البطريرك الياس الحويك، بطريرك لبنان الكبير
 
 
 
 
مقدمة:

الياس بطرس الحويك (1843 - 1931) البطريرك الماروني الثاني والسبعون بدءًا من 1899 وحتى 1931 في حبرية طويلة زهاء 34 عامًا، ليكون بالتالي أطول بطريركية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين؛ لعب دورًا قياديًا في عملية استقلال لبنان وميلاد دولة لبنان الكبير عام 1920، وهو أحد أربع رجال اتفق المؤرخون اللبنانيون على اعتبارهم صنعة لبنان فهو إلى جانب فخر الدين المعني الثاني وبشير الثاني الشهابي ويوسف بك كرم، ساهموا بشكل فعّال في إرساء وجود لبنان المستقل.هو أيضًا مؤسس رهبنة "راهبات العائلة المقدسة المارونيات" التي تعتبر أكبر رهبنة نسائية مارونية، وخلافًا للعادة حيث يدفن البطريرك بالقرب من أسلافه في مدافن بطريركية خاصة، فقد دفن البطريرك الحويّك في الدير الأم للرهبنة التي أسسها.

سمّاه المؤرخ الخوري أنطوان الدويهي في كتابه الذي ألفه بهدف توثيق حياة البطريرك "رجل العظائم"، وسمّاه البطريرك بشارة بطرس الراعي "بطريرك الاستقلال ولبنان الكبير".
 
 

معلومات شخصية

المراتب الكهنوتية

بطريرك على الكنيسة السريانية الأنطاكية المارونية

  • الاسم عند الولادة: إلياس الحويك
  • الولادة: 26 ديسمبر 1843، حلتا، البترون، لبنان المحتل من الدولة العثمانية  
  • الوفاة: 24 ديسمبر،1931، بكركي، لبنان
  • المثوى الأخير: الدير الأم لراهبات العائلة المقدسة المارونيات، البترون ، لبنان
  • الجنسية: لبناني
  • الملة: ماروني كاثوليكي
  • المهنة: كاهن ماروني كاثوليكي
  • المدرسة الأم:
    1- إكليركية مار يوحنا مارون، لبنان
    2- المدرسة المارونية، روما، إيطاليا
  • سيامته الكهنوتية: 1870
  • اسقف:
    1- سيامته الأسقفية: 14 ديسمبر 1889
    على يد بولس بطرس مسعد
    2- المركز الاسقفي: رئيس أساقفة عرقا (فخريًا) (1889 - 1899)
  • بطريرك على الكنيسة السريانية الأنطاكية المارونية :
    1- تاريخ الانتخاب: 6 يناير 1899
    2-مكان السكن: الصرح البطريركي الماروني، بكركي، لبنان
  • الكنيسة: الكنيسة السريانية الأنطاكية المارونية
  • تاريخ الانتخاب: 6 يناير 1899
  • مكان السكن: الصرح البطريركي الماروني، بكركي ، لبنان
  • نهاية العهد: 24 ديسمبر 1931 (33 سنوات و353 أيام)
  • المثوى الأخير: الدير الأم لراهبات العائلة المقدسة المارونيات، البترون ، لبنان
     
  • البطريرك السلف: يوحنا بطرس الحاج
  • البطريرك الخلف: أنطون بطرس عريضة
 
 
1- البطريرك الياس الحويك، حياته وأبرز إنجازاته في سطور
 للدكتور روني سمعان خليل أحد أساتذة التاريخ في الجامعة اللبنانية
 

نشأته وكهنوته:

ولد الياس الحويك في حلتا – البترون في كانون الأول من العام 1843، كان والده كاهناً فتأثر به، تعلّم في مدرسة مار يوحنا مارون كفرحي ثم سنة 1859 تابع علومه في مدرسة الآباء اليسوعيين – غزير حيث تلقّن العلوم المختلفة واللغات الفرنسية والإيطالية واليونانية الى جانب ما كان يتقنه من السريانية والعربية. ونظراً لنباهته، أرسله البطريرك بولس مسعد سنة 1866 الى روما بغية متابعة تخصصه فدخل مدرسة مجمع نشر الإيمان حيث مكث فيها حتى سنة 1870، نال خلالها شهادة الملفنة في الفلسفة واللاهوت ورقّي الى الدرجة الكهنوتية في العام المذكور على يد المطران يوسف جعجع في روما. وبعد رجوعه الى الوطن، أخذ يعلّم في مدرسة كفرحي. سنة 1872 عيّنه البطريرك بولس مسعد كاتباً لأسراره حتى تاريخ سيامته الأسقفية في العام 1889 على عكا ثم أقامه البطريرك يوحنا الحاج (1890- 1898) نائباً عاما له على منطقة جبيل والبترون، بعد أن أرسله الى روما موفداً عنه لاستمداد درع التثبيت.

بعد وفاة البطريرك مسعد العام 1890، راجت داخل أوساط بكركي، فكرة انتخابه بطريركاً غير أنّ قصر مدة أسقفيته وعدم دعم القنصل الفرنسي له حالا دون وصوله الى السدة البطريركية، وجدير بالذكر أن الحويك كان على صداقة متينة مع القنصل الفرنسي لكنه على خلاف مع المتصرف واصا باشا نظراً لسياسته الضرائبية الظالمة بحق الأهلين، فتفادياً لاشتداد الخلاف، ولعدم إغضاب المتصرف وكذلك السلطنة العثمانية، حُيّد الحويك عن البطريركية هذه المرة.

أبرز نشاطاته الاسقفية:

كان الحويك اليد اليمنى للبطريرك الحاج، وسفير الطائفة إن صح القول في الأقطار الإقليمية والخارجية، والمحرّك الأساس لمشاريع رعوية واجتماعية عدة، فبعد مفاوضات طويلة استطاع تأسيس نيابة بطريركية في باريس سنة 1890، وكذلك في العام 1891 استطاع الحصول على معبد في باريس قام بترميمه وتأثيثه ليكون بمثابة كابلا للطائفة هناك وبيتاً للكاهن. وضمن السياق عينه، أسس داراً للبطريركية في القدس في العام 1895 وجمع لها التبرعات والهبات من بعض المتمولين الموارنة. في العام ذاته بدأ بتأسيس جمعية راهبات العائلة المقدسة مع الأخت روزالي نصر ووضع قوانينها؛ الكمال الشخصي، الأعمال الإنسانية وترتيب الفتيات على أسس الدين والعلم والعمل. وما زالت جمعيته آخذة بالإزدهار الروحي والاجتماعي. وبعد مراسلات عديدة بين الحويك والقصادة الرسولية من جهة وراهبات أجنبيات، تمكّن من تسلّم مستشفى عمشيت في العام 1891، ثم عاد وأوكل راهبات مار يوسف الفرنسيات إدارته في العام 1893، مقابل شروط اتفق معهن عليها. وبات في العام 1895 مجهزاً بأحدث الآلات الطبية وأمهر الأطباء.

تابع أسفاره فزار روما ممثلاً البطريرك الحاج لتقديم التهاني للبابا لاوون 13 بمناسبة يوبيله الحمسين لارتقائه الأسقفية، في العام 1893. وحضر المجمع القرباني في أورشليم في العام المذكور على رأس وفد ضم الأساقفة نعمة الله سلوان ويوسف الدبس ويوحنا مراد واسطفان عواد، وحضر أيضاً مجمع ريمس – فرنسا في العام 1894، ومجمع البطاركة الكاثوليك في الفاتيكان في خريف العام نفسه ممثلاً الحاج أيضاً.

في العام المذكور، قصد مصر بزيارة رعوية حيث قابل الخديوي وبعض قناصل الدول الأجنبية تزامناً مع زيارته للجالية المارونية هناك مطلعاً على أحوالهم وشؤونهم.

في سنة 1898 مثّل البطريرك مجدداً في مجمع البطاركة الشرقيين في روما، وشدد سيادته في المجامع المذكورة على خصوصية الطائفة المارونية ومشرقيتها إزاء حركة الليتنة التي راجت بقوة خلال تلك الفترة.

علاقته بالسلطنة العثمانية:

كان محط احترام لدى العديد من أركان السلطنة العثمانية نظراً لشخصيته ومواقفه وخلال زيارة قام بها الى الآستانة (تركيا) في العام 1891 مُنح الوسام المجيدي من الرتبة الثانية ومبلغ 10 آلاف فرنك دعماً للمدرسة المارونية في روما. وما يدل على مواقفه الوطنية ودفاعه عن حقوق طائفته هو رفضه طلب سفير السلطنة في روما تقديم الفرمان من قبل البطريرك يوحنا الحاج بعيد انتخابه، وذلك خلال سفر الحويك الى المدينة المذكورة وقدّم سيادته البراهين الكافية متمسكاً بتقاليد طائفته فتراجع السفير عن مطلبه.

ترأسه المدرسة المارونية حتى العام 1898 تاريخ وفاة البطريرك الحاج:

سنة 1890، وخلال وجوده في روما، طالب المجمع المقدس باستعادة المدرسة المارونية (كان قد احتلها نابليون بونابرت سنة 1798 وبيعت في العام 1812)، وبعد مفاوضات شاقة، استطاع الحصول على مطلبه، فبدأ بجمع المساعدات تمهيداً لإعادة فتحها بملكية الطائفة، فسافر الى فرنسا ثم الى النمسا لتحقيق هذه الرغبة وجال على العديد من المسؤولين الغربيين وكذلك فعل فزار السلطنة حيث نال مبلغ 10 آلاف فرنك دعماً لمشروعه ما يدل على اعتبار السلطنة العثمانية لشخصه. وفي العام 1893، وُفّق الحويك بدار اشتراه بقيمة 150 ألف فرنك في شارع “فيا بنشيانا” ليكون المدرسة المارونية الجديدة، وكانت الطائفة قد أمّنت 100 ألف فرنك في حين دفع الحبر الأعظم المبلغ المتبقي، وفي خريف ذاك العام، بات المبنى مجهزاً لاستقبال الطلاب الذين بدأوا يتوافدون إليه من الأبرشيات المارونية وظلت المدرسة بعطائها التربوي والروحي حتى سنة 1939 حين أقفلت. وترأسها سيادته بين سنة 1897 و 1898 فدبرها خير تدبير.

واستطاع كذلك الحصول على 8 مقاعد لطلاب موارنة في مدرسة سان سولبيس الفرنسية.

الياس الحويك البطريرك:

بعد وفاة البطريرك يوحنا الحاج، إنتخبه أساقفة الطائفة بطريركاً في 6 كانون الثاني 1899. وفي 14 أيلول من السنة المذكورة احتفل غبطته بلبس الباليوم (عبارة عن عباءة يمنحها الحبر الاعظم للبطريرك المنتخب إيذاناً ببسط سلطته الحبرية) في الديمان بعدما استحضره له المطران بولس بصبوص. كما وحصل على الوسام المجيدي من الرتبة الأولى من السلطنة العثمانية بعيد انتخابه بطريركاً وكذلك منحته فرنسا وسام جوقة الشرف من رتبة كومندور كما وأهداه البطريرك الأورشليمي وسام القبر المقدس.

وبعيد انتخابه أشاد به القاصد الرسولي لودوفيكس بيافي قائلاً:” هنيئاً للموارنة فقد قيّض الله لهم بطريركاً في سنّ يمكّنه من إسعادهم وخدمتهم فهو بحمده تعال قوي البنية عانى ما عاناه حتى الآن في سبيل خدمتهم ولسوف يواصل خطته هذا فضلاً عن انه حكيم قد أكسبته الأيام حنكة نادرة وخبرة تامة في شؤون طائفته عزّ نظيرها عند سواه.”



أعمال الياس الحويك البطريركية:

قام بأعمال عدّة خلال بطريركيته، وهذا أبرز ما قام به بسطور:
  1. جرّ المياه إلى صرح بكركي وبنى جسراً يصل الصرح ببلدة زوق مكايل،
  2. قام بتشجير غابة صنوبر في محيط الصرح وزاد من أملاك الكرسي،
  3. رمم الصرح البطريركي في جديدة قنوبين (الديمان) سنة 1899 على طراز حديث وكذلك فعل في دير قنوبين القديم في العام 1909،
  4. اعتنى بإصلاح كنيسة السيدة في بشري وبتجديد بناء دير مار سمعان القرن كما ساعد في إكمال بناء كنيسة شاتين وسواها من الانجازات الرعوية المماثلة… ناهيك عن عنايته بالرهبانيات وبالأبرشيات ومدارسها،
  5. أكثر من زياراته الرعوية للأبرشيات،
  6. اهتم بالتعليم وشجع على إقامة المدارس، وأرسل الطلاب لمتابعة التخصص في روما،
  7. أسس نيابة بطريركية في مصر في العام 1904، وبنى كنيسة هناك،
    قسّم أبرشية صيدا وصور الى أبرشيتين مستقلتين،
  8. تابع شؤون المهاجرين فأرسل لهم الكهنة لخدمتهم،
  9. تابع أسفاره فزار روما وفرنسا ومصر والآستانة متفقداً أحوال اللبنانيين هناك،
  10. في العام 1904 بدأ العمل بتشييد مزار سيدة حريصا – درعون وانتهى بناؤه في العام 1908،
  11. في سنة 1930، تم إعطاء رخصة لمجلة المنارة (تابعة لجمعية المرسلين الموارنة) التي ما زالت حتى يومنا هذا تقدّم المعارف والعلوم لقرائها،
  12. في تشرين الأول 1926 تم إعلان تطويب الإخوة المسابكيين “الشهداء”. وفي السنة المذكورة قدّمت الرهبانية اللبنانية المارونية الى مجمع القديسين دعوى قديسيها الأب شربل مخلوف والأخت رفقا الريّس والأب نعمة الله كساب الحرديني.


مواقف البطريرك الياس الحويك  الوطنية:

أدى البطريرك الحويك أدواراً وطنية بارزة فهو إن صح القول “عرّاب لبنان الكبير” ولا ننسى دوره الاجتماعي والوطني خلال الحرب العالمية الأولى ومواقفه بوجه القائد العثماني جمال باشا، وهذا سرد لأبرز ما قام به وطنياً.

