الخميس – الاحد 20-23 اذار 2008
عيد الفصح
الله يهب ذاته لحياة العالم
فصح الرب يسوع هو تذكار موته وقيامته من بين الاموات لفداء
العالم وحياته الجديدة. وهو تحقيقها الدائم وتأوينهما في سرّ
الافخارستيا. هذا الاسبوع يسمى عظيماً، لان فيه تمّت عظائم الله
لخلاص الجنس البشري، ويسمى الوصول الى الميناء، بعد اربعين يوماً
من الجهاد الجسدي والروحي والصلاة والتصدّق والتوبة، لنعبر مع
الفصح الى حياة جديدة.
لفظة
"فصح" تعني قديماً
عبور الله
على بيوت العبرانيين في مصر وانقاذها، في الوقت الذي ضرب فيه
بيوت المصريين (خروج 12/27،23،13). وعبورهم، على يد الله القديرة
بقيادة موسى، البحر الاحمر، وهو عبور من عبودية مصر الى حرية ارض
الميعاد (خروج23/15). فكان عيد الفصح في العهد القديم.
في العهد الجديد، لفظة فصح تعني عبور الرب يسوع
من هذا العالم الى الآب بموته وقيامته (يو13/1)، وعبور شعب الله
من حال الخطيئة الى حال النعمة مع المسيح (روم6/3-11؛ كولسي
2/12). فكان الفصح المسيحي، وهو احتفال يتميز بثلاثة: التذكار
والتأوين والانتظار.
نحتفل بذكرى التحرير من الخطيئة والموت، ونتّحد بالمسيح
المصلوب والقائم من بين الاموات بنعمة الاسرار المقدسة ، فنموت
معه عن الخطيئة ونقوم معه لحياة جديدة، ونسعى الى ان نشاركه في
مجد الحياة الالهية في السماء، منتظرين بالرجاء مجيئه الثاني
بالمجد. هذا هو سرّ الفصح المؤلف من عظائم خميس الاسرار
والجمعة العظيمة واحد القيامة.
اولا، فصح الرب
1. خميس الاسرار: استباق الموت
والقيامة واستمراريتهما بتأسيس سرّي القربان والكهنوت.
من انجيل القديس لوقا 22/7-20
وحَلَّ يَوْمُ الفَطِير، الَّذي
يَجِبُ أَنْ يُذبَحَ حَمَلُ الفِصْحِ فِيه، فَأَرْسَلَ يَسُوعُ
بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلاً: "إِذْهَبَا فَأَعِدَّا لَنَا
عَشَاءَ الفِصْحِ لِنَأْكُلَهُ". فقَالا لَهُ: "أَيْنَ تُرِيدُ
أَنْ نُعِدَّهُ؟". فقَالَ لَهُمَا: "مَا إِنْ تَدْخُلا
الـمَدِينَةَ حَتَّى يَلْقَاكُمَا رَجُلٌ يَحْمِلُ جَرَّةَ مَاء،
فاتْبَعَاهُ إِلى البَيْتِ الَّذي يَدْخُلُهُ.وَقُولا لِرَبِّ
البَيْت: أَلْمُعَلِّمُ يَقُولُ لَكَ: أَيْنَ القَاعَةُ الَّتي
آكُلُ فِيهَا عَشَاءَ الفِصْحِ مَعَ تَلامِيذِي؟ وَهُوَ
يُريكُمَا عِلِّيَةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَة، فَأَعِدَّاهُ
هُنَاك". فذَهَبَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، وأَعَدَّا
عَشَاءَ الفِصْح. ولَمَّا حَانَتِ السَّاعَة، اتَّكَأَ يَسُوعُ
وَمَعَهُ الرُّسُل، فقَالَ لَهُم: "شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ
آكُلَ هـذَا الفِصْحَ مَعَكُم قَبْلَ آلامي! فَإِنِّي أَقُولُ
لَكُم: لَنْ آكُلَهُ بَعْدَ اليَومِ إِلَى أَنْ يَتِمَّ في
مَلَكُوتِ الله". ثمَّ أَخَذَ كَأْسًا، وَشَكَرَ، وَقَال:
"خُذُوا هـذِهِ الكَأْسَ واقتَسِمُوهَا بَيْنَكُم. فَإِنِّي
أَقُولُ لَكُم: لَنْ أَشْرَبَ عَصِيرَ الكَرْمَة، مُنْذُ الآن،
إِلى أَنْ يَأْتِيَ مَلَكُوتُ الله". ثُمَّ أَخَذَ خُبْزًا،
وَشَكَرَ، وَكَسَرَ، وَنَاوَلَهُم قَائلاً: "هـذَا هُوَ جَسَدِي
الَّذي يُبْذَلُ مِنْ أَجْلِكُم. إِصْنَعُوا هـذَا لِذِكْرِي".
وكَذـلِكَ أَخَذَ الكَأْسَ بَعْدَ العَشَاءِ وَقَال: "هـذِهِ
الكَأْسُ هِيَ العَهْدُ الـجَدِيدُ بِدَمِي، الَّذي يُهْرَقُ
مِنْ أَجْلِكُم.
الافخارستيا او سرّ القربان لفظة يونانية تعني " تقديم
الشكر"، ومأخوذة من تأسيس السّر عندما أخذ يسوع الخبز والكأس
وشكر وبارك وناول التلاميذ (متى26/26-27)، في عشائه الاخير
مع تلاميذه ليلة آلامه وموته، الخميس 13 نيسان من تلك السنة،
بمناسبة عشاء الفصح اليهودي، وقد حوّل فيه الخبز الى جسده والخمر
الى دمه، مستبقاً ذبيحة موته على الصليب لفداء الجنس البشري،
وقيامته من الموت لتبرير البشر من خطاياهم وتقديس نفوسهم بروحه
القدوس. وقد أسس الكهنوت لاحياء تذكار هذا الحدث المزدوج ولجعل
سرّ موته وقيامته متواصلاً بالحقيقة والفعل مدى الازمان، ولتحيق
مفاعيل الفداء والمصالحة والتقديس في المؤمنين جيلاً بعد جيل. ثم
اعلن مجيئه الثاني بالمجد في آخر الازمنة، من اجل اكتمال الفصح
البشري في مجد السماء، كما اكتمل فصحه بالقيامة والصعود الى ابيه.
فاذا بالبشرية تسير مسيرة حجّ الى الله وانتظار، من خلال
الاحتفال بسرّ القربان في القداس كما اوصى الرب: " اصنعوا هذا
لذكري" (لو22/19) واضاف بولس الرسول:" كلما اكلتم هذا الخبز
وشربتم هذه الكأس، تذكرون موت ربنا حتى مجيئه" (1كور11/26). هذا
ما درج عليه الرسل في الكنيسة الناشئة (اعمال الرسل2/46 ؛ 20/7
و11؛ 1كور10/16-17).
وبما ان سرّ الافخارستيا نبع الاسرار،
والكهنوت صانعها وموزعها بفعل الثالوث القدوس، من فيض محبة الآب
ونعمة الابن وحلول الروح القدس، نقول خميس الاسرار. نحتفل
في هذا اليوم بعيد تأسيس سرّي القربان والكهنوت: فيُعرض
القربان في كل الكنائس للعبادة والسجود للرب الحاضر في
الافخارستيا ذبيحةَ فداء ووليمةَ خلاص، ولتذكار فصح الرب؛ ويزور
المسيحيون سبع كنائس، اكراماً لاسرار الخلاص السبعة. ويحتفل
الكهنة مع اسقفهم بتجديد عهود الكهنوت التي قطعوها في
الرسامة.
نجد نصوص تأسيس سرّ الافخارستيا في انجيل متى (
26/20-29) ومرقس (14/17-25)، ولوقا (26/14-20). في هذه النصوص
المسيح يتناول مع تلاميذه عشاء الفصح اليهودي. ثم بعد العشاء
يؤسس الافخارستيا، وينتقل من الفصح اليهودي الى فصح العهد
الجديد. كان عشاء الفصح القديم يتم على ثلاث مراحل:
في الاولى، يبارك رب العائلة الخمر، يذوقه ثم
يناول افراد عائلته ( الكأس الاولى). في الثانية،
يوزع الخبز الفطير ويغمس كل واحد في صحن مشترك من صلصة الخروف.
في هذا الوقت قام يسوع عن العشاء وغسل ارجل التلاميذ، ثم اعلن
خيانة يهوذا الاسخريوطي، وغمس لقمة وناوله، عندها دخله الشيطان،
فقال له يسوع: "افعل عاجلاً ما انت فاعل". فآخذ يهوذا اللقمة
ولساعته خرج" (يو13/1-30). بعد ذلك تُوزع الخمرة ( الكأس
الثانية). في المرحلة الثالثة، يلقي رب العائلة كلمة
تذكير بالعبور والتحرير، ثم يُقدم حمل الفصح الذي يؤكل بارغفة من
فطير بدون خمير، علامة للسرعة التي اجتاز بها الرب بيوت
العبرانيين في مصر، ويأكلونه مع اعشاب مرّة تذكاراً لمرارة
العبودية. اما الحمل فينبغي ان يكون بدون أي عيب، ذكراً، بعمر
سنة، وان يؤكل مشوياً كما هو ولا يُكسر منه عظم
(خروج12/1-46،14). بعد تناول حمل الفصح ينتهي العشاء.
ولكن درجت العادة ان بعد العشاء يأخذ رب العائلة قطعة من
خبز الفطير، يكسره ويوزّعه، ثم توزع الكأس الثالثة. هذا ما فعله
يسوع فبعد العشاء، أخذ خبز الفطير وشكر وبارك وكسر، محولاً اياه
الى جسده، وناوله الى الرسل قائلاً: " خذوا كلوا منه كلكم، هذا
هو جسدي الذي يبذل لاجلكم " ثم اخذ كأس الخمر وشكر وبارك،
محوّلاً الخمر الى دمه، وناولها الى الرسل قائلاً: "خذوا اشربوا
هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك لاجلكم. اصنعوا هذا
لذكري " (لو22/15-20). وهكذا اصبح يسوع الافخارستي فصح العهد
الجديد "الذي ذُبح لاجلنا" (1كور5/7). تحققت فيه كلمة يوحنا
المعمدان: " هذا هو حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم" ( يو1/29)،
واليه رمزت ذبيحة ابراهيم، وقد استبدل الله ابنه اسحق بحمل (
تك22/14-19 )، فكان يسوع الكاهن والذبيحة.
***
2. الجمعة العظيمة: آلآم المسيح وموته
على الصليب لفداء الجنس البشري
من انجيل القديس لوقا: 23/33-43
ولَمَّا وَصَلُوا إِلى الـمَكَانِ الـمُسَمَّى بالـجُمْجُمَة،
صَلَبُوهُ هُنَاكَ هُوَ وَالـمُجْرِمَيْن، الوَاحِدَ عَنِ
اليَمِينِ وَالآخَرَ عَنِ اليَسَار. وكانَ يَسُوعُ يَقُول:
"أَبَتِ، إِغْفِرْ لَهُم، لأَنَّهُم لا يَدْرُونَ مَا
يَفْعَلُون!". واقْتَسَمُوا بِالقُرْعَةِ ثِيَابَهُ. وكانَ
الشَّعبُ وَاقِفًا يَنْظُر، أَمَّا الرُّؤَسَاءُ فَكَانُوا
يَتَهَكَّمُونَ قَائِلِين: "خَلَّصَ آخَرِين، فَلْيُخَلِّصْ
نَفْسَهُ، إِنْ كانَ هُوَ مَسِيحَ اللهِ الـمُخْتَار!". وكَانَ
الـجُنُودُ أَيْضًا يَسْخَرُون، وَهُم يَدْنُونَ مِنْهُ
وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلاًّ، وَيَقُولُون: "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ
مَلِكَ اليَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ!". وكانَتْ أَيْضًا
فَوْقَهُ لَوْحَةٌ كُتِبَ فِيهَا: "هـذَا هُوَ مَلِكُ اليَهُود".
وكانَ أَحَدُ الـمُجْرِمَيْنِ الـمُعَلَّقَينِ عَلَى الصَّلِيبِ
يُجَدِّفُ عَلَى يَسُوعَ قَائِلاً: "أَلَسْتَ أَنْتَ الـمَسِيح؟
خَلِّصْ نَفْسَكَ، وَخَلِّصْنَا!".َ أَجَابَ الآخَرُ
وانْتَهَرَهُ قَائِلاً: "أَمَا تَخَافُ اللهَ وَأَنْتَ تَحْتَ
هـذَا الـحُكْمِ نَفْسِهِ؟ فَنَحْنُ بِعَدْلٍ حُكِمَ عَلَيْنا،
لأَنَّنَا نَلْقَى مَا تَسْتَوْجِبُهُ أَعْمَالُنَا، أَمَّا
هـذَا الرَّجُلُ فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا سَيِّئًا!". ثُمَّ
أَخَذَ يَقُول: "يا يَسُوع، أُذْكُرْنِي عِنْدَمَا تَأْتِي في
مَلَكُوتِكَ!". فقَالَ لَهُ يَسُوع: "أَلـحَقَّ أَقُولُ لَكَ:
أَليَومَ تَكُونُ مَعِي في الفِرْدَوس!".
في يوم الجمعة 14 نيسان من تلك السنة، صُلب يسوع بعد
الظهر، قبل تناول عشاء الفصح اليهودي المألوف، لان عيد الفصح 15
نيسان كان يوم سبت، فيسمح بعشاء الفصح الخميس 13مساء كما فعل
يسوع. ثمة ثلاث علامات نبوية ظهرت مع صلب يسوع: الاولى،
ساعة صلب يسوع كذبيحة فداء، كانت حملان الفصح القديم تذبح في
الهيكل. الثانية، عندما جاء الجند لانزال جثث المصلوبين
قبل العشاء الفصحي وكسروا ساقي لص اليمين ولص الشمال، لم يكسروا
ساقي يسوع لتتم شريعة حمل الفصح " لا يُكسر له عظم" (خروج12/46).
الثالثة، طعن احد الجنود بحربة صدر يسوع "فجرى منه دم
وماء "، للدلالة ان من دم الفداء والماء تولد الحياة الجديدة
(القربان والمعمودية). وهكذا تمت نبوءة زكريا: "سينظرون الى من
طعنوا" (زكريا12/10)، بمعنى ان البشرية تنظر الى المسيح المصلوب
بروح الايمان والتوبة، لتنال الغفران والحياة الجديدة (انظر
يو19/31-37).
من على الصليب ترك يسوع للبشرية
سبع كلمات، بمثابة وصية ونهج لعيش حضارة الحب الذي "احبّ به
البشر حتى النهاية " (يو13/1).وهي:
1)"الهي الهي، لماذا تركتني ؟ "
(متى27/46): التضامن مع كل انسان في حمل صليب الفداء.
2) " يا ابتِ اغفر لهم لانهم لا يدرون
ما يفعلون " (لو23/34): الغفران والمصالحة.
3) " اليوم تكون معي في الفردوس"
(لو23/43)؛ الولادة الجديدة في الحياة الالهية.
4) " يا امرأة هذا ابنك…هذه امك " (يو9/26-27): امومة مريم للمفتدين
وبنوتهم لها.
5) " انا عطشان" (يو19/28): العطش الى الخلاص وكل برّ.
6) " تمَّ كل شيء" (يو19/30): هبة
الذات حتى النهاية.
7) " يا ابتِ بين يديك استودع روحي"
(لو23/46): الاستراحة في كيان الله.
***
3. احد القيامة: قيامة المسيح
لحياة العالم.
من انجيل القديس مرقس: 16/1-8
ولَمَّا انْقَضَى السَّبْت، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّة،
ومَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوب، وسَالُومَة، طُيُوبًا لِيَأْتِينَ
وَيُطَيِّبْنَ جَسَدَ يَسُوع.
وفي يَوْمِ الأَحَدِ بَاكِرًا جِدًّا، أَتَيْنَ إِلى القَبْرِ
مَعَ طُلُوعِ الشَّمْس.
وكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: "مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا
الـحَجَرَ عَنْ بَابِ القَبْر؟".
وتَفَرَّسْنَ فشَاهَدْنَ الـحَجَرَ قَدْ دُحْرِج، وكَانَ
كَبِيرًا جِدًّا.
ودَخَلْنَ القَبْر، فَرَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ اليَمِين،
مُتَوَشِّحًا حُلَّةً بَيْضَاء، فَانْذَهَلْنَ.َفقَالَ لَهُنَّ:
"لا تَنْذَهِلْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ
الـمَصْلُوب. إِنَّهُ قَام، وَهُوَ لَيْسَ هُنَا. وهَا هُوَ
الـمَكَانُ الَّذي وَضَعُوهُ فِيه. أَلا اذْهَبْنَ وَقُلْنَ
لِتَلامِيذِهِ وَلِبُطْرُس: إِنَّهُ يَسْبِقُكُم إِلى الـجَلِيل.
وهُنَاكَ تَرَوْنَهُ، كَمَا قَالَ لَكُم".َفخَرَجْنَ مِنَ
القَبْرِ وَهَرَبْنَ مِنْ شِدَّةِ الرِّعْدَةِ والذُّهُول.
وَمِنْ خَوْفِهِنَّ لَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا.
حقيقة قيامة المسيح ترتكز على اربعة
براهين متلازمة ومتكاملة:
1) حقيقة موت المسيح: بشهادة قائد
المئة المسؤول عن عملية الصلب (متى27/45-56؛ مر15/33-41و45)
وبطعن صدر يسوع بحربة جندي (لو23/44-49؛ يو19/28 وما بعدها).
