زمني الدنح والتذكارات
بحسب طقس الكنيسة الانطاكية السريانية المارونية
       التنشئة المسيحية 2009 - 2010
عيد الدنح او الغطاس - الاربعاء 6  كانون الثاني 2010

 
  1. عيد الدنح والاحد الاول بعد الغطاس - يسوع ابن الله وفادي العالم
  2. الاحد الثاني بعد الدنح - الشهادة للمسيح بابعادها الشخصية والمسكونية والاخلاقية
  3. تذكار الكهنة - الكاهن وكيل اسرار الله بالامانة والحكمة
  4. تذكار الابرار والصديقين - تقديس الانسان بالمسيح
  5. تذكار الموتى المؤمنين - المحبة الاجتماعية طريقنا الى الخلاص

 

عيد الدنح او الغطاس

الاحد الاول بعد الغطاس

لوقا 3: 15-22

يوحنا 1: 29-34

يسوع ابن الله وفادي العالم

 

         نضمّ معاً عيد الغطاس او الدنح والاحد الاول الذي يليه. فنحيي ذكرى اعتماد الرب يسوع في نهر الاردن من يوحنا المعمدان، وفيه ظهوره العلني للعالم، واعتلان سرّ الثالوث الاقدس. وفي الاحد الذي يلي نحتفل باعتلان الرب يسوع، بشهادة يوحنا، فادياً يحمل     خطيئة العالم، ويزيلها بموته على الصليب وقيامته منتصراً على الخطيئة والموت.

 

اولاً، نصوص الانجيل

 

انجيل القديس لوقا 3: 15-22، معمودية يسوع

                        وفيمَا كانَ الشَّعْبُ يَنتَظِر، والـجَمِيعُ يَتَسَاءَلُونَ في قُلُوبِهِم عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ هُوَ الـمَسِيح، أَجَابَ يُوحَنَّا قَائِلاً لَهُم أَجْمَعِين: "أَنَا أُعَمِّدُكُم بِالـمَاء، ويَأْتي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، مَنْ لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. هُوَ يُعَمِّدُكُم بِالرُّوحِ القُدُسِ والنَّار. في يَدِهِ الـمِذْرَى يُنَقِّي بِهَا بَيْدَرَهُ، فيَجْمَعُ القَمْحَ في أَهْرَائِهِ، وأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأ". وبِأَقْوَالٍ أُخْرَى كَثيرَةٍ كانَ يُوحَنَّا يَعِظُ الشَّعْبَ ويُبَشِّرُهُم. لـكِنَّ هِيرُودُسَ رئِيسَ الرُّبْع، وقَد كانَ يُوحَنَّا يُوَبِّخُهُ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ أَخِيه، ومِنْ أَجْلِ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتي صَنَعَها، زَادَ على تِلْكَ الشُّرُورِ كُلِّهَا أَنَّهُ أَلقَى يُوحَنَّا في السِّجْن. ولـمَّا اعْتَمَدَ الشَّعْبُ كُلُّهُ، اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا. واذ كانَ يُصَلِّي، انفَتَحَتِ السَّمَاء، ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: "أَنْتَ هُوَ ابْنِي الـحَبِيب، بِكَ رَضِيت".

            تنبأ يوحنا المعمدان، بفعل الروح القدس الذي كان يملاءه، عن الفرق بين معموديته ومعمودية يسوع المسيح العتيدة. معمودية يوحنا " بالماء"، كرمز للتوبة الداخلية من دون ان تغسل النفس من الخطايا، ومن دون ان تملأها بالحياة الجديدة، خلافاً لمعمودية يسوع العتيدة التي ستتم " بالروح القدس والنار". ما يعني ان الروح القدس ينقي النفس ويطهّرها من خطاياها، كما تفعل النار؛ ويعطي الحياة الجديدة بحلوله على المعمّد. عن هذه المعمودية تكلّم يسوع عندما قال: " جئت ألقي على الارض ناراً، واودّ ان تكون اشتعلت" ( لو12: 49). ويوم معمودية الكنيسة في العنصرة، ظهر الروح القدس على الكنيسة الناشئة " بألسنة من نار وملأ الحاضرين" ( اعمال 2: 3-4).

                     اراد الرب  يسوع ان يعتمد من يوحنا، لا لانه خاطىء ويلتمس التوبة لغفران خطاياه، بل لكي يتضامن مع كل الخطأة، ليحمل خطاياهم، فيكفّر عنها بموته على الصليب، ويجري المصالحة مع الله، ويستحق الغفران لكل انسان يتوب. بهذه المبادرة اراد ان يخضع بالكلية لارادة ابيه الخلاصية، قابلاً معمودية موته لمغفرة خطايانا. فكان حلول الروح القدس عليه، بشكل حمامة، ليعضد بشريته في عملية الفداء، وكان صوت الآب، جواباً على قبوله لارادته: " انت هو ابني الحبيب، بك رضيت"  (لو3: 22).

         وهكذا كان " الدنح" او ظهور يسوع المسيح للعالم على انه ابن الله وفادي الانسان، وظهور الآب الذي ارسله لتحقيق تصميم الخلاص، وظهور الروح القدس قدرة الله التي مكنت يسوع الانسان من تتميم عمل الفداء بموته على الصليب.

         واتسّع هذا " الظهور" ليشمل حقائق اخرى. فالمسيح الممتلىء من الروح القدس سيصبح ينبوع عطية هذا الروح للجنس البشري باسره. و"انفتاح السماوات" عند اعتماده يعني ان يسوع فتحها للشركة الكاملة بين الله والبشر بطاعته، من بعد ان اغلقها آدم بمعصيته. و" نزول يسوع في الماء وحلول الروح القدس" يعلنان الخلق الجديد [1].

 

***


 

         2. انجيل القديس يوحنا 1: 92-34، يسوع حمل الله

         في الغَدِ رأَى يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَال: "هَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرْفَعُ خَطِيئَةَ العَالَم. هـذَا هُوَ الَّذي قُلْتُ فِيه: يَأْتِي ورَائِي رَجُلٌ قَدْ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلي. وأَنَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، لـكِنِّي جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالـمَاء ِ لِكَي يَظْهَرَ هُوَ لإِسْرَائِيل". وشَهِدَ يُوحَنَّا قَائِلاً: "رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً كَحَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاء، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَيْه. وأَنَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، لـكِنَّ الَّذي أَرْسَلَنِي أُعَمِّدُ بِالـمَاءِ هُوَ قَالَ لي: مَنْ تَرَى الرُّوحَ يَنْزِلُ ويَسْتَقِرُّ عَلَيْه، هُوَ الَّذي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ القُدُس. وأَنَا رَأَيْتُ وشَهِدْتُ أَنَّ هـذَا هُوَ ابْنُ الله".

         هي شهادة ثانية ليوحنا المعمدان يعلن فيها سرّ المسيح انه " حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم" ( يو1: 29)، بعد شهادته الاولى عن معمودية يسوع بالروح القدس والنار  (لو3: 16). ويرفقها بشهادة ثالثة ان يسوع هو "ابن الله" ( يو1: 34).

المسيح حمل الله

         بوحي من الروح القدس غداة اعتماد يسوع في نهر الاردن، حيا المعمدان يسوع بأنه " حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم" ( يو1: 29). بيسوع تكتمل المعمودية التي كان يمارسها يوحنا للتوبة، كعلامة خارجية وممارسة تقوية، لانه " سيعمّد بالروح القدس" ( يو1: 33) لمغفرة الخطايا والولادة الجديدة.

المسيح " حمل الله" هو الذي يكفّر عن خطايا الجنس البشري برمّته، بقبول صليب الفداء، وكأنه الخاطىء بامتنياز ( انظر 2 كور 5: 21). لقد حمل خطايا جميع البشر مع صليبه، ومحاها بدمه، وصالح الآب مع البشرية باسرها، وأفاض بقيامته الروح القدس الذي يحقق ثمار الفداء في التائبين، فيمنحهم الحياة الجديدة بقيامة القلوب. والكل بواسطة خدمة الكهنة التي تسلّمتها الكنيسة يوم احد قيامة الرب من بين الاموات: " ظهر على التلاميذ في مساء الاحد، ونفخ فيهم وقال: خذوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم غُفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم اُمسكت عليهم" ( يو 20: 19 و22 و23).

 

ب- بالمسيح تمت المصالحة مع الله

الانتماء الى الكنيسة يجعل المسيحيين، بحكم دعوتهم ورسالتهم، " سفراء المسيح للمصالحة" ( 2 كور 5: 20). انها مبادرة الهية حرة ومجانيّة يقوم بها الله تجاه البشر اجمعين، من اجل ترميم الشركة معهم، من بعد ان جرحتها الخطيئة وكسرتها وافسدتها. فكانت نتيجتها، على ما يقول بولس الرسول في رسالته هذا الاحد، الكبرياء الذي يحول دون معرفة الله وطاعة المسيح، والمعصية التي تنكر الطاعة لله ولوصاياه، والافكار الخاطئة  (انظر 2 كور 10: 4-6).

المصالحة هي ثمرة الفداء الذي أجراه  يسوع ابن الله بآلامه وموته على الصليب تكفيراً عن خطايا جميع الناس. وهي الغفران الجاري من صدر يسوع المطعون بالحربة، والمرموز اليه بالدم والماء، علامة الافخارستيا والمعمودية ( يو19/35)، وها يوحنا المعمدان الذي أعلن ان يسوع هو " حمل الله" الذي يرفع خطيئة العالم" ( يو1: 29)، عاد واضاف انه " ابن الله" ( يو1: 34). هكذا تكتمل بشريته بالوهيته. " فلو لم يأخذ المسيح الاله الطبيعة البشرية، لَما تمّ الخلاص لنا. فلا فائدة لنا من القول انه انسان بدون الالوهية، كما انه لا خلاص لنا، اذا فصلنا الطبيعة البشرية عن الالوهية" ( القديس كيرللس الاورشليمي، العظة 12، 1).

هذه المصالحة الالهية هي عمل الله الثالوث: فالآب ابو المراحم ارادها لانه امين لعهده الخلاصي ولذاته، والابن، المرسل من الآب، استحق بموته غفران الخطايا، والروح القدس، الذي أفاضه الآب، حققها في التائبين الآن وهنا. وقد سلّم الله كنيسته خدمة الكهنوت لتمنح الحلّ والغفران للتأئبين.

ان " ظهور" الله الثالوث عند معمودية يسوع من يوحنا في نهر الاردن، جعل المعمدان يشهد ان يسوع " هو الذي سيعمّد بالروح القدس" ( يو 1: 33)، ما يعني انه يجري، بقوة الروح القدس، ولادة الانسان الجديدة، بالموت عن الخطيئة والقيامة لحياة النعمة. هذا ما اكدّه بولس الرسول: " من كان في المسيح، فهو خليقة جديدة: لقد زال القديم، وصار كل شيء جديداً. والكل من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح، وأعطانا خدمة المصالحة" ( 2كور 5: 17-18).

