طَمَع، واللهُ شَاهِد، ولا طَلَبْنَا مَجْدًا مِنْ بَشَر، لا مِنْكُم ولا مِنْ غَيرِكُم، معَ أَنَّنَا قادِرُونَ أَنْ نَكُونَ ذَوِي وَقَار، كَرُسُلٍ لِلمَسِيح، لـكِنَّنَا صِرْنَا بَيْنَكُم ذَوِي لُطْف، كَمُرْضِعٍ تَحْتَضِنُ أَوْلادَهَا. وهـكَذَا فَإِنَّنَا مِنْ شِدَّةِ الـحَنِينِ إِلَيْكُم، نَرْتَضِي أَنْ نُعْطِيَكُم لا إِنْجِيلَ اللهِ وحَسْب، بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لأَنَّكُم صِرْتُم لَنَا أَحِبَّاء. وإِنَّكُم تَتَذكَّرُون، أَيُّهَا الإِخْوَة، تَعَبَنَا وكَدَّنَا: فَلَقَد بَشَّرْنَاكُم بِإِنْجيلِ الله، ونَحْنُ نَعْمَلُ لَيْلَ نَهَار، لِئَلاَّ نُثَقِّلَ عَلى أَحَدٍ مِنْكُم. أَنْتُم شُهُود، واللهُ شَاهِد، كَيْفَ كُنَّا مَعَكُم، أَنْتُمُ الـمُؤْمِنِين، في نَقَاوَةٍ وبِرٍّ وبِغَيرِ لَوم، نُعامِلُ كُلاًّ مِنْكُم، كَمَا تَعْلَمُون، مُعَامَلَةَ الأَبِ لأَوْلادِهِ. وكُنَّا نُنَاشِدُكُم، ونُشَجِّعُكُم، ونَحُثُّكُم على أَنْ تَسْلُكُوا مَسْلَكًا يَلِيقُ بالله، الَّذي يَدْعُوكُم إِلى مَلَكُوتِهِ ومَجْدِهِ.

 

ان لمهمة الكرازة بالانجيل مقتضيات يشير اليها بولس الرسول في هذه الرسالة الى اهل تسالونيكي الذين قبلوه بترحاب، خلافاً لاهل فيليبي، حيث تألم وشُتم بسبب انجيل المسيح. وبطريقة غير مباشرة حدّد مقتضيات الكرازة بالانجيل. وهي: الجرأة في قول الحقيقة، الجهاد في سبيلها، الصدق والصراحة في التعليم، ارضاء الله الذي يأتمننا على انجيله لا ارضاء الناس، التجرد والشفافية في خدمة الانجيل من دون اي تملّق او طمع او سعي الى مجد من الناس، بكرامة رسل المسيح، بلطف الام وحنانها.

في هذه السنة الكهنوتية، نتأمل في كرامة الكهنوت المؤتمن على اعلان انجيل المسيح، ونصلّي لكي يتحلّى الكهنوت بمقتضيات هذا الاعلان، على مثال بولس الرسول. اولى هذه المقتضيات واجب الكرازة بانجيل الله الذي هو نفسه أوكل الى الكاهن هذه المهمة الخطيرة، لا من  الناس او من ذاته.

              ويواصل بولس كلامه عن مقتضيات الكرازة بانجيل الله بطريقة غير مباشرة، فيضيف مقتضى اعطاء الانجيل واعطاء الذات، للدلالة ان الانجيل هو شخص الكلمة المتجسد، يسوع المسيح، الذي اعطى ذاته وهو الله، لحياة البشر وهدايتهم. فالذي يخدم بالكرازة عطية الله، عليه ان يعطي ذاته ايضاً من دون تحفظ، فيتعب ويكدّ ليل نهار، ولا يكون عبئاً على أحد، ويتصرف بالنقاوة والصلاح، بعيداً عن اي لوم، ويعامل السامعين معاملة الاب لاولاده، ويحمل همّاً اساسياً هو حثّهم على السلوك اللائق بالله الذي يدعوهم الى ملكوته ومجده، اي الى المشاركة في الحياة الالهية.