موقفه من جمال باشا خلال الحرب العالمية الاولى:

دخلت السلطنة العثمانية الحرب الى جانب دول الوسط (ألمانيا- النمسا) مجابهة بذلك دول الحلفاء (فرنسا – بريطانيا- روسيا والولايات المتحدة لاحقاً)، وترتب على دخولها، إرسال فرقة عثمانية بقيادة جمال باشا الى جبل لبنان، فاخترق نظام المتصرفية ومارس سياسة ظالمة بحق الأهلين من فرض السخرة الى التجنيد الاجباري وتحويل الاديرة والمدارس الى ثكنات عسكرية وسواها من الخطوات التي أوصلت الى مجاعة رهيبة مع جملة عوامل أخرى داخلية منها وخارجية أيضاً. فرزح الجبل تحت وطأة مجاعة أودت بحياة 200 الف مواطن، على الرغم من المحاولات الحثيثة التي قامت بها البطريركية فأطعمت العديد من الجائعين وفتحت أبواب الأديرة ورهن غبطته لصالح القنصلية صليبه وأراض شاسعة مقابل الحصول على النقود لإطعام أبناء بلده.

وخلال تلك الفترة، سعى القائد جمال باشا في التضييق على البطريرك نظراً لعلاقته الوثيقة بفرنسا، فطلب منه الفرمان مراراً، ولعد إغضابه أكثر، ودرءاً للمخاطر التي يمكن أن تحدق بالشعب، قدّم البطريرك الفرمان ليس قناعة منه بل تحاشياً للصراع مع العثمانيين وتماشياً مع الظروف. كما وطلب جمال باشا حضوره الى صوفر ففعل أيضاً في صيف 1915 وكذلك فعل في ربيع العام 1916 إذ زاره في مقره في بيروت. وفي صيف 1917 نجا غبطته من محاولة نفي كان دبّرها له جمال باشا إذ استدعاه الى مقره في صوفر، فعلم غبطته نية القائد المذكور وكان القنصل الفرنسي قد حذّره بعدم التوجه، وبعد إشاعة الخبر، توجّه البطريرك الى بحمدون فصوفر حيث التقى بجمال باشا الذي تراجع عن نيته بعد شيوع الخبر. أما المقابلة الرابعة والأخيرة فكانت في كانون الأول 1917 في بيروت.

الطروحات التي ظهرت خلال الحرب العالمية الأولى:

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى العام 1918، وخسارة دول الوسط، بدأت الطروحات الاستقلالية في المنطقة في الظهور، وتوزعت على الشكل الآتي؛

  1. الوحدة العربيّة في إطار مملكة يرأسها الشريف حسين أو ابنه الأمير فيصل بتأييد إسلاميّ كبير ومن بعض أعيان طائفة الروم الأرثوذكس، بحيث تترابط دولها بما يشبه الترابط بين الولايات المتحدة الأميركيّة ما يعني أن يتمتّع كلّ قطر باستقلاله الداخليّ فيما تتولّى الحكومة المركزيّة السياسة الخارجيّة. وتتمثّل هذه الوحدة في العلَم الواحد والجيش الواحد والنقد الواحد وفي جوزات السفر والمصالح الاقتصاديّة. واعتبر الشريف حسين أنّ اللبنانيّين، ونظراً لوضعهم السابق، يمكن أن يختاروا لهم حاكمًا، شرط ألاّ يكون أوروبيًّا، أمّا في الإمارات العربيّة فتبقى الأسر الحاكمة، ويعيّن أميرها حكّام المناطق ويجبي الضرائب من دون أن يتوجّب عليه دفع أيّ ضريبة.
     
  2. سوريا الكبرى أو سوريا الطبيعية (سوريا – لبنان – فلسطين)، طالب بها بعض المفكّرين من ذوي الاتجاه العلمانيّ، مع رفض مبدئيّ لحكم الأمير فيصل، ولاقت ترحيبًا وتأييدًا من المسيحيّين والمسلمين على السّواء…
     
  3. التوجّه المنادي باستقلال لبنان وجد دعمًا فاعلًا من قبل أعضاء مجلس الإدارة ومن السلطة الروحيّة المارونيّة بشكل أساسيّ. وانقسم الداعمون لهذا الخيار بين فكرتين: الأولى تطالب باستقلال لبنان ضمن حدود لبنان الصغير، مع ضمّ بيروت فقط، لإقامة دولة ذات أكثريّة مسيحيّة، ومارونيّة تحديداً؛ والثانية، باستقلاله مع توسيع حدوده، بحيث يضمّ أيضاً بيروت وطرابلس وعكّار والبقاع وجبل عامل. وبدأ منظّرو كلّ طرح بالتجييش لأفكارهم، وعرضها على الحكومة الفرنسيّة، التي راحت توازن بين الصيغتين وتترقّب.
 
 
2- فكر البطريرك الحويك ودوره: لم نعش لذاتنا بل لخدمة الكنيسة والوطن
للخوري إسطفان إبراهيم الخوري – من كتاب «وثائق البطريرك الياس الحويك السياسية»

في إطار سعي المركز الماروني للتوثيق والأبحاث لإبراز فكر البطريركية المارونية التاريخي، الوطني والسياسي، والدور الذي اضطلعت به في هذا المجال، وبما أن البطاركة الموارنة هم المرجع الماروني الأعلى والناطق الرسمي باسم كنيستهم والمعلن موقفها الوطني والسياسي، كانت العودة الى النصوص السياسية الصادرة عن هؤلاء البطاركة ونشرها.

ولما كان لا بد من إختيار أحد هؤلاء البطاركة لنشر وثائقه أولاً ثم نشر وثائق الآخرين، وبما أن الموارنة إرتبطوا تاريخيًا بلبنان وارتبط تاريخهم بتاريخه وتاريخه بتاريخهم، وبما أن إعلان لبنان الكبير سنة 1920، هو «الحدث الأكبر والأكثر تأثيرًا في تاريخ هذا الوطن» على حد قول البطريرك الحويك، وبما أن البطريرك الحويك تبوأ المقعد الأول في ذاك الإحتفال بسبب الدور الريادي الذي اضطلع به، لهذا السبب وقع الإختيار الأول على البطريرك الحويك (1843 ـ 1931) وهو البطريرك الماروني الثاني والسبعون، الذي امتدت حبريته الطويلة من 1899 حتى 1931 أي زهاء 33 عامًا.

والوثائق التي ننشرها تُبيّن فكر البطريركية المارونية في الشؤون السياسية والوطنية والدور الذي اضطلعت به في هذا المجال من خلال شخص البطريرك الحويك على صعيد الفكر:
 
  1.  الدوافع

    عايش البطريرك الحويك البطريركين بولس مسعد ويوحنا الحاج، ولازم البطريركية المارونية منذ عام 1872 ككاتب أسرار ثم كنائب بطريركي، وساهم في الخفاء بدور البطريركية في الشأنين الوطني والسياسي الى أن تولّى المهمة شخصيًا، فأدرك أن هناك «أفكارًا أساسية وجّهت البطاركة الموارنة وهدت خطاهم كما وجّهته وهدت خطاه»، وأن للبطريركية المارونية سلطة معنوية كبيرة في لبنان، ورأى أن دور البطريرك الماروني الوطني أصيل وعريق وملازم لدوره الكنسي الماروني، واعتبر هذين الدورين بمثابة أمانة واحدة إستودعه الله إياها كما استودعها أسلافه «ومذ استخلفنا الله في هذا الكرسي البطريركي كما استخلف من سبقنا من سلفائنا البطاركة، قد آلينا على نفسنا القيام بعونه تعالى بما استودعناه من الأمانة في سبيل خدمة الكنيسة وخدمة الوطن».

    ولأنه أدرك أن لهذا الدور جذورًا تاريخية عميقة، ولأنه لم يخرج عن خطة أسلافه، رأى أن كل ما أنجزه في عهده ليس إلا إمتدادًا للنضال المسيحي التاريخي ونقطة البلوغ الحتمية لملحمته. واعتبر أن القضية اللبنانية «تختصر بالواقع نضال المسيحية منذ إثني عشر قرناً».

    وهناك أمران إثنان زاداه يقيناً بصحة الدور الذي يضطلع به وأحقيته فيه وهما:

    أنه «الشيخ العارف في بلاده أفضل من غيره والعالم بما تحتاج إليه».

    أنه الوحيد المفوّض من كل اللبنانيين للتكلم باسمهم والسعي لتحقيق مطالبهم ولم يسحبوا تفويضاتهم. فاللبنانيون على اختلاف طوائفهم ومناطقهم، إتفقوا عام 1919، رسميًا وشعبيًا، على المطالبة باستقلال لبنان وتوسيع كيانه، وفوّضوا البطريرك الحويك كتابةً متابعة تحقيق مطالبهم هذه. ولقد أولى أهمية كبرى لهذا التفويض وراح يذكّر به في كتاباته ومراسلاته وخطاباته، وقال للرئيس كليمنصو «لا أمثل أمامكم بصفتي رئيسًا دينيًا، إن التفويض الذي أحمله منبثق من الشعب اللبناني، من الجماعات المسيحية كما من الجماعات غير المسيحية: مسلمة ودرزية ويهودية. إن هذا التفويض لم يُعهد به لبطريرك جماعة دينية بل للأكثر أقدمية في هذا الشعب».

    هذه هي الدوافع ـ القناعات التي جعلت البطريرك الحويك يتعاطى الشؤون الوطنية والسياسية ويدافع عن حقه هذا في وجه المواقف الغربية التي كانت تدعو الى صد رجال الدين عن ذلك، ويُعلن صراحة وبكل ثقة «أنا هو بطريرك لبنان».

    والفكرة الأولى التي وجّهت البطريرك الحويك وهدت خطاه هي «القضية المقدسة».
     
  2. «القضية المقدسة»

    هي الهمّ الذي قاد حركة تاريخ الموارنة وجبل لبنان. ولقد قال البطريرك الحويك «إن جدودنا وآباءنا ما ارتضوا بهذه الجبال الجرداء ينزلونها معتصمين إلا وهمّهم الوحيد حماية حريتهم وحقوقهم، فلا تصل إليه وإليهم يد الغزاة الفاتحين»، وأن «الأجداد الأماجد آثروا الإعتصام بجبلهم المنيع مفضّلين أراضيه الصخرية على السهول الخصبة محافظة على وديعة الإيمان الثمينة».

    همّ المحافظة على الذات والوجود وصون الحرية الدينية ووديعة الإيمان وحماية الكرامة والمساواة في الحقوق قاد حركة تاريخ الموارنة والجبل اللبناني، وحدّد في نظر البطريرك الحويك أسس القضية اللبنانية التي كتب عنها عام 1924: «القضية التي أعتبرها مقدسة، بالمعنى الحرفي، إنها تختصر بالواقع نضال المسيحية منذ إثني عشر قرناً»، أي منذ قيام البطريركية المارونية التي جاهدت دومًا بغية إيجاد وطن يعيش فيه المسيحيون بسلامة وتُحفظ فيه حرياتهم وكراماتهم وحقوقهم. ولقد كتب «إن الفكرة الأساسية التي سادت تكوين الدولة اللبنانية كانت تكوين دولة ـ ملاذ لكل مسيحيي المشرق»، إلا أن «المسيحيين، على رغم أنهم أكثر عددًا في الدولة اللبنانية الجديدة، لا يطلبون أي إمتياز لكنهم يحرصون بحق على أن يُعاملوا على قدم المساواة نفسه لمواطنيهم».
     
  3. «الوديعة الثمينة»

    هي الوحدة اللبنانية التي أرست ميزة لبنان. كتب البطريرك الحويك أن الموارنة «حمَوا الطوائف الأخرى التي لجأت الى لبنان حمى العدل والحق، وعاشوا في سلام مع من احترموا حياتهم وحقوقهم، وأحبوا جيرانهم وإخوانهم في الوطنية، وما تعمّدوا أذية أحد منهم لا في الماضي ولا في الحاضر إلا بتحرشات أجنبية». واعتبر أن هذه الطوائف اللبنانية التاريخية لجأت الى جبال لبنان للأسباب نفسها التي لأجلها لجأ الموارنة الى جباله والهدف نفسه ما ولّد بينها وبينهم إتفاقاً على صون الهدف المشترك وتلاقيًا ووفاقاً، الأمر الذي سمّاه البطريرك الحويك «الوحدة اللبنانية»، وكتب أنها «وديعة ثمينة كرّس قسمًا هامًا من جهوده وصلواته لصونها». هذه الوحدة اللبنانية إستبقت الميثاق وهيأت له.

    والوحدة اللبنانية أرست بنظره أسس الميزة اللبنانية التي قال عنها إنها «ذات نتائج كبيرة وتنمّ عن تطور عميق والتي، الأولى في الشرق، تُحِلّ الوطنية السياسية محلّ الوطنية الدينية. وبسبب هذا يمتلك لبنان وجهًا خاصًا وشخصية يتمسك بالمحافظة عليها فوق كل شيء».
     
  4.  الرؤية ـ الحل

    أدرك البطريرك أن لبنان التاريخي تعرّض من قبل السلطنة العثمانية لمنيّتين: الأولى ضرب وحدته التاريخية بزرع الفتنة بين طوائفه التاريخية الحليفة. والثانية ضرب اقتصاده وحيويته بسلخ أراضيه الخصبة والتاريخية ومنع التجارة الخارجية عنه، ما سبّب هجرة مواطنيه ثم موتهم الفظيع بسبب المجاعة المُدبّرة من قبل العثمانيين لإبادتهم. واعتبر أن الهدف منهما كان القضاء على إمتيازات لبنان وعلى طوائفه التاريخية. فتكوّنت لديه رؤية واضحة لحل الأزمة اللبنانية ومواجهة كلٍ من هاتين المنيّتين تقوم على:
    • إعادة ترميم الوحدة اللبنانية باحترام الحريات الدينية، وعدم تدخل السلطة في الشؤون الدينية، وبتحقيق المساواة بين الطوائف، وبإحقاق العدل، وعدم التساهل مع متجاوزي القانون.
    • إنماء الشعور الوطني بسعي الدولة لتأمين خير الشعب، ولتحسين أحوال البلاد الإدارية والاقتصادية، وبتسليم التنظيم والإدارة والقضاء في البلاد للأهلين، وتمثيل الطوائف في الدولة على أساس نسبي.
       
