زمني الدنح والتذكارات
بحسب طقس الكنيسة الانطاكية السريانية المارونية
       التنشئة المسيحية 2007 - 2008
عيد الدنح او الغطاس - الاربعاء 6  كانون الثاني 2008
 
  1. تقديم
  2. احد وجود الرب في الهيكل (30 كانون الاول 2007) - التربية في العائلة
  3. رأس السنة الجديدة (1كانون الثاني 2008) - المسيح سلامنا
  4. عيد الفطاس او الدنح - المعمودية والولادة الجديدة
  5. احد الكهنة -  الامانة للمسؤولية
  6. تذكار الابرار والصديقين - الفضائل الالهية والانسانية
  7. تذكار الموتى المؤمنين - خيرات الارض لجميع الناس

 

   تقديم

        يطيب لي ان اقدّم العدد 16 من سلسلة التنشئة المسيحية لزمن الدنح الذي فيه نتذكر ظهور الرب يسوع، ابن الله الذي تجسد لخلاص الجنس البشري، وحيّاه بولس الرسول في رسالته الى تلميذه تيموتاوس بقوله: " حقاً انه لعظيم سرُّ التقوى هذا، الذي تجلّى بالجسد وتبرر بالروح، وبُشّر به في الامم، وآمن به العالم" ( ا تيم 3/16).

 

        بقوة " سر التقوى" تنتصر الكنيسة وابناؤها على الشيطان والخطيئة والشّر، الذين سمّاهم بولس الرسول "سرّ الاثم"، ( تيم 2/7). 

        يتناول هذا العدد، الى جانب شرح انجيل الاحد والاعياد، قسماً جديداً بعنوان: " الكنيسة ومفهوم السياسية"، فيعطي ما تعلّم الكنيسة بشأن الجماعة السياسية ومفهوم العمل السياسي، آملين ان يتكوّن فكر سياسي عند شعبنا وثقافة سياسية، لكي في ضوء معاييرها ينتخب المواطنون من ينتدبونهم لخدمة الخير العام، ويحاسبوهم ويسائلوهم. كما تواصل الخطة الراعوية، في القسم الثالث، عرض النص السادس من نصوص المجمع البطريركي الماروني بعنوان: " البطريرك والاساقفة".

 

        نأمل ان يؤول هذا العدد الى كشف سرّ المسيح " سرّ التقوى العظيم الذي تجلّى بالجسد" ( 1 تيم 3/16)، ما يجعلنا نصمد في الرجاء ونواصل مجابهة شرور هذا العالم بقوة " سرّ التقوى"، حتى يظهر عمل الله الخلاصي.

 

+ بشاره الراعي  مطران جبيل


الاحد 30 كانون الاول 2007

احد وجود الرب في الهيكل

عيد العائلة المقدسة

التربية في العائلة

 

من انجيل القديس لوقا 2/41-52.

         وكانَ أَبَوَا يَسُوعَ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ في عِيدِ الفِصْحِ إِلى أُورَشَليم. ولَمَّا بَلَغَ يَسُوعُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، صَعِدُوا مَعًا كَمَا هِيَ العَادَةُ في العِيد. بَعدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ العِيد، عَادَ الأَبَوَان، وبَقِيَ الصَّبِيُّ يَسُوعُ في أُورَشَلِيم، وهُمَا لا يَدْرِيَان. وإذْ كَانَا يَظُنَّانِ أَنَّهُ في القَافِلَة، سَارَا مَسِيرَةَ يَوْم، ثُمَّ أَخَذَا يَطْلُبانِهِ بَيْنَ الأَقارِبِ والـمَعَارِف ولَمْ يَجِدَاه، فَعَادَا إِلى أُورَشَليمَ يَبْحَثَانِ عَنْهُ. َبعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّام، وَجَدَاهُ في الـهَيكَلِ جَالِسًا بَيْنَ العُلَمَاء، يَسْمَعُهُم ويَسْأَلُهُم. وكَانَ جَمِيعُ الَّذينَ يَسْمَعُونَهُ مُنْذَهِلينَ بِذَكَائِهِ وأَجْوِبَتِهِ.

ولَمَّا رَآهُ أَبَوَاهُ بُهِتَا، وقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: "يا ابْنِي، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هـكَذا؟ فهَا أَنَا وأَبُوكَ كُنَّا نَبْحَثُ عَنْكَ مُتَوَجِّعَين!". فَقَالَ لَهُمَا: "لِمَاذَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلا تَعْلَمَانِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ في مَا هُوَ لأَبي؟". أَمَّا هُمَا فَلَمْ يَفْهَمَا الكَلامَ الَّذي كَلَّمَهُمَا بِهِ. ثُمَّ  نَزَلَ مَعَهُمَا، وعَادَ إِلى النَّاصِرَة، وكانَ خَاضِعًا لَـهُمَا. وكَانَتْ أُمُّه تَحْفَظُ كُلَّ هـذِهِ الأُمُورِ في قَلْبِهَا. وكَانَ يَسُوعُ يَنْمُو في والقَامَةِ الـحِكْمَةِ  والنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ والنَّاس

 

ظهر يسوع في الهيكل معلماً يدهش العلماء، وهو في الثانية عشرة من العمر. علّم العلماء بدل ان يعلموه. وظهر ابناً للآب السماوي، منصرفاً ابداً الى تتميم ارادته. الهيكل هو بيته الاساسي، بعد ان قدّمه والداه لهيكل الرب وهو في الشهر الاول من عمره. لم تفهم مريم ولا يوسف جوابه الخفي. بل ظنت امه ان نبوءة سمعان الشيخ عن ان سيفاً سيجوز قلبها، قد تحققت. ستظل حياة يسوع احتجاباً وظهوراً، لانها في الاصل كذلك: فالمحتجب منذ الازل ظهر للعيان بميلاده من البتول؛ الكلمة خالق الكون الخفي يظهر جنيناً في بطن الام الممتلئة نعمة؛ ذلك الذي باح بسره للانبياء يظهر معلماً وهو الكلمة؛ احتجب عن الحكماء والفهماء وظهر للاطفال المتواضعين؛ هذا الذي  احتجب وراء اغشية الطبيعة البشرية بضعفها وجوعها وآلامها ظهر متجلياً باشعة لاهوته على جبل طابور؛ وهذا الذي احتجب مائتاً بالذل على الصليب ظهر حياً ممجداً قائماً من الموت؛ هذا المحتجب تحت اشكال الخبز والخمر هو اياه الاله الجالس على عرش السماء وعمانوئيل " الله معنا"، الحاضر بقوة الروح القدس في كلمة الانجيل نوراً للعقول، وفي الاسرار نعمة تشفي وتقدس، وفي القلوب محبة تشهد لمحبة الله.

 

***

اولاً، شرح نص الانجيل

 

        1. ابوة الله وبنوة الانسان

 

" ألا تعلمان انه ينبغي لي ان اكون في ما هو لأبي؟" ( لو2/49).

انه ابن مريم ويوسف في بشريته لكنه في الوهته ابن الله. بقوله " ما هو لأبي" يعني الغاية من تجسده، واعلان انصرافه في سبيلها، والسبب الذي بدونه يفقد تجسد الكلمة مبرره. راحت الكنيسة بلاهوتييها تفسّر هذه الغاية –السبب.

 

 فقالت مدرسة القديس انسلموس: كرامة الله التي انتهكها الانسان بخطيئته تقتضي التعويض والتكفير من اجل مرضاة عدله، وتقتضي اعادة ترميم طبيعة الانسان المخلوقة على صورة الله وقد شوهتها الخطيئة، تحقيقاً لبّره. لكن الانسان غير قادر على التعويض والتكفير، وعلى محاربة من وما اغواه لانه عبد له ومديون. وحده الله، غير المديون لأحد يستطيع النصر على الشيطان مستعبد الانسان وعلى حيله واغراءاته، فكان لا بد من ان يتجسد، بشخص يسوع المسيح الاله والانسان. فتحقق الفداء والتكفير والتعويض بآلامه وموته، والانتصار بقيامته. لقد جعل ذاته خطيئة من اجلنا، فكان الكاهن والذبيحة: كاهن يفتدي وذبيحة تكفّر. هذه الحقيقة السامية اصبحت صلاة الكنيسة يتلوها الكاهن في القداس: "يها القربان الشهي، الذي قدمت نفسك لاجلنا! يا ذبيح الغفران الذي انت نفسك قربت نفسك لأبيك! ايها الحمل الذي كنت كاهن قربانك! لتكن صلاتنا، على نفح رضاك، ايها المسيح، بخوراً نقربه بك لابيك. لك المجد الى الابد". لا يستطيع الانسان ان يتبرر بنفسه، فلا يبرره الا القدوس الذي اتخذ الطبيعة البشرية منزهة من كل خطيئة، وضمّ اليها، في سرّ جسده السرّي طبيعة كل انسان، وراح بقوة روحه القدوس يقدسها ويؤلهها. يا للتبادل العجيب: " وحدت يا رب لاهوتك بناسوتنا، وناسوتنا بلاهوتك، حياتك بموتنا، وموتنا بحياتك، أخذت ما لنا ووهبتنا ما لك، لتحيينا وتخلصنا، لك المجد الى الأبد"( القداس الماروني).

 

 

        التجسّد هو البرهان الاسمى عن حب الله للبشر (1تيطس3/4)، والدعوة الى محبة الله بشكل يليق به، والى التعبير عن محبتنا له بافعال حب للانسان الذي امامنا بضعفه وقوته، بفقره وغناه، بجماله وقباحته، قريباً كان ام غريباً. يوحنا الرسول، لاهوتي المحبة، ينبهنا: " لا تكن محبتنا بالكلام او باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو3/17).

هذه هي حضارة المحبة ومضمون ما قال الصبي يسوع لابيه وامه في الهيكل: " ينبغي علي ان اكون في ما هو لابي". افراد العائلة وابناء الكنيسة مؤتمنون على حضارة المحبة ومدعوون الى ادخالها في ثقافات مجتمعاتهم.

 

2. العائلة المسيحية

 

     " نزل يسوع معهما الى الناصرة، وكان يطيعهما...وينمو بالقامة والحكمة والنعمة امام الله والناس" ( لو2/51-52). تحيي الكنيسة في هذا الاحد عيد العائلة المقدسة، عائلة الناصرة. فيها استعادت العائلة المسيحية قدسيتها وكرامتها، على انها " كنيسة بيتية" مبنية على سرّ الزواج. الله حاضر فيها، بكلمته ونعمته، وهي جماعة ايمان ورجاء وحب. فيها تتحقق الشركة بين الاشخاص على صورة الثالوث الالهي، ويتم تقاسم الخيرات الروحية والمعنوية والمادية، ويعاش التفاني وبذل الذات والانسجام على مثال اتحاد المسيح بالكنيسة. انها المكان الاول للتربية على الصلاة، حيث ابناؤها، ابناء الله وبناته، يصلون معاً ككنيسة.

وبوصفها " كنيسة بيتية"، تشارك العائلة كنيسة المسيح في رسالتها المثلثة: الخدمة النبوية تقوم بها كجماعة مؤمنة ومبشرة بالانجيل، والخدمة الكهنوتية كجماعة مصلية وفي حوار دائم مع الله، والخدمة الملوكية كجماعة المحبة والعدالة والانتصار على الشر (الارشاد الرسولي: في وظائف العائلة المسيحية  21،49- 64).

في عائلة الناصرة، نما يسوع بالطاعة لوالديه، محققاً الوصية الالهية: " اكرم اباك وامك" ( خروج20/12)،  وبفضل تربيتهما نمت شخصيته بابعادها الثلاثة: القامة من خلال عنايتهما المادية، والحكمة بتربيته على القيم الخلقية والثقافية والانسانية، والنعمة بالسهر على اتحاده العميق بالآب والروح القدس، وبازكاء حياة الايمان لديه. في هذه الحياة العائلية المقدسة هيأ يسوع رسالة الفداء.

علّمت الكنيسة ان الوالدين هم المربون الاولون لاولادهم، حسب قناعاتهم الدينية والخلقية وتقاليدهم الثقافية ( البابا يوحنا بولس الثاني: رسالة الى العائلات،16). مهمتهم تربية اولادهم ليعيشوا في الحقيقة والمحبة. هذه التربية هي واجب على الاهل جوهري لعلاقته بنقل الحياة البشرية الى اولادهم، واساسي بالنسبة الى مهمة الآخرين التربوية، واولي بداعي رباط الحب الفريد بين الوالدين واولادهم، ولا بديل او غنى عنه فلا يفوّض الى غيرهم بشكل مطلق ولا ينتزعه منهم احد ( في وظائف العائلة المسيحية، 36).

العائلة هي حقاً " المدرسة الاولى للحياة المسيحية، وللانسنة الغنية" ( دستور المجمع الفاتيكاني الثاني:الكنيسة في عالم اليوم، 52). في هذه المدرسة نتعلم فرح العمل، وقيمة التعب والمحبة الاخوية، والمغفرة السخية والمتجددة، وبخاصة العبادة الالهية في الصلاة وهبة الذات ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1657).

 

***

ثانياً، الكنيسة والفكر السياسي

 

        يملي علينا واقع مفهوم السياسة وطريقة ممارستها، وقد رأينا الى اي انحطاط بلغا، لا بدّ من العودة الى تعليم الكنيسة بشأن الفكر السياسي والممارسة السياسية. فاخصص القسم الثاني من التنشئة المسيحية للحديث عن " الكنيسة والفكر السياسي". موضوع اليوم: السياسة فن شريف لخدمة الخير العام.

         المفهوم الاصلي للسياسة انها فن شريف لخدمة الخير العام. ولها مبادىء واخلاقية. وبما ان غايتها خدمة الخير العام، فتفترض تنوعاً في الاراء، يبدأ مع افراد الشعب الذي تمارس باسمه، كما تقتضي الديموقراطية، ويتبلور في الاحزاب والتيارات، شرط ألاّ تصادر هذه حق الآخر المختلف في التفكير، وألاّ تؤدي الى القطعية بين قياداتها، والى عداء وصدام بين المحازبين،  وألاّ تختطف رأي الشعب وتختذله أوتهمله.