 


 

              2. اولوية سماع كلام الله: لوقا 10/ 38-42

 

              ان كلمة الله صارت بشراً (يو1: 14)، واتخذت اسماً تاريخياً هو يسوع المسيح. هذه الكلمة - يسوع المسيح هي " النور الذي ينير كل انسان آتٍ الى العالم" ( يو1: 9)، وهي " ملاءى بالنعمة والحق" (يو1: 17). فأصبح سماعها وقبولها اولوية في حياة اي انسان، لان منها تنبثق حرارة العمل، واخلاص الموقف، وشفافية الحضور.

              زيارة يسوع لمرتا ومريم اختي لعازر كشفت اولوية سماع كلمة الله. فامتدح يسوع موقف مريم التي جلست على قدميه تسمع كلام الحياة، من دون ان يقلل من موقف مرتا التي انصرفت الى اعمال الضيافة. لكنه، بسبب اعتراضها على ما فعلت اختها مريم بقولها: " يا رب، اما تبالي بأن اختي تركتني اخدم وحدي؟ فقل لها ان تساعدني!" قال: " المطلوب واحد! فمريم اختارت النصيب الافضل الذي لن يُنزع منها".

     ان كلام الله بمثابة نور الشمس في النهار، والكهرباء في الليل، لكي يتمكن الانسان من التحرّك والعمل. انه نور لمعرفة الحقيقة، ومنبّه الارادة الى فعل الخير، ومحرّك القلب الى الحب والعطاء.

     المطلوب الاول هو الاستنارة بكلمة الله، لكي تنفتح امامنا آفاق العمل والمسلك، وننصرف اليهما بحرارة وغيرة واخلاص. فكلام الرب " روح وحياة" ( يو6: 63)

     ان محبة الله تدفعنا الى سماع كلامه، وكلامه يدفعنا الى محبة الانسان، اياً كان. مثل السامري الصالح (لو10: 29-37)، وحادثة بيت عنيا (لو10: 38-42) المتتاليين، يكشفان الاول محبة القريب، والثانية محبة الله.

 

***  

ثانيا، السنة الكهنوتية: الكاهن وسرّ القربان [1]

 

         وُلد الكاهن من سرّ القربان في علّية اورشليم، حيث انشأ الرب يسوع، في العشاء الفصحي الاخير، سرّي القربان والكهنوت. لقد ولدا معاً، ولا ينفكّ مصيرهما مرتبطاً الواحد بالآخر حتى آخر الازمنة. فبعد أن اسس سرّ القربان من اجل استمرارية ذبيحة آلامه وموته على الصليب لفداء البشر، ووليمة جسده ودمه لحياة العالم، اسس سرّ الكهنوت بقوله " اصنعوا هذا لذكري"، لتحقيق هذه الاستمرارية المزدوجة. يأخذ الكهنوت منشأه ويحيا ويؤتي ثماره من القربان. لا وجود لكهنوت بدون قربان، ولا وجود لقربان بدون كهنوت.

         عندما كان الرب يسوع يوجّه الى الرسل تلك الكلمات: " اصنعوا هذا لذكري"، كان فكره يمتد الى كل واحد من خلفائهم في كهنوت العهد الجديد. ويمكن القول انه دعا نوعاً ما الى العلّية كل كاهن بمفرده، الواحد تلو الآخر، فتسلّم من يديه المقدستين خبز القربان ليكسره غذاء لشعب الله السائر في طرق الزمان نحو الوطن السماوي. وكما القربان عطية من الله لحياة العالم، هكذا  الكهنوت ايضاً هو عطية من الله لاحياء ذبيحة الفداء وتوزيع جسد الرب ودمه للحياة الجديدة. يقيم الكاهن هذه الخدمة بشخص المسيح، ويقرّب الى الله باسم الشعب كله الذبيحة والعبادة. هو المسيح، بفعل الروح القدس، يؤوّن ذبيحته ووليمته الروحية، الآن وهنا، بواسطة يدي الكاهن الضعيفتين.