2) حقيقة دفن يسوع على يد يوسف
الرامي: باستلام الجثة وانزالها عن الصليب
ولفّها
بكفن كتان، ودفنها في قبر منقور في صخرة، ودحرجة حجر كبير على
باب القبر، على مرأى من بعض النساء (لو23/50-56؛ متى27/57-61)،
ثم بحراسة القبر وختم الحجر بامر من بيلاطس (متى27/62-66).
3) اكتشاف القبر الفارغ من قبل
النساء اللواتي أتين باكراً صباح الاحد لتحنيط جثمان يسوع ومعهم
مريم المجدلية التي انفصلت عنهن لتخبر سمعان بطرس ويوحنا
(يو20/1-2)، اما الباقيات فدخلن القبر ورأين ملاكاً اخبرهن ان
يسوع قام وأمرهن بنقل الخبر الى التلاميذ (متى28/1-10؛
مر16/1-8)، ثم من قبل سمعان- بطرس ويوحنا مع تفاصيل ادق
(يو20/3-8)، اللفائف الملقاة والكفن الذي كان على رأسه، وكلها
تدل وكأن جسد الرب تبخر دون تحريك فرأيا اللفائف والكفن من
مكانها ؛ بطرس "رأى ومضى متعجباً مما جرى" (لو24/12)، اما يوحنا
" فرأى وآمن" (يو20/8).
4) ظهورات يسوع بعد القيامة اولاً
للمجدلية (يو20/11-18)، ثم لبطرس (لو24/34)، فتلميذي عماوس
(لو24/13-35)، وللتلاميذ مجتمعين (لو24/36-49؛ يو20/19-29)، ومن
بعد ذلك على بحيرة طبريا. وتواصلت الظهورات اربعين يوماً حتى
صعوده الى السماء.
قيامة يسوع هي اكتمال الفصح وملء
الفداء. انه حي الى الابد. التذكار يصبح تحقيقاً
آنياً، والتحقيق انتظاراً. وتتواصل ثمار الفداء في
النفوس، حتى نهاية الازمنة، بقوة نعمة الاسرار الخلاصية السبعة
التي تنطلق من القربان وتؤدي اليه. هذا ما عناه بولس الرسول
بقوله: " ان كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا اذن باطل، وايمانكم
باطل ايضاً. ونكون نحن ايضاً شهوداً كذبة لله، لاننا شهدنا لله
انه أقام المسيح، وهو لم يقمه. وان كان المسيح لم يقم، فايمانكم
باطل، وانتم الى الآن ما زلتم في خطاياكم. ولعل الذين رقدوا
بالمسيح قد هلكوا. وان كنا نرجو المسيح في هذه الدنيا فقط، فنحن
أتعس الناس جميعاً. لكن المسيح قام من بين الاموات، وصار بكر
الراقدين. وكما ان الموت كان بانسان واحد، كذلك بانسان واحد تكون
قيامة الاموات. وكما انه بآدم يموت جميع الناس، كذلك بالمسيح
جميعهم يحيون" (1كور15/14-22).
***
صلاة
ايها الرب يسوع القائم من الموت، انت
الراعي الصالح الذي افتديتنا بموتك على الصليب لتحررنا من
الخطيئة والموت. انت الخبز الحقيقي الذي يمنحنا الحياة الجديدة
ويقدسنا. كن لنا الغذاء الدائم واحرسنا. أرنا الخير الاسمى في
هذه الدنيا، فانت غذاؤنا في هذه الفانية. خذنا اليك، يا رب،
وأجلسنا الى مائدتك، واجعلنا ورثة في عائلة القديسين، حيث نمجد
ونسبّح الآب والابن والروح القدس الى الابد، آمين ( صلاة المؤتمر
القرباني).
المسيح قام! حقاً
قام.!
الاحد 30 اذار 2008
الاحد الجديد
الازمنة الجديدة وحضارة القربان
انجيل القديس يوحنا 20/26-31
وبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّام، كَانَ تَلامِيذُ يَسُوعَ
ثَانِيَةً في البَيْت، وتُومَا مَعَهُم. جَاءَ يَسُوع،
والأَبْوَابُ مُغْلَقَة، فَوَقَفَ في الوَسَطِ وقَال:
"أَلسَّلامُ لَكُم!".
ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: "هَاتِ
إِصْبَعَكَ إِلى هُنَا، وانْظُرْ يَدَيَّ. وهَاتِ يَدَكَ،
وضَعْهَا في جَنْبِي. ولا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ كُنْ
مُؤْمِنًا!".
أَجَابَ تُومَا وقَالَ لَهُ: "رَبِّي وإِلـهِي!".
قَالَ لَهُ يَسُوع: "لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْت؟ طُوبَى لِمَنْ
لَمْ يَرَوا وآمَنُوا!". وصَنَعَ يَسُوعُ أَمَامَ تَلامِيذِهِ
آيَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً لَمْ تُدَوَّنْ في هـذَا الكِتَاب.
وإِنَّمَا دُوِّنَتْ هـذِهِ
لِكَي تُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الـمَسِيحُ ابْنُ الله،
ولِكَي تَكُونَ لَكُم، إِذَا آمَنْتُم، الـحَيَاةُ بِاسْمِهِ.
انجيل اليوم تتمة لنص سابق ( يو20/19-25) الذي يخبر ان
يسوع في مساء يوم قيامته وهو الاحد، وبينما التلاميذ مجتمعون،
وتوما لم يكن معهم، والابواب موصدة، خوفاًُ من اليهود، جاء يسوع
ووقف بينهم... واراهم يديه وجنبه... ونفخ فيهم وقال" خذوا الروح
القدس". لقد افاض عليهم من جراح صلبه الروح القدس للحياة
الجديدة، وبقيامته انشأ خلقأ جديدأ. هذا هو العهد الجديد، عهد
افتداء العالم: " هكذا أحب الله العالم حتى انه جاد بابنه
الوحيد" (يو3/16)، جاد به الآب بالتجسد، والابن جاد بنفسه على
الصليب بالفداء، والروح القدس يجود بنفسه لتقديس الانسان بثمار
التجسد والفداء.
في انجيل اليوم، يسوع القائم من الموت يظهر لتوما يديه
وجنبه، اسوة بالتلاميذ الآخرين، وبدون كلام نفخ فيه الروح القدس،
فرأى جراح الانسان وآمن بالاله، وهتف بما اصبح هتاف ايمان
الكنيسة: " ربي والهي". وينهي يوحنا الانجيلي فعلياً ثمار
هذا الايمان: " من يؤمن ان يسوع المسيح هو ابن الله، كانت له
باسمه الحياة الالهية (يو20/31).
الاحد الجديد بداية الازمنة الجديدة وفيها ان محبة الله
تفيض على البشرية والعالم من صليب المسيح، فحيث كثرت الخطيئة
فاضت نعمة الغفران للذين "ينظرون الى الذي طعنوا" ( يو19/37). من
هذا المطعون بحربة الخطيئة يفيض دم وماء: ماء المعمودية للولادة
الجديدة، ودم الافخارستيا لفداء الكثيرين (يو19/23-34). ظهور
الرب يسوع للرسل في احد قيامته، وظهوره لتوما في الاحد التالي هو
قداسه بامتيازفي بُعديه: الذبيحة بعلامات الصلب في يديه وجنبه،
ووليمة الحياة الجديدة بهبة الروح القدس.
اولاً، شرح نص الانجيل
1.
الاحد الجديد بداية زمن الكنيسة
بقيامة الرب يسوع من الموت وظهوره
للرسل ومنحهم الروح القدس ولدت الكنيسة مثل السنبلة من
حبة القمح، وتقوّت بمواهب الروح القدس، واعتذت من جسد المسيح
ودمه. فكانت اسرار النشأة المسيحية الثلاثة: المعمودية والميرون
والقربان. الكنيسة هي سرّ الاتحاد بالله من خلال هذه الاسرار
والوحدة بين المؤمنين. ان الذين تعمدوا في جسد واحد ومُسحوا
بميرون الروح القدس، يلتقون اخوة في الاحتفال بالافخارستيا التي
هي "سرّ التقوى وعلامة الوحدة ورباط المحبة" (القديس اغسطينوس).
تتألف الكنيسة من عنصرين، عنصر
الهي هو شركة البشر مع الله الواحد والمثلث الاقانيم
عامودياً، وعنصر بشري هو شركة البشر في ما بينهم افقياً
بقوة وحلول الروح القدس، الحاضر في الكنيسة والعامل فيها، كما
النفس في الجسد البشري ( نور الامم، 7). وبما ان الروح القدس هو
عطية الآب وثمرة صليب الابن، فالثالوث هو الحاضر والعامل في
الكنيسة.
الكنيسة، جماعة الايمان والرجاء
والمحبة، هي مجتمع منظمّ في العالم، يسوسه خليفة بطرس
والاساقفة المتحدون به (مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق7
البند2). الاتحاد الكامل بالكنيسة هو اتحاد في بنيتها المنظورة
برباط حقائق الايمان واسرار الخلاص السبعة والسلطة الكنسية
التشريعية والتنفيذية والقضائية ( ق 8). وبالتالي ابناء الكنيسة
المتحدون معها والمنتمون الى شركتها هم الذين يتبعون بطاعة
مسيحية ما يعلنه رعاة الكنيسة، ممثلو السيد المسيح كمعلمي
الايمان، وما يقرّونه كرؤساء الكنيسة ( ق15 البند1). هذه الشركة
تقتضي منهم الالتزام بالرسالة المسيحية: " كما ارسلني ابي ارسلكم
انا ايضاً. خذوا الروح القدس" ( يو20/21-22).
2.
قداس المسيح
ظهر المسيح للرسل ثم لتوما بجسده
الممجّد القائم من الموت، واراهم آثار الصليب في يديه وجنبه
للدلالة الى ذبيحة الفداء على الصليب، واعطاهم الروح
القدس للحياة الجديدة والرسالة كوليمة روحية. هذان هما
عنصرا سرّ الافخارستيا، القداس الالهي: ذبيحة الفداء والوليمة
الروحية، ومعاً يؤلفان العبادة لله في العهد الجديد.
هذا الظهور هو تواصل وتأوين وتحقيق،
الآن وهنا، لهبة حياته ذبيحة فداء من اجل تحرير البشرية من
الخطيئة والموت، ووليمة تمنح النعمة والحياة الجديدة. قداس
المسيح يتواصل ويتحقق في كل مرة تقيم الكنيسة قداسها بسلطان
الكهنوت الذي تسلمته يوم تأسيسه: " اصنعوا هذا لذكري" (لو20/19).
سرّ القربان، وهو عطية الله بامتياز، يجعل حاضراً وسط الجماعة
وفي الكنيسة المسيح القائم من الموت بكل حياته وسرّه الفصحي،
الآلام والموت والقيامة.
ذبيحة الفداء
هي عطية الله الثالوث التي تصنع مصالحة العالم مع الله بتقدمة
محبة الابن حتى الموت، وبقيامته التي تثبّت انتصار المحبة
الثالوثية على الخطيئة والموت.
الوليمة الروحية
هي تناول جسد الرب ودمه والشركة مع الروح القدس الذي يفيض
المحبة في قلوبنا، كما رنّم القديس افرام السرياني: " سمّى ربنا
الخبز جسده الحي، وملاءه من ذاته ومن الروح القدس. فمن يأكل منه،
انما يأكل النار والروح. خذوا كلوا كلكم جسدي ومعه الروح القدس.
هذا حقاً جسدي، من يأكله يعيش الى الابد" (راجع رسالة البابا
يوحنا بولس الثاني: الكنيسة من الافخارستيا تحيا،17). بتناولنا
جسد الرب ودمه، نتناول المسيح، فتمتلىء النفس من نعمة الروح
القدس، المحبة والوحدة، عربون المجد الآتي" (الدستور المجمعي في
الليتورجيا المقدسة،47).
عبادة الله في العهد الجديد
هي ذبيحة المسيح بدمه يكفّر بها عن خطايا البشر اجمعين، ويحقق
مصالحتهم مع الله. هذه العبادة الحقيقية لله اعلنها بولس الرسول:
" جاء المسيح رئيس كهنةٍ للخيرات المستقبلة. فدخل قدس الاقداس
مرة واحدة، لا بدم التيوس والعجول، بل بدمه، فكسب لنا الخلاص
الابدي. لقد قدّم ذاته الى الله بالروح الازلي قرباناً لا عيب
فيه، فطهّر ضمائرنا من الاعمال الميتة لنعبد الله الحي.
لذلك هو وسيط العهد الجديد، ينال به المدعوون الميراث الابدي
الموعود، لانه مات كفاّرة للمعاصي التي ارتكبها الشعب" (
عبرانيين9/11-15) ( اقتباس من الوثيقة التحضيرية للمؤتمر
القرباني في كيبك بكندا، القسم الاول).
عن هذه العبادة عبّر توما الرسول
بهتافه: " ربي والهي!"، وتعبّر الكنيسة بلسان الجماعة المصلية
عن ايمانها: " نذكر موتك يا رب، ونعترف بقيامتك، وننتظر مجيئك
الثاني، فلتشمل مراحمك كلنا" ( نافور القداس).
***
ثانياً، القربان، سرّ المحبة
وعطية الله لحياة العالم
في زمن الفصح نخصص القسم الثاني من
التنشئة المسيحية لموضوع القربان، سرّ المحبة وعطية الله
لحياة العالم. نستمده من وثيقتين: الارشاد الرسولي " سرّ
المحبة" الذي اصدره قداسة البابا بندكتوس السادس عشر بتاريخ
22 شباط 2007، في اعقاب الجمعية العادية لسينودس الاساقفة حول "
الافخارستيا ينبوع وذروة حياة الكنيسة ورسالتها" ( 2-23 تشرين
الاول 2005)، ووثيقة التحضير للمؤتمر القرباني الدولي التاسع
والاربعين الذي سينعقد في كبيك – بكندا من 15 الى 22 حزيران
2008، بعنوان: " الافخارستيا عطية الله لحياة العالم".
1.
القربان عطية الله
القربان عطية الله بامتياز،
لانه هبة ذاته بالمسيح، بشخصه وبشريته المقدسة وعمله الخلاصي
(الكنيسة من الافخارستيا،11). ففي القداس، نتذكر هبة المسيح ذاته
وقد اعطانا جسده ودمه، ذبيحة تفتدي البشرية من الخطيئة
والموت، ووليمة روحية تنقل للبشر الحياة الابدية. بتأسيس
سرّ القربان أعطي لنا الحب بشخص المسيح ابن الله المتجسد، أعطي
لنا الله - محبة. وفي اثناء التأسيس غسل ارجل الرسل، كهنة العهد
الجديد، لكي يكونوا بدورهم عطية محبة لكل انسان، ولكي يكون كل
كاهن كاهناً وذبيحة، يؤدي الخدمة الكهنوتية ويجعل من نفسه ذبيحة
عطاء وبذل. وهذا ما يدعى اليه كل مسيحي بحكم المعمودية والميرون،
وقد اصبح شريكاً في كهنوت المسيح العام (الوثيقة لتحضير للمؤتمر
القرباني، القسم الاول: الافخارستيا، عطية الله بامتياز).
2.
القربان سرّ المحبة
( القديس توما الاكويني)
فيما الرب يسوع يهبنا ذاته في سرّ
القربان، فانه يعلن محبة الله اللامتناهية لكل انسان. في هذا
السّر العجيب يظهر " الحب الاعظم" الذي يدفع الى بذل الذات من
اجل الاحباء" (يو15/13)، والذي " يحبّهم حتى النهاية" ( يو13/1)،
حتى الموت على الصليب فدىّ عنهم، وحتى هبة جسده ودمه خبزاً
سماوياً، من يأكل منه لا يموت، بل ينال الحياة الابدية والقيامة
في اليوم الاخير (يو6/54) ( سرّ المحبة،1).
3.
القربان والاسرار
القربان، سرّ محبة الله وعطية ذاته
لحياة العالم، هو ينبوع الاسرار الجارية من ذبيحة المسيح، وملء
فيض محبة الآب وحلول الروح القدس. هذه الاسرار، فيما الكنيسة
تقبلها الكنيسة وتعبّر فيها عن ذاتها، تجعلها "اداة الخلاص
الشاملة"، و"علامة واداة الاتحاد بالله ووحدة الجنس البشري" (
الدستور العقائدي في الكنيسة، 1؛ 48).
4. الافخارستيا والكهنوت
ثمة رباط وثيق بين الافخارستيا
والكهنوت بدأ في العشاء السرّي، حيث اسس الرب يسوع في الوقت نفسه
سرّي القربان والكهنوت. فبعد تأسيس القربان: خذوا كلوا منه كلكم،
هذا هو جسدي الذي يبذل من اجلكم ومن اجل الكثيرين لمغفرة
الخطايا، وخذوا اشربوا منها كلكم، هذه كأس دمي الذي يراق من
اجلكم ومن اجل الكثيرين لمغفرة الخطايا"، اضاف مؤسساً الكهنوت:
"اصنعوا هذا لذكري" ( لو22/19). ثم نظمت الكنيسة ذبيحة القداس
ورسامة الكهنة للاحتفال به.