        من حق كل مواطن وواجبه، ومن حق جميع المواطنين وواجبهم، اعطاء الاولوية للخير العام الذي هو " مجمل اوضاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخلقية والسياسية التي تمكّن الاشخاص والعائلات والجماعات من تحقيق ذواتهم تحقيقاً افضل" ( دستور المجمع الفاتيكاني الثاني: الكنيسة في عالم اليوم،74). تأتي السلطة السياسية الشرعية لتؤمن هذا الخير العام الذي منه خير الجميع، فتعمل بنجرّد، لا عن مصلحة شخصية او فئوية.

        على هذا الاساس، يكون العمل السياسي فناً يتناول على التوالي:

·        تنظيم الحياة العامة في مقتضياتها اليومية ومتفرعاتها.

·        تنظيم الدولة في نشاطها الداخلي، ادارة واجهزة ومخططات ومشاريع في ميادين الاقتصاد والاجتماع والتشريع والثقافة؛ وفي نشاطها الخارجي مع الدول بما تقيم معها من علاقات متبادلة، وما تبرمه من اتفاقات لصالح الجميع.

·        تعزيز محبة الوطن وكرامته وقيمه وتراثه ورموزه وتاريخه وعاداته، وتحقيق آمال ابنائه وتطلعاتهم، وازالة هواجسهم، وتجنيبهم ما يتهددهعم من اخطار.

 كون السياسة فناً شديد الصعوبة، فلا يتقنها ويؤمّن غاياتها، ويجنّب الوطن والشعب مهالك فسادها وسوء ادائها، إلا من أهّب نفسه لممارستها، واكتسب خبرة في تعاطيها، وكان ذا كفاءة للعمل بها، وأظهر ماضيه تفانية في سبيل الخير العام الموصوف اعلاه.

هذه هي المعايير التي يختار الشعب على اساسها ممثليهم في العمل السياسي والاداري، لا على مقياس ردات الفعل العاطفية، ولا لقاء الرشوة وشراء الاصوات.

نعاني اليوم " من ازمة في الكوادر السياسية والتمثيل السياسي ودور المؤسسات. من الضرورة تفعيل مشاركة المواطنين بحيث يلتزمون في البحث عن السبل الافضل ملاءمة لتحقيق الخير العام بشكل مُرضي. عندما يستدعي سوء الحالة مواجهات، ينبغي ان تكون هذه بناءة، مع الانتباه الى عدم الانزلاق في معارضة عنيفة تتسبب باضرار كبيرة على الجماعة، بل ينبغي اللجوء دائماً الى الحوار كوسيلة لا بديل عنها" (البابا يوحنا بولس الثاني: عظة في يوبيل المسؤولين عن الحكومات والبرلمانيين ورجال السياسة والادارة، في 5/11/2000، فقرة5).

لا وجود لعمل سياسي إلاّ من اجل الخير العام لكونه المبدأ الذي يخلق المجتمع الانساني، والعامل الذي يحفظ هذا المجتمع. اذا طغت المصالح الفردية والفئوية على الخير العام، وقع الخلل في المجتمع، وتفككت العلاقات بين ابنائه وفئاته. فمن واجب كل شخص يمارس السلطة السياسية او يسعى اليها ان يعمل من اجل السلام في المجتمع والانسجام بين افراده.

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي السادس:" البطريرك والاساقفة"، وتتناول تحديداً مهمة الاساقفة المثلثة: التعليم والتقديس والتدبير.

1.    خدمة التعليم (الفقرتان 25-26).

يمارس الاسقف مهمة التعليم بالكرازة والوعظ والارشاد في مختلف المناسبات، وفي الرسائل التي يوجهها الى ابناء الابرشية، ويمارسها جماعياً من خلال سينودس مطارنة الكنيسة.

        تقتضي منه هذه المهمة تثقيفاً ذاتياً تواصلاً، والتزاماً في عيش ما يعلّم.

2.    خدمة التقديس (الفقرات 27-31).

يمارس الاسقف خدمة التقديس مباشرة عندما يحتفل بالاسرار المقدسة، وبواسطة الكهنة الذين يوكل اليهم العناية الروحية لابناء رعاياهم. ومن واجبه السهر على اتقان الاحتفال بالليتورجيا لكي يتأمن الغذاء الروحي للمحتفل وللمؤمن المشارك. ويعتني بتثقيف الكهنة والمؤمنين ليتورجياً لادراك قدسية الليتورجيا والمشاركة الواعية والورعة فيها، والدخول في الشركة العميقة مع الثالوث القدوس.

        ويمارس الاسقف خدمته هذه بنوع خاص في صلاته الشخصية وتقديس الذات، ليكون مثالاً امام شعبه وعلامة لفعل النعمة فيه.

 

 

3.    خدمة التدبير

يُسمى الاسقف في كتبنا الطقسية " المدبر الحكيم"، فتشمل خدمته بالدرجة الاولى الامور الروحية، ثم الامور الادارية والمادية. والكل يهدف الى تكوين الجماعة المؤمنة التي هي " بنيان بيعة الله" ( رتبة الرسامة).

        فيكون قريباً الى شعبه وهمومه وتطلعاته، حريصاً على نمو ابناء شعبه في الحياة الروحية. يحمل محبة المسيح والرجاء به ورسالة الخلاص المؤتمنة عليها الكنيسة.

***

        صلاة

        ايها الرب يسوع، لقد علّمتنا، وانت بين العلماء في الهيكل، ان غاية الوجود تتميم ارادة الله. اعطنا ان نصنع التاريخ متعاونين مع مقاصد الله الخلاصية، بالاصغاء الى كلام الرب والهامات الروح وبالطاعة للوحي الالهي. اجعل من كل عائلة بشسرية مكاناً ووسيلة لتربية الانسان على النمو في القيم الانسانية والروحية والخلقية، على مثال عائلة الناصرة التي فيها تربّيت انساناً. وكما تفانيت في سبيل فداء البشر اجمعين، قوّنا على التفاني في سبيل الخير العام، اياً كانت مسؤولية كل واحد منا. اعطِ رعاة الكنيسة، اساقفة وكهنة، ان يقودوا شعبك الى الحقيقة بتعليم انجيلك، ويقدّسوه بنعمة اسرارك، ويشددوا وحدته وتضامنه برباط المحبة. ولك نرفع كل مجد وشكر ولابيك المبارك وروحك الحي القدوس الى الابد، آمين.


الاحد اول كانون الثاني 2008

رأس السنة الجديدة 2008

المسيح سلامنا

 

        من انجيل القديس لوقا /2/12

 

        ولَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيُخْتَنَ الصَّبِيّ، سُمِّيَ "يَسُوع"، كمَا سَمَّاهُ الـمَلاكُ قَبلَ أَنْ يُحْبَلَ بِهِ في البَطْن.

       

        تحتفل الكنيسة اليوم بعيد اسم يسوع، ورأس السنة الجديدة 2008، واليوم العالمي للسلام. وهو عيد مثلث: طقسي وعالمي وكنسي.

 

اولاً، العيد المثلث

 

        1. العيد الطقسي: الختانة واسم يسوع

         هو عيد ختانة الطفل يسوع، حسب شريعة موسى في العهد القديم. خضع لها يوحنا المعمدان (لو1/59)، كما الطفل يسوع. الختان رتبة طقسية تتم بعد ثمانية ايام من ولادة الطفل، تدل على انتمائه الى جماعة هي ذرية ابراهيم، ويُعطى له فيها الاسم الذي سيعرف به. الختان علامة العهد التي يجب على كل يهودي ذكر ان يحملها في جسده، لا كمجرد علامة خارجية جسدية، بل كالتزام بختان القلب اي بمحبة الله والقريب ( تثنية الاشتراع 10/12-22). ان ختان القلب يعطيه الله في يوم الخلاص: " ويختن الرب الاله قلبك، لتحب جميع الامم، يهوداً ووثنيين، فقد وقع جدال حول السؤال: " هل من الواجب ان يُطالب الجميع برتبة الختان الدالة على الانتماء الى ذرية ابراهيم؟ " حسم الامر مجمع اورشليم، وهو اول مجمع في الكنيسة برئاسة بطرس الرسول (اعمال 15/5-12)، فألغى الختان، لان الايمان هو الذي يبرر الانسان ويجعله اهلاً لقبول موهبة الروح القدس، امختوماً كان ام غير مختون. وحلّت المعمودية محل الختان، بها يخلع المعمّد الانسان العتيق ويلبس الجديد اي الحياة مع المسيح، وينتمي الى جسد المسيح السري، اي الكنيسة التي هي جماعة المخلصين بالمسيح، ويتخذ اسماً في الجماعة.

         

        2. العيد العالمي: رأس السنة الجديدة 2008

         منذ اكثر من ألفي سنة، اصبح العدّ الحسابي للسنين يتم على وجه الارض انطلاقاً من مجيء المسيح الى العالم. هذا يعني ان تجسّد الكلمة الالهي صار محور الروزنامة الاكثر استعمالاً اليوم. انه الدليل على ما كان لولادة يسوع الناصري من شأن لا يضاهى في تاريخ البشرية العام (البابا يوحنا بولس الثاني: اطلالة الالف الثالث،15). انه عيد، لان للزمن شاناً اساسياً. ففي اطاره تمّ خلق العالم، وفيه يجري تاريخ الخلاص الذي يبلغ ذروته " في ملء الزمن" مع تجسّد الاله، ويبلغ الغاية الاخيرة برجوع ابن الله ممجداً في نهاية الازمنة (المرجع نفسه،10). ان الزمن هو المسرح الذي تتجلى عليه قدرة الله وتعمل في حياة البشر وتاريخهم. المسيح هو قدرة الله ورجاء الشعوب (الارشاد الرسولي: رجاء جديد للبنان، 35-36).

 

          3. العيد الكنسي : اليوم العالمي للسلام

        انشأ خادم الله البابا بولس السادس اليوم العالمي للسلام سنة 1967، لان اسم يسوع الذي نعيده في اليوم الثامن لميلاده، وهو اول يوم من السنة، يعني السلام الذي أعطي بشخصه. هكذا انشد الملائكة ليلة الميلاد: " المجد لله في العلى، وعلى الارض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر" ( لو1/14). وعنه يقول بولس الرسول: " المسيح سلامنا" (افسس2/14)، لان به خلاصنا، فلفظة " يسوع" تعني " الله يخلّص شعبه من خطاياهم" ( متى1/21). والسلام عطية من الله، يحصل عليه الانسان بالصلاة المفعمة ثقة، وبممارسة اعمال الخير، والمسلك الذي يرضي الله. يصبح واجب الانسان ان يشارك في توطيد السلام على الارض، وبذلك يصبح ابن الله حقاً: " طوبى لفاعلي السلام، فانهم ابناء الله يدعون" (متى5/9).

 

        منذ عهد البابا بولس السادس، والكنيسة تحتفل في مطلع كل عام باليوم العالمي للسلام وهو العيد الحادي والاربعون مع العام 2008. تحمل رسالة البابا بندكتوس السادس عشر عنوان: " العائلة البشرية جماعة السلام".

        يُبنى السلام على ركيزتين من العائلة البشرية هما الاصل الواحد لجميع البشر، وعيشهم في جماعة تسودها الشركة، وقد أسكنهم الله على وجه الارض ( تصريح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: العلاقة بين الاديان،1). بات على كل فريق ان يعتبر حاجات الفرقاء الآخرين الشرعية وامنياتهم، ويعمل من اجل الخير العام وخير الاسرة البشرية جمعاء (الدستور المجمعي: فرح ورجاء،26). يحلّ السلام حيث تُعزز كرامة الشخص البشري، المخلوق على صورة الله ومثاله، وتتوطد روابط وحدة الجنس البشري. ما احوجنا لهذا السلام في ايامنا، وكرامة الشخص البشري منتهكة على اكثر من صعيد، والوحدة بين البشر ممزّقة بالنزاعات والانقسامات والحروب.

        من امير السلام نلتمس عطية السلام، ونلتزم بواجب بنائه كل يوم، لنكون كلنا ابناء الله: " طوبى لفاعلي السلام، فانهم ابناء الله يُدعون" ( متى5/9).

 

***

ثانياً، الكنيسة والفكر السياسي

 

        تبيّن الكنيسة في تعليمها ان السياسة تهدف الى توطيد السلام في الوطن، ومع الدول. ذلك ان الغاية والمبرر للعمل السياسي توفير الخير العام. لا بد من ان يتكوّن عند شعبنا مفهوم سليم للسياسة، وفكر سياسي، لكي تصطلح الاوضاع ويتوطد السلام. موضوع اليوم" السياسة والسلام".

        اولى واجبات السلطة السياسية تنظيم الحياة العامة على اسس ثلاثة:

        1. تصميم الله الذي اراد ان يجعل من كل الرجال والنساء، عائلة بشرية واحدة، يتعاملون فيها بروح الاخوّة فيما بينهم، وبروح البنوّة للخالق الواحد. لقد خلقهم الله كلهم على صورته ومثاله، ودعاهم الى مصير واحد هو الله. فكانت الوصية الاولى والاخيرة من الشريعة الالهية: محبة الله ومحبة القريب. وباتت المحبة كمال كل شريعة ( روم13/9-10؛1 يو4/20). من اجل وحدة الجنس البشري صلى يسوع قبيل آلامه وموته: " ليكونوا، يا ابتِ، واحداً، كما نحن واحد" ( يو17/21-22).