         ان الرباط العضوي الوجودي بين الكاهن وسرّ القربان، يقتضي ان يتميّز الكاهن بالروحانية القربانية الغنية وهي: الانتماء الكامل الى المسيح وتكريس الذات له ولرسالته، محبة المسيح النابعة من القربان، التقوى والخشوع في العبادة والاحتفال بالليتورجيا الالهية، الغيرة في توزيع خبز الكلمة بالكرازة والتعليم وخبز جسد الرب ودمه في القداس للبعيدين والقريبين، اكتساب صداقة المسيح، بالتأمل الدائم في وجهه، في مدرسة مريم الكلية القداسة، التي وحدها تعرف جمال وجه يسوع.        

***

 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني 

 

         في اطار تقبّل النص المجمعي 17: : الكنيسة المارونية والتعليم العالي"، تعرض الخطة الراعوية القسم الاخير من الفصل الثاني، وهو حول التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي المارونية (الفقرات 32-40).

يوجد حالياً خمس مؤسسات جامعية تابعة للكنيسة المارونية: الروح القدس الكسليك، سيدة اللويزه زوق مصبح، الانطونية بعبدا، الحكمة بيروت، معهد العلوم التمريضية والعلاج الفيزيائي البترون، هذه تحتاج الى مزيد من التنسيق، وعدم الاقتصار على علاقات ظرفية في مجالات محددة.

ان التنسيق، على مستوى الادارات والاساتذة والطلاب والخريجين، مطلب كنسي يشدد عليه المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في وثيقة " التربية المسيحية"، حيث يقول: " ان التنسيق يفرض ذاته بشدّة في المجال التربوي، اذ تجنى منه ثمار غزيرة. والجامعات مدعوة للتعاون في توحيد اعمالها وتنظيم مؤتمرات مشتركة وفقاً لقطاعات البحث العلمي، وتبادل الاساتذة والاكتشافات" ( عدد12).

وكذلك اوصى الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" في الفقرة 108، مضيفاً " ضرورة التشاور والتعاون، بل التكامل في توزيع الاختصاصات، من اجل مواجهة التحديات الثقافية الكبرى، وتأمين تعليم أفضل، وفعالية أعظم في البحث وتنشئة اساتذة الغد".

ويحذّر المجمع البطريركي الماروني من الوقوع في شراك التزاحم بين هذه المؤسسات الذي قد يبعدها عن روح رسالتها الكنسية، فتكرر ذاتها من دون ان تبلغ أرقى المستويات الاكاديمية، كما حذّر من السعي الى ابراز شخصية كل واحدة دونما التفات الى سواها.

يُنتظر من هذا التنسيق والتشاور والتعاون وضع رؤية مشتركة للقضايا التربوية والوطنية، والاتفاق على استراتيجية تجسّد سياسة جامعية موحّدة في التطلعات والاهداف. 

*** 

     صلاة 

ايها الرب يسوع، علّمنا، على مثال بولس الرسول، مقتضيات الكرازة بانجيلك، انجيل الحياة. زيّن الكهنة بروحانية الكرازة وبالاقتداء بك في عطاء الذات مع كلمة الانجيل. ساعدنا لنعطي الاولية الى سماع كلام الله قبل البدء باي عمل ونشاط، لنستمد منه النور والحرارة والمحبة، فتتخذ اعمالنا ونشاطاتنا قيمتها ومعناها. نشكرك على عطية سرّي القربان والكهنوت لحياة العالم، وألهم الكنيسة ورعاتها في اجتذاب النفوس الى ينبوعي الخلاص والحياة الجديدة هذين. ولتكن جامعاتنا مكاناً لمعرفة الله والانسان والتاريخ، ما يعطي معنى لحياة اجيالنا الطالعة، ودفعاً لهم في بناء مدينة الارض وفقاً لقيم مدينة الله. فنرفع التسبيح والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن واللى الابد آمين.