    • إستقلال لبنان التام عن أي حكومة عربية دينية أو إسلامية مجاورة له لاعتبارات تاريخية، سياسية، ثقافية، في الواقع والقانون، حفاظاً على ميزته التاريخية ولعدم طغيان طائفة على أخرى.
    • توسيع حدود جبل لبنان بإعادة أراضيه ومرافئه التاريخية والطبيعية التي سُلخت عنه لكي يعود قابلاً للحياة، ولاحتضان مواطنيه وتأمين لقمة عيشهم في أرضهم، فلا يهجرون وطنهم، ولا يكونون مرهونين لأي بلد آخر في حال بقَوا فيه. واعتبر أن في هذا الأمر شيئاً من التعويض الذي يحق للبنان.

     

  5. الإستعانة بفرنسا ومسألتي الإنتداب والسيادة

    لقد رأى البطريرك الحويك في فرنسا وجه الأمّة الصديقة والأم الحنون المحسنة الى اللبنانيين عبر التاريخ، وملاذ الموارنة وحاميتهم ومنقذتهم، كما كان معجبًا بوجهها الليبرالي الراقي نصير الحرية في السياسة والاقتصاد، وأراد أن يحافظ على العلاقة التاريخية الفرنسية ـ المارونية ـ اللبنانية التقليدية المطبوعة بالعطف الفرنسي الأكبر والحماية والمساندة وبالوفاء الماروني عرفاناً بالجميل، وفاء لا يتبدّل. إن هذه العلاقة ساهمت بشكل مباشر بحصول لبنان على إعتراف رسمي ونهائي باستقلاله إستقلالاً تامًا عن سوريا عام 1919 من خلال وعد كليمنصو الخطي، ثم في 1/9/1920 من خلال إعلان قيام دولة لبنان الكبير على يد الجنرال غورو. ولكن الأزمة المزدوجة السياسية والاقتصادية التي كان يمر بها العالم، وحاجة لبنان الى مساندة قوة عظمى غربية ومساعدتها جعلتا البطريرك الحويك يتراجع عن مطلبَي الإستقلال التام وملء السيادة الداخلية والخارجية اللذين عبّر عنهما في خطابه الذي أعدّه في لبنان وألقاه في فرنسا أمام الرئيس كليمنصو عام 1919. ورغم قناعته بأن لبنان كان يستحق أن يكون دولة ذات سيادة تامة داخلية وخارجية، عاد وقبِل بأن يخضع لبنان لمبدأ الإنتداب، على أن لا يُقيّد هذا الإنتداب حق لبنان بالسيادة، بل أن يُهيّئه لها، وطالب بأن تكون فرنسا هي الدولة المُنتدِبة، وهذا ما عبّر عنه في المذكرة التي أعدّها في فرنسا وقدمها الى مؤتمر الصلح في 25/10/1919، والتي راح يُذكّر بها ويُحيل إليها على أنها النص الرسمي المعبّر عن رأيه ومطالبه ومطالب اللبنانيين الذين فوّضوه التكلّم باسمهم.
     
  6. دستور يعبّر عن الذات اللبنانية ويحافظ على وحدة طوائفها وحقوق أبنائها وتطلعاتهم

    بُعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى، رأى البطريرك الحويك أن ثمة محورين نقيضين يحاولان فرض سيطرتهما على لبنان وتغيير خصوصيته التاريخية وضرب وحدته القائمة على توافق طوائفه: محور تيوقراطي ديني متمثل في مشروع فيصل الوحدوي السوري الإسلامي، ومحور لا ديني متمثل في مسؤولين فرنسيين ملحدين علمانيين مناهضين للدين. فرفض المحور الأول رفضًا قاطعًا، وناهض الفرنسيين الذين حاولوا إسقاط أفكار ملحدة معادية للدين على المجتمع اللبناني التعدّدي والمتديّن. وكتب: «في اختصار، تكسب السلطات كثيرًا وتتجنّب أمورًا مؤسفة إذا امتنعت عن التدخل في كل ما يمكن أن يتعلّق بالديانات ولا ترغب أحياناً في تشجيع تحرّر لا مكان له في الشرق». ولأنه كان يعي ميزة لبنان وفرادته والبُعد التاريخي الذي أوجد نظامه الخاص الطوائفي التوافقي الميثاقي وأسبابه الدينية، أراد مع الأحبار الموارنة أن يشدّد على أهمية المحافظة على الوحدة اللبنانية وأن يوجّه الأنظار إليها، وربطها «بخلو الدستور من كل نائبة لا دينية وباحترامه الدين وتصريحه بتسامي الخالق ووجوب إكرام الذات الإلهية»، وبناها على الواقع اللبناني، إذ إن البلاد «ليس فيها ربوة لا يعلوها كنيسة أو جامع أو خلوة». وطالب بدولة مؤمنة غير ملحدة وغير متديّنة بدين معيّن، فكانت المادة التاسعة في الدستور. وطلب أن يكون شكل الحكومة جمهوريًا، وأن يكون التمثيل النيابي طائفيًا لأن البلاد ـ وفق قوله ـ «تتألف من طوائف مختلفة، وهذه الطوائف لا تختلف بعضها عن بعض في العقيدة الدينية فقط، بل تختلف أيضًا في التقاليد والعادات والأخلاق والرأي في الأمور الإجتماعية. فالإنتخاب على قاعدة الطائفية يمثل هذه الطوائف على نسبة معيّنة في ذلك المجلس، فتتعارف فيه وتتآلف ويُضحّي كل منها بشيء من مطلبه بحكم الأخذ والعطاء، ويؤدي ذلك تدريجيًا الى الإمتزاج وتوحيد السياسة، حال كون إلغاء القاعدة الطائفية في الوقت الحاضر يزيل التوازن فترجّح طائفة على أخرى وينتج عن ذلك التحاسد والتباغض، ولذلك نرى أن يكون التمثيل طائفيًا»، علمًا أن الطائفة الأوفر عددًا في تلك المرحلة كانت الطائفة المارونية. وشدّد على المحافظة على نظام الأحوال الشخصية لأسباب تاريخية، إجتماعية، ودينية. ولقد أكد في أكثر من وثيقة أن قبول اللبنانيين، وبخاصة الموارنة، للدستور يمنحه الشرعية، وطلب بأن يكون دوره ودور العناصر الأخرى التي يتكوّن منها اللبنانيون فعّالاً في صياغة الدستور.
     
  7. أولوية «القضية المقدسة»

    لقد بقيت «القضية المقدسة» تتقدم في نظر البطريرك الحويك على «الوديعة الثمينة» و»العلاقات التاريخية» وتحتل الأولوية المطلقة في نظره. فلما أصرّ بعض المواطنين اللبنانيين من الطوائف الأخرى على السير في المحور الوحدوي السوري وفرض توجهاته على لبنان واعتمدوا أسلوب الحرب والفتنة والثورات والنكبات، ولم يرتدّوا عن غيّهم على رغم التنازلات وكل محاولات تأمين البلاد، طرح البطريرك الحويك فكرة تبادل الشعوب بين لبنان وسوريا، فينتقل إليها مَنْ يرغب في الإنضمام إليها والعيش تحت لواء فيصل والحكم العربي الإسلامي، لكي يبقى لبنان كما أريد في الأساس وطن الإستقلال والحرية، المساواة في الحقوق والمحافظة على الوجود، ملاذاً لكل مسيحيي الشرق. هذا الموقف من شركاء الوطن الرافضين للإستقلال والعيش بسلام كان قد سبقه موقف من الأصدقاء الفرنسيين المترددين في موضوع الإستقلال. ففي خطابه التاريخي في الديمان، قال البطريرك الحويك للجنرال غورو: «نحن نثق بك ونثق بفرنسا لكن يجب أن لا تُمد يد الى إستقلال لبنان. وإذا مُسَّ يومًا فأنا أؤكد لكم أن البلاد تهبّ بل تشتعل على مسّه إحتجاجًا»، و»أقول لك أن اللبنانيين لأشد تشبثاً اليوم بالإستقلال منهم في كل زمان مضى، ولئن كان عندك أقل شك في الأمر فأنا باستطاعتي في أربعة وعشرين ساعة أن آتيك بالبلاد كلها شهادةً وتأميناً».

    للخوري إسطفان إبراهيم الخوري – من كتاب «وثائق البطريرك الياس الحويك السياسية»
 
 
3- إلياس الحويك البطريرك صانع لبنان
للكاتب طوني فرنسيس إعلامي وكاتب ومحلل سياسي لبناني | الاثنين 31 أغسطس 2020  - (للتاريخ، عنوان احداث  لبنان 2020 - الفساد والميليشيا التابعة يهددان جمهورية المئة عام)
 
بعد مئة عام على قيام دولة لبنان الكبير، التي ستصبح الجمهورية اللبنانية بعد وَضْعِ دستورها عام 1926، يلحُ سؤال لا مفر منه؛ هل أن الدولة اللبنانية التي قامت قبل مئة عام بمساهمة نشيطة من رجل دين هو رأس الطائفة المارونية البطريرك إلياس الحويك، ستؤول إلى الزوال بمساهمة مُعاكسة من حزب "ديني" يعتبر أن مهمته نشر سلطة الولي الفقيه في "جمهورية إسلامية عالمية" ليس لبنان إلا جزءاً صغيراً منها؟.

المحاولة جارية من دون شك. ولبنان الذي عرفه العالم بلداً، مختبراً للعيش المشترك، يكاد يغرق في صراعات المذاهب والأديان، في انعكاس صريح لمحاولة التمدد الفارسي الإيراني بالمنطقة العربية، عبر استغلال الحضور الشيعي العربي في لبنان، وتطويع طائفة لبنانية رئيسة في خدمة طموحات نظام الملالي بطهران.

إلا أن مهمة من هذا النوع دونها صعوبات تجعل إنجازها مستحيلاً. فقيام لبنان الكبير ثم الجمهورية لم يكن صدفة، أو مجرد منحة فرنسية، ولا فبركة لسياسة فرنسا الخارجية كما قال الجنرال كاترو في وقت لاحق. لقد قام هذا البلد لأن لاستقلاله جذوراً ضاربة في التاريخ، ولأنه توفرت له في اللحظة التاريخية المناسبة قيادة وطنية تمكنت من ترجمة الظروف الملائمة في تحقيق حلم الدولة المستقلة.

كان قيام لبنان بحدوده الراهنة نقيضاً للمشروع الاستعماري الفرنسي الأصلي المستند إلى اتفاقية سايكس- بيكو. فقد منحت تلك الاتفاقية فرنسا حق السيطرة على سوريا ولبنان ككيان واحد من تركة السلطنة العثمانية، وما كانت فرنسا تُفكر في قيام دولتين في سوريا ولبنان، فإما هيمنة كاملة على هذا الجزء من الشرق العربي، وإما تجزئته إلى دويلات ذات طابع مذهبي مناطقي كما حاول الجنرال غورو فعله في سوريا بعد إعلان دولة لبنان الكبير.

إلا أن تجربة جبل لبنان والاستقلال الذاتي الذي مارسه في ظل نظام المتصرفية ابتداء من 1861، وقبل ذلك في نظام الإمارة ابتداء من 1517، جعلت نخباً لبنانية تلح منذ ما قبل انهيار العثمانيين وفور هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى على نيل الاستقلال التام للبنان "في حدوده التاريخية". وتحقق ذلك في الأول من سبتمبر (أيلول) 1920، بعد معركة ميسلون ببضعة أسابيع حيث ثبت لفرنسا استحالة الهيمنة على "سوريا الكبرى" موحدة، وعدم قدرتها على تجنب الإلحاح اللبناني على الدولة المستقلة.

الحويّك صانع لبنان الكبير

لم يكن البطريرك الماروني إلياس الحويك بعيداً عن مجريات الأحداث العاصفة مطلع القرن الماضي، فهو الرئيس الـ72 لكنيسة ممتدة منذ القرن السابع ميلادي. وهو خليفة يوحنا مارون البطريرك الأول (686 م)، جاره الذي بنى مقراً لبطريركيته في قرية مجاورة للقرية التي ولد فيها الحويك. وفي هذا المقر الذي تحول ديراً ومدرسة بعد المجمع اللبناني الماروني في 1736 سيتلقى الحويك علومه الأولى، قادماً عبر الوديان والجبال سيراً على قدميه من منزل والديه في حلتا إلى دير كفرحي ناحية البترون شمال لبنان.


لم يكن الحويك سليل عائلة إقطاعية، بل هو ابن عائلة فقيرة، كافح واجتهد وترقى في مراتب كنيسته لينتخب رأساً لها عام (1899). ونجح خلال خدمته في إعادة إحياء المدرسة المارونية في روما، ما أتاح له بناء علاقات راسخة مع القيادات الفرنسية منذ نهاية القرن التاسع عشر سيستفيد منها
لاحقاً في حملته من أجل الاستقلال.

على أن التجربة القاسية والحاسمة هي تلك التي عاشها الحويك خلال الحرب العالمية الأولى، وهي التي دفعته بحسم إلى التمسك بإيجاد وطن نهائي مستقل للبنانيين بمختلف طوائفهم. ففي تلك الحرب ألغى العثمانيون نظام المتصرفية في جبل لبنان وقضوا على الاستقلال النسبي الذي كان يعيشه، ووجد البطريرك نفسه في مواجهة مباشرة مع الحاكم التركي جمال باشا، حاملاً مسؤولية إغاثة مئات الألوف من أبناء الجبل الذين أصابتهم المجاعة.

قاوم البطريرك محاولات الأتراك تطويع بكركي؛ مقر البطاركة الموارنة، وواجه جمال باشا الذي فرض عليه الإقامة الجبرية في بحمدون خارج كنيسته، واحتقر السياسيين المتلونين الذين تقربوا من السيد العثماني،
وردد على مسامعهم ما سيردده البطريرك صفير في مواجهته للنظام السوري بعد تسعين عاماً:
بكركي من عركة لعركة
لا نورا ولا زيتا شحّ
كلن عم يحكو تركي
إلا بكركي بتحكي صح.