الرباط بين القربان والكهنوت هو ان المسيح نفسه حاضر في
كنيسته، ووسط الجماعة، كرأس لها وراعٍ صالح وكاهن وذبيحة الفداء،
من خلال الكاهن الذي يرئس القداس باسم المسيح الرأس، والذي يعمل
باسم الكنيسة عندما يقدّم الى الله صلاتها وذبيحة القربان. يُطلب
من الكاهن، في هذه الخدمة، ان يكون علامة واداة طيّعة تكشف وجه
المسيح وتؤدي اليه. ما يقتضي منه تواضعاً في الاحتفال الليتورجي،
وطاعة للرتبة الطقسية، متجنباً المبادرات غير الملائمة. فالكاهن
يقوم بخدمة متواضعة للمسيح وللكنيسة، هي بالحقيقة " خدمة
الحب"، على ما يقول القديس اغسطينوس. انها خدمة الراعي
الصالح الذي يبذل نفسه من اجل الخراف ( يو10/14-15).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق
المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص
المجمعي السابع: " الكهنة والشمامسة في الكنيسة المارونية"،
وتحديداً " التطلعات المستقبلية واقتراحات للتجديد"، في
ما يختص باختيار الدعوات الكهنوتية ولجنة الدعوات والمدرسة
الاكليريكية ومراكز التنشئة.
1.
اختيار الدعوات الكهنوتية ( فقرة51)
الدعوة ابنة بيئتها. يوصي المجمع
البطريركي الجماعة المسيحية الرعوية بعيش الشهادة للمسيح وتحسس
حاجات الكنيسة والتوعية على اهمية الخدمة الكهنوتية، وتشجيع من
يشعر بالدعوة وتقديمه للاسقف. كما يوصي بالتشجيع على الخدمة
الشماسية الدائمة لمن كانوا متمتعين بالكفاية والاستقرار
الاجتماعي. يحتفظون بمهنتهم وعملهم، ويقومون بالخدمة الكنسية في
موآزرة كاهن الرعية ومطران الابرشية.
2.
لجنة الدعوات في الابرشية ( الفقرة 52)
لكي يتمكن مطران الابرشية من معرفة
المدعوين الى الكهنوت وتمييز
المستحقين، يعيّن لجنة للدعوات
في الابرشية لتوآزره في العمل على ايقاظ الدعوات واستقبال
المدعوين وتوجيههم والوقوف على العلامات الاولى لدعوتهم. ثم
ترافق المدعوين في مدرستهم الاكليريكية انسانياً وروحياً
بالتعاون مع الادارة والمرشدين. وتعمل مع كهنة رعاياهم على
انخراطهم في حياتها ورسالتها، ما يفتح المدعوين على آفاق الخدمة
الكهنوتية، ويتيح للكهنة ان يمييزوا دعوتهم، ويطلعوا الاسقف على
رؤيتهم. يبقى على مطران الابرشية اتخاذ القرار النهائي بقبولهم
ورسامتهم، بفضل هذه الموآزرة.
3.
المدرسة الاكليريكية ( الفقرة53).
انها المكان الذي يؤمن للمدعوين تنشئة
روحية وانسانية وعلمية وليتورجية ورسولية ملائمة، بالتعاون مع
كليات اللاهوت والمعاهد. ونظراً لاهمية توحيد التنشئة بين مختلف
المدارس الاكليريكية، يدعو المجمع الى انشاء لجنة متخصصة مؤلفة
من رؤساء هذه المدارس للتنسيق ولوضع شرعة للتنشئة الكهنوتية في
كنيستنا تتضمن المبادىء العامة وخصائص الكنيسة المارونية.
4.
مراكز تنشئة خاصة
(الفقرة 54).
من اجل تأمين تنشئة ملائمة للمتزوجين
البالغين المدعوين للكهنوت او للشماسية الدائمة، يوصي المجمع
بانشاء مركز مخصص لهذه الغاية. كما يوصي بانشاء مركز خاص لتنشئة
المدعوين الى الخدمة الكهنوتية في بلدان الانتشار والارساليات،
وفقاً لحاجات المجتمعات التي يقصدونها.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، بموتك وقيامتك أدخلت
البشرية في الازمنة الجديدة المطبوعة بحضارة القربان ف بُعديه:
الذبيحة الالهية لمغفرة الخطايا والمصالحة، والوليمة الروحية
للحياة الالهية فينا. نشكرك على هبة ذاتك لنا وللعالم. اعطنا ان
نُدخل في ثقافتنا حضارة التضامن والمصالحة والعطاء بتفانٍ وسخاء.
بارك العائلة المسيحية لتظل كنيسة بيتية تربي اجيالها على مفاعيل
المعمودية، وتنمّيها وفقاً لمواهب الروح القدس، وتكمّلها بالمحبة
النابعة من سرّ القربان. للثالوث القدوس، الآب والابن والروح
القدس، كل مجد وتسبيح وشكران، الآن والى الابد، آمين.
الاحد 6 نيسان 2008
الاحد الثالث من زمن القيامة
القداس في حياة المؤمنين والكنيسة
انجيل القديس لوقا 24/13-35
وَفي اليَوْمِ عَينِهِ، كانَ اثْنَانِ مِنْهُم ذَاهِبَيْنِ إِلَى
قَرْيَةٍ تُدْعَى عِمَّاوُس، تَبْعُدُ نَحْوَ سَبْعَةِ أَمْيَالٍ
عَنْ أُورَشَلِيم.
وَكانَا يَتَحَادَثَانِ بِكُلِّ تِلْكَ الأُمُورِ
الَّتِي حَدَثَتْ.
وفيمَا هُمَا يَتَحَادَثَانِ
وَيَتَسَاءَلان، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ اقْتَرَبَ
مِنْهُمَا، وَرَاحَ يَسِيرُ مَعَهُمَا.
ولـكِنَّ أَعْيُنَهُمَا
أُمْسِكَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ.
أَمَّا هُوَ فَقَالَ لَهُمَا: "مَا هـذَا الكَلامُ الَّذي
تَتَحَادَثَانِ بِهِ، وَأَنْتُمَا تَسِيرَان؟". فَوَقَفَا
عَابِسَين.
وَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، واسْمُهُ كِلْيُوبَاس، فَقَالَ لَهُ:
"هَلْ أَنْتَ وَحْدَكَ غَرِيبٌ عَنْ أُورَشَلِيم، فَلا تَعْلَمَ
مَا حَدَثَ فِيهَا هـذِهِ الأَيَّام؟".
فَقَالَ لَهُمَا: "ومَا هِيَ؟". فَقَالا لَهُ:
"مَا يَتَعَلَّقُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيّ، الَّذي كَانَ رَجُلاً
نَبِيًّا قَوِيًّا بِالقَوْلِ وَالفِعْل، قُدَّامَ اللهِ
وَالشَّعْبِ كُلِّهِ.
وكَيْفَ أَسْلَمَهُ أَحْبَارُنا وَرُؤَسَاؤُنَا
لِيُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالـمَوْت، وَكَيْفَ صَلَبُوه!
وكُنَّا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذي سَيَفْدِي
إِسْرَائِيل. وَلـكِنْ مَعَ هـذَا كُلِّهِ، فَهـذَا هُوَ
اليَوْمُ الثَّالِثُ بَعْدَ تِلْكَ الأَحْدَاث.
لـكِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ مِنْ جَمَاعَتِنَا
أَدْهَشْنَنَا، لأَنَّهُنَّ ذَهَبْنَ إِلَى القَبْرِ عِنْدَ
الفَجْر،
وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ يَسُوع، فَرَجَعْنَ
وَقُلْنَ إِنَّهُنَّ شَاهَدْنَ مَلائِكَةً تَرَاءَوْا لَهُنَّ
وَقَالُوا إِنَّهُ حَيّ!
ومَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلى القَبْر، فَوَجَدُوهُ
هـكذَا كَمَا قَالَتِ النِّسَاء، وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ
يَرَوْه".
فقَالَ لَهُمَا يَسُوع: "يَا عَدِيـمَيِ الفَهْم، وَبَطِيئَيِ
القَلْبِ في الإِيْمَانِ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ
الأَنْبِيَاء!
أَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الـمَسِيحِ أَنْ يُعَانِيَ تِلْكَ
الآلام، ثُمَّ يَدْخُلَ في مَجْدِهِ؟".
وَفَسَّرَ لَهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ في كُلِّ
الكُتُبِ الـمُقَدَّسَة، مُبْتَدِئًا بِمُوسَى وَجَمِيعِ
الأَنْبِيَاء.
واقْتَرَبَا مِنَ القَرْيَةِ الَّتي كَانَا
ذَاهِبَيْنِ إِلَيْهَا، فتَظَاهَرَ يَسُوعُ بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ
إِلى مَكَانٍ أَبْعَد.
فَتَمَسَّكَا بِهِ قَائِلَين: "أُمْكُثْ مَعَنَا،
فَقَدْ حَانَ الـمَسَاء، وَمَالَ النَّهَار". فَدَخَلَ
لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا.
وفِيمَا كَانَ مُتَّكِئًا مَعَهُمَا، أَخَذَ
الـخُبْزَ، وبَارَكَ، وَكَسَرَ، ونَاوَلَهُمَا.
فانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا،
وَعَرَفَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ تَوَارَى عَنْهُمَا.
فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَر: "أَمَا كَانَ قَلْبُنَا
مُضْطَرِمًا فِينَا، حِينَ كَانَ يُكَلِّمُنَا في الطَّرِيق،
وَيَشْرَحُ لَنَا الكُتُب؟".
وقَامَا في تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْنِهَا،
وَرَجَعَا إِلَى أُورَشَلِيم، فَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ
وَالَّذِينَ مَعَهُم مُجْتَمِعِين،
وَهُم يَقُولُون: "حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ قَام،
وتَرَاءَى لِسِمْعَان!".
أَمَّا هُمَا فَكانَا
يُخْبِرانِ بِمَا حَدَثَ في الطَّرِيق، وَكَيْفَ عَرَفَا يَسُوعَ
عِنْدَ كَسْرِ الـخُبْز.
المسيح القائم من الموت حيّ في سرّ القربان يرافق الانسان
في طريقه، يجري تغييراً خلقياً في داخله ويعطيه دينامية للرسالة
والشهادة. هذا ما جرى لتلميذي عماّوس العائدين من اورشليم الى
سابق حياتهما في بلدتهما عماوس، بعد مأساة الصليب. فقدا المعلّم
الواعد، فتحطمت الانتظارات، وانتابهما قنوط وخيبة، ولفّتهما
الكآبة، مع بريق من الامل لخبر غير أكيد عن قيامته. فاذا بالرب
القائم يسير معهما مسيرة قربانية. بل اقول احتفل بقداسه، وهما لا
يعلمان ولم يعرفاه إلاّ عندما ناولهما الخبز المبارك.
اولاً، شرح نص الانجيل
1.
قداس في عماّوس
القداس هو الاحتفال بعطية الخبز
النازل من السماء: المسيح ابن الله الذي تجسّد ليهبنا ذاته كلمة
تغذّي منا العقول، ويقدم ذاته ذبيحة فداء على الصليب تغسل النفوس
من الخطيئة، ويهبنا وليمة روحية تغذي القلوب بالمحبة وتمنح
الحياة الجديدة وعدم الموت الابدي.
فبعد ان كشف لنا، في حياته التاريخية،
سرّ الله والانسان، واعطانا كلام الحياة الابدية، أسلم ذاته
لايدي الخطأة بالطاعة لارادة الآب الذي عبّر عن "حبه للعالم ببذل
ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل انسان يؤمن به، بل تكون له الحياة
الابدية" (يو3/16). فتألم ومات على الصليب بفعل حب افتدى كل
معاصي ابناء وبنات آدم. بادله الآب هذه الهبة البنوية بهبته
الابوية فاقامه من الموت واعطى البشر، المصالحين معه بدم الابن،
الحياة الجديدة التي لا تموت. بهذا التبادل اقام التواصل والشركة
بين السماء والارض، بين الله الذي هو محبة والبشرية المدعوة
لتناول محبته بالايمان. ان ذبيحة المسيح ذبيحة فصحية " تعبر"
بالبشرية من عبودية الخطيئة الى حرية ابناء الله ( وثيقة
التحضير لمؤتمر القرباني التاسع والاربعين، القسم الاول).
من اجل استمرارية التجسد، وذبيحة
الفداء لمغفرة الخطايا، والقيامة للعبور الى حياة جديدة، اسس
الرب يسوع في عشائه الاخير سرّ القربان، تذكاراً وتحقيقاً
وانتظاراً، واسس في الوقت عينه الكهنوت لخدمة سرّ المحبة هذا.
وراحت الكنيسة الناشئة بعد صعوده الى السماء، وارسال روحه
القدوس، تحتفل بهذا السّر المعروف " بكسّر الخبز" في كتاب اعمال
الرسل.
على طريق عماوس
وفي البيت اقام المسيح القائم من الموت قداسه: مشى مع التلميذين
ونقل اليهما كلام الحياة وشرح لهما الكتب التي تكشف سرّه، فاختلج
قلباهما عزاءً وفرحاً. هذا هو القسم الاول من القداس:
الجماعة المؤمنة تدخل في حوار مع الله وتصغي لكلامه الحي يُتلى
عليها نصوصاً ويشرحه الكاهن بالعظة المؤلفة من ثلاثة: بماذا
نؤمن؟ وماذا نفعل؟ وماذا نرجو في طريقنا عبر هذه الدنيا نحو الله
والوطن السعيد.
وفي البيت،
جلس يسوع معهما الى المائدة، المتمثلة بالمذبح وكسر الخبز علامة
موته على الصليب ذبيحة فداء، وهو القسم الثاني من القداس
المعروف بالنافور، وفيه الاحتفال بالمصالحة والذبيحة التكفيرية
وصلوات التشفع. ثم ناولهما الخبز الذي حوّله الى جسده للحياة
الجديدة، وهو القسم الثالث، المعروف بالمناولة، فعرفاه
وامتلكاه ودخل في اعماقهما، فغاب عن نظرهما. عندئذ استعادا القوى
الحسية والمعنوية، ودينامية الرسالة والشهادة، وعادا حالاً الى
اورشليم حيث جماعة الرسل لينقلا خبر الفرح والرجاء. هذا هو
ختام القداس والانصراف لاعلان سرّ المحبة في القول والمسلك
والعمل.
2.
القداس اليوم في حياة المؤمنين والكنيسة.
انجيل تلميذي عماوس وقداس المسيح نموذج لما يجريه قداسنا
في حياة المؤمنين والكنيسة على ثلاثة مستويات.
أ-
القربان رفيق دربنا
المسيح في سرّ القربان يقطع الطريق مع
كل انسان في رحلة هذه الدنيا، لئلا ينحرف عن غاية وجوده، وهي
الانتصار على الخطيئة والموت بنعمة المسيح الحاضر بشكل خاص في
الاحتفال بالافخارستيا. وفيما نحن بعد " أناساً عابرين ومسافرين"
(1بطرس2/11) في هذا العالم، فاننا نشارك منذ الآن بالايمان في
ملء الحياة عند الله. ان وليمة القربان، التي تكشف لنا بعدها
النهيوي، تعضد حريتنا في طريق الحياة، لتأتي خياراتها في اطار
الحقيقة والخير( سرّ المحبة،30).
ب-
القربان والتغيير الخلقي والمعنوي
المسيحي الذي يشارك في ذبيحة الصليب،
انما يشارك في محبة عطية المسيح ويتناولها، فيؤهل لعيش هذه
المحبة، والالتزام بها في كل افعاله ومسلكه في الحياة (تألق
الحقيقة،107). سرّ الافخارستيا، الذي لا يُترجم بالافعال، يكون
مبتوراً (البابا بندكتوس السادس عشر، الله محبة،14). التغيير
الخلقي والمعنوي هو جواب الارادة على محبة الرب من كل القلب
والكيان، مع الوعي لمعطوبيتنا. فلنتذكر زكا العشار الذي بعد
استقبل يسوع في بيته تغيّر بكليته: فقرر ان يعطي نصف امواله
للفقراء، وان يردّ اربعة اضعاف الى الذين قد ظلمهم. الى جانب هذا
التغيير الخلقي، يخلق سرّ القربان فينا السكينة الداخلية والفرح
والانشراح ( سرّ المحبة،82).
ج- القربان ودينامية الرسالة
من يحتفل بسرّ المحبة في القربان لا
يستطيع ان يحتفظ لنفسه بالمسيح الذي التقاه وبمحبته التي
تناولها. حاجة العالم هي ان يلتقي المسيح ويؤمن به. انه يحتاج
الى محبة الله. ما اجمل اللقاء بالمسيح ونقله الى الآخرين!
الكنيسة الملتئمة حول سرّ القربان كنيسة رسالته. كل مؤمن يشارك
عن ايمان في القداس، ويختبر جمال اللقاء بالمسيح وبمحبته،
يستطيع ان يقول مع يوحنا الرسول: " ان الذي رأيناه وسمعناه
نبشّركم به، لكي تكونوا انتم ايضاً في شركة معه" (1يو1/3). أليس
المسيح مرسلاً من الاب لفداء العالم (راجع يو3/16-17؛ روم8/32)؟
لا نستطيع التقرب من مائدة القربان، من دون ان ننخرط في حركة
الرسالة، التي تنبع من قلب الله لتبلغ كل الناس (سرّ المحبة،84).
***
ثانياً القربان، سرّ المحبة
وعطية الله للعالم
نتناول اليوم، من الارشاد الرسولي
" سرّ المحبة"، موضوع العلاقة بين الافخارستيا واسرار
النشأة المسيحية: المعمودية والميرون والقربان.
يوجد رباط وثيق بين الثلاثة: نقبل
المعمودية والميرون من اجل قبول القربان. بالمعمودية نأخذ
صورة المسيح، ونصبح اعضاء في جسده الذي هو الكنيسة ( 1كور12/13)،
ونصير ابناء الله، وننتمي الى شعب الله الكهنوتي. والمعمودية هي
الباب الى جميع الاسرار.