من يختبر المصالحة يصبح أداتها وسفيرها. اختبرها الرسل اولاً يوم قيامة الرب يسوع، اذ اعطاهم " سلام" الخلاص ونفخ فيها الروح القدس، روح القيامة، مبدأ الحياة الجديدة (يو20/19 -21). ثم منحهم خدمة المصالحة ليوزّعوها كسفراء له ( 2 كور 5: 20). ومن ينالها من الله ملزم بمنحها للمسيء اليه شخصياً، كما علّمنا الرب يسوع في الصلاة الربيّة: " اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، كما نحن نغفر لمن خطىء الينا" ( متنى6: 12).

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

نبدأ اليوم بتقبّل النص المجمعي الثاني والعشرين: الكنيسة المارونية والاعلام. يتألف النص من مقدمة واربعة فصول. يتناول الفصل الاول تعليم الكنيسة بشأن وسائل الاعلام، والثاني تاريخ الاعلام في الكنيسة المارونية، والثالث واقع الاعلام الديني والزمني، والرابع الرؤية المستقبلية.

 

1.     تحدد المقدمة التمهيدية وسائل الاعلام وانواعها واهميتها. الانواع الاربعة:

أ‌-       الاعلام المكتوب: الصحافة وتشمل الجرائد والمجلات والدوريات.

ب- الاعلام المسموع: الاذاعات والموسيقى.

ج- الاعلام المرئي: التلفزيونات والسينما والمسرح والوسائل البصرية السمعية.

د- الاعلام الكتروني: الانترنت والمواقع الالكترونية.

اما اهميتها فكبيرة: انها تنشر الثقافة المسيحية، وتؤثر في انماط التفكير والانفعالات     والمسلك، على كل من المستوى الشخصي والاجتماعي والسياسي والروحي والاخلاقي. انها اداة المعرفة والترفيه. بفضلها صار الكوكب الارضي قرية عالمية وفضاء مفتوحاً وتواصلاً بين الامم والشعوب. ولها الدور الاساس في تكوين الرأي العام، الوطني والعالمي، وفي دفعه باتجاهات مصيرية. كما انها تمارس دوراً اعلامياً ورقابياً على السلطات العامة في معظم الدول (التمهيد والمقدمة). انها عطية من الله والاريوباغوس الاول في الازمنة الحديثة (الفقرتان 4 و5).

 

2. ادركت الكنيسة هذا الدور المتعدد الوجوه، فأسس الكرسي الرسولي المجلس  الحبري لوسائل الاعلام الاجتماعي، وخصص المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني سنة 1963 وثيقة عنوانها " وسائل الاعلام الاجتماعي". ودعا الى تكريس يوم عالمي سنوي للاعلام، تحدد في الاحد السابق لعيد العنصرة، ومنذ سنة 1967 درج البابوات على اصدار رسالة حبرية للمناسبة (الفقرتان 2 و3).

3. للكنيسة تعليم واسع بشأن الاعلام، صدر بعد وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني. فنذكر على التوالي: اتحاد وتقدم (1971)، الاباحية والعنف في وسائل الاعلام (6 ايار 1989)، قواعد التعاون المسكوني والتعاون بين الاديان على الصعيد الاعلامي ( 4 تشرين الاول 1989)، عهد جديد (22 شباط 1992)، اخلاقيات الاعلان (22 شباط 1997)، اخلاقيات الاعلام الاجتماعي (2 حزيران 2000)، اخلاقيات الانترنت ( 22 شباط 2002)، الكنيسة  والانترنت ( 22 شباط 2002).

اعتبرت الكنيسة ان المسيحي لا يستطيع ان " يحسب نفسه وفياً لوصية المسيح، إن هو أهمل الاستعانة بهذه الوسائل لايصال العقيدة والتعاليم الانجيلية الى أكبر عدد ممكن من الناس" ( اتحاد وتقدم، 126).

في الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان"، أوصى البابا يوحنا بولس الثاني بتنشيط برامج البثّ الديني والبرامج الاعلامية التربوية، وبتهذيب الحسّ النقدي لدى الراشدين والشبان في استعمال وسائل الاعلام، وبضرورة تنشئة اشخاص من ذوي الكفاءة لادراك الرهانات التي تنطوي عليها وسائل الاعلام ( عدد111) (الفقرات 4-6). 

***

صلاة

ايها الرب يسوع، بدنحك أعلنت بنوتك الالهية والوهيتك، واعتلن لنا سرّ الثالوث الاقدس، وبشهادة يوحنا المعمدان انكشفت لنا معموديتنا بالروح القدس والنار. نشكرك لانك اشركتنا في البنوة لله الآب وفي الحياة الالهية. ساعدنا لنعيش مقتضيات هذه البنوّة  والحياة الجديدة. انت، يا رب، حمل الله الذي كفرّ عن خطايانا، اعطنا نعمة التوبة عنها، والسعي الدائم الى التماس المصالحة والغفران، واجعلنا شهوداً للمغفرة والمصالحة بممارستهما مع جميع الناس. بارك العاملين في شتىّ وسائل الاعلام، لكي يجعلوها اداة تقارب وتضامن، ومنبراً لاعلان سرّ الكلمة التي تنير كل انسان وتقود الى الحقيقة التي تجمع وتحرر. فنرفع المجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


[1] . التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 536.

 


 

الاحد الثاني بعد الدنح

2 كورنتس 4: 5-15

يوحنا 1: 35-43

الشهادة للمسيح بابعادها الشخصية والمسكونية والاخلاقية

 

         في هذا الاحد من زمن الدنح، تذكر الكنيسة كيف ان يسوع، في غداة معموديته من يوحنا واعتلان سرّ بنوته الالهية، بدأ يجتذب اليه الذي كان مزمعاً ان يختارهم رسلاً وكهنة للعهد الجديد. هؤلاء اجتذبهم بشهادة يوحنا المعمدان. يتزامن هذا الاحد مع عيد القديس انطونيوس الكبير ابي الرهبان الذي اجتذب بمثل حياته الالوف من الرهبان الذين تكرّسوا لاتباع يسوع باعتناق المشورات الانجيلية، والشهادة لمحبته.

 

اولاً، انجيل الاحد: يوحنا 1: 35-43

 

         في الغَدِ أَيْضًا كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا هُوَ واثْنَانِ مِنْ تَلاميذِهِ. ورَأَى يَسُوعَ مَارًّا فَحَدَّقَ إِليهِ وقَال: "هَا هُوَ حَمَلُ الله". وسَمِعَ التِّلْمِيذَانِ كَلامَهُ، فَتَبِعَا يَسُوع. والتَفَتَ يَسُوع، فرَآهُمَا يَتْبَعَانِهِ، فَقَالَ لَهُمَا: "مَاذَا تَطْلُبَان؟" قَالا لَهُ: "رَابِّي، أَي  يَا مُعَلِّم، أَيْنَ تُقِيم؟". قالَ لَهُمَا: " تَعَالَيَا وانْظُرَا". فَذَهَبَا ونَظَرَا أَيْنَ يُقِيم. وأَقَامَا عِنْدَهُ ذـلِكَ اليَوم، وكَانَتِ السَّاعَةُ نَحْوَ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الظُّهر. وكَانَ أَنْدرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ أَحَدَ التِّلمِيذَيْن، اللَّذَيْنِ سَمِعَا كَلامَ يُوحَنَّا وتَبِعَا يَسُوع. ولَقِيَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَان، فَقَالَ لَهُ: "وَجَدْنَا مَشيحَا، أَيِ الـمَسِيح". وجَاءَ بِهِ إِلى يَسُوع، فَحَدَّقَ يَسُوعُ إِليهِ وقَال: "أَنْتَ هُوَ سِمْعَانُ بْنُ يُونا، أَنتَ سَتُدعى كيفا، أَي بُطرُسَ الصَّخْرَة". وفي الغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلى الـجَليل، فلَقِيَ فِيلِبُّس، فَقَالَ لَهُ: "إِتْبَعْني".

 

         1. الدعوة لاتباع المسيح

         يوحنا المعمدان، في غداة معمودية يسوع واعتلان سرّه الالهي، يشهد من جديد امام تلميذين من تلاميذه، وبينهما اندراوس اخو سمعان – بطرس، معرّفاً بيسوع انه "حمل الله". فانجذبا الى يسوع بفضل هذه الشهادة. وبعد ان عرفا سرّه، شهد اندراوس عنه لاخيه سمعان بما اوحاه اليه الروح القدس، اذ رأى فيه المسيح المنتظر: " لقد وجدنا المسيح". وهذه الشهادة ايضاً اجتذبت سمعان الى يسوع، فنظر اليه الرب نظرة معرفة وحب واختيار خرقت اعماق قلبه، وقال له: " انت سمعان بن يونا، انت ستُدعى كيفا اي صخرة".

         الدعوة الى اتباعه، أكان في الحياة المسيحية العامة، ام في الكهنوت، ام في الحياة المكرسة، هي دعوة شخصية، تقتضي جواباً شخصياً والتزاماً شخصياً بالرسالة المسيحية او الكهنوتية او الرهبانية. ولئن كانت الخدمة في الكنيسة تقام في الشركة الجماعية، فان كل واحد مدعو شخصياً ليكون شاهداً للمسيح، في اطار الرسالة المشتركة، وليحمل مسؤولية شخصية امام الذين اعطاه الرسالة، عاملاً باسمه[1].

         لكن اطار الدعوة مرتبط برسالة الفداء التي يقوم بها يسوع " حمل الله"[2]. ان حياة المسيح كلها تعبير عن هذه الرسالة التي حددها " بأنه اتى ليخدم، وليبذل نفسه فدىً عن الكثيرين" ( مر10: 45). اما الرسالة فتنطلق من قلب محب مملؤ من محبة الآب  للبشر. وهو حب " أحب به يسوع خاصته حتى النهاية" ( يو 13: 1)، وحبٌ لا أعظم منه لانه "يحمل الانسان الى ان يبذل نفسه فدىً عن احبائه" ( يو15: 13). في هذا الضوء، يدرك المدعو ان الرسالة الموكولة اليه قائمة على التفاني في البذل والعطاء.

 

         2. القديس انطونيوس الكبير: نموذج ال على الدعوةجواب

         انه النموذج بامتياز للجواب على الدعوة الالهية لاتباع يسوع في طريق كمال المحبة. سمع النداء الالهي في كلمة الانجيل، واعتبره موجّهاً اليه شخصياً: " ان شئت ان تكون كاملاً، اذهب وبع كل ما تملك، واعطه للفقراء، وتعال اتبعني" ( متى19: 21).ففعل، وترك كل شيء بحريّة واعية وارادة تامة وانطلق الى الصحراء متوخياً عيش المحبة الكاملة. المسيح يدعو بصوت داخلي من خلال كلام الانجيل وتعليم الكنيسة.

         عضده الله وجعله " كوكب البريّة" وقدوة للرهبان وأباً ومعلماً ومرشداً. فسار على خطاه حتى يومنا الالوف من الذين مشوا على خطى المسيح بالفقر والعفة والطاعة. وتمم الله وعده لانطونيوس، بشهادة القديس اثناسيوس الاسكندري (+373): " اقول لك يا انطونيوس ان ذكرك لا يُمحى من البريّة الى الابد. بل يتجدد يوماً بعد يوم".

