زمن الصليب
بحسب طقس الكنيسة الانطاكية السريانية المارونية
       التنشئة المسيحية 2007 - 2008
  عيد ارتفاع الصليب المقدس - 14 ايلول 2008
  
ملاحظة - النقاط
بالاحمر هي ناقصة
  1. تقديم
     
  2. الاحد عيد ارتفاع الصليب -  الصليب قدرة الله وحكمته
  3. الاحد الاول من زمن الصليب، 21 ايلول  -  المسؤولية خدمة شريفة
  4. الاحد الثاني من زمن الصليب، 28 ايلول - المسيح رجاؤنا في مسيرة الدنيا
  5. الاحد الثالث من زمن الصليب، 5 تشرين الاول  - المسيحي مواطن في عالم جديد
     
  6. الاحد الرابع من زمن الصليب - الحياة يقظة والتزام
  7. الاحد الخامس من زمن الصليب -  مدعوون الى الخلاص
  8. الاحد السادس من زمن الصليب ، عيد يسوع الملك - شريعتنا المحبة

 

 تقديم

يسعدني ان اقدّم العدد 21 من سلسلة التنشئة المسيحية الذي نختتم به السنة الطقسية 2007-2008، والخاص بزمن الصليب المعروف ايضاً بزمن النهايات وعالم ما بعد الموت. يحمل عنواناً من كلمة القديس بولس الرسول:" كلمة الصليب عندنا نحن المخلصين قوة الله"(1كورنتس1/18).

ميزة هذا العدد انه في القسم الاول يواصل شرح نصوص رسائل القديس بولس الرسول، بمناسبة يوبيل السنة البولسية، وربطه بنصوص الانجيل، في آحاد زمن الصليب، وفقاً لترتيب القراءات في الروزنامة المارونية. ويواصل في القسم الثاني سلسلة البطاركة الموارنة ولبنان، واحداً واحداً مع ما له من أثر في حياة الكنيسة المارونية ولبنان. اما القسم الثالث المخصص للخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني، فينهي عرض النص العاشر " العائلة المارونية"، ويقدّم مختصراً عن النصين الاخيرين المحددين للسنة الثانية من خطة الخمس سنوات التي وضعتها الامانة العامة للمجمع ولجنة المتابعة" وهما النص الحادي عشر: " الشبيبة"، والنص 23: الكنيسة والارض".

تقود خطانا في هذا القسم الاخير من السنة الطقسية، المنفتح على نهاية الازمنة، " كلمة الصليب التي هي عندنا نحن المخلصين قوة الله" (1كورنتس1/18). فهي نور للعقل، ورجاء للارادة، وعزاء للقلب.

 

+ بشاره الراعي مطران جبيل



 

ناقص ...
 

  1. الاحد عيد ارتفاع الصليب -  الصليب قدرة الله وحكمته
  2. الاحد الاول من زمن الصليب، 21 ايلول  -  المسؤولية خدمة شريفة

  3. الاحد الثاني من زمن الصليب، 28 ايلول - المسيح رجاؤنا في مسيرة الدنيا
  4. الاحد الثالث من زمن الصليب، 5 تشرين الاول  - المسيحي مواطن في عالم جديد
 



الاحد 12 تشرين الاول 2008

 

الاحد الرابع من زمن الصليب

الحياة يقظة والتزام

 

 

رسالة  القديس بولس الرسول الاولى الى اهل تسالونيكي (1تسا5/1-11)

 

أَمَّا الأَزْمِنَةُ والأَوقَات، أَيُّهَا الإِخْوَة، فلا حَاجَةَ بِكُم أَنْ يُكْتَبَ إِلَيْكُم في شَأْنِهَا؛ لأَنَّكُم تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ لَيْلاً. فحِينَ يَقُولُون: سَلامٌ وأَمْنٌ! حِينَئِذٍ يَدْهَمُهُمُ الـهَلاكُ دَهْمَ الْمَخَاضِ لِلحُبْلى، ولا يُفْلِتُون. أَمَّا أَنْتُم، أَيُّها الإِخْوَة، فَلَسْتُم في ظُلْمَةٍ لِيُفَاجِئَكُم ذـلِكَ اليَومُ كالسَّارِق. فأَنْتُم كُلُّكُم أَبْنَاءُ النُّور، وأَبْنَاءُ النَّهَار؛ ولَسْنَا أَبْنَاءَ اللَّيلِ ولا أَبْنَاءَ الظُّلْمَةِ. إذًا فلا نَنَمْ كَسَائِر الـنَّاس، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ؛ لأَنَ الَّذِينَ يَنَامُونَ فَفي اللَّيلِ يَنَامُون، والَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَفي اللَّيلِ يَسْكَرُون. أَمَّا نَحْنُ أَبْنَاءَ النَّهَار، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والـمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الـخَلاص. فإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلغَضَب، بَلْ لإِحْرَازِ الـخَلاصِ بَرَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح، الَّذي مَاتَ مِنْ أَجْلِنَا، لِنَحْيَا مَعَهُ سَاهِرِينَ كُنَّا أَمْ نِائِمِين. فَلِذـلِكَ شَجِّعُوا بَعضُكُم بَعْضًا، وَلْيَبْنِ الوَاحِدُ الآخَر، كَمَا أَنْتُم فَاعِلُون.

 

        حديث بولس عن مجيء المسيح المفاجىء دليل ان الجماعة المسيحية في تسالونيكي كانت تعيش برجاء عودة المسيح بالمجد وشيكاً. لذا نجد في رسالة بولس الاولى تعليماً من نمط خاص في احداث نهاية الازمنة. فينبغي ان تقوم سيرة المسيحي على رجاء عودة المسيح. المسيحي هو رجل ذلك الانتظار. يوم الرب الذي يتحلّى فيه الله دياناً للابرار والاشرار يقتضي من المسيحيين ان يكونوا مستعدين له، ولا غبار عليهم.

 

اولاً، شرح نص الرسالة وربطه بنص الانجيل

 

1.    يوم الرب الآتي يقتضي السهر

 

في القسم الاول من هذه الرسالة يؤكد بولس الرسول ان يوم مجيء الرب حتمي، لكن زمنه غير معروف. غير انه آتٍ في وقت لا نخاله، مثل السارق ليلاً (1تسا 5/2). يجيء الرب بالمجد، في نهاية الازمنة، ليدين الاحياء والاموات، كما نعلن في قانون الايمان. فلانه جاء فادياً ومخلصاً بمجيئه الاول، سيأتي دياناً في مجيئه الثاني. هذا الحق باجراء دينونة كل البشر قد اكتسبه بصليبه، والآب سلّمه الحكم كله (يو5/22). في المجيء الاول، بالتجسد، اتى ليخلّص ويعطي الحياة التي هي فيه، لا ليدين. اما في المجيء الثاني بالمجد فليدين الذين يرفضون نعمته والمحبة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،679).

 

ولان الرب آت، ينبغي ان ننتظره بالسهر في غمرة نور الايمان والمعمودية، لاننا " ابناء النور" (1تس5/5). المسيحي هو المستنير بالايمان اي بالحقيقة التي اعلنها يسوع المسيح عن الله والانسان والتاريخ. وهو المستنير بالمعمودية لانه لبس المسيح الكلمة " النور الحقيقي الذي ينير كل انسان" (يو1/9)، وبالتالي اصبح " ابن النور"، بل نوراً بحد ذاته (افسس5/8).

انه المستنير بوجه الله، النور الذي لا ينطفىء ويبحث عنه كل يوم: " وجهك يا رب التمس" (مز27/6). هذا الالتماس هو جوهر السهر الذي يدعو اليه بولس الرسول ويشبهه بالسلاح: " إلبسوا درع الايمان والمحبة، وضعوا خوذة رجاء الخلاص" ( 1تسا 5/8).