         وبما ان الناس عائلة واحدة، فان من طبيعة كل انسان ان يكون اجتماعياً، وان يعمل في سبيل تحسين الشخص البشري، واكتمال المجتمع. ما يجعل كل الاشخاص بحاجة الواحد الى الآخر، وهم في حالة ترابط. على السلطة السياسية ان تعزز هذا الترابط والتكامل بين المواطنين.

        المعيار الاول، لاختيار من ننتدبهم للعمل السياسي، الاتصاف بالسعي الى توطيد اواصر الوحدة في المجتمع وبين جميع المواطنين، وبعطاء الذات المخلص ( فرح ورجاء، 24-25).

 

        2. الخير العام وهو مجموعة الاوضاع الاجتماعية التي تمكّن الشعب، افراداً وجماعات، من تحقيق ذواتهم بنيل  حقوقهم واداء واجباتهم. السياسة كفنٍ شريف لخدمة الخير العام تنطلق من كرامة الشخص البشري وما له من حقوق وما عليه من واجبات، هي اساسية وغير قابلة للانتقاص وتفوق كل الاشياء. العمل السياسي ملزم بتوفير امكانات العيش الكريم لكل مواطن على مستوى الغذاء والكسوة والسكن وانشاء عائلة والتربية والعمل والاحترام والتصرف وفقاً للضمير، وحرية الرأي والمعتقد. وتنطلق السياسة ايضاً من النظام الاجتماعي الرامي دوماً الى خير كل شخص. "فالسبت من اجل الانسان، لا الانسان من اجل السبت" ( مر2/27). يقتضي هذا النظام ان يكتمل بشكل دائم، بحيث يؤسَّس ابداً على الحقيقة، ويُبنى على العدالة، وينتعش بالمحبة، وينمو بالحرية السائرة نحو مزيد من الاتزان البشري ( فرح ورجاء،26).

        المعيار الثاني، لاختيار من ننتدبهم للعمل السياسي، الاتصاف بالتفاني في سبيل الخير العام، والعمل من اجل تعزيز الكرامة البشرية، والالتزام بتوطيد نظام اجتماعي قائم على اسس الحقيقة والعدالة والمحبة والحرية.

 

        3. احترام الانسان كشخص وحماية الحياة البشرية. دعا الانجيل باستمرار الى احترام كل شخص بشري، والى جعل الذات قريباً للآخر على مثال السامري الصالح (لو10/25-37)، وتجنب مثل الغني الذي تجاهل لعازر الفقير  (لو16/19-31). العمل السياسي هو هذا الالتزام بقضية المسنين المهملين، والعامل المظلوم، واللاجىء المتروك، وبتنشئة الاجيال الطالعة وسائر المواطنين على هذا الحس الاجتماعي، وبتشجيع المبادرات على هذا الصعيد.

        والعمل السياسي هو الالتزام بتجنب جرائم الاعتداء على الحياة البشرية بمختلف انواعه:

·        القتل والابادة والاجهاض والموت الرحيم والانتحار.

·        انتهاك سلامة الشخص البشري مثل: البتر والتعذيب الجسدي والنفسي، والضغوط النفسية.

·        التعدي على الكرامة البشرية مثل اوضاع العيش اللانسانية، والاعتقال التعسفي والنفي والرق واوضاع العمل المشينة حيث الناس يعاملون كمجرد ادوات للربح لا كاشخاص احرار ومسؤولين ( فرح ورجاء، 27).

 

        المعيار الثالث، لانتخاب من ننتدبهم للعمل السياسي، التحلّي بالحسّ الاجتماعي الظاهر في احترام الشخص البشري، في مختلف مراحل حياته واوضاعها، والحرص على حماية المواطنين من اي اعتداء حسي او معنوي او نفسي عليهم.


الاحد 6 كانون الثاني 2008

 

 عيد الغطاس او الدنح

المعمودية والولادة الجديدة

         من انجيل القديس لوقا 3/15-22

وفيمَا كانَ الشَّعْبُ يَنتَظِر، والجَمِيعُ يَتَسَاءَلُونَ في قُلُوبِهِم عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ هُوَ الـمَسِيح، أَجَابَ يُوحَنَّا قَائِلاً لَهُم أَجْمَعِين: "أَنَا أُعَمِّدُكُم بِالـمَاء، ويَأْتي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، مَنْ لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. هُوَ يُعَمِّدُكُم بِالرُّوحِ القُدُسِ والنَّار. في يَدِهِ الـمِذْرَى يُنَقِّي بِهَا بَيْدَرَهُ، فيَجْمَعُ القَمْحَ في أَهْرَائِهِ، وأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأ". وبِأَقْوَالٍ أُخْرَى كَثيرَةٍ كانَ يُوحَنَّا يَعِظُ الشَّعْبَ ويُبَشِّرُهُم. لـكِنَّ هِيرُودُسَ رئِيسَ الرُّبْع، وقَد كانَ يُوحَنَّا يُوَبِّخُهُ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ أَخِيه، ومِنْ أَجْلِ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتي صَنَعَها، زَادَ على تِلْكَ الشُّرُورِ كُلِّهَا أَنَّهُ أَلقَى يُوحَنَّا في السِّجْن. ولـمَّا اعْتَمَدَ الشَّعْبُ كُلُّهُ، اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا، وكانَ يُصَلِّي، انفَتَحَتِ السَّمَاء، ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: "أَنْتَ هُوَ ابْنِي الـحَبِيب، بِكَ رَضِيت".

 

        معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان تسمى " الغطاس" او التغطيس في ماء المعمودية. وهبوط الروح القدس على يسوع بشكل منظور وسماع صوت الآب المعلن بنوة يسوع الالهية يسميان " الدنح"، وهي لفظة سريانية تعني الظهور. انه ظهور الثالوث القدوس، واعتلان حقيقة يسوع ابن الله، على عتبة البدء برسالته العامة. وكانت اللفظة تعني سابقاً ظهور الاله انساناً او تجسد الكلمة الالهي عندما كان يعيّد الميلاد في اوائل اجيال الكنيسة في 6 كانون الثاني، قبل نقله الى 25 كانون الاول، ليحل محل العيد الوثني الاله-الشمس.

 

اولاً شرح نص الانجيل

1.    المعمودية بالماء والروح

 

 ان يسوع بمعموديته في نهر الاردن، وبحلول الروح القدس عليه من فيض محبة الآب، قدّس المياه، وجعلها  "حشا المعمودية" التي يولد منها الانسان ثانية بقوة الروح القدس. كانت معمودية يوحنا رمزاً خارجياً للتوبة، اما معمودية المسيح، التي تمارسها الكنيسة بسلطان كهنوتي منه، فعلامة خارجية واداة فاعلة في داخل الانسان. انها بالماء تغسل المعمّد  من الداخل بقوة الروح القدس وتمحو منه خطيئة آدم المولود فيها، وخطاياه الشخصية المرتكبة بعد سن التمييز. وبحلول الروح القدس تجعله سكنى الثالوث القدوس: تظلله محبة الآب وتقدّسه نعمة الابن، وتحييه قوة الروح القدس. المعمودية تطعّمه غصناً في كرمة المسيح وتجعله عضواً في جسده السرّي وحجراً مقدساً في هيكل الله. يصبح المعمّد ابناً لله بالابن الوحيد، ووريثاً لخيرات الملكوت، شريكاً في الحياة الالهية. معمودية المسيح " طريق الخلاص".

هذا ما تنبأ عنه يوحنا المعمدان: " انا اعمدكم بالماء، ويأتي بعدي من هو اقوى مني... هو يعمدكم بالروح القدس والنار... وينقي بيادره فيجمع القمح في اهرائه ويحرق التبن بنار لا تطفأ" ( لو3/16-17). تتصل هذه النبوءة بما كشفه يسوع لنيقوديمس: " ما لم يولد الانسان من الماء والروح لا يستطيع ان يدخل ملكوت الله... ينبعي لكم ان تولدوا ثانية "  (يو 3/5و7)؛ وبما اعلنه للتلاميذ عندما ارسلهم ليعمدوا الامم، قبيل صعوده الى السماء: " من يؤمن ويعتمد يخلص"  (مر16/16)؛ وبما فعله الرسل وخلفاؤهم من بعدهم (انظر اعمال الرسل 8/34-39).

 

2.    حلول الروح القدس على يسوع، وعلينا بالميرون

" اعتمد يسوع ايضاً، وفيما هو يصلي انفتحت السموات وهبط عليه الروح القدس بشبه جسم حمامة" (لو3/21-22).

هذا الروح عينه سيهبط، كثمرة لموت المسيح وقيامته، على الرسل في العلية (اعمال2/1-13)، ومن بعدهم على كل معمّد في سرّ الميرون وغيره من الاسرار. فالمعمودية باب جميع الاسرار.

        ان يسوع الذي " تجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار انساناً"، يمتلك الروح القدس، وبقوته يحقق الاتحاد الكامل بين الله والانسان. في نهر الاردن امتلأ يسوع من الروح القدس بشكل ظاهر، فكان " المسيح" ابن الله الذي " كرسه" الاب وارسله الى العالم من اجلنا ومن اجل خلاصنا. فبات كل عمل يقوم به المسيح، بعد المعمودية، تحقيقاً لقوة الروح الذي سيقود كما باليد، نحو عمل الخلاص. فقاده اولاً الى الصحراء ليحارب الشيطان وينتصر عليه بالصوم والصلاة بعد اربعين يوماً ( متى4/1-11). وفي كل حياة يسوع العامة سيظهر الروح القدس كقوة تحرير من قوى الشر بواسطة المعجزات.

        وبقوة الروح عينه اقدم يسوع على الموت وقدم ذاته ذبيحة فداء للأب (عبر9/14-15). فاقامه الروح من الموت وفقاً لمشيئة الآب. بعد الموت والقيامة وهب الرب يسوع الروح القدس من فيض محبة الاب، يوم العنصرة، مدشناً الزمن الجديد زمن الروح في حياة البشرية والتاريخ، يعطيه للمؤمنين بواسطة الكنيسة وخدمتها. من يسوع، ينبوع الماء الحي، يجري الروح القدس على الكنيسة والعالم ( يو7/37-39).

        بسرّ الميرون يصبح المعمد شريكاً في عنصرة الروح القدس، يفاض عليه مع مواهبه السبع: الحكمة، والفهم، والعلم، والمشورة، والقوة، والتقوى، ومخافة الله.

        بالميرون يختم المعمد بطابع الروح القدس فينتمي كلياً الى المسيح، يصبح في خدمته بشكل دائم، ينال الحماية الالهية في المحن الكبيرة. ان مسحة الروح بالميرون تطبعه بطابع لا يمحى، يجعل منه " رائحة المسيح الطيبة" (2كور2/15) باقواله ومسلكه واعماله، ويصوره على شبه المسيح.

        بالميرون الروح يساعد المسيحي على النمو بالمسيح. المعمودية تجعل المؤمن على صورة المسيح في الطبيعة بالولادة الثانية، اما الميرون فيجعله على " شبه" المسيح في الاعمال. الطبيعة الجديدة المعطاة في المعمودية تنمو وتكتمل بنعمة الروح في سرّ الميرون وفقاً لتصميم الله، وتحقيقاً لمواهب الروح، وتظهر في حياة الشهادة بالايمان والرجاء والمحبة.

3. العلاقة بين الاهل واولادهم

 

" هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت" ( متى3/17).

في معمودية يسوع على نهر الاردن اعتلنت بنوته الالهية وعلاقته بابيه السماوي.

عندما ارسل الآب روحه القدوس واستقر على يسوع بشبه جسد حمامة، اعلن انه " ابنه الحبيب". فالروح القدس هو حب الله،  المتبادل بين الآب والابن في سرّ الثالوث الاقدس. حيث يستقر الروح القدس تحلّ محبة الله، كالشمس، حيث يستقر شعاعها يحلّ النور والحرارة. بادل الابن الالهي الحب للاب بقبوله رسالة الفداء وتتميم ارادته الخلاصية. وسينادي يسوع اباه، في حياته العامة، " اباّ " للتحبب والتودد (مر14/36)، كما ينادي اطفال اليوم والديهم بلفظة اصبحت عالمية " papà اي ابتاه الحبيب". هذا الروح اياه، يقول بولس الرسول، عندما يستقر فينا، وهو روح الابن المرسل الينا من الآب، " يجعلنا نهتف يا ابانا" ( روم 8/15؛ غلا4/6).

عندما احبت مريم الله، وعاشت بملء النعمة وقبلت الرسالة الموكولة اليها على يد الملاك، ارسل الآب اليها الروح القدس اي حبه الاسمى، فاصبحت حاملاً بابنه الوحيد. كانت مرضاة الله عليها، كما ستصير على ابنه المتأنس. هذا شأن كل واحد منا، اذا  احب الله وحفظ كلامه وعاش بمقتضى وصاياه، احبه الله وارسل اليه روحه القدس، فينال مرضاة الله.

 من خلال علاقة الله الاب بالابن الالهي، تعتلن علاقة كل اب بابنائه في العائلة الدموية، الناتجة من الانجاب والتربية، كما تلك الناتجة من كل ابوة وامومة روحية  في الكنيسة (راجع افسس 5/22-31).

من بين المشاكل العائلية، تُطرح اليوم العلاقة بين الاهل والاولاد، وهي في الاساس ينبوع فرح وسعادة ونضج لدى الاهل ولدى ابنائهم وبناتهم. اذا اختلت هذه العلاقة او تشوهت، وقعت المأساة في العائلة. من مظاهر الخلل من جهة الاهل: عدم الاكتراث  بشؤون الابناء لانشغالهم بشؤون اخرى، كالعمل او اللهو او الادمان على الكحول او المخدرات او لعب القمار، وكالتسلّط، والابوية  والامومة المفرطة (maternalisme paternalisme,)؛ ومن جهة الابناء او البنات: التمرد، الرفض، عدم التواصل. وقد تفشت "عقدة اوديب"  كما يسميه علم النفس التحليلي، اي الرغبة الدفينة بقتل الاب او الام. هذا الخلل نجده ايضاً بين المسؤول والجماعة سواء في الكنيسة ام في المجتمع.