         افتقر انطونيوس من كل شيء واغتنى بالله، فأغنى الكنيسة والعالم بقيم الروح. حرر قلبه بالعفة ليضطرم بالمحبة نحو الله والناس اجمعين، ويندفع بكل قواه للخدمة الالهية واعمال الرسالة. كرّس كامل ارادته لله بالطاعة مقدماً له ذاته ذبيحة، وموجّهاً كل ذاته لخدمة الجميع بالبذل والتفاني، على مثال الرب يسوع.

         في عالم السعي الى المادّية والاستهلاكية والراحة الذاتية، يوجّه لنا القديس انطونيوس هذا النداء: " لنُخمد فينا كل شوق الى امتلاك حطام الدنيا في هذا العالم. لانه اية منفعة من الحصول على اشياء سنتركها ساعة الموت؟ بل يجب علينا ان نحصّل ما يبقى لنا بعد الموت: الفطنة والعدالة والقناعة والمحبة وحب الفقراء، ومعرفة الحقائق المقدسة والايمان بالمسيح ووداعة القلب والضيافة. متى امتلكنا هذه الفضائل نستحق مقرّ الطوباويين" ( من كتابات القديس اثناسيوس الاسكندري).

 

***

 

ثانياً، اسبوع الصلاة من اجل حدة المسيحيين

 

         في الاسبوع المقبل تصلي الكنائس في العالم كله من اجل وحدة المسيحيين، ابتداءً من     18 كانون الثاني عيد قيام كرسي بطرس في روما، حتى 25 منه عيد ارتداد بولس الرسول، بموضوع: " عن ذلك، انتم تكونون شهوداً" ( لوقا 24: 48).

         تعاون على اختيار الموضوع وتنسيقه كاٌ من المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين و" لجنة الايمان والدستور" في المجلس المسكوني للكنائس. يُطرح الموضوع من خلال الفصل 24 من انجيل القديس لوقا، وفيه رواية قيامة الرب يسوع وظهوراته وصعوده الى السماء.

         بدأت الكنائس صلاتها من اجل والوحدة في الاسبوع المذكور اعلاه منذ سنة 1908. لكن التعاون بين المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين ولجنة الايمان والدستور في تحديد الموضوع لكل سنة، بدأ في العام 1968. وهذه هي السنة الحادية والاربعون. ان المواضيع المطروحة طيلة هذه السنوات تشكل ثروة روحية ولاهوتية عن الوحدة.

         تتميّز الحركة المسكونية بطابع مثلث: الروحي وهو القائم على الصلاة من اجل وحدة المسيحيين، صلاة تواصل صلاة الرب يسوع: " يا ابتِ، ليكونوا واحداً، كما نحن واحد، ليؤمن العالم انك انت ارسلتني، وانك احببتهم كما احببتني" ( يوحنا 17/22-23)؛ واللاهوتي الذي حرّك الكثير من الطاقات وتوصّل الى وضع  اتفاقات عقائدية بين الكنيسة الكاثوليكية وبعض الكنائس الاخرى، والاجتماعي، ويقوم على التعاون العملي بين الكنائس، وأدّى الى مبادرات اجتماعية وانمائية خصبة.

         اننا مدعوون جميعاً للدخول في خط الحركة المسكونية بابعادها الثلاثة على كل من المستوى الروحي واللاهوتي والاجتماعي.

 

***

 


 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي

 

 

         تتناول الخطة الراعوية النص المجمعي 22: الكنيسة المارونية والاعلام. فتشير الى   الفصل الثاني وهو بعنوان: ماضي الموارنة في الاعلام الديني والزمني (الفقرات 8-11).

 

         1. يعطي هذا الفصل لمحة تاريخية عن الدور الكبير الذي أدّاه الموارنة في الاعلام، بدءاً من عالم الصحافة سنة 1858. ويعدّد ما انشأوا في لبنان والبلدان العربية وقارات الانتشار، من جرائد ودوريات ومجلات باللغات العربية والفرنسية والانكليزية والاسبانية، ويذكّر النص باسهام الصحافة العربية في نشر روح الاستقلال ومناهضة الاحتلال العثماني، حتى دفع ضريبة الدم في سبيل تحرير لبنان والبلوغ الى انشاء دولة لبنان الكبير سنة 1920، وقد دفعها الشهداء سعيد عقل وفيليب وفريد الخازن (الفقرة8).

 

         2. ويكشف النص دور الاعلاميين بعد استقلال لبنان سنة 1943 وقبيل حرب 1975. قتميزت هذه الحقبة بصون الحريات العامة، وتعزيز الوئام بين عائلات لبنان الروحية، واستقلالية الكلمة وقدرتها على ممارسة دور رقابي فاعل على اداء السلطات العامة، ما أوجد فترة ذهبية من الحريات والقيم، جعلت من لبنان رئة العالم العربي، ونموذجاً للمساواة بين المواطنين في الكرامة والحقوق (الفقرة 9).

 

         3. ويبيّن النص الحقبة الاخيرة من هذه اللمحة التاريخية، وقد بدأت بعد اندلاع الحرب في لبنان عام 1975. فكان ما يسمى بالانفجار الاعلامي، اذ نشأت عدّة محطات تلفزيونية خاصة وعشرات المحطات الاذاعية. كانت حصيلة هذا الانفجار 52 محطة تلفزة و100 اذاعة، منها المرخص ومنها غير المرخص. واصبح معظمها رهن النفوذين المالي والسياسي، وبخاصة بسبب الازمة الاقتصادية الخانقة، وتراجع الواردات الاعلانية (الفقرة 10).

         4. ولا بدّ من الاشارة الى الوسائل الاعلامية الدينية التابعة للكنيسة وبخاصة اذاعة صوت المحبة، ومحطة تلفزيون تيلي لوميار ونور سات، التي تعيش الحياة الروحية المسيحية، وتنقل الثقافة المسيحية الى بلدان الانتشار (الفقرة 11). 

***

         صلاة

 

          نشكرك ايها المسيح على كل الذين واللواتي يشهدون لك في حياتهم، سائرين على خطاك، ومجتذبين الناس اليك بمثل حياتهم. قدّس بنعمتك الرهبان والراهبات الذين نهجوا، مثل القديس انطونيوس طريق المشورات الانجيلية، شاهدين لقيم الملكوت. نشكرك على كل الذين يعملون من اجل الوحدة في كنيستك الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، بالصلاة والحوار اللاهوتي والمبادرات الاجتماعية والانمائية. ألهم، بانوار روحك القدوس، الاعلاميين والاعلاميات، لكي يجعلوا من وسائل الاعلام، وهي من أثمن عطاياك، اداة وحدة وتقارب على اساس الحقيقة والمحبة. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


[1] . التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 878.

[2] .المرجع نفسه608-609

 


 

تذكار الكهنة

1 طيموتاوس 4: 6-16

لوقا 12: 42-48

الكاهن وكيل اسرار الله بالامانة والحكمة

 

تبدأ مع هذا الاحد اسابيع التذكارات الثلاثة: نذكر على التوالي الكهنة والابرار والصديقين والموتى المؤمنين. انها اسابيع صلاة وقرابين روحية اي قداسات واعمال خير ورحمة من اجلهم، واكراماً لهم، وتشفعاً بهم ولهم. في هذا الاسبوع نصلي من اجل الكهنة المتوفين، ومن اجل الاحياء من اساقفة وكهنة، ليكونوا خداماً صالحين ليسوع المسيح لدى الجماعة المؤمنة، ووكلاء امناء على اسرار الله. ونصلي ايضاً من اجل الدعوات الكهنوتية لثباتها ونموها.

 

اولاً، القراءات المقدسة

 

انجيل القديس لوقا 12: 42-48

     فَقَالَ الرَّبّ: "مَنْ تُرَاهُ الوَكِيلُ الأَمِينُ الـحَكِيمُ الَّذي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُم حِصَّتَهُم مِنَ الطَّعَامِ في حِينِهَا؟ طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذي، مَتَى جَاءَ سَيِّدُهُ، يَجِدُهُ فَاعِلاً هـكذَا! حَقًّا أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَنَياتِهِ. أَمَّا إِذَا قَالَ ذـلِكَ العَبْدُ في قَلْبِهِ: سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي في مَجِيئِهِ، وَبَدأَ يَضْرِبُ الغِلْمَانَ وَالـجَوَارِي، يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَر، يَجِيءُ سَيِّدُ ذـلِكَ العَبْدِ في يَوْمٍ لا يَنْتَظِرُهُ، وَفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُها، فَيَفْصِلُهُ، وَيَجْعلُ نَصِيبَهُ مَعَ الكَافِرين. فذـلِكَ العَبْدُ الَّذي عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَمَا أَعَدَّ شَيْئًا، وَلا عَمِلَ بِمَشيئَةِ سَيِّدِهِ، يُضْرَبُ ضَرْبًا كَثِيرًا. اما العَبْدُ الَّذي مَا عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَعَمِلَ مَا يَسْتَوجِبُ الضَّرْب، فَيُضْرَبُ ضَرْبًا قَلِيلاً. وَمَنْ أُعْطِيَ كَثيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ الكَثِير، وَمَنِ ائْتُمِنَ عَلَى الكَثِيرِ يُطالَبُ بِأَكْثَر.

 

     يكشف لنا كلام الرب يسوع وجه الكاهن ورسالته. انه وكيل اسرار الله بالامانة والحكمة، وخادم مائدتي الكلمة وجسد المسيح ودمه.

    

الكاهن وكيل اسرار الله (1كور4: 1)

     الكاهن " وكيل" اختاره الرب يسوع الكاهن الازلي، وأقامه لتختص خدمته " في ما هو لله"، فيقدم للناس عطايا الله التي حملها اليهم يسوع المسيح الوسيط الوحيد للخلاص: " لا أحد يصل الى الآب الاّ بي" (يو14/6)، و " لا يوجد تحت السماء اسم آخر يمكن به الخلاص" ، الاّ يسوع المسيح" (اعلان بطرس الرسول في اعمال الرسل 4/12). انه يوزّع على الناس روحاً وحياة، بواسطة خدمة الكاهن المثلثة: التعليم والتقديس والتدبير.

     اعلن الرب يسوع كلام الله للناس كاشفاً الحقيقة الكاملة والنهائية عن الله والانسان والتاريخ. وسلّم الكاهن هذه الخدمة النبوية: " انطلقوا الى العالم كله، ونادوا بانجيلي في الخليقة كلها. فمن يؤمن ويعتمد يخلص، ومن لا يؤمن يدان" ( مرقس16/15-16). والكاهن يعلن سرّ يسوع المسيح الكلمة الالهي المتجسد لاجل خلاصنا، وينقل تعليمه كما تفسّره الكنيسة بسلطتها التعليمية، الناطقة باسمه: " من سمع منكم سمع مني" ( لو10/16)، ويصوّب كل انحراف للحقيقة والعقيدة او تحريف لها، ويندد بكل تصرف او موقف او تشريع او عمل يتنافى وهذا التعليم.

