الليتورجيا المارونيّة

 

 
   مقدّمة
   
   أساسها وطبيعتها
   
   التنشئة الليتورجيّة
   
   الرتب الليتورجيّة
   
  اتجديد الليتورجيّا
   
   الفنّ الكنسيّ
   
   خاتمة
   
   
   
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

يسوع القيامة
 
 
 
 
 
 
 
 
الليتورجيا المارونيّة

  

تجديد الليتورجيّا المارونيّة

ضرورة التجديد
الإصلاح الليتورجيّ ورشة دائمة في الكنيسة، ولا شكّ في أنّه دفع إلى الأمام على أثر المجمع الفاتيكانيّ الثاني. وقد بدأت الكنائس تأخذ مبادرات إصلاحيّة وفق الخطوط الّتي رسمها المجمع وحدّدتها القوانين الخاصّة.
يتمّ الإصلاح لحقبة زمنيّة معيّنة، لأنّ الليتورجيّا هي صلاة الكنيسة الحيّة، وعليها أن تخاطب إنسان اليوم. فجماعة المؤمنين، الّتي تعيش في مكانٍ وزمانٍ محدَّدين، مدعوّة إلى فهم معاني الليتورجيّا ورموزها والمشاركة فيها بطريقة واعية وفعّالة ومُثمرة.
والتجديدُ الطقسيّ لا يعني العودة إلى الممارسات الماضية، بل هو حسن قراءة للواقع الراعويّ استنادًا إلى التقاليد الثابتة وتطوّرها ضمن الخطّ الليتورجيّ السليم، حتّى تؤدّي إلى مشاركة شعبيّة فعليّة منسجمة مع روح الطقس والذوق السليم.
في الإطار الإصلاحيّ، شهدت الكنيسة المارونيّة عبر تاريخها، وبطريقة خاصّة ومباشرة منذ أكثر من حوالي خمسمائة سنة وحتّى اليوم، نزعة نحو الإصلاح الدائم مقارنة بغيرها من الكنائس الشرقيّة. وهذه إشارة واضحة إلى اهتمام الموارنة بالحياة الطقسيّة وتطويرها، وجعلها أكثر ملاءمة مع إرثهم الأنطاكيّ السريانيّ وإظهار تفرّدهم بغية إشراك الشعب في الحدث الطقسيّ.
وتجاوبًا مع توصيات المجمع الفاتيكانيّ الثاني، تقوم الكنيسة المارونيّة اليوم بإصلاحها الليتورجيّ عبر اللجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة. ينطلق العمل من وضع النصّ السريانيّ أساسًا للنصوص المصلحة الّتي منها تنبعث ترجمات من وحي النصّ الأصليّ وصيغ متطوّرة من النصّ السريانيّ، وكلّها تحافظ على العمق اللاهوتيّ والأصالة الروحانيّة الّتي تشكّل تراثًا تتناقله الأجيال وتعبّر فيه عن اختبارات روحيّة وإنسانيّة صالحة لكلّ جيل، مؤكّدة بذلك المبدأ الآتي: الهويّة والتطوّر هما شريعة الحياة في كلّ شيء[1].