للكاتب طوني فرنسيس إعلامي وكاتب ومحلل سياسي لبناني | الاثنين 31 أغسطس 2020  - (للتاريخ، عنوان احداث  لبنان 2020 - الفساد والميليشيا التابعة يهددان جمهورية المئة عام)
 
 
4- المكرّم الياس بطرس الحويك، بطريرك دولة لبنان الكبير
akhawiyat.org · Sep 2, 2020
 
وافق قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس على قرار تثبيت عيش بطولة الفضائل من قبل البطريرك مار الياس بطرس الحويك (1843-1931) وأعلنه مكرمًا في العام 2019 مع بداية الإحتفالات بالذكرى المئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير. وقد قال صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة الراعي عند إعلان هذا الحدث:" نحن نتأمل من خلال هذه الإلتفاتة الجديدة من السماء الى ارضنا ان تكون لنا حافزا لكي نعيش الرجاء وايماننا ومحبتنا ويكون حافزا لكل اللبنانيين والموارنة والمسيحيين وخاصة لكل السياسيين لأن البطريرك الحويك هو الذي ناضل في سبيل لبنان هو الذي كتب عن مفهوم الوطن وهو اليوم الذي شاءت فيه العناية الإلهية ان يتزامن فيه قرار الكنيسة مع بداية المئوية الأولى للبنان الكبير الذي كان هو بطله وكان مترئسا في مؤتمر السلام في فرساي 1919 الوفد اللبناني وناضل من اجل الحصول على لبنان الكامل بكافة اراضيه بما فيها الأراضي التي سلختها الدولة التركية عن لبنان وكانت السبب الأساسي في المجاعة الكبرى. نحن ايضا سنصلي ونطلب شفاعته لكي من خلاله تظهر النعم ويظهر الرب قداسته ويعلن على المذابح. صلواتنا تتواصل باستمرار على هذه النية ويبقى لبنان وطن القديسين.”

يعود للبطريرك الياس الحويك المكرّم الجديد الفضل الكبير لاستقلال لبنان عن سوريا واستعادة أراضيه حتى التي سلخها منا الأتراك، وإعلان دولة لبنان الكبير. وعلى الرّغم من كل الأحداث والأزمات التي تخبّطت في البلاد أمنيًّا، إقتصاديًا وصحيًّا وسياسيًّا ، ها نحن نتطلّع الى العلى طالبين شفاعة المكرّم البطريرك الياس الحويك، كي يطلب لنا من الله مع إختتام هذه المئويّة، السلام والصحّة والرجاء كي نبقى ثابتين في أرضي هذا الوطن.
من هو البطريرك الياس الحويّك؟

هو البطريرك الماروني الثاني والسبعون، وقد امتدت حبريته من 1899سنة حتى 1931 وهو يعتبر من النخبة المميّزة في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر وفي تاريخ الكنيسة المارونيّة نظرًا إلى الأعمال البارزة التي حقّقها على صعيد الوطن والكنيسة، وهو من الأحبار القلائل الذين برزت أسماؤهم ساطعة في تاريخ الكنيسة المارونيّة، ذلك لأنّه وضع كلّ طاقاته الماديّة والمعنويّة واللاهوتيّة في خدمتها. كما يعتبر شخصيّة وطنيّة بامتياز، إذ برزت عظمته في الحقبة التي تولّى فيها مسؤوليّة السدّة البطريركيّة على أكمل وجه إذ انفتح بجديّة ومصداقيّة على كلّ مكوّنات الوطن ما جعله يحوّل بكركي إلى صرح وطنيّ تلتقي فيه الشخصيّات السياسيّة والروحيّة والوفود الشعبيّة التي اعتادت أن تؤمّ هذا الصرح في الظروف والأزمات المصيريّة، فيلاقون منه الترحيب والاحترام ولا عجب إذا قلنا إنّ المواقف التاريخيّة والوطنيّة التي أعلنها على الملأ قد خفّفت كثيرًا من وطأة المآسي التي عاش في ظلّها اللبنانيّون على مدى أكثر من عقدين من الزمن. خاصّةً وأنّه فتح أبواب بكركي لجميع المحتاجين الذين وجدوا لديه كلّ عطف وأبوّة وحنان. وعندما ضربت المجاعة لبنان في الحرب العالميّة الأولى وذهب ضحيّتها عشرات الألوف من اللبنانيّين، عمد هذا الرجل الكبير إلى إقامة أفران يوزّع عليها الطحين مجانًا لمساعدة الجياع والمرضى والعاجزين.
ولد الياس الحويّك في أواخر كانون الأول 1843 في قرية حلتا- قضاء البترون. والده الخوري بطرس الحويّك ووالدته غرّة طنوس الحويّك، وهو بكر أولادهما السبعة.

كهنوته
عام 1851 دخل الى مدرسة مار يوحنا مارون كفرحي ، وانتقل بعدها في العام 1859 الى المدرسة الإكليريكيّة في غزير والتي كان يشرف على إدارتها الآباء اليسوعيون، وفيها درس إلى جانب اللاهوت الفلسفة وقواعد اللغات العربية والسريانية والفرنسية واللاتينية واليونانية. وظلّ يتابع دروسه فيها حتى العام 1865 حيث أرسله البطريرك بولس مسعد إلى إيطاليا والتحق هناك بالمدرسة المارونية في روما وفيها تابع دروسه اللاهوتية. بعد عودته من روما درّس سنتين في مدرسة كفرحي، غارسًا في نفوس تلامذته التعبّد للعذراء وارتسم كاهنًا في 5 حزيران عام 1870 يوم عيد العنصرة. وفي العام 1872، عيّنه البطريرك بولس مسعد أمين سر البطريركية المارونية، لما ترامى الى مسامعه عن فضائله المميّزة وشهرته الواسعة المزيّنة بالقيم.

أسقفيته
في 14 كانون الأول من العام 1889 رفعه البطريرك بولس مسعد إلى درجة الأسقفية مطرانًا على عرقا شرفًا ونائبًا بطريركيًا. وفي 28 نيسان انتخب المطران يوحنا الحاج بطريركًا فأنتدب البطريريك المطران الحويك ليسافر في 8 أيار 1890 ،طلبًا لدرع التثبيت وليشرف على ترميم المدرسة المارونية وإعادة افتتاحها هناك، بعدما دمّرها نابوليون الأول. ومن نتائج زيارته إلى فرنسا حصول الموارنة على كنيسة لهم في باريس ومركز للخدمات الاجتماعية. وتلقى مساعدة من الحكومة الفرنسية لتعليم ثمانية طلاب مجانًا في مدرسة سان سولبيس في باريس وفي المدرسة المارونية في روما. وقد زار مدن بواتييه وليل وروان وسواها، وعاد إلى روما جامعًا المال اللازم لصالح المدرسة المارونية.
ثم زار الحويك النمسا والتقى الإمبراطور جوزف الأول، وبعدها اسطنبول حيث التقى السلطان عبد الحميد الثاني الذي منحه الوسام المجيدي من الدرجة الثانية ومبلغ عشرة آلاف ليرة عثمانية للمدرسة المارونية. وقابل شخصيات عثمانية بارزة عدّة.
في 13أيار1892 انطلق في زيارة ثانية من بيروت نحو القدس، ثم الإسكندرية فبحرًا نحو روما. وخلال زيارته هذه تم تدشين المبنى الجديد للمدرسة المارونية في 1كانون الثاني1894.
بعد عودته إلى لبنان، أطلق مشروعه الجديد المتمثل في إنشاء رهبانية جديدة منظمة وفق التنظيمات الرهبانية الحديثة، بمساعدة من الأم روزالي نصر. هكذا ولدت جمعية "راهبات العائلة المقدسة المارونيات" صيف 1895 في جبيل. وتم الاحتفال بإنشائها رسميًا في عبرين عام 1896.
آخر رحلة للحويك قبل انتخابه بطريركًا كانت إلى روما، وامتدت نحو عامٍ ونصف العام من نيسان 1897 إلى كانون الأول 1898 للإشراف عن كثب على عمل المدرسة المارونية. واغتنم وجوده في أوروبا لزيارة فرنسا وبلجيكا أيضًا.

بطريركيته
في 24 كانون الأول 1898 توفي البطريرك يوحنا الحاج وكان الحويك آنذاك في روما، فعاد إلى لبنان في 27 كانون الأول ووصل إلى مقر البطريركية في بكركي في 5 كانون الثاني 1899. وفي اليوم التالي انعقدت الخلوة الانتخابية، فاستقرت القرعة عليه. واحتفل برتبة تنصيبه في الأحد الأول التالي أي في 9كانون الثاني 1899.
أعماله على الصعيد الكنسي

عرف عهد البطريرك الحويّك أربعة أحبار رومانيين هم: لاوون الثالث عشر (1878-1903)، بيوس العاشر (1903-1914)، بنديكتوس الخامس عشر (1914-1922) وبيوس الحادي عشر (1922-1939)، وعرف الحويّك كيف يُحافظ كسلفائه على الشراكة الكنسية مع روما وعلى العلاقات الطيّبة التاريخية التي تربط الكنيسة المارونيّة بالكنيسة اللاتينية. ونسج أطيب العلاقات مع الكنائس الأخرى ومع أحبارها.
واظب الحويّك على زيارة أبرشيات كنيسته سنويًا، وسعى إلى المحافظة على وديعة الإيمان الكاثوليكي في وسط الكنيسة المارونية، وإلى توفير احتياجات الجماعات والمؤسسات الكنسية وتنظيم أوضاع الكهنة خصوصًا في بلدان الإغتراب. وعام 1903 نظّم زيارة قانونية إلى "الرهبانيّات المارونيّات الثلاث": البلديّة والأنطونيّة والحلبيّة.
ومن إنجازاته استحداث أبرشية صور المارونية بعد فصلها عن أبرشية صيدا، وتأسيسه النيابة البطريركية المارونية في القاهرة. عام 1902 أرسل الحويك وفدًا إلى قبرص لدراسة أوضاع الموارنة فيها، وأواخر عام 1919 وفدًا لزيارة الموارنة في القارتين الأمريكيتين. وبدأ العمل على الأثر لتشييد الكنائس والمدارس هناك ولإنشاء أبرشيات الإغتراب، التي حالت دون التحاق الموارنة بأبرشيات الكنيسة اللاتينية الرومانية.
عمل على ترميم الكنائس والأديرة وبناء كنائس جديدة وعدد كبير من كنائس لبنان شيّد خلال حقبة البطريرك الحويك كما كنائس باريس والخرطوم والقاهرة ولارنكا ونيقوسيا. وفي عهده أدخل هندسةً جديدة إلى الكنائس المارونية جعلتها تماثل الكاتدرائيات والبازيليكات. وأحد أهم إنجازاته، التعاون مع الكرسي الرسولي في تأسيس كنيسة ومزار لسيدة لبنان في حريصا عام 1908. وكان تطويب الأخوة المسابكيين الثلاثة في أيامه.
شجّع الحويّك زيادة عدد المدارس الإكليريكية، فأسّس مدرسة مار عبدا ومدرسة عين ورقة ومدرستين أخريتين في القليعات وريفون. وتابع اهتمامه بالمدرسة المارونية في روما، التي تضاعفت قدرتها على استيعاب الطلبة خلال بطريركيته، ووسّع بناءها بدءًا من العام 1903 وأتمّ ذلك في 7 شباط 1904.
لنا من البطريرك الحويّك كتابات ورسائل روحية وراعوية، نُشِر الكثير منها قديمًا وحديثًا، بينها رسائله إلى بناته الراهبات. وقد جمع الأب فيليب السمراني ونشر عام 1931 ثلاثين رسالة رعائية وجّهها البطريرك الحويّك إلى إكليروس كنيسته وأبنائها وبناتها.
على صعيد بكركي، نظّم المكرّم الحياة المشتركة في الصرح وضبط أوقات الصلاة فيه، وأطلق الرياضة السنوية للمطارنة. وقيل إنه بينما كان يتوجّه إلى الكنيسة للصلاة المشتركة كان يدعو الجميع إليها ضاربًا الأرض بعصاه.

ترك الحويّك عددًا من الصلوات الرائعة التي ألّفها بوحيٍ إلهي. ومنها ومن كتاباته الأخرى وسيرة حياته تُستشَف روحانيته التي تميّزت بالعيش والموت في رضى الله، والسعي إلى التماس إرادة الخالق والإتحاد بها والانقياد إليها، والاتكال المطلق على رحمته وعنايته. كل ذلك الشيء قام به لمجد الله الأعظم وإرضاءً له تعالى وراحةً للضمير، بقلبٍ مضطرمٍ بنار الحب لله وللقريب. وما تأسيسه رهبانية العائلة المقدسة إلا لمجد الجود الإلهي الأعظم وخلاص النفوس وخير الطائفة والوطن.
عُرِف عنه عدم محبته للمقتنى فعند ساعة موته كان خالي الجيب ولم يترك بعده إرثًا ماديًا يُتنازَع عليه لأنه صرف على راهباته ووزّع على المحتاجين كل ماله. وأُثِر عنه شدة محبته للفقير والمحتاج وبكاؤه عند لقائهم والمبادرة إلى إغاثتهم. وخلال الحرب والمجاعة أمر أبناء الطائفة كلهم بأن يبتهلوا ويصرخوا في آخر كل صلاةٍ وزياحٍ: "إرحم يا رب إرحم شعبك ولا تسخط علينا إلى الأبد " ومن أشهر ابتهالاته: "إلهي اجعلني أعيش وأموت برضاك".