 

     قدّم الرب يسوع ذاته ذبيحة فداء للآب فكانت به المصالحة بين الله والجنس البشري، ودخلت النعمة الى العالم، وكان الانتصار على الشيطان والخطيئة، وعلى الشر والموت. واسس سرّ القربان ليكون، من خلال الخبز والخمر، ذبيحة خلاص دائمة، وليعطي المؤمنين ذاته الالهية وكل كنوز السماء الروحية، خبزاً سماوياً يقيت الارواح. وسلّم الكاهن الخدمة الاسرارية ليوزّع النعم الالهية بواسطة الاسرار التي هي ينابيع الخلاص الجارية من الحمل المذبوح.

 

     وجمع الرب يسوع بشخصه الكنيسة يوم العنصرة بواسطة حلول روحه القدوس، وارسلها الى العالم نواة لملكوت الله. فانها العلامة والاداة للاتحاد العميق بالله، ولوحدة الجنس البشري. فيها يتم سرّ اتحاد كل انسان شخصياً بالثالوث الالهي وبسائر الناس عبر كلمة الانجيل ونعمة الاسرار. وسلّم الرب مهمة هذا التدبير الالهي الى الكاهن بخدمة المحبة الراعوية.

 

الامانة والحكمة ميزتا الكاهن

يُطلب من الكاهن ان يتميّز بالامانة للمسيح سيده ومثاله، وللذين اوكلوا الى عنايته، ولخدمته المثلثة: خدمة الكلمة والنعمة والمحبة. الامانة هي تجديد القرار الاول كل يوم. فلا يسأم بداعي رتابة الزمن، ولا يتراجع امام محن الصليب، ولا يستغيب الله بسبب صمته. "طوبى لذلك الخادم الذي يأتي سيده فيجده فاعلاً هكذا". ان الامين على القليل يقام على الكثير: " انه يقيمه على كل ما له". وتقتضي منه الامانة بالاّ يفرّط بشيء، لانه لا يملك ما هو مؤتمن عليه.

     ويُطلب منه ان يتميّز بالحكمة التي هي اولى مواهب الروح القدس وفضيلة اساسية عند الكاهن. بها يقف من جهة المسيح-الكاهن، فادي الانسان، الذي أحب حتى بذل الذات، لينظر من منظار المسيح وبنظرته، فتعبر محبة المسيح للخراف من خلال قلب الكاهن وفكره وارادته وقوته. لولا فضيلة الحكمة، لاعتبر الوكيل ان سيده سيتأخر في المجيء، فيبدأ يضرب عبيده، ويأكل ويشرب ويسكر. تذكّره الحكمة بوصية بطرس الرسول: " اسهروا على نفوسكم وعلى القطيع الذي اقامكم عليه الروح القدس رعاة، لترعوا كنيسة المسيح التي اقتناها بدمه"  (اعمال20/18).

     الروح القدس، الذي حلّ على الكاهن ومسحه وكرّسه، جاعلاً منه اداة حية بيد المسيح الكاهن الازلي، ليعمل باسم المسيح وبشخصه، ويواصل العمل الكهنوتي العجيب لفداء البشرية وتقديسها بقدرة الروح السامية. انه يقوم مقام المسيح، ويُعطى نعمة خاصة، تخوّله، من جهة، السعي الى كمال من يمثل، من خلال خدمته الامينة والحكيمة، وتمكّنه، من جهة ثانية، من ان يجد الشفاء بفضلها لضعفه البشري، بقداسة من صار لاجلنا الكاهن الاسمى والقدوس والبريء، الذي لا عيب فيه، المنزّه عن الخطأ[1].

 

     3. الكاهن خادم مائدتي كلمة المسيح وجسده ودمه

     المسيح هو الذي يغذي الكنيسة وابناءها على مائدة كلمته ومائدة جسده. والمؤمنون مدعوون "لتناول" الكلمة اولاً بالايمان والرجاء والمحبة لكي يغتذوا حقاً من جسد الرب. فكلام الله، بما له من قوة وقدرة، يشكل عوناً للمؤمنين والكنيسة، وثباتاً في الايمان، ونبعاً لا ينضب للحياة الروحية، وغذاءً للنفوس بخبز جسد الرب القرباني ودمه الذي يصيّرنا ما نقبل، كما يقول القديس كيرللس الاورشليمي؛ ويجعلنا اعضاء حية في جسد المسيح، ويحفظنا في الاتحاد به وفي الوحدة مع بعضنا البعض، على ما يقول القديس اغناطيوس الانطاكي؛ ويجدد، بقوة الروح القدس، الكنيسة بحيث تصبح شبيهة اكثر فأكثر بسيدها[2]. الكاهن هو خادم هاتين المائدتين: كلمة الرب وجسده.

 

***

 

ثانياً، الصلاة من اجل وحدة المسيحيين

 

     نواكب في هذا الاسبوع الكنائس في الصلاة من اجل وحدة المسيحيين، متأملين في الموضوع الذي اختير لهذه السنة: " عن هذه الامور، انتم شهوداً" ( لو24: 48). انها الشهادة للمسيح القائم من الموت، نؤديها بوحدتنا وتضامننا ومصالحتنا، فيؤمن العالم بالمسيح اساس وحدتنا، والشاهد لمحبة الله لنا، وحامل الكلمة التي توحّدنا حول الحقيقة المطلقة.

     ان مسيرتنا نحو الوحدة متأصلة في ايماننا المشترك بقيامة يسوع المسيح. انه يغني حياتنا الطبيعية، وهي هبة من الله الآب، بالحياة الجديدة التي يقدمها لنا بانتصاره على الموت. نشهد في هذا الاسبوع ودائماً لقيمة كل حياة بشرية ونصلي من اجل نموها وكمالها بالحياة الجديدة، ونقوم بمبادرات انسانية وثقافية وانمائية، تمكن حياة الذين نعيش معهم من ان تنمو بكل ابعادها المادية والروحية والخلقية.

     تقتضي شهادتنا للمسيح ولايماننا بالله ان نتقاسم الخبرات الشخصية ونسمع بعضنا بعضاً باحترام وانتباه، بحيث نلتقي الله في الشخص الذي نعيش معه هذا التبادل. ان تقاسم بعضنا بعضاً ما اعطانا الله من ايمان ومعرفة وخبرة، هو واجب ووسيلة لكي يعرف الناس كلمة الله ومقاصده في التاريخ، كما كان الله نفسه يطلب من الانبياء، وكما فعل تلاميذ المسيح في الكنيسة الناشئة (انظر ارميا: 1/4-8؛ اعمال 14/ 21-23).

     نشهد للمسيح، شهادة تؤدي الى وحدة المؤمنين به، عندما نقدّر الارث الروحي الذي تركه ابناء الكنائس ونقلوه الى الاجيال المتعاقبة، وشكلوا منه حضارة مسيحية طبعت مجتمعاتها بقيم ثقافية واجتماعية.

     ان  المسيحيين، من كل الكنائس، مدعوون بمناسبة اسبوع الصلاة من اجل وحدتهم، ليعودوا الى كلام الله في الكتب المقدسة، من اجل ان يقتربوا من بعضهم البعض، ويتصالحوا، وينظروا الى الحقيقة المطلقة التي كشفها المسيح للعالم، حقيقة الله والانسان والتاريخ. اذا تدارسوا معاً الكتاب المقدس، نموا سوية في الايمان. في هذا الاسبوع المخصص للتأمل والصلاة من اجل وحدة المسيحيين، نصلي نحن ايضاً لكي يسيروا بخطوات جديدة نحو هذه الوحدة من خلال سماعهم المشترك لكلمة الله، وجهدهم لفهمها وعيشها معاً.

 

***

 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

              تتناول الخطة الراعوية من النص المجمعي 22: الكنيسة المارونية والاعلام، القسم الاول من الفصل الثالث: الواقع الحالي للاعلام الزمني في لبنان، في مختلف وسائله.

 

واقع الاعلام المكتوب ( الفقرة 13).

     ينوّه النص بدور الصحافة اللبنانية في الدفاع بأغلى الاثمان، بما فيه ضريبة الدم، عن حريتها المميّزة في العالم العربي. لكنه يشير ايضاً الى معاناتها المتنوعة: التبعية السياسية المفرطة، النقص في القدرة على الاحتفاظ بالمسافة الموضوعية والنقدية اللازمة، الضغوط المالية عليها بسبب الضائقة الاقتصادية، التي تفقدها قسطاً كبيراً من حريتها وموضوعيتها، طغيان الاعلام المرئي، منافسة الكم الكبير من الدوريات السطحية التي تعتمد الاثارة وتتوخى اهدافاً تجارية لا غير.

 

     2. واقع الاعلام المرئي والمسموع ( الفقرات 14-16).

     يشير النص الى ان هذا القطاع بحتاج الى مزيد من تنظيم بحيث يتلاءم " قانون تنظيم الاعلام المرئي والمسموع مع " الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية" الذي صادق عليه لبنان سنة 1972. ومعلوم ان " القانون " اللبناني يرقى الى العام 1994، وقد انتقدته لجنة حقوق الانسان المولجة بمراقبة احترام هذا الميثاق من قبل الدول الموقعّة. ان ما نتج عن فانون 1994 هو توزيع تراخيص لمحطات تلفزيونية واذاعية على اساس من المحاصصة المذهبية والزعامية.

     أما ما يعني الكنيسة فهو ان تحافظ هذه المحطات على مقتضيات البث الاخلاقية، ومعالجة قضايا انسانية مصيرية بالانسجام مع المبادىء المسيحية والقيم المدنية المعاصرة المتعلقة بحقوق الانسان والعائلة والمرأة والولد والاعاقة وتعزيز التربية والتعليم والعدالة الاجتماعية وتنمية الشعوب والتضامن بين الشعوب والدول وصيانة البيئة وبناء السلام على قواعد الحقيقة والعدالة والحرية والمحبة.

     وشكّل نشوء الفضائيات  تطوراً بالغ الاهمية، ما جعل الفضاء الاعلامي منفتحاً امام الافراد والجماعات في لبنان، وصار النتاج الاعلامي اللبناني في متناول العالم باسره. فبات من واجب الكنيسة الافادة من هذه الوسيلة الجبّارة لنشر الثقافة الروحية والدينية والاخلاقية. وعليها ان تساعد المربين والوالدين لتوعية الاجيال الطالعة على استخدام الفضائيات بحكمة وفطنة وتمييز.

 

     3. واقع الاعلام الالكتروني (الفقرتان 17 و18)

     تشكّل الشبكة الالمترونية مصدراً كبيراً لفوائد عظيمة، ووسيلة فضلى لتبادل الخبرات بسرعة، ولايصال أحدث المكتشفات العلمية الى قلب كل بيت. لكن بعضاً منها يحتوي على مواقع تحضّ على الكراهية وتحقير المجموعات الدينية والامنية، ومنها ما يمسّ الكنيسة نفسها. فلا بدّ من ضبط حرية التعبير من خلالها ضمن حدود الاخلاقية.