نرى اليوم عملية شيطانية ترمي الى التفرقة والقطيعة والانفصال، ليس فقط بين الطبقات الاجتماعية والرجل والمرأة وهذا وذاك من الناس او الفئات، بل ايضاً بين الآباء وابنائهم وتضع الابناء ضد آبائهم. نقول " عملية شيطانية"، لان لفظة  "شيطان- diabolos" تعني ذاك الذي يفرّق ويقسّم بين الناس. وهكذا تُسمم الحياة العائلية التي هي أصفى ينبوع للفرح في الحياة البشرية، والعامل الاهم لاتزان الشخص ونضوجه. فكم من آباء يتألمون الماً عميقاً لشعورهم بانهم مرفوضون من ابنائهم او محتقرون بالرغم مما ضحوا في سبيلهم! وكم من ابناء يتألمون الماً شديداً بسبب عدم فهمهم او رفضهم من  قبل ابيهم  او امهم وربما يسمعون في لحظة غضب " انت لست ابني او ابنتي!".

حدد الملاك مهمة يوحنا المعمدان بانه " يردّ قلوب الآباء الى البنين، وقلوب الابناء الى الآباء" ( لو1/17؛ ملاخي3/24). من الضرورة متابعة هذه المهمة اليوم، باطلاق مبادرة مصالحة كبيرة هي مبادرة شفاء العلاقات المريضة بين الآباء والابناء، والتغلب على عمل الشيطان بالتماس حلول الروح القدس هاتفين:" هلم ايها الروح القدس! نقِّ ما كان دنساً، أرو ما كان جافاً، إشف ما كان معتلاً، ليّن ما كان صلباً، دفّء ما كان  بارداً، وقوّم منا الانحراف!"

 

 المطلوب، في هدي انوار الروح، فعل ايمان واقتداء. الايمان بان الابوة والامومة ليستا مجرد عملية بيولوجية، بل مشاركة في ابوة الله. والاقتداء بابن الله المتأنس، المنتمي الى عائلة نما فيها بالطاعة والقامة والنعمة والحكمة ( راجع لوقا 2/51-52). هكذا يختصر بولس الرسول هذا  الحل: " ايها الآباء لا تغيظوا ابناءكم لئلا يصدموا! ايها الابناء اطيعوا آباءكم لانكم بهذا ترضون الرب!" (كول3/20-21). عدم اغاظة الابناء تعني صبر الوالدين عليهم وتفهمهم، وانتظار نضوجهم، وعدم المطالبة السريعة بما يرغبون لهم او منهم،  ومعذرة اخطائهم، وتشجيعهم وعدم اقناطهم، وتقدير مبادراتهم. مطلوب من الاب والام ان يكونا للاولاد الصديق ومحط الثقة والمثال والكنز الاثمن.

***

ثانياً، الكنيسة والفكر السياسي

 

للخروج من الانحطاط في مفهوم السياسة والممارسة السياسية، نواصل تعليم الكنيسة حول الشأن السياسي، وكيفية تصرّف السياسيين والحزبيين في خدمة الخير العام.  موضوع اليوم: الخلقية السياسية.

فيما الكنيسة تعتمد على العلمانين في ادارة الشؤون الزمنية السياسية، اي النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي والاداري والثقافي الهادف الى الخير العام، فانها تذكرّهم بمبادئ الحياة السياسية، ليمارسوها ممارسة ملائمة لروح الانجيل.

 ليس للمسيحي حياتان متوازيتان : حياة روحية قائمة بذاتها وحياة علمانية لها نهجها الخاص، وتجهل الواحدة  الاخرى. بل ينبغي على الاولى ان تروحن الثانية وتملأها قيما" روحية وانسانية وخلقية ، فتضحي الحياة واحدة ببعدين: الواحد عامودي متصل بقيم الروح، والثاني أفقي متصل بالافعال اليومية، حيث المسيحي يبث الروح المسيحية في النظام الزمني. ذلك ان البشرى الانجيلية تنير جميع الشؤون البشرية، من اقتصاد وسياسة وتجارة وقضاء وادارة واعلام وسواها، وهي كلها وسائل معدة، في آن معا"، لان تبني الاسرة البشرية ، وتقودها الى خيرها وسعادتها وكرامتها (الارشاد الرسولي: رجاء جديد للبنان،112).

وفيما الكنيسة تعترف باستقلالية الشؤون الزمنية، فانها بتعليمها، وحكمها الادبي على صلاح الافعال وشرها، تدعو الذين يقومون بخدمة الشأن العام ان يحسنوا التصرف بعقل سليم، انسجاماً مع الحياة الفائقة الطبيعة التي تسمو هذا العالم بقيمها الروحية والانسانية والخلقية ما يجب ان يقوموا به او لا يقومون (البابا يوحنا بولس الثاني: تألق الحقيقة،59).

يمتاز لبنان بخصائص سياسية ثلاث على المستويين الافقي والعامودي.

افقياً، لبنان دولة ديموقراطية يريدها كل ابنائها، وديموقراطيته قائمة على امكانية العيش المشترك كهدف واساس للسلطة الشرعية ( مقدمة الدستور اللبناني).

عامودياً، على مستوى توزيع السلطات، لبنان يعتمد العدالة والانصاف في توزيع السلطات بموجب الميثاق الوطني والصيغة اللبنانية وفقاً للمادة 95 من الدستور، يتم  التوزيع بحسب نسبة الطوائف اللبنانية.

هي الممارسة السياسية السليمة التي تجمع دائماً بين الافقي والعامودي. فان فُقد احدهما وقع الخلل في الكيان اللبناني، وانهارت الهوية والرسالة. لا بدّ، على مستوى الفكر السياسي، من فهم ما يسمى " بالطائفية السياسية" كتعبير عن توزيع السلطات.

الديموقراطية والطائفية مترابطتان. لولا التعدد الطائفي لما كانت الديموقراطية التي هي نظام سياسي يقوم على  التعددية والعيش المشترك. لقد علّمنا الاختبار، في سنوات الحرب، ان لا المسيحيون لوحدهم ولا المسلمون لوحدهم معدّون لممارسة الديموقراطية ضمن حدودهم. كفانا انتقاداً غبياً للطائفة (المطران انطوان حميد موراني: الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" في ابعاده اللاهوتية والروحية والانتروبولوجية، صفحة 239).

من الضرورة تحديد الديموقرتطية ومعرفة الجانب الذي تعوق فيه الطائفة الديموقراطية السليمة.

الديموقراطية هي ارادة العيش معاً والاتحاد بين الجميع، لكن الطائفية تحول الى حدّ ما دون الوحدة الافقية في العيش المشترك. فكيف التوفيق بين الطائفية، التي هي اساس الديموقراطية، وشرها الذي يعيق فعلياً الديموقراطية؟

السبيل الاول، توعية جميع اللبنانيين الى واقعهم السياسي في خيره وشره، واعطاؤهم ثقافة سياسية شاملة وموضوعية، ينشأ على اساسها الالتزام السياسي والانتماء الكامل الى لبنان في بُنيته، لا على اساس تعصّبي او جزئي. فيكون العمل بموجب العقل الساعي الى الخير العام، والى تجاوز الحدود الطائفية لصالح الكفاءة والخير العام.

السبيل الثاني، تحويل التعددية الطائفية الى اساس تعددي للدولة يحمي الديموقراطية والحرية الدينية. وتبقى الممارسة السياسية وفقاً للدستور بعيدة عن التجاذبات والحسابات الطائفية.

السبيل الثالث، جعل الثقافة معياراً للحصول على وظيفة، فلا يعود الفرد محتاجاً اللجوء الى طائفته لهذه الغاية. هذا السبيل يقتضي افراغ الطائفية من مضمونها، وجعلها في حالة عدم النفع على مستوى الحصول على وظيفة.

كل هذه المعايير تدعو المواطنين لحسن اختيار ممثليهم في السلطة السياسية، ولتقييم عملهم ومحاسبتهم ومساءلتهم.

 

****

 

ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

        تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي السادس: " البطريرك والاساقفة". فتناول خمسة من واجبات الاسقف في ابرشيته.

1.    الاهتمام بالكهنة (الفقرة 33)

يدرك الاسقف ان رسالته لاتكتمل ولا تنجح  الا بالكهنة معاونيه. فمن واجبه  الاولي الاهتمام بهم على صعيد العمق الروحي والثقافة اللاهوتية والكفاءة  والحس الكنسي المسؤولية والمشاركة في حمل الرسالة، وتأمين معيشة لائقة بهم .

 

2.    راعوية الدعوات الكهنوتية (الفقرة 34)

الدعوات الكهنوتية ضمانة المستقبل. يعتني الاسقف ومعاونيه المعنيين بتعزيز هذه الدعوات، وتنشئتها والتواصل الشخصي مع المدعوين ومع المسؤولين في المدارس الاكليريكية ، والسهر على ان تنضج شخصية المدعو، وتتزين بالعلم والفضيلة، وتتميز بحسن العلاقات البشرية، وتنفتح على الغيرة الرسالية .

 

3.    العلاقة بالرهبان والراهبات (الفقرة 35).

  ان وجود الرهبان والراهبات في الابرشية عطية ثمينة من الله بفضل ما لهم من رسالة في الاديار وفي المؤسسات التربوية والاسشفائية والاجتماعية، ما يعزز خدمة الانجيل والاسرار والمحبة الاجتماعية.

يحوطهم مطران الابرشية بالمحبة والاحترام ، ويتعاون معهم ويشركهم في هموم البشارة الانجيلية ورسالة الكنيسة. ويكون لهم الاخ الاكبر والمثال، وهم يحفظون له في قلوبهم عاطفة الابناء والبنات الصادقة، ويحرصون على التعاون والتنسيق معه في اعمال الرسالة.

 

4.دور العلمانيين الرسولي (الفقرة 36).

أبرز المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني دور المؤمنين العلمانيين ومشاركتهم الفاعلة والمسؤولة في حياة الكنيسة ورسالتها. من واجب الاسقف ان يوفر لهم الثقافة اللازمة والكفاءة ليضطلعوا بدورهم ومسؤولياتهم،في حياتهم المسيحية والرعويةK من خلال المنظمات الرسولية والهيكليات القانونية والرعوية، بما تشمل من مجالس ولجان وهيئات . ان دور المؤمنين في حياة الكنيسة ورسالتها حق لهم وواجب عليهم بحكم المعمودية والميرون .

 

5. الزيارات الراعوية (الفقرة 37).

بالزيارة الراعوية الى رعايا الابرشية يمارس الاسقف خدمته التعليمية والتقديسية والادارية. يحرص عليها لكي يطّلع من خلالها على حاجات ابناء الابرشية وقضاياهم، وعلى مسيرة الرعية على كل صعيد، فيتمكن من اتخاذ ما يلزم من تدابير.

 

**** 

        صلاة

        ايها الرب السماوي، لقد جعلتنا ابناء لك بالابن الوحيد يسوع المسيح، فولدنا لك ابناء بالمعمودية، وجعلتنا هيكل روحك القدوس بالميرون. اعطنا النعمة والقوة لنشهد في حياتنا ونشاطاتنا الزمنية للحياة الجديدة التي فينا. نوّر عقولنا بمبادىء الانجيل وتعليم الكنيسة، لكي نبني مدينة الارض على اسس قيم الروح، فيلتقي الجميع، مع تنوّعهم الثقافي والديني، في وحدة العيش معاً بسلام وتضامن واحترام متبادل. احفظ وحدة شعبك حول رعاة الكنيسة لخير كل انسان. فنمجدك ونشكرك، ايها الاب والابن والروح القدس الى الابد، آمين.


الاحد 13 كانون الثاني 2008

 

 تذكار الكهنة

الامانة للمسؤولية

 

 

من انجيل القديس لوقا 12/42-48

          فَقَالَ الرَّبّ: "مَنْ تُرَاهُ الوَكِيلُ الأَمِينُ الـحَكِيمُ الَّذي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُم حِصَّتَهُم مِنَ الطَّعَامِ في حِينِهَا؟ طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذي، مَتَى جَاءَ سَيِّدُهُ، يَجِدُهُ فَاعِلاً هـكذَا! حَقًّا أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَنَياتِهِ. أَمَّا إِذَا قَالَ ذـلِكَ العَبْدُ في قَلْبِهِ: سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي في مَجِيئِهِ، وَبَدأَ يَضْرِبُ الغِلْمَانَ وَالـجَوَارِي، يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَر، يَجِيءُ سَيِّدُ ذـلِكَ العَبْدِ في يَوْمٍ لا يَنْتَظِرُهُ، وَفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُها، فَيَفْصِلُهُ، وَيَجْعلُ نَصِيبَهُ مَعَ الكَافِرين. فذـلِكَ العَبْدُ الَّذي عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَمَا أَعَدَّ شَيْئًا، وَلا عَمِلَ بِمَشيئَةِ سَيِّدِهِ، يُضْرَبُ ضَرْبًا كَثِيرًا. اما العَبْدُ الَّذي مَا عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَعَمِلَ مَا يَسْتَوجِبُ الضَّرْب، فَيُضْرَبُ ضَرْبًا قَلِيلاً. وَمَنْ أُعْطِيَ كَثيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ الكَثِير، وَمَنِ ائْتُمِنَ عَلَى الكَثِيرِ يُطالَبُ بِأَكْثَر.

 

        مع هذا الاحد  تبدأ اسابيع التذكارات المخصصة، اليوم للصلاة من اجل الكهنة المتوفين،  والاحد المقبل وللتشفّع لدى الكنيسة الممجدة في السماء ( احد الابرار والصديقين)، وفي الاحد الثالث لالتماس الرحمة لكنيسة المطهر المتألمة  (احد الموتى). بل نصلي ايضاً من اجل الكهنة الاحياء والدعوات الكهنوتية في كنيسة الارض المجاهدة.