[1] . رسالة البابا يوحنا بولس الثاني ال  الكهنة بمناسبة خميس الاسرار 2004

 


 

الاحد الخامس عشر من زمن العنصرة

1 تسالونيكي 1/1-10

لوقا 7/36-50

التحوّل الى الانسان الجديد

 

     تواصل الكنيسة من خلال خدمتها المثلثة، خدمة كلمة الانجيل ونعمة الاسرار وبث روح المحبة، بالتعليم والتقديس والتدبير، عمل المسيح، وهو التحوّل الى انسان جديد على صورة ابن الله الذي صار انساناً. رسالة القديس بولس لهذا الاحد تتكلم عن تحوّل اهل تسالونيكي الذين " رجعوا عن الاوثان وعبدوا الله الحي والحق". والرب يسوع في انجيل اليوم حوّل المرأة الخاطئة في بيت سمعان  من حالة الخطيئة الى حالة النعمة.

اولاً، القراءات المقدسة

 

     1. رسالة القديس بولس الاولى الى اهل تسالونيكي: 1/ 1-10.

 

مِنْ بُولُسَ وسِلْوانُسَ وطِيمُوتَاوُسَ إِلى كنِيسَةِ التَّسَالُونِيكيِّينَ الَّتِي في اللهِ الآبِ والرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسيح: أَلنِّعْمَةُ لَكُم والسَّلام! نَشْكُرُ اللهَ دائِمًا مِنْ أَجْلِكُم جَمِيعًا، ونَذْكُرُكُم في صَلَواتِنَا بِغَيْرِ انْقِطاع. ونتَذَكَّرُ في حَضْرةِ إِلـهِنَا وأَبِينَا عَمَلَ إِيْمَانِكُم، وتَعَبَ مَحَبَّتِكُم، وثَبَاتَ رَجَائِكُم، كَمَا في رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح. ونَعْلَم، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَحِبَّاءُ الله، أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُم؛ لأَنَّ إِنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ إِلَيْكُم بِالكَلامِ وحَسْب، بَلْ أَيضًا بِالقُوَّةِ وبِالرُّوحِ القُدُسِ وَبِمِلْءِ اليَقِين، وأَنتُم تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا بَيْنَكُم مِن أَجْلِكُم. فَقَدْ صِرْتُم تَقْتَدُونَ بِنَا وبِالرَّبّ، إِذ قَبِلْتُمُ الكَلِمَة، في وَسَطِ ضِيقَاتٍ كَثِيرة، بِفَرَحِ الرُّوحِ القُدُس، حَتَّى صِرْتُم مِثَالاً لِجَمِيعِ الـمُؤْمِنينَ في مَقْدُونِيَةَ وأَخَائِيَة؛ لأَنَّهَا مِنْكُم ذَاعَتْ كَلِمَةُ الرَّبّ، لا في مَقْدُونِيَةَ وأَخَائِيَةَ وحَسْب، بَلْ في كُلِّ مَكَانٍ انتَشَر إِيْمَانُكُم بِالله، حتَّى لَمْ يَعُدْ بِنَا حَاجَةٌ إِلى أَنْ نَقُولَ في ذـلِكَ شَيْئًا. فَهُم أَنْفُسُهُم يُخْبِرُونَ عَنَّا كَيْفَ كَانَ دُخُولُنَا إِلَيْكُم، وكَيْفَ رَجَعْتُم عَنِ الأَوْثَانِ إِلى الله، لِكَي تَعْبُدُوا اللهَ الـحَيَّ الـحَقّ، وتَنْتَظِرُوا مِنَ السَّمَاواتِ ابْنَهُ، الَّذي أَقَامَهُ مِنْ بَينِ الأَمْوَات، يَسُوع، مُنَجِّينَا مِنَ الغَضَبِ الآتي.