مبادئ التجديد: العودة إلى الأصول الأنطاكيّة والتحديث الرعويّ
الإصلاح الليتورجيّ منوط فقط بالسلطة الكنسيّة، ويستند إلى الدراسات والمشاريع الإصلاحيّة الّتي تقوم بها اللجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة، التي تشكّل المرجِع الكنسيّ المختصّ، إذ تقدّم أعمالها لمجمع السادة المطارنة برئاسة غبطة السيّد البطريرك لإقرارها وفق القوانين الكنسيّة والإجراءات المتّبعة. من هنا تتوزّع الكتب الطقسيّةُ على الجماعات المصلّيّة لتستعمل كمرجع كنسيّ رسميّ يُسهم في إحياء الايمان في داخلها. وأهمّ مبادىء التجديد هي:
‌أ.       الانطلاق من الأصالة الليتورجيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، وحفظ هويّتها نقيّةً من أي دخيل يتعارض مع هذه الأصالة ويغيّر ملامح هذه الهويّة.
‌ب. استحداث صيغ طقسيّة على قاعدة "التطوّر العضويّ"، أي أنّ الرتب الليتورجيّة يجب أن تصلح بالعودة إلى جذورها الخاصّة وبالتطوّر المستند إلى طبيعتها الأساسيّة وثوابتها اللاهوتيّةوالكتابيّة ضمن خطّ التقليد الكنسيّ. ويتمّ الاستحداث عندما تقضي به مصلحة الكنيسة بصورة أكيدة وحازمة[2].
‌ج.   جعل الرتب رعويّةً وشعبيّة، فيها الحركة الرمزيّة والأناشيد، وصلوات تتلى على لسان الشعب، الّذي يشارك فيها اشتراكًا واعيًا ومُثمرًا[3].
‌د.      تُشكِّل الدورة الطقسيّة محورًا في الإصلاح الليتورجيّ بحيثُ تتركّز في سرّ المسيح، وفيه ترتبط سائر الأسرار والرتب الكنسيّة.
‌ه.      إمكانيّة التطوّر في الصيغ الليتورجيّة وفق حاجات العصر بحيث تتلاءم وتطلّعات الجماعات المؤمنة المتنوّعة، شرط ألاّ يتبدّل التنسيق الطقسيّ العامّ.
‌و.     استخدام لغة طقسيّةتتميّز بسهولة الصياغة ووضوح المعنى وعمق الروحانيّة الكتابيّة واللاهوتيّة حتّى تساعد الجماعة على الدخول في ديناميّة الصلاة.المطلوب إذًا هو نصّ ليتورجيّ يعبّر عن اختبار الجماعة الإيمانيّ بلغة تساعد على ارتفاع القلب والعقل إلى الله، وبصياغة تعي أهمّيّة الانفتاح على الكنائس الأنطاكيّة والسريانيّة والشرقيّة من جهة وعلى الثقافة العربيّة والإسلاميّة من جهة أخرى[4].
دور اللجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة
عملاً بأحكام المجمع اللبنانيّ وبالإرادة الرسوليّة: "في الطقوس والأشخاص للكنائس الشرقيّة"، وبالمجمع الفاتيكانيّ الثاني في "دستور في الليتورجيّا"، ومرسوم تطبيقه، وقراره حول الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، وبوثيقتيّ "مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة" و"التوجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة" الّتي وردت فيها، أنشأ السيّد البطريرك، بصفته المشرف الأوّل على الليتورجيّا في الكنيسة، لجنة خاصّة دعاها "اللجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة"[5].
 
غاية هذه اللجنة جعل الليتورجيّا وسيلة تبشير، ومدرسة إيمان، وأداة تقديس، وذلك بدرس إصلاح الطقوس وتحضير الرتب البيعيّة، والزيّاحات والعبادات العامّة، والألحان والموسيقى الكنسيّة، وتجديدها، وعرض ذلك على السيّد البطريرك ومجمع السادة الأساقفة لإقراره والعمل به، فتصبح الليتورجيّا محطّ أنظار، يُقبل الناس عليها، ويشتركون فيها اشتراكًا واعيًا تامًّا وفعّالاً، ويستقون من ينبوعها الروح المسيحيّة الحقّة. يشمل عمل هذه اللجنة ودورها كامل النطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار.
 
تستطيع اللجنة، إدراكًا لغايتها بطريقة أفضل، أن تستعين بمعاهد ومؤسّسات وبخبراء إكليريكيّين وعلمانيّين، يختارون من كلّ الأبرشيّات، في النطاق البطريركيّ وفي عالم الانتشار. وتضع اللجنة جدولاً بمواضيع أبحاثها، ترتّب فيه الأوَّليات وفقًا لأهميّة كلّ منها، وتحدّد بموجب روزنامة الوقت اللازم لإنجازها، والخطّة الّتي ستتّبعها في برامجها.
 