 

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.    سر الكهنوت او الدرجة المقدسة

 

 عندما نقول " كهنوت" نعني الدرجات المقدسة الثلاث: الاسقفية تضم الاساقفة خلفاء الرسل، الكهنوت يضم الكهنة معاوني الاساقفة؛ الشماسية تضم الشمامسة خدام المذبح في معاونة الاساقفة والكهنة. هذه الدرجات الثلاث تنبع من سرّ واحد اسسه السيد المسيح، هو " سر الدرجة المقدسة"، ويمنح بوضع اليد والصلاة. يضع الاسقف يده اليسرى على جسد الرب ودمه واليمنى على رأس المدعو، ليحل عليه الروح القدس ويمنحه نعمة مقدسة وسلطاناً والهاماً مثلثاً للتعليم والتقديس والتدبير، يأتيه من المسيح نفسه، بواسطة خدمة الكنيسة. ان وضع يد الاسقف وصلاة التكريس لحلول الروح القدس يؤلفان رتبة الرسامة وهما علامة خارجية للتكريس الداخلي:

بوضع اليد يعلن الاسقف ان النعمة الالهية والموهبة السماوية ترقي المرتسم الى الدرجة الاسقفية او الكهنوتية او الشماسية.

بصلاة التكريس المؤلفة من ثلاث صلوات يلتمس الاسقف: في الاولى نعمة الاختيار الالهي للمدعو، وفي الثانية حلول الروح القدس عليه وجعله، في كيانه الداخلي بطابع لا يمحى، اسقاً او كاهناً او شماساً، وفي الثالثة التماس المواهب الالهية له ليتمكن من القيام بخدمة الدرجة التي رُفع اليها.

 

2.    من هو الوكيل

 

كلمات الرب يسوع في الانجيل موجهة الى تلاميذه، بل الى كل  مسؤول عن اخوته لانه وكيل عليهم من قبل الرب: " من تراه الوكيل الامين الحكيم الذي يقيمه سيده على بني بيته ليعطيهم الطعام في حينه" ( لو12/42). الوكيل هو كل مسؤول عن اشخاص، كالرئيس الروحي والمدني، لان كل رئاسة هي من الله كما يقول بولس الرسول: " لا سلطان الاّ من الله، والسلطات القائمة هي بأمر الله، فمن قاوم السلطان قاوم الله" ( روم13/1-2). حتى السلطة المدنية هي من الله، على ما قال يسوع لبلاطس: " ما كان لك عليّ اي سلطان، لو لم تعطَ من فوق" (يو19/11). الوكيل هو ايضاً كل زوج وزوجة المؤتمنين  على الحب والخدمة الواحد تجاه الآخر، وعلى خيره واسعاده؛ والاب والام المؤتمنان على الحياة لنقلها وتربيتها روحياً واجتماعياً وانسانياً ووطنياً؛ والمعلمون والمربون الموكولة اليهم العناية بالاجيال الجديدة لصقل شخصياتهم علمياً وتربوياً؛ وارباب العمل المؤتمنون على خير الاشخاص لاعطائهم اجرهم المحق والعادل، وليس فقط على ازدياد الربح، فالعمل من اجل الانسان، لا الانسان من اجل العمل؛ وهم اصحاب السلطة السياسية المؤتمنون على خدمة الخير العام؛ والاساقفة والكهنة الذين أتمنهم المسيح على كنوزه: " فليحسبنا الناس خداماً للمسيح ووكلاء اسرار الله. وما يُطلب في آخر الامر من الوكلاء ان يكون كلّ منهم اميناً وحكيماً ( لو12/42؛1كور4/1-2).

 

3.    حكمة الاسقف والكاهن وأمانتهما

 

فضيلة الحكمة هي اولى ميزة الاسقف والكاهن، واحدى مواهب الروح القدس التي تحمله ليقف، اثناء القيام بوظيفته، من جهة الله، وينظر الى الامور والظروف والحاجات من منظار الله، ويتخذ الموقف الذي يرغبه الله: " اول الحكمة مخافة الله" ( امثال9/10). هذا يعني ان الحكمة تنطلق من الحرص على مرضاة الله وعدم الاساءة له أو خسارة ثقته.

الميزة الثانية هي الامانة عند الاسقف والكاهن لوديعة الخيور الخلاصية، وقد ائتمنهما عليها المسيح، وهي: كلمة الانجيل التي تولّد الايمان وتغذيه وتحافظ عليه، ونعمة الاسرار التي تقدّس وتجدد وتحيي المؤمنين، ومحبة الله التي يسكبها بالروح القدس في الانسان.

انها امانة للمسيح، لان بشخصه وباسمه تمارس الاسقفية والكهنوت، بفضل مقايضة عجيبة بين الله والانسان: المسيح يدعو والكاهن يعطيه انسانيته حتى يتمكن من استخدامها اداة خلاص. على هذا الاساس يجيب على دعوة " اتبعني"، فيترك كل شيء، في سبيل المسيح، مع الايمان الوطيد بان شخصيته البشرية ستكتمل على هذا الطريق. هل اسمى من انسانية الكاهن يستطيع بها كل يوم ان يجدد في شخص المسيح ذبيحة الفداء، هذه التي اتمّها المسيح عينه على الصليب منذ الفي سنة، وأوصى: " اصنعوا هذا لذكري". هي ذكرى تاريخية تجعل الحدث عينه حاضراً، وتصبح ذكرى وحضوراً. فالروح القدس، الذي يستدعيه الكاهن على الخبز والخمر، والذي كان يملأ بشرية يسوع المسيح، هو الذي يجعل الخبز جسد المسيح والخمر دمه، فتتحقق على المذبح، بخدمة الكاهن، آلام المسيح وموته وقيامته. هذا يعمله الكاهن في شخص المسيح بقوة الروح القدس.

تقتضي الامانة ان يظل الاسقف والكاهن على اتصال مع قداسة الله، وهو يردد: " قدوس قدوس قدوس الرب اله السماء والارض". في الكهنوت يُرفع الانسان، نوعاً ما، الى مستوى دائرة هذه القداسة. والكاهن يحيا كل يوم ودائماً مجيء هذه القداسة من الله الى الانسان: " مبارك الآتي باسم الرب". القداسة المتسامية التي هي فوق تنحدر الى العالم. وبما ان الكاهن هو على اتصال دائم بقداسة الله، عليه ان يكون رجل صلاة، من اجل تقديسه الشخصي ونجاح مهمته الرسولية. اذا كان كل الناس مدعوين دعوة عامة الى القداسة، كما علّم المجمع المسكوني الفالتيكاني الثاني، فالكاهن مدعو اليها دعوة خاصة. ذلك انه لا يستطيع ان يكون معلماً وراعياً الا بمقدار ما يكون شاهداً حقاً (البابا يوحنا بولس الثاني: عطية وسرّ).

وهي الامانة للجماعة " رعية الله التي عُهد بها اليه" ( 1بطرس5/2). الانسان المعاصر عطشان الى الله، الى ان يكون من " رعية الله". اما الباقي الذي هو منفعة اقتصادية واجتماعية وسياسية، فيمكن الرعية ان تطلبها من آخرين غيره وهم كثيرون. الناس يطلبون المسيح من الاسقف والكاهن، وينتظرون منه التبشير بانجيل الحياة والخلاص. " فمن شفاه الكاهن يطلب علم الله" ( ملاخي2/7) اي حقائق الايمان والاختبار الشخصي المعاش لسرّ الله. ينتظرون منه اللقاء بيسوع لاسيما في سرّ الافخارستيا وفي سرّ المصالحة، حيث الاسقف والكاهن هما الآب الروحي حقاً والشاهد والوسيلة للرحمة الالهية. وينتظرون منه " رعاية نفوسهم"، بمحبة المسيح الراعي الصالح، على ان تنطلق هذه الرعاية من اساس هو قداسة الكاهن، وان تمارس بثقافته واساليبه الراعوية وانسجامه مع توجيهات الكنيسة الجامعة، وان تشمل بعناية خاصة الفقراء والمهمشين والمتألمين.

****

 

ثانياً، الكنيسة والفكر السياسي

 

نتناول موضوع السياسة بمفهومها الاساسي الذي يجعلها في خدمة الانسان. فالمواطنون، اذ يعطون السياسيين والحزبيين ثقتهم، فلائهم ينتظرون منهم الالتزام بتأمين ما هو خير لكل مواطن، وقيادة الحكم ببذل ونبل، والقدرة على سماع الجميع، من دون تمييز. ان للسياسة أخلاقية تنفي ليس فقط الفساد، بل ايضاً الالتباس والتخلي عن المبادىء. دور الكنيسة القيام الدائم بخدمة ايقاظ الضمائر ( من خطاب البابا يوحنا بولس الثاني لاعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي، في 9/1/1995).

الكنيسة معنية اساساً بالانسان، كل انسان، مهما كان لونه ودينه وثقافته ورأيه. الانسان الذي هو طريق الكنيسة، ينبغي ان يكون هو اياه طريق السياسة وطريق الدولة، وان يكون المحور لأي مشروع اجتماعي وسياسي. هذا الطريق رسمه المسيح نفسه الذي يجعل ذاته الطريق الى كل انسان عبر سرّي التجسد والفداء (الرسالة العامة للبابا يوحنا بولس الثاني: فادي الانسان"3/13).

        هذا اللقول يعني ان العمل السياسي لا يسلم ما لم يستند الى المبادىء والقيم الانسانية والدينية والاخلاقية، اذ بدونها يصعب بناء مستقبل قائم على السلام والتقدّم، تُحمى فيه كرامة الشخص البشري وحقوقه الاساسية التي لا تقبل الانتقاص.

        دور الكنيسة ان تعلن هذه المبادىء، وتعطي على ضوئها حكمها الادبي على الاداء السياسي، لا من جهة تقنياته، بل من جهة صلاحه وشره بالنسبة الى ما يعود لخير الانسان والمواطنين. لا تعتنق الكنيسة اي نظام سياسي خاص، ولا يمكنها ان تتلون بهذا او ذاك من الالوان السياسية، بل ترضى بكل اداء ونظام يضمن للانسان حقوقه وخيره واستقراره وكرامته، ويفسح في المجال لجميع المواطنين ليحققوا شخصيتهم في مناخ من الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص.

 يُنتظر من المواطنين ان يميزوا، على هذا الضوء، اداء ممثليهم في الحكم والمسؤولين السياسيين والمحازبين، وان ينتخبوا ممثليهم وفقاً لهذه المعايير، عن وعيٍ وحرية ضمير.

        كل اداء سياسي او نظام يهدد كرامة الانسان وحياته انما يمسّ الكنيسة نوعاً ما في صميم فؤادها وايمانها بابن الله الذي بتجسده وفدائه، اتّحد نوعاُ ما بكل انسان. فلا يحق لها ان تصمت عن المظالم، بل عليها ان تتسلّح بالجرأة وتعطي صوتاً لمن لا صوت له، وتعيد دوماً صرخة الانجيل في الدفاع عن بؤساء هذا العالم والمهدّدين والمحتقرين والمستضعفين والمحرومين من حقوقهم الانسانية. ولا يستطيع أحد ان يوقفها عن ذلك (البابا يوحنا بولس الثاني: انجيل الحياة، 5؛ فادي الانسان،13).

        من واجب العمل السياسي انماء الشخص البشري على كل من المستوى الانساني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وحفظ كرامته وتعزيزها، واحترام حريته المدنية والدينية المنضبطة والمسؤولة، وضمان حقوقه بالتوازي مع واجباته وتنظيم علاقته بالسلطة السياسية، ومحاربة كل استعباد له او ارتهان اجتماعي وسياسي، وتجنيب كل المواطنين المخاطر التي تتهددهم مادياً وخلقياً واقتصادياً.

        الوسيلة للقيام بواجب العمل السياسي هي سنّ القوانين الملائمة وتطبيقها، واصلاح الخلل في عمل مؤسسات الدولة الاجرائية والادارية والقضائية. ليس العمل السياسي اتهاماً وتخويناً متبادلاً على حساب الواجبات تجاه المواطنين، بل تنافس في وضع البرامج الاصلاحية والانمائية، وفقاً للحاجات المطروحة في المجتمع. لا يقتصر العمل السياسي على اعلان مبادىء وحسن نوايا، بل يتعداه الى الالتزام الدقيق والفعل اليومي بروح الخدمة المقرونة بالكفاءة والفعالية، والانصراف الى اتمام الواجب بتجرد وشفافية، وخلقية رفيعة في ممارسة السلطة (البابا يوحنا بولس الثاني: عظة يوبيل المسؤولين عن الحكومات والبرلمانيين ورجال السياسة والادارة في 10/11/2007، فقرة 4).

 

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي السادس: " البطريرك والاساقفة". بعد عرض الواقع الراهن للخدمة البطريركية والاسقفية، نتطرق الى مضمون الفصل الثالث وهو بعنوان: تجدد خدمة البطريرك والاساقفة، وفيه قسمان: روحانية التجدد وتحديات الزمان والمكان.

نبدأ اليوم بخمسة من عناصر روحانية التجدد.

1.     الانقياد للروح القدس (الفقرة 39).

بما ان الروح هو ينبوع التجدد، على البطريرك والاساقفة ان ينقادوا لالهاماته من اجل قراءة الواقع الراهن واستشراق المستقبل على ضوء الكتاب المقدس والتقليد ومعطيات التاريخ.

 

2.     التأصّل في الانجيل (الفقرة 40).

