مارونيات  صورة لماروني، توج نضاله بالاستشهاد لنبقى ويبقى الوطن
 
لن ننسَ فلن ننسى: في كل بيت ببشري هناك هاني رحمة…
   

صورة لماروني، توج نضاله بالاستشهاد لنبقى ويبقى الوطن لبنان

حفيد مارون، وسليل الكنيسة المارونية وشعبها، اته الهادئ الذي إستشهد بصخب ليحيا اترابه الموارنة. هاني سليم رحمة. بين المتراس والجامعة جبهة، عبر من الأولى الى الثانية على رؤوس البنادق. مراهق في السادسة عشرة أخذ القرار الكبير، صار فجأة رجلاً ناضجاً وهو بعد الى مقاعد الجامعة.
سياق الأمور في البيت البشراوي المناضل كان لا يمكن إلا أن يأخذ هاني في ذاك الاتجاه، الانضمام الى صفوف المقاومة. أربعة شباب وأب وأم عاشوا ليحيا أبناؤهم بكرامة الأرض.
 
 
لحق هاني بإيقاع الأخ الأكبر ريمون، كانوا جميعا رفاقاً وسمير جعجع حين أسسوا فرقة كوماندوس بشري منتصف السبعينات وكان من بين مؤسسي “القوات اللبنانية” في بشري. كانت الحرب تزرع الوطن احتلالات متعاقبة، إسرائيليون، فلسطينيون، والعدو الأخطر ذاك “الشقيق” المقنع، جيش النظام السوري، صارت البندقية ملاذ المسيحيين. عندما خرج ياسر عرفات مكللاً بالهزيمة من بيروت وعاجزاً عن تمرير فلسطين من قلب جونيه، كان هاني الى المتراس يدافع عن المناطق الشرقية آنذاك، وعندما فلش الاحتلال السوري سواده على لبنان كان أيضا الى الجبهات،  من شكا إلى دير بلا، الكورة، قنات، زحلة ، الجبل، درب السيم وبيروت. خاض هاني معارك الوطن حسبه أن الاستقلال هو الجائزة الكبرى التي سينالها حتماً.

في معركة قنات تحديداً، التقى الأخوة الأربعة كلّ الى متراس، فقال لهم الدكتور جعجع عبارته الشهيرة في بشري “كان ناقص بعد أنطوانيت وسليم يجوا يحاربوا معنا” أي الأب والأم. لكن الأربعة أصبحوا ثلاثة بعدما استشهد الأخ الاكبر فريد في العام 1983 في معركة الجبل وكان برفقة جعجع، استشهاد جعل من هاني مقاتلاً  أكثر عناداً واندفاعاً في اتجاه قضيته.

 
 
صاروا إذاً ثلاثة كل الى جبهة، وأب وأم اعتنقا الصلاة علّ العذراء تعيد الثلاثة سالمين الى بيت الوطن والأهل.

هدوء هاني ورجاحة عقله وحسن تدبيره للأمور، دفع بسمير جعجع أن يوليه أمن المعابر. كانت مهمة صعبة ودقيقة جداً، كما كان صلة الوصل بين شيعة جبيل و”القوات اللبنانية” آنذاك، بسبب لياقته وحسن تدبيره لأمور الناس. وبالنسبة لأهل ضيعته، تحوّل هاني الى ما يشبه الأيقونة، يهتم لأمورهم، يرعاهم، يسأل عنهم بيتاً بيتاً، ويسعى مع الشباب لتأمين احتياجاتهم كافة. لم يخش يوماً القتال والمواجهة، لكن عندما يصبح القتال بين أهل المنطقة الواحدة كان يحزن، لكنه لم يتردد لحظة لصد هجوم ذاك الـ ۲۷ أيلول الذي نفذه مسلحون تابعون لإيلي حبيقة مع السوريين، والذي لو نجح لتغيّرت معالم المنطقة الشرقية الوحيدة الصامدة بوجه جيش حافظ الاـسد آنذاك.

 
 
جاء ميشال عون، تغيّر كل شيء، توجّه النضال الى حيث لا يجب أن يكون. بقي هاني هادئاً وإن كان في داخله بحر يضج. لم يكن يريد أن تغيّر البندقية المسيحية مسارها عن مواجهة النظام السوري، لكن حصل ما لا يريد، وإن كان لم يعش ليحيا تفاصيل دامية أكثر مرارة بعد.

28 أيلول 1986، اُبلغ هاني عن إشكال كبير في منطقة المونتيفيردي التي كانت معبراً من المناطق المحتلة الى المناطق المسيحية المحررة، وكانت تشهد تشدداً في المراقبة من عناصر “القوات اللبنانية” منعاً للسيارات المفخخة التي كانت ترد بالعشرات إلينا، ولفرار المسلحين الذين دخلوا الى الأشرفية قبل يوم واحد. ذهب هاني مسرعاً مع رفاق بلباسه المدني ليفضّ الخلاف، وما أن ترجّلوا من السيارة حتى انهال عليهم وابل من الرصاص، فاندفع نحوه رفيقه عصام رحمة علّه يحميه بجسده، لكن الرصاصات كانت استقرت في العمر الفتي، سبعة وعشرون ربيعاً، وحوّلت المناضل الهادئ الشجاع الى عريس السماء.

يوم عرسه وحين ذهب جعجع لتقبّل العزاء برفيقه، تقدم منه والد هاني وقال له: “بعد عندي يا حكيم شبّين هودي كمان فدا القضية والله كبير وبيحمي الكل”، ورفض الوالد والأم تلقي المساعدة المادية التي كانت مؤسسة “القوات” تمنحها آنذاك لأهالي الشهداء.
 
“الشهادة هي كمان حياة” كان هاني يردّد هذه العبارة أمام رفاقه. في بشري كثر أطلقوا على أطفالهم اسم هاني تكريماً للشهيد، وإحياء لذكرى مناضل عاش قلب الناس وخوفهم ونضالهم وأفراحهم، وشوقهم الى الحياة الحرّة الجميلة، وكانوا يعلمون أن هاني يعيش دائماً في كل حكاية استقلال يعبر بها الوطن، وعند كل غرزة علم فوق أرض حرّة…"


لأن الوفاء أقل ما يمكن أن نقدمه لشهدائنا، ولأن كل واحد منهم قصة بطولة وملحمة عنفوان،

في خانة “لن ننسى فلن ننسى” من حكايات رفاق توجوا نضالهم بالاستشهاد لنبقى ويبقى الوطن لبنان
 
       Chucri Simon Zouein, Computer engineer
     
echkzouein@gmail.com
www.puresoftwarecode.com
© pure software code - Since 2003