السهر هو انتظار مجيء الرب وتجلياته في حياتنا اليومية لخلاصنا، فقد مات من اجلنا (5/9-10). السهر عمل جماعي يقتضي منا ان يشجع الواحد الآخر في الثبات والانتظار (5/11). وجلّ ما ننتظر هو ان الله الذي " يعطي الحياة للاموات ويدعو العدم الى الوجود" ( روم4/17)، والذي بكلمته أشرق النور من الظلمة (تك1/3)، يستطيع ان يعطي نور الايمان للذين يجهلونه (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 298).

 

2.     الانتظار التزام بوكالة (متى 24/45-51)

 

" من تراه الوكيل الامين الحكيم" ( متى 24/45).

ننتظر مجيء الرب كل يوم من حياتنا، وننتظر مجيئه في اليوم الاخير. يجيء لانه يسلّم كل واحد منا وكالة ليعطي طعامه الى الجماعة التي يعيش معها. طعام المسيح كلمة الانجيل التي تغذي العقل بنور الحقيقة، ونعمة الاسرار التي تغذي النفس بالحياة الالهية، والمحبة المسكوبة في قلب الانسان بالروح القدس، التي تغذي وتنعش الحياة والعمل. ويجيء ليطالب الوكيل بواجب وكالته ويكافئه بالخلاص او يقاصصه بالهلاك.

يُطلب من الوكيل ان يكون " اميناً وحكيماً" تجاه ثلاث مسؤوليات: اتمام ارادة الرب السيد الذي أوكله، التصرف واتمام العمل وفقاً لهذا التوكيل، بلوغ الهدف من الوكالة وهو ايصال " الطعام" لمن هم في عهدته.

الامانة تعني مواصلة كلمة " نعم" التي أخذ بها قراره الاول بتلبية نداء الرب الموكِّل، بالرغم مما تواجه الامانة من صعوبات ومحن ورتابة. الامانة تصان بالعودة الدائمة الى القرار الاول.

الحكمة موهبة من مواهب الروح القدس تُعطى للانسان لكي ينظر من منظار الله في كل عمل وواجب ومسؤولية. ما يعني ان الوكيل يعمل باسم موكّله، وكأنه " أنا الآخر"، فيمارس مهمته " بمخافة الله" التي هي كمال الحكمة: " رأس الحكمة مخافة الله" ( سيراخ1/18).

الوكيل الذي يستبطىء مجيء سيده ( متى 24/48) ليس حكيماً، والذي يضرب رفاقه ويأكل ويشرب مع السّكرين ( متى24/49) ليس اميناً. هذا ينال عقابه بالفصل عن الوكلاء الامناء والحكماء، ويكون نصيبه الهلاك. ذلك انه لم يتجارب مع دعوة الله المشرّفة له بان " يعطي طعامه: للذين ائتمنه على خدمتهم.

 

ثانيا، البطريركية المارونية ولبنان

 

        عهد البطريرك جرجس بن الحاج رزق الله البسبعلي(1657-1670)

 

        تزامنت بطريركيته مع اواخر عهد المعنيين (1572-1697) من امبراطورية العثمانيين (1516-1918).

        1. تميز البطريرك جرجس الحاج رزق الله البسبعلي بلطف المعشر وسرعة الخاطر والقدرة على اجتذاب قلوب الناس. وكان بارعاً في علم الحقوق الكنسية وعلاّمة عصره، يجيد التكلم باللغات الشرقية ولاسيما منها اللغة التركية.

        له ثلاث رسائل الى البابا اسكندر السابع (1655-1667) بعد الرسالة التي طلب فيها درع التثبيت وارسلها في 17 كانون الثاني 1655، لكن حاملها الاب يوحنا الكرملي توفي فور وصوله الى روما. ما اضطر البطريرك ان يراسل من جديد بهذا الشأن.

        في الرسالة الاولى (6آب 1658) التمس البطريرك مجدداً درع التثبيت وارسال اربعة اوخمسة رهبان كرمليين للقيام باعمال روحية ورسولية في لبنان، ومنح غفرانات للشعب الماروني، على غرار الاحبار السابقين.

في الرسالة الثانية (12 تشرين الثاني 1658)، طلب البطريرك تدخّل قداسة البابا لاعادة السفينة المسروقة من احد رجال مالطه الى صاحبها السيد كرم ميشال دهان الماروني المخلص لطائفته. 

في الرسالة الثالثة (15 اذار 1559) شكر البطريرك قداسة البابا على منح الشيخ ابا نوفل الخازن وسام فارس في الكنيسة الرومانية المقدسة، وعلى الكتب والكاسات والبدلات وسواها من الاواني المقدسة للاحتفالات الطقسية.

 

2. في رسالة من احد الآباء الكرمليين بشأن طلب درع التثبيت سنة 1659، الى قداسة البابا اسكندر السابع، نجد شهادة عن الموارنة وتقاليدهم في ذلك العهد. نقرأ فيها:

" الملّةالمارونية" عريقة في القدم، وهي مسيحية كاثوليكية متمسّكة بكرسي رومة الرسولي وامينة للكنيسة المقدسة. تعيش بين ملل وطوائف غير مسيحية ومحكومة منها. ومع ذلك لم تبتعد قط عن اظهار الطاعة للحبر الاعظم والامانة الحقة. بطريركهم رجل قديس وخادم لله غيور يعيش بكل تقوى الله. لا يأكل لحماً، ويصوم كثيراً ويضحي في سبيل رعيته ويسعى لاعانة أفرادها وتخليصهم من بين براثن أعدائهم، اذ حكمهم رجل ظالم غير مسيحي من حزب المتوالة وقد ألقى الذعر في قلوبهم وخاصة الفقراء والمساكين منهم، وسلبهم اموالهم، وهي قليلة، واغراضهم واثوابهم. والذين لم يكن لديهم اموال، باعهم كالعبيد. وقد اضطر بطريركهم ليستفك اولاده وبناته، لئلا يسقطوا في الضعف وينكروا ايمانهم، الى انفاق كل ما كان لديه من اموال في البطريركية حتى انه اعطاهم لباسه وكل السجاد الذي كان في المقام البطريركي ليعيدهم الى بيوتهم. وقد اضطر هو نفسه مرتين الى الهرب من امام الاتراك، لئلا يمسكوه ويهينوه ويقتلوه، وقد نهبوا مقامه في السابق مرتين. والموارنة اولاده المخلصون، اذ رأوه في هذه الورطات متمرغاً رغماً عنه، هربوا من امام الاعداء في الوديان والغابات، وتركوا بيوتهم الوادعة وهاموا على وجوههم(1).

 

3. توفي البطريرك جرجس الحاج البسبعلي بدءاً السّل في 12 نيسان 1670 في دير مار شليطا مقبس (غوسطا-كسروان)، ودُفن فيه بعيداً عن كرسيه في دير سيدة قنوبين. لم يتمكن الاساقفة والاعيان من عقد مجمع لانتخاب بطريرك جديد في اليوم التاسع، كما كانت العادة، بسبب تفشي داء السّل، وكان مصاباً به وكيل دير سيدة قنوبين القس انطونيوس الرزي، ومات في الكرسي البطريركي. فانعقد المجمع في اوائل ايار 1670 وانتخب خلفاً له المطران اسطفان الدويهي.

 

***

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

تنتهي الخطة الراعوية لتقبّل النص العاشر: العائلة المارونية، وتحديداً " اشتراك العائلة في حياة الكنيسة ورسالتها" (الفقرات 63-66).

تشارك العائلة المارونية في حياة الكنيسة ورسالتها من خلال نشر فضائل الايمان والرجاء والمحبة في عالم هو بأمس الحاجة اليها.