بالميرون
نتثبّت في مفاعيل المعمودية، وننال مواهب الروح القدس لبنيان جسد
المسيح ( 1كور12)، ولاعطاء شهادة انجيلية في العالم (القرار
المجمعي في نشاط الكنيسة الرسالي،9 و13).
بالقربان
تكتمل فينا عطايا المعمودية والنشأة المسيحية. ويصبح القربان
محور الحياة الاسرارية كلها وغايتها ( سرّ المحبة،17). فلا بدّ
من اعطاء الاحتفال بالمناولة الاولى كل اهميته وابعاده من خلال
هذا اللقاء الشخصي الاول مع المسيح.
تحتاج هذه الاسرار الى تحضير قابليها
والعرابين والاهل. فان لها تأثيراً كبيراً ليس فقط على حياة
الشخص قابلها، بل على العائلة باسرها، وهو تأثير من شأنه ان يعضد
المهمة التربوية في البيت وفي الجماعة الكنسية.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي
الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي السابع: "
الكهنة والشمامسة في الكنيسة المارونية"، وتحديداً اختبار
المربين في المدارس الاكليريكية، وتنشئة طلاب الكهنوت، وتنشئة
الكهنة المستديمة.
1.
اختيار المربين ( فقرة 55)
يعنى الاساقفة والسيد البطريرك
باختيار الكهنة المربين في المدارس الاكليريكية، من ذوي الكفاءة
الروحية والعلمية والراعوية، وبتعزيز التعاون والتنسيق فيما
بينهم.
2.
تنشئة طلاب الكهنوت ( فقرة 56).
يشدّد المجمع على ان تتناول التنشئة
الكهنوتية بنوع خاص خمس نواحي:
1)
الناحية الانسانية
لتتكون في كاهن الغد شخصية ناضجة تجعل منه جسراً بين الناس
والمسيح، لانه " مقام في الوسط بين الله والناس".
2)
الناحية الروحية
ليحيا كاهن الغد اتحاداً دائماً بالله ويقدّس ذاته، فيكون اهلاً
لخدمة " الاقداس للقديسين بالكمال والنقاوة والقداسة"، ويقود
المؤمنين الى تقديس ذواتهم.
3)
الناحية الفكرية
لتمكّن كاهن الغد من معرفة الله معرفة تساعده على تعليم اخوته
وعلى ادخال ثقافة الانجيل في مختلف الثقافات.
4)
الناحية الراعوية
لتشرك كاهن الغد في محبة المسيح الراعي الصالح بروح الخدمة
السخية والمتفانية لجميع الناس.
5)
الناحية الادارية
لتساعد كاهن الغد على تدبير رعيته تدبيراً حكيماً واميناً.
3.
التنشئة المستمرة للكهنة
(الفقرة 57).
انها امتداد طبيعي ومعمّق لنواحي
التنشئة الخمس. يوصي المجمج بتأمين هذه التنشئة للكهنة والشمامسة
بانشاء جهاز لهذه الغاية، وتأمين الوسائل اللازمة من كتب ومجلات
وتقنيات، وتنظيم دورات تثقيفية، وتخصيص الكهنة وفقاً لمواهبهم
وحاجات الابرشية.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، انت في سرّ القربان
رفيق دربنا في رحلة الدنيا نحو الله والوطن السعيد. أنرنا بكلمة
الانجيل؛ إغفر خطايانا التي نتوب عنها، بفيض من حبك وباستحقاقات
ذبيحتك الخلاصية؛
غذِّ
نفوسنا بخبز جسدك ودمك؛ جدّدنا من الداخل وأجرِ تغييراً في
رؤيتنا ومسلكنا؛ حرّك فينا دينامية الرسالة والشهادة لك وللانجيل.
فليبكّتنا روحك القدوس عن الخطيئة، وليجتذبنا الى سرّ التوبة
والمصالحة لنرمّم الشركة مع الله وفيما بيننا بواسطة سرّ
الافخارستيا. نشكرك على كهنة الكنيسة ورعاتها؛ مكّنهم من حسن
الخدمة لشعبك، فنؤدي جميعاً عبادة الروح والقلب، رافعين الحمد
والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.
الاحد 13 نيسان 2008
الاحد الرابع من زمن القيامة
رمي شبكة الانجيل
انجيل القديس يوحنا 21/1-14
بَعْدَ ذـلِك، ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ مَرَّةً أُخْرَى
عَلى بُحَيْرَةِ طَبَرَيَّة، وهـكَذَا ظَهَر: كَانَ سِمْعَانُ
بُطْرُس، وتُومَا الـمُلَقَّبُ بِالتَّوْأَم، ونَتَنَائِيلُ
الَّذي مِنْ قَانَا الـجَلِيل، وابْنَا زَبَدَى، وتِلْمِيذَانِ
آخَرَانِ مِنْ تَلامِيذِ يَسُوع، مُجْتَمِعِينَ مَعًا.َ قالَ
لَهُم سِمْعَانُ بُطْرُس: "أَنَا ذَاهِبٌ أَصْطَادُ سَمَكًا".
قَالُوا لَهُ: "ونَحْنُ أَيْضًا نَأْتِي مَعَكَ". فَخَرَجُوا
وَرَكِبُوا السَّفِينَة، فَمَا أَصَابُوا في تِلْكَ اللَّيْلَةِ
شَيْئًا. ولَمَّا طَلَعَ الفَجْر، وَقَفَ يَسُوعُ عَلى
الشَّاطِئ، ولـكِنَّ التَّلامِيذَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ
يَسُوع. فَقَالَ لَهُم يَسُوع: "يَا فِتْيَان، أَمَا عِنْدَكُم
قَلِيلٌ مِنَ السَّمَك؟". أَجَابُوه: "لا!". فَقَالَ لَهُم:
"أَلْقُوا الشَّبَكةَ إِلى يَمِينِ السَّفِينَةِ تَجِدُوا".
وأَلقَوْهَا، فَمَا قَدِرُوا عَلى اجْتِذَابِهَا مِنْ كَثْرَةِ
السَّمَك. فَقَالَ ذـلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذي كَانَ يَسُوعُ
يُحِبُّهُ لِبُطْرُس: "إِنَّهُ الرَّبّ". فَلَمَّا سَمِعَ
سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبّ، إِتَّزَرَ بِثَوْبِهِ،
لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وأَلْقَى بِنَفْسِهِ في البُحَيْرَة.
َأما التَّلامِيذُ الآخَرُونَ فَجَاؤُوا بِالسَّفِينَة، وهُمْ
يَسْحَبُونَ الشَّبَكَةَ الـمَمْلُوءَةَ سَمَكًا، ومَا كَانُوا
بَعِيدِينَ عَنِ البَرِّ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَي ذِرَاع. ولَمَّا
نَزَلُوا إِلى البَرّ، رَأَوا جَمْرًا، وسَمَكًا عَلى الـجَمْر،
وخُبْزًا. قَالَ لَهُم يَسُوع: "هَاتُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذي
أَصَبْتُمُوهُ الآن". فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ إِلى
السَّفِينَة، وجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلى البَرّ، وهِيَ
مَمْلُوءَةٌ سَمَكًا كَبِيرًا، مِئَةً وثَلاثًا وخَمْسِين. ومَعَ
هـذِهِ الكَثْرَةِ لَمْ تَتَمَزَّقِ الشَّبَكَة. قَالَ لَهُم
يَسُوع: "هَلُمُّوا تَغَدَّوا". ولَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ مِنَ
التَّلامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: "مَنْ أَنْت؟"، لأَنَّهُم
عَلِمُوا أَنَّهُ الرَّبّ. وتَقَدَّمَ يَسُوعُ وأَخَذَ الـخُبْزَ
ونَاوَلَهُم. ثُمَّ فَعَلَ كَذـلِكَ بِالسَّمَك. هـذِهِ مَرَّةٌ
ثَالِثَةٌ ظَهَرَ فيهَا يَسُوعُ لِلتَّلامِيذِ بَعْدَ أَنْ قَامَ
مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات.
هذه المرة الثالثة يتراءى فيها يسوع لتلاميذه من بين الاموات.
لكل ظهور غايته ومعانيه: في الترائي الاول، مساء قيامته (
يو20/19-25)، دخل يسوع على التلاميذ، والابواب موصدة، نفخ فيهم
الروح القدس، الحياة الابدية الجديدة، واولاهم السلطان لمنح هذا
الروح لمغفرة الخطايا. في الترائي الثاني، بعد ثمانية
ايام ( يو20/26-31)، دخل عليهم من جديد، وتوما معهم، والابواب
مغلقة، وازال الشك من قلوبهم ورسّخ فيهم حقيقة قيامته، وأعلن
الطوبى للذين يؤمنون به على ايديهم. في هذا الترائي الثالث
على شاطىء بحيرة طبرية ( يو21/1-14)، كشف انه معهم والى جانبهم
في جهود الحياة والرسالة، وأنهم اذا أمنوا به عضدهم في الصيد
العجيب وقد وعد يوماً: "من أمن بي، يعمل هو ايضاً الاعمال التي
اعملها أنا، بل يعمل اعظم منها، لأني ماضٍ الى أبي" (يو21/12).
التلاميذ هم نواة الكنيسة وجماعتها الاولى. ظهورات الرب لهم هي
تدريب للكنيسة المولودة من سرّ موته وقيامته، الى ان تعتمد
وتتثبّت بحلول الروح القدس يوم العنصرة، وتنطلق للرسالة الجديدة.
***
اولاً، شرح نص الانجيل
1.
يسوع القائم من الموت حاضر ابداً مع الانسان والكنيسة
" تراىء لهم على شاطىء بحيرة طبرية" (يو21/1).
لم يتراىء لهم كروح، بل بجسده البشري الذي تألم وصلب ويحمل آثار
آلامه، وقد سبق واراهم يديه وجنبه في الظهور الاول والثاني
(يو20/20 و27)، للدلالة على الصلة القائمة بين يسوع الذي تألم
وذلك الذي هو باقٍ معنا للابد في سرّ القربان. يسند ضعفنا، يقدس
آلامنا، يعطينا قيمة خلاصية، يقيمنا الى حياة جديدة، كما يقول
بولس الرسول: " انه قد ابتُلي هو نفسه بالآلام، فهو قادر على
اغاثة المبتلين" ( عبرانيين 2/18).
" لكن التلاميذ لم يعرفوا انه يسوع". ذلك ان جسده هذا الحقيقي يتميّز
بخصائص الجسد الممجّد الجديدة: فليس بعد الآن مقيداً بمكان
وزمان، بل يستطيع ان يجعل نفسه حاضراً كما واين ومتى يشاء.
بشريته ليست مرتبطة بالارض بل تنتمي الى العالم الالهي، فباتت
علاقتنا معه علاقة الحب والرجاء والايمان، لا اللمس والمشاهدة،
كما قال للمجدلية: " لا تلمسيني" ( يو20/17). يسوع القائم من
الموت يستطيع الترائي كما يريد: المجدلية ظنته البستاني وعرفته
من صوته (يو20/15-16)، التلاميذ وتوما عرفوه من آثار المسامير
والحربة ( يو20/20و27-28)، يوحنا عرفه من الصيد العجيب
(يو21/6-7). يتراىء لهم ليذكي ايمانهم.
اليوم يأتي اليهم على شاطىء البحيرة، يسألهم عن نتيجة الصيد،
يوجههم لالقاء الشبكة عن يمين السفينة، يأكل معهم من السمك الذي
اصطادوه. ان جسده الممجد بالقيامة ظل محجوباً تحت مظاهر بشرية
عادية، وسيظل هكذا طيلة اربعين يوماً، حتى صعوده الى السماء. هذا
يعني انه معنا ومع الكنيسة الى الآبد: يحضر، يخاطب، يوجه. نحن
والكنيسة نستحضره بيننا ومعنا، نحاوره بصلاتنا وتأملاتنا، ونصغي
اليه بقراءة الكتب المقدسة وتعليم الكنيسة وتفسير علامات الازمنة،
ونلتقيه في السّر الخلاصي ونشفى بنعمته. ليس المسيح شخصاً من
الماضي، ولا قصة تروى، ولا مجرد تذكار يُقتصر على بعض الممارسات
الطقسية والتقوية والظرفية. بل هو اياه امس واليوم والى الابد
شخص نؤمن به، ونترجى تجليه، ونحبه، ونخدمه في الاخوة، وهو يخلصنا
بنعمته ويجددنا بالروح القدس.
2.
الصيد العجيب حدث دائم
عندما دعا يسوع سمعان بطرس، في اعقاب صيد عجيب مماثل (
لو5/1-11)، قال له: "لا تخف، ستكون بعد اليوم صياداً للناس" ( لو
5/10).
السفينة هي الكنيسة، الصيادون هم الرسل وخلفائهم الاساقفة
ومعاونوهم الكهنة وكل المعمدين المشاركين في كهنوت المسيح
النبوي، الشباك هي كلمة الانجيل، البحر هو العالم، السمك هم
الناس من كل عرق ولون وثقافة، وقد رمز اليهم العدد 153. يقول
القديس ايرونيموس: " شبكة الرسل تجمع جميع العائلات البشرية في
الكنيسة الواحدة"، من وحي قول الرب يسوع: " يشبه ملكوت السموات
شبكة ألقيت في البحر فجمعت من كل جنس" ( متى13/47).
صورة الصيد والشباك مستعملة في كتب
العهد القديم انما بالمعنى السلبي، للدلالة على الاشرار الذين
يأخذون الابرار في شباكهم. النبي حبوق يرفع شكواه الى
الله عن تعديات الظالمين، وبوجه التحديد عن المجتاح الكلداني: "
ألست أنت الرب منذ القديم، الهي وقدوسي فلا تموت؟ عيناك أطهر من
ان ترى الشر، ولست تطيق النظر الى الاثم. فلم تصمت عندما يبتلع
الشريرُ ما هو أبرّ منه؟ انه يرفعهم جميعاً بصنارته، ويجرهم
بشبكته ويجمعهم في شركه، فلذلك يفرح ويبتهج" ( حبوق1/12-15).
وهكذا نصلي مع صاحب المزامير: " بك اعتصمت يا رب، فلا أخز للآبد.
من الشباك التي طمروها لي أخرجني، لانك انت قوتي" ( مز31/2 و5).
وايضاً: " نصيبي يا رب ان احفظ كلامك. شباك الاشرار
التفّت
عليّ، ولم انس شريعتك" ( مز119/57 و61).
السيد المسيح،
المخلص والفادي، جاء ليحرر الانسان من شباك الشيطان والاشرار،
ومن شباك الخطيئة والموت. واراد الكنيسة اداة لهذا الخلاص
والتحرير، بشباك الانجيل والحق. اوصى بولس الرسول تلميذه
طيموتاوس: " ان يكون خادمُ الرب لطيفاً بجميع الناس، اهلاً
للتعليم، صبوراً، وديعاً في تأديب المخالفين، عسى ان يهديهم الله
فيعرفوا الحق، ويعودوا الى رشدهم، اذا ما افلتوا من فخ ابليس
الذي اعتقلهم ليجعلهم رهن مشيئته" ( 2طيم/24-26). رعاة
الكنيسة هم صيادوا الناس، يجب ان يكون همهم ان يلقوا
شبكة الانجيل على جميع البشر ليصطادوهم الى الحرية والخلاص،
ويضمّوهم الى الكنيسة. انها السفينة التي تعبر بنا، بما لها من
وسائل كلمة ونعمة ومحبة، الى ميناء الخلاص، بقيادة رعاتها الذين
قبلوا المهمة بسرّ الدرجة المقدسة من المسيح الفادي.
حدث الصيد العجيب يتواصل بكل عناصره.
عملية صيد الكنيسة تضمّ اليوم، من مجموع سكان الارض
البالغ 5 مليارات، ملياراً وستماية مليون مسيحي، بينهم مليار
وعشرة ملايين كاثوليكي. ما زالت صلاة السيد المسيح ملحّة:
"الحصاد كثير والفعلة قليلون. فاطلبوا من رب الحصاد ان يُخرج
فعلة لحصاده" ( لو9/38). يقدّر عدد الفعلة في الكنيسة
الكاثوليكية على وجه التعريف كالتالي: 3.386.000 موزعين
كالتالي: 5000 اسقفاً، 504.208 كهنة ( ابرشيين ورهباناً)، 30.407
شمامسة، 58.210 رهبان غير كهنة، 919.278 راهبة، 33.197 مكرساً في
مؤسسات علمانية، 36.068 مرسل علماني، 500.21 معلم تعليم مسيحي.
نسبة الكاثوليك في العالم والقارات:
18
٪
من سكان الارض، 63٪
في القارة الاميركية، 41.3 ٪ في اوروبا، 27.5
٪
في اوقيانيا ، 15
٪
في افريقيا 3٪
في اسيا.
عدد الاديان الاخرى: اليهود ( 15
مليون)، المسلمون ( مليار)، الهندسيون ( 600 مليون)، البوذيون (
275 مليون)، الكنفوشيوسيون ( 200 مليون)، الشنتيونshintoites
( 60 مليون)، الطاويون
Taoistes
( 40 مليون)، الذين بدون ديانة
Animistes
( 150 مليون)، الملحدون (150 مليون).
3.
الكلمة والافخارستيا طعام المؤمنون
" دنا يسوع فاخذ الخبز وناولهم، وفعل
مثل ذلك في السمك" (يو 21/13).
