الليتورجيا المارونيّة

 

 

   مقدّمة
   
   أساسها وطبيعتها
   
   التنشئة الليتورجيّة
   
   الرتب الليتورجيّة
   
  اتجديد الليتورجيّا
   
   الفنّ الكنسيّ
   
   خاتمة
   
   
   
 
 

 

 
 
 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

يسوع القيامة

 
 
 
 
 
 
 

 

 
 
 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

 
 
 

 

 

العذراء، سيدة ايليج - لبنان

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

 
 
 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

 
الليتورجيا المارونيّة

  

مقدّمة

 
الليتورجيّا هي الكنـز الحيّ للكنيسة المارونيّة وهي في سفرٍ نحو ملكوت الآب، منها تغتني وتغني اختباراتها الروحيّة والإنسانيّة. تحتلّ الليتورجيّا موقعًا محوريًّا في مسيرة الكنيسة، فتشكِّل واحدة من أهم ثوابتها المكوّنة لها إنطلاقًا من الحدث الفصحيّ: موت الربّ على الصليب وقيامته من بين الأموات. إنّها الينبوع الّذي منه تغرف روحانيّتها فتتمنطق بالقداسة، وهي الغاية الّتي إليها تصبو كلّ الأعمال الكنسيّة الّتي تتناول الحياة المتعلّقة بالأسرار والجهود الرسوليّة عبر حضورها في العالم.
 
شكّلت الليتورجيّا الموضوع الرئيس الّذي عالجته مجمل المجامع المسكونيّة، والملف الأوّل في المجمع الفاتيكانيّ الثاني، الّذي أصدره في دستور خاصّ في أولى جلساته، مشيرًا بذلك إلى أهمّيّة الليتورجيّا في حياة الكنيسة. وقد نالت الطقوس بدورها، إهتمامًا أساسيًّا في مجامع الكنيسة المارونيّة المحلّيّة منذ القرن السادس عشر وحتّى منتصف القرن العشرين، مـا جعلها تتجاوب بسهولة مع تعاليم المجمع الفاتيكانيّ ونداءات البابوات المتكرّرة، وآخرها الإرشاد الرسوليّ "رجاء جديد للبنان"، فتجدّد طقوسها، بنيةً ونصوصًا، ملبّيةً شعار "دستور في الليتورجيّا" بالعودة إلى الينابيع والأصول[1]. وتشكِّل المسيرة المجمعيّة، في هذا السياق، مناسبة مميّزة لهذا التجديد.
 
ينبع الاختبار الليتورجيّ في الكنيسة من الثالوث الأقدس وإليه يعود، فالليتورجيّا هي تعبير عن اختبار الكنيسة المصلّي مع الثالوث ونحوه: فيها ترفع الجماعة المفتداة الشكر والتمجيد لله الآب الخالق والمخلّص؛ وشكرها هو إفخارستيّا تقدّم مع الابن الوحيد، الّذي بارك، أي شكر الآب من أجل الخلاص الّذي تحقّق فيه لحياة العالم؛ وتتمّ ليتورجيّا الكنيسة بالروح القدس، الّذي حلّ فيها يوم العنصرة، وهو يحلّ فيها في الاحتفال الليتورجيّ، ويكمّل ويختم ويحقّق في داخلها وفي العالم ثمار الخلاص. لأنّه هو الّذي يوجّه كنيسة المسيح ويقودها ويجدّدها ويجعلها عنصرة متواصلة؛ إنّه يصلّي فيها بأنّات لا توصف. الليتورجيّا هي إذاً عمل الثالوث الأقدس والاحتفال به، تنبع منه وتعود إليه. وفي هذه الديناميّة الثالوثيّة تتّحد الكنيسة بسرّ المسيح الفصحيّ، سرّ موته ونزوله إلى الجحيم وقيامته، فيصبح الاحتفال الليتورجيّ عيش الفصح المتجدّد والإعلان المتواصل لحدث القيامة[2].
 