 

1.    نقل الايمان

ان واجب الوالدين المسيحيين الاول نقل الايمان الى اولادهما، لكونه حجر الزاوية للحياة المسيحية. العائلة تنقل الايمان عندما تتقبّل كلمة الله وتعلنها في البيت والمجتمع، وتنمو فيها بالمواظبة على الصلاة وقراءة الانجيل والتأمل فيه. فتصبح عائلة مبشّرة، وتشترك في رسالة الكنيسة النبوية عبر حياة زوجية وعائلية مقدَّسة ومقدِّسة بالمسيح.

 

2.    تعزيز الرجاء

واجب الازواج والوالدين الثاني التمرّس بالرجاء المسيحي في وجه اليأس والضياع واللامبالاة، واشعاعه في البيت والمحيط العائلي. فيكون الزوجان رجاء الواحد للآخر ولاولادهما، ويكون الاولاد رجاء لبعضهم البعض ولوالديهم. فيثبت الجميع في الرجاء امام صعوبات الحياة اليومية، لعلمهم انهم بين يدي الله الامين لمواعيده، والحاضر دوماً في اوقات الضيق.

 

3.    حياة في المحبة

يكتمل الايمان والرجاء في حياة المحبة التي تطبع المسؤوليات الزوجية والوالدية والبنوية، وتؤمن كرامة كل شخص في العائلة، اياً تكن حالته وعمره. حياة المحبة في العائلة تجعل المحبة عملاً رسولياً في الكنيسة، وتنعش روح القداسة التي يدعى اليها الجميع، وتعكس عهد المحبة القائم بين المسيح والكنيسة، وتصبح شهادة لمحبة المسيح في العالم ولحقيقته.

***

صلاة

        ايها الرب يسوع، لقد شّرفت كل واحد منا ووكّلته، في موقعه، ليعطي اخوته ابناءك طعام الكلمة والنعمة والمحبة. نصلّي من اجل رعاتنا الكنسيين والمسؤولين المدنيين لكي يتجمّلوا بالحكمة والامانة، فيوزعوا على مائدة الحياة عطاياك الروحية والمادية، الالهية والزمنية. وعلّمنا ان الحياة سهر وانتظار لمجيئك في حياتنا اليومية، اذ تجدد لنا الوكالة وفقاًُ للندءات والحاجات الراهنة والمتبدّلة. ارسل الينا انوار روحك القدس لنحسن قراءة الاحداث، ونبّه اذهاننا لنسمع نداءاتك والهامات الروح. علّمنا ايضاً ان الحياة التزام يومي في الخدمة، وانك ستأتي في آخر الزمن، وتطالب باداء حساب الوكالة. اعطنا النعمة لندرك كل هذا النصيب، فننال الخلاص الذي وعدت به الوكلاء الامناء والحكماء. فنرفع المجد والشكر الى الآب والابن والروح القدس الآن والى الابد، آمين.

 

__________________________________________

(1) الاباتي بطرس فهد، بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن 17، ص 151- 154.

 


 

الاحد 19 تشرين الاول 2008

 

الاحد الخامس من زمن الصليب

مدعوون الى الخلاص

 

رسالة  القديس بولس الرسول الى اهل فيليبي (فيليبي2/12-18)

 

إِذًا، يَا أَحِبَّائِي، فَاعْمَلُوا لِخَلاصِكُم بِخَوْفٍ ورِعْدَة، كَمَا أَطَعْتُمْ دَائِمًا، لا في حُضُورِي فَحَسْب، بَلْ بِالأَحرى وبِالأَكْثَرِ الآنَ في غِيَابِي. فَاللهُ هُوَ الَّذي يَجْعَلُكُم تُرِيدُونَ وتَعْمَلُونَ بِحَسَبِ مَرْضَاتِهِ. إِفْعَلُوا كُلَّ شَيءٍ بِغَيْرِ تَذَمُّرٍ وَجِدَال، لِكَي تَصِيرُوا بُسَطَاءَ لا لَومَ عَلَيْكُم، وأَبْنَاءً للهِ لا عَيْبَ فيكُم، وَسْطَ جِيْلٍ مُعْوَجٍّ ومُنْحَرِف، تُضِيئُونَ فيهِ كالنَّيِّراتِ في العَالَـم، مُتَمَسِّكِينَ بِكَلِمَةِ الـحَيَاة، لافْتِخَارِي في يَومِ الـمَسِيح، بِأَنِّي مَا سَعَيْتُ ولا تَعِبْتُ بَاطِلاً. لو أَنَّ دَمِي يُرَاقُ على ذَبِيحَةِ إِيْمانِكُم وخِدْمَتِهِ، لَكُنْتُ أَفْرَحُ وأَبْتَهِجُ مَعَكُم جَمِيعًا. فَافْرَحُوا أَنْتُم أَيْضًا وابْتَهِجُوا مَعِي.

 

بولس يكتب من السجن الى اهل فيليبي بكثير من المودة، لما يربطه بهم من روابط محبة واخلاص، هم الذين وحدهم قدُموا له الهبات اكثر من مرة. من بعد ان دعاهم ليتخلّقوا باخلاق المسيح (فيل2/5-11)، ناشدهم السعي الى الخلاص، مع الاشارة الى مقتضيات هذا السعي.

 

 

اولاً، شرح نص الرسالة وربطه بنص الانجيل

 

1.    السعي الى الخلاص

 

" اعملوا لخلاصكم بالطاعة والخوف والرعدة" ( فيل 2/12).

 الانسان مدعو في الاساس ليعيش مشاركاً في سعادة الله. لكن الخطيئة جرحته، فصار بحاجة الى خلاص الله بالعون الالهي الذي يأتيه في المسيح بواسطة الشريعة التي توجّهه والنعمة التي تعضده. هذه هي دعوة بولس الرسول: " اعملوا لخلاصكم"، على ان يتم العمل " بالطاعة والخوف والرعدة".

نعمل لخلاصنا عندما نطيع الشريعة التي وضعتها الحكمة الالهية، وهي ترسم الطرق والقواعد المسلكية التي تقود الى السعادة الموعودة. هذه الشريعة تُنهي عن السبل التي تُبعد عن الله ومحبته. وتتصف بالحزم في ما تأمر، وبالحنان في ما تعد (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1950).

 

        ونعمل لخلاصنا عندما نقبل نعمة الاسرار بالخوف والرعدة، اي في حضرة الله التي تستوجب استعداداً روحياً لائقاً وموقف وقار واحترام كبيرين. فالنعمة، النابعة من محبة الله الآب، والمتفجرة من موت المسيح وقيامته، تُعطى لنا بالروح القدس، وتبررنا بغسلنا من خطايانا وباعطائنا برّ الله، بقوة ايماننا بالمسيح وبالمعمودية وسائر الاسرار الخلاصية (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1987).

        الخلاص الالهي يطال منا الارادة والعمل، بحيث يصبح الله اياه العامل فينا ومن خلالنا كل ما هو حق وخير وجمال، على ما يقول بولس الرسول: " فان الله هو الذي يعمل فيكم الارادة والعمل في سبيل رضاه" ( فيل2/13)، وفي موضع آخر: " فما انا أحيا بعد الآن، بل المسيح يحيا فيّ" (غلا2/20).

        اما معيار العمل واي نشاط آخر فهو ان يكون ذات بُعد نهيوي، " بلا لوم، ولا عيب، ولائقاً بابناء الله، ما يجعل صاحبه مدعاة فخر واعتزاز لبولس في يوم الرب، وتاييد لنجاح رسالته التي يقوم بها حتى استشهاد الدم.

 

 

 

2.     السعي الى الخلاص يكتمل ويُحسم بالموت (متى25/1-13).

 

" ودخلت المستعدات معه الى العرس وأغلق الباب" (متى 25/10).

الموت هو ساعة اللقاء الاخير والحاسم مع الله. اللقاء بالله هو عرس خلاص الانسان الذي عاش هذا اللقاء لحظة بلحظة في حياته، وهو لقاء يسمّيه كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية " الحياة في المسيح" (فقرة 1949). مجيء العريس في ساعة لا تعرفها النفوس المنتظرة والساهرة بالمصابيح المضاءة رمز للموت الذي يقتضي سهراً وانتظاراً واعطاء كل لحظة من الوجود قيمتها. هذا هو جوهر مثل العروس والعذارى العشر.