هذه اشارة الى الافخارستيا، حيث نجلس
الى مائدة جسد الرب نقرأ في الارشاد الرسولي: "يسوع المسيح نفسه
هو كلمة الله الذي تنادي به الكنيسة، وهو الذي يغذيها على مائدة
الكلمة ومائدة جسده، وهكذا يبنيها" ( رجاء جديد للبنان، 39).
ويوجه الينا القديس أمبروسيوس
هذا النداء: "تناولوا كلام الله اولاً، لتتمكنوا
بهدي ذلك من الاقبال على طعام المسيح، الذي هو جسده" (المرجع
نفسه).
يسوع هو خبز الحياة، من يأكل منه لا
يجوع. وقال عن نفسه " أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء، من
يأكل منه يحيا للأبد. والخبز الذي سأعطيه انا هو جسدي ابذله
ليحيا العالم" (يو6/36 و 51). واكد في موضع أخر ان الانسان لا
يعيش فقط من الخبز المادي، بل وايضاً من كلام الله: " ليس بالخبز
وحده يحيا الانسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ( متى4/4). نحن
نجوع ونعطش لا الى الخبز والماء الماديين وحسب، بل خاصة الى كلام
الله، الذي هو " روح وحياة"، نقبله بالايمان، ونجوع الى جسد
المسيح نقبله في الافخارستيا. هذا هو مضمون الصلاة التي علمنا
اياها الرب " اعطنا خبزنا كفاف يومنا".
عالم اليوم، في ضياعه وازماته المادية
والسياسية والاقتصادية والخلقية، يعيش ازمة الجوع التي
تنبأ عنها عاموس النبي: " ها انها ستأتي ايام، ارسل فيها الجوع
الى الارض، لا الجوع الى الخبز ولا العطش الى ماء، بل الى سماع
كلمة الرب" ( عماوس8/11). كلمة الرب هي مشيئة الله التي جعلها
يسوع قوتاً له يومياً (يو4/34)، ودعا المؤمنين به ليأكلوا من هذا
الخبز الذي يُشبع الروح، اي خبز الكلمة وخبز الافخارستيا. وهكذا
يعيش شعب الله في الحق. فالله نبع كل حقيقة: كلامه هو الحقيقة
(امثال8/7)، شريعته هي الحقيقة (مز119/142). انه الصادق (روم3/4)
ولذلك شعبه مدعو ليعيش في طريق الحق (مز119/30). يسوع المسيح هو
حقيقة الله الكاملة التي ظهرت لنا، انه مملؤ نعمة وحقاً
(يو1/14)، وهو نور العالم (يو8/12): من يؤمن به لا يمشي في
الظلام (يو12/46).
ان يسوع يعطينا خبزه اولاً: "
لما نزلوا الى البّر ابصروا جمراً وعليه سمك وخبز" (يو21/9). ثم
يريد منا ان نقدّم خبزنا ايضاً ليضمه الى خبزه: " هاتوا
من ذلك السمك الذي اصطدتموه الآن" (يو21/10). وبعد ذلك
يدعونا الى مائدته: "تعالوا تغذّوا" (يو21/12)، لكي نفعل
كذلك في مجتمعنا، ناشرين " حضارة المشاركة".
***
ثانياً، القربان سرّ المحبة، عطية الله لحياة
العالم
تحضيراً للمشاركة الروحية في المؤتمر
القرباني التاسع والاربعين ( كبيك بكندا 15-22 حزيران 2008)،
وتطبيقاً للارشاد الرسولي " سرّ المحبة"، نتناول منه
موضوع العلاقة بين الافخارستيا وسرّ التوبة والمصالحة
(الفقرتان 20 و21).
الافخارستيا ذبيحة قدّمها المسيح من
اجل البشرية جمعاء: " من اجلهم ابذل ذاتي" (يو17/18). لما اتت
ساعته، لم يهرب يسوع من اتمام ارادة الآب. بل احبّ الآب وأسلم
ذاته بملء حريته الى أيدي الصالبين حباً بالآب وبالخطأة. القداس
هو تذكار هذه الذبيحة، اعني فعل الحب الفادي الذي يعيد الشركة
بين البشرية والله، بازالة العائق الموضوع من خطيئة العالم (
وثيقة التحضير للمؤتمر، القسم الاول).
بين القربان وسرّ التوبة والمصالحة
رباط وثيق.
التوبة والمصالحة تنبعان من ذبيحة
القربان الفادية. بمقدار ما نحب سرّ القربان، نقدّر سرّ
المصالحة ( الكنيسة من الافخارستيا تحيا، 36). قبول جسد الرب
ودمه في المناولة يقتضي ان يكون المؤمن في حالة النعمة لئلا يسيء
الى القربان الاقدس والطاهر. نبّه بولس الرسول: " من اكل خبز
الرب وشرب كأسه وما كان اهلاً لهما، خطىء الى جسد الرب ودمه.
فليمتحن كل واحد نفسه، ثم يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس.
لان من أكل وشرب وهو لا يحترم جسد الرب، أكل وشرب دينونة لنفسه"
( 1كور 11/27-29). فلا بدّ من اعادة اذكاء الشعور بالخطيئة الذي
غيّبته ثقافة اليوم، ما خلّف سطحية في فهم محبة الله.
ان صلوات القسم الاول من القداس وقسم المناولة
تحمل الكثير من عناصر الندامة والتوبة.
ويوجد رباط وثيق بين سرّ القربان
والمصالحة من جهة الشركة مع الله والوحدة بين الاخوة.
المشاركة في ذبيحة القداس والمناولة هي دخول في الشركة مع الله
ومع الناس. الخطيئة الى الله والاساءة للاخوة يهدمان هذه الشركة.
فلا بدّ من المصالحة بالتوبة اولاً لكي نحصل على ثمار الشركة.
نبّه الرب يسوع بضرورة المصالحة مع الاخوة قبل تقديم القربان
(متى 5/23). رتبة السلام والمصالحة في بداية نافور القداس
تذكرّنا بذلك.
من اجل احياء هذا الرباط يدعو الارشاد
الرسولي " سرّ المحبة" الى تدابير راعوية:
-
ان يؤمّن الكهنة
بسخاء اوقاتاً ملائمة وكافية لسماع اعترافات المؤمنين، وان يتقدم
هؤلاء من سرّ التوبة بتواتر.
-
ان تكون كراسي
الاعتراف منظورة وملائمة.
-
ان يوفر الاسقف
والكهنة للمؤمنين تربية واضحة ومستديمة على سرّ التوبة، وعلى
طريقة فحص الضمير ومضمونه، ومعاني الخطيئة ومجالاتها.
-
ان يتثقف المؤمنون
حول الغفرانات التي تخفف وتزيل الآلام التكفيرية بعد الموت عن
الخطايا المرتكبة، باستحقاقات السيد المسيح والعذراء مريم والرسل
والشهداء وسائر القديسين، وهي معين فياض بالرحمة. مع التشديد، من
اجل اكتسابها، على ضرورة التقدم من سرّ التوبة والمناولة في
القداس، وعلى محورية سرّ القربان في الحياة المسيحية.
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي
الماروني
نختتم اليوم تقبل النص المجمعي السابع
" الكهنة والشمامسة في الكنيسة المارونية" ، وتحديداً
الخاتمة (الفقرة 58).
يفتح النص آفاق الرسالة الكهنوتية من
خلال حاجات الكنيسة وتحديات عالم اليوم.
فالحاجات
تنبع من انتشار كنيستنا في جميع بلدان العالم، واندماجها في
حضارات وثقافات كثيرة التنوع، وتفاعلها مع حركة العولمة وتأثير
هذه عليها وعلى ابنائها وبناتها.
والتحديات
متنوعة من دينية وعلمية واجتماعية وسياسية. يزاد عليها توق
الشعوب الى العدالة والسلام، وعطش الى الحقيقة وصون الكرامة
البشرية، فضلاً عن الحاجة الى روح التضامن والالتزام بنصرة
الضعفاء والمتألمين والمتعثرين، فالى انماء الشخص البشري انماء
شاملاً وانماء المجتمع.
فلا بدّ من ان يتهيأ للكنيسة كهنة
يلبون الحاجات، ويرفعون التحديات ويحملون الرسالة في كل مكان.
ويضع النص المجمعي صفاتهم:
1.
الارتباط بالاساقفة
وبشخص البطريرك في عمق الشركة الكنسة بتوطيد روابط الوحدة
والاخوة الصادقة.
2.
الحصول على ثقافة
تمكّنهم من تعليم الاجيال الطالعة اسس الايمان، وطريقة عيشه،
وطبع شؤونهم الزمنية بطابع قيمه.
3.
عيش مطلقية الانجيل
والشهادة للمسيح الفادي والمخلص من خلال القيام بخدمتهم الراعوية
بتجرد وتفانٍ في العطاء.
4.
الاندفاع بغيرة
الانبياء والرسل ليكونوا فعلة للانجلة الجديدة، مدركين ان
المسيح، الكاهن الابدي وراعي الرعاة، حاضر دائماً وابداً فيهم
وفي الكنيسة والعالم، يقود سفينتهم ويوجّه صيدهم.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، القائم من الموت
والحاضر معنا في سرّ القربان، أظهر نفسك في صباح كل يوم، كما
فعلت على شاطىء بحر طبريه، وافتح عيون عقولنا وقلوبنا لنعرفك.
علّم رعاة الكنيسة ومعاونيهم، بكلمتك وهداية روحك القدوس، كيف
واين يرمون شباك الانجيل، فيما حاجات الكنيسة تتزايد وتحديات
العالم تتعاظم. قوِّ عزيمتنا بخبز كلمتك وجسدك كلّ مرة نجلس الى
مائدتك الالهية، وافتح ايدينا وقلوبنا على تقاسم الخيرات الروحية
والزمنية، لنوسّع للجميع مكان الجلوس الى مائدتك، فتسدّ انت
جوعهم وتروي عطشهم على ايدينا، فمنك كل عطية صالحة، ايها الآب
والابن والروح القدوس، الثالوث المجيد الذي به يليق كل مجد
وتسبيح وشكر، الآن والى الابد.
آمين
الاحد 20 نيسان 2008
الاحد الخامس من زمن القيامة
المحبة اساس السلطة وروحها
انجيل القديس يوحنا 21/15-19
وبَعْدَ الغَدَاء، قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُس: "يَا
سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّنِي
هـؤُلاء؟". قَالَ لَهُ: "نَعَم، يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ
أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ يَسُوع: "إِرْعَ حُمْلانِي".
قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا،
أَتُحِبُّنِي؟". قَالَ لَهُ: "نَعَمْ يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ
أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ يَسُوع: "إِرْعَ نِعَاجِي!".
قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَالِثَة: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا،
أَتُحِبُّنِي؟". فَحَزِنَ بُطْرُس، لأَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ
ثَلاثَ مَرَّات: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: "يَا رَبّ، أَنْتَ
تَعْلَمُ كُلَّ شَيء، وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ".
قَالَ لَهُ يَسُوع: "إِرْعَ خِرَافِي! أَلـحَقَّ الـحَقَّ
أَقُولُ لَكَ: حِينَ كُنْتَ شَابًّا، كُنْتَ تَشُدُّ حِزَامَكَ
بِيَدَيْكَ وتَسِيرُ إِلى حَيْثُ تُرِيد. ولـكِنْ حِينَ تَشِيخ،
سَتَبْسُطُ يَدَيْكَ وآخَرُ يَشُدُّ لَكَ حِزامَكَ، ويَذْهَبُ
بِكَ إِلى حَيْثُ لا تُرِيد". قَالَ يَسُوعُ ذـلِكَ مُشيرًا إِلى
الـمِيتَةِ الَّتِي سَيُمَجِّدُ بِهَا بُطْرُسُ الله. ثُمَّ
قَالَ لَهُ: "إِتْبَعْنِي!".
انجيل اليوم تكملة لظهور الرب يسوع
للتلاميذ على شاطىء بحيرة طبرية. السيد المسيح يسلّم بطرس رعاية
الخراف باسمه، بفضل ما في قلب بطرس من حب شديد لشخص يسوع، ويربط
السلطة بالحب. السلطة من الله، فلا يحسن ممارستها إلاّ من كان في
قلبه حب الله، لان من يحب الله يحب الانسان. وبما ان السلطة
هي فنّ خدمة الخير العام الذي هو خيرالجميع وخير كل انسان،
فالمحبة هي روح السلطة ومشيرتها ومحركتها. " يا سمعان بن
يونا اتحبني اكثر من هؤلاء؟ نعم يا رب! ارع خرافي!". انه انجيل
رعاية الله لشعبه، وانجيل السلطة في الكنيسة والخدمة الراعوية.
***
اولاً، شرح نص الانجيل
1.
رعاية الله لشعبه
صورة الراعي والخراف والرعاية متاصلة في الكتاب المقدس بعهديه
القديم والجديد. وهي مأخوذة من مجتمع زراعي ليبيّن الله علاقته
وعنايته بشعبه وبكل شخص. فالله يأخذ اسم " راعي شعبه"،
ويسمي الشعب " قطيع الله"، والناس " خرافه الناطقة".
اول راعٍ اختاره قديماً لشعبه كان يشوع بن نون عندما
استجاب لطلب موسى الذي التمس منه: " ليوكّل الرب، اله ارواح كل
بشر، رجلاً على الجماعة، يخرج امامهم ويدخل امامهم، يخرجهم
ويدخلهم، لئلا تبقى جماعة الرب كغنم لا راعي لها" (
عدد27/15-17). فقال الرب لموسى: " خذ لك يشوع بن نون، فانه رجل
فيه روح، وضع يدك عليه، واوقفه امام الجماعة كلها، واجعل عليه من
مهابتك، لكي يسمع له بنو الجماعة كلها. بامره يخرجون وبأمره
يدخلون" ( عدد27/18-21). ثم اختار الله داود عبده، ومن
حظيرة الغنم اخذه، من خلف المرضعات اتى به، ليرعى يعقوب عبد
ميراثه. فرعاهم بسلامة قلبه، وهداهم بفطنة يديه" ( مز78/70-72).
نشيد الاناشيد يتفرد بصور عن الرعاية، يستعمل فيها
الله عبارة "الحب" و "الحبيب" و"الحبيبة": " حبيبي لي وانا له،
هو الذي يرعى بين السوسن" ( 2/16). " قل لي، يا من تحبه نفسي،
اين ترعى شعبي"؟ ( 1/7)... " حبيبي نزل الى جنته، الى روضة
الاطياب، ليرعى في الجنائن وبين السوسن" ( 6/2-3).
وفي المزامير، يصلي المؤمن: " الرب راعيَّ فلا يعوزني
شيء. في مراعٍ نضيرة يريحني، ومياه الراحة يوردني. والى سبل
البّر يهديني. اني ولو مشيت في وادي الظلمات، فلا اخاف سوءاً
لانك معي. عصاك وعكازك يعزيانني" ( مز23/1-4). وتصلي الجماعة: "
يا راعي الشعب اصغِ، يا هاديه كالقطيع ارجعنا. انرْ علينا بوجهك
فنخلص. تطلع من السماء وانظر، وتعهدّ هذه الكرمة التي غرستها
يمينك" ( مز 80/15،4،1).
عندما أهمل الرعاة
شعب الله، ولم يعتنوا بالخراف الضعيفة وتسلّطوا بقسوة وقهر،
فأصبحت مشتتة من غير راعٍ، وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقول، وليس
من يبحث عنها" (حزقيال 34/2-6)، وعد الرب بانقاذ الخراف:
" هاءنذا افتقد خرافي، كما يفتقد الراعي قطيعه، يوم يكون في وسط
خرافه المنتشرة وارعاها على الجبال وفي الاودية، وفي مرعى صالح،
فابحث عن الضالة، واردّ الشاردة واجبر المكسورة واقوي الضعيفة،
وارعاها بعدل" (حزقيال 34/12-16). ووعد بارسال " رعاة مثل
قلبه" يرعون الخراف بعلم وفطنة" ( ارميا 3/15).
وتمّ الوعد بيسوع المسيح: الذي استعاد صور العهد
القديم المعروفة وقال: " انا هو الراعي الصالح، الذي ابذل نفسي
عن الخراف" ( يو10/11). فافتدى جميع البشر بموته، واستعادهم
بقيامته، وجمعهم بروحه، وغذاهم على مائدة كلمته وجسده. فكانت
الكنيسة حظيرة الخراف ومراعيها. وهكذا سمّاه بولس الرسول "راعي
الخراف العظيم" (عبر 13/20). واكّد بطرس الرسول: " فقد كنتم
كالغنم ضالين، اما الآن فقد رجعتم الى راعي نفوسكم وحارسها" (1
بطرس2/25).
3.
المحبة اساس السلطة وروحها
" يا سمعان بن يونا، اتحبني؟ ارع
خرافي!"
على شاطىء بحيرة جناشر، في اعقاب صيد
عجيب، تجلى رجاء سمعان بطرس بالمسيح فحوّله الى صياد بشر: " لا
تخف يا سمعان! ستكون بعد اليوم صياداً للناس" ( لو5/10).
وفي قيصرية فيليبس تجلّى ايمانه،
عندما اعلن: " انت هو المسيح ابن الله الحي!" فامتدحه يسوع وبدّل
اسمه من سمعان الى بطرس اي " الصخرة" التي عليها يبني كنيسته،
وسلّمه سلطة الحل والربط ( متى16/13-19).
