عيد
العنصرة - حلول الروح القدس
اعمال الرسل 2: 1-21
يوحنا 14/15-20
الروح القدس مصدر التعددية والوحدة
عيد
العنصرة هو عيد حلول الروح القدس على الكنيسة الناشئة في "اليوم
الخمسين" بعد قيامة الرب يسوع من بين الاموات. من هنا التسمية
الارامية "فنتقسطى واليونانية ومشتقاتها
Pentecoste
" اليوم الخمسون". وتُسمى "عنصرة" بالنسبة الى
العناصر المرئية التي رافقت حلول الروح، كما وصفها كتاب اعمال
الرسل: الريح وألسنة النار والتكلّم باللغات.
كلام الانجيل هو الوعد بارسال الروح القدس، اما القراءة من اعمال
الرسل فتروي الحدث.
اولاً، القراءات المقدسة
انجيل القديس يوحنا 14: 15-20: الوعد بارسال الروح
القدس
إِنْ تُحِبُّونِي تَحْفَظُوا
وَصَايَاي. وأَنَا أَسْأَلُ الآبَ فَيُعْطِيكُم بَرَقلِيطًا
آخَرَ مُؤَيِّدًا يَكُونُ مَعَكُم إِلى الأَبَد. هُوَ رُوحُ
الـحَقِّ الَّذي لا يَقْدِرُ العَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ،
لأَنَّهُ لا يَرَاه، ولا يَعْرِفُهُ. أَمَّا أَنْتُم
فَتَعْرِفُونَهُ، لأَنَّهُ مُقيمٌ عِنْدَكُم، وهُوَ فِيكُم. لَنْ
أَتْرُكَكُم يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُم. عَمَّا قَلِيلٍ
لَنْ يَرانِيَ العَالَم، أَمَّا أَنْتُم فَتَرَونَنِي، لأَ}نِّي
أَنَا حَيٌّ وأَنْتُم سَتَحْيَون. في ذـلِكَ اليَومِ تَعْرِفُونَ
أَنِّي أَنَا في أَبِي، وأَنْتُم فِيَّ، وأَنَا فيكُم.
يؤكد الرب يسوع ان الروح القدس يُرسل
من الآب باستحقاقات يسوع الابن، فيقبله الذين يحبون يسوع ويحفظون
وصاياه وتعليمه الانجيلي. ويسميه " بارقليط" اي المعزي
الذي يعوّض عن غياب يسوع، بل يجعله حاضراً في الاسرار الآن وهنا،
ويبقى مع الكنيسة الى الابد، محققاً في ابنائها وبناتها ثمار
الخلاص والفداء، فلا يكونون كأيتام. ويسميّه ايضاً " روح
الحق" المقيم في نفوس المؤمنين الذين يحبون المسيح ويحفظون
كلامه ووصاياه. بفضل عطية الروح القدس، يصبح الانسان المؤمن سكنى
الثالوث القدوس: " ويومذاك تعرفون اني في ابي، وانكم فيَّ وانا
فيكم".