في ضوء هذه الحقيقة أن بالموت يكتمل السعي الى الخلاص ويُحسم، يعتبر الفيلسوف الالماني Heidegger في كتابه " الوجود والزمن" (1953) ان "الموت مستقبل الوجود وفعل حرية بامتياز". فيما يعتبر ان الانسان محكوم عليه بالموت وفقاً للمقولة الفلسفية: " الوجود من اجل الموت" وكأن الانسان ينتهي في العدم، اذ يولد حاملاً معه نهائيته، فان Heidegger يضيف مقولة ثانية: " الحرية من اجل الموت". فيعتبر ان الموت نداء يدعو حرية الانسان " لتعيش الموت"، محققة ملء الوجود، بحيث يعطي الانسان كل لحظة من حياته قيمتها بوجه العدم. الحرية البشرية هي ان يحمل الانسان مسؤولية وجوده بوعي، ويسعى الى اكتماله، في محدوديته ونهائيته. ويضيف الفيلسوف الالماني ان الموت هو المستقبل بامتياز. وبما ان الانسان هو تماماً ما يجب ان يكون، فانه يكون كذلك فقط عندما يعيش امكانيته الاخيرة التي هي الموت. العذارى الحكيمات يمثلن النوع من الحرية التي تعطي كل لحظة قيمتها ومعناها، من خلال اخذ الزيت الاحتياطي لتظل مصابيحهن مضاءة. مصابيح الانسان عقله وارادته وقلبه، والزيت هو الحقيقة والعدالة، الخير والجمال، المحبة والرحمة.  العرس والمشاركة فيه هما الخلاص السعيد الذي  يناله الانسان عبر الموت. بالموت يبدأ وجود ابدي سعيد للذين عاشوا " الحرية من اجل الموت"، على ما يقول الانجيل: " ودخلت المستعدات معه الى العرس وأغلق الباب" (متى25/10).

" الوجود من اجل الموت" يصبح " الوجود من اجل المستقبل" الذي هو عرس الخلاص بالمسيح. انه دخول في العهد مع الله الذي قطعه للجنس البشري منذ القديم، ثم جدده وختمه بدم ابنه الوحيد يسوع المسيح الذي " مات من اجل فدائنا من خطايانا، وقام من الموت لتبريرنا" (روم4/25)، وحققه حياة الهية فينا بالروح القدس.

" الدخول الى قاعة العرس" يعني الدخول الى حالة الخلاص بالمسيح، التي هي عيش في الحقيقة والحرية والعدالة والمحبة، في سعادة النفس الداخلية عبر مسيرة الدنيا، والتي هي خلاص ابدي في نهاية الازمنة: " طوبى للمدعوين الى وليمة عرس الحمل" ( رؤيا 19/9).

 

****

 

ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان

 

المكرم البطريرك اسطفان الدويهي (1670-1704)

 

1.    شخصيته

انه الملقب " بابي التاريخ الماروني واللبناني" و " باعظم شخصية مارونية" علماً وعملاً. كتب عنه مترجم حياته المطران بطرس شبلي: " صار بتواريخه مبدع تواريخنا، وبمنائره منارة اعتقادنا، وبجهاده ونزاهته مثال الرؤساء" (1). وكتب الدكتور جورج هارون: " ان ما قام به " ابو التاريخ اللبناني" من قول وفعل يؤلف نظاماً فكرياً، دينياً وزمنياً، روحياً ووطنياً، ما زال يُعمل بالكثير منه، وما برح يشكل نواة لايديولوجية شعب باسره" (2). وقال عنه الاب ميشال الحايك انه " اجمل شخصية مارونية في كل الازمنة. بفضله نستطيع الكلام عن التاريخ والليتورجيا. انه خارق واستثنائي في قدرته على العمل، وقداسة حياته، وسعة معارفه، وامانته لله وللكنيسة. لقد قام طوال بطريركيته، باصلاح جذري هو

 

 

___________________________________________________________________

(1) المطران شبلي: اسطفانوس بطرس الدويهي بطريرك انطاكية: منشورات الحكمة II 1970،ص 208.

(2) الدكتور جورج هارون: اعلام القومية اللبنانيبة،2، اسطفان الدويهي،ص 23.

 

قدوة في الامانة الى الماضي وفي الانفتاح على المستقبل" (3). واضاف: انه باحث ومنقّب في مخطوطات رومة وحلب وقبرس ولبنان. كان مهيئاً بالمحبة والغيرة الراعوية، بالعلم والقداسة، لكل مقتضيات الساعة وكل ساعة. كمدافع، دافع عن الكنيسة المارونية ضد متهميها، وككاثوليكي عمل للقضية المسكونية ولاسيما بشأن وحدة الكنيسة السريانية الكاثوليكية مع روما، وكبنّاء كبير بنى ودشن العديد من الكنائس، وكقديس اشتهر بقداسته وعجائبه (4). واعتبر المطران انطوان حميد موراني ان البطريرك الدويهي هو مكوّن " الوجدان التاريخي" الواضح الخطوط والفاعل في حياة شعب وتاريخه، دون ان يكون للتاريخ شأن كبير في صوغ هذا الوجدان (5).

 

2. مؤلفاته

من حين انتخابه بطريركاً راح ينقّح الكتب الطقسية ويرتّب العوائد ويكتب.

بدأ بكتاب الرسامات المعروف " بالشرطونية"، اعاد رونقها وشرحها ووصف جميع الدرجات المقدسة ومعانيها. وجمع في مجلد واحد " رتبة تكريس الكنائس". ونقّح " "رتبة لبس الاسكيم الرهباني وتكريس الرهبان والراهبات"، هو الذي بارك وقبل تأسيس الرهبانية المارونية في جبل لبنان سنة 1695، وقد اصبحت حالياً الرهبانية المارونية المريمية والرهبانية اللبنانية المارونية. وجمع "النوافير المارونية". ومن اهم كتبه الطقسية " منارة الاقداس" وهي عشر منائر تكلم فيها عن كل ما يتعلق بخدمة سرّ القربان. ونذكر من مؤلفاته الطقسية:  الالحان السريانية، الجنازات، الرتب الكنسية التي تقام في الاعياد الكبيرة.

ومن تصانيفه التاريخية نذكر: " سلسلة البطاركة الموارنة" وفيها اسماؤهم ولمحة مختصرة عن حياتهم واعمالهم، و" تاريخ المدرسة المارونية في رومة" المؤسسة سنة 1584 وفيه مختصر عن الذين درسوا فيها، وتاريخ الازمنة، والمختصر في اصل الموارنة وثباتهم في الامانة وصيانتهم من كل بدعة وكهانة، وتاريخ الاحتجاج (6).

كان البطريرك اسطفان الدويهي يطوف في جبل لبنان، متفقداً الموارنة، فسام كهنة وكرّس 35 كنيسة في الشمال وكسروان والمتن والجنوب (7)، ورسم 14 مطراناً في مدة بطريركيته التي دامت 34 سنة.

 

3.    اضطهاده ومعاناته

 في سنة 1675، بعد خمس سنوات من انتخابه، هرب من قنوبين الى دير مار شليطا مقبس (غوسطا) من جور وظلم ونهب مشايخ آل حماده المتاولة للكرسي البطريركي واملاك الموارنة، وكان في حمى الشيخ ابي نوفل الخازن. وراح يتفقد الموارنة ويشجعهم في مناطق فتوح كسروان وجبيل.

في سنة 1683 غادر الى مجدل المعوش، لان بعد وفاة الشيخ ابي نوفل (12 آب 1680) كان بعض مشايخ آل الخازن يتدخلون بشؤون الطائفة الروحية، وسعوا بالرشوة الى رسامة اساقفة.