 

 

     4. واقع قطاع الاعلان (الفقرتان 19 و20)

     يشكّل قطاع الاعلان مرفقاً حيوياً في لبنان، وأحد المواقع الاكثر انتاجاً في قطاع الخدمات. ان استعماله الغالب عندنا سلبي في الشكل والمضمون اذ فيه ما يمسّ الذوق والقيم الاخلاقية.

     من الضروري ان تتآزر جميع قطاعات المجتمع، العامة والخاصة، الدينية منها والزمنية، لتوجيه هذا القطاع لتقديم ما هو موضوعي للمستهلك ولتحقيق مستوى من المعيشة اكثر انسانية للجميع، ولتعزيز الاعلانات الزاخرة بالقيم الاخلاقية والوطنية وروح التضامن والترابط. 

*** 

              صلاة

 

              ايها الكاهن الازلي، ربنا يسوع المسيح، قدّس الكهنة بنعمة روحك القدوس، لكي يؤدّوا بالامانة والحكمة خدمتهم المثلثة: التعليم والتقديس والتدبير. أعطهم ان يدركوا جسامة مسؤوليتهم، فقد جعلتهم وكلاء اسرار الله، ليوزعوها خبزاً سماوياً، خبز الكلمة الالهية، وخبز جسدك ودمك، قوت الارواح وعربون الحياة الآتية. اننا نواصل الصلاة، التي هي صلاتك، ايها المسيح، من اجل وحدة المسيحيين، فيكتمل جسدك السرّي ويشفي من جراح الانقسامات. ألهم بانوار روحك القدوس العاملين في وسائل الاعلام والاعلان، لكي يجعلوها في خدمة الحقيقة، وتكوين عالم سليم، وفي تعزيز كرامة الشخص البشري. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


[1] . راجع رسالة البابا يوحنا بولس الثاني: اعطيكم رعاة، 19-20.

[2] . رجاء جديد للبنان، 39 و42.

 


 

تذكار الابرار والصديقين

عبرانيين 12: 18-24

متى 25: 31-46

تقديس الانسان بالمسيح

 

         تذكر الكنيسة في هذا الاحد وطيلة الاسبوع " الابرار والصديقين" الذين يؤلفون الكنيسة الممجدة في السماء، ويتلألؤون كالشمس حول عرش الحمل (متى13: 43). وهم مريم الكلية القداسة والدة الاله والقديس يوسف البتول، والانبياءوالرسل والشهداء والمعترفون. جموع لا تُحصى من الذين عاشوا ببطولة ايمانهم ورجاءهم ومحبتهم وسائر الفضائل الانسانية والخلقية. وقد اجتذبتهم محبة الآب، وافتدتهم نعمة الابن، وقدّسهم حلول الروح القدس. فأتموّا في ذواتهم الانسان الجديد بمقدار ملء قامة المسيح ( افسس 4: 13).

         اننا ننظر اليهم، كالى مرآة، ونتأمل في سيرتهم، لنقتدي بهم، في ضوء تعليم الانجيل والكنيسة.

 

اولاً، القراءات المقدسة: الطريق الى البرارة والقداسة

         1. انجيل القديس متى 25: 31-46

ومَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ في مَجْدِهِ، وجَمِيعُ الـمَلائِكَةِ مَعَهُ، يَجْلِسُ على عَرْشِ مَجْدِهِ. وتُجْمَعُ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأُمَم، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُم مِنْ بَعْض، كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الـخِرَافَ مِنَ الـجِدَاء. ويُقِيمُ الـخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالـجِدَاءَ عَنْ شِمَالِهِ. حِينَئِذٍ يَقُولُ الـمَلِكُ لِلَّذينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوا، يَا مُبَارَكي أَبي، رِثُوا الـمَلَكُوتَ الـمُعَدَّ لَكُم مُنْذُ إِنْشَاءِ العَالَم؛ لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، وكُنْتُ غَريبًا فَآوَيْتُمُوني، وعُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُوني، ومَريضًا فَزُرْتُمُونِي، ومَحْبُوسًا فَأَتَيْتُم إِليّ. حِينَئِذٍ يُجِيبُهُ الأَبْرَارُ قَائِلين: يَا رَبّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاك، أَو عَطْشَانَ فَسَقَيْنَاك؟ ومَتَى رَأَيْنَاكَ غَريبًا فَآوَيْنَاك، أَو عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاك؟ ومَتَى رَأَيْنَاكَ مَريضًا أَو مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْك؟ فَيُجِيبُ الـمَلِكُ ويَقُولُ لَهُم: أَلـحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا عَمِلْتُمُوهُ لأَحَدِ إِخْوَتِي هـؤُلاءِ الصِّغَار، فَلِي عَمِلْتُمُوه! ثُمَّ يَقُولُ لِلَّذينَ عَنْ شِمَالِهِ: إِذْهَبُوا عَنِّي، يَا مَلاعِين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الـمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وجُنُودِهِ؛ لأَنِّي جُعْتُ فَمَا أَطْعَمْتُمُونِي، وعَطِشْتُ فَمَا سَقَيْتُمُوني، وكُنْتُ غَريبًا فَمَا آوَيْتُمُونِي، وعُرْيَانًا فَمَا كَسَوْتُمُونِي، ومَرِيضًا ومَحْبُوسًا فَمَا زُرْتُمُونِي! حِينَئِذٍ يُجِيبُهُ هـؤُلاءِ أَيْضًا قَائِلين: يَا رَبّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جاَئِعًا أَوْ عَطْشَانَ أَوْ غَرِيبًا أَو مَريضًا أَو مَحْبُوسًا ومَا خَدَمْنَاك؟ حِينَئِذٍ يُجِيبُهُم قِائِلاً: أَلـحَقَّ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ مَا لَمْ تَعْمَلُوهُ لأَحَدِ هـؤُلاءِ الصِّغَار، فلِي لَمْ تَعْمَلُوه. ويَذْهَبُ هـؤُلاءِ إِلى العَذَابِ الأَبَدِيّ، والأَبْرَارُ إِلى الـحَيَاةِ الأَبَدِيَّة".

 

انجيل هذا الاحد يرسم الطريق المؤدي الى البرارة والقداسة، فالى الخلاص الابدي. الرب يسوع يكشف، بوصف نبوي، الدينونة الاخيرة التي يخضع لها جميع الناس. ولانه فادينا فسيكون دياننا: " اذا جاء ابن الانسان في مجده، يجلس على عرش مجده، وتحشد لديه جميع الامم". سنُدان على المحبة والرحمة التي سلّمها لنا وصية جديدة: " احبوا بعضكم بعضاً كما انا احببتكم"  (يو15/12). طريقنا الى الله، عبر يسوع المسيح، هو المحبة والرحمة المتجليتان عملياً في اطعام الجائع وسقي العطشان واكرام الغريب، وكساء العريان، وزيارة المريض، وافتقاد السجين. هؤلاء يسميهم السيد المسيح " اخوتي الصغار" (متى25/40). محبتنا له تظهر من خلال محبتنا لهم. ان مساعدة الاخوة الذين هم في عوز هي، حسب تعبير الارشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، اعادة الاخوّة المفقودة بسبب الخطيئة (عدد101). هذا هو اساس التضامن والعمل الاجتماعي. انه الشهادة لحب الله، وشهادة كنسية يلتزم بها الجميع، لكي تكون الكنيسة حقاً " كنيسة الاخوّة الشاملة" التي حققها يسوع المسيح. ان الوجوه الستة التي تفتح آفاق المحبة الاجتماعية لا تقتصر فقط على المعنى الحرفي والمادي، بل تشمل معانيه الروحية والمعنوية والثقافية.

رسالة القديس بولس الى العبرانيين (12: 18-24) تصف لنا كنيسة السماء الممجدة، ويسمّيها "مدينة الله، اورشليم السماوية، كنيسة الابكار المكتوبين في السماء، حيث العيد الحافل حول يسوع وسيط الخلاص وديّان الجميع".

 


 

         2. التبرير بيسوع المسيح

 

         لفظة " بار" او " صدّيق" بيبلية نجدها اساساً في العهد القديم: ايوب البار، طوبيا البار، زكريا واليصابات كانا بارين، يوسف رجلاً صديقاً، وسمعان الرجل البار والتقي. تعني الانسان الكامل المستقيم الذي يتقي الله ويجانب الشر (ايوب1/1، يسير حسب وصايا الله واحكامه ولا لوم عليه (لو1/6). يعلّم بولس الرسول ان الله هو الذي يبرر بيسوع المسيح  (فيل1/11). ويقول: ليست الشريعة هي التي تبرر بل الايمان بيسوع المسيح (روم3/28)، بواسطة نعمة الله التي افاضها علينا مخلصنا بالروح القدس ( تيطس3/6-7). التبرير هو "الحياة الجديدة" التي أتتنا من موت المسيح وقيامته.

         يقوم التبرير على ثلاثة: مغفرة الخطايا والتقديس وتجديد الانسان الباطني.

 

         أ- مغفرة الخطايا تنبع من رحمة الله الآب، باستحقاقات آلام المسيح، ابن الله الذي قدّم ذاته على الصليب، قرباناً حياً، مقدساً مرضياً للآب، وطهرّ جميع الناس بدمه. المغفرة هي عمل حب الله الذي ظهر في يسوع المسيح، وأعطي لنا بالروح القديس، بواسطة خدمة الكنيسة. وهي ثمرة التعاون بين نعمة الله وحرية الانسان، والاثنتان عطية من الله.

         النعمة عطية مجانية من الله، تقتضي منا الاجابة على ندائه: بان نكون ابناءه، مشاركين في الحياة الالهية. والله  يسكبها في نفوسنا بالروح القدس لتشفيها من الخطيئة وتقدسها.

         حرية الانسان هي ايضاً عطية من الله تجعلنا على صورته ومثاله، ويمنحنا معها الطاقة لمعرفته وحبه. فالنفس لا تدخل الاّ بحرية في شركة الحب. وقد وضع الله في قلب الانسان توقاً الى الحقيقة والخير، وهو وحده يملأه.

 

         ب- التقديس يجعل الانسان جديداً، بعد اغتساله من خطاياه. فالروح القدس يمحو الخطيئة ويملاء الانسان حياة الهية، تجعله انساناً جديداً، على مثال يسوع المسيح: " كل من هو بالمسيح الآن هو خليقة جديدة. ان القديم زال، وكل شيء  صار جديداً، من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح، ووهبنا خدمة المصالحة" (2كور5/ 17-18). التقديس هو عملية تأليه للانسان، وهو بعد على الارض، فيتحول الى خليقة جديدة، ويبتدىء  ملكوت الله فيه، بقوة الروح القدس الساكن فيه بنعمة الاسرار[1].

         لكل سر من الاسرار السبعة نعمة خاصة تقدس من يقبله، وتجعله متأهباً، بصورة دائمة ليعيش ويعمل وفقاً لنداءات الله. فيتقدس، يوماً بعد يوم، من خلال عمله ونشاطه، ساعياً الى كمال المحبة، في الحالة التي هو فيها.

         نعمة المعمودية تمحو الخطيئة الاصلية وكل الخطايا الشخصية، وتجعل المعمد عضواً في الكنيسة جسد المسيح وهيكلاً للروح القدس، وشريكاً في الكهنوت العام.