 

     تحية " النعمة والسلام"، التي يستهلّ بها بولس الرسول رسالته هذه وسواها، ليست مجرد كلمات خارجية، بل هي نعمة المسيح الشافية للنفوس، وسلامه الالهي الذي يملأ القلب، ما يقتضي شكر الله عليهما. انها الحضارة المسيحية التي تستهل كل عمل " بالنعمة والسلام والشكر".

اما النعمة فقد بلغت اهل تسالونيكي بواسطة كلمة الانجيل، واستقرت في نفوسهم بقوة الروح القدس، لانهم قبلوا الكلمة بالرغم من الضيقات، بفرح الروح القدس، حتى انهم صاروا مثالاً لغيرهم. هذه النعمة حوّلتهم من عبّاد الاوثان الى عابدي الله الحي والحق (1: 5-9).

     واما السلام فهو سلام المسيح الذي ملأ قلوبهم من فرح الروح القدس (1: 6)، وجعلهم في حالة رجاء الانتظار لتجليات المسيح القائم من الموت، ولعمله في تاريخ البشر (1: 10).

     واما الشكر فللّه، لانه مكّنهم من العمل بايمان، والتعب بمحبة، والثبات برجاء، ولانه اختارهم ودعاهم  ليحملوا اسم " احباء الله" ( 1: 3-4).

     في السنة الكهنوتية، تنكشف قيمة رسالة الكاهن وقدسيتها، وهي القائمة على خدمة النعمة، وبثّ روح السلام، واداء عبادة الشكر لله.

 

2.    التحوّل من حالة الخطيئة الى حالة النعمة : لوقا 7/ 36-50.

 

     لقاء يسوع بالخاطئة في بيت سمعان الفريّسي يتواصل في لقائه مع اي خاطىء تائب، في الكنيسة وبوسطة خدمتها الكهنوتية باعلان الكلمة وخدمة سرّ التوبة.

     كل لقاء مع المسيح يبدأ بالسماع عنه وعن كلامه. سمعت المرأة الخاطئة ان يسوع في بيت سمعان. فقصدته، وقد حرّك في قلبها التوبة عن اخطائها، حاملة قارورة طيب لتسكبها على قدميه، علامة لتوبتها وحبها له، والتماساً لغفرانه.

     ترمز قارورة الطيب الى سبب خطيئتها، ويرمز افراغها على قدميه الى عزوفها عن اسباب الخطيئة، لتبدأ حياة جديدة. التوبة هي في الاساس ندامة واسف عن الحالة الشاذة، وقرار  في والمسلك، والتزام بالابتعاد عن اي سبب مباشر للخطيئة. ثم البحث عن المسيح، على يد خادمه الكاهن، للاعتراف بالخطأ، والتماس الغفران. اللوحة الانجيلية تتضمن كل عناصر التوبة.

     وتأتي المصالحة مع الله، وغفران الخطيئة، ومنح الحياة الجديدة، ثمرة حب كبير من الله الرحوم، لقاء فعل محبة من قبل التائب. هذا ما اكدّه يسوع لسمعان: " اقول لك، خطاياها الكثيرة مغفورة لها، لانها أحبّت كثيراً" ( لو7: 47).

من سرّ القربان، حيث تستمر ذبيحة المسيح لفداء البشر، ووليمة جسده ودمه لحباة العالم، تتفجّر على جميع الناس محبة الله الرحيمة، وتزرع في القوب المحبة التي تدعوهم الى التوبة والتحوّل الى انسان جديد، بواسطة خدمة الكنيسة وكهنة العهد الجديد، المؤتمنين بشخص المسيح وباسمه على كلمة المصالحة والغفران، وتوزيع جسده ودمه للحياة الجديدة.

 

***

 

ثانياً، السنة الكهنوتية: الكاهن وسرّ القربان[1]

 

         رباط وثيق يجمع بين الكهنوت والروح القدس، حياةً ورسالة. فالكاهن يصبح كاهناً بمسحة الروح القدس، ويقبل عطية الروح التي توليه سلطان التعليم والتقديس والتدبير، وتجعله معلم العقيدة، وكاهن العبادة والاسرار، وراعي الجماعة. من شأن هذا الرباط ان يذكّر الكاهن بقصده، يوم رسامته، ان يكون خاضعاً بكليته لعمل الروح القدس، وبالمعرفة المعزّية والهادية التي تأتيه منه، وتملاْ اوقاته نعمة وفرحاً.