تتقيّد اللجنة في عملها بالمبادئ الّتي حدّدها المجمع الفاتيكانيّ الثاني، وتعيد النظر، حيثما تدعو الحاجة، في الطقوس برمّتها بما ينبغي من الرويّة، فتصلح النصوص وتنظّم الرتب، فيتسنّى للشعب أن يتفهّمها. فالليتورجيّا تتألّف من قسم ثابت هو من وضع إلهيّ لا يتغيّر، ومن أقسام عارضة هي من وضع بشريّ يجوز، بل يجب، أن تتبدّل مع الزمن لتبعث في الكنيسة حيويّة جديدة تتلاءم ومقتضيات الظروف والأشخاص وحاجات كلّ عصر[6].
دور الأساقفة في الحياة الليتورجيّة
تنظيم الطقوس في الحياة الكنسيّة، المنوط أساسًا بالسلطة الكنسيّة، يتحقّق، عمليًّا، بعمل الأسقف ودوره الأساسيّ في أبرشيّته. لأنّ الأسقفهو بمثابة الكاهن الكبير والأوّل لقطيعه؛ وحياة المؤمنين الروحيّة تأتي منه وتتعلّق به، لكونه حارسًا ومنشّطًا ورئيسًا للحياة الليتورجيّة بأجمعها في الأبرشيّة[7].
يقوم دور الأساقفة على تعزيز الحياة الليتورجيّة وتنظيمها بحسب رسوم الكنيسة المارونيّة الخاصّة وعاداتها المشروعة، فهم لا يتصرّفون من عندهم، بل يستندون إلى التراث الخاصّ بالكنيسة المارونيّة، وبذلك يحقّقون الشراكة مع إخوتهم الأساقفة. وعليهم أن يتّحدوا مع إكليروسهم ويكونوا حارسين متنبّهين لذاك الضمير الليتورجيّ الحاضر والعامل في الذهن الحيّ لشعب الله في أبرشيّاتهم إنّ شعور الشعب المؤمن جازم في فهم عقيدة الإيمان، لذا يجب الحفاظ على الاحتفال بهذا الإيمان[8]. وعليه، يتوجّب على الأساقفة أن ينشئوا لجانًا ليتورجيّة تتواصل مع اللجنة البطريركيّة وتعمل على تدعيم العمل الليتورجيّ في الأبرشيّة.
وعلى الشعب المؤمن أن يقدر قدرًا عظيمًا الحياة الطقسيّة في الأبرشيّة حول الأسقف، لا سيّما في الكنيسة الكاتدرائيّة، وهذه ينبغي أن تكون مثالاً يحتذى في الحياة الليتورجيّة في الأبرشيّة[9].
ولأجل تعزيز الحياة الليتورجيّة في الأبرشيّة، على الأسقف أن يجهد في تشجيع التنشئة الليتورجيّة المستديمة لكهنته، وذلك من خلال دورات تثقيفيّة ومحاضرات دوريّة تعنى بشؤون الليتورجيّا النابعة من التراث الكنسيّ الأصيل عند الموارنة[10].
وعلى الأسقف أن يقود قطيعه إلى المراعي الليتورجيّة الخصيبة عبر سهره على تطبيق القواعد الطقسيّة الخاصّة بالكنيسة المارونيّة وبتوجيهاتها المستمرّة لتنشيطها ونموّها وتقدّمها، وهي تحافظ على تراثها العريق والغنيّ في آن[11].
 

 
[1]دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 211؛ توجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة، الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جل الديب، لبنان 1996، 18.
[2]دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 211.
[3]المرجع ذاته، 213.
[4]إ. دويهي، منارة الأقداس، جزء أوّل، بيروت 1895، 216.
[5]المرجع ذاته، 218-220؛ أ. رحماني، الليتورجيّات الشرقيّة والغربيّة. دراسة خاصّة ومقارنة، بيروت 1929. (في الفرنسيّة)؛ ف. برايتمن، ليتورجيّات الشرق والغرب، أوكسفورد 1896، (في الإنكليزيّة). دالميه، ليتورجيّات الشرق، باريس 1980، (في الفرنسيّة).
[6]دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 21.
[7] المرجع ذاته، 41.
[8]توجيه لتطبيق المبادئ الليتورجيّة، الواردة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جل الديب، لبنان 1996، 23.
[9]دستور عقائديّ في الليتورجيّا المقدّسة، المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، مطابع الجميّل، بيروت 1984، 21.
[10]المرجع ذاته، 14- 16.
[11]المرجع ذاته 19 - 42.
 
 
   

2008

 

© pure software code