في سنة 1685 عاد الى كرسيه في دير قنوبين بعد ان اعتذر منه مشايخ آل حماده وابدوا استعداداً للتعويض عما صدر عنهم من مساوىء.

ولكنه عاد فهرب الى كسروان سنة 1695 من جورهم، وقد نكثوا بالعهد.

فجارواعلى البطريرك بدفع الاموال الاميرية ظلماً، وتعدّوا على خدام الكرسي. رفع البطريرك امره الى ملك فرنسا لويس الرابع عشر بكتاب مؤرخ في 20 اذار 1700 ليتوسط لدى الباب العالي لرفع التعديات عن البطريركية والطائفة المارونية. ففعل الملك كما يبدو من جوابه الى البطريرك في 10 آب 1701. ومن بعد ان توسط مشايخ آل حماده عند اعيان البلاد لاقناع البطريرك بالعودة الى قنوبين وكتب اليه ارسلان باشا متعهداً له بمنع كل اذى وباحلال العدل والامان، عاد البطريرك الى قنوبين.

 

        ________________________________________________

 (3) الاب ميشال الحايك: الليتورجيا المارونية (بالفرنسية) ص، 50-51.

(4) المرجع نفسه،ص 50-52.

(5) الاب حميد موراني: الوجدان التاريخي الماروني، بيروت 1681،ص 11.

(6) الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم القرن 17،ص 228-231.

(7) انظر لائحة منها في المرجع نفسه ص 185-186

 

ولكن في 24 كانون الثاني 1704 غادر مجدداً قنوبين الى غزير لدى المشايخ آل حبيش، بعد ان تعدى عليه آل حماده وقد جاؤوا قنوبين وطالبه كبيرهم حاكم الجبه عيسى حماده بمبلغ من المال باهظ وظالم. واذ لم يلبِّ البطريرك طلبهم غضب عيسى حماده ولطمه على وجهه فوقعت عمامته عن راسه الى الارض، واوشك البطريرك ان يسقط على الارض لو لم يستند الى الحائط، واوسعه عيسى شتماً واهانة. فاحتمل البطريرك كل ذلك بصبر ولم يتفوّه بكلمة مسيئة. اقام في غزير اربعة اشهر ثم انتقل الى دير مار شليطا مقبس حيث قضى اربعة اشهر تقريباً.

في 19 نيسان 1704 عاد الى قنوبين بعد ان كتب اليه والي طرابلس والامير بشير الاول شهاب مستنكرين ما انزل به الشيخ عيسى حماده، وقدموا له الضمانات. وصل الى قنوبين في 26 نيسان وتوفي في 3 ايار 1704 (8).

 

****

 

ثالثا،  الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

تتناول الخطة الراعوية النص المجمعي الحادي عشر: الشبيبة. فتختصره بعنوان: الكنيسة والشبيبة: انتظارات متبادلة.

الانتظارات المتبادلة تدخل في صميم " راعوية الشبيبة" التي هي الاساس لاعلان بشارة الانجيل الجديدة في عالمنا الحاضر. تُبنى هذه الراعوية على الثقة المتبادلة بين الشبيبة والكنيسة، من خلال حوار جريء وشفاف. فالشبيبة أمل الكنيسة، وهي امهم ومعلمتهم وخادمة رسالتهم ( فقرة 1 و2).

1. الشبيبة المارونية ورثة ايمان راسخ وعميق، مبني على شخص المسيح. واجب الكنيسة مساعدتهم على اكتشاف المسيح الفادي، المعلم الحق، المرشد والصديق، وعلى بناء علاقة معه عميقة. اما واجبهم فاحياء هذه العلاقة مع المسيح، والبحث عنده عن المعنى لحياتهم و" تصميم الله عليهم"، وادراكهم ان حياتهم ليست ملكهم، بل عطية من الله لهم، وملك للانسانية والمجتمع، والالتزام باعلان كلمة الانجيل بجرأة، والعمل الدؤوب على تحويل العالم بروح وخميرة الانجيل ولاسيما بملاقاة الشبيبة غير الملتزمة (فقرة 11 -12).

2. التزام الكنيسة بهم: انها تحتضنهم بمحبة وثقة ورجاء، تشاركهم قلقهم، وتعنى باهتمامهم وآمالهم وانتظاراتهم بالمسيح الذي هو الحقيقة والمحبة. والتزام الشبيبة بالكنيسة، لان اكتشاف المسيح والايمان به اكتشاف للكنيسة وايمان بها، والشعور بانهم ابناؤها وخادمو رسالتها واصحاب دور نبوي وكهنوتي وملوكي فيها ( فقرة 13)، ولاسيما من خلال الانتماء الى حياة الرعية ورسالتها، والانخراط في المنظمات الرسولية، والهيكليات الرعوية ( فقرة 15).

 

3. الكنيسة والشبيبة في مواجهة الاخطار.

اخطار على المستوى العائلي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي تتهدد الشبيبة الذين هم امل الكنيسة ورجاؤها، وتتأثر الكنيسة بما يتأثرون به.

- عائلياً اهتزاز في العلاقات على مستوى العائلة، مردّه اهتزاز العلاقة بالله وبالكنيسة ونقص في الايمان وفي الالتزام والسهر والمرافقة لاولادهم، تحرر الشباب من التقاليد والروابط العائلية، الانجراف وراء الاحاسيس، التفلت الاخلاقي، الفوضى العاطفية، وارتهان للمخدرات وللاباحية (فقرة 16).

- تربوياً، تطغى تيارات الالحاد والاستهلاكية والمادية التي تروج لها وسائل الاعلام وشبكات الاتصال الالكتروني، ما يخلّف لدى الشبيبة حب الظهور الفارغ والسطحية والتصنع والتكاذب وعدم الشفافية، وفقدان سلّم القيم والانحطاط الاخلاقي، والنقص في حرارة العلاقات الانسانية، وعيش في عالم الانانية والحرية الانفلاتية من اي قيد روحي واخلاقي وانساني (فقرة 18). 

 

_______________________________________________________________

(8) انظر الاحداث لدى الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم القرن 17،ص 213-216.

 

اجتماعياً، بعض الطبقية المتمايزة لدى فئة تسود فيها حياة الرخاء والسهولة والتفلت من القيم الاخلاقية، ما يفضي لدى الشباب الى ضياع الهوية، فتكتنفهم العزلة والغربة عن مجتمعهم وكنيستهم وعائلتهم (17).

اقتصادياً، مشكلة التوظيف وفرص العمل، تغليب منطق الربح السريع والنجاح المادي المبكر، مهما كان الثمن، ولو على حساب قيمهم ومبادئهم. وبالتالي دخول الى عالم المصالح من بابه السيّء على حساب حريتهم وفاعليتهم كروّاد تغيير وبناة مستقبل أفضل (فقرة 19).

 

4. الكنيسة السّر والكنيسة المؤسسة: على رعاة الكنيسة، اساقفة وكهنة، وعلى الرهبان والراهبات، ابراز وجه الكنيسة اولاً في جوهرها كسّر المسيح الخلاصي، وبداية ملكوت الله على الارض ملكوت القداسة والمحبة والعدالة والرحمة، الى جانب كونها مؤسسة، بحيث تشهد هذه لصورة المعلم الالهي، ويكوّن فيها الشبيبة اعضاء حية وشاهدة وفاعلة (فقرة21). ما يقتضي:

 1) ان يتوفر دور فاعل  للشبيبة في الكنيسة وهيكلياتها ( فقرة22).

2) ان تُقدم للشبيبة شهادة اصلية للحياة المسيحية في مؤسسات الكنيسة التربوية والاجتماعية

   والاستشفائية، وان يُطلب من الشبيبة اعطاء الشهادة اياها في حياتهم وعملهم، وان يتآزر الكل في إحداث تغييرات واصلاحيات تبرز اصالة الحياة المسيحية (فقرات 23-25).