         بعطية الروح القدس ترتبط رسالة الكهنوت. فالرب يسوع اعطى الرسل، كهنة العهد الجديد " هبة الروح القدس" يوم قيامته عندما سلّمهم سلطان الحلّ من الخطايا (يو20: 22- 23)؛ ثم افاضه عليهم يوم العنصرة، عندما ارسلهم ليكونوا شهوداً له الى أقاصي الارض)اعمال1: 8)، وكان قد ارسلهم، قبيل صعوده الى السماء، ليواصلوا رسالته الخلاصية بالتعليم والتقديس والتدبير ( انظر متى 28: 19-20). ان الرب يسوع اشركهم بذلك في كهنوته، كما  سيشرك خلفاءهم من بعدهم.

         بعطية الروح القدس ينال الكاهن نعمة خلاّقة تصوّره في كيانه الداخلي على صورة المسيح الكاهن الازلي، ونعمة مبّررة تقدّسه، وتغنيه بالفضائل الالهية الثلاث: الايمان والرجاء والمحبة، والمواهب السبع التي تحرّكه وتهديه في حياته ورسالته، وتجهّز نفسه للقيام باعمال تفوق امكاناتها الطبيعية.

         بواسطة موهبة الحكمة، يقوده الروح الى تقويم كل شيء على ضوء الانجيل، والى قراءة علامات حضور الله في احداث حياته اليومية، ومقاصده الخفية.

         بواسطة الفهم، يمكّنه الروح من ادراك الحقيقة الموحاة، ومن اعلان بشرى الخلاص بغيرة وفرح ونشاط.

         بواسطة المشورة، ينيره الروح لكي يحسن الخيارات اليومية، ويجعلها مطابقة لمقاصد الله.

         بموهبة القوة، يعضده الروح في صموده وثباته بوجه المحن والمصاعب، ويوليه الجرأة لاعلان الانجيل وقيم الملكوت.

         بموهبة العلم، يهيئه الروح لفهم سرّ الخلق والفداء والتبرير.

         بموهبة التقوى، ينعشه الروح في حياة الشركة مع الله، والتسليم بثقة لعنايته الالهية.

         بواسطة مخافة الله، يرسّخ فيه الروح وعي ضعفه ومحدوديته، ودور النعمة الالهية التي تنفذه  وتقويّه، ما يجعله ملتزماً بمرضاة الله، والسهر على عدم الاساءة اليه.

         ان مريم العذراء الكلية القداسة، الممتلئة من نعمة الروح القدس، هي مرآة الكهنوت في كلمة " نعم"، يوم البشارة وامام الصليب على السوء، وفي الطاعة الدائمة لارادة الله والتخلي عن المخططات الشخصية، وفي الفقر الانجيلي بالاصغاء الى حاجات الاخوة ومساعدتهم، وفي فضيلة العفة بتكريس القلب والفكر والجسد للابوة الروحية، ولله وللكنيسة دونما انقسام او تحفظ.

ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

         تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي 17: الكنيسة المارونية والتعليم العالي، فتعرض اليوم من الفصل الثالث: توصيات واقتراحات على كل من الصعيدين العام واللبناني (الفقرات 41-58).

         على الصعيد العام، تشدد الكنيسة على ضمان جودة التعليم العالي وتنظيمه، وتأمين ديموقراطيته، بحيث يكون حقاً لكل من تتوفّر فيه المؤهلات الضرورية، لكونه أضحى ضرورة ملّحة وحاجة مستمرة مدى الحياة.