وعلى شاطىء بحيرة طبريه تجلّى حبه
ليسوع، عندما رمى بنفسه من السفينة وجاء اليه، باكثر سرعة،
دون ان يعنيه صيد السمك العجيب ( يو21/7-8). عندما سأله يسوع
ثلاث مرات سؤالاً يعرف بالتأكيد جوابه، بل هو سؤال بمثابة الجواب
المطلوب: " يا سمعان بن يونا، اتحبني؟" وكان الجواب المخلص: "
انت تعلم كل شيء، وانت تعرف اني احبك"، جعله "راعي الخراف".
السلطة تحوّل من يختاره الله، بمسحة الروح القدس، كما حوّلت
سمعان بن يونا. على شاطىء بحيرة جناشر صيّرة المسيح صياد
البشر، وفي قيصرية فيليبس صخرة ايمان، وعلى شاطىء
بحيرة طبريه راعي الخراف.
بشخص سمعان بن يونا تمّ وعد الرب: "ساعطيكم
رعاة مثل قلبي"، يتميزون بالرجاء والايمان والحب. فضائل ثلاث
متكاملة وغير منفصلة. يقول شارل بيغي: " الرجاء يفترض
الايمان كاساس فيتصف باليقين والثبات، وينفتح على الحب
فيصبح ثقة وعطاء الذات".
سمعان- بطرس نموذج لرعاة العهد
الجديد: الرسل، والاساقفة خلفائهم، والكهنة معاونيهم. لكن "راعي
الرعاة" هو يسوع المسيح (1بطرس5/4). والرعاة رعاة حقيقيون بمقدار
ما يضعون في المسيح رجاءهم فيثبتون في المحبة ويثبتّون
اخوتهم ( لو22/32)، فلا يتزعزعون ولا ينحرفون، ومن حقيقته يغذون
ايمانهم فيتحررون ويصمدون ولا يساومون، والى حبه
يميلون قلبهم فيغامرون في فرح العطاء بدون مقابل او حساب.
كلمة القديس اغسطينوس " ضع الحب في
قلبك، واصنع ما تشاء"، تعني ان حب المسيح، وهو حب
الله الواحد والمثلث الاقانيم، هو الغاية الثانية التي
يؤدي اليها الايمان والرجاء (1كور8-13)، وهو نقطة الانطلاق:
" حب المسيح يستحثنا" ( 2كور5/14).
4.
الخدمة الراعوية اتباع المسيح الراعي الصالح
" اتبعني"
يوم حلّ الروح القدس على الرسل في
العنصرة، ثبتهم بمسحته كهنة العهد الجديد، وملاءهم من المحبة
الراعوية. فتبعوه على طريق خدمة الخلاص والفداء، وتحولوا في
داخلهم الى اداة خلاص.
بالرسامة المقدسة، يصبح الاسقف
والكاهن شريكاً في سلطة المسيح "رأس الكنيسة وراعيها"،
الذي يسوسها. وبالمسحة السرية، تصبح حياة الاسقف والكاهن موسومة
ومهمورة بمحبة المسيح الراعوية. فهو رأس الكنيسة وخادمها:
"ابن الانسان لم يأتٍ ليُخدم بل ليَخدم ويفدي بنفسه جميع الناس"
( مر10/45). هي خدمة بلغت ذروتها ببذل ذاته، موتاً على الصليب،
في التواضع والمحبة، فداء عن البشر، وباعطاء الحياة الجديدة،
حياة الروح. كان المسيح كاهناً بمقدار ما كان ذبيحة: " يا
قرباناً ومقرِّباً" ( طلبة القربان). لقد تعهّد رعاية كل الشعوب،
وما زال يفعل من السماء كما يصفه يوحنا في الرؤيا: " الآتون من
الضيق وغسلوا حللهم وبيضوها بدم الحملن يحرسهم الجالس على العرش،
لئلا يجوعوا ويعطشوا بعد، لان الحمل الذي في وسط العرش يرعاهم
ويهديهم الى ينابيع المياه الحية، ويمسح من كل دمعة عيونهم
(رؤيا7/14-17). ولهذا جمع الرب يسوع، في انجيل اليوم، بين سلطة
سمعان- بطرس كراع للخراف وميتة الصليب التي سيموتها، ويمجد الله
بها" (يو21/18-19). على هذا الطريق دعاه، وخلفاءه في الاسقفية
والكهنوت، ليتبعوه.
تتميز حياة كاهن العهد الجديد بطابع
الخدمة، يؤديها لشعب الله، بعيداً عن اي ادّعاء ورغبة في التسلط
على القطيع الموكول اليه، ويلتزم بأن يكون مثالاً للرعية، في
سعيه الى انماء الانسان وتحريره الكامل، كما يوصي بطرس الرسول
الاساقفة والكهنة: " ارعوا رعية الله الموكولة اليكم، واسهروا
روحياً، لا بالربح الخسيس، بل بكل قلوبكم. لا كأرباب للرعية، بل
كقدوة حسنة تكونون لهم، حتى اذا ظهر راعي الرعاة، تنالوا منه
اكليل المجد الذي لا يذبل" ( 1بطرس5/2-4؛ البابا يوحنا بولس
الثاني: اعطيكم رعاة،21). وعلى مثال المسيح راعي الكنيسة يتحنن
الكاهن على من هم ضائعون ومشتتون كخراف لا راعي لها (
متى9/35-36)، ويبحث عن الضال ( متى 28/12-14)، ويعرف خرافه
ويحميها من الذئاب، ويقودها الى المراعي الخصبة ويبذل نفسه عنها
( يو10/9و11).
***
ثانيًا، أسبوع الصلاة من أجل الدعوات الاكليريكية
تحتفل الكنيسة في هذا الأحد بيوم الصلاة من أجل الدعوات،
وقد وجّه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر رسالة كالعادة لهذه
المناسبة بعنوان: "الدعوات في خدمة الكنيسة-الرسالة" (3
كانون الأول 2007).
1. الكنيسة رسالية
بإرسال المسيح القائم من الموت: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم
وعمّدوهم باسم الآب والاين والروح القدس" (متى 28/19). يشمل هذا
الارسال كلّ المسيحيين بحكم المعمودية والميرون، ويتصل بنوع خاص
بالدعوة الكهنوتية. هذا البُعد الرسالي ينبع من المسيح مُرسَل
الآب، وقد آتى إلى العالم ليتمّم إرادته، فدشّن ملكوت السماوات
على الأرض، وكشف لنا سرّه، وبطاعته حقّق الفداء (الدستور
العقائدي في الكنيسة،3).
2. اختار الرب الرسل الإثني عشر
وأرسلهم ليعلنوا ملكوت اللّه، وراح يعمل على أيديهم وهم عملوا
باسمه وبشخصه: "مَن قبِلكم قبلني، ومَن قبِلني قبل الذي أرسلني"
(متى 10/40). فكانوا شهوده الحقيقيين، وقد ألبسهم قوة من علُ،
فبشّروا بالتوبة ومغفرة الخطايا جميع الأمم (لو 24/37 و49).
وانضمّ إليهم رجال ونساء كرّسوا حياتهم لقضية يسوع المسيح
(أعمال 15/26). ثم كانت دعوة شاول_ بولس من طرسوس
المرسل الأكبر الذي أظهر العلاقة الوثقى بين الدعوة والرسالة،
وكان في تجواله يذكّر بدعوته التي قبِلَها مباشرة من الرب (روم
1/1 ؛ غلاطية 1/11،12،15-17). وكانت تستحثه محبة يسوع المسيح (2
كور 5/14).
3. نذكر اليوم، من بين الذين تكرّسوا
لخدمة الإنجيل، الكهنة المدعوين ليوزّعوا كلمة اللّه
ويخدموا الأسرار، ولا سيّما القربان والمصالحة، ويعتنوا "بالاخوة
الصغار": المرضى والمتألّمين والفقراء والمتعثرين والذين لم
يعرفوا المسيح، ويحملوا إليهم محبة المسيح الفادي. الشكر للّه
على الكهنة وعلى الذين من بينهم ضحّوا بحياتهم في خدمة المسيح،
وكانوا شهودًا مؤثرين اجتذبوا العديد من الشبان لخدمة المسيح
وبذل حياتهم في سبيلهم. من خلال هؤلاء الكهنة يسوع حاضر بين
الناس اليوم، حتى أقاصي الأرض.
4. ودعا الرب في الكنيسة المكرسين
والمكرسات، وهم رجال ونساء حرّكهم الروح القدس فاختروا أن
يعيشوا الانجيل بشكل جذري، معتنقين نذور العفة والفقر والطاعة،
في العديد من الرهبانيات والجمعيات، التأملية منها والرسولية،
التي أسهمت إسهامًا كبيرًا في أنجلة العالم. بصلواتهم يتشفعّون
دونما انقطاع من أجل البشرية جمعاء، وبعملهم الرسولي يحملون
للجميع شهادة حيّة لمحبة اللّه ورحمته. إنّ الكنيسة تقدّر الذين
واللواتي من بينهم يتفانون في الرسالات مواجهين المخاطر مضحّين
بصحّتهم وحياتهم (البابا بولس السادس، الإرشاد الرسولي: إعلان
الإنجيل، 69).
5. من أجل أن تتمكن الكنيسة من مواصلة
الرسالة الموكولة إليها من المسيح، وأن لا ينقص عدد المبشرين
بالإنجيل في العالم، من الضرورة أن
تتوفّر
تربية متينة على الإيمان للأولاد وللكبار، وأن يبقى حيًّا
لدى المؤمنين الحس المسؤول والفعلي بالعمل الرسالي. فعطية
الإيمان تدعم جميع المسيحيين للتعاون في إعلان الإنجيل. إنّ
ضميرهم الرسولي يتغذّى بالكرازة والتعليم والليتورجيا والتثقيف
على الصلاة، ويكبر بممارسة المحبة والخدمة وبالمرافقة الروحية
والتفكير والتمييز، وبالانخراط في الأعمال الراعوية.
6. إن الدعوات إلى الكهنوت والحياة
المكرسة تزهر فقط في أرض خصبة روحيًّا. فالجماعات المسيحية
التي تعيش بعمق البُعد الرسالي في سرّ الكنيسة لا تنطوي أبدًا
على ذاتها. تلتمسم الكنيسة كل يوم بالصلاة هذه الدعوات الغنية
بالإيمان وبمحبة المسيح الضرورين للرسلة. كما تصلي من أجل اللذين
يعملون بإيمان وسخاء في خدمة الدعوات ويسهرون على تربيتها
وتثقيفها، ومن أجل الشبان والشابات اللذين هم في طريق الدعوة،
ملتمسة شفاعة العذراء مريم سلطانة الرسل.
****
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تتقبّل الخطة النص المجمعي الثامن:
"الحياة الرهبانية في الكنيسة المارونية".
ينعم الله على كنيستنا المارونية
برهبانيات وجمعيات رجالية ونسائية، تتجذر في التراث الرهباني
السرياني الانطاكي بانماطه التأملية والنسكية والرسولية. ما
جعلها روح كنيستنا الشرقية (البابا يوحنا بولس الثاني، نور
الشرق،9).
نتناول اليوم جذورها التأسيسية
1. نشأت الحياة المكرسة منذ فجر
المسيحية، عندما راح البعض في هذا الشرق يعيشون الزهد
بالدنيا وتعليم الانجيل، والشهادة لقيم ملكوت الله، اقتداءً
بالرب يسوع، معتنقين العفة والفقر والطاعة المطلقة لارادة الله،
تقود مسيرتهم كتابات توجيهية مثل: كتاب اعمال توما، وكتاب
المراقي، وكتابات افراهات الحكيم. فكانوا نواة الحالة الرهبانية
الاولى.
2. من بين الذين برزوا في القرن
الرابع القديس مارون رائد الحياة النسكية في العراء في منطقة
قورش وتتلمذ على يده الكثيرون، رجالاً ونساءً، ذكرهم اسقف قورش
تيودوريتس في كتابه: " تاريخ اصفياء الله". ثم تنظموا في حياة
جماعية في دير مار مارون، على اثر المجمع الخلقيدوني المنعقد سنة
451، مع الاحتفاظ بالنسك الفردي، كما هو جارٍ حتى يومنا، والجمع
بين الحياة التأملية الديرية والعمل الرسولي في الدير وانطلاقاً
منه. وقد استُوحي هذا النهج من القديس انطونيوس الكبير والقديس
باخوميوس والقديس باسيليوس. على هذا التراث الرهباني قامت
الكنيسة المارونية واصبحت كنيسة بطريركية في اواخر القرن السابع
(الفقرتان 2 و3).
****
صلاة
أيها الرب يسوع، نشكرك على محبتك
العظمى للعالم وعلى اختيارك رجالاً ونساء، شباناً وشابات، على
مثال بطرس الرسول، يعبّرون عن حبّهم الشديد لك، وترسلهم "لرعاية
الخراف"، متّبعين نهج محبتك، أنت الراعي الصالح. جمّلهم بمزاياك
واعضدهم في رسالتهم. أفض عليهم روحك القدوس ليمتلئوا محبة وسخاء،
فينطلقوا بحماس وإيمان كبير لاعلان إنجيل الخلاص في كلّ مكان.
إنمِ الجماعات المسيحية لتكون أرضًا خصبة تزهر فيها الدعوات بين
الشبان والشابات، وتختار أنت مَن تدعوهم لخدمة الإنجيل في
الكهنوت والحياة المكرسة. لك أيها المسيح الذي تدعوهم بمَثَلِكَ،
وللآب السماوي الذي يجتذبهم بمحبته، وللروح القدس الذي يحييهم
بنعمة حلوله، كلّ مجد وإكرام وشكر، الآن وإلى الأبد، آمين.
الاحد 27 نيسان 2008
الاحد السادس من زمن القيامة
القربان عطية المسيح لحياة البشر
انجيل القديس لوقا 24/36-48
وفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهـذَا، وَقَفَ يَسُوعُ في
وَسَطِهِم، وقَالَ لَهُم: "أَلسَّلامُ لَكُم!". فارْتَاعُوا،
واسْتَوْلى عَلَيْهِمِ الـخَوْف، وكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُم
يُشَاهِدُونَ رُوحًا. فقَالَ لَهُم يَسُوع: "مَا بَالُكُم
مُضْطَرِبِين؟ وَلِمَاذَا تُخَالِجُ هـذِهِ الأَفْكَارُ
قُلُوبَكُم؟ أُنْظُرُوا إِلى يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ، فَإِنِّي
أَنَا هُوَ. جُسُّونِي، وانْظُرُوا، فإِنَّ الرُّوحَ لا لَحْمَ
لَهُ وَلا عِظَامَ كَمَا تَرَوْنَ لِي!". قالَ هـذَا وَأَرَاهُم
يَدَيْهِ وَرِجْلَيْه. وَإِذْ كَانُوا بَعْدُ غَيْرَ
مُصَدِّقِينَ مِنَ الفَرَح، وَمُتَعَجِّبِين، قَالَ لَهُم: "هَلْ
عِنْدَكُم هُنَا طَعَام؟". فَقَدَّمُوا لَهُ قِطْعَةً مِنْ
سَمَكٍ مَشْوِيّ، وَمِنْ شَهْدِ عَسَل. فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا
بِمَرْأًى مِنْهُم، وقَالَ لَهُم: "هـذَا هُوَ كَلامِي الَّذي
كَلَّمْتُكُم بِهِ، وَأَنا بَعْدُ مَعَكُم. كانَ يَنْبَغِي أَنْ
يَتِمَّ كُلُّ مَا كُتِبَ عَنِّي في تَوْرَاةِ مُوسَى،
وَالأَنْبِيَاءِ وَالـمَزَامِير". حِينَئِذٍ فَتَحَ أَذْهَانَهُم
لِيَفْهَمُوا الكُتُب. ثُمَّ قالَ لَهُم: "هـكذَا مَكْتُوبٌ
أَنَّ الـمَسِيحَ يَتَأَلَّم، وَيَقُومُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ
في اليَوْمِ الثَّالِث. وبِاسْمِهِ يُكْرَزُ بِالتَّوْبَةِ
لِمَغْفِرةِ الـخَطَايَا، في جَمِيعِ الأُمَم، إِبْتِدَاءً مِنْ
أُورَشَلِيم. وأَنْتُم شُهُودٌ عَلى ذـلِكَ.
تتلو الكنيسة هذا الانجيل في الاحد الذي يسبق تذكار صعود
الرب يسوع الى السماء. هو ظهوره للرسل الاحد عشر المجتمعين في
مساء احد القيامة، وقد انضمّ اليهم تلميذا عماوس بعد ظهور الرب
لهما في الطريق. العنصر الاساسي في هذا الظهور هو التعريف
بحضوره من خلال علامات صلبه في يديه ورجليه وتحقيق النبوآت
والكتب. الجديد فيه انه، وهو القائم من الموت بجسد ممجّد،
أكل طعاماً مادياً امامهم، وفتح اذهانهم لفهم الكتب، واقامهم
شهوداً لموته وقيامته، لينادوا بانجيل التوبة وغفران الخطايا في
جميع الشعوب.
اولاً، شرح نص الانجيل
1.
احتفال قرباني
ترائي الرب يسوع للاحد عشر احتفال
قرباني مميز بكل عناصر القداس الالهي الذي تحتفل به الكنيسة.
الفرق هو ان المسيح-الكاهن الازلي هو المحتفل بشخصه, يؤكد هذا
الترائي القرباني ان الرب يسوع حاضر حقيقة وفعلياً في الكنيسة
الى نهاية الازمنة من خلال سرّ الافخارستيا.