أعماله على الصعيد الوطني
زخر عهد البطريرك الحويّك بالأحداث الوطنية الكبرى. ويمكننا التكلّم عن أربع مراحل تاريخية وطنية مرّ بها عهده: مرحلة المتصرفيّة، ثم مرحلة الحرب العالميّة الأولى، وكلتاهما في ظلِّ الهيمنة العثمانيّة وتسلُّطها، ومرحلة المفاوضات لنيل الإستقلال والكيان، فمرحلة الإنتداب الفرنسيّ، وكلتاهما في ظلّ انتصار الحلفاء وتوطيد النفوذ الفرنسيّ. في كل هذه المراحل تعاطى البطريرك الحويّك الشأن الوطني من بابه العالي، وكان أبرز رواد الحركة الوطنيّة.
على رغم أن الحويّك كان يُعبِّر دائمًا عن تعلُّقه بالمواطنة العثمانية، إلا أنه كان يسعى إلى تحصين نظام المتصرفية الخاص بلبنان والإمتيازات التي ينعم بها، ويُطالب بإصلاحات إدارية ونظامية وبتحسين سبل العيش وجعل البلاد قادرة على الحياة وإيقاف الهجرة. وكان يستعين دائمًا بالقوى الفرنسية، فيما لم تكن علاقته جيدة ببعض المتصرفين، حتى أن مظفر باشا اتهمه بالعمالة ضد السلطنة.
في 20 أيار 1905 غادر البطريرك الحويّك بكركي متوجهًا إلى يافا، ثم انتقل إلى الإسكندرية ومنها إلى روما حيث قابل البابا بيوس العاشر. وفي 18 أيلول 1905 غادر إلى باريس، والتقى فيها كاردينال العاصمة فرنسوا-ماري-بنجامين ريشار ورئيس الجمهورية الفرنسية إميل لوبيه ورئيس وزرائها شارل دوبوي، ومن باريس توجّه إلى إسطنبول، وبقي في العاصمة العثمانية من 17 تشرين الأول إلى 2 تشرين الثاني 1905. وقابل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني للمرة الثانية، واثنين من حاشية السلطان كانا من الموارنة هما سليم ملحمة وشقيقه نجيب.
اندلعت الحرب العالمية الأولى في 29 تشرين الأول 1914، ودخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب الى جانب المانيا. وفي 22 تشرين الثاني 1914، دخل العثمانيون جبل لبنان. وفي 23 أذار 1915، حلّوا مجلس إدارة جبل لبنان، وألغوا نظام المتصرفية والامتيازات الأجنبية. وحاصروا جبل لبنان برًا، وشدّدوا الرقابة على شواطئه ومنعوا أي اتصال بين سكانه والحلفاء. فما كان من ذلك إلا أن سبّب المجاعة فيه ومات ثلث السكان من الجوع. فما كان من البطريرك الحويّك إلا أن جيّر أموال البطريركية المارونية وأمواله الخاصة لمساعدة الفقراء وإطعامهم، ونظم ذلك. ويُذكَر أن مقر البطريركية كان أحد مراكز توزيع الطعام. وأمر غبطته كل الأوقاف والأديار بإعالة الفقراء، وأمرها بالرهن والإستدانة والبيع لهذه الغاية. وحصل البطريرك على معونات مالية من المغتربين اللبنانيين ومن الحكومة الفرنسية عن طريق مفوضها في أرواد. وكان الأب بولس عقل يقوم بدور الوسيط بين أرواد وبكركي خلال تلك الفترة.
وقد حاول جمال باشا الملقب "بالسفّاح" نفي البطريرك الحويّك لكنه فشل. ثم طلب منه الحضور إلى مقره في صوفر يوم 13 تموز 1915. لكن اللقاء تمّ يوم 21 تموز وتناول في شكل أساسي علاقة الكنيسة المارونية بفرنسا. وفي أيار 1916، وبعد إعدامات بيروت ودمشق، طلب جمال باشا لقاء البطريرك مرة ثانية. ثم اتهمه بالوقوف وراء مقالات صدرت في الصحف الفرنسية عن محاولة إبادة اللبنانيين بواسطة المجاعة. طلب لقاء البطريرك مرة ثالثة في بحمدون خلال تموز 1917، وسأله المكوث في بحمدون فترة من الزمن. فأقام فيها من 25 تموز حتى 14 آب 1917. وفي بداية 1918، احتجز جمال باشا البطريرك في قرنة شهوان وكان يعمل على نفيه. ثم أطلقه بعد تدخُّل الفاتيكان وإمبراطور النمسا.
وكان مؤتمر فرساي قد أفضى إلى تشكيل لجنة كينغ - كراين لاستقصاء رغبات سكان سوريا ولبنان وفلسطين في مستقبل بلادهم. وقد قابلت اللجنة البطريرك الحويّك في حزيران 1918، فطالب باستقلال لبنان وبالحماية الفرنسية له.
في غرّة تشرين الأول 1918، انهار الحكم العثماني في بيروت ودمشق وبعبدا في يوم واحد. وكان ممتاز بك، متصرّف جبل لبنان، قد سلّم قبيل انسحابه من بعبدا شؤون الإدارة في جبل لبنان إلى رئيس بلدية بعبدا حبيب فيّاض. وبعد يومين اجتمع موظفو الحكومة في بعبدا وانتخبوا الأميرين مالك شهاب وعادل أرسلان لإدارة الحكومة الموقتة. فأبرق البطريرك الحويّك إلى شهاب وأعلمه بوجوب المثابرة على إدارة الحكومة الموقتة بحزم وحكمة ووقف كل مخابرة تتعلق بشؤون البلاد إلى أن يتيسر له العودة إلى بكركي ويتم تبادل الآراء في هذا الشأن. وعندما تألفت حكومة الأمير فيصل العربية في دمشق، أرسلت اللواء شكري الأيوبي حاكمًا عامًا على ولاية بيروت وجبل لبنان، فحضر إلى بيروت في 7 تشرين الأول وأعلن دخول البلاد تحت الحكم الفيصلي، ثم توجه إلى مركز الحكومة في بعبدا وأعلن في احتفال حاشد قيام الحكومة العربية في جبل لبنان، ورفع العلم العربي على السرايا، ودعا مجلس الإدارة الشرعي المنتخب سنة 1912 إلى الاجتماع، وكلّف رئيسه حبيب باشا السعد بتولّي رئاسة الحكومة في جبل لبنان من جانب الأمير فيصل باسم والده الشريف حسين. فقبل السعد هذا التكليف وأقسم يمين الولاء والإخلاص للشريف حسين. وكان الأمير محمد سعيد الجزائري قد أبرق إلى البطريرك الحويّك يطلب منه باسم العروبة والوطن أن يؤسّس الحكومة العربية المستقلة في جبل لبنان، وهذا ما طلب إنفاذه عدد من وجهاء كسروان وممثلين عن عائلاتها، لكن الحويّك لم يتجاوب مع هذا المطلب.
خلال الأيام العشرة الأولى من شهر تشرين الأول عام 1918 وصل الجيش البريطاني الزاحف من فلسطين إلى بيروت على دفعات، سالكًا الطريق الساحلية، ومعه مفرزة فرنسية. وأنزل الأسطول الفرنسي إلى البر في بيروت فرقة من الجنود الفرنسيين. وبناءً على احتجاج فرنسي، أمر القائد العام الجنرال إدموند أللنبي بإنزال العلم العربي وعودة اللواء شكري الأيوبي ممثل فيصل إلى دمشق، وحلّ الحكومات العربية في بيروت وبعبدا والمدن الساحلية الأخرى وعيّن حكامًا عسكريين فرنسيين فيها. وهكذا انتهى الحكم العربي في هذه المناطق بعد أيام فقط من قيامه، ورحّب الحويّك بدخول الحلفاء.
في 29 تشرين الأوّل 1918، عاد مجلس إدارة جبل لبنان الى العمل. وفي 9 كانون الأول 1918، أرسل مجلس الإدارة الى مؤتمر الصلح في باريس أولَ وفدٍ لبناني رسمي، برئاسة داود عمّون الماروني وعضوية إميل إدّه الماروني إيضًا وعبدالله خوري-سعاده الروم الكاثوليك وعبد الحليم حجّار السنّي ونجيب عبد الملك الدرزي، للمطالبة باستقلال لبنان الكبير. وفي 18كانون الثاني 1919، افتتح مؤتمر الصلح أعماله في باريس. وفي 15/2/1919، كانت مداخلة الوفد اللبناني الاول، لكنه لم يلْقَ أيّ جواب. وكان فيصل هناك.
وحاولت فرنسا عن طريق مراسلات بين بكركي وجورج بيكو إقناع البطريرك بمحاسن الإبقاء على الوحدة مع سوريا، لكن جواب البطريرك كان حازمًا بطلب الاستقلال الكامل. في الواقع كانت تلك المرحلة مرحلة تقرير مصير شعوبِ منطقة الشرق الاوسط وأوطانِها، ولكلٍّ من الاطراف المؤثِّرين مشروعه ويسعى إلى تحقيقه. وكان الامير فيصل يُمثِّل التيار العربي الاسلامي الذي يُطالِب بالوحدة السورية التي تضمّ لبنان الى سوريا معتبرًا هذا الأمر خطوة تقود نحو الوحدة العربية. وللوصول الى غايته، حاول إيقاظ الحس القومي العربي والديني الاسلامي وتحالف مع الانكليز. كما حاول ترغيب الفرنسيين وإقناعهم، وترهيب اللبنانيين وإسقاط مشروعهم من خلال دعمه ثوراتٍ وفتناً رتّبها على شكلٍ طائفي. وفي الوقت عينه، كانت الدولتان العظيمتان، فرنسا وانكلترا، تسعيان إلى توطيد نفوذهما على أكبر قسم ممكن من الشرق الاوسط. وللوصول الى هدفهما، حاولتا كسب ثقة الأكثرية المسلمة وإرضاءها ولو على حساب أصدقائهما. ورأت فرنسا، صديقة اللبنانيين الموارنة، أن المشروع الانسب لها وللمنطقة هو ايجاد ولايات متحدة سورية تُشكِّل في ما بينها نوعاً من الـ"كونفيديراسيون"، ولبنان إحداها. أما المكرّم البطريرك الحويّك، فكان متمسكاً بالمشروع اللبناني او "القضية اللبنانية"، أي إستقلال لبنان وتوسيع حدوده، ولم يقبَلْ بالمشروع العربي ولا بالمشروع الفرنسي، وشجب الأسلوب الذي اعتمده أصحابهما للوصول الى غايتهم.
في 20 أيار 1919، أعلن مجلس الإدارة إستقلال لبنان في حدود 1860. بعد ذلك صرّح فيصل في دمشق بأن لبنان هو جزءٌ من سوريا، فأمّت الوفود اللبنانية الصرح البطريركي من كل الطوائف وسلّمت الحويّك تفويضات من اللبنانيين على اختلاف طوائفهم في جبل لبنان ولبنان الكبير والمهجر على السواء، تُخوِّله التكلُّم باسمهم والسعي الى تحقيق مطالبهم.
في 15تموز 1919، ترك الحويّك الأراضي اللبنانية من مرفأ جونية مُتوجِّهاً الى مؤتمر الصلح، على رأسِ وفدٍ تألّف من المطرانين اغناطيوس مبارك وبطرس فغالي وأمين سرّ البطريرك وشقيقه لاوون الحويك والتحق بهم مطران الروم الكاثوليك على زحلة والفرزل كيرلُّلس مغبغب. وحمل الحويّك معه التفويضات إلى فرنسا، فأُودِعت وزارة الخارجية الفرنسية. وبقي في بكركي "بيانٌ بالوكالات المقدمة لغبطته للمطالبة باستقلال لبنان وتكبيره".
وصل الوفد الى روما في 21 تموز1919. وفي 23آب 1919 الى باريس، فنزل ضيفاً على الحكومة الفرنسية. ووصل البطريرك الحويّك إلى باريس حاملاً بيده خطابًا إلى رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ورئيس مؤتمر الصلح كليمنصو يتضمّن مطلب الإستقلال التام المُطلَق. إلا أن الواقع الذي لَقِيَه في باريس، جعله يُغيِّر في مطالبه ويتبنّى المُذكِّرة التي أُعدّت هناك ويقدّمها لمؤتمر الصلح في 25تشرين الأول1919. وقد أُدْرِج فيها مطلب الإنتداب الفرنسي وحملت عنوان: “Les .revendications du Liban"
 
 
 