         نعمة التثبيت تجذّر الانسان في البنوة الالهية، وتملأه من مواهب الروح القدس، وتشدد اتحاده بالمسيح ورباطه بالكنيسة، وتقوّيه في الشهادة للايمان بالكلام والاعمال.

         نعمة التوبة تصالح التائب مع الله والكنيسة، وتمنحه السلام وهدوء الضمير، والتعزية الروحية، وتشدّد القوى الروحية للجهاد المسيحي، وتترك العذابات الابدية والزمنية.

         نعمة القربان تنمّي الاتحاد بالرب، وتمحو الخطايا العرضية، وتحفظ من الخطايا الثقيلة، وتشدد روابط المحبة مع المسيح، وتقوّي وحدة جسد المسيح السرّي.

         نعمة مسحة المرضى تضم المريض الى آلام المسيح لخيره الروحي وخير الكنيسة جمعاء؛ تعطي القوة والسلام والشجاعة لتحمّل اوجاع الصحة والشيخوخة؛ تغفر الخطايا اذا لم يتمكن المريض من نيل الغفران بسرّ التوبة؛ تهيء للعبور الى الحياة الابدية. وتعيد الصحة الى المريض، اذا كان  ذلك مفيداً لخيره الروحي.

         نعمة الكهنوت تجعل الكاهن في كيانه الداخلي على صورة المسيح الكاهن والمعلم والراعي، وتفيض عليه مواهب الروح القدس التي تؤهّله ليقف امام مذبح الله بدون عيب، ويعلن انجيل الملكوت، ويتمم خدمة كلمة الحق، ويقدم الذبائح الروحية، ويجدد الشعب بماء الولادة الجديدة؛ كما انها تقدسه اذ تجعله يتشبه بما يعمل.

         نعمة الزواج تجعل الزوجين يتحابّان حب المسيح للكنيسة؛ ترفع حبهما البشري الى كماله؛ توطّد رباط العهد الزوجي؛ تقدس الزوجين في حياتهما اليومية عبر الافراح والتضحيات والمسؤوليات والهموم.

 

         ج- تجديد الانسان الباطني

          بمغفرة الخطايا والتقديس يتجدد الانسان في كيانه الداخلي، المخلوق على صورة الله في الحق. ان تدبير الخلاص يرمم الصورة الالهية في الانسان، ويعيد اليه مجد البهاء الالهي. فيواصل هذا التجدد بسماع كلام الله، والصلاة، وممارسة سرَّي التوبة والقربان، والعيش بروح الاماتة، والقيام باعمال المحبة والرحمة، والانفتاح على الهامات الروح القدس، والاتكال على نعمة الحالة ومواهب الروح السبع.

 

***

 

ثانياً، الكاهن خادم اسرار الخلاص

 

         في السنة الكهنوتية ينجلي وجه الكاهن خادم الاسرار وموزّع نعمها الخلاصية على المؤمنين والمؤمنات. تقتضي منه هذه الخدمة ان يكون على مستواها  من المسؤولية والغيرة والمسلك.

         يسميّه بولس الرسول " وكيل اسرار الله" ( 1كور4: 2). فما هي هذه الاسرار الموكّل على خدمتها الكاهن؟

         1. اسرار الخلاص سبعة: المعمودية، الميرون (التثبيت)، القربان، التوبة، مسحة المرضى، الكهنوت، الزواج.

         هذه اسسها الرب يسوع لتنقل الحياة الالهية الى المؤمنين الذين يتقبلونها بالاستعدادات اللازمة، بواسطة الخدمة الكهنوتية في الكنيسة. هذه العقيدة اعلنتها الكنيسة في المجمع التريدنتيني، المنغقد سنة 1547، استناداً الى تعليم الكتب المقدسة والتقليد الرسولي وتوافق آباء المجمع[2].

 

         2. الاسرار الخلاصية هي ثمرة سرّ الفصح، اي موت المسيح تكفيراً عن خطايا الجنس البشري، وقيامته تبريراً لجميع الناس. وقد استبقها بالاقوال والافعال الخلاصية اثناء حياته الخفية والعامة. وبواسطتها اعلن وهيّأ ما كان مزمعاً ان يسلّمه للكنيسة، عندما يكتمل عمل الفداء والخلاص. ان اسرار حياة المسيح هي الاسس للنعم التي يوزّعها في الاسرار بواسطة الخدمة الكهنوتية في الكنيسة. فما كان منظوراً في مخلصنا، انما يتحقق في اسراره، التي هي وسائل حسية وعلامات فاعلة تنقل الحياة الالهية، وتحقق بفعل الروح القدس النعم الخاصة بكل سرّ، هذه التي تدلّ عليها العلامات والرموز[3].

 

         3. في ضوء هذا التعليم تتضح لنا قيمة الاسرار السبعة فهي:

         أ- اسرار المسيح، لانه هو الذي اسسها، ولانها تجري من جسده السرّي بمثابة ينابيع الحياة الالهية، كما رأينا.

 

         ب- اسرار الكنيسة، لانها هي، بوحي الروح القدس الذي يقود الى الحقيقة كلها، اقرّتها كنوزاً تسلّمتها من المسيح، ونظمت توزيعها، كوكيل امين وحكيم لاسرار الله. هي اسرار الكنيسة بمعنيين متلازمين:

هي بواسطة الكنيسة، لان الكنيسة سرّ اي اداة وعلامة، لعمل المسيح الفاعل بقدرة الروح القدس. الكنيسة مع المسيح-الرأس هي شخص سرّي واحد، وتعمل، في الاسرار، كجماعة كهنوتية تكوّنت بالمعمودية والميرون، وتحتفل بالليتورجيا. ويوجد من بين اعضائها من ألبسهم المسيح بنعمة الدرجة المقدسة، واقامهم باسمه ليرعوا الكنيسة بالكلمة ونعمة الله، وقد اشركهم بسلطانه الكهنوتي.

وهي من اجل الكنيسة، لانها تصنع الكنيسة من حيث ان الاسرار تُدخل المؤمنين، وبخاصة بواسطة سرّ القربان، في شركة مع الله الذي هو محبة، وواحد في ثلاثة اقانيم. وهكذا تتحقق الكنيسة التي هي اداة وعلامة هذه الشركة العمودية مع الله، والافقية مع جميع الناس.

 

ج- اسرار الايمان، فالكاهن يكرز بكلمة الله لكي يولد الايمان في قلوب المؤمنين، فيلجأوا الى الاسرار لنيل نِعمها الشافية. ان تكون " اسرار الايمان"، هذا يعني انها تؤتي ثمارها في نفوس الاشخاص الذين يحتفلون بها بايمان واع وحارّ؛ ويعني ايضاً انها تغذّي الايمان، وتقوّيه. لكن ايمان الكنيسة يسبق ايمان المؤمن المدعو ليعتنق ايمانها. وعندما تحتفل الكنيسة بالاسرار، فانها تعبّر عن ايمانها الموروث من الرسل، ولذلك يقال: " شريعة الصلاة شريعة الايمان". ما يعني ان الكنيسة تؤمن كما تصلي. ان " شريعة الصلاة"، التي تُحترم بكل قواعدها ومضمونها، هي المقياس الجوهري للحوار والسعي الى ترميم الوحدة بين المسيحيين[4]

 

***

 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

         فيما تتقبل الخطة الراعوية النص المجمعي 22: الكنيسة المارونية والاعلام، فانها تتناول اليوم القسم الثاني من الفصل الثالث، الواقع الحالي للاعلام الديني في لبنان والعالم (الفقرات21-27).

 

         1. واقع الاعلام المكتوب (الفقرتان 21-22)

         يوجد في لبنان حوالي سبعين دورية مسيحية بين اسبوعية وشهرية وفصلية بمختلف اللغات، كما توجد دوريات بالانكليزية والاسبانية في ابرشيات الانتشار. وتتناول شتى المواضيع اللاهوتية والرعائية والعائلية والكنسية والرهبانية والكهنوتية وقضايا قانونية وعصرية. انها تشكل وسيلة غنية لنشر الثقافة المسيحية وللتنشئة الدينية والروحية.

 

واقع الاعلام المرئي والمسموع (الفقرات 23-25)

انعم الله على الكنيسة في لبنان بتلفزيون " تيلي لوميار"، وفضائية " نورسات" اللذين يشرف عليهما مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، بواسطة اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام. يعمل تلفزيون " تيلي لوميار" بقرار تسوية من مجلس الوزراء اللبناني صادر عام 1996 أعطى مجلس البطاركة والاساقفة عبر " تيلي لوميار" حق البثّ على قناة التلفزيون الرسمي. وأعطى المؤسسة ان تحتفظ باستقلال مالي واداري وبحريّة البرمجة والبثّ تحت رقابة حصرية من مجلس البطاركة والاساقفة.

اما "نورسات" الفضائية فقد استحصلت على رخصة مستقلة بالقرار الوزاري رقم 33، صادر في 15/10/1996. وانطلق عملها عام 2004. تغطي هذه الفضائية معظم القارات الخمس، ما يمكّن الكنيسة في لبنان من تعميم رسالتها الانجيلية وتعاليمها الاجتماعية.

كما انعم الله على الكنيسة في لبنان باذاعة " صوت المحبة" التي تشرف عليها جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة، وهي مسؤولة امام مجلس البطاركة والاساقفة. وبموجب التسوية المذكورة اعلاه تبثّ برامجها على موجة من موجات الاذاعة الرسمية، ولها فرع في اوستراليا بالعربية والانكليزية. وتبثّ دون انقطاع عبر الانترنت، وتبثّ ايضاً بعض برامج اذاعة الفاتيكان بتوأمة مع اذاعة " راديو ماريا" في ايطاليا.

 

واقع الاعلام الالكتروني ( الفقرة 26)

مع ظهور الانترنت استطاعت الابرشيات والرعايا والرهبانيات والمؤسسات والحركات والمنظمات المارونية في لبنان وبلدان الانتشار من امتلاك مواقع الكترونية بعدد يصعب احصاؤه. هذه المواقع امّنت التواصل ونقل التراث الماروني وحفظه واغناءه.

 

المؤسسات الكنسية الاعلامية (الفقرة 27)

 تمتلك الكنيسة، فضلاً عن وسائلها الاعلامية، مؤسسات ذات طابع اعلامي تقوم بخدمة اعلامية وثقافية واسعة. وهي اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام، وجهازها المركز الكاثوليكي للاعلام الذي اُشىء عام 1978، والاتحاد العالمي للصحافة الكاثوليكية الذي انطلق عام 1997، ومعاهد اعلامية تابعة للجماعات الكاثوليكية.

ان الاعلام الديني بمختلف وسائله صاحب دعوة نبوية، ينقل ثقافة تحترم الحقيقة المطلقة والخير المطلق. من خلاله تقرأ الكنيسة علامات الازمنة الجديدة، وتعمل على تطوير انتربولوجيا للاعلام وعلى سكب اللاهوت في الاعلام، بحيث يعبّر من خلاله عن قيم الانجيل، ويطبّقها على الاوضاع البشرية المعاصرة، ما يوجّه العولمة لتكون في خدمة الشخص، وكل شخص ( الفقرة 29).