 بما ان الانجيل هو الروح والحياة، وعلى اساسه يتمّ الروح كل تجدد في الكنيسة، على البطريرك والاساقفة التجذر فيه، لحفظ هويتهم واصالتهم وتجديدها تجديداً ملائماً لزمنهم ومكانهم. هذا التجذّر يعني التمثّل والاقتداء بالمسيح الراعي الاوحد، وراعي الرعاة، الذي بذل نفسه عن البشرية جمعاء بالموت على الصليب، وجمع بقيامته كل المشتتين الى واحد ، ليجعل منهم جسده السرّي اي المسيح الكامل. هذا هو جوهر هويتهم ورسالتهم ومبعث حيويتهم.

 

3.     نهل من الكتاب المقدس (الفقرة 41)

بما ان كلمة الله هي الكنز الذي لا ينضب والذي يجدد القوة ويعطي العزاء، على البطريرك والاساقفة ان يعرفوا الكتاب المقدس بعمق ويجعلوا منه رفيقهم الدائم في الرسالة. فهو الذي يجمع بين حياتهم التأملية وحياتهم العملية، كما يظهر ذلك في الليتورجيا المارونية المبنية على البعد الثالوثي.

 

4.     تذكّر التاريخ الاول (الفقرة 42)

تميزت الروحانية المارونية بميزات حياة المؤسس القديس مارون وتلاميذه، اعني: روح النسك بالغوص في اعماق النفس، والزهد بكل شيء ليربحوا الله، واتباع المسيح. وكان سلاح رعاتهم الايمان والصلاة والغيرة الرسولية.

 

5.     غرف من المعين الليتورجي (الفقرة 43).

استمد البطاركة والاساقفة روحانيتهم وغيرتهم الرسولية من اللقاء اليومي السرّي مع الله الثالوث في الاحتفالات الليتورجية، وهم القيّمون على الليتورجيا وحرّاسها، وهي التي حفظت وحدة ابناء الكنيسة المارونية وشددت اواصرها حول البطريرك، الاب والرأس. وهكذا تحلّوا بمحبة الآب، وتقدسوا بنعمة الابن، وتجددوا بحلول الروح القدس.

 

****

 

صلاة

يا رب، أعطِ الراحة الابدية للكهنة والاحبار الذين خدموا كنيستك ووزّعوا  كنوز الخيرات السماوية على ابناء شعبك": كلمة الانجيل ونعمة الاسرار وهبة المحبة بالروح القدس. زيّن بالحكمة والامانة رعاة الكنيسة وكل مسؤول في العائلة والمجتمع والدولة، وليدرك الجميع ان كل سلطة هي من الله، ولا تمارس إلا وفقاً لما يرضي قلب الله. إفتح، يا رب، اذهان المسؤولين السياسيين على تعليم الانجيل والكنيسة، ليمارسو سلطتهم وادارة الشؤون الزمنية واضعين نصب اعينهم تأمين الخير العام وخدمة الانسان المواطن بتوفير ما له من حقوق ليعيش بكرامة واستقرار ونمو دائم. زيّن، ايها المسيح الكاهن الازلي، البطريرك والاساقفة بروحانية الانجيل، ليسروا على خطاك، انت راعي الرعاة والراعي الصالح، في خدمة شعبنا والمجتمع. لك المجد والشكر ايها الآب والابن والروح القدس الى الابد. آمين.


 الاحد 20 كانون الثاني 2008

تذكار الابرار والصديقين

الفضائل الالهية والانسانية

 

من انجيل القديس متى 25/31-46

 

قال الرب يسوع: " متى جاء ابن الانسان في مجده، وجميع الملائكة معه، يجلس على عرش مجده. وتجمع لديه جميع الامم، فيميّز بعضهم عن بعض، كما يميّز الراعي الخراف من الجداء. ويقيم الخراف عن يمينه والجداء عن شماله. حينئذ يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي ابي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم؛ لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريباً فآويتموني، وعرياناً فكسوتموني، ومريضاً فزرتموني، ومحبوساً فأتيتم إلي. حينئذ يجيبه الابرار قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم: كل ما عملتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي عملتموه! ثم يقول للذين عن شماله: إذهبوا عنّي يا ملاعين، الى النار الابدية المعدة لإبليس وجنوده؛ لأني جعت فما أطعمتموني، وعطشت فما سقيتموني، وكنت غريباً فما آويتموني، وعرياناً فما كسوتموني، ومريضاً ومحبوساً فما زرتموني! حينئذ يجيبه هؤلاء أيضاً قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعاً أو عطشان أو غريباً أو مريضاً أو محبوساً وما خدمناك؟ حينئذ يجيبهم قائلاً: الحق أقول لكم: كل ما لم تعملوه لأحد هؤلاء الصغار، فلي لم تعملوه. ويذهب هؤلاء الى العذاب الأبدي، والأبرار الى الحياة الأبدية".

 

        الابرار والصديقون هم الذين عاشوا ببطولة الفضائل الالهية: الايمان والرجاء والمحبة، والفضائل الانسانية الرئيسة: الفطنة والعدالة والقوة والاعتدال، بقوة الروح القدس ومواهبه السبع التي تساند هذه الفضائل. ولذلك ينعمون بمشاهدة الله السعيدة ويؤلفون كنيسة السماء الممجدة. وهم الذين خدموا المسيح في اخوته الصغار الذين عانوا الجوع اوالعطش اوالحرمان او الغربة او السجن. فساعدوهم اما مادياً وإما معنوياً وإما روحياً. هؤلاء تستشفعهم كنيسة الارض المجاهدة، وهم في كنيسة السماء الممجدة، من اجل ابنائها المسافرين على وجه الارض، ومن اجل موتاها ابناء الكنيسة المتألمة في المطهر.

 

***

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.    المحبة الاجتماعية

المحبة هي ام الفضائل كلها وهي التي تحييها وتعطيها نكهة ومعنى، وتبقى من بعدها كلها (1كور13). نفهم من انجيل اليوم اننا سندان على المحبة، لاننا اؤتمنا عليها بكوننا " على صورة الله ومثاله"، " فالله محبة" (1يو4/7). لكن المحبة، كما يقول يوحنا الرسول، ليست " بالكلام او باللسان بل بالعمل والحق". وهي تتجلى حسب كلام الرب اليوم في : اطعام الجائع، وسقي العطشان، وايواء الغريب، وكسوة العريان، وتفقد المريض، وزيارة السجين. في هؤلاء الاخوة المعوزين " الصغار" نرى وجه المسيح الذي تضامن معهم عضوياً بتجسده وآلامه والفداء: " ان كل ما صنعتموه مع احد اخوتي الصغار، فالي " صنعتموه" ( متى25/40).

المحبة الاجتماعية جزء لا يتجزأ من رسالة الكنيسة المثلثة الابعاد: اعلان سرّ المسيح ابن الله بالكرازة والتعليم؛ منح نعمة الخلاص المعطى لجميع الناس بتوزيع الاسرار؛ تحرير الانسان من كل ما يعوق نموه البشري والروحي بافعال المحبة والعدالة والتضامن، بحيث يتجلى  مجد الله في الانسان الحي (رجاء جديد للبنان، 100).

هذه المحبة تستوحي كلام الله، فتتبنى اهتمام الرب بالايتام والفقراء ومحبة المسيح للاخوة " الصغار" وتلتزم بتلبية حاجاتهم الروحية والمادية والمعنوية والثقافية.

وتشارك في اعادة روابط الاخوة المفقودة، على مثال السامري الصالح، وتحقق الاخوة الشاملة التي تجد نواتها في الكنيسة.

 وتعمل بالشركة مع الكنيسة وباسمها، لاننا " معاً للمحبة نشهد" ( رجاء جديد للبنان،101).

أما المبدأ الاساس للخدمة الاجتماعية فهو ان " الله اعدّ الارض وخيراتها لاستعمال جميع الناس والشعوب، ولوضعها بين ايدي الجميع" (الدستور المجمعي: فرح ورجاء،69). 

 

2.    الفضائل الالهية

 

هي الفضائل التي تمكننا من ان نعيش الحياة الالهية المسكوبة فينا، مذ نفخ فينا الله روحاً من روحه، وصورّنا في حشا امهاتنا على مثاله. انها فضائل تتصل مباشرة بعلاقتنا الحياتية مع الله.

الايمان يولد من سماع كلام الله وتعليم الكنيسة، فيقود الانسان المؤمن الى معرفة الله والثقة به. فيدرك انه على حق في ايمانه، كالمسافر الذي يعرف من خلال وجهة السير انه يمشي في الاتجاه الحسن. بالايمان لا نرى الله بل هو يكشف لنا صميم حبه، ويعطينا اليقين أننا على الطريق الصحيح. الايمان يتحوّل في المؤمن الى طاعة الله في ما  ويقول ويوحي.

        الرجاء يولد من الايمان ويشكل الثقة بالله وبجودته وقدرته، وبخاصة عند المحنة، حيث الله يبدو وكأنه بعيد، صامت، أصمّ، بل قاسٍ. فيربط ارادة الصمود بجودة الله وقدرته.

        المحبة تولد من الرجاء  كهبة من الروح القدس، الذي هو محبة الله، اي الحب –العطاء. تعطي القدرة على تحويل الانانية ورغبة التملك الى عطاء الذات، والانفتاح على خير الاخرين، ومحبتهم المجانية. نحب الله وجميع الناس الذين يحبهم كخالق. الفضائل الالهية مصابيح تضيء دربنا الى " الاخوة الصغار".

        قال القديس اغسطينوس: " من يؤمن يترجى، ومن يترجى يحب".

       

3.    الفضائل الانسانية الرئيسة

 

هي فضائل كشفتها الفلسفة اليونانية، قبل الميلاد، وتقود الانسان الى نموه الكامل في حياة خلقية متزنة. لكن الحياة مع الله، على هدي الفضائل الالهية ومواهب الروح القدس تعطي هذه الفضائل ابعاداً جديدة، جاعلة اياها خارقة الطبيعة بحيث تسمح للانسان ان يذهب اكثر عمقاً ووضوحاً باتجاه الله و" الاخوة الصغار". الفضائل الرئيسية اربع:

        * الفطنة قدرة تمكننا من مطابقة الوسائل على الغايات. فلا نسعى الى غايات صالحة بوسائل سيئة، ولا نتجه الى الخير عن طريق الشر، مدركين ان الغاية لا تبرر الوسيلة. وبها نميّز افضل الوسائل للعيش في مرضاة الله وتجنّب الاساءة والشر. بالفطنة نسمع نداء " الاخوة الصغار"، ونجد الوسيلة لمساعدتهم.

        * العدالة سعي الى توطيد علاقات منصفة ومثمرة مع الناس، في المجتمع الذي نعيش فيه، بحيث ينال كل واحد حقه وكرامته. بالعدالة نكتشف حق الله بالعبادة البنوية التي منها حياتنا وخلاصنا. وبها ندرك ما علينا من واجبات تجاه الغير لينالوا حقوقهم. بالعدالة نرمم علاقات الاخوّة مع " الاخوة الصغار" باعطائهم ما هو حق لهم.

        * القوة قدرة على تخطي العراقيل التي تتحدانا، وعلى القيام بمبادرات كبيرة، رغم المصاعب والعراقيل والامكانيات المحددة. بالقوة نجد الوسائل لاخراج " الاخوة الصغار" من محنتهم.

        * الاعتدال فضيلة التوازن بين الكفاية والافراط، بين مقتضيات الجسد وقيم الروح. يتحصن الاعتدال بروح التجرد والامانة، وبالصوم والتقشف. هذه كلها تولّد الحرية الداخلية والسيطرة على الذات، الى جانب مناعة روحية وخلقية. بالاعتدال نتقاسم خيورنا مع " الاخوة الصغار".

 

***

ثانياً، الكنيسة والفكر السياسي

 

        هذا القسم من التنشئة المسيحية يود ان يساهم في تثقيف شعبنا بالمفهوم السليم للسياسة. موضوع اليوم: "الجماعة السياسية" في تعليم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ( الدستور الراعوي: فرح ورجاء، 73-74).

        1. الجماعة السياسية هي جماعة الذين يتولون باسم الشعب في الاوطان شؤون الحياة العامة، من خلال المؤسسات الدستورية. فيعملون على تعزيز حياة وطنية سليمة قوامها: الترقي الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وتمكين الافراد والمجموعات في الوطن الواحد من ممارسة حقوقهم وواجباتهم على هذا المستوى، ومن تأدية دورهم الفاعل في الحياة العامة والادارة، والاضطلاع بمسؤوليتهم في تنظيم الحياة السياسية الرامية الى تأمين الخير العام وتعزيزه، والى انماء الشخص البشري والمجتمع انماءً شاملاً.

        من شأن هذا الوعي لدى المواطنين لمفهوم الحياة السياسية ان يشجب كل اداء سياسي لا يعمل فعلياً وواقعياً للخير العام بل لمصالح اشخاص وفئات، ويقترف جرائم سياسية، ويميّز بين المواطنين وفئات المجتمع وفقاً لانتمائهم السياسي او دينهم او رأيهم، ويحدّ من الحريات العامة وفي طليعتهم حرية الرأي والتعبير، والحرية المدنية والدينية، ويهمل الاقليات ويحرمها من حقوقها.

فلا مجال لانشاء حياة عامة وطنية سليمة قائمة على اساس انساني حق، إلاّ بتعزيز الحسّ الداخلي للعدالة والارادة الطيبة في خدمة الخير العام، وبتوطيد قناعات الشعب الاساسية حول طبيعة الجماعة السياسية وغايتها وحدود السلطة العامة.