من 23آب 1919 حتى 7 تشرين الثاني 1919 أجرى البطريرك الحويّك لقاءات واتصالات بأعضاء مؤتمر الصلح ورجالات الدولة واعضاء المجلس النيابي الفرنسي القادرين على مساعدته لاستيعاب تطلُّعات فيصل ولإقناع الفرنسيين بـ"القضية اللبنانية". وفي 10 تشرين الثاني 1919 حصل البطريرك الحويّك على تعهُّدٍ خطي من رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ورئيس مؤتمر الصلح كليمنصو، يَعِد فيه اللبنانيين بالاستقلال، والجبل اللبناني بالسهول والمرافئ البحرية الضرورية لازدهاره. واعتُبِر هذا التعهُّد بمثابة وثيقة الاستقلال.
في 17 كانون الأوّل 1919 أرسل البطريرك الحويّك المطران شكرالله خوري زائرًا بطريركيًا إلى القارتين الأميركيتين. ومن أهداف زيارته الأساسية دعوة الموارنة إلى العودة إلى وطنهم الأم لانتفاء الأسباب التي دفعتهم إلى الهجرة بعد حصول البلاد على استقلالها والوعد بتوسيعها وجعلها قابلة للحياة.
في 18 كانون الأول 1919 ترك البطريرك الحويّك الأراضي الفرنسية، ووصل الى بيروت في 25 من الشهر عينه، فاستقبله اللبنانيون استقبال المنتصرين. إلا أن أرشيف بكركي يحفظ رسائل من لبنانيين موارنة وغير موارنة، أخذ بعضها على البطريرك الحويّك انه بقبوله مبدأ الإنتداب سلّم البلاد للفرنسيين، وبعضها الآخر أنه سار مسار الإنفصاليين.
لكن الامور لم تصل الى خواتمها السعيدة. فقد عُيِّن الجنرال غورو مفوضاً سامياً لفرنسا في لبنان، ولم يلْقَ تعيينه هذا أيَّ رفضٍ الا في مناطق البقاع، حاصبيا وراشيا. وما أن همّ العسكر الفرنسي بأخذ مواقعه في هذه المناطق، حتى أتاه أمرٌ من فرنسا بعدم دخولها. والسبب أن فيصل كان ما يزال في باريس، حيث التقى الرئيس كليمنصو وعقد معه اتفاقاً بترك إدارة هذه المناطق لحكومة دمشق، والأمن الداخلي لشرطةٍ محليّة. وقد قبِل الرئيس كليمنصو بهذا الاتفاق رغبةً في الصلح. إلا إنّ فيصل، وفور عودته من باريس، صرّح أيضاً بأنّ لبنان لن يُوسَّع ولن يستقل عن سوريا، بل سيحصل في الأكثر على حكمٍ ذاتي واسع من ضمن سوريا. لذلك قلقت الافكار في لبنان، ورفض الحويّك هذا الطرح. وموقفه هذا وضعه في مواجهةٍ حتى مع الدبلوماسيين الفرنسيين. ولمعالجة هذه الأزمة، فكّر بالسفر مجدداً الى باريس، إنما لم يكن قد مضى على عودته أكثر من شهر، والسفر مضنٍ لرجلٍ في الثامنة والسبعين. لذلك قرّر وبقوة التفويض الذي حصل عليه من اللبنانيين، إرسالَ وفدٍ لمتابعة المهمّة التي كان قد باشر بها. فكان الوفد الثالث برئاسة المطران عبدالله خوري، وفيه ألفرد موسى سرسق الأرثوذكسي وكامل بك الأسعد الشيعي والأمير توفيق إرسلان الدرزي، وكان يحمل معه 648 تفويضًا. وفيما اعتذر كامل بك الأسعد عن مرافقته وفوّض المطران عبدالله خوري مكانه، التحق بالوفد مطران الروم الكاثوليك على زحلة والفرزل كيرلُّلس مغبغب والمارونيان يوسف الجميّل وإميل إدّه. في 2 شباط 1920 ركب الوفد الثالث البحر. وفي 11 منه وصل الى باريس. وقد سعى الوفد لتحقيق مطالب اللبنانيين وفق ما حدّدها البطريرك الحويّك في مُذكِّرته الى مؤتمر الصلح في 2525 تشرين الأول 1919، ولقد تركّزت مهمّته الأساسية على توسيع الكيان اللبناني بمنحه السهول والمدن والمرافىء البحرية وعلى المطالبة بالإنتداب الفرنسي باعتبار أن وعد الرئيس كليمنصو كان وافيًا وقاطعًا لناحية إستقلال لبنان عن سوريا. وفي 1أيلول1920 أعلن الجنرال هنري غورو ولادة دولة لبنان الكبير تحت الانتداب الفرنسي من قصر الصنوبر في بيروت وقربه البطريرك والمفتي. وفي 25من الشهر عينه عاد الوفد الثالث الى لبنان بعدما حصل على تعهُّد من رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ميللران باستقلال لبنان الكبير في حدوده الطبيعية والتاريخية. وقد مرَّ بروما وحصل على بركة البابا بنديكتوس الخامس عشر خطّيًّا على خريطة لبنان الكبير. وكان البطريرك الحويّك يتراسل مع المطران عبدالله خوري ويتابع من لبنان كل شيء ويقوم بكل ما يلزم. لكن مساعي الوفد الثالث لتثبيت الكيان اللبناني الكبير وللاعتراف باستقلاله لم تمرّ بسهولةٍ ولا بسلام، لا خلال وجوده في باريس ولا بعد عودته الى لبنان.
فبينما كان الوفد في باريس، جمع فيصل حلفاءه في دمشق في 7أذار1920، وعقد ما عُرِف بالمؤتمر السوري الثاني، الذي أعلن فيصل ملكاً على سوريا وفلسطين ولبنان. وكان هذا الإعلان الرسمي الاول للمملكة السورية وعلى رأسها فيصل ملكاً. وفي 25نيسان 1920، أوكل مؤتمر سان ريمو إلى فرنسا الإنتداب على سوريا وأغفل ذكر لبنان. وفي 12تموز 1920، كتب غورو الى الحويّك يُبلِّغه أن فيصل أرسل مالاً الى بيروت بغية رشوة الناس لينحازوا اليه. وبالفعل ارتشى ثمانية من أعضاء مجلس الادارة، بـ 1500 ليرة. وقد قبض غورو عليهم واقرّوا بذلك ومن بينهما المارونيان سليمان كنعان وشقيق البطريرك سعدالله الحويّك. ومن 25 آب حتى 21 ايلول 1921، عُقِد المؤتمر السوري- الفلسطيني في جنيف، وشارك فيه لبنانيون منهم النائب سليمان كنعان. ورفض المؤتمر الإنتداب الفرنسي وطالب بالوحدة السورية. وفي 24تموز 1923، وُضِعت معاهدة السلام مع تركيا. وقد جاءت على ذكر الأرمن والأشوريين والكلدان وسوريا، ولم تذكر لبنان ولا اللبنانيين.
وحصلت حوادثٌ داميةٌ وفتنٌ طائفيةٌ مدعومةٌ من فيصل، في جبل عامل والبقاع والشمال، راح ضحيتها مسيحيون كثر أَحرَقَ منازلهم وزرعهم شيعة ونصيريون. كما حصلت تعدِّيات شيعية في جرود كسروان. وأخذ سنّة من طرابلس وبيروت يطالبون بضمّ المدينتَين إلى سوريا. وأظهر الفرنسيون تقاعساً كبيراً في ملاحقة المجرمين وإنصاف المسيحيين وحمايتهم. وخلال 1925 – 1926، تكرّرت الحوادث الدامية، على يد الشيعة والعلويين، وانضم إليهم الدروز، وشهد جبل الدروز في لبنان وسوريا قسمًا منها. وأخذ الفرنسيون يطرحون من جديد مسألة الولايات المتحدة السورية التي تؤلف في ما بينها فيديراسيون، وفكرة الاستفتاء من جديد على نهائية كيان لبنان الكبير واستقلاله، وتقاعسوا تكراراً في ملاحقة المجرمين ومحاكمتهم، ولم يُنصِفوا الأبرياء المظلومين، بل عاملوهم أحياناً مذنبين، ونزعوا سلاحهم وتركوا السلاح في أيدي المعتدين.
وعلى رغم أن الموارنة لم يجتمعوا كلهم على رأيٍ واحدٍ سياسي ووطني تحت قيادة البطريرك الحويّك، إلا أن غبطته حسم أمره وحدّد رؤيته للقضية اللبنانية وخطة الوصول إلى تحقيقها ولم يحِدْ عن الثوابت والأفكار التي قادت أسلافه. وردًا على كل من تكلم باسم لبنان مطالبًا بأمور منافية للمطالب التي تقدّم بها لمؤتمر الصلح، كان الحويّك يُذكِّر بأنه الوحيد المفوض من كل اللبنانيين والمخول التكلم باسمهم. وقد دافع عن حقه بالتعاطي في الشؤون الوطنية والسياسية في وجه المواقف الغربية التي كانت تدعو إلى منع رجال الدين من ذلك. واعتبر نفسه الشيخ العارف بلاده أفضل من غيره والعالم بما تحتاج إليه، والصديق الأقدم لفرنسا في البلاد، المدرك أين تكمن مصلحتها العليا.
صحيح أن الحوادث المؤلمة والاحداث الصعبة التي مرّت بها البلاد سنتَي 1925 و1926 جعلت الحويّك يطرح حلولاً جذريةً كنقل الشعوب لكي يصبح لبنان بلدًا متجانسًا، لكنه كرّر في أكثر من رسالةٍ إيمانه بالعيش المشترك والوحدة اللبنانية. ورأى أن السبب في كل ما يحدث ليس دينياً بل هو سياسي، الهدف منه إنهاء الانتداب الفرنسي والقضاء على استقلال لبنان وإخضاعه لسوريا المُوحَّدة. واعتبر أن ما جرى من حوادث لا يُعبِّر عن الواقع اللبناني الأصيل ولا عن إرادةٍ لبنانيةٍ وطنيةٍ، بل هو نتيجة لتأثيرٍ إقليمي، ولتقاعسٍ في تطبيق العدالة والمساواة، ولضعفٍ في حكم البلد وإدارة شؤونه من السلطة الحاكمة. ورأى الحويّك أن الفرنسيين يُضحّون بأصدقائهم المسيحيين ليكسبوا محبة المسلمين ولا يعاقبوا هؤلاء على أعمالهم الإجرامية، بل يمنحونهم وظائف إدارية أكثر مما يستحقون وعلى حساب المسيحيين، وهم بسياستهم هذه خسروا محبة الأصدقاء ولم يكسبوا محبة الآخرين. وأشار إلى أن التطبيق "العادل" للانتداب وتسليم المواطنين زمام الحكم والإدارة والعدل، وإحقاق العدل والنظام، وإنصاف الجماعات ومساواتها، تُعيد الأمور إلى مجراها التاريخي الخاص بلبنان، فتعيش الشعوب اللبنانية بسلام كما كانت في الماضي.
وسعى الحويّك أيضًا إلى حسن تطبيق الإنتداب وعدم تحويله شكلاً من أشكال الاستعمار، وإلى وضع قانون أساسي موافق للبلاد ولطموحات أبنائها وطوائفها في المضمون والشكل كما في طريقة نصه. وشدّد على المحافظة على نظام الأحوال الشخصية لأسباب تاريخية إجتماعية ودينية. وطالب السلطات الفرنسية بعدم التدخُّل في الشؤون الدينية واحترام الخصوصية اللبنانية وعدم إدخال أفكار أجنبية إلى لبنان لا تتلاءم وواقعه. وأكد في الوقت نفسه على المحافظة على هيبة فرنسا واحترامها.
واعتبر الحويّك أن كل ما تحقّق في أيامه من توسيعٍ للحدود واستقلال للبلاد كان ثمرة نضال المسيحيين التاريخي في الشرق، وأنه نقطة البلوغ الحتمية لملحمتهم التاريخية. وفي آخر أربع سنواتٍ من حبريته، أصدر على التوالي عددا من المناشير السنوية.
وفي العام 1930 أصدر منشوره السنوي "محبة الوطن". وفي أواسط كانون الأول مرِضَ واشتدّ عليه الداء، قَبِلَ الأسرار الإلهيّة ورقدَ بسلام بين ذراعَي العناية في 24 كانون الأول
إنّه بطريرك لبنان الكبير، رجل الحوار والتلاقي، ومضيف الفقراء، حياته الحافلة بالإنجازات الوطنيّة والكنسيّة جعلت الكنيسة الجامعة تُعلنه مكرّمًا مع بدء ذكرى المئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، الذي كان هو رائدها وسيّدها، فلنرفع صلاتنا الى الربّ بشفاعة أمّنا مريم العذراء الذي لم ينقطع يومًا المكرّم من تلاوة ورديّتها، كي نراه قريبًا طوباويًّا فقديسًا على المذابح.
 
   akhawiyat.org   Sep 2, 2020
 
 

 
 
5- لبنان، ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻮﻧﻪ ﻋﻦ ﺑﻄﺮﻳﺮك "ﻟﺒﻨﺎن اﻟﻜﺒﻴﺮ
 أرشيف بكركي
 

إندلعت الحرب العالمية الأولى في 29/10/1914، ودخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب الى جانب المانيا. وفي 22/11/1914، دخل العثمانيون جبل لبنان. وفي 23/3/1915، حلّوا مجلس إدارة جبل لبنان، وألغوا نظام المتصرفية والامتيازات الأجنبية. وحاصروا جبل لبنان برًا، وشددوا الرقابة على شواطئه ومنعوا أي اتصال بين سكانه والحلفاء. فما كان من ذلك إلا أن سبّب المجاعة فيه ومات ثلث السكان من الجوع. فما كان من البطريرك الحويّك إلا أن جيّر أموال البطريركية المارونية وأمواله الخاصة لمساعدة الفقراء وإطعامهم، ونظم ذلك. ويُذكَر أن مقر البطريركية كان أحد مراكز توزيع الطعام. وأمر غبطته كل الأوقاف والأديار بإعالة الفقراء، وأمرها بالرهن والإستدانة والبيع لهذه الغاية. وحصل البطريرك على معونات مالية من المغتربين اللبنانيين ومن الحكومة الفرنسية عن طريق مفوضها في أرواد. وكان الأب بولس عقل يقوم بدور الوسيط بين أرواد وبكركي خلال تلك الفترة.

وقد حاول جمال باشا الملقب بـ"السفّاح" نفي البطريك الحويّك لكنه فشل. ثم طلب منه الحضور إلى مقره في صوفر يوم 13 تموز 1915. لكن اللقاء تمّ يوم 21 تموز وتناول في شكل أساسي علاقة الكنيسة المارونية بفرنسا. وفي أيار 1916، وبعد إعدامات بيروت ودمشق، طلب جمال باشا لقاء البطريرك مرة ثانية. ثم اتهمه بالوقوف وراء مقالات صدرت في الصحف الفرنسية عن محاولة إبادة اللبنانيين بواسطة المجاعة. طلب لقاء البطريرك مرة ثالثة في بحمدون خلال تموز 1917، وسأله المكوث في بحمدون فترة من الزمن. فأقام فيها من 25 تموز حتى 14 آب 1917. وفي بداية 1918، احتجز جمال باشا البطريرك في قرنة شهوان وكان يعمل على نفيه. ثم أطلقه بعد تدخُّل الفاتيكان وإمبراطور النمسا.
وفد من الكونغرس في بيروت هذا الاسبوع
وفد من الكونغرس الأميركي في بيروت هذا الأسبوع

وكان مؤتمر فرساي قد أفضى إلى تشكيل لجنة كينغ - كراين لاستقصاء رغبات سكان سوريا ولبنان وفلسطين في مستقبل بلادهم. وقد قابلت اللجنة البطريرك الحويّك في حزيران 1918، فطالب باستقلال لبنان وبالحماية الفرنسية له.

إنهيار الحكم العثماني

في غرّة تشرين الأول 1918، انهار الحكم العثماني في بيروت ودمشق وبعبدا في يوم واحد. وكان ممتاز بك، متصرّف جبل لبنان، قد سلّم قبيل انسحابه من بعبدا شؤون الإدارة في جبل لبنان إلى رئيس بلدية بعبدا حبيب فيّاض. وبعد يومين اجتمع موظفو الحكومة في بعبدا وانتخبوا الأميرين مالك شهاب وعادل أرسلان لإدارة الحكومة الموقتة. فأبرق البطريرك الحويّك إلى شهاب وأعلمه بوجوب المثابرة على إدارة الحكومة الموقتة بحزم وحكمة ووقف كل مخابرة تتعلق بشؤون البلاد إلى أن يتيسر له العودة إلى بكركي ويتم تبادل الآراء في هذا الشأن. وعندما تألفت حكومة الأمير فيصل العربية في دمشق، أرسلت اللواء شكري الأيوبي حاكمًا عامًا على ولاية بيروت وجبل لبنان، فحضر إلى بيروت في 7 تشرين الأول وأعلن دخول البلاد تحت الحكم الفيصلي، ثم توجه إلى مركز الحكومة في بعبدا وأعلن في احتفال حاشد قيام الحكومة العربية في جبل لبنان، ورفع العلم العربي على السرايا، ودعا مجلس الإدارة الشرعي المنتخب سنة 1912 إلى الاجتماع، وكلّف رئيسه حبيب باشا السعد بتولّي رئاسة الحكومة في جبل لبنان من جانب الأمير فيصل باسم والده الشريف حسين. فقبل السعد هذا التكليف وأقسم يمين الولاء والإخلاص للشريف حسين. وكان الأمير محمد سعيد الجزائري قد أبرق إلى البطريرك الحويّك يطلب منه باسم العربية [العروبة] والوطن أن يؤسس الحكومة العربية المستقلة في جبل لبنان، وهذا ما طلب إنفاذه عدد من وجهاء كسروان وممثلين عن عائلاتها، لكن الحويّك لم يتجاوب مع هذا المطلب.