 

***

صلاة 

         ايها الابرار والصديقون اشفعوا بنا لدى الله، ليهدينا بكلام الحياة، ويقدّسنا بنعمة الاسرار، ويبررنا بهبة الحياة الجديدة. ألهمونا لنقتدي بفضائلكم، ساعين بالتوبة الى نيل مغفرة الخطايا، وبالايمان الى تقديس الذات وتحقيق الانسان الجديد فينا، والاغتناء بالفضائل الالهية والانسانية. ايها الرب يسوع، الكاهن الازلي، قدّس الكهنة ليكونوا على مستوى خدمتهم الشريفة، وقد جعلتهم وكلاء اسرارك الخلاصية، واجتذب المؤمنين الى ينابيع الحياة الالهية هذه، لخلاصهم وحياة العالم، فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الان والى الابد، آمين.


[1] . رجاء جديد للبنان، 43.

[2] . التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1117.

[3] . المرجع نفسه، 1115.

[4] . التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1114-1126

 


 

تذكار الموتى المؤمنين

1 تسالونيكي 5:1-11

لوقا 16: 19-31

المحبة الاجتماعية طريقنا الى الخلاص

 

         تحيي الكنيسة اليوم وطيلة اسبوع تذكار الموتى المؤمنين. فالكل يتذكر موتاهم تشفعاً واستشفاعاً واقتداء. نتشفّع الى الله من اجلهم لكي يعاملهم بالرحمة ويخفف من آلامهم المطهرية التكفيرية عن ذنوبهم، بتقديم قداسات من اجلهم، والقيام باعمال محبة ورحمة في سبيلهم، والصلاة الدائمة لكي يشركهم الله في سعادة ملكوته السماوي. ونستشفعهم لكي يتوسّلوا الى الله من اجلنا، وقد نالوا خلاصهم الابدي، ليرحمنا وينير دروب حياتنا، فنعيش في الحق والصلاح. ونقتدي بما تركوا لنا من مثال صالح وارث حميد.

 

اولاً، القراءات المقدسة: الموت والدينونة على المحبة

 

         انجيل القديس لوقا 16: 19-31

 

كَانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالكَتَّانَ النَّاعِم، وَيَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَفْخَرِ الوَلائِم. وكانَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ، تَكْسُوهُ القُرُوح. وكانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ الـمُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الغَنِيّ، غَيْرَ أَنَّ الكِلابَ كَانَتْ تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ وَمَاتَ الـمِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ الـمَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم. ثُمَّ مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِن. ورَفَعَ الغَنِيُّ عيْنَيْه، وَهُوَ في الـجَحِيمِ يُقَاسِي العَذَاب، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيد، وَلَعَازَرَ في حِضْنِهِ. فَنَادَى وقَال: يا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، إِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُتَوَجِّعٌ في هـذَا اللَّهِيب. فَقالَ إِبْرَاهِيم: يا ابْنِي، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْراتِكَ في حَيَاتِكَ، وَلَعَازَرُ نَالَ البَلايَا. والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا، وأَنْتَ تَتَوَجَّع. وَمَعَ هـذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم هُوَّةً عَظِيمَةً ثَابِتَة، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ  هُنا إِلَيْكُم لا يَسْتَطْيعُون، ولا مِنْ هُناكَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنا. فَقَالَ الغَنِيّ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَ لَعَازَرَ إِلَى بَيْتِ أَبي، فإنَّ لي خَمْسَةَ إِخْوة، لِيَشْهَدَ لَهُم، كَي لا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إِلى مَكَانِ العَذَابِ هـذَا. فقَالَ إِبْرَاهِيم: عِنْدَهُم مُوسَى وَالأَنْبِياء، فَلْيَسْمَعُوا لَهُم. فَقال: لا، يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، ولـكِنْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِم وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُون. فقالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: إِنْ كانُوا لا يَسْمَعُونَ لِمُوسَى وَالأَنْبِيَاء، فَإِنَّهُم، وَلَو قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَات، لَنْ يَقْتَنِعُوا!".

 

         القراءات المقدسة لهذا الاحد تكشف لنا سرّ الموت، والدينونة الخاصة، إما بالثواب وإما بالعقاب، على ممارسة المحبة الاجتماعية بحسن استعمال خيرات الارض. وتدعونا الى السهر على صلاح حياتنا، ووعي مسؤولياتنا الواحد نحو الآخر، فنكون مستعدين للموت الذي نعبر به الى عالم الله، كما جاء في رسالة بولس الرسول.

 

سرّ الموت

         الموت حقيقة راهنة ومرّة. يبدأ الموت في الانسان منذ مولده، فكل لحظة تمرّ من عمره هي جزء يُقطع من حياته. انه حقيقة راهنة، لانه ليس حدثاً يضع حداً للحياة، بل هو جوهر الحياة، لا لأن الله الخالق اراده بل لانه نتيجة الخطيئة، كما نقرأ في سفر الحكمة: "الله لم يصنع الموت ولا يُسرّ بهلاك الاحياء. فانه خلق كل شيء لكي يكون، وان خلائق العالم سليمة وليس فيها سمٌّ مهلك... لقد خلق الله الانسان لعدم الفساد وجعله صورة ذاته الالهية، لكن بحسد ابليس دخل الموت الى العالم" ( حكمة1/13-14،23-24). والموت حقيقة مرّة لانه ليس من صلب طبيعتنا في الاساس، ويشكل ذروة اللغز الذي يلف الوضع البشري، ما جعل الانسان يطرح السؤال الدائم: لماذا الموت؟ تجيب الكنيسة على هذا السؤال، وهي المؤتمنة على تفسير تفسّر الكتب المقدسة والتقليد، فتقول " ان الموت دخل العالم بسبب خطيئة الانسان. ولئن امتلك الانسان طبيعة مائتة، فالله اعدّه لعدم الموت. ولذا، الموت ضد تصميم الله الخالق، والخطيئة هي التي تسببت به وادخلته الى العالم. ويسميه بولس الرسول " آخر عدو للانسان تجب ابادته"  ( 1كور15/25)[1].

         جواب الكنيسة يأتي من المسيح، كلمة الله الذي ينير كل انسان في العالم (يو1/9-10)، فهو مات  ايضاً في بشريته ككل انسان، وخاف من الموت. لكنه قبله بفعل خضوع كامل وحرّ لارادة الآب، فحوّل بطاعته لعنة الموت الى بركة: " فكما انه بخطيئة واحد كانت اللعنة لجميع الناس ( بآدم الاول)، كذلك بصلاح واحد ( آدم الجديد) تكون البركة لجميع الناس"( روم5/18). ويعطي المسيح الحلّ: ان يحوّل الانسان الموت الى فعل طاعة وحب للآب السماوي على مثاله. لقد اعطى الرب يسوع الموت نعتاً جديداً فاصبح  "الموت المسيحي" الذي يبدأ مع المعمودية التي هي " موت مع المسيح" اسرارياً، لنحيا معه حياة جديدة: " هذه كلمة صادقة، اذا متنا مع المسيح فسنحيا معه" ( 2تيم2/11). ادرك القديس اغناطيوس الانطاكي هذه الحقيقة فقال: " انه أفضل لي ان اموت في المسيح يسوع من ان املك على اقاصي الارض. ان الذي التمسه هو ذاك الذي مات وقام لاجلنا. ولادتي تقترب، دعوني احصل على النور الصافي، ومتى بلغت الى هناك، اصير انساناً". بموت المسيح وقيامته اصبح الموت عبوراً الى الله، كما فهمت القديسة تريز الطفل يسوع: " اريد ان ارى الله، ولكي اراه يجب ان اموت. لكن بالموت انا لا اموت بل ادخل الحياة" . والافخارستيا تبدأ فينا الحياة الجديدة، وهي الحياة الالهية كعربون للقيامة: " من يأكل جسدي ويشرب دمي، له الحياة الابدية وانا اقيمه في اليوم الاخير" (يو6/54). فيما نغتذي من جسد المسيح في سرّ القربان، نصبح منتمين الى جسده الممجد في السماء. وعندما يقيمنا في اليوم الاخير، ساعة موتنا، سنظهر نحن ايضاً معه ممتلئين من مجده ( كولسي3/4).

         فلا بدّ من الاستعداد للموت، هذه المرحلة الحاسمة من وجود كل واحد منا في رحلة من الارض الى الله. نصلي: "علّمنا يا رب كيف نعدّ ايامنا، فننفذ الى قلب الحكمة" (مز90: 12). هذا الاستعداد يساعدنا لنعيش حسناً ونموت حسناً.

 

سندان على المحبة الاجتماعية

         مثل الغني ولعازر يكشف لنا ان مصير الانسان بعد الموت تحدده محبته الاجتماعية. فالموت هو الباب الى ابدية الخلاص او الهلاك. نستعد للموت لكي ننعم بالخلاص مثل لعازر، ولكي نتجنب الهلاك الابدي الذي ناله الغني. يتم الاستعداد بعيش الوصية الاولى والاخيرة في الشريعة الالهية: " ان تحب الله من كل قلبك وكل نفسك وكل قوتك وكل فكرك؛ وان تحب قريبك كنفسك"( متى22/37-39).

         ليست ثروة الغني سبب هلاكه، بل ما اهلكه كان مخالفته وصية الله، الظاهرة في انانيته وسوء استعماله لغناه، واغلاق القلب واليد عن الفقير لعازر، وبكلمة عدم محبة الله والانسان. " فخيرات الارض معدة من الله لجميع الناس"، من يمتلكها أو من هو مسؤول عن ادارتها، انما هو موّكل من الله، لكي يتقاسمها بعدالة توزيعية مع غيره ولاسيما مع المحرومين منها والمحتاجين اليها، فيتمكنون من تحقيق ذواتهم والعيش بكرامة. هذا هو تعليم الكنيسة الاجتماعي الثابت.

         نقرأ في الدستور المجمعي " الكنيسة في عالم اليوم": " رتب الله الارض وما تحتوي من ثروة لتكون في استعمال جميع الناس وجميع الشعوب، بحيث تكون خيرات الخلق بانصاف في ايدي الجميع، وفقاً لشريعة العدالة التي لا تنفصل عن المحبة" ( عدد69). وتضيف رسالة البابا بولس السادس " ترقي الشعوب" ان " كل الحقوق الأخرى، ومن بينها الملكية الخاصة والتجارة الحرة، خاضعة لهذه القاعدة. فيجب ألا تعرقلها بل ان تسهّل تحقيقها. وهذا واجب اجتماعي خطير وملحّ ان تعود هذه الحقوق الى غايتها الاصلية" ( عدد22). ويؤكد البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته " الاهتمام بالشأن الاجتماعي" ان " الحق في الملكية الخاصة محق وضروري، لكنه لا يعطل المبدأ القائل ان خيرات الارض معدة من الله لجميع الناس، بل يقع على الملكية الخاصة رهن اجتماعي، يقتضي مهمة اجتماعية لها" (عدد42). فلا يقتصر استعمالها على صاحبها او على فئة دون سواها.