في القسم الاول
من القداس يعلّم كلام الله كما علّم الاحد عشر " ما كّتب
عنه في ناموس موسى والانبياء والمزامير، وان على المسيح ان يتألم
ويموت وفي اليوم الثالث يقوم من بين الاموات"؛ ثم " يفتح اذهانهم
ليفهموا الكتب" ( لو24/44-46).
في قداس الكنيسة هو الرب يسوع اياه،
بواسطة خدمة الكاهن، يعلّم كلام الله، من خلال القراءات وعظة
الكاهن. " فالله يكلمنا عندما نقرأ الكتب المقدسة،
والمسيح الحاضر في كلامه يعلن لنا الانجيل" ( سرّ المحبة،45).
فمن الضرورة جداً ان يتم اعلان الكلمة الالهية من قارئين متحضرين
يحسنون الالقاء، ما يساعد المؤمنين على حسن الاصغاء وقبول الكلمة
بوعي وفهم. المسيح لا يتكلم في الماضي بل في حاضرنا، لكونه
حاضراً في الفعل الليتورجي. الاصغاء والقبول لكلام الله يساعدنا
على حسن الاحتفال بالقداس وعيشه. يؤكد القديس ايرونيموس ان " جهل
الكتب المقدسة هو جهل المسيح" (القرار المجمعي: كلمة الله، 25).
والكاهن، في العظة التي هي
" جزء من العمل الليتورجي" (الدستور المجمعي في الليتورجيا،52،33،7)،
يعلّم باسم المسيح المعلم الاوحد. على المحتفل ان يهيء العظة بكل
اتقان، فيربط بين كلام الله والاحتفال الاسراري ربطاً وثيقاً،
ويطبّقه على حياة الجماعة ليكون عضداً لهم وللكنيسة، ويحفظ للعظة
طابعها التعليمي -الايماني، وطابعها التوجيهي -الاخلاقي ( سرّ
المحبة، 46).
في القسم الثاني من القداس،
وهو قسم الذبيحة، تستمر الآن وهنا ذبيحة يسوع على الصليب
فداءً عن الجنس البشري وتكفيراً عن خطايا جميع الناس.
فكما أظهر للاحد عشر يديه ورجليه، يرينا نحن اليوم علامات صلبه
وموته تحت شكلي الخبز والخمر، المحوّلين في جوهرهما الى جسده
ودمه. الكسر والفصل والرشم، في الافعال الليتورجية، علامات ورموز
للجسد الذي يُبذل، والدم الذي يراق لمغفرة الخطايا والحياة
الجديدة.
يسبق ليتورجيا الذبيحة تقديم
القرابين، الخبز والخمر وهما من ثمار الارض وعمل الانسان
وتعبه. هذه تصبح، فضلاً عن ذبيحة الفداء والتكفير، وليمة الحياة
الالهية فينا. هكذا صنع الرب يسوع عندما طلب من الاحد عشر ما
يؤكل، فقدموا له سمكاً وعسلاً، فأخذ واكل امامهم ( لو24/ 41-42).
تقدمة القرابين تحمل معنى مهماً للغاية: من خلال الخبز والخمر
المقدّمين باحتفال يتمثّل كل الخلق الذي يحمله المسيح الفادي
ليبدّله ويقدّمه للآب، ونحمل معه كل ألم العالم ووجعه، مع اليقين
بان الكل ثمين في عيني الله. ان في ذلك مشاركة يطلبها الله من
الانسان، منذ البدء، ليتمّ عمله الالهي، وليعطي معنى كاملاً لعمل
الانسان الذي، من خلال الاحتفال بالقداس، ينضم الى ذبيحة المسيح
الفادية ( سرّ المحية،47).
في القسم الثالث من القداس،
وهو قسم المناولة، المسيح الذي وهب ذاته للاحد عشر، وزرع
في قلوبهم " السلام وعدم الخوف" (لو24/36) و " فهم الكتب"،
ووعدهم " بالقوة التي تأتيهم من علُ" بحلول الروح القدس (لو24/45
و49)، يهبنا ذاته في مناولة جسده ودمه مع كل ثمار الفداء.
المناولة لقاء شخصي مع الرب يسوع،
يقتضي استعداداً روحياً وافعال شكر ووقفة صمت وتأمل ( سرّ
المحبة،50).
في ختام القداس،
وهو الانصراف، الرب يسوع يجدد لنا ما قاله للاحد عشر: ان نكون
شهوداً بالقول والمثل والمسلك للحياة الجديدة فينا التي هي ثمرة
موته وقيامته، ثمرة الفداء، وان ننادي بحضارة التوبة الى الله
وغفران الخطايا، من غنى رحمته، والمصالحة فيما بيننا ( انظر
لو24/47). القداس لا ينفصل عن الرسالة في المجتمع والعالم.
فالانصراف ارسال: " اذهبوا". فلا بدّ من تثقيف المؤمنين حول
البُعد الارسالي الذي هو عنصر مكوّن للحياة الكنسية (سرّ
المحبة،51).
الدستور المجمعي في الليتورجيا
المقدسة
يلخص كل ذلك كالآتي: " ان مخلصنا، في
العشاء الاخير، وفي الليلة التي اُسلم فيها، اسس ذبيحة
الافخارستيا بجسده ودمه لكي
يواصل ذبيحة الصليب على مدى الاجيال،
الى ان يجيء، ولكي يسلّم الكنيسة، عروسته
المحبوبة، ذكرى موته وقيامته: سرّ
المحبة، وعلامة الوحدة، ورباط الحب، والوليمة
الفصحية التي فيها يؤكل المسيح،
وتمتلاء النفس من النعمة، ويُعطى لنا عربون المجد
الآتي"( عدد47).
2.
الكنيسة خادمة سرّ الخلاص
ظهورات الرب يسوع للتلاميذ، نواة
الكنيسة، وكلها ذات طابع قرباني، تبيّن ان الكنيسة هي جسد المسيح
السرّي وهو رأسها الحاضر ابداً فيها. الكنيسة شعب الله للعهد
الجديد لا تنفصل عن سرّ القربان، كما ان الجسد لا ينفصل عن
الرأس. انها، وقد ائتمنها الرب على نشر الانجيل وخدمة القربان
ومغفرة الخطايا، اصبحت سراً (
sacreament) اي علامة واداة الاتحاد بالله ووحدة
الجنس البشري
( الدستور العقائدي في الكنيسة، نور الامم،1). وهي السّر الشامل
للشركة الثالوثية المعطاة للعالم. يهتف القديس اغسطينوس: "
فلنفرح ونشكر الله، اننا اصبحنا ليس فقط مسيحيين، بل اصبحنا
المسيح" ( انظر كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 795).
في الوليمة القربانية تحقق الكنيسة
بشكل مميز سرّ الشركة. فعطية المسيح لها تغذي شركتها معه
باسم البشرية جمعاء، وتدخلها في محبة الله الثالوث. ذلك ان الآب
هو الذي يدعو جميع البشر الى وليمة عرس ابنه ( متى22/1-14).
والابن، الحمل المذبوح، يولم الوليمة الفصحية ويوزع كأس المحبة
التي هي خمرة الروح القدس التي تكلم عنها بطرس الرسول يوم
العنصرة. الجماعة الكنسية التي تلتئم حول الافخارستيا تحقق
وحدتها عندما يتناول افرادها جسد المسيح ودمه. والروح القدس الذي
يحلّ على القرابين ويحوّلها ذبيحة ووليمة، يحلّ ايضاً على
الجماعة، يجعلها جسد المسيح ويدخلها في الشركة الثالوثبة القائمة
على فهم الكتب والتوبة والغفران ( الوثيقة التحضيرية للمؤتمر
القرباني التاسع والاربعين، القسم الثاني).
****
ثانياً، القربان سرّ المحبة
وعطية الله لحياة العالم
نعيش مع الكنيسة زمن التحضير للمؤتمر
القرباني التاسع والاربعين الذي سينعقد في كيبك بكندا ( 15 -22
حزيران 2008)، وموضوعه " الافخارستيا عطية الله لحياة
العالم". فنواصل التأمل في سرّ القربان في ضوء الارشاد
الرسولي: "سرّ المحبة".
نتناول العلاقة بين سرّ القربان
وسريّ الشفاء: التوبة ومسحة المرضى.
1. بما ان الخطيئة تجرح الشركة
الكنسية، نشفى من هذا الجرح بواسطة سرّ التوبة الذي يمحو
الخطيئة التي تعيق الشركة مع الله والناس، اذا لم نقل انها
تعطّلها خاصة عندما تصبح الخطيئة حالة. بتناول جسد الرب ودمه
تُبنى هذه الشركة من جديد ( سرّ المحبة،20).
2. سرّ مسحة المرضى
يشفي النفس والجسد، اذ يشرك المريض بتقدمة المسيح ذاته لخلاص
جميع الناس، يخفف الاوجاع وربما يشفي من المرض، وفي كل حال
يشركنا، عبر شركة القديسين، في فداء العالم. لهذه الغاية، ارسل
الرب يسوع تلاميذه ليشفوا المرضى ( انظر متى10/8؛ لوقا9/2؛
10/9)، واسس سرّ مسحة المرضى ( كتاب التعليم المسيحي 1499 و1531)
ومارسته الجماعة المسيحية الاولى ( راجع رسالة يعقوب
الرسول،5/14-16).
سرّ الافخارستيا
يشدد المريض، والمناولة تجعل من جسد الرب ودمه زاداً للطريق،
وزرعاً للحياة الابدية، وقوة قيامة: " من يأكل جسدي ويشرب دمي،
له الحياة الابدية، انا اقيمه في اليوم الاخير" (يو6/54).
3.
الاهتمام بالمريض وتوفير سرّي القربان والمسحة له يعودان بالخير
الروحي لكل الجماعة لان ما نصنع له انما للمسيح نصنعه كما وعد
الرب في انجيل متى ( 25/40) ( سرّ المحبة،22).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق
المجمع البطريركي
يشكل النص المجمعي الثامن: "
الحياة الرهبانية في الكنيسة المارونية" موضوع الخطة
الراعوية التطبيقية. نستعرض اليوم المحطات التاريخية الاولى
للحياة الرهبانية في كنيستنا.
1. ارتبط تاريخ الكنيسة المارونية
التي تنظمت ككنيسة بطريركية في اواخر القرن السابع برهبان دير
مار مارون الذي ضمّ 800 راهب وناسك. فشكلّت الحياة الرهبانية عصب
حياة الكنيسة
وجذّرتها
في التراث السرياني الانطاكي، وحققت دوراً فاعلاً عبر التاريخ
حتى يومنا. وظلت محافظة على ميزات ثلاث: الحياة الديرية
والنسك والرسالة
وما يميّز بالاخص
الكنيسة المارونية هو انها خرجت من دير وتمحورت حوله، هو دير مار
مارون باسقفه ورهبانه ومؤمني الجوار. لقد شكلّ النواة الاولى
لنشأة الكنيسة المارونية. فانطبعت بطابع الروحانية النسكية
والرهبانية، وتشابك تاريخها بمصير الحياة الرهبانية (الفقرة 4).
في لبنان،
ازدهرت الحياة الرهبانية والنسكية في الوادي المقدس، بعد ان
استوطن الموارنة منطقة جبّة بشري ووادي قنوبين ووادي قزحيا. ومن
الوادي توسعت الحياة الرهبانية الى المناطق الجبلية الاخرى.
لكنها تأثرت وتفككت اديارها الكبيرة في عهد المماليك وبعد انكسار
الصليبيين، فيما عادت تستعيد ازدهارها في الوديان وقمم الجبال
منذ القرن الرابع عشر وحتى السادس عشر. وفي مطلع القرن السابع
عشر تأثرت الحالة الرهبانية بالارساليات الغربية وبدأت حركة
اصلاح وتجديد. في كل هذه الحقبات، ظلّت بمثابة القلب النابض في
الكنيسة، مع المحافظة على الميزات الجوهرية الثلاث المذكورة
اعلاه (الفقرتان 5 و6).
***
صلاة
ايها الرب يسوع الحاضر في حياة
المؤمنين والكنيسة، بواسطة سرّ القربان، اجمعنا حول مائدة
الذبيحة والوليمة، لنكون كنيستك الشاهدة لسرّ المحبة. اشفنا من
جرح الخطيئة والتنافر والانقسام بسرّ المصالحة، ومن جرح المرض
والألم بسرّ مسحة المرضى، وادخلنا في شركة الاتحاد والوحدة مع
الله الثالوث ومع بعضنا البعض بسرّ القربان والمناولة. ضمّ
آلامنا الحسية والنفسية الى آلامك وقدّسنا بها، واشركنا في رسالة
فداء العالم. قدّس الرهبان والراهبات والمكرسين، في الاديار
والمناسك والعالم، ليظلوا منارة الحياة المسيحية وقيم الانجيل
والملكوت. للثالوث القدوس، الاب والابن والروح القدس، كل مجد
واكرام وشكر، الآن والى الابد، آمين.
الاحد 4 ايار 2008
صعود الرب يسوع الى السماء
الاحد السابع من زمن القيامة
مجد الانسان ومجد الله حضارة محبة
بعد قيامة الرب يسوع من بين الاموات وترائيه للرسل والكنيسة
الناشئة، على مدى اربعين يوماً صعد الى السماء، لكي تتمجّد
بشريته بمجد الوهيته، فيما يعضد الكنيسة في اداء الرسالة
الموكولة اليها. تعيّد الكنيسة صعود الرب الى السماء، الخميس
المقبل اول ايار. وفي الاحد الذي يليه تختتم زمن القيامة وتطلق
حضارة المحبة. وفي هذا الاحد تحتفل باليوم العالمي الثاني
والاربعين لوسائل الاعلام.
اولاً، شرح نص الانجيل في المناسبتين
1.
الارسال والصعود
انجيل القديس مرقس 16/15-20
قالَ لَهُم يسوع: "إِذْهَبُوا
إِلى العَالَمِ كُلِّهِ، وَاكْرِزُوا
بِالإِنْجِيلِ
لِلْخَلِيقَةِ كُلِّها.
مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ يَخْلُص، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَسَوْفَ
يُدَان. وهـذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنين: بِاسْمِي
يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِين، ويَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ جَدِيدَة،
ويُمْسِكُونَ الْحَيَّات، وَإِنْ شَرِبُوا سُمًّا مُمِيتًا فَلا
يُؤْذِيهِم، ويَضَعُونَ أَيْدِيَهُم عَلى الـمَرْضَى
فَيَتَعَافَوْن". وبَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ يَسُوع،
رُفِعَ إِلى السَّمَاء، وجَلَسَ عَنْ يَمِينِ الله. َامَّا هُم
فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا في كُلِّ مَكَان، والرَّبُّ يَعْمَلُ
مَعَهُم وَيُؤَيِّدُ الكَلِمَةَ بِمَا يَصْحَبُها مِنَ الآيَات.
قبيل صعود الرب يسوع الى السماء ارسل الرسل الى العالم كله
لاعلان انجيل الخلاص للخليقة كلها. وما زال يرسل من بعدهم
خلفاءهم الاساقفة، ومعاونيهم الكهنة والشمامسة بسلطان التعليم
والتقديس والتدبير. لكنه يرسل الكنيسة جمعاء بحكم المعمودية
ارسالاً شاملاً الى جميع الشعوب حتى اقاصي الارض ( لو24/47؛
اعمال 1/8). عندما نعلن ايماننا بالكنيسة الجامعة الرسولية،
نلتزم، كلٌ من موقعه ومسؤولياته، بالانفتاح على جميع الشعوب،
وبالرسالة المسيحية على المستوى الروحي والاخلاقي والاجتماعي
والانمائي.
اعلان الانجيل، او الانجلة، يعني نقل
البشرى السارّة الى جميع الاوساط الاجتماعية، وبقوتها تغيير
البشرية من الداخل، وجعلها جديدة، بقدرة المسيح القائل: " ها انا
اجعل كل شيء جديداً" ( رؤيا21/5). لكن البشرية تتغير بالذين
اصبحوا اشخاصاً جدداً بفضل المعمودية والحياة وفقاً للانجيل.
نعني بهذا التغيير تحوّلاً في ضمير الناس الشخصي والجماعي، وفي
كيفية ممارسة العمل والنشاط الزمني، وفي حياتهم ومحيطهم (الارشاد
الرسولي: اعلان الانجيل،18).
تتم الكنيسة رسالتها، على يد رعاتها والمؤمنين، بالانجلة
التي تنقل الايمان بالمسيح، وباحلال العدالة والسلام. هذه
الثلاثة، الايمان والعدالة والسلام، تصنع التغيير في
العالم (الوثيقة التحضيرية للمؤتمر القرباني التاسع والاربعين في
كبك بكندا القسم الثالث) لكن هذا التغيير يفعله المسيح، بقوة
سرّ القربان الذي هو ينبوع الانجلة وذروتها، وينبوع
التغيير واداته. ولهذا كانت ظهورات المسيح بعد قيامته ذات
طابع قرباني، لان اللقاء، يحيي في الكنيسة وفي كل مسيحي الحماس
للشهادة والانجلة، كما جرى لتلميذي عماوس ( لو24/33)؛ البابا
يوحنا بولس الثاني: "امكث معنا"،24).
فمن سرّ القربان تنبع القدرة على ايقاظ الرجاء
بالحياة الجديدة عند المجرّبين بالقنوط، والقدرة على تقاسم
خيرات الارض، المادية والروحية، الثقافية والانمائية، عند
المجرّبين بحجب اليد عن العطاء؛ القدرة على احلال المصالحة بدلاً
من الانقسام، وعلى تعزيز الكرامة البشرية بوجه المعتدين، وعلى
الدفاع عن حق الفقراء في العدالة والتضامن بوجه البحث عن الراحة
الفردية والسلطة والمال ( الوثيقة التحضيرية، القسم الثالث).