تحتلّ الليتورجيّا المكانة المركزيّة الأولى في الكنيسة والمحور الأساس؛ فهي من إحدى الثوابت المكوّنة لها. إنّها التعبير الصافي لاختبار الكنيسة الروحيّ والمصلّي. لذا تبلغ الليتورجيّا أوجها في فعل العبادة العظيم، فتؤدّي الكنيسة المحتفلة المجد للثالوث المحيي.
 
ومن هنا تصبح الليتورجيّا المربّية الحقيقيّة للحياة المسيحيّة والخلاصة الأكمل لمظاهرها المتنوّعة؛ فهي، في الواقع، ذروة حياة الكنيسة وينبوعها[3]. إنّها اشتراك في سرّ المسيح وكنيسته، تؤوّنه وتدعو المؤمنين إلى التأمّل فيه وعيشه، رافعة الشكر للربّ من أجل محبّته اللامتناهية.
 
يكوّن الاختبار الليتورجيّ بعامّةٍ، والإفخارستيّ بنوعٍ خاصّ، المكان اللاهوتيّ – الإنسانيّ الأوّل لإعلان حدث موت الربّ وقيامته السعيدة. فيه تشترك الكنيسة فعليًّا وبطريقة آنيّة في السرّ الفصحيّ؛ فيه تتجدّد ومنه تنبع كلّ الحياة الطقسيّة والأسراريّة. ومن شخص المسيح تأخذ الليتورجيّا بعدها الإسكاتولوجيّ، فهو الألف والياء، والبداية والنهاية، والملك المنتظر الّذي سوف يأتي بالمجد ليدين الأحياء والأموات.
 
تلخّص الليتورجيّا المارونيّة الإختبار المارونيّ وتجسّده في معظم أبعاده وجوانبه. فاللاهوت، والروحانيّة، والكتاب المقدّس، والرسالة التبشيريّة، تتجلّى كلّها في الليتورجيّا.
 
وانتماء الكنيسة المارونيّة إلى المدرسة الأنطاكيّة السريانيّة يجعلها جزءًا من هذه المدرسة. إنّر كلّ ما لديها من إرث آبائيّ وليتورجيّ ولاهوتيّ وروحانيّ وكنسيّ ينبع من هذه الثقافة العريقة: واللاهوت المارونيّ، بشكلٍ عامّ، يظهر في مفاصله الكبيرة والأساسيّة في الكتب الطقسيّة. فالصلوات النثريّة والشعريّة والحسّايات والألحان في القدّاس والأسرار وسائر الرتب الطقسيّة تزخر بميزات لاهوتيّة وكتابيّة تعكس روحانيّة خاصّة بهذه الكنيسة. وإنّ الشعار الّذي أطلقه مار أوغسطينوس، "شريعة الصلاة هي شريعة الإيمان"، ليجد له صدًى واضحًا في الليتورجيّا المارونيّة؛ فإيمانها يتجلّى صريحًا في اختبارها العريق والعميق لصلاتها عبر العصور، وهـذا الاختبار يعكس جليًّا عقيدتها اللاهوتيّة ويعبّر، بحقّ، عن أنّ الليتورجيّا هي مدرسة إيمان.

 
[1]دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 199-248؛ الإرشاد الرسوليّ "رجاء جديد للبنان"، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، بيروت 1997، 65-68؛ ج. فغالي، تاريخ قانون الكنيسة المارونيّة، مجامع القرنين السادس عشر والسابع عشر، باريس 1962، (في الفرنسيّة)؛ المجمع اللبنانيّ، "1736"، بيروت 1986، 34-233.
[2]كوربون، ليتورجيّا الينبوع، باريس 1980، "في اللغة الفرنسيّة؛ كتاب القدّاس، بحسب طقس الكنيسة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، بكركي، 1992، 330 – 331.
3]. دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 205 – 206؛ توجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة، الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جل الديب، لبنان 1996، 14.
 
 
الطفل يسوع الصليب، فن ايقوني ماروني
 
 
   

resolution 1024 x 768

 

© pure software code