خلال الأيام العشرة الأولى من شهر تشرين الأول عام 1918 وصل الجيش البريطاني الزاحف من فلسطين إلى بيروت على دفعات، سالكًا الطريق الساحلية، ومعه مفرزة فرنسية. وأنزل الأسطول الفرنسي إلى البر في بيروت فرقة من الجنود الفرنسيين. وبناءً على احتجاج فرنسي، أمر القائد العام الجنرال إدموند أللنبي بإنزال العلم العربي وعودة اللواء شكري الأيوبي ممثل فيصل إلى دمشق، وحلّ الحكومات العربية في بيروت وبعبدا والمدن الساحلية الأخرى وعيّن حكامًا عسكريين فرنسيين فيها. وهكذا انتهى الحكم العربي في هذه المناطق بعد أيام فقط من قيامه، ورحّب الحويّك بدخول الحلفاء.

عودة مجلس إدارة جبل لبنان إلى العمل

في 29/10/1918، عاد مجلس إدارة جبل لبنان الى العمل. وفي 9/12/1918، أرسل مجلس الإدارة الى مؤتمر الصلح في باريس أولَ وفدٍ لبناني رسمي، برئاسة داود عمّون الماروني وعضوية إميل إدّه الماروني إيضًا وعبدالله خوري-سعاده الروم الكاثوليك وعبد الحليم حجّار السنّي ونجيب عبد الملك الدرزي، للمطالبة باستقلال لبنان الكبير. وفي 18/1/1919، افتتح مؤتمر الصلح أعماله في باريس. وفي 15/2/1919، كانت مداخلة الوفد اللبناني الاول، لكنه لم يلْقَ أيّ جواب. وكان فيصل هناك.

وحاولت فرنسا عن طريق مراسلات بين بكركي وجورج بيكو إقناع البطريرك بمحاسن الإبقاء على الوحدة مع سوريا، لكن جواب البطريرك كان حازمًا بطلب الاستقلال الكامل. في الواقع كانت تلك المرحلة مرحلة تقرير مصير شعوبِ منطقة الشرق الاوسط وأوطانِها، ولكلٍّ من الاطراف المؤثِّرين مشروعه ويسعى إلى تحقيقه. وكان الامير فيصل يُمثِّل التيار العربي الاسلامي الذي يُطالِب بالوحدة السورية التي تضمّ لبنان الى سوريا معتبرًا هذا الأمر خطوة تقود نحو الوحدة العربية. وللوصول الى غايته، حاول إيقاظ الحس القومي العربي والديني الاسلامي وتحالف مع الانكليز. كما حاول ترغيب الفرنسيين وإقناعهم، وترهيب اللبنانيين وإسقاط مشروعهم من خلال دعمه ثوراتٍ وفتناً رتّبها على شكلٍ طائفي. وفي الوقت عينه، كانت الدولتان العظميان، فرنسا وانكلترا، تسعيان إلى توطيد نفوذهما على اكبر قسم ممكن من الشرق الاوسط. وللوصول الى هدفهما، حاولتا كسب ثقة الاكثرية المسلمة وإرضاءها ولو على حساب اصدقائهما. ورأت فرنسا، صديقة اللبنانيين الموارنة، أن المشروع الانسب لها وللمنطقة هو ايجاد ولايات متحدة سورية تُشكِّل في ما بينها نوعاً من الـ"كونفيديراسيون"، ولبنان إحداها. اما الحويّك، فكان متمسكاً بالمشروع اللبناني او "القضية اللبنانية"، أي إستقلال لبنان وتوسيع حدوده، ولم يقبَلْ بالمشروع العربي ولا بالمشروع الفرنسي، وشجب الاسلوب الذي اعتمده أصحابهما للوصول الى غايتهم.

لبنان جزء من سوريا؟

في 20/5/1919، أعلن مجلس الإدارة إستقلال لبنان في حدود 1860. بعد ذلك صرّح فيصل في دمشق بأن لبنان هو جزءٌ من سوريا، فأمّت الوفود اللبنانية الصرح البطريركي من كل الطوائف وسلّمت الحويّك تفويضات من اللبنانيين على اختلاف طوائفهم في جبل لبنان ولبنان الكبير والمهجر على السواء، تُخوِّله التكلُّم باسمهم والسعي الى تحقيق مطالبهم.


في 15/7/1919، ترك الحويّك الأراضي اللبنانية من مرفأ جونية مُتوجِّهاً الى مؤتمر الصلح، على رأسِ وفدٍ تألف من المطرانين اغناطيوس مبارك وبطرس فغالي وأمين سرّ البطريرك وشقيقه لاوون الحويك والتحق بهم مطران الروم الكاثوليك على زحلة والفرزل كيرلُّلس مغبغب. وحمل الحويّك معه التفويضات إلى فرنسا، فأُودِعت وزارة الخارجية الفرنسية. وبقي في بكركي "بيانٌ بالوكالات المقدمة لغبطته للمطالبة باستقلال لبنان وتكبيره".

وصل الوفد الى روما في 21/7/1919. وفي 23/8/1919 الى باريس، فنزل ضيفاً على الحكومة الفرنسية. ووصل البطريرك الحويّك إلى باريس حاملاً بيده خطابًا إلى رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ورئيس مؤتمر الصلح كليمنصو يتضمّن مطلب الإستقلال التام المُطلَق. إلا أن الواقع الذي لَقِيَه في باريس، جعله يُغيِّر في مطالبه ويتبنّى المُذكِّرة التي أُعدّت هناك ويقدّمها لمؤتمر الصلح في 25/10/1919. وقد أُدْرِج فيها مطلب الإنتداب الفرنسي وحملت عنوا “Les revendications du Liban

من 23/8/1919 حتى 7/11/1919 أجرى البطريرك الحويّك لقاءات واتصالات بأعضاء مؤتمر الصلح ورجالات الدولة واعضاء المجلس النيابي الفرنسي القادرين على مساعدته لاستيعاب تطلُّعات فيصل ولإقناع الفرنسيين بـ"القضية اللبنانية". وفي 10/11/1919 حصل البطريرك الحويّك على تعهُّدٍ خطي من رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ورئيس مؤتمر الصلح كليمنصو، يَعِد فيه اللبنانيين بالاستقلال، والجبل اللبناني بالسهول والمرافئ البحرية الضرورية لازدهاره. واعتُبِر هذا التعهُّد بمثابة وثيقة الاستقلال.

في 17/12/1919 أرسل البطريرك الحويّك المطران شكرالله خوري زائرًا بطريركيًا إلى القارتين الأميركيتين. ومن أهداف زيارته الأساسية دعوة الموارنة إلى العودة إلى وطنهم الأم لانتفاء الأسباب التي دفعتهم إلى الهجرة بعد حصول البلاد على استقلالها والوعد بتوسيعها وجعلها قابلة للحياة.

إستقبال المنتصرين

في 18/12/1919 ترك البطريرك الحويّك الأراضي الفرنسية. وفي 25/12/1919 وصل الى بيروت. فاستقبله اللبنانيون استقبال المنتصرين. إلا أن أرشيف بكركي يحفظ رسائل من لبنانيين موارنة وغير موارنة، أخذ بعضها على البطريرك الحويّك انه بقبوله مبدأ الإنتداب سلّم البلاد للفرنسيين، وبعضها الآخر أنه سار مسار الإنفصاليين.

لكن الامور لم تصل الى خواتمها السعيدة. فقد عُيِّن الجنرال غورو مفوضاً سامياً لفرنسا في لبنان، ولم يلْقَ تعيينه هذا أيَّ رفضٍ الا في مناطق البقاع، حاصبيا وراشيا. وما أن همّ العسكر الفرنسي بأخذ مواقعه في هذه المناطق، حتى أتاه أمرٌ من فرنسا بعدم دخولها. والسبب أن فيصل كان ما يزال في باريس، حيث التقى الرئيس كليمنصو وعقد معه اتفاقاً بترك إدارة هذه المناطق لحكومة دمشق، والأمن الداخلي لشرطةٍ محليّة. وقد قبِِل الرئيس كليمنصو بهذا الاتفاق رغبةً في الصلح. إلا ان فيصل، وفور عودته من باريس، صرّح ايضاً بأن لبنان لن يُوسَّع ولن يستقل عن سوريا، بل سيحصل في الأكثر على حكمٍ ذاتي واسع من ضمن سوريا. لذلك قلقت الافكار في لبنان، ورفض الحويّك هذا الطرح. وموقفه هذا وضعه في مواجهةٍ حتى مع الدبلوماسيين الفرنسيين. ولمعالجة هذه الأزمة، فكّر بالسفر مجدداً الى باريس، إنما لم يكن قد مضى على عودته أكثر من شهر، والسفر مضنٍ لرجلٍ في الثامنة والسبعين. لذلك قرّر وبقوة التفويض الذي حصل عليه من اللبنانيين، إرسالَ وفدٍ لمتابعة المهمة التي كان قد باشر بها. فكان الوفد الثالث برئاسة المطران عبدالله خوري، وفيه ألفرد موسى سرسق الأرثوذكسي وكامل بك الأسعد الشيعي والأمير توفيق إرسلان الدرزي، وكان يحمل معه 648 تفويضًا. وفيما اعتذر كامل بك الأسعد عن مرافقته وفوّض المطران عبدالله خوري مكانه، التحق بالوفد مطران الروم الكاثوليك على زحلة والفرزل كيرلُّلس مغبغب والمارونيان يوسف الجميّل وإميل إدّه. في 2/2/1920 ركب الوفد الثالث البحر. وفي 11 منه وصل الى باريس. وقد سعى الوفد لتحقيق مطالب اللبنانيين وفق ما حدّدها البطريرك الحويّك في مُذكِّرته الى مؤتمر الصلح في 25/10/1919، ولقد تركّزت مهمته الأساسية على توسيع الكيان اللبناني بمنحه السهول والمدن والمرافىء البحرية وعلى المطالبة بالإنتداب الفرنسي باعتبار أن وعد الرئيس كليمنصو كان وافيًا وقاطعًا لناحية إستقلال لبنان عن سوريا. وفي 1/9/1920 أعلن الجنرال هنري غورو ولادة دولة لبنان الكبير تحت الانتداب الفرنسي من قصر الصنوبر في بيروت وقربه البطريرك والمفتي. وفي 25/9/1920 عاد الوفد الثالث الى لبنان بعدما حصل على تعهُّد من رئيس مجلس الوزراء الفرنسي ميللران باستقلال لبنان الكبير في حدوده الطبيعية والتاريخية. وقد مرَّ بروما وحصل على بركة البابا بنديكتوس الخامس عشر خطياً على خريطة لبنان الكبير. وكان البطريرك الحويّك يتراسل مع المطران عبدالله خوري ويتابع من لبنان كل شيء ويقوم بكل ما يلزم. لكن مساعي الوفد الثالث لتثبيت الكيان اللبناني الكبير وللاعتراف باستقلاله لم تمرّ بسهولةٍ ولا بسلام، لا خلال وجوده في باريس ولا بعد عودته الى لبنان.

المؤتمر السوري الثاني

فبينما كان الوفد في باريس، جمع فيصل حلفاءه في دمشق في 7/3/1920، وعقد ما عُرِف بالمؤتمر السوري الثاني، الذي أعلن فيصل ملكاً على سوريا وفلسطين ولبنان. وكان هذا الإعلان الرسمي الاول للمملكة السورية وعلى رأسها فيصل ملكاً. وفي 25/4/1920، أوكل مؤتمر سان ريمو إلى فرنسا الإنتداب على سوريا وأغفل ذكر لبنان. وفي 12/7/1920، كتب غورو الى الحويّك يُبلِّغه أن فيصل أرسل مالاً الى بيروت بغية رشوة الناس لينحازوا اليه. وبالفعل ارتشى ثمانية من اعضاء مجلس الادارة، بـ 1500 ليرة. وقد قبض غورو عليهم واقرّوا بذلك ومن بينهما المارونيان سليمان كنعان وشقيق البطريرك سعدالله الحويّك. ومن 25 آب حتى 21 ايلول 1921، عُقِد المؤتمر السوري- الفلسطيني في جنيف، وشارك فيه لبنانيون منهم النائب سليمان كنعان. ورفض المؤتمر الإنتداب الفرنسي وطالب بالوحدة السورية. وفي 24/7/1923، وُضِعت معاهدة السلام مع تركيا. وقد جاءت على ذكر الأرمن والأشوريين والكلدان وسوريا، ولم تذكر لبنان ولا اللبنانيين.


وحصلت حوادثٌ داميةٌ وفتنٌ طائفيةٌ مدعومةٌ من فيصل، في جبل عامل والبقاع والشمال، راح ضحيتها مسيحيون كثر أَحرَقَ منازلهم وزرعهم شيعة ونصيريون. كما حصلت تعدِّيات شيعية في جرود كسروان. وأخذ سنّة من طرابلس وبيروت يطالبون بضمّ المدينتَين إلى سوريا. وأظهر الفرنسيون تقاعساً كبيراً في ملاحقة المجرمين وإنصاف المسيحيين وحمايتهم. وخلال 1925 – 1926، تكرّرت الحوادث الدامية، على يد الشيعة والعلويين، وانضم إليهم الدروز، وشهد جبل الدروز في لبنان وسوريا قسمًا منها. وأخذ الفرنسيون يطرحون من جديد مسألة الولايات المتحدة السورية التي تؤلف في ما بينها فيديراسيون، وفكرة الاستفتاء من جديد على نهائية كيان لبنان الكبير واستقلاله، وتقاعسوا تكراراً في ملاحقة المجرمين ومحاكمتهم، ولم يُنصِفوا الأبرياء المظلومين، بل عاملوهم أحياناً مذنبين، ونزعوا سلاحهم وتركوا السلاح في أيدي المعتدين.