يتكلم الرب يسوع عن قدرة الانجلة وسرّ القربان على
التغيير، ويسمّيها آيات.
أ " باسمي يطردون الشياطين". يحررون بالكلمة
الانسان من قيود الكذب والضلال، وبالنعمة من الاستعباد للشر
والخطيئة: " تعرفون الحق والحق يحرركم" ( يو8/32). كلمة الانجيل
تحرر ولا تقيّد بسلاسل على ما يقول بولس الرسول: " احتمل الشرور
حتى الوثاقات كفاعل الشرور ولكن كلمة الله ليست بموثقة" (
2طيم2/9).
ب_ " ينطقون بلغات جديدة": هو الانثقاف اي تجسيد
الانجيل في ثقافات الشعوب، بمعنى تحويل القيم الثقافية من
الداخل، وتجذير المسيحية في مختلف الثقافات البشرية ( انظر
"رسالة الفادي" 52).
ج- "يحملون الحيات، وان شربوا سمّاً مميتاً فلا
يؤذيهم": يعيشون في العالم دون ان يكونوا من العالم وينغمسوا
في شهواته ( يو15/19؛ يو2/16). لا يهربون من الصعوبات بل
يواجهونها بصبر وتواضع، مساهمين في حلها، على مثال السيد المسيح
الذي جالس وآكل وشارب العشارين والخطأة دون ان يصير مثلهم (
مر2/16)، بل حملهم الى التوبة ( لو3/12؛19/8)، والذي مسّ الابرص
بيده فطهرّه ( مر1/40-43).
د- "يضعون ايديهم على المرضى فيشفون": يوزعون سرّ
مسحة المرضى ويقيمون والصلاة على المريض، لشفاء الجسد والنفس
والروح.
2. ختام زمن القيامة وإطلاق حضارة المحبة
انجيل القديس يوحنا 13/31-35
فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوع: "أَلآنَ مُجِّدَ ابْنُ
الإِنْسَانِ ومُجِّدَ اللهُ فِيه. إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ مُجِّدَ
فِيه، فَاللهُ سَيُمَجِّدُهُ في ذَاتِهِ، وحَالاً يُمَجِّدُهُ.
يَا أَوْلادي، أَنَا مَعَكُم بَعْدُ زَمَنًا قَلِيلاً.
سَتَطْلُبُونِي، ولـكِنْ مَا قُلْتُهُ لِلْيَهُودِ أَقُولُهُ
لَكُمُ الآن: حَيْثُ أَنَا أَمْضِي لا تَقْدِرُونَ أَنْتُم أَنْ
تَأْتُوا. وَصِيَّةً جَديدَةً أُعْطِيكُم، أَنْ تُحِبُّوا
بَعْضُكُم بَعْضًا. أَجَل، أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا
كَمَا أَنَا أَحْبَبْتُكُم. بِهـذَا يَعْرِفُ الـجَمِيعُ
أَنَّكُم تَلامِيذِي، إِنْ كَانَ فيكُم حُبُّ بَعْضِكُم
لِبَعْض".
تمجيد ابن الإنسان
هو الفداء الذي أتمّه الرب يسوع بموته على الصليب، لمغفرة
الخطايا والتكفير عنها على مدى تاريخ البشر، وهو التبرير
بقيامته، وانتصاره على الخطيئة والموت، ونقل الحياة الجديدة
للبشر أجمعين بهبة الروح القدس. لهذا المجد يدعو كلّ إنسان. إنه
في الوقت عينه تمجيد اللّه بإتمام إرادته وتحقيق تصميم الخلاص
المكتوم منذ الدهور. من هذا التمجيد، ببعديه الإنساني والإلهي،
تنبع كرامة الشخص البشري وقدسيته، وحقه في الحياة التاريخية
الكريمة، وفي تحقيق ذاته ومصيره.
رسالة الكنيسة أن تقف بجانب كلّ إنسان وتحميه وتدافع عنه،
تعتني به وترشده وتواكبه "كأمٍّ ومعلمة". فالإنسان هو "دربها
الوحيد وطريقها الأساسي"، على ما كتب خادم اللّه البابا يوحنا
بولس الثاني (فادي الإنسان، 14). "لقد أصبح موكولاً إليها وإلى
محبتها الوالدية، بفضل سرّ كلمة اللّه المتجسّد. ومن ثمّ، كل ما
يهدد كرامته وحياته لا يمكن إلاّ أن يمسّ الكنيسة في صميم
فؤادها، ويصيبها في عقر إيمانها بابن اللّه المتجسّد والفادي،
وفي رسالتها القاضية بنشر إنجيل الحياة في العالم كلّه وللخليقة
كلها"، كما كتب البابا نفسه في رسالته العامة "إنجيل الحياة"،
حيث قال أيضًا: "لا يحقّ للكنيسة أن تصمت عن المظالم، بل عليها
أن تتسلّح بالجرأة وتعطي صوتًا لمن لا صوت له. إنّها بذلك تستعيد
دائمًا صرخة الإنجيل في الدفاع عن بؤساء هذا العالم، المهَدَّدين
والمحتقَرين والمحرومين من حقوقهم الإنسانية" (إنجيل الحياة، 5).
مجد اللّه ومجد الإنسان يتمّ بحفظ
الوصية الجديدة: "أن تحبوا بعضكم بعضًا، كما أنا أحببتكم" (يو
13/34). بهذه الميزة يُعرَف تلميذ المسيح. حضارة المحبة هي شريعة
شعب اللّه الجديد، شريعة الروح القدس الذي يجمعه بالوحدة
والتضامن، و"يحرره من الخطيئة والموت" (روم 8/2) و"من التباغض
والتحاسد" (غلاطيه 5/26).
المسيحية شعب تكوّن بالمعمودية
أمّة كهنوتية مقدسة (1 بطرس 2/9)، يولد أعضاؤه من علُ
"من الماء والروح" (يو 3/3-5) أي من الإيمان بالمسيح ومن
المعمودية. رأسه يسوع المسيح الذي قبل مسحة الروح القدس
وأفاضها على الجسد كله. حالته كرامة حرية أبناء اللّه،
بالروح القدس الذي يحلّ في القلوب، كما في هيكل. شريعته
وصية المحبة. رسالته أن يكون "ملح الأرض ونور العالم (متى
5/13و16)، وأن يزرع في المجتمع البشري الوحدة والرجاء والخلاص
(الدستور العقائدي في الكنيسة: نور الأمم، 9).
المحبة "وصية جديدة"، وهي أصلاً قديمة، لأنّها في
العهد الجديد تنحدر من اللّه الآب، وتظهر بالجسد في المسيح
الابن، وتُسكَب في القلوب بالروح القدس: "كما أحبني أبي، أحببتكم
أنا أيضًا، اثبتوا في محبتي" (يو 15/9). هي "جديدة" لأنّها
ثالوثية.
***
ثانيًا، اليوم العالمي لوسائل الإعلام
هو الاحتفال باليوم العالمي الثاني والأربعين وموضوعه،
كما جاء في رسالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر لهذه السنة: "وسائل
الإعلام، على مفترق الدور والخدمة، بحث عن الحقيقة لتقاسمها".
أصدرها قداسته في 28 كانون الثاني 2008.
1. دور وسائل الإعلام أصبح جزءًا من حياة الأفراد
والمجتمع، في العلاقات الشخصية والنشاطات الاقتصادية والسياسية
والدينية. وله قدرات تربوية ذات مسؤولية خاصة في تعزيز احترام
العائلة، وإظهار انتظاراتها وحقوقها،وكشف جمالها (فقرة 1). أجل
أصبحت وسائل الإعلام جزءًا لا يتجزّأ من المسألة الأنثروبولوجية
أي الإنسان وحقيقته مع أبعادها المتعلقة بالحياة البشرية والزواج
والعائلة وقضايا السلام والعدالة وحماية الخلق. إذا فقدت وسائل
الإعلام ارتباطها بمرساة الأخلاقية فقدت دورها، واخترقت كرامة
الإنسان، وأثرت سلبًا على ضميره وخياراته، وقيّدت حريته وحياته
الشخصية (فقرة 4).
2. خدمة وسائل الإعلام تنبع من قدراتها الخارقة
العادة: تحرّك الخبر والحدث وتنقلهما إلى كامل الكرة الأرضية
بلحظة ؛ تنشر المعرفة والحوار بين الشعوب ؛ تعزز وتحسّن التفاهم
بين الأمم على أساس الحوار والسلام ؛ توفّر الإنسان خيره الأساسي في
معرفة ما يجري ؛ تنشر الأفكار المتعلقة بمُثُل التضامن والعدالة
الاجتماعية، وتشكل أداة لتحقيقها (فقرة 2).
3. أما المفترق فهو في ما تشكّل وسائل الإعلام من
خطر: قد تتحول إلى وسائل من نوع الأنظمة التي تُخضِعُ
الإنسان لمنطق المصالح والروح الإستهلاكية والمادّية، والتي
تشرّع وتُلزِم بأنماط حياة ملتوية على المستوى الشخصي والعائلي
والاجتماعي، وتبتذل قيم الحب وكرامة الجسد البشري والحياة ببث
برامج عنف وإباحية، وتعمّق الهوة بين البلدان الغنية والبلدان
الفقيرة بما تقدم من أنواع نمو مستأثر بالطبقية (فقرة 2). لا بدّ
من ضرورة التحول في دور وسائل الإعلام: ليس كل ما هو ممكن
تقنيًّا هو قابل للممارسة أخلاقيًّا. ولا بدّ من حماية أبعاد
الخياة البشرية الأدبية والفكرية والدينية والعاطفية والثقافية.
(فقرة 3).
4. البحث عن الحقيقة لتقاسمها هو الفن الشريف
الخاص بوسائل الإعلام، بل دعوتها السُّميا. فبإمكانها المساهمة
في التعريف بحقيقة الإنسان وحمايتها بوجه المعتدين عليها نفيًا
أو تهجمًا عن طريق المادية الإقتصادية أو النسبية الخلقية (فقرة
5). فالإنسان في عطش إلى الحقيقة وفي حالة بحث عنها لكي يجد
الحرية الحقيقية، على ما يقول الرب يسوع: "تعرفون الحق، والحق
يحرركم" (يو 8/32). أما الحرية الحقيقة التي تحرر فهي المسيح،
لأنّه وحده يستطيع الإجابة كليًّا على تساؤلات الإنسان، ويروي
العطش إلى الحياة والحب الكائن في قلبه. مَن يلتقي المسيح يختبر
الشوق إلى تقاسم الحقيقة التي رآها بعينه ولمسها بيده واختبرها
(أنظر يوحتا 1/1-3).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي
الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبّل النص المجمعي الثامن: " الحياة
الرهبانية في الكنيسة المارونية"، وتحديداً الحقبة التاريخية
الممتدة من القرن السابع عشر حتى يومنا (الفقرات 7-22).
1. بدأ اصلاح الحياة الرهبانية
وتجديدها وتنظيمها على شبه الرهبانيات الغربية سنة 1695 على يد
ثلاثة شبان حلبيين جبرايل حوا وعبدالله قراعلي ويوسف البتن. ثم
لحق بهم جرمانوس فرحات. هؤلاء مثلوا امام البطريرك اسطفان
الدويهي في كرسي قنوبين، واعربوا له عن قصدهم. فألبسهم الاسكيم
الرهباني في 10 تشرين الثاني 1695، وانطلقت الرهبانية الحلبية
التي اصبحت الرهبانية اللبنانية سنة 1707، ثم انقسمت الى اثنتين
سنة 1770، وهما الرهبانية الحلبية والرهبانية البلدية، والاثنتان
اصبحتا اخيراً الرهبانية المارونية المريمية
والرهبانية اللبنانية المارونية. حافظ الاصلاح التنظيمي
الجديد على التراث المشرقي المرتكز على الزهد والصلاة والعمل
اليدوي.
قي سنة 1700 تأسست الرهبانية
الانطونية على يد رئيس دير سيدة طاميش، المطران جبرايل
البلوزاني/ واستقرت في دير مار اشعيا، المتن الشمالي.
2. مع مطلع القرن الثامن عشر شملت
حركة الاصلاح والتجديد كل قطاعات الكنيسة مع المجمع اللبناني
المنعقد سنة 1736 والمجامع التي تلته. من بين قراراته فصل اديار
الراهبات عن اديار الرهبان، الذي راح يحصل تدريجياً، وتطورت معه
تنظيمات هذه الاديار.
ففي سنة 1940 رفع الكرسي الرسولي
الحصن عن الراهبات الانطونيات لتمكينهم من ممارسة الرسالة
الخارجية. وفي سنة 1953 اخترن التوجه الى الرسالة.
وفي سنة 1984 وحّد الكرسي الرسولي
اديار الراهبات اللبنانيات تحت سلطة عامة، مع حفظ استقلالية
الاديار والثبات فيها.
3. نشأت في العهد الحديث جمعيات
رهبانية رجالية ونسائية نذكرها تباعا.
في سنة 1839 تأسست " جماعة المرسلين
الانجيليين"، ثم جددها الخوري يوحنا حبيب (المطران فيما بعد) سنة
1865 في دير الكريم غوسطا، واصبح اسمها " جمعية المرسلين
اللبنانيين". غايتها الوعظ والتعليم والرسالات في بلدان
الانتشار.
وفي 15 آب 1895 اسس البطريرك الياس
الحويك، يوم كان نائباً بطريركياً، جمعية راهبات العائلة
المقدسة المارونيات، ذات اهداف رسولية وديرية في خدمة
الكنيسة والعائلة والتنشئة على الحياة المسيحية.
وفي 17 ايار 1935 اسس الخوراسقف انطون
عقل جمعية راهبات القديسة تريزيا الطفل يسوع المارونيات.
ميزتها خدمة الانسانية المتألمة في المياتم والمستشفيات ودور
المسنين، الى جانب الخدمة التربوية والراعوية، نهجها روحانية
القديسة تريز الصغيرة، بالبساطة والطفولة الروحية والفرح في
الخدمة والرسالة.
سنة 1966 اسس الاب اميل جعاره في دير
مار انطونيوس عين ورقه، جمعية راهبات القربان الاقدس
المرسلات، وهي ذات اهداف رسولية، تربوية واجتماعية وراعوية،
مع تأمين العبادة لسرّ القربان الاقدس ونشرها.
سنة 1981 انشىء في ابرشية مار مارون
بروكلين في الولايات المتحدة دير مستقل على اسم الثالوث
الاقدس ذو الحق الابرشي، وانشىء في كندا دير مستقل
مماثل سنة 2000. غاية هذه الرهبانية الجديدة عبادية محصّنة –
رسولية، فتنمو في اشعاع الدير الروحي وفي شهادة حياة العائشين
فيه.
في 12 تموز 1959 تأسس دير راهبات
الوحدة في اليرزه على الطقس الماروني.
ينتمي اقليم لبنان لرهبنة اخوات
يسوع الصغيرات الى الكنيسة المارونية، وترتبط راهباته برعاة
هذه الكنيسة، وتتبعن ليتورجية الكنيسة المارونية وانظمتها
وروحانيتها.
5.
تحتضن الكنيسة
المارونية ادياراً قديمة نسائية مستقلة هي:
دير مار يوحنا حراش
الذي تأسس سنة 1643 وهو ذو حق ابرشي. يتوزع نشاط الراهبات بين
الحياة التأملية والاعمال اليدوية والخدمة التربوية.
دير راهبات الزيارة في عينطوره
الذي تأسس سنة 1744، وانشىء دير آخر لراهبات الزيارة الخازن
في زوق مكايل سنة 1836. الجماعتان مضمومتان حالياً في دير
زوق مكايل. انه دير محصّن للحياة التأملية والاعمال اليدوية. وهو
تابع لرهبانية راهبات الزيارة المؤسسة في فرنسا ( آنسي) سنة
1610.
دير سيدة الحقلة، دلبتا،
الذي كان مزدوجاً حتى سنة 1818، وهو دير مستقل محصّن للحياة
التأملية والاعمال اليدوية.
تزخر كنيستنا المارونية بالتراث
الرهباني الذي يكوّن جذورها، فتضم حالياً خمس رهبانيات رجالية
وستاً نسائية، وخمسة اديار مستقلة، فضلاً عن انتماء العديد من
ابناء كنيستنا وبناتها الى رهبانيات لاتينية باعداد وفيرة.
***
صلاة
ايها الرب يسوع، بموتك الفادي وقيامتك
المبرٍّرة وصعودك بالمجد الى السماء، أعدت للانسان بهاء انسانيته
وجعلته مجد الله في هذا العالم، اذا تمّم المشيئة الالهية في
تاريخ البشر. اعضد الكنيسة لكي تعزز وتحمي كرامة الانسان وتدافع
عنها بوجه كل معتدٍ ومغتصب. ساعدها لكي تثقّف الناس على حضارة
المحبة من اجل مجتمع اكثر انسانية وعدالة. ارسل روحك القدوس على
الاعلاميين لكي يكونوا، بواسطة وسائل الاعلام، شهوداً حقيقيين
للحقيقة، وعاملين دؤوبين في البحث عن الحقيقة الموضوعية التي
تجمع وتحرّر، وفي انماء الشركة بين الاشخاص والشعوب. نسألك ذلك،
بشفاعة امنا مريم العذراء، سيدة لبنان، التي نحتفل بعيدها في هذا
الاحد الاول من شهر ايار. لك المجد والتسبيح والشكر ايها الآب
والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.
|