3) ان تُنسج الوحدة التي يتوق اليها الشباب، على المستوى الكنسي الداخلي، والمستوى

     المسكوني، والمستوى الوطني، بموجب مبدأ " الوحدة في التنوع". وان تُفهم اسباب الانقسام وتلاقيها

     في المجالات الممكنة (فقرات 27-29).

 

5. مواجهة العولمة

 

الانفتاح على المجتمعات والثقافات الاخرى، والافادة منه ايجابياً، والتفاعل مع ما هو جديد وبنّاء من خلال وسائل الاتصال الحديثة. وتجنيب الشبيبة الانسياق وراء تيارات فكرية وسياسية واجتماعية تؤسس " لحضارة الموت" من خلال العنف كوسيلة للتغيير والتعبير، والاباحية. فلا بدّ من خلق مناعة، ومواكبة وتوجيه (فقرات 30-31).

 

6. الشبيبة والشأن الوطني

 

لا بدّ من تربية على تعاطي السياسة كفن شريف لخدمة الخير العام وتعزيز كرامة الانسان وتأمين حقوقه الاساسية، واعتبارها معايير للانتخاب والمساءلة والمحاسبة والنشاط. ومن الضرورة معرفة خصوصية لبنان التي تجعل منه رسالة ونموذجاً على مستوى الفصل بين الدين والدولة، والديموقراطية والتعددية في الوحدة والحريات العامة، وتلاقي الثقافات والاديان (فقرات 32-34).

يجب مساعدة الشباب على مواجهة الازمة الاقتصادية ونتائجها السلبية في حياة  افراد العائلة وطموحات الاجيال الجديدة. ذلك بالتضامن والتعاون وايجاد العمل الكريم والانخراط في الادارات العامة، حفاظاً على الوجود الديموقراطي والانمائي والعائلي في الوطن (فقرة35).

ينبغي العمل على وعي الهوية الثقافية اللبنانية التي تميّز الشاب اللبناني، وتكوّن العنصر الذي يوحّد ابناء لبنان، ويرسم نمط عيشهم، وتعاطيهم مع الشعوب الاخرى. ان غياب ثقافة لبنانية موحدة هو في اساس الخلافات والانقسامات والصراعات الداخلية. ويجب التمييز بين العلم والثقافة، الاول يكتمل بالثانية(36فقرة ). مقومات هذه الهوية هي:

- ثقافة العيش معاً النابذة للتعصب والتطرف والغاء الآخر المختلف، والقائمة على الثقة المتبادلة والاعتراف بالآخر  وتثميّن ايجابيته، وتعزيز السلام والتسامح.

- حوار الحياة والقيم الروحية والانسانية والثقافية.

- قيام مجتمع مدني يفصل بين الدين والدولة، ويحفظ القيم الدينية كمعيار للعمل السياسي والاقتصادي والاداري والاجتماعي والثقافي.

- عروبة لبنان، ثقافةًً ومصيراً وتعاوناً بين المسيحيين والمسلمين بالمساواة وتفاعل الحضارتين، وتكاملهما (38-41).

 

7. الكنيسة والشبيبة على دروب الحياة: مبادىء ووسائل

 

        1) الكنيسة معلمة الشبيبة وخادمتهم تعمل على مساعدتهم بالمثل والكلمة ليكونوا شهوداً اصيلين للمسيح، من خلال تنشئة روحية عميقة وانسانية شاملة، بحيث يتربون على الحرية الحقة وحسن التمييز والفكر النقدي وصقل الشخصية لاداء دور نبوي في عالمهم (فقرة 43-44).

        2) على رعاة الكنيسة ملاقاة الشبيبة ومتابعة عملهم في مختلف ميادينهم، وتفهمهم وحبّهم وتقديرهم (فقرة45).

        3) العمل على تعزيز التضامن الاجتماعي لمواجهة الازمة الاقتصادية (فقرة 46).

        4) توطيد العلاقة بين الشبيبة والشباب المنتشرين (فقرة47).

        5) التوجيه الى انفتاح الشبيبة على العمل المسكوني والوقوف على مفهومه وقواعده (فقرة48).

        6) إعداد الشبيبة على بناء حضارة السلام القائمة على الحقيقة والحرية والعدالة والمحبية (فقرة49).

        7) تعزيز تنقية الذاكرة وصفاء القلوب باعادة قراءة التاريخ بموضوعية لاستخلاص العبر منه وتصفية القلب من الاحقاد والاحكام المسبقة (فقرة50).

        8) تثقيف الشبيبة على الحوار المسيحي-الاسلامي، انطلاقاً من حوار الحياة والتعريف بايمان الآخرين وثقافتهم وحضارتهم، ونبذ كل تعصب وتطرف (فقرة51).

       9) انخراط الشبيبة في العمل الوطني والسياسي بوصفه فناً لخدمة الخير العام (فقرة 52).

      10) انخراط الشبيبة في محيطهم في دنيا الانتشار على اساس روحانيتهم وهويتهم (فقرة53).

      11) تربية الشبيبة على الثقافة المسيحية العربية التي تصالحهم مع محيطهم (فقرة54).

الخاتمة: الشباب شهود في المجتمع وبناة الكنيسة (الفقرات55-57).

 

*** 

صلاة

ايها  الرب يسوع، لقد هيأت لنا الخلاص ودعوتنا للسعي اليه. انت تأتي كل يوم لخلاصنا، في الكنيسة، بتعليم الانجيل ونعمة الاسرار وخدمة المحبة. ايقظنا لنسهر وننتظرك بالعقل والارادة والقلب، ومصابيحنا مشتعلة بالفضائل الالهية والانسانية. ساعدنا لنلبي دعوة القديس بولس: " اعملوا لخلاصكم بالطاعة والخوف والرعدة". بارك الشبيبة واجتذبها اليك عبر خدمة الكنيسة، انها امهم ومعلمتهم، وهم ابناؤها وأملها. أنر بانوار روحك القدوس اذهان الشباب ليكتشفوا دعوتهم في تاريخ الخلاص، ويتخذوا القرار المناسب الذي يُبنى عليه مستقبلهم. ومعهم نرفع المجد والشكر للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


الاحد 26 تشرين الاول 2008

 

الاحد السادس من زمن الصليب

عيد يسوع الملك

شريعتنا المحبة

 

 

رسالة  القديس بولس الرسول الى اهل رومة (روم 12/9-21).

 

وَلْتَكُنْ مَحَبَّتُكُم بِلا رِيَاء: تَجَنَّبُوا الشَّرّ، ولازِمُوا الـخَيْر.َ أحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا مَحَبَّةً أَخَوِيَّة، وبَادِرُوا بَعْضُكُم بَعْضًا بِالإِكْرَام. كُونُوا في الاجْتِهَادِ غَيْرَ مُتَكَاسِلِين، وبالرُّوحِ حَارِّين، ولِلرَّبِّ عَابِدِين، وبالرَّجَاءِ فَرِحِين، وفي الضِّيقِ ثَابِتِين، وعَلى الصَّلاةِ مُوَاظِبِين، وفي حَاجَاتِ القَدِّيسِينَ مُشَارِكِين، وإِلى ضِيَافَةِ الغُرَبَاءِ سَاعِين. بَارِكُوا الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُم، بَارِكُوا ولا تَلْعَنُوا.ِ أفْرَحُوا مَعَ الفَرِحِين، وَابْكُوا مَعَ البَاكِين. كُونُوا مُتَّفِقِينَ بَعْضُكُم مَعَ بَعْض، مُتَوَاضِعِينَ لا مُتَكَبِّرِين. لا تَكُونُوا حُكَمَاءَ في عُيُونِ أَنْفُسِكُم. ولا تُبَادِلُوا أَحَدًا شَرًّا بِشَرّ، واعْتَنُوا بِعَمَلِ الـخَيْرِ أَمَامَ جَمِيعِ النَّاس. سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاس، إِنْ أَمْكَن، عَلى قَدْرِ طَاقَتِكُم. لا تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُم، أَيُّهَا الأَحِبَّاء، بَلِ اتْرُكُوا مَكَانًا لِغَضَبِ الله، لأَنَّهُ مَكْتُوب: "ليَ الانْتِقَامُ، يَقُولُ الرَّبّ، وَأَنَا أُجَازِي". ولـكِنْ "إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فأَطْعِمْهُ، وإِنْ عَطِشَ فَأَسْقِهِ، فإِنَّكَ بِفِعْلِكَ هـذَا تَرْكُمُ عَلى رأْسِهِ جَمْرَ نَار". لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغْلِبُكَ، بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالـخَيْر.