اعمال الرسل 2: 1-21: الحدث تحقيق الوعد
القراءة في القسم الاول تروي الحدث ( 2:1-8)
وفي تَمَامِ اليَوْمِ الـخَمْسِين، كَانُوا كُلُّهُم مَعًا في
مَكَانٍ وَاحِد. فَحَدَثَ بَغْتَةً دَوِيٌّ مِنَ السَّمَاءِ
كَأَنَّهُ دَوِيُّ رِيحٍ عَاصِفَة، ومَلأَ كُلَّ البَيْتِ حَيثُ
كانُوا جَالِسين. وظَهَرَتْ لَهُم أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ
كَأَنَّهَا مِنْ نَار، واسْتَقَرَّ عَلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم
لِسَان. وامْتَلأُوا كُلُّهُم مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وبَدَأُوا
يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى، كَمَا كَانَ الرُّوحُ
يُؤْتِيهِم أَنْ يَنْطِقُوا. وكَانَ يُقيمُ في أُورَشَلِيمَ
يَهُود، رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ
السَّمَاء. فَلَمَّا حَدَثَ ذـلِكَ الصَّوت، احْتَشَدَ الـجَمْعُ
وأَخَذَتْهُمُ الـحَيْرَة، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم كَانَ
يَسْمَعُهُم يَتَكَلَّمُونَ بلُغَتِهِ. فَدَهِشُوا وتَعَجَّبُوا
وقَالُوا: "أَلَيْسَ هـؤُلاءِ الـمُتَكَلِّمُونَ جَمِيعُهُم
جَلِيلِيِّين؟ فَكَيْفَ يَسْمَعُهُم كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا
بِـاللُّغَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا
كان الرسل الاثنا عشر والجماعة المسيحية الاولى، وعددهعم حوالي 120
( اعمال 2: 15)، مجتمعين للاحتفال بالعيد اليهودي، المعروف
باليوم الخمسين، لاحياء ذكرى العهد الذي قطعه الله مع شعبه على
جبل سينا (راجع خروج19). فجاء
حدث حلول الروح القدس عليهم، يحوّل العيد، ويجعله عهداً جديداً
ختمه بدم الابن الحبيب، وأكمل شريعة موسى او الوصايا بشريعة
المحبة التي هي الروح القدس المسكوب في قلوبنا، كما سبق وتزامن
فصح المسيح مع الفصح اليهودي، وحوّله فصح العبور من موت الخطيئة
الى حياة النعمة، والى ذبيحة يسوع على الصليب تكفيراً عن خطايانا
بدلاً من الحمل، والى وليمة جسده ودمه للحياة الالهية فينا بدلاً
من أكل الحمل.
رافقت حلول الرح القدس، غير المنظور، عناصر أو علامات خارجية دلّت
على هذا الحلول ومفاعيله:
الريح الشديد يدل على ان الروح يملأ كيان الانسان والكنيسة،
من دون ان يكون منظوراً، ولكن نشعر به، شعورنا بالهواء الذي نسمع
صوته والذي يهب حيث يشاء ( راجع يوحنا 3: 8).
النار ترمز الى قدرة الروح القدس التي تحوّل وتبدّل كل ما
تلمس. هذاه"النار" طلبها ايليا النبي من السماء على محرقته على
جبل الكرمل (1ملوك 18:38-39)، وهي صورة الروح القدس. يوحنا
المعمدان اعلن ان المسيح " سيعمّدكم بالروح القدس والنار" (لو1:
17؛3:16). والرب يسوع قال عن الروح القدس انه " سيضربه
ناراً في العالم" (لو12: 49). الروح القدس ينقي القلوب، ويطفىء
نار الشر، ويضرم في العالم نار الحب الالهي.
التكلم باللغات، كما يخبر اعمال الرسل (2:5-11) يرمز الى
الروح القدس الذي يقود الكنيسة الى جميع شعوب الارض لتعلن سرّ
المسيح وانجيله بلغاتهم. فالروح القدس يعزز التنوّع في الكنيسة،
ويحفظ وحدتها. هكذا يسوع سبق ووعد رسله: "حين يأتيكم الروح
القدس، تنالون القوة، وتكونون لي شهوداً في اورشليم وفي جميع
اليهودية والسامرة، الى اقاصي الارض" ( اعمال 1:8).
بحلول الروح القدس على الكنيسة الناشئة، تعمدّت هذه الكنيسة،
وبدأت رسالتها الشاملة، انطلاقاً من شوارع اورشليم، بعمل الكرازة
العجيب بمختلف لغات الشعوب. لمعمودية الروح بعدان لا ينفصلان:
الاول شخصي: " انا" التلميذ؛ الثاني جماعي: " نحن" الكنيسة.
فالروح يكرّس الشخص ويجعل منه عضواً في جسد المسيح السّري،
وشريكاً في الشهادة لمحبته. هذا يجري بسرّي المعمودية والميرون.
القديس اغسطينوس يسمّى الكنيسة "مجتمع الروح القدس"،
والقديس ايريناوس سبقه وقال: "حيث توجد الكنيسة، هناك يوجد
روح الله"، وحيث يوجد روح الله، هناك توجد الكنيسة وكل نعمة.
فالروح هو الحقيقة، من يبتعد عن الكنيسة، يرفض الروح القدس،
ويقصي نفسه عن الحياة
.