 

        2. الجماعة السياسية موجودة فقط من اجل الخير العام. فهو مبرر وجودها، وينبوع حقها في الوجود، ذلك ان الافراد والعائلات وسائر المجموعات لا تستطيع تأمين الخير المشترك من دون سلطة سياسية ينتدبونها لهذه الغاية. فبات من اولى واجبات هذه السلطة توفير الاوضاع الحياتية الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لكي يتمكن الشعب الذي انتدبها ان يحقق ذاته في كل فئاته وافراده وجماعاته. وفي طليعة هذه الاوضاع ثلاثة اساسية:

        أ- استعمال الاموال العامة والخيرات المادية المتوفرة، وهو حق لكل مواطن من اجل معيشته بكرامة. وهذا الحق يسمو فوق اي قانون اقتصادي آخر، وحتى قانون الملكية. ثمة مطلب ملحّ بان توضع كل الخيرات، التي خلقها الله لجميع البشر، في متناول الجميع، بانصاف ووفق مبادىء العدالة والمحبة. فكل انسان بصفته كائناً حياً يتمتع بالعقل، يحظى من طبيعته بحق اساسي وهو ان يستعمل خيرات الارض المادية. الحقيقة المسيحية الملزمة للجميع هي هذه: من يملك انما يملك لاجل الجميع ( رسالة الطوباوي البابا يوحنا الثالث والعشرين: ام ومعلمة،42-43).

        ب- تكافؤ فرص العمل الذي هو حق وواجب لكل انسان اياً كان. من واجب السلطة السياسية تأمين العمل للجميع، وتقسيمه بالشكل الذي يقتضيه الخير العام وحلّ المشاكل والمعضلات المتعلقة به ( المرجع نفسه،44)، وازالة البطالة والحدّ من الهجرة، ولاسيما هجرة الادمغة والقوى الحيّة والفاعلة، برفع المستوى الاقتصادي، وتوفير التأمينات الاجتماعية اللازمة الناتجة عن العمل العادل والمنظم.

        ج- تعزيز العائلة وتوفير مقتضياتها. ان ملكية الخيرات المادية، ومجالات استعمالها، وايجاد فرص العمل، تساعد العائلة على ضمان وجودها ونموه. هذا يمكّن الوالدين من اتمام واجباتهم تجاه اولادهم، وهي واجبات كلّفهم بها الخالق، من اجل رفاهية العائلة الجسدية والنفسية والروحية ( المرجع نفسه،45).

         واجبات السلطة السياسية هذه تشكل المعايير لاختيار من ينتدبهم المواطنون لتولّي السلطة، ولمحاسبتهم ومساءلتهم. ليس العمل السياسي للتقاتل والمزايدات الكلامية والاتهامات والتخوينات وبثّ احكام مسبقة. بل للتنافس في البرامج الكفيلة بتأدية هذه الواجبات بشكل افضل وأشمل.

        نأمل ان يرتقي شعبنا الى هذا المفهوم للجماعة السياسية. اما اصحاب السلطة السياسية، " فلأنهم خدام الله للشعب وللخير" ( روم13/4)، من واجبهم ان يمارسوا سلطتهم ضمن حدود النظام الاخلاقي الذي رتّبه الله، من دون اي افراط، وان يعملوا بروح المسؤولية في سبيل الخير العام ( فرح ورجاء،74). وبالمقابل يلتزم المواطنون ضميرياً بالطاعة، عملاً بوصية بولس الرسول ( روم 13/5).

 

****

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

        تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي السادس: "البطريرك والاساقفة"، وتبيّن خمس مقومات أخَر لحياتهم الروحية.

1.     السير على خطى الآباء (فقرة 44).

تتميز مسيرة الآباء الذين سبقوا البطريرك والاساقفة بالايمان المتأصل في الصليب، ما يعني التوبة والغفران، وهما ركيزتا صلاتهم الليتورجية. هذه تنعش حبّ الله فيهم. حيث يوجد حب الله تتلاشى الخطايا ويُمحى الشر (القديس يوحنا فم الذهب). وهكذا يعمل رعاة الكنيسة على تعزيز سرّ التوبة والمصالحة لدى ابناء شعبهم، وعلى ان مرافقته بافعال صوم وتقشف. ان دموع التوبة تشبه مياه المعمودية، غاسلة الخطايا.

2.    الفقر الرهباني ( فقرة 45).

كان البطاركة والاساقفة يُختارون في البدايات من بين الرهبان، اذ لم يكن بعد اكليروس ابرشي منظم ومثقف. فطبع الروح الرهباني والعادات هويتهم وعيشهم ومسلكهم. ما يستدعي المحافظة عليها اليوم، مع روح التجرد والصلاة والصوم، والاهتمام بشؤون الفقراء والمعوزين. 

 

3.     الاتكال على السيدة مريم العذراء ( فقرة 46).

الكنيسة المارونية ذات طابع مريمي واضح في ليتورجيتها وكنائسها واديارها وعبادة ابنائها، فمريم " ام الله" هي سيدتهم ومحاميتهم وشفيعتهم ومثالهم. يتشّبه رعاة الكنيسة بايمان مريم في مواجهة التحدّيات، وبمثالها في الدخول في مشروع الله الخلاصي. فهي سلطانة الرسل، والاساقفة خلفائهم.

4.     الشوق الى حيث الرب ( فقرة 47).

ميزة الكنيسة المارونية ايضاً النفحة النهيوية، التي هي عيش على الارض وتطلع الى السماء كمحطّ الحج الاخير. فيما يمارس البطريرك والاساقفة خدمتهم الراعوية، يربطون بين القربان والقيامة، بين المناولة والحياة الابدية: " قد اكلت جسدك المقدس، لاتأكلني النار". فيعملون على مساعدة شعبهم في عيش الرجاء المسيحي وسط المحن والشدائد، وعلى السهر وانتظار تجليات الله بصبر وثبات.

5.     المحبة الابوية ( فقرة48).

 هي المحبة الراعوية على مثال الراعي الصالح، التي تغمر قلب البطريرك والاسقف في التعاطي مع شعبه والعيش مع الله. الى كل واحد من رعاة الكنيسة موجّه سؤال يسوع لبطرس والرعاية: " اتحبني؟ - ارعَ خرافي" (يو21/15). المحبة الراعوية تعني خدمة وبذلاً واهتماماً وانتباهاً وقرباً من المؤمنين، وتواضعاً وجهوزية لسماعهم وقبولهم وتأمين خدمتهم، وغيرة على خلاصهم، والعيش معهم بحرارة وعاطفة واندفاع. 

*** 

        صلاة

        يا رب، زيّنا بفضائل الابرار والصديقين الذين عاشوا المحبة العامودية لك والاجتماعية " للاخوة الصغار". بل ساعدنا بنعمتك لكي ننمّي فينا الفضائل الالهية والانسانية، لنتمكن من الشهادة لمحبتك في المجتمع. اجعل المحبة الاجتماعية شريعة كل مسؤول سياسي وكنسي، لان سلطته هي منك لخدمة الخير العام. ولولا المحبة لا مجال لتحقيق هذه الخدمة. لك يا ينبوع كل محبة، ايها الآب والابن والروح القدس، كل مجد وشكر الآن والى الابد، آمين.


الاحد 27 كانون الثاني 2008

تذكار الموتى المؤمنين

خيرات الارض لجميع الناس

 

من انجيل القديس لوقا 16/19-31

 

قال الرب يسوع: " كان رجل غنيٌّ يلبس الارجوان والكتان الناعم، ويتنعم كل يوم بأفخر الولائم. وكان رجل مسكين اسمه لعازر مطروحاً عند بابه، تكسوه القروح. وكان يشتهي ان يشبع من الفتات المتساقط من مائدة الغني، غير أن الكلاب كانت تأتي فتلحس قروحه. ومات المسكين فحملته الملائكة الى حضن إبراهيم. ثم مات الغنيّ ودفن. ورفع الغني عينيه، وهو في الجحيم يقاسي العذاب، فرأى إبراهيم من بعيد، ولعازر في حضنه. فنادى وقال: يا ابتِ إبراهيم، إرحمني، وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرد لساني، لأني متوجع في هذا اللهيب. فقال إبراهيم، يا ابني تذكر أنك نلت خيراتك في حياتك، ولعازر نال البلايا. والآن هو يتعزى هنا، وأنت تتوجع. ومع هذا كله، فإن بيننا وبينكم هوّة عظيمة ثابتة، حتى إن الذين يريدون أن يجتازوا من هنا إليكم لا يستطيعون، ولا من هناك أن يعبروا إلينا. فقال الغني: أسألك إذاّ، يا ابتِ، أن تُرسل لعازر الى بيت أبي، فإن لي خمسة إخوة، ليشهد لهم، كي لا يأتوا هم أيضاً الى مكان العذاب هذا. فقال إبراهيم: عندهم موسى والانبياء، فليسمعوا لهم. فقال: لا، يا أبت إبراهيم، ولكن إذا مضى اليهم واحد من الاموات يتوبون. فقال له إبراهيم: إن كانوا لا يسمعون لموسى والانبياء، فإنهم، ولو قام واحد من الاموات، لن يقتنعوا!".

 

 

        نختم اليوم اسابيع التذكارات الثلاثة ، فنذكر موتانا الذي سبقونا الى بيت الآب : نصلي من اجل راحة نفوسهم  بمشاهدة وجه الله ، رافعين الصلوات ومقدمين القداسات ومتممين اعمال رحمة ومحبة؛ ونسأل الله ان يخفف من آلامهم المطهرية وينقلهم الى سعادة السماء؛ ونستشفعهم لكي يضرعوا الى الله من اجلنا لكي نبلغ بدورنا الى ميناء الخلاص.

        مثل الغني ولعازر يكشف العلاقة بين الحياة والموت ، ومعنى الغنى والفقر، والدينونة الشخصية ومضمونها .

****

اولاً، شرح نص الانجيل

 

1.    العلاقة بين الحياة والموت

 

        ولدنا لنموت . كلمة صعبة تحطم المعنويات لاول وهلة . ولكن ، في ضوء شخص ابن الله الذي " تجسد من اجلنا ومن اجل خلاصنا " وكلامه، ينجلي لغز الانسان في حياته وموته (فرح ورجاء ،10و22) وتأخذ الحياة والموت معنى ، فيسهلان . الولادة من حشا الام هي بداية وجود تاريخي وابدي، اما الموت فهو نهاية الوجود التاريخي وبداية الوجود الابدي : الوجود الاول يهيء الثاني ، والوجود الثاني نتيجة حتمية للاول . الوجود الاول طريق نسلكه ، والثاني هدف نسعى اليه . يعلّم السيد المسيح هذه الحقيقة في مثل الغني ولعازر : الوجود الاول (لو16/19-21) يصف حياة ومسلك كل من الغني ولعازر . الوجود الثاني (لو16/26) يصف النتيجة ونقطة الوصول : خلاص لعازر وسعادته الابدية، وهلاك الغني وعذابه الابدي . ولاننا ولدنا لنموت ، فالرب ينير حياتنا وموتنا بكلامه الحي ، لنحسن كلاً من الحياة والموت (لو16/27-31). اضاءة الشموع في التذكار السنوي للمولد  والمعمودية وعند الموت رمز لكلام الله الذي هو نور الحياة والموت .

        نولد ونموت من دون قرار منا. حتى الانتحار ليس قراراً حراً بل هو قرار مكره تحت وطأة الضغط، فيفقد قيمة القرار الحر . لكن كل واحد منا يقرر نوعية وجوده التاريخي ، أكان في ضوء كلام الله الذي هو " روح وحياة " (يو6/63)، ام في ظلمة الخطيئة والشر، وبالتالي يقرر نوعية مصيره الابدي أخلاصاً كان  أم هلاكاً . ولهذه الغاية وهبنا الله ثلاث ملكات: العقل الذي يقودنا الى نور الحقيقة، والارادة التي بها نفعل الخير، والحرية  التي بها نصنع خيارنا اليومي في اطار الحقيقة والخير. وبما اننا سريعو العطب، بسبب جرح الخطيئة الاصلية ونقصنا كخلائق، ينحرف العقل ، مخدوعاً، الى ظلمة الضلال، وتنجرف الارادة نحو الانانية والشر، وتسكر الحرية بهوى خيراتها المدمِّرة.

 اعطانا الله كلامه ونعمته ،غفرانه وحياته، لنشفى وننهض ونتقوى: " عندهم موسى والانبياء،فليسمعوا لهم"  (لو16/29). لعازر نفسه كان لاخوة ذاك العني نداء للتوبة ، من عند الرب ، فلم يتوبوا. " موسى والانبياء " هم اليوم الكنيسة التي تعلن كلمة الحق بالكرازة والتعليم ، وتوزع نعمة الخلاص بالاسرار ، وتدعو الى خدمة المحبة والعدالة.

        نموت كما نعيش : " في جميع اعمالك اذكرأواخرك فلن تخطأ ابداً " ( ابن سيراخ 7/36). اذا احسنت الحياة تحسن الموت. نعني بالحياة كل مداها التاريخي من مهدها الى لحدها ، قصيرة كانت ام طويلة ، فلا تؤخذ مجتزأة لما تحتوي من مفاجآت في دروب التاريخ . ولهذا قال الرب: " لا تغبّط احداً قبل موته ، فان الرجل يُعرف عند مماته "(سيراخ11/28).

 

2.    معنى الغني ولعازر

 

        لم يهلك الغني لانه غني وذو ثروة ، فالغنى نعمة من الله وبركة. بحبوحة الخير هي افضل ما يتمنى الناس بعضهم لبعض . لكن مشكلة الغني انه جعل سعادته في غناه : فعاش في الطمع الذي هو رغبة التملك اللامحدود لخيرات الارض ؛ وعاش في الجشع أي الهوى المفرط والمنفلت للثروة وقدرتها (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 2536)؛ وعاش في الانانية حاجباً قلبه ويده عن مساعدة لعازر الفقير ، فرذله الله، لان الامتناع عن اشراك الفقراء في خيراتنا الخاصة استلاب لحقوقهم . والخيرات التي نحوزها ليست لنا بل  لهم ( القديس يوحنا فم الذهب) ؛ ولان مساعدة الفقراء واجب من باب العدالة : " لا بدّ اولاً من تلبية مقتضيات العدل، خوفاً من ان نهب كعطية محبة ما هو واجب من باب العدل " (المجمع الفاتيكاني الثاني : رسالة العلمانيين8). الفقير الذي تجب مساعدته ، والمحتاج الذي يجب اشراكه في ثروتنا وفي ما نملك ، ليس الفقير والمحتاج مادياً فقط ، بل وروحياً وثقافياً ومعنوياً. محبة الكنيسة للفقراء جزء من تقليدها، فما برحت منذ بدايتها تعمل على مساعدتهم والدفاع عنهم وتحريرهم، الى جانب مؤسساتها الخيرية والثقافية والاستشفائية.