 

        هذا النص من الفصل 12 ينتمي الى القسم الثاني من الرسالة الى اهل رومة، وهو تهذيبي وارشادي وتوجيهي، فيما القسم الاول عقائدي (الفصول 1-11) حيث يبحث بولس في الخطيئة وفي التبرير وفي التقديس. في رسالة اليوم، يحثّ بولس المسيحيين على ان يعيشوا في المحبة، ويتخلّوا من كل ادعاء، ويسعوا لخير الآخرين، ويجتهدوا في تجنّب كل ما قد يهدد تضامن بعضهم مع بعض ومع الناس اجمعين. هذه الوصية تأتي اساساً من فم الرب يسوع الذي نحتفل اليوم بعيد ملوكيته، هو الذي بنى مملكته الروحية على المحبة، كما سنرى في انجيل اليوم.

 

****

 

اولاً، شرح نص الرسالة وربطه بنص الانجيل

 

1.    شريعة المحبة

 

"أحبوا بعضكم بعضاً محبة اخوية، وبادروا بعضكم بعضاَ بالاكرام" (روم12/10).

ينتقل بولس الرسول من الشريعة-الحرف الى الشريعة-الحياة التي هي المحبة. ليست التوراة بحدّ ذاتها القاعدة للمسلك، بل المحبة " التوراة" في الاصل اليوناني "nomos" تعني القواعد والقوانين التي تتضمنها  كتب العهد القديم الخمسة الاول: التكوين، الخروج، الاحبار، العدد، وتثنية الاشتراع. انها قواعد تنظيمية للمسلك الخارجي، بينما المحبة هي شريعة الروح الداخلية التي تعطي معنى وشكلاً للمسلك الخارجي. ولاسيما المسيحي. لقد سُكبت فيه بالروح القدس عبر اسرار الخلاص.

يعطي بولس الرسول مقتضيات شريعة المحبة، وهي معاملة الغير بالاكرام، والعبادة لله (روم 12/10-11).

أ- معاملة الآخر بالاكرام تقتضي: الرحمة عندما يسيء اليك، الاخلاص له في المشاعر الانسانية، البركة لمن يضطهدك بدلاً من اللعنة، مشاركة الآخر في فرحه وفي حزنه، التمني للآخر ما تتمنى لنفسك، فعل الخير لجميع الناس، ترك الامور لعدالة الله بدلاً من الانتقام للذات، تقديم الطعام والماء لمن هو عدوك اذا جاع او عطش، التغلّب على الشر بالخير، لان من ينغلب الشر بالشر يتغلب هو نفسه للشر.

ب- العبادة لله بالعمل وفقاً لارادته هي العبادة بالقلب لا بالشفاه، وتقوم على الافعال التالية: العيش والعمل بحرارة الروح، الصمود والثبات بالرجاء، تحمل المسؤولية باجتهاد، تحمل الآلام والمحن بصبر، المواظبة على الصلاة، اظهار ابوّة الله وعنايته بسدّ حاجات الاخوة، والمبادرة الى ضيافة الغرباء.

 

2.     المحبة وصية سنُدان عليها (متى25/31-46).

 

" يجلس الملك على عرش مجده" (متى25/31).

في هذا الاحد الاخير من السنة الطقسية، تحتفل الكنيسة بعيد المسيح الملك. انه ابن الله الذي، من بعد ان تجسّد واعلن انجيل الحياة والتوبة، ومات فداء عن البشر اجمعين وقام ليقيمهم من حالة الخطيئة، الموت الروحي، وارسل روحه القدوس ليحقق فيهم ثمار الفداء ويهديهم الى الحقيقة كلها والاصلاح، واسس الكنيسة لتحمل الخلاص لكل انسان، يأتي في آخر الازمنة ليدين جميع البشر. انجيل اليوم يكلمنا عن الدينونة العامة، التي يسبقها دينونة خاصة حال وفاة كل انسان، عندما يقف امام عرش الديان.

سندان على المحبة التي تركها لنا المسيح وصية وحيدة تختصر كل الكتب المقدسة: " احبوا بعضكم بعضاً، كما انا احببتكم". المحبة فضيلة الهية، الى جانب الايمان والرجاء، تُعطى لنا بقبول الروح القدس. المحبة تعيد للانسان بهاء صورة الله، فتعطيه القدرة على الانفتاح على خير الآخرين، محررة اياه من الانانية والاستهلاكية، وتمكّنه من المحبة المجانية تجاه كل الناس. بالمحبة نحب الله فوق كل شيء، ونحب الجميع لانه هو يحبهم ويعتني بهم كخالق واب للبشر أجمعين.

المحبة ام الفضائل فانها تحييها وتعطيها نكهة ومعنى، وتحفظها وتبقى من بعدها (1كور13/13). لكنها ليست "بالكلام او اللسان، بل بالعمل والحق" (1يو4/7).

انها تتجلى حسب كلام الرب اليوم في اطعام الجائع، وسقي العطشان، وايواء الغريب، وكسوة العريان، وتفقد المريض، وزيارة السجين. في هؤلاء الاخوة المعوزين " الصغار" نرى وجه المسيح الذي تضامن معهم عضوياً بتجسده وآلامه والفداء: " ان كل ما صنعتموه مع احد اخوتي الصغار، فالي " "صنعتموه" (متى25/40). هذه الاعمال هي الشهادة للمحبة على الصعيد الاجتماعي التي يدعو اليها الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان". فبقول ان "الخدمة الاجتماعية هي جزء لا يتجزأ من رسالة الكنيسة المثلثة الابعاد: التعريف بالمسيح ابن الله؛ اعلان الخلاص المعطى لجميع الناس؛ تحرير الانسان من كل ما يعوق نموه الانساني والروحي، فيستعيد بهاء صورة الله، على ما قال القديس  ايريناوس: "مجد الله الانسان الحي" (فقرة 100).

 ويكشف الارشاد الرسولي عن الاساس اللاهوتي للخدمة الاجتماعية وهو ان المسيحي يستوحي كلام الله، فيتبنى اهتمامه بالايتام والفقراء ويعبّر عن عناية الله ومحبة المسيح لجميع " الصغار" اي كل من هو في حاجة روحية او مادية او معنوية. بهذه الخدمة يشارك المسيحي في اعادة الاخوّة المفقودة، لانه عندما يساعد معوزاً يصير قريبه، مثل السامري الصالح. ويعمل على تحقيق الاخوّة  الشاملة التي تجد ذاتها في الكنيسة. ولهذا سيُدان كل واحد منا على كيفية استقبال الفقير والغريب ومن هو في محنة، والاعتناء به. ينبغي القيام بهذه الخدمة الاجتماعية بالشركة مع الكنيسة وبأسمها، لاننا  "معاً للمحبة نشهد" (فقرة 101).