حدث العنصرة يبيّن الوحدة الدائمة بين الروح القدس وجسد المسيح
السرّي الذي هو الكنيسة، انه يعزز فيها التعددية والوحدة، بكونه
يوزّع على اعضائها مواهبه، ويوجهها نحو بنيان الجسد والخير
العام. المواهب متنوعة اما الروح فواحد. هذا الروح الواحد استقر
بألسنة من نار فوق رؤس الحاضرين، فتكلموا لغات كل الشعوب
المتواجدين في اورشليم بمناسبة عيد العهد على جبل سينا. انها "
الكنيسة الواحدة، الجامعة". منها تولد كنائس محلية في كل انحاء
العالم. هذه الكنائس هي تحقيق لكنيسة المسيح الواحدة والوحيدة.
ليست الكنيسة الكاثوليكية فدرالية كنائس، بل هي حقيقة واقعية
واحدة ووحيدة
.
***
ثانياً، الشهر المريمي- مريم الممتلئة نعمة
حيّا الملاك مريم وسمّاها " الممتلئة نعمة"، وبالبشارة
أدخلها في سرّ المسيح. فلا بدّ من فهم التسمية، لكي ندرك ابعادها،
فيما نردد السلام الملائكي بتلاوة المسبحة.
" النعمة" تعني عطية خاصة نابعة من حياة
الله الثالوث، ومن حبه الالهي، فالله محبة (1يو4: 8)، وتنطوي على
اختيار في اطار تدبير خلاص كل انسان باشراكه في الحياة الالهية
(2 بطرس 1: 4) في المسيح؛ وتزرع في الانسان بذار قداسة، بهدف ان
نصبح كلنا ابناء لله بالتبني في المسيح". هذه النعمة الموصوفة هي
: البركة الروحية من الله في المسيح" (افسس 3:1).
هي نعمة محبة الله وبركته الفريدة التي تتميّز عن كل "
بركة روحية بالمسيح" ( افسس 1: 3):
أ-
مريم حاضرة في سرّ المسيح " منذ قبل انشاء العالم"، وقد اختارها
الآب اماً لابنه المتجسّد، واختارها الابن، في آن مع الآب،
واستودعها منذ الازل روح القداسة.
ب-
مريم متحدة مع المسيح بشكل فريد وخاص بها، وهي محبوبة من هذا
الابن الحبيب منذ الازل.
ج- مريم كاملة الانفتاح على " كل عطية صالحة وكاملة تهبط من فوق،
من ابي الانوار" ( يعقوب 1: 17).
تسمية " الممتلئة نعمة" تعني ان الله أغدق على مريم كل
المواهب الفائقة الطبيعة، في اطار اختيارها وتوجيهها لتكون اماً
للمسيح، من اجل تحقيق تدبير الله لخلاص البشرية، بحيث تكون مريم
تحفة هذا التدبير الخلاصي وكماله. ان امتلاءها نعمة بلغ كماله
بتجسّد الكلمة الالهي، وباتخاذ ابن الله طبيعة بشرية منها،
وبكونها " ام ابن الله، وابنة الآب المفضّلة، وهيكل الروح القدس.
وبذلك تتجاوز بعيداً، بعطية النعمة العظمى هذه، كل الخلائق
الاخرى في السماء وعلى الارض".
وتعني التسمية ايضاً ان كمال النعمة تجلّى في مريم
لكونها افتُديت بشكل فائق واستثنائي. فبقوة نعمة الابن،
واعتباراً لثمار الفداء الذي سيحققه من سيكون ابناً لها، حُفظت
مريم من ارث الخطيئة الاصلية. من اللحظة الاولى للحبل بها في حشى
امها هي خاصة المسيح وتشترك في النعمة التي تخلّص وتقدس، وفي
الحب النابع من " الحبيب"، ابن الآب الازلي الذي أضحى ابناً لها.
انها " ام خالقها"، و " ابنة ولدها".
في قلب دائرة العداوة والصراع بين شر الخطيئة ونعمة
الخلاص، تظل ام الاله علامة الرجاء التي لا تتغيّر ولا تأفل.