التاريخ يعيد نفسه

وعلى رغم أن الموارنة لم يجتمعوا كلهم على رأيٍ واحدٍ سياسي ووطني تحت قيادة البطريرك الحويّك، إلا أن غبطته حسم أمره وحدّد رؤيته للقضية اللبنانية وخطة الوصول إلى تحقيقها ولم يحِدْ عن الثوابت والأفكار التي قادت أسلافه. وردًا على كل من تكلم باسم لبنان مطالبًا بأمور منافية للمطالب التي تقدّم بها لمؤتمر الصلح، كان الحويّك يُذكِّر بأنه الوحيد المفوض من كل اللبنانيين والمخول التكلم باسمهم. وقد دافع عن حقه بالتعاطي في الشؤون الوطنية والسياسية في وجه المواقف الغربية التي كانت تدعو إلى منع رجال الدين من ذلك. واعتبر نفسه الشيخ العارف بلاده أفضل من غيره والعالم بما تحتاج إليه، والصديق الأقدم لفرنسا في البلاد، المدرك أين تكمن مصلحتها العليا.

صحيح أن الحوادث المؤلمة والاحداث الصعبة التي مرّت بها البلاد سنتَي 1925 و1926 جعلت الحويّك يطرح حلولاً جذريةً كنقل الشعوب لكي يصبح لبنان بلدًا متجانسًا، لكنه كرّر في أكثر من رسالةٍ إيمانه بالعيش المشترك والوحدة اللبنانية. ورأى أن السبب في كل ما يحدث ليس دينياً بل هو سياسي، الهدف منه إنهاء الانتداب الفرنسي والقضاء على استقلال لبنان وإخضاعه لسوريا المُوحَّدة. واعتبر أن ما جرى من حوادث لا يُعبِّر عن الواقع اللبناني الأصيل ولا عن إرادةٍ لبنانيةٍ وطنيةٍ، بل هو نتيجة لتأثيرٍ إقليمي، ولتقاعسٍ في تطبيق العدالة والمساواة، ولضعفٍ في حكم البلد وإدارة شؤونه من السلطة الحاكمة. ورأى الحويّك أن الفرنسيين يُضحّون بأصدقائهم المسيحيين ليكسبوا محبة المسلمين ولا يعاقبوا هؤلاء على أعمالهم الإجرامية، بل يمنحونهم وظائف إدارية أكثر مما يستحقون وعلى حساب المسيحيين، وهم بسياستهم هذه خسروا محبة الأصدقاء ولم يكسبوا محبة الآخرين. وأشار إلى أن التطبيق "العادل" للانتداب وتسليم المواطنين زمام الحكم والإدارة والعدل، وإحقاق العدل والنظام، وإنصاف الجماعات ومساواتها، تُعيد الأمور إلى مجراها التاريخي الخاص بلبنان، فتعيش الشعوب اللبنانية بسلام كما كانت في الماضي.

وسعى الحويّك أيضًا إلى حسن تطبيق الإنتداب وعدم تحويله شكلاً من أشكال الاستعمار، وإلى وضع قانون أساسي موافق للبلاد ولطموحات أبنائها وطوائفها في المضمون والشكل كما في طريقة نصه. وشدّد على المحافظة على نظام الأحوال الشخصية لأسباب تاريخية إجتماعية ودينية. وطالب السلطات الفرنسية بعدم التدخُّل في الشؤون الدينية واحترام الخصوصية اللبنانية وعدم إدخال أفكار أجنبية إلى لبنان لا تتلاءم وواقعه. وأكد في الوقت نفسه على المحافظة على هيبة فرنسا واحترامها.

واعتبر الحويّك أن كل ما تحقّق في أيامه من توسيعٍ للحدود واستقلال للبلاد كان ثمرة نضال المسيحيين التاريخي في الشرق، وأنه نقطة البلوغ الحتمية لملحمتهم التاريخية.

(*) أرشيف بكركي
 
 
 
6- متحف البطريرك الياس الحويك: ذاكرة وطنية
للصحافية جان دارك أبي ياغي
 
يعتبر الكثير من الباحثين أنّ إعلان لبنان الكبير كحدث في تاريخ لبنان يفوق بأهميته ما حدث في العام 1943، أي إنهاء الانتداب وإعلان الاستقلال. فالاستقلال مسألة حتمية، وهو لو لم يحصل في ذلك العام لكان حصل بعده بسنة أو سنوات، أما إعلان لبنان الكبير بحدوده التاريخية فكان تحوّلًا مفصليًا في تاريخه.
أسهمت ظروف وتحوّلات دولية في إعلان لبنان الكبير، لكن في موازاتها كانت هناك جهود للبنانيين ناضلوا في سبيل وطنهم، ومن هؤلاء البطريرك الياس الحويك، الذي يُعدّ واضع حجر الأساس لبنيان لبنان الكبير، وهو كان، وفق ما وصفه شكيب إرسلان، «رأس الحربة الذي أخذ بين يديه المستقبل السياسي لشعبه».
هذا البطريرك الذي عُرف بمواقفه الوطنية هو من قال لكليمنصو رئيس وزراء فرنسا: « أنا بطريرك الموارنة، طائفتي لبنان، وأنا لكل اللبنانيين».
في نهاية مئوية لبنان الكبير، «الجيش» تتعرف إلى متحف بطريرك لبنان الكبير الياس الحويك في دير راهبات العائلة المقدسة المارونيات – عبرين، من خلال جولة تلقي الضوء على محتوياته، وعلى المواقف الوطنية للبطريرك الحويك.


يُقسم المتحف إلى ستة أقسام أو وحدات تجسّد كل واحدة مرحلة من مسيرة البطريرك الحويك الزاخرة بالعطاء.
وعند المدخل، ترحب بك لوحة زيتية للبطريرك مع نبذة عن حياته. رسم اللوحة الفنان الإيطالي سينغوداني في مناسبة انتخاب المطران الياس الحويك بطريركًا سنة 1899.
 
 
  • «مجدُ لبنانَ أُعطِي له»
    يضمّ القسم الأول الأواني الكنسية والملابس البيعية التي كان يستعملها البطريرك الحويك خلال حياته الكهنوتية:
    كأس وصينية قداس، تاج البطريرك الحويك مع صندوقه الخشبي الذي كُتب عليه باللغة السريانية: «مجدُ لبنانَ أُعطِي له»، عصا البطريرك المحفوظ في صندوق خشبي، بدلات قدّاس مطرّزة بخيط من ذهب، ثلاثة شعاعات للقربان المقدّس، ومجموعة صور للبطريرك الياس الحويك طُرِّزَتْ في وسطها كلمة «رضى». رضى الله كان مبتغى البطريرك الحويك طوال حياتِه. صلاته اليومية خير دليل على ذلك: «إلهي، إلهي! اجْعلْني أعِشْ وأمُتْ بِـرضاك...».
    ننتقل إلى القسم الثاني حيث نجد ذخيرة من جثمان البطريرك الياس الحويك، بالإضافة إلى صليبه وخاتمه،
    ونظاراته وساعته، وصليب كان يضعه على مكتبه. وفي ناحية أخرى، خَتْــمُ الياس الحويك وهو كاهن، وريشة ومِحبَرة ومخطوط رسالة وجَّهها إلى مؤسسة جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيات الأم روزالي نصر، كتبها وهو بعدُ مطران، بعد أيام قليلة من تأسيسها في 15 آب 1895. كما نجد في القسم نفسه «شْحيمة» البطريرك وسُبْحَتَه، وساعته ومُفكِّرَتَه، وثلاثة صلبان أُهدِيَتْ له.
     
  • أوسمة وميداليات من أعلى السلطات
    نجول في القسم الثالث الذي نجد فيه ميدالية من لـؤلـؤ منحوتة بـفـنٍّ وتـأنٍّ قُدِّمَتْ للبطريرك في أثناء مروره في مصر في العام 1893، وأوسمة كثيرة، من بينها: وسام فرنسي، وآخر عثماني وهو «الوِسامُ العثمانيُّ المرصَّع العالي الشأن»، الذي قدمه له السلطان العثماني عبد الحميد خانْ.
    نتابع في هذا القسم، فنرى كتاب تهنئة بـ44 لغة للبطريرك الياس الحويك بمناسبة انتخابه بطريركًا سنة 1899،
    وكتاب شكر من الجالية المارونية في الأرجنتين بمناسبة تَدشين تمثال شفيعها مار مارون سنة 1924، والوثيقة الرسمية لنقـل جثمان البطريرك الياس الحويك إلى عبرين في 12 أيار 1936، مع أختام الموقِّعين الكنسيين الذين أكدوا سلامة جثمان البطريرك الحويك.
    في زاوية أخرى سجادة مزخرفة من تصميم السيدة ليلى الهبر تحمل مقطعًا من صلاة البطريرك الياس الحويك: «ربِّي وإلهي، ليسَ لي إِلَهٌ غَيرَك ولا ربٌّ سواك، ولا ملجأ إلّاك، ولا اتّكالٌ إلّا عليك».
     
  • الحويك مكرَّمًا
    بتاريخ 6 تموز 2019 أعلن البطريرك مار بشاره بطرس الراعي أنّ قداسة البابا فرنسيس قرّر تثبيت عيش بطولة الفضائل من قبل البطريرك الياس الحويك (1843- 1931) وأعلنه مكرّمًا. وللمناسبة، افتتحت جمعية راهبات العائلة المقدّسة « سنة المكرّم البطريرك الياس الحويك وبدء مئوية لبنان الكبير».
     
  • لكل اللبنانيين
    على لوحة زجاجية في المتحف نقرأ شعار المتحف ومقولة للبطريرك الياس الحويك قالها لرئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو في 16 أيلول سنة 1919 قُبَيلَ ذهابه إلى عصبة الأمم في فرساي ليُمَثِّلَ لبنان ويطالب باستقلاله: «أنا بطريركُ الموارنة، طائفتي لبنان، وأنا لكلِّ اللبنانيّين».
     
  • الحويِّـك الراعي والقائد في صُوَر
    يلفتك في هذا القسم أيضًا لوح يحتوي على صور البطريرك الحويك في مختلف مراحل حياتِه: الإكليريكي الشاب سنة 1850، الكاهن الشاب سنة 1870، الأُسقف سنة 1889، البطريرك في بداية عهـده البطريركي، والبطريرك في أواخر أيام حياته. وثمة لوح آخر خاص بصُوَر البطريرك الحويك في مناسبات شعبية ورسمية مختلفة.
    وعلى لوح مطرَّز بخيط ذهبي عبارة مأخوذة من صلاة البطريرك الياس الحويك: «إلهي اجعلْني أعِشْ وأمُتْ برضاك».
    في مكان آخر لوح نُسجت عليه كلمة «العناية» بخيط من ذهـب. لقد لُــقِّـبَ البطريرك الياس الحويك بـ «رجُـل العناية»، وذلك لاتّكاله الدائم على العناية الإلهية بخاصة في أقسى ظروف حياته الشخصية والعائلية، الكنسية والوطنية... وأيضًا لِمَا تحلّى به من عناية تجاه الفقـراء والمحتاجين بخاصة إبّان الحرب والمجاعة وظروف البلاد الصعبة في عهده.
     
  • جناح الأم روزالي
    خُصص القسم الرابع من المتحف للأم روزالي نصر التي اختارها البطريرك الياس الحويك من راهبات الوردية في القـدْس لتساعـده في تأسيس جمعية راهبات العائلة المقدّسة المارونيات سنة 1895 لما اتّصفـت به هذه الأم من القـوة ورقّة القلب والحكمة والتمييز ومن عُـلُوِّ الهـمّة وحـسن التدبير. وهي أول رئيسة عامة استُشهدت في هذا الدير.
     
  • غرفة البطريرك ومكتبه
    تعكس غرفة البطريرك الحويك في المتحف تواضعه وبساطته اللذين اتسم بهما، وهي الغرفة نفسها التي كانت في بكركي وتشكّل القسم الخامس، ونجد فيها على الجانِبَـيْـن خـزانتـين تحـتويان أثوابًا كهنوتية خاصة بالبطريرك، فـراشه مع الغطاء، حذاء الليل ومقعده ووسادتين كان يتكئ عليهما، ومقتنيات أخرى.
     
  • رجل المواقف الوطنية
    خلال مجاعة الحرب العالمية الأولى في العام 1916، عانى لبنان الفقر ومات يومها ثلث سكّان جبل لبنان. أنشأ البطريرك الحويك شبكة سرية مؤلفة من المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات لتوزيع القمح على الفقراء (نظرًا إلى إغلاق كل المعابر البحرية) ووقّع معاهدة مع فرنسا لرهن كل الأملاك المارونية لتمرير القمح عبر مرفأ جونيه، وطلب من أصحاب الأفران على الساحل أن يوزعوا الخبز مجانًا على حساب بكركي. من مآثر الحويك أنّه باع كل ثمين في بكركي في سبيل إطعام الجياع من كل الطوائف اللبنانية، فكانت مقولته الشهيرة: «أَعطوا الجميع، البطريركية أمٌّ حنون تَعتَبِرُ الجميعَ أولادَها. لا فرقَ بين مسيحيٍّ ومُسْلِم».
    في هذا الإطار، تنتشر مجموعة صور تُظهِرُ البطريرك الياس الحويك في عدّة مواقف وطنية أبرزها خلال إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول العام 1920 في قصر الصنوبر وإلى جانبه الجنرال غـورو. إلى صور مع قادة مدنيين ومؤمنين من على شرفة الصَّرح البطريركي في بكركي، وصورة «بورتريه» له مع النياشين والأوسمة.
     
  • بركات باباوية
    في القسم السادس والأخير، أقدم إفادات خطية لنعم ٍوشفاءات حصلت بشفاعة البطريرك الياس الحويك،
    وبركات بابوية مخصصة لجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيات استحصل عليها البطريرك الياس الحويك.
    هذا هو البطريرك الياس الحويك الذي اختار لبنان طائفة له وأدّى دورًا قياديًا في استقلاله، وفضّل أن يكون بطريركًا صغيرًا في لبنان الكبير على أن يتنازل عن شبر واحد من أرضه. كان هدفه إنشاء دولة يعيش فيها كل أبنائه بالتساوي وبحرية، فجمع القداسة والبطولة والإبداع، ولُقّب برجل الاستقلال، ورجل دولة لبنان الكبير.
     
  • لا تتركوا البلاد
    على إحدى الزجاجيات مقولة للبطريرك الياس الحويك مأخوذة من رسالته الراعوية الأخيرة «محبة الوطن» التي كتبها سنة 1931: « لا تَـترُكوا البلادَ، ذلك واجبٌ تقتضي به الوطنيّةُ الحَقَّة».

    للصحافية جان دارك أبي ياغي
 
    Chucri Simon Zouein, Computer engineer
   
echkzouein@gmail.com
© pure software code - Since 2003
 
Jan 2022,  www.puresoftwarecode.com