 

        ليست مشكلة الغني في ملكيته ، فهي حق طبيعي للانسان اقرّته الشرائع الالهية والوضعية (البابا لاون الثالث عشر: الشؤون الحديثة ، 6-8)، بل في عبادة  ثروته . فكانت "الاله" الاكبر عنده. بحث عن سعادته في غناه لا في الله. نقرأ في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية : " الغنى في يومنا هو "الاله" الاكبر الذي يؤدي له الناس اكراماً عفوياً.  يقيسون السعادة والكرامة بمقياس الغنى، لاعتقادهم ان الانسان الحاصل على الثروة يقدر على كل شيء. هكذا اصبح الغني صناً من اصنام اليوم (فقرة 1723). الملكية الخاصة ضرورية للحياة البشرية، لكنها تفترض معها حسن التصرف بها، اذ لا يحق للانسان ان يعتبر الاشياء التي يملكها خاصة به بشكل مطلق، بل هي مشتركة، عملاً بوصية بولس الرسول : " أوصِِ اغنياء هذا العالم ألاّ يتكلوا على الغنى، بل على الله الحي الذي وهبنا بكثرة كل شيء لراحتنا، وان يصنعوا الخير ويغتنوا بالاعمال الحسنة ، فيعطوا ويتقاسموا بسهولة الخيرات" (1طيم6/17-18).

        لعازر الفقير لم ينل الخلاص لانه فقير، فالله كلي الجودة ولا يريدنا في حالة الفقر والحرمان، بل يريدنا فقراء بالروح، غير متعلقين بالمال حتى عبادته، ومتجردين، وكأننا لا نملك شيئاً فيما نحن نملك كل شيء. نال لعازر الخلاص لانه ارتضى حالة الفقر، وصبر على محنته، وحمل صليبه دونما اعتراض، واتكل على عناية الله.

        تعلّم الكنيسة ان الفقر ليس عاراً . فالسيد المسيح " الغني اصلاً، جعل نفسه فقيراً "(2كور8/9) من اجل خلاص البشر؛ مع انه ابن الله، شاء ان يظهر للناس كابن لنجار، وعامل مأجور: " أليس هذا النجار ،ابن مريم؟ "(مر4/3).الغنى الحقيقي الذي يحفظ كرامة الانسان الحقيقية وسموه هو في فضائله الروحية والانسانية (الشؤون الحديثة20).يميل قلب الله اكثر الى الطبقات البائسة: فيسوع المسيح شاطر حياة الفقراء من المهد الى الصليب، عرف التهجير والجوع والعطش والعري؛ بل تماهى مع الفقراء في كل انواعهم وجعل من حبهم الفاعل شرطاً لدخول الملكوت(متى25/31-46)؛ وطوّبهم لان ملكوت الله لهم (متى5/3)؛ واعلن انه جاء يحمل اليهم بشرى الخلاص (لو4/18)؛ ودعاهم ليأتوا اليه حتى يوآسيهم ويخفف من احمالهم(متى11/28).

        نال لعازر الخلاص ،لانه لم يشتهِ مال الغني، رافضاً اللجوء الى العنف او السرقة او الاحتيال او التعدي الظالم، عملاً بوصايا الله وبخاصة الوصيتين الخامسة والسابعة. كان حراً من "شهوة العين"(1يو2/16) نقي القلب وصافي النية.

 

3.    الدينونة الشخصية

 

        نُدان على مدى ردم الهوة القائمة بين الغنى الشخصي وحاجة الآخر، على مختلف المستويات: مادياً وروحياً وثقافياً واجتماعياً . قوام ردم الهوة ان تنزل نفس الغني المتشامخة من عليائها وتتضع ، وان يعتصم الفقير بكرامته ودعته وخلقيته ويتشجع ، فتمتد الايدي من الجانبين وتتحد الارادات في الصداقة الانسانية (البابا لاوون الثالث عشر)، والمحبة الاجتماعية (البابا بيوس الحادي عشر)، وحضارة المحبة (البابا بولس السادس)، والتضامن والانماء (البابا يوحنا بولس الثاني).

        نردم الهوة عندما نعمل بمبدأ ان كل خيرات الطبيعة وكل كنوز النعمة هي ملك مشترك لكل الجنس البشري دون تمييز(الشؤون الحديثة21). وهذا واجب على الافراد والمؤسسات ، على الحكام والدول. المطلوب بناء عالم يستطيع فيه كل انسان ان يعيش حياة بشرية كريمة بكل معناها الروحي والمادي ، الثقافي والاجتماعي ، دونما تمييز في العرق والدين والجنسية ، عالم يستطيع فيه لعازر ان يجلس على مائدة الغني(البابا بولس السادس: ترقي الشعوب47).

        نُدان على المحبة الاجتماعية أي الحب المفضَّل للفقراء الذي يفتح قلبنا وفكرنا ويدنا الى الجماهير الكثيرة من الجائعين والمتسولين والذين لا ملجأ لهم ، والذين تنقصهم العناية الطبية ، والذين ينقصهم الرجاء ، والمحرومين من حريتهم الدينية ومن حقهم في الحياة السياسية او من حقهم في المبادرة الاقتصادية . المحبة الاجتماعية هي التزام بالمبدأ المميز للتعليم الاجتماعي المسيحي : خيرات هذه الارض معدّة في الأصل لجميع الناس ، وبالتالي يقع على الملكية الخاصة  رهن اجتماعي، يعطيها وظيفة اجتماعية هي مهمة الالتزام بالفقراء ، ويبرر وجودها انطلاقاً من مبدأ شمولية خيرات الارض . نكران هذه الحقيقة يُعتبر تشبهاً بالغني المترف الذي تجاهل لعازر المسكين المنطرح عند باب بيته (الاهتام بالشأن الاجتماعي 42).

 

***

ثانياً، الكنيسة والفكر السياسي

 

        للكنيسة، الام والمعلمة، تعليم واسع حول مفهوم السياسة ومقوماتها وطريقة ممارستها. من شأن هذا التعليم ان يكوّن لدى المواطنين فكراً سياسياً وثقافة هي في اساس السلام الاجتماعي والدولي. موضوع اليوم: مساهمة المواطنين في حياة الجماعة السياسية.

 

        1. عندما نقول " جماعة سياسية" نعني جماعة منظمة تسوس الافراد والعائلات والمجموعات، الذين يشكلون الجماعة المدنية، والذين لا يستطعون ان يعيشوا حياة بشرية حقّة بجهودهم الذاتية وحدها. ولذا يحتاجون الى سلطة تعمل للخير العام، الذي منه خير الجميع. وتعني بالتالي هيكلية سياسية- قانونية تتلاءم والطبيعة البشرية، وتتصف بالشرعية. انها في الاساس من تدبير الله في خلقه (الدستور المجمعي: فرح ورجاء،74).

        من واجب السلطة السياسية ان تعزز مساهمة المواطنين الخيّرة والفعالة، دونما تمييز، في حياة هذه الجماعة السياسية القانونية، المعروفة بالحياة العامة. تقتضي مساهمتهم المشاركة في ادارة الشؤون العامة، ووعي حقهم وواجبهم في تعزيز الخير العام من خلال انتخاب من يرونهم اهلاً لتأمين الخير المشترك. الكنيسة من جهتها تحوط بالتقدير كل الذين يكرسون حياتهم لخدمة هذا الخير، ويحملون على عاتقهم اعباء الشأن العام في سبيل الخدمة العامة (فرح ورجاء، 75 ). مثل هؤلاء الاشخاص ينتخبهم المواطنون بحرية ووعي وفقا لهذه الصفات، ويحاسبونهم ويسائلونهم.

 

        2. مساهمة المواطنين في الشؤون العامة وفي الخير المدني العام هي حق مرتبط بكرامة الشخص البشري. فالانسان كانسان أبعد من ان يكون مجرد اداة في الحياة الاجتماعية او عنصراً هامداً فيها وغير مسؤول، بل هو ويجب ان يكون مفعلّها واساسها وغايتها ( رسالة الطوباوي البابا يوحنا الثالث والعشرين: السلام على الارض،26).

        لا يحق لاصحاب السلطة السياسية اختزال المواطنين في آرائهم وتطلعاتهم ومشاركتهم المسؤولة. فان كرامة الشخص البشري تقتضي ان تتيح له السلطة السياسية العمل بحافز من قراره الذاتي الحرّ، وامكانية ممارسة حقوقه واداء واجباته وخدمة الآخرين في المجتمع من خلال المشاركة في مختلف النشاطات، بروح الاقدام وحسّ بالمسؤولية، لا تحت وطأة الاكراه او الاغراء الخارجيين. ان مجتمعاً بشرياً قائماً على منطق القوة والفرض والتسلّط ليس انسانياً بشيء، لان الناس فيه مقلّصو الحرية (السلام على الارض، 34).

 

        3.  توجب المساهمة في الحياة العامة على المواطنين، افراداً واحزاباً وهيئات وسيطة، ان يعملوا، كلٌ ضمن نطاقه، في سبيل الخير العام. فيضعوا ذواتهم ومصالحهم الخاصة في خدمة الحاجات العامة، ويجودوا بخدماتهم طبقاً للتشريعات التي يضعها اهل السلطة وفقاً لمعايير العدالة والخير العام (السلام على الارض،53).

        لا يسع المواطنين ان يختاروا من يمثلهم في السلطة السياسية ويعمل حقاً من اجل الصالح العام ومساهمة الجميع فيه، إلاّ وفقاً للمعايير التي هي في اساس قيام المجتمع، اعني الحقيقة والعدالة والمحبة والحرية.

        فالنسيج المدني لا يكون منسقاً ومثمراً ومتوافقاً مع الكرامة البشرية ما لم يتأسس على الحقيقة، بعيداً عن الكذب والاحتيال والمراوغة. والحياة الجماعية في الوطن لا تستقيم إلا بروح العدالة، بحيث يقوم اعتراف صادق بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة والمواطنين، وبين هؤلاء انفسهم. لكن العلاقة القائمة على العدالة تحتاج الى حرارة المحبة التي تجعل اصحابها يتحسسون حاجات الناس كأنها حاجاتهم، فيشركونهم في خيراتهم. والمجتمع البشري يحتاج الى أتلاف بواسطة الحرية التي تحمي كرامة المواطنين في ما يمارسون من اعمال (السلام على الارض،35).

 

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

        تواصل الجماعات الراعوية والتربوية تقبّل النص المجمعي السادس: " البطريرك والاساقفة"، في فصله الثالث: "تجدد خدمتهم"، وتحديداً معالم الرجاء في زمن التشرذم والاخطار والمصاعب والفساد المستشري على المستوى السياسي والاجتماعي والخلقي. نستعرض اليوم اربعة من هذا المعالم.

1. الثوابت التاريخية التي جابه بها رعاة الكنيسة وابناؤها التحديات المتنوعة. فاستلهموا الروح وصمدوا متكلين على كلمة الرب يسوع: " تقووا انا غلبت العالم" ( يو16/33)، " فلا تخف، ايها القطيع الصغير" ( لو12/32). الكنيسة سفينة في بحر هذا العالم تحمل الخلاص وخبز الحياة ( فقرة 53).

2. استلهام المؤسس القديس مارون وتلاميذه، فيعيش رعاة الكنيسة وشعبها مدركين ان حياتهم حج باتجاه اورشليم الجديدة، تابعين المسيح بالزهد والتجرد، ومنتصرين على الاغراءات (فقرة 54 ).

3. تمتين أواصر الوحدة والشركة، لان قوة الكنيسة في وحدة شعبها والتفاف ابنائها حول بطريركهم كأب ورئيس وقائد ومرجع، وفي البنية المجمعية التي تجمع البطريرك والاساقفة في وحدة مترابطة، فيقومون بالخدمة الرسولية بروح المسؤولية والشركة ( فقرة 55 و56).

4. اعلان كلمة الخلاص للشعب بكل فئاته، يؤديه كواجب أولي البطريرك والاساقفة، ويفعّلون هذه الخدمة لدى الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين الملتزمين. فيعمل الجميع بتناسق على صنع الحقيقة بالمحبة، وتشديد الشعب بالتعزية والفرح والرجاء. وبهذا يؤدون الشهادة للمسيح وانجيل الخلاص، مدركين ان دورهم كالخميرة في العجين والضوء في الظلمة ( متى5/14 -16) ( فقرة 57).

***

صلاة

 

        يا رب، منك كل عطية صالحة في السماء وعلى الارض. اجعلنا ندرك ان كل خيرات الارض تأتي منك، وقد رتبتها لينعم بها جميع الناس. حرّك فينا المحبة الاجتماعية والعدالة لكي نعطي الفقير والمحتاج ما هو في الاساس حقٌ له. حرّرنا من مغريات التملك وانانية الاستعمال وروح الاستهلاك، فنتقاسم مع اخوتنا ما وضعت بين ايدينا من فيض كنوزك. وأنر المسؤولين الكنسيين والمدنيين بتعليم الانجيل والكنيسة لكي يخدموا الخير العام، ويشركوا الجميع في توفيره، فيصمد شعبنا على صخرة الرجاء والوحدة والشركة. لك، ايها الآب والابن والروح القدس، كل مجد وشكر واكرام، الآن والى الابد، آمين.


 

     
 بقلم  بشاره الراعي    مطران جبيل
 
 

pure software code