***
ثالثاً، جمعية سينودس الاساقفة الخاصة بالشرق الاوسط
بانتظار صدور " آداة العمل" التي تحتوي الاجوبة على الاسئلة
المطروحة في وثيقة "الخطوط العريضة"، والتي مضمونها تنعقد جمعية
السينودس، نستعرض مضمون " الخطوط العريضة"، وهي بعنوان:
الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الاوسط: شركة وشهادة".
نعرض اليوم الاسباب الداعية لعقد هذه الجمعية الخاصة.
ثمة تحديّات يواججها المسيحيون في بلدان الشرق الاوسط، تستوجب
عقد جمعية السينودس من اجل ادراكها والعمل على رفعها. هذه
التحديات تسعة:
1) النزاعات السياسية في المنطقة وتأثيرها على المسيحيين
في كل من فلسطين، والعراق ولبنان ومصر والبلدان الاخرى وتركيا،
وحيث انظمة التسلط والقمع، والدكتاتورية والتمييز الديني.
تأثيرها: بعض المسيحيين يصمد بايمان وثبات والتزام
واحتمال، والبعض الآخر يقنط ويفقد الثقة في المجتمع
والقدرة الشخصية، وينسحب من اي التزام ويتقوقع
(عدد18-21).
2) الحرية الدينية وحرية المعتقد: تمييز بين حرية
العبادة، وحرية المعتقد او الضمير التي تصحبها امكانية اعتناق
الدين المسيحي. هذه غير موجودة في الاسلام بالنسبة الى المسلم
الذي يعتنق ديناً آخر. يوجد مشكلة تغيير الدين من اجل مصالح
عائلية ( عدد22-23).
3) تصاعد الاسلام السياسي والتطرف والتعصب حيث نسمع: "
الاسلام هو الحل" . ممارسة العنف، التأثير السلبي على المسيحيين
(عدد24).
4) الهجرة: لاسباب اقتصادية وسياسية وامنية، وسياسية
دولية واضطهادية، وبخاصة النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني-العربي
(عدد25-27). تحدّي البقاء والحضور من اجل الرسالة المسيحية.
5) الهجرة المسيحية الآسيوية- الافريقية الى بلدان الشرق
الاوسط، وفيها معاناة المهاجرين الى بلداننا: ظلم اجتماعي،
استغلال، تعدّي جنسي. نحن امام تحدّي المسؤولية الراعوية وممارسة
العدالة الاجتماعية، الاحترام والاعتبار (عدد28-29).
6) العيش مع المسلمين ومع اليهود: مشكلة الجمع بين الدين
والدولة، تحدّي عدم الانجراف في المحاور الدينية-السياسية، تحدي
السلام والعنف، تحدّي اعتبار المسيحيين مرتبطين بالبلدان "
المسيحية" الغربية، تحدّي الشهادة للقيم الانجيلية، وقول كلمة
الحق، والتربية على السلام ( عدد 75-77).
7)
الحداثة: النظرة السلبية اليها من قبل المسلمين، والايجابية
من قبل المسيحيين، مع الخطر بالنسبة الى المسيحيين: تغييب الله،
تيّار النسبية، اللااكتراث. يجب انتقاء الايجابي منها ورفض
السلبي (عدد 78-79).
8) الانظمة التيوقراطية التي تجمع بين الدين والدولة،
وتفرض ديانة الدولة واحكام الشريعة، التمييز وعدم احترام شرعة
حقوق الانسان (عدد 83-84).
9) قلة العدد والخوف وفقدان الشجاعة (عدد87-88).
***
صلاة
هلّم ايها الروح القدس واملاء نفوسنا من مواهبك السبع: انر
عقولنا وايماننا بالحكمة والمعرفة والفهم؛ شدد اراداتنا ورجاءنا
بالمشورة والقوة؛ أضرم قلوبنا ومحبتنا بتقوى الله ومخافته.
يا مريم، هيكل الروح القدس، ومستودع مواهبه السبع، ساعدينا لكي
ننفتح على مواهب الروح هذه، واسطعي امام البشرية جمعاء مثالاً
لعمل الروح في المؤمنين والمؤمنات، لكي نسير على خطاك بكلمة "
نعم" لارادة الاب، ونعمة الابن، وهدي الروح القدس. للثالوث
القدوس كل مجد وشكر وتسبيح ألآن والى الابد، آمين.
|