 

***

 

ثانياً، البطريركية المارونية ولبنان

 

البطريركط جبرايل البلوزاني (1704-1705)

 

تزامنت بطريركيته مع العهد الشهابي (1698-1842) الذي اقتدى حكمه بخطة التساهل التي نهجها المعنيون. فتقرّب الشهابيون السنّة من الموارنة وتعاونوا معهم. ونجحوا في الحفاظ على اتحاد الشعب اللبناني بمختلف عناصره، ولاسيما الدروز والموارنة، الذين كانوا يؤلفون الطائفتين الاساسيتين في البلاد. وقد قبل العماد عدد من آل شهاب وانتموا الى الكنيسة المارونية بدءاً من اولاد الامير ملحم (1732-1754) فالامير يوسف (1770-1788) والامير قاسم والد الامير بشير الشهابي الثاني الكبير (1788-1840) الذي نال المعمودية في كنيسة سيدة الابراج في غزير، عند مولده.

انتُخب البطريرك جبرايل البلوزاني في دير مار شليطا مقبس-غوسطا صباح عيد العنصرة. لم يجتمع المطارنة والاعيان في كرسي قنوبين هرباً من جور آل حماده المتاولة الحاكمين، ومن عوامل الارهاب والرشوة(1).

أجمع الكل على ان انتخابه كان بالهام من الروح القدس. ونقرأ في رسالة طلب التثبيت والدرع المقدس، التي وجهها في اول آب 1704 الى البابا اكليمنضوس الحادي عشر (1700-1721)، الاساقفة ومشايخ آل الخازن وحبيش والعاقوي المشاركون في الانتخاب، ما يلي: " بعد الصلاة واستلهام الروح القدس انتخبنا المطران جبرايل البلوزاني بطريركاً انطاكياً على ملّتنا المارونية، لانه الاكبر منا عمراً والاقدم وظيفة لانه عاش في الاسقفية اربعين سنة عيشة ممدوحة وممارساً العادات الحسنة المقدسة والعدالة الاجتماعية الممدوحة"(2).

اجاب البابا كليمنضوس ببراءة التثبيت ودرع الشركة بتاريخ 10 حزيران 1705، وارسل الى البطريرك 24 صندوقاً تحوي كتباً طقسية مارونية مطبوعة في رومه، وآنية كنسية وثياباً بيعية.

من مآثر البطريرك جبرايل البلوزاني، قبل انتخابه وكان بعد مطران حلب، تشييد دير سيدة طاميش سنة 1673، وتأسيس رهبانية مار اشعيا المعروفة بالانطونية المارونية سنة 1700.

توفي البطريرك فجأة في عيد جميع القديسين، اول تشرين الثاني 1705، عن اربع وسبعين سنة، بعد سنة وستة أشهر من ولايته. دفن في مغارة القديسة مارينا في قنوبين.

 

****

 

ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني

 

مع هذا الاحد الاخير من السنة الطقسية 2007-2008، تنتهي الخطة الراعوية لتقبّل النصوص المجمعية التي حددتها الامانة العامة للسنة الثانية من مسيرة تطبيق اعمال وتوصيات المجمع البطريركي الماروني، بعرض النص 23: الكنيسة المارونية والارض.

تناولت الخطة الراعوية على مدى هذه السنة سبعة نصوص كانت على التوالي: النص الخامس: البطريركية والابرشية والرعية، السادس: البطريرك والاساقفة، السابع: الكهنة والشمامسة، الثامن: الحياة الرهبانية، التاسع: العلمانيون، العاشر: العائلة المارونية، الحادي عشر: الشبيبة.

نعرض اليوم باختصار النص 23  الاخير لهذه السنة : الكنيسة والارض. نقسم النص الى اربعة: علاقتنا بارض الوطن انطلاقاً من الكتاب المقدس، وعلاقتنا بها على مختلف المستويات، وواجبنا تجاهها، وعلاقة المنتشرين بالارض الام.

 

1. علاقتنا بالارض انطلاقاً من الكتاب المقدس

 

لها بُعدان: القداسة: اختيار وميراث مشترك ودعوة لاشراك الآخرين في البركة (فقرة4).

الارض ارث ووديعة وذخيرة لا نتصرف بها على هوانا (فقرة 7).

لاهوتياً، كان اتمام تاريخ الخلاص على الارض بالتجسد الالهي. عليها الانسان يحقق ذاته  "يتجسّد" ويجعل الارض اداة خلاص روحي وثقافي واقتصادي واجتماعي باستثمارها (فقرة 5).

كنسياً، الارض مساحة للعيش الحرّ والكريم، ولتادية الشهادة الصادقة للمسيح، وللتعامل الانساني بين الناس (فقرة 5).

اخلاقياً،عدم اخلاء الارض من اجل المحافظة على وجودنا المسيحي لخير الانسان والمجتمع (فقرة 6).

_________________________________________________________

(1)    انظر الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم القرن 18،ص 17-20.

(2)     انظر نص الرسالة لدى الاباتي بطرس فهد: بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن 18 ،ص 3-26.

(3)    المرجع نفسه،ص 25.

 

2. علاقتنا بالارض على مختلف المستويات

 

علاقتنا بالارض نفعية كوسيلة وجدانية وانسانية لغاية تعلمنا قيم الصبر والرجاء والقناعة والوداعة والصدق والاخلاص والكرم والعطاء والثبات والجرأة. الارض ذاكرة حيّة. تستخدم من اجل حالة اللاموت للانسان والمجتمع (فقرة8-9). وهي بالنسبة للمنتشرين ثوابت وجذور (فقرة 9).

        وطنياً، الارض مكوّنة للهوية التاريخية والاجتماعية والسياسية: الماروني انطبع بالارض وطبعها بايمانه وديناميته الثقافية وانفتاحه (فقرة10). اصبحت الوطن والكيان، حاملة القيم والخبرة والبُعد الحضاري والوجودي (فقرة 11).

بيئياً، الارض تغذي وتحمي من يكرمها (فقرة 16). توفر له بيئة سليمة للعيش السليم (فقرة 17). احترام الطبيعة ضمانة للحفاظ على الصحة ( فقرة 18).

       

        كيانياً، الارض وما فيها من ثروة معطاة لتشكّل كياناً للشعب ولهويته، وتزينه بالقيم والتراث المادي والروحي والثقافي.

        رسولياً، لبنان مساحة رسالة للحوار والعيش معاً على اساس الديموقراطية والحريات والمشاركة المتوازية والمساواة (فقرة 33). نبل التعاطي مع الارض وما يجب تجنبه (فقرة 22-23)، الارض وسيلة ترقي (فقرة 24).

        تنموياً: لا بدّ من وضع استراتيجية تنموية شاملة (فقرات 25-27).

 

3. واجبنا تجاه ارضنا:

النص يحدد دور الكنيسة ودور الدولة ودورهما معاً (فقرات 25-27).

 

4. علاقة الموارنة المنتشرين بالارض الام

يضع النص المجمعي خطة تتناول الوسائل لتمتين هذه العلاقة وتفعيلها (فقرة 32).

 

***

        صلاة 

        ايها الرب يسوع، الملك السماوي، املك على الكنيسة والعالم، على قلوب البشر وعلى الشعوب اجمعين، بشريعة المحبة وكرامة حرية ابناء الله, أشركنا جميعاً في ملوكيتك لكي نحلّ في المجتمع البشري العدالة والمحبة والسلام. افتح عيوننا وقلوبنا وايدينا على حاجات " الاخوة الصغار" المعوزين مادياً ومعنوياً وثقافياً واجتماعياً، لنحوطهم بمحبتنا المعطاء، ونرمّم علاقات الاخوّة معهم. اعطنا ان نُدخل الخدمة الاجتماعية في صميم رسالتنا المسيحية والكنسية، جاعلين من ارضنا اللبنانية مسرحاً للمحبة والرحمة والاخاء. فنستحق ان نرفع المجد والاكرام الى الثالوث المجيد الآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.


 

     
 بقلم  بشاره الراعي    مطران جبيل
 
 

pure software code