         على الصعيد اللبناني، يطالب النص المجمعي باربعة:

1.    رسم سياسة وطنية للتعليم العالي

ينبغي على الدولة بالتعاون مع المسؤولين عن مؤسسات التعليم العالي رسم هذه السياسة التي تشمل التخطيط والاستشراف والرؤية والتوجيه والابعاد المستقبلية للتعليم العالي. تستوحي السياسة الوطنية في منطلقاتها الاساسية احكام الدستور اللبناني والمواثيق الدولية الصادرة عن الامم المتحدة والاونسكو، مع مراعاة واقع التربية والتعليم والتراث في لبنان، وحفظ اهداف التنمية الشاملة المتكاملة للشخص البشري، واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية وانفتاحه الروحي واندماجه الاجتماعي.

تستفيد الحكومة من " السياسة الوطنية" من اجل تشريعاتها بشأن التعليم العالي، والمؤسسات الجامعية  لصياغة اهدافها، ورسم استراتيجيتها.

 

2.    تعزيز التنسيق بين المؤسسات وبينها وبين وزارة التعليم العالي

 

التنسيق ضروري من اجل تعزيز علاقات التعاون والتكامل بين مؤسسات التعليم العالي، والمنافسة في سبيل المستوى العلمي. والتنسيق مع وزارة التعليم العالي ضروري لتعزيز دور المؤسسات على المستوى الوطني.

 

3.    تأليف مجلس وطني للتعليم العالي

 

يحتاج " مجلس التعليم العالي" الحالي الى تطوير وتعديلات جوهرية، لاصلاح الخلل، واعادة التوازن، وتمكينه من ممارسة مهماته الجسام، فيصبح " المجلس الوطني للتعليم العالي" الذي يتمثل فيه رؤساء الجامعات، وهيئات المجتمع المدني المعنية.

 

4.    انشاء هيئة وطنية للاعتماد

 

يوصي المجمع مشدداً بإنشاء هيئة وطنية لتقويم النوعية والاعتماد في التعليم العالي، تتألف من شخصيات اكاديمية مشهود لها بالاختصاص والكفاية والخبرة. غايتها التثبّت من جودة البرامج المعتمدة، واعطاء التوصيات الآيلة الى رفع مستواها، وتحسين نوعيتها، وتعزيز ملاءمتها لحاجات التنمية، وذلك بهدف ضمان جودة التعليم العالي واعتماد شهادته.

هذه الهيئة هي ضرورية ومفيدة للمؤسسة الجامعية اولاً في علاقاتها بالطلاب واهلهم والاساتذة والجهات المانحة وسوق العمل؛ كما هي ضرورية ومفيدة ايضاً للاهل والطلاب، ولقطاعات التوظيف، ولسائر الهيئات المحلية والدولية. وهي اخيراً ضرورية ومفيدة للحدّ من الفوضى القائمة، وللترقي بالمنافسة الى نطاقها الاكاديمي، وللتحفيز على تحسين النوعية والمستوى.

 

***

     الصلاة 

     ايها الرب يسوع، افتح نفوسنا لنقبل نعمتك الشافية، وقلوبنا لسلامك، فتفض ألسنتنا بشكرك. قدّس الكهنة لكي يحملوا باسمك الى كل انسان، موكول الى عنايتهم، النعمة والسلام، ويرفعوا مع جماعاتهم الرعائية عبادة الشكر لله. حوّلنا جميعاً بنعمة التوبة والغفران الى انسان جديد، يعكس في حياة النعمة، عمل روحك القدوس الذي به يتجدد كل شيء. افض علينا وعلى جميع الكهنة مواهبه السبع، نوراً للعقل، ومشورة للارادة، وتقوى للقلب. نوّر القيّمين على الجامعات لكي، بتنسيق عملهم، يقدّموا لاجيالنا الجامعية جودة العلم، والثقافة الروحية، والتربية الخلقية والوطنية. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


[1] . رسالة البابا يوحنا بولس الثاني الى الكهنة في خميس الاسرار 1998.


     
 بقلم  بشاره الراعي    مطران جبيل
 
 

pure software code