         تنبع المحبة الاجتماعية من كون الذي يملك خيرات الدنيا يحقق ذاته روحياً وخلقياً وثقافياً وترقياً، فيتقاسمها مع غيره ليتمكن هذا الاخير من تحقيق ذاته. هذا ايضاً شأن الملكية المشتركة والاموال العامة في البلاد ومسؤولية القيمين عليها. مشكلة الغني انه لم يحقق ذاته بمقتناه، بل حصر ثروته في المأكل والملبس والتباهي  فقط: " كان يلبس البرفير والارجوان ويتنعم كل يوم متباهياً". فلم يبالِ " بلعازر المنطرح عند بابه، تكسوه القروح، مشتهياً ان يملاء بطنه من الفتات المتساقط عن مائدته" ( لو16/19-21). وهكذا حرمه من تحقيق الذات. وهذه جريمة فظيعة ما زالت تقترف بحق الفقراء والشعوب المحرومة.

         تعليم الكنيسة صريح لابناء كل جيل، تنقل اليهم هذا التعليم النابع من كلام الله ومشيئته وتدبيره في الخلق، وتشهد لهم، فلا يبلغوا الى مكان العذاب مثل الغني ( راجع لو 16/27-28). وتعليمها هو هذا:

 " انه من أفدح مظالم العالم المعاصر، وجود قلة نسبية من الناس تملك الكثير، وهي عاجزة عن تحقيق ذاتها على مستوى " الكينونة" (être)  بوجه صحيح، لانهماكها في عبادة " المقتنى" ( avoir) ولفقدان سلّم القيم عندها؛ وبالمقابل وجود كثرة لا تملك شيئاً او تكاد تمتلك القليل، وهي عاجزة عن تحقيق غايتها الانسانية الاساسية، بسبب حرمانها الخيور الاولية. وهذا هو الظلم الناجم عن الخلل في توزيع الخيور والخدمات المرتبة اصلاً للجميع"[2] .

         هذا الظلم تقترفه قلة الذين يملكون الكثير، بحق الكثرة المحرومة حتى من القليل. وجرمهم مزدوج: لم يحققوا هم ذواتهم بنموهم الروحي والخلقي والانساني، ومنعوا الكثرة من تحقيق ذاتها ونموها.

         هذا الظلم وهذا الجرم يقترفهما المسؤولون عن ثروة البلاد والاموال العامة عندنا. فانهم يمعنون في افقار الشعب بعدم دعم مصالح المواطنين مثل المزارعين والصناعيين، وباعتماد سياسة ضرائبية غير مناسبة بل مرهقة؛ ولا يحدّون من دخول السلع الخارجية الزراعية والصناعية التي تغرّق السوق على حساب السلع الوطنية. واذا بالمزارعين والصناعيين يفتقرون وتثقلهم الديون حتى الافلاس واقفال مؤسساتهم، وبالعمال التقنيين  يهاجرون ومعهم علائلاتهم. ونتساءل لماذا الحكام عندنا، المؤتمنون على الاموال العامة والمرافق والمرافىء والرسوم والضرائب وثروة البلاد الزراعية والصناعية والتجارية، يمعنون بفي سياسة افقار البلاد وشعبها؟ هل يقصدون افقار الشعب لاحكام القبضة عليه مثل الانظمة الدكتاتورية والتوتاليتارية حيث القلة تتحكم بالكثرة؟ ام يحمون مصالحهم الخاصة على حساب الصالح العام؟

في كل هذا تتكرر مأساة لعازر وظلم الغني وجرمه، والاضرار اياها تتواصل، والمصير عينه يتحتم.

         وفي كل حال على السلطات العامة ان تعمل في سبيل التوازن بين مختلف القطاعات: الزراعة والصناعة والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والخدمات العامة من اجل تطوير الناتج الوطني وحمايته، وتوفير فرص العمل، وحماية الادمغة والتقنيين من البطالة والهجرة.

        

انجيل الغني ولعازر هو انجيل الافراد والشعوب والدول.

 

         المطلوب بناء عالم يستطيع فيه الانسان، اياً كان جنسه ودينه ولونه وجنسيته، العيش بكرامة وانسانية، محرراً من عبوديات الناس والطبيعة؛ عالم يتمكّن فيه " لعازر الفقير"، من الجلوس الى مائدة الغني[3]؛ عالم يتأمن فيه نموّ جدير بالانسان تُحترم فيه وتُعزز الحقوق الانسانية، الفردية والاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، بما فيها حقوق الامم والشعوب، فمن حق الشعوب ان تجلس كالافراد الى مائدة الوليمة، فلا تبقى، مثل لعازر، مطروحة عند ابواب المتسلطين والقلة التي تستأثر وتنعم بكل شيء[4] ؛ عالم يتميز بمحبة الفقراء، اولئك الجائعين والمتسولين واولئك الذين لا ملجأ لهم والذين تنقصهم العناية الطبية، والذين يعوزهم الرجاء بمستقبل افضل، فاذا تجاهلناهم كنا مثل الغني المرفّه الذي تجاهل لعازر المسكين المنطرح عند بابه، وكان نصيبنا الهلاك الابدي مثله، بعد ان تسببنا في هذه الدنيا باهلاكهم انسانياً واجتماعياً[5].

         نرجو من المسؤولين عندنا وفي الدول اجراء الاصلاحات اللازمة وبخاصة النظام التجاري وتوازن قطاعات الانتاج والنظام المالي والضريبي، مع محاربة الفساد وايقاف هدر المال العام، والسعي الدؤوب الى اخراج الشعوب الفقيرة من ذلها وحرمانها، فأنهم  "فقراء الرب". وقد تماهى بهم (متى 25/31-46)، ويعتني بهم عناية خاصة، هو الذي " يشبع الجياع خيراً والاغنياء يرسلهم فارغين (لو1/52-53).

 

***

 

ثانياً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

         تنهي الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي 22: الكنيسة المارونية والاعلام، فتتناول الفصل الرابع:رؤية مستقبلية للاعلام الديني والزمني. تتطلّع الكنيسة الى ان تكون وسائل الاعلام آيات رجاء، بحيث تعلن الحقيقة لخير البشر ووحدتهم وتغني حياتهم، وتسهم في خلق جماعة بشرية مؤسسة على العدالة والمحبة (الفقرة 30).


 

         يضع النص رؤية مستقبلية مثلثة:

 

صياغة ميثاق مناقبي اعلامي (الفقرة 31).

يهدف هذا الميثاق الى الالتزام بتعليم الكنيسة، والوفاء لآداب المهنة ويتضمن القواعد التالية:

استلهام الروحانية المارونية في عناصرها الاساسية كما وردت في النصوص المجمعية الأخرى.

الالتزام بمبادىء تعليم الكنيسة الاجتماعي.

الالتزام بالقيم التي تميّز لبنان الرسالة: التعددية، الحرية، كرامة الانسان الأصلية، احترام حقوقه.

الالتزام بالقيم الاجتماعية السامية: قدسية الاسرة، مكانة المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات، الاخوّة، التضامن، حسن الضيافة، القناعة، التمسّك بالأرض، قبول الآخر، التعمّق في التراث، احترام البيئة.

تعزيز الثقافة والتنمويّة: حب المعرفة والاقبال عليها ونشرها، الانفتاح على الثقافات الأخرى، الريادة في النهضة الثقافية، تشجيع التقدم الاقتصادي والرقيّ الاجتماعي مع أخذ حاجات الشعوب الأخرى في الاعتبار، الانغراس في الحضارة المشرقية العربية مع الانفتاح المستمر على الحضارات والأديان الأخرى وعلى التراث العالمي.

التصدي للاعلام المنحرف المسوّق للاستهلاك، ومناهضة تسليع المرأة، والعنف وتمجيد السلطة.

 

تعزيز حرية الاعلام ودعم امانته( الفقرتان 32 و33).

من اجل تحرير الاعلام الزمني من اي رتابة استنسابية تطالب الكنيسة:

أ- بانشاء هيئة مدنية من الاختصاصيين في القانون والاعلام لمنح التراخيص الاعلامية وفقاً لمعايير موضوعية.

 

أ‌-       بالغاء الشروط شبه التعجيزية التي تحول دون تأسيس صحف سياسية.

ج- مراقبة آلية عمل الوسائل الاعلامية لردعها عن الانحراف.

ونظراً  لما للاعلام من تأثير على الرأي العام، تسهر الكنيسة على تعزيز امانة الوسائل الاعلامية للحقيقة، وعلى عدم التمادي في النيل من كرامة الاشخاص او الجماعات، باسم الحرية المتفلتة من كل قيد، وعلى حماية حقوق الانسان من اي انتهاك.

 

السعي الى اعلام مسيحي أفضل (الفقرة 34)

يهدف هذا السعي الى ازالة الثغرات الظاهرة في الاعلام المسيحي، بالمبادرات التالية:

1)  تعزيز الانتاج السينمائي، وهو اكثر الفنون الاعلامية اجتذاباً، وافعلها تاثيراً في المعرفة والمسلك ونقل البشارة الانجيلية.

2)     اعتماد الكفاءة المهنية كمعيار للعمل في وسائل الاعلام.

3)  توفير ثقافة اعلامية في المدارس والجامعات والمعاهد والاكليريكيات، والتوعية على حسن استعمال وسائل الاعلام وانتقاء الافضل منها.

4)      تعزيز التعاون بين الاعلام المسيحي والاعلام المدني العام.

5)  تنسيق الجهود بين اذاعة صوت المحبة وتلفزيون تيلي لوميار وفضائية نور سات، وتبادل الكفاءات والبرامج، ودعمها مادياً.

6)  اقامة شبكة اتصالات وتعاون بين العاملين في قطاعات الاعلام، وبين وسائل الاعلام المارونية في لبنان وبلدان الانتشار.

 

***

         صلاة 

         ارحِ، ايها الآب السماوي، موتانا وسائر الموتى المؤمنين في ملكوتك السعيد. اقبل صلاتنا وقرابيننا من اجلهم، وتشفعهم من اجلنا. اعطنا ان ندرك ان مسيرة الدنيا حجّ اليك، تهدينا فيها محبتنا الاجتماعية القائمة على تقاسم خيرات الدنيا، المادّية والثقافية والروحية. ساعدنا، ايها الرب يسوع، لنجعل من خيرات الدنيا وسيلة لنحقق ذواتنا واخوتنا على مستوى الكينونة  الروحية والخلقية. ألهم المسؤولين عن وسائل الاعلام والعاملين فيها والمستفيدين منها، ليجعلوها وسائل  النقل الحقيقة والقيم، ولتعزيز خير جميع الناس، وشدّ روابط التضامن والترابط فيما بينهم. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


[1] . كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1006 و1008.

. [2] الرسالة العامة للبابا يوحنا بولس الثاني: الاهتمام بالشأن الاجتماعي،28.

[3] . الرسالة العامة للبابا بولس السادس: ترقي الشعوب،47.

[4] . الاهتمام بالشأن الاجتماعي، 23.

[5] . المرجع نفسه، 42.

 


 
     
 بقلم  بشاره الراعي    مطران جبيل